NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

مكتملة منقول الدكان ـ أربعة وتسعون جزء 21/102023

٤١
ذرعت الغرفة جيئة وذهابًا وهي تفرك كفيها بعصبية واضحة، فما حدث اليوم أمام أنظارها – خاصة مع رمز الرجولة الأصيلة عندها - دق ناقوس الخطر لديها.
,
, تجهمت تعابير وجهها ، وضغطت على شفتيها بقوة مانعة نفسها من إطلاق شتائم مهينة.
, استقبلتها أمها بترحاب كبير وكأنها لم ترتكب شيئًا بل أصرت على بقائها في أحضانها اليوم ، وغفت معها في غرفته .. ذلك المكان الذي تمنت أن تنام هي فيه بدلًا منها.
,
, التفتت نيرمين لتنظر لأختها الغافلة على الفراش بحدة قبل أن تجلس على طرف الفراش الأخر.
, همست لنفسها بغل واضح :
, -جيتها المرادي هتجيب علينا الخراب!
,
, زفرت بعدها بغيظ بائن ، فمازالت أسيف تستحوذ على كل شيء منذ أن وطــأت قدماها بيتهم المتواضع.
, هي ببراءتها الساذجة تنجح دومًا في سلب العقول ، وجذب الانتباه ، وما أكثر من حنقها نحوها أن الجميع يعيرونها الاهتمام حتى لو بدت طائشة حمقاء.
,
, انتبهت لصوت بسمة الناعس وهي تقول:
, -ارحمي نفسك ونامي
,
, ردت عليها نيرمين بحقد :
, -مش جايلي نوم ، هاموت من البلوى اللي حلت علينا ؟
,
, تساءلت بسمة بنبرة متثاقلة :
, -قصدك على أسيف ؟
,
, صاحت بها نيرمين بصوت محتد :
, -ماتنطقيش اسمها قصادي ، بأتعصب لما بأسمعه ، كان نفسي تغور في داهية ومانشوفش خلقتها تاني !
,
, أضافت بسمة بجدية :
, -هي مش رجعت خلاص ، وأمك ماسكة فيها بإيدها وسنانها ، يعني انسي انها تسيبها وتمشي !
,
, ردت عليها نيرمين بحنق بارز في نظراتها الضيقة ونبرتها الحادة :
, -وده اللي فاقعني ، على ايه مش عارفة ، دي حي**** مكملتش كام يوم عندنا ، خلاص بقت فرخة بكشك عندها
,
, تثاءبت بسمة وهي ترد :
, -حكمة **** !
,
, نفخت نيرمين متابعة بغيظ أكبر :
, -أووف ، هاطق من جنابي منها
,
, ردت عليها بسمة ببرود إلى حد ما :
, -بصراحة من اللي بتعمليه قصادي ده اللي هايحصلك !
,
, أضافت نيرمين قائلة بغل وهي تكور قبضتها في الهواء :
, -آآخ لو أطبق في زمارة رقبتها ، آه لو أتساب عليها !
,
, حدقت بسمة في أختها بنصف عين ، ورأت مدى العصبية المتشنجة الواضحة على تعابير وجهها وتصرفاتها ، فحذرتها قائلة :
, -صدقيني انتي لو تهدي حبة وتخليكي باردة هترتاحي
,
, التفتت نيرمين برأسها ناحيتها ، وحدجتها بنظرات حانقة وهي ترد بتبرم :
, -انتي هبلة ومش فاهمة حاجة من اللي بتحصل حواليكي! نقطينا بسكاتك يا بسمة ونامي أحسن ٤ علامة التعجب
,
, تمطت بسمة بذراعها وهي تتابع بإنهاك :
, -طيب يا أم العريف ، هانام لأحسن مصدعة على الأخر !
,
, زفرت أختها مجدداً هاتفة بزمجرة عالية :
, -يووه ، اسكتي ، أصلًا انتي جبتلي صداع ! وأنا على أخري
,
, ردت عليها بسمة بعدم اقتناع :
, -أنا برضوه ولا آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها قائلة بغضب جم :
, -يووه يا بسمة ، ابعدي عني السعادي ، كفاية عفاريت الزفتة دي اللي بتتنطط قصادي !
, ٣٨ نقطة
,
, استسلمت لرغبتها المُصرة على نومها معها ومشاركتها الفراش ، كانت متحرجة من وضعها الحالي ، لكن لعطف عمتها اللامحدود ، وطيبتها الزائدة رضخت لتوسلاتها.
, مسدت عواطف على رأسها برفق متمتمة بكلمات متضرعة للمولى :
, -ألف حمد وشكر ليك يا رب ، الحمد**** إنك رجعتي تاني يا بنتي ، **** ما يحرمني من دخلتك عليا أبدًا!
,
, استمعت أسيف إلى أغلب دعائها ، وبكت في صمت متأثرة
, بروحها النقية التي ذكرتها بأبويها الراحلين. كانا دائمي الدعاء لها ، لم ينقطع لسانهما عن مناجاة **** من أجل تيسير أمورها ..
, واصلت إدعاءها بالنوم حتى غفت وهي تضمها إلى صدرها.
, ٣٠ نقطة
,
, انتظر بفـــارغ الصبر انقضـــاء ساعات الليل لكي يعود إلى منزله بعد أن تمكن التعب منه ..
, ورغم حرصه على عدم إزعـــاج من بالبيت وتفضيله البقاء بالخــارج إلا أنه قد أرهق تمامًا ، وأصبح بحاجة ملحة للإسترخاء والنوم ، لذلك قرر العودة إليه..
, ولج ديــــاب إلى المنزل بهدوء حذر ، وســار بخطوات هادئة نحو غرفة ابنه يحيى. فقد ظن أن غرفته ربما تكون مستغلة من قبل ضيوفهم.
, أوصد الباب خلفه بهدوء ، ودنا من فراشه بحرص شديد.
, انحنى على رأس صغيره ليقبله بحنو أبوي كبير ، ثم التفت برأسه لينظر إلى أروى التي نامت إلى جواره.
, مسح على جبينها برفق ، ودثرهما جيدًا قبل أن يعتدل في وقفته ، ويلقى بثقل جسده على الأريكة.
, رفع ساقه للأعلى لينزع حذائه من قدمه، وكرر الفعلة مع الساق الأخرى.
, فرك وجهه بتعب ، وتمط بذراعيه في الهواء. ثم نهض من جلسته ليتجه نحو الشرفة. حرك عنقه للجانبين ليخفف من حدة ذلك التيبس الخفيف الذي شعر به.
, تثاءب بتعب وهو يفتح الشرفة ليلج للخارج. ضربت نسمة باردة ومنعشة صدغيه فإرتعش قليلًا.
, أغلق الباب خلفه بهدوء ، وسحب المقعد ليجلس بإسترخاء تام عليه قبل أن يغمض عينيه ليستسلم لسلطان النوم.
, ٢٨ نقطة
,
, لم تتمكن من النوم جيدًا ، فتغيير الفراش يسبب لها أزمة ، هي إعتادت على ما يخصها ، وحينما تضطر للنوم خارج منزلها تصاب بالأرق.
, رفعت رأسها عن الوســادة ، وأدارت رأسها في اتجاه أختها التي غطت في نوم عميق رغم حالة الانفعال التي كانت مسيطرة عليها.
, فركت كتفيها بيديها ، ونهضت عن الفراش لتتجه إلى الشرفة ، أردات أن ترى المنظر العام من الأعلى في تلك الساعة المبكرة.
, لم يطرأ ببالها أن الشرفات الخاصة بغرف الصغار متصلة ببعضها البعض ، وبالتالي لم تتوقع وجود أحد بالخـــارج ..
,
, وضعت يدها على شعرها المفرود ، ومشطته بأصابعها لتجمعه سويًا ، ثم ولجت للخـــارج.
, اقتربت من حافة الشرفة ، واستندت بمرفقيها عليها.
, تثاءبت بسمة بصوت شبه مسموع وهي مسلطة أنظارها على الطريق بالأسفل.
,
, فتح ديـــاب جفنيه على صوت تلك الحركات الخافتة الصادرة من الغرفة المجاورة.
, كان متأهبًا لكنه لم يصدر صوتًا. تفاجيء بخروجها للشرفة بأريحية كبيرة دون إدراك منها لوجوده.
, ارتفع حاجباه للأعلى ، واستشعر الحرج لتكرار تلك المواقف الخجلة بينهما.
,
, تردد لوهلة في تنبيهها لوجوده معها ، وأخفض نظراته وهو يستطرد حديثه قائلاً بجدية :
, -على فكرة البلكونة مش تبع البيت ، دي حتة من الشارع !
,
, انتفضت بسمة في مكانها فزعـــة من صوته ، وتسارعت دقات قلبها بخوف شديد وهي تلتفت نحوه ، لكنها سريعًا ما استعادت هدوئها ، وضبطت أنفاسها وهي ترمقه بنظرات مزعوجة من طريقته في الحديث.
,
, أرادت أن تبدو جلدة متبلدة أمامه حتى لا يفرض سخافاته عليها ، فقطبت جبينها ، وردت عليه بعبوس قليل :
, -هو ممنوع نقف فيها ولا حاجة ؟
,
, هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بهدوء :
, -لأ .. خدي راحتك !
,
, ولكن ضاقت نظراته نحوها ، وهتف متساءلًا بنبرة ذات مغزى :
, -بس انتي مش محجبة باين ؟
,
, كتفت ساعديها أمام صدرها وهي ترد بتهكم:
, -أكيد يعني ، انت فاكر ايه ؟
,
, أومــأ بعينيه مرددًا بإبتسامة متسلية :
, -طب تمام ، أصل أنا شايف شعرك كله !
,
, شهقت مصدومة من عبارته الأخيرة، ووضعت يديها عفويًا على رأسها محاولة تغطيته.
,
, أدركت أنها خرجت بدونه ، وتصرفت بتلقائية تامة فلم تتخذ حذرها.
, توردت وجنتيها إلى حد ما من حرجها ، وابتلعت ريقها بتوتر بائن
, أولته سريعًا ظهرها ، وركضت عائدة للداخل لتوصد باب الشرفة خلفها.
, اتسعت ابتسامته الساخرة من طريقتها الخرقاء في التصرف برعونة في بعض المواقف ، وتمتم مع نفسه بمزاح :
, -إنتي حالة عجيبة!
, ٣٨ نقطة
,
, توترت أكثر ، وتوردت وجنتيها بعد ذلك الموقف الحرج الذي تعرضت له معه.
, تسمرت بسمة في مكانها لعدة للحظات محاولة استيعاب ما دار قبل دقائق.
, كانت في موقف قوة ، مستعدة للجدال معه إن لزم الأمر ، لكنه فرض سيطرته على الوضع كليًا ، وخرجت هي منه متخاذلة خالية الوفـــــاض.
, أمسكت بالستائر وغطت بها زجاج الشرفة لتظلم الغرفة من جديد ، وضربت برأسها عليه عدة مرات معنفة نفسها بتبرم:
, -انا غبية ! ازاي ماخدتش بالي !
,
, ألقت بجسدها على الفراش ، وسحبت الملاءة فوقها لتدفن نفسها أسفلها لاعنة تصرفها الأحمق.
, ٣٨ نقطة
,
, انقضى الليل ، وأشرق نهار أخــــر معلنًا عن يوم جديد في حياة الجميع.
, استعدت عواطف للعودة إلى منزلها، وبالطبع لم تتركها جليلة لا هي أو حتى ابنتيها – وكذلك ابنة أخيها – دون القيام بأخـــر واجبات الضيافة معهن.
, تحرجت بسمة من الخروج من الغرفة ، وأثرت البقاء بها حتى لحظة انصرافهما متحاشية الالتقاء بدياب.
, هو لم يكن واعيًا ليقابلها ، فقد غفا في غرفته حينما تأكد من خلوها من الضيوف.
, على عكسه بقي منذر بالوكالة حتى الصباح ، وحينما تأكد من استيقاظ الجميع ، هاتف والدته قائلًا بجدية :
, -أنا هاوصلهم بعربيتي ، خليهم بس يجهزوا وكلميني !
,
, ردت عليه بلطف :
, -وماله يا منذر ! يخلصوا فطـــار وهاطلب عليك !
, -ماشي!
,
, وبالفعل ما إن انتهت جميعهن من تناول الإفطار حتى اتصلت بابنها لتؤكد عليه استعدادهن.
, لم يحتاج لأي وقت للوصــول ، فقد مكث أسفل المنزل منتظرًا تلك المكالمة.
,
, تعاملت نيرمين بجفاء شرس مع ابنة خالها ، لم تكن تطيق وجودها حولها ، وظلت ترمقها بحدة رغم تجنب الاثنتين للحديث معًا.
, لفت عواطف ذراعها حول خصر أسيف مرددة بسعادة :
, -أنا فرحانة إنكم حواليا ، **** يديمكم نعمة في حياتي
,
, ردت عليها جليلة بود وهي تمرر أنظارها على الثلاث شابات :
, -يا رب يا عواطف ، و**** إنتي **** بيحبك ورزقك بشوية بنات زي السكر !
,
, هتفت نيرمين بحماس محاولة كسب ودها أكثر :
, -كان بودنا يا خالتي نقعد معاكي أكتر ، بس مايصحش نتقل عليكم أكتر من كده ، كفاية إن سي منذر نام برا ، وآآ.. ودياب كمان !
,
, ثم اقتربت منها لتقبلها بحنو زائد لكنه مصطنع.
,
, ردت عليها جليلة بمكر وهي تمسح على ظهرها برفق :
, -يا ريت تتقلوا ، هو أنا عندي أعز منكم !
,
, رسمت نيرمين على ثغرها ابتسامة متكلفة وهي ترد :
, -**** يخليكي لينا يا رب!
,
, أضافت جليلة قائلة بجدية :
, -عاوزة أشوف البنات تاني يا عواطف ، وخصوصًا الكتكوتة دي !
,
, ثم أشارت بعينيها نحو الرضيعة.
, تحمست نيرمين كثيرًا لترحابها الشديد بها ، وردت بسعادة:
, -و**** دي ما شافت نوم ولا راحة إلا هنا ، البركة موجودة في كل حتة في البيت !
,
, وضعت جليلة يدها على رأس الرضيعة ، ومسحت بحذر شديد عليها قبل أن تنحني برأسها عليها لتقبلها برفق وهي تقول :
, -**** يحميهالك !
,
, أضافت عواطف هي الأخرى بإبتسامة مجاملة :
, -يا رب أمين ، تسلمي على ذوقك !
,
, التفتت جليلة برأسها نحو بسمة ، ثم قالت بألفة :
, -وإنتي يا بسمة ، مش محتاجة وصاية ، العيال معتمدين عليكي في المذاكرة !
,
, أومــأت برأسها بالإيجاب قائلة بإيجاز :
, -أكيد !
,
, هتفت عواطف مودعة إياها بإمتنان :
, -فوتك بعافية يا ست جليلة !
,
, ردت عليها الأخيرة بلطف :
, -**** يعافيكي ويشفيك !
,
, ثم أشارت بحاجبيها لأسيف وهي تضيف بصوت هاديء:
, -وسلامتك يا بنتي !
,
, ردت هي عليها بصوت خافت :
, -**** يسلمك
,
, تابعت جليلة قائلة بتفاؤل :
, -إن شاء **** تطيبي قريب !
,
, اغتاظت نيرمين من ذلك الحوار الودي الدائر بينهما ، وهمست بغل :
, -إياكش تقع على بوزها وهي نازلة !
,
, تحركت بسمة أولًا في اتجاه الباب لتفتحه ، لكن تجمدت خطواتها عند العتبة حينما رأت منذر واقفًا أمامها.
, أردف قائلاً بصوت خشن :
, -سلامو عليكم !
, تراجعت للخلف ضاغطة على شفتيها وهي تقول :
, -وعليكم السلام
,
, تهللت أسارير نيرمين لوجوده ، وابتسمت ببلاهة وهي محدقة به.
, أخذت تهدهد ابنتها بحركات سريعة نسبيًا محاولة التحرك للجانب لرؤيته بوضـــوح.
, ابتسمت عواطف وهي تضيف بحرج قليل :
, -معلش يا بني ، هانتعب معانا ! إنت ملكش ذنب في الدوخة دي !
,
, رد عليها بجمود :
, -ولا دوخة ولا حاجة ، وقبل ما أنسى في موظف من الشهر العقاري جاي عندك البيت عشان توثيق العقود !
,
, هزت رأسها بتفهم وهي ترد بحذر :
, -طيب
,
, نظرت إليه أسيف من طرف عينها ، فقد فهمت المقصود من عبارته ، هو أراد ترديد الأمر على مسامعها ليؤكد لها أن تملك حصة عمتها بدكانها.
, اختنق صدرها من مجرد التفكير في الأمر ، ولم تعقب عليه.
, سلط هو أنظاره عليها مراقبًا ردة فعلها، لكنه أثار ريبته تجاهله له.
, تنحنح بخشونة ، ثم أضاف قائلًا بصوت آمر :
, -اتفضلوا !
,
, تنحى بعدها للجانب ليترك المجال لبسمة لتمر أولًا ، ثم انتظر خروج والدتها خلفها.
, تباطئت نيرمين في خطواتها لتصبح ملاصقة له ، وبالتالي تتمكن من التحرك معه ، لكنه استدار برأسه ناحيتها ليرمقها بنظرات جافة وهو يقول بصرامة :
, -اتفضلي ! السكة واسعة !
,
, ضاقت نظرات نيرمين نحوه ، وتلاشت ابتسامتها من وجهها ليحل التجهم عليه.
, كانت كمن ينفث دخانًا من أذنيه وهي تلحق بأختها وأمها.
, عرجت أسيف بقدمها اليسرى أثناء خروجها من المنزل محاولة استباقهما بخطواتها المتآلمة.
, أوقفها منذر مرددًا بجدية :
, -رايحة فين ؟
,
, رفعت أنظارها لتحدق فيه بغرابة :
, -نازلة !
,
, زاد عبوس وجهها وهي تضيف بتهكم ساخط:
, -اطمن ، أنا مش هاهرب ، معدتش عندي طاقة أعمل حتى ده !
,
, دنا منها بخطواته المفاجئة ، فارتعدت من اقترابه المهدد ، وانحنى فجــأة نحوها ممددًا ذراعه أسفل ركبتيها ، ومحاوطًا بالأخر خصرها ليحملها عنوة.
, اتسعت حدقتاها مصدومة من تكراره لتلك الفعلة الجريئة غير مكترث بمن حوله.
, وقبل أن تنفرج شفتاها لتهتف بإستنكار ، صـــاح قائلًا بهدوء واثق:
, -زي ما طلعتك هنزلك !
,
, توترت من حديثه الذي ألجم لسانها ، واكتسى لون بشرتها الذابل بحمرة دموية عجيبة.
,
, على الجانب الأخر أصبح وجــــه نيرمين ككتلة من الجمر المتقد على ألهبة نيران حامية حينما رأت هذا المشهد أمامها.
, شهقت مذهولة من تصرفاته المتجاوزة مع من تمقتها ، وزادت نظراتها الشرسة إليها.
,
, كزت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تحطمهم من فرط العصبية المكتومة داخلها.
, في حين عقدت جليلة ما بين حاجبيها متعجبة من أفعال ابنها الغامضة ، وحدقت فيه بغرابة شديدة.
, وضعت إصبعيها أسفل ذقنها ، ودققت النظر إليهما وهي تحدث نفسها بحيرة :
, -**** ! ماله شاغل بيها باله ؟
,
, ارتابت من ابنها إلى حد كبير ، خاصة أنه بدا أكثر توددًا لتلك الفتاة عن ابنة عواطف التي تحثه على التفكير فيها.
,
, عقدت العزم على ألا تدع الأمر معلقًا دون أن تثيره معه لاحقًا ، ففي النهاية هي أم ، ومصلحة ولدها تعد شاغلها الأكبر والأهم ٣ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٢
بدت منزعجة من تجاوز ابنها للأعراف والتقاليد المتبعة في منطقتهم الشعبية ، وتصرفه بعقلانية قليلة مع قريبة عواطف.
, ربما هي تتعاطف معها لكنها لن تسمح بحدوث شيء غير لائق.
, أغلقت الباب بعد انصراف الجميع ، وســارت تفكر مليًا فيما رأته عيناها.
, استمرت في حك ذقنها وهي تحدث نفسها بضجر :
, -مايصحش أسكت عن اللي شوفته ده ، حتى لو نيته يساعدها !
,
, هزت جليلة رأسها بإيماءة واضحة وهي تضيف مستنكرة :
, -بردك دي مش أصول ، وهو المفروض يبقى عارف ده ، والناس ليها الظاهر!
,
, ظلت هكذا لعدة دقائق تحاول اقناع نفسها أن صمتها عما صار يعني رضاؤها التام وهو ما لم يحدث.
, هي لديها مخططات من أجله ، ولن تحيد عنها في الوقت الحالي ، ولن تدع أي شيء يعكر صفوها.
, ٣٦ نقطة
,
, ظل حاملًا إياها طوال هبوطه على الدرج ، وهي بالطبع كانت في قمة خجلها منه. هو يبرع في استغلال الموقف ، وهي مضطرة لمواكبته رغمًا عنها.
,
, لم تخلو بشرتها من تلك الحمرة الساخنة التي اكتست وجهها كليًا، وتحاشت قدر المستطاع التحديق به على الرغم من إحساسها بأن نظراته لم تفارقها.
, أصاب حدسها الأنثوي في ذلك ، فمنذر واظب على مطالعتها بنظرات غريبة. نظرات حملت بين طياتها خوفًا من أن تلاقي تلك الهزيلة مصيرًا مشابهًا للمراهقة المتوفاة.
, هي مصادفة علقت مع شخص يعلم جيدًا بنواياه الدنيئة .. ولكنها غير مدركة بعد لحقيقة الوضع. لذلك أخذ على نفسه العهد أن يمنعه عنها ، مهما كلفه الأمر.
, لحقت بهما نيرمين وعيناها تطلقان شررًا متقدًا.
, لو كان الحنق شخصًا لتجسد ببشاعته ليعكس ما تشعر به الآن.
, لم تتوقف عن رمقها بنظرات احتقارية مشتعلة ، فتلك البائسة تعيسة الحظ تنعم بما حُرمت هي منه ، من أبسط الأحلام الوردية لأي فتاة مقبلة على الزواج ..
, حرمت من زوج محب يدافع عنها ويحميها ، من شخص يخشى عليها من إصابتها بالسوء ، بل يفني عمره من أجلها هي فقط ..
, فأسيف من وجهة نظرها تملك – رغم يتمها – الكثير والكثير. وهي لن تقف في وضع المشاهد الصامت تراقب اندلاع شرارة التجاذب بينهما.
, خشيت نيرمين أن تعترف لنفسها بأنها تكن شيئًا لذلك الذي يجذبها إليه رغم جفاءه معها. بأن قلبها قد تحرك ونبض لأجله.
, ربما هي مجرد أوهام في عقلها ، ليست واثقة من تفكيرها ، لكنها إن تركت العنان لمشاعرها ، وسمحت لها بالخروج من بوتقتها سيظهر الأمر واضحًا عليها.
, تريثت فيما تفكر به .. ومع ذلك ستمنع غيرها من التطلع إليه.
, ٢٧ نقطة
, بعد لحظات كان قد وصل بها إلى مدخل البناية ، وحينما اقترب من سيارته أنزلها على ساقيها.
, اتكأت هي على كتف عمتها لتكمل المسافة القصيرة المتبقية سائرة بخطوات عرجاء.
, فتح منذر الباب الخلفي لسيارته لتركب بسمة أولًا ، وانتصفت في جلستها بالمقعد لتشكل حاجزًا بين أختها وابنة خالها.
, جلست إلى جوارها أسيف ، وفي الجانب الأخر نيرمين ، بينما جلست عواطف في المقعد الأمامي.
, عدل هو من وضعية المرآة ليطالع من خلالها وجهها الحزين.
,
, بقيت أنظاره عليها ، وكذلك ظلت أنظار نيرمين تراقبه عن كثب .
, كانت دومًا تعقد تلك المقارنة المؤلمة ..
, تمنت لو شعر بتلك الحرقة المتأججة في نفسها. أن تتعلق رغمًا عنك بمن لا يشعر بوجودك.
, هي لم تنعم مطلقًا بنظرات كتلك ، ولم تحظَ بفرصة للتعبير عن مشاعرها تجاه طليقها. فقط البؤس والإهانة حتى في أبسط الأشياء.
, نفضت عن عقلها ذلك التفكير المرهق ، ورسمت على ملامح وجهها تعابير جامدة.
, فقبل أن تشرع في أي شيء عليها أن تتأكد أولًا مما يؤرقها..
, ٤٨ نقطة
,
, أوقف السيارة عند المدخل تقريبًا ، فترجلت أسيف سريعًا منها لتهرب منه قبل أن يحاصرها بأفعاله التي تخجلها، وتحاملت على نفسها تلك الآلام الموجوعة لتلج للبناية.
, لحقت بها بسمة ، ومن خلفهما كانت تسير عواطف بخطى متمهلة.
, أطفأ منذر المحرك ، واستعد للنزول والدخول للمدخل للتأكد من وصولهن للأعلى ، لكن أسرعت نيرمين بإعتراض طريقه لتمنعه من تكرار الأمر ، وشكلت بجسدها حائطًا أمامه ، ثم ابتسمت هاتفة بنعومة مصطنعة:
, -**** يخليك لينا يا سي منذر ، و**** لولاك كنا بقينا في حوسة!
,
, نظر لها بجمود وهو يرد بفتور :
, -عادي يعني !
,
, تابعت قائلة عن عمد :
, -الحق يتقال مافيش زي شهامتك ولا جدعنتك ، وخصوصًا مع آآ..
,
, توقفت عن اتمام عبارتها لتخفض نبرتها قائلة بقصد :
, -مع الكل حتى لو كان قليل الأدب وناكر للجميل !
,
, انعقد ما بين حاجبيه مرددًا بعبوس :
, -نعم ٣ علامة التعجب
,
, أشارت بكفها للخلف وهي توضح غموض عبارتها بتجهم خفيف :
, -قصدي على القاسية اللي معدنهاش ددمم ، بنت خالي ، وشهامتك معاها مع إنها ماتستهلش!
,
, التوى ثغرها بابتسامة تهكمية وهي تضيف بمكر :
, -بس هي بردك زي أختك الصغيرة، إنت أكيد اتصرفت معاها على الأساس ده ، صح؟
,
, هتف مشدوهًا وقد ارتفع حاجبه للأعلى بإستنكار جلي :
, -أختي ؟!
,
, ابتسمت ببلاهة وهي تكمل بخبث :
, -اه ، ماهي لو مكانتش أختك مكونتش إنت تعبت نفسك عشانها وشلت همها معانا!
,
, فهم منذر ما الذي ترمي إليه ، فانتصب في وقفته ، ورمقها بنظرات حادة هاتفًا ببرود :
, -أها .. ما انتو كلكو أخواتي !
,
, اتسعت حدقتاها إلى حد كبير عقب جملته المتعمدة تلك ، وتابع بجفاء :
, -وخصوصًا إنتي !
,
, انفرج ثغرها بصدمة أكبر ، وقبل أن تفيق منها ، استأنف حديثه بجمود مستفز :
, -ويالا بقى عشان تلحقي أمك وأخواتك يا .. يا أختي !
,
, رمقها بنظرات أخيرة جافة قبل أن يستدير بظهره ليركب سيارته ويقودها مبتعدًا عنها.
, ظلت متسمرة في مكانها عدة لحظات محاولة استيعاب الموقف.
, غمغمت مع نفسها بغيظ :
, -أخته مين ! هو اللي هاعمله فيها هايطلع عليا ، و**** ما يحصل أبدًا ٣ علامة التعجب
,
, عاودت تكرار العبارة الأخيرة هاتفة بإستنكار:
, -هـــــه ، بيقولي يالا ياختي ، أل أخته أل !
, ٤٨ نقطة
,
, لاحقًا، دس في فمه الكثير من الطعام دفعة واحدة يلكوه بطريقة مقززة.
, نظر له أباه بنفور مرددًا :
, -بالراحة يا بني ، دي مش طريقة أكل !
,
, رفع مجد أنظاره عن صحنه ليرد عليه بصوت متحشرج وبقايا الطعام تتقاذف من فمه:
, -جرى ايه يا حاج ، معدتي نشفت من الزفت اللي كنت بأكله
,
, نظر له مهدي شزرًا وهو يقول :
, -مقولتش حاجة ، بس مش كده
,
, عبس بوجهه أكثر قائلًا :
, -طيب ! خلاص !
,
, وضع مهدي كفه على الكف الأخــر محدقًا أمامه بشرود ، ثم تمتم مع نفسه بضجر:
, -استرها يا رب في اللي جاي!
,
, ضيق مجد نظراته نحوه ، ثم مسح يديه في المنشفة الموضوعة أمامه وهو يسأله بجمود:
, -انت لسه شايل هم الولية شادية ؟
,
, رد عليه بامتعاض:
, -اه ، انت مش عارفها دي عقربة ، قرصتها والقبر
,
, غرز مجد ظافر يده في أسنانه يسلكها ، وصاح بصوته الخشن :
, -على نفسها مش عليا !!
,
, حذره أباه قائلًا بغلظة :
, -بأقولك ايه أنا مش عاوز مشاكل لا معاها ولا مع غيرها ، وكفاية إن الدور اتلم قبل ما يولع من تاني مع عيلة حرب
,
, أغاظته كلماته الأخيرة ، فهب واقفًا من معقده ، ثم ضبط حزام بنطاله ليرد بتهكم ساخط:
, -انتو لسه بتخافوا منهم ؟ دول هوا!
,
, زم والده فمه هاتفًا بحدة وهو يشير بكفه :
, -لا بنخاف ولا مابنخافش ، احنا بقينا حبايب وفينا بينا مصالح !
,
, انعقد ما بين حاجبيه بإندهاش مريب ، وردد باستغراب :
, -مصالح ، ده كلام جديد بقى !
,
, هز أباه رأسه بإيماءة ظاهرة وهو يجيبه :
, -ايوه ، ما انت غايب بقالك كتير!
,
, تجشـــأ مجد قائلًا وهو يدنو منه :
, -بالراحة كده عليا ، واحكيلي بالظبط على اللي فاتني كله!
, ٣٧ نقطة
,
, قبلت بعرضه السخي بعد تفكير مرهق، وارتضت أن تبيع ابنتها مقابل ذلك المبلغ المادي الضخم، ولكنها أخفت عنها الأمر حتى تتماثل تمامًا للشفاء.
, تنهدت بعمق ، ثم دنت من فراشها الطبي بغرفة العناية المركزة لتقف أمامها محدقة فيها بنظرات مطولة أسفة على حالها البائس.
, كانت دومًا أداتها للحصول على مبتغاها من الأموال، واليوم هي تراها عاجزة عن الشعور بأنوثتها الكاملة.
, ابتلعت شادية ريقها بتوتر، ثم مدت يدها لتمسح على ساق ابنتها الغائبة عن الوعي مرددة بخفوت حزين:
, -سامحيني يا بنتي، كان لازم أوافق ، انتي مش عارفة الزفت أخوه ممكن يعمل فيكي ايه!
,
, احتدت نظراتها ، ثم زفرت بحنق وهي تتابع:
, -ده ابن حرام ومش هايسيبك لو حطك في دماغه ، وكده كده هتطلعي برضوه خسارة!
,
, رفعت رأسها للأعلى لتكمل بوعيد :
, -بس وعد مني هأمنك وهاجيب حقك كله بعدين !
, ٣٨ نقطة
,
, سمع تلك الدقات الخافتة على باب غرفته وهو يتقلب على فراشه ، فاستدار برأسه نحوه صائحًا بنبرة ثقيلة :
, -ايوه!
,
, فتحت والدته الباب راسمة على ثغرها ابتسامة هادئة وهي تسأله:
, -صاحي يا منذر ؟
,
, أجابها بتثاؤب وهو يمط ذراعيه:
, -اه يامه ، في حاجة ؟
,
, ولجت إلى داخل الغرفة قائلة بجدية :
, -معلش يا بني ، كنت عاوةز أتكلم معاك في كلمتين كده
,
, اعتدل في نومته ، وسحب الوسادة ليضعها خلف ظهره ، ثم سألها بإهتمام :
, -خير ؟
,
, جلست على طرف الفراش إلى جواره ، ورسمت تعابير جادة على ملامحها وهي تكمل حديثها بعتاب :
, -يصح اللي شوفته قصادي النهاردة ؟
,
, عبس وجه منذر بدرجة ملحوظة ساءِلًا إياها باستفهام :
, -هو في حاجة حصلت وأنا معرفش ؟
,
, أومــأت برأسها بالإيجاب وهي ترد :
, -اه .. انت مش واخد بالك من آآ..
,
, ضغطت على شفتيها مانعة نفسها من الحديث ، فانزعج منذر من صمتها المفاجيء، وصاح بنبرة غليظة :
, -كملي يا أمي سكتي ليه ؟
,
, تنحنحت جليلة بحرج، وتابعت بامتعاض ظاهر على وجهها:
, -بص أنا مش عاجبني اللي حصل مع بنت أخو عواطف! هي البت صعبانة عليا ، بس بردك مايصحش تـ..آآ٥ نقطة
,
, تصلبت قسمات منذر بانزعاج كبير، واحتدت نظراته صائحًا بصوت آجش منفعل :
, -في ايه يا حاجة ؟ هو انتي شوفتني بأعمل الغلط معاها ، دي حي**** حتة مساعدة لا راحت ولا جت!
,
, ردت عليه بحذر :
, -لأ مقصدش !
,
, ثم أخفضت نبرتها لتتابع بتبرم:
, -بس الناس تقول ايه لما يشوفك شايلها كل شوية وداخل بيها عليا ؟!
,
, أشـــاح منذر بوجهه للجانب ، ورفع يده واضعًا يده على رأسه ليحكها عدة مرات، ثم نفخ بنفاذ صبر مرددًا بعصبية:
, -يادي أم الناس اللي طالعنلي في البخت !
,
, التفت ناحيتها مكملًا بصوت قاسٍ يحمل التهديد:
, -خليهم يكلموا بس وأنا هاقطع لسانهم!
,
, ردت عليه بتجهم :
, -انت مش هاتمنع الناس تتكلم، ولو مش قدامك هيبقى من وراك! واللي يعيبك يعبنا!
,
, صــاح بها بنفاذ صبر:
, -هاتي الناهية يامه
,
, تنهدت جليلة بإرهاق وهي تتابع بهدوء:
, -يا حبيبي أنا بس بأنصحك!
,
, تحركت ناحيته قليلًا لتضيف بمكر:
, -وبعدين ماتنساش نيرمين كانت موجودة معانا وشافت اللي حصل بعنيها ، يعني تفكر في ايه لما آآ٤ نقطة
,
, فهم منذر سريعًا ما رمت إليه في كلماتها ، لذا قاطعها بتجهم :
, -أنا كده مش هاخلص بقى!
,
, ردت عليه معللة إصرارها على التفكير في الزواج بابنة عواطف:
, -ماهو انت مش بتفكر في مصلحتك، والعمر بيجري منك ٣ علامة التعجب
,
, رد عليها بحدة وقد أظلمت نظراته:
, -أنا عاوز أفضل كده ولو حكمت هاتجوز أي حد ، بس مش بالشكل ده ، ولا هي بالذات٣ علامة التعجب
,
, تفاجئت من ردة فعله المبالغة ، وهتفت مستنكرة رفضه لها:
, -ليه بس ؟
,
, صاح بنبرة مزعوجة وقد ارتفع حاجباه للأعلى :
, -هو بالعافية! يا البت دي يا لأ ؟ جرى ايه يامه ٣ علامة التعجب
,
, بررت موقفها بحذر محاولة إقناعه:
, -هي مضمونة يا بني وبتخلف، يعني هاتجيبلك العيل اللي نفسك فيه من زمان
,
, حدج منذر والدته بنظرات مغتاظة من طريقتها في فرض تلك السمجة عليه، ويئس من تمسكها بها وكأنها أخر النساء على الأرض.
, أزاح الوسادة من خلف ظهره، وتزحزح للأسفل قائلًا باقتضاب:
, -قومي يا حاجة جليلة شوفي البيت، وسيبني أتخمد! أنا مصدع
,
, نظرت إليه جليلة وهو يوليها ظهره بنظرات معاتبة، ثم تابعت قائلة باستسلام وهي تنهض عن الفراش:
, -ماشي .. براحتك!
,
, تحركت في اتجاه باب الغرفة ، وقبل أن تخرج منها استدارت برأسها هاتفة بتحذير:
, -بس أديني بردك نبهت عليك عشان تاخد بالك!
,
, رفع رأسه عن الوسادة ليصيح بصوت متثاقل:
, -أمـــه
,
, ردت عليه بتلهف وقد ظنت أنه ربما رضح لتحذيرها :
, -نعم يا ضنايا
,
, سألها بجمود بادي عليه :
, -اياكي تكوني لمحتي بالموضوع ده ليها ولا فاتحتيه فيه ؟!
,
, هزت رأسها نافية وهي تقول:
, -و**** ما حصل!
,
, ثم ابتلعت ريقها مضيفة بارتباك:
, -آآ.. هو بس أبوك !
,
, زاد انعقاد ما بين حاجبي منذر وهو يتساءل :
, -ماله أبويا ؟
,
, أجابته بتوجس قليل:
, -عنده فكرة عنه بس آآ٤ نقطة
,
, صاح مقاطعًا بتذمر من تصرفاتها:
, -بردك عملتي اللي في دماغك !
,
, حاولت أن تغطي على فعلتها ، فزفرت قائلة بإحباط:
, -يوووه يا منذر ، و**** الواحد ما عارف يرضيك ازاي، أحسن حاجة أسيبك تنام!
,
, ثم اندفعت للخـــارج غالقة الباب خلفها.
, ظلت أنظاره معلقة عليه لثوانٍ قبل أن يلقي برأسه على الوســادة مرة أخرى.
, حدق في سقفية الغرفة مخرجًا زفيرًا عميقًا من صدره، وحدث نفسه بعناد أشد:
, -طيب يا أمي .. وأنا مش هاتجوزها لو عملتي ايه ٤ نقطة٣ علامة التعجب
,
, علم من أبيه تفاصيل ذلك المشروع التجاري المشترك بينهما، وكيف أوصلهم أخاه الأصغر إلى ذلك الأمر بتصرفاته المتهورة.
, لم يبدو مجد مقتنعًا بما قاله مهدي، فمن حق أخيه مازن أن يفعل ما يحلو له، فهم لا يملكون السلطة عليه.
, صمت ليفكر بتمهل شديد في كل خطوة سيقدم عليها لاحقًا، فقد تيقن أنه بات شريكًا صريحًا مع عائلة حرب، وتلك العائلة تحديدًا يكن نحوها الكثير من العداوات والمشاعر البغيضة.
, فلم ينسَ أن منذر هو من أدخله السجن وتركه يتعفن لأعوام خلف القضبان القاسية. وأنه من أهانه بشدة أمام المراهقة التي انتحرت مباشرة قبل زواجه منها.
, تراكمات وتراكمات احتفظ بها في صدره لتؤجج مشاعر البغض والعدوانية لديه.
, واليوم سيحصد نتيجة زرعه.
,
, استدار مجد برأسه ببطء ناحية والده. ونظر له مطولًا دون أن ينبس بكلمة.
, دس يده في جيبه ثم أخرج قداحته ليشعل بها سيجارته التي وضعها بين شفتيه، وهتف بصوت غريب مُقلق :
, -وماله يا حاج، خلينا شركا!
,
, ضاقت نظراته أكثر وهو يكمل بنبرة غير مريحة بالمرة:
, -ده حتى المثل بيقول، ما محبة إلا بعد عداوة!
, ٤١ نقطة
,
, أكمل عد ما بحوزته من أموال بسيطة قبل أن يطويها ويضعها في جيب قميصه الأمامي.
, فقد ادخر من إحدى المصالح الخاصة - والتي قضاها سراً -مبلغًا زهيدًا من المال لكي يعطيه لها خلسة.
, راقبته أمه بنظرات متفرسة محاولة تخمين ما يفعله ، وقبل أن يتحرك مبتعدًا عنها، تركت ما تقطعه من خضروات في الصينية لتسأله بنبرة عالية أجفلته:
, -على فين العزم ؟
,
, تمتم حاتم لنفسه بكلمات مبهمة ، ثم التفت بجسده ناحيتها ، وأجابها بهدوء حذر:
, -خارج شوية، ورايا كام حاجة عاوز أعملها!
,
, نهضت عن المقعد، ونفضت يديها من البقايا العالقة بين أصابعها، ثم دنت منه وهي ترمقه بنظرات ثابتة.
, وضعت يدها على منتصف خاصرتها، وسألته بعبوس مشيرة بعينيها:
, -وايه الفلوس دي ؟
,
, وضع يده عفويًا على جيب قميصه، ثم أخفضها بحذر.
, ابتلع ريقه مجيبًا إياها بإرتباك خفيف:
, -دي .. دي عشان بنتي!
,
, رفعت "لُبنى" كف يدها أمام جبينها لتؤدي حركة مستنكرة به وهي تهتف ساخطة:
, -بنتك! وده من امتى ان شاء **** ؟ إيش حال الليلة كلها كانت على يدي! ده انت لا بتطيقها ولا بتطيق اللي ماتتسمى!
,
, ضغط حاتم على شفتيه هاتفًا بامتعاض:
, -يا أمي ارحميني من اسطوانة كل يوم، البت ملزومة مني ولازمها مصاريف!
,
, ردت عليه بقسوة وهي تلوح بذراعيها في الهواء:
, -احنا أولى بالفلوس دي ، وبعدين هي المفضوحة أمها فقيرة؟ ما هي علي قلبها أد كده!
,
, تجهمت تعابير وجه حاتم إلى حد كبير، وصــاح نافيًا:
, -منين ؟ ما أديكي شوفتي بنفسك
,
, حركت لبنى جسدها بحركة مائعة هاتفة بحنق كبير :
, -لا يا روحي ، دي كانت بس بتدعي الفقر معاك! لكن على قلبها كوم فلوس أد كده! ولا نسيت زيارات أمها اللي كانت بتجيبها ؟!
,
, فرك حاتم طرف ذقنه متابعًا بغيظ:
, -تتنيل ولا تولع ، هي معدتش تفرق معايا ، أنا ليا لي بنتي وبس!
,
, ردت عليه أمه بوقاحة فجة :
, -خلفة العار والندامة، يا ريتها كانت حتى جابت واد تفرح قلبنا بيه ، لكن نقول ايه هي جوازة ٩ نقطة من يومها!
,
, زفـــر حاتم من كلمات والدته النابية، وأدار رأسه للناحية الأخرى.
, تابعت هي قائلة بفظاظة:
, -ده حتى أختك شاهندة اتفك نحسها وربنا كرمها بعريس لقطة من يوم ما بوز الإخص دي غارت من هنا ، زي ما يكون عملالها عمل ، **** يحرقها مطرح ماهي أعدة!
,
, نفخ مجددًا بضجر من ثرثرتها الزائدة، ولكن عبس وجهه بحدة حينما أمرته وهي تشير بيدها:
, -بأقولك ايه هات الفلوس دي، احنا محتاجينهم لزوم الخطوبة ، ولما المفضوحة تعوز حاجة تاخدها من المحكمة! هـــات ٣ علامة التعجب
,
, ارتفع حاجباه للأعلى باستنكار أكبر وهو يهتف معترضًا:
, -يا أمي ..آآآ
,
, قاطعته بصرامة غليظة وهي تشير بيدها أمام وجهه:
, -بلا أمي بلا هباب ، هــــات!
,
, اضطر أسفًا أن يخرج المبلغ الزهيد من جيبه ليعطيها إياه، فتناولته منه وقد تقوس ثغرها بابتسامة متباهية.
, تابعت متمتمة بازدراء:
, -حار ونار في جتتها!
,
, رد عليها حاتم بغيظ:
, -ارتاحتي كده
,
, أومـــأت برأسها إيجابًا وهي تضيف ببرود متعمدة استثارته:
, -آه ، ولسه هارتاح أكتر لما تتجوز تاني !
,
, لوح بذراعه أمام وجهها قائلًا بغلظة :
, -مش عاوز!
,
, سألته مستنكرة عذوفه عن الزواج:
, -ليه هاتفضل عاذب طول عمرك؟
,
, نظر لها مطولًا قبل أن يجيبها بامتعاض:
, -اه!
,
, استأنفت لبنى حديثها هاتفة بمكر:
, -يا واد أنا المرادي منمرالك على واحدة إنما حاجة، نقاوة ايدي وحياتك ،سيبلي بس نفسك وأنا هاظبطك!
,
, ظل مسلطًا أنظاره الحانقة عليها، ثم أولاها ظهره وسار بخطوات متعجلة نحو باب المنزل.
, تابعته بعينيها وهي تتساءل باستغراب:
, -ماله ده ؟ مش بيرد ليه؟
,
, صفق حاتم الباب بعنف بعد أن خرج من المنزل، فاهتزت جدارنه من قوة الصوت.
, زمت لبنى شفتيها مرددة بسخط قاسي:
, -منها لله بنت الـ٧ نقطة سدت نفسه عن كل حاجة! إلهي تولعي يا بنت عواطف مطرح ما انتي أعدة، ومتلاقي حد يطفيكي!
, ٤٣ نقطة
,
, ســار متبخترًا بخطواته أمام العامة ليعلن صراحةً عن وجوده بالمنطقة، وبالطبع كانت تعابير وجوههم تشير إلى نفورهم التام منه.
, التوى ثغره للجانب وهو يدنو من تلك المحــال الموضوعة قيد الإصلاح.
, دقق النظر في العاملين بهم قبل أن يصيح بصوته الجهوري الخشن:
, -شغل نضيف الصراحة!
,
, انتبه له أغلب العاملين، وتبادلوا نظرات حائرة فيما بينهم.
, اقترب منهم متابعًا بصوته الآجش وهو يشير بيده موضحًا:
, -خدوا راحتكم، واشتغلوا برواقة ، على فكرة أنا مش غريب، أنا شريك في الهلومة دي!
,
, وقف قبالته المهندس المسئول عن الديكورات الهندسية، وكور قبضة يده مقربًا إياها من فمه وهو يقول بحرج قليل:
, -احم .. أنا الـ designer الـ..آآآ٤ نقطة
,
, قاطعه مجد قائلًا بسخافة:
, -كلمني عربي وحياة أبوك! محسوبك رد سجون ومالوش في الهري ده!
,
, ارتسمت سريعًا علامات الانزعاج على وجه المهندس، وازدرد ريقه مرددًا بتوتر:
, -اها ..آآ.. تمام، أنا بأفهم حضرتك إني مصمم الديكورات اللي هنا
,
, وضع مجد يده على رأسه وبدأ في حكها قائلًا بصوت متحشرج:
, -وماله مش عيب!
,
, مــرر أنظاره ببطء على واجهات المحــال، فلفت انتباهه ذلك الدكان العتيق الذي يتوسطهم، فتساءل باندهاش:
, -وده مش تبعهم ولا ايه؟
,
, سلط المهندس أنظاره على الدكان، وأجابه موضحًا:
, -حاليًا لأ، بس الأستاذ منذر مبلغنا إنه هايشتريه من أصحابه عشان نقدر نضمه ونشتغل فيه
,
, اكفهر وجه مجد قليلًا من ذكر اسمه، ورد بتأفف:
, -ماشي.. عمومًا انت هتلاقيني فوق راسك كل شوية، أنا مش ورايا حاجة!
,
, ابتسم المهندس بتكلف، ثم يده لمصافحته قائلًا بود:
, -تشرفنا يا فندم ، ماتشرفتش باسم حضرتك؟
,
, رمقه مجد بنظرات دونية، وأدار رأسه للجانب ليبصق، ثم عاود النظر إليه ، ورد عليه بغلظة:
, -سيدك مجد أبو النجا!
,
, شحب وجـــه الأخير عقب تصرفاته الهمجية تلك، وأدرك أنه يتحدث مع شخصية أقل ما توصف به هي الحقارة والتقزز.
, ٣٩ نقطة
,
, على الجانب الأخر، ورد إليه اتصالًا هاتفيًا من أحد رجاله بالمحال الجديدة التي يتم إعدادها لتكون من أكبر المطاعم مُبلغًا إياه بمجيء مجد إليهم.
, هب الأخير واقفًا من مكانه شاخصًا أبصاره بذعر كبير.
, كان يخشى من حدوث اصطدام آخر لأسيف مع ذلك المقيت إن كانت متواجدة هناك.
, لذا هتف بلا وعي وقد تسارعت دقات قلبه:
, -وفي حد كان هناك؟
,
, لم يفهم الرجل المغزى من سؤاله الغامض، فسأله مستفهمًا:
, -قصدك على مين يا ريسنا ؟
,
, جاهد ليبدو طبيعيًا في نبرته وهو يرد:
, -أي حد من معارفنا
,
, أجابه نافيًا بعدم فهم:
, -لا مافيش
,
, اشتدت أعصاب منذر حتى بلغت ذروتها، وبات يحترق من داخله وهو يتساءل بصعوبة:
, -والدكان ؟
,
, رد عليه الرجل متساءلًا بحيرة:
, -ماله؟
,
, هتف فيه منذر بحدة بعد أن نفذ صبره:
, -حد كان فيه؟
,
, انتظر بترقب كبير إجابته التي لم تستغرق سوى ثوانٍ معدودة ليعرفها:
, -لأ.. مقفول زي ماهو!
,
, تنفس منذر الصعداء لعدم وجودها به، فهي متهورة في تفكيرها الغير عقلاني، وربما كانت تخطط لزيارته أو المكوث فيه كعادتها. ووجودها على مقربة من ذلك البلطجي يضعها على خط النيران والمواجهة المباشرة معه. وهي مخاطرة غير محسوبة العواقب.
, حافظ على ثبات نبرته وهو يكمل بصوت آمر:
, -طب اسمع مني للأخر!
,
, رد عليه رجله بهدوء:
, -أؤمر يا ريس منذر
,
, استطرد منذر حديثه بصرامة واضحة بعد أن قست نظراته:
, -تفضل عينيك على الدكان ده 24 ساعة، مش عاوزها تتشال للحظة من عليه، ولو مشيت حد تاني يستلم مكانك!
,
, تعجب الرجل من أمره الغريب، وسأله مستفسرًا:
, -ماشي يا ريس، بس هو في حاجة لده كله؟
,
, صاح به بصرامة حادة:
, -من غير ما تسأل، انت تنفذ وانت ساكت!
,
, توجس الرجل خيفة من إغضابه ، وهتف ممتثلًا:
, -حاضر
,
, أنهى معه المكالمة، وألقى بهاتفه على سطح المكتب بعصبية.
, تحرك من مكانه ليدور حول مكتبه واضعًا يديه على رأسه ضاغطًا عليها بقوة.
, نفخ بحنق ظاهر ، ثم أظلمت نظراته للغاية، وهتف بسباب نابي:
, -بدأنا القرف معاك يا ٧ نقطة !!
, ٤٣ نقطة
,
, -مش بطـــال
, هتف بها مجد بفتور وهو يجلس باسترخاء على المقعد في مطعم أبيه.
, التفت الأخير ناحيته، وسأله بجدية :
, -انت روحت شوفته ؟
,
, رد عليه ابنه بابتسامة ساخرة:
, -وهي دي تفوتني!
,
, هز مهدي رأسه بإيماءات متتالية وهو يتابع:
, -طيب.. هما شغالين فيه ، ووقت ما يخلصوا موضوع الدكان هيكملوا التوضيب وآآ٣ نقطة
,
, انتبه مجد لعبارته الأخيرة، وسأله بفضول عن التفاصيل التي تخص ذلك الدكان العتيق:
, -دكان مين ده؟ أنا مش فاكر صاحبه أوي، هو مكتوب عليه دكان الحاج خورشيد، فكرني بالراجل ده؟
,
, أجابه والده عفويًا:
, -عارف عواطف أم البنات نيرمين وبسمة، قرايب طه حرب ، الست آآ٤ نقطة ؟!!
,
, قاطعه مجد مشيرًا بيده:
, -ايوه، افتكرتها خلاص
,
, أكمل مهدي مفسرًا:
, -ده بقى دكانها من أبوها ، وهي آآ٣ نقطة
,
, سئم مجد من استرسال أبيه في الحديث عن ذلك الهراء الملل، فقاطعه وهو ينهض عن المقعد:
, -خلاص يا أبا، مش محتاجة توضيح، الموضوع في بيته، دكانهم وهيخلصوه!
, -بالظبط
,
, ســـار مجد في أرجــاء المكتب يتجول به بخطى متمهلة ممعنًا النظر في تفاصيله.
, سلط والده أنظاره عليه، وبدا متوجسًا من صمته المريب، وتصرفاته المباغتة ، لذلك سأله مهتمًا :
, -وإنت ناوي تعمل ايه بعد كده يا بني؟
,
, لم يلتفت مجد ناحيته، وواصل تحديقه في تفاصيل المكتب قائلًا بنبرة مُقلقة:
, -ولا حاجة، مش ورايا غير عيلة حرب وبس!
,
, استشعر من نبرته وجود خطب ما ، فحذره هاتفًا بتوجس:
, -اوعى تكون ناوي على مصايب، إنت لسه مافيش كام آآ٣ نقطة
,
, هنا التفت مجد برأســه ناحيته، وهتف بابتسامة باهتة:
, -اطمن يا حاج ، ده بيزنس!
,
, ضرب أباه كفه على الأخر مرددًا بعدم اقتناع وهو مثبت عيناه عليه :
, -**** يسترها ويطلع شغل وبس!
, ٣٩ نقطة
, بعد مرور عدة أيـــام ،،،
, مكثت حبيسة الغرفة رافضة الخروج منها إلا في أضيق الأحوال. فضلت أن تعتزلهن جميعًا وتكتفي بأن تكون جليسة نفسها ووحدتها. فلا حاجة بها لسماع ما يزعجها من فظة اللسان ابنة عمتها التي لم تتورع عن مضايقتها للحظة، ولا لعتاب عمتها الرقيق الذي يلومها لطيشها في لحظة أوشكت على الانهيار فيها.
, كذلك أرادت ألا تشعرهن بحاجتها للرعاية والاهتمام بعد تورم قدمها اليسرى، وواظبت بنفسها على مداواتها.
, تنهدت أسيف بتعب ، وحدقت في حقيبة والدتها المسنودة إلى جوار خزينة الملابس بنظرات لامعة ، وتمتمت مع نفسها بحزن:
, -وحشني حضنك أوي يا ماما!
,
, أخرجت تنهيدة قوية من صدرها محملة بالكثير من الأحزان وهي تكمل بصوت شبه مختنق :
, -واحشني الكلام معاكي انتي وبابا!
,
, أدمعت عيناها بشدة عندما أضافت قائلة بقهر عاجز:
, -أنا فعلًا يتيمة من غيركم!
,
, مـــر ببالها مقتطفات سريعة وومضات خاطفة من مواقفها العديدة منذ لحظة تفكيرها في تلك الزيارة المشؤومة حتى الوقت الحالي.
, أغمضت عيناها بانكسار ، وتابعت حديثها الموجع معاتبة نفسها بقسوة:
, -يا ريتني ما فكرت أجي هنا ، يا ريتني!
,
, بدأت تتعالى شهقاتها تدريجيًا ، فدفنت وجهها بين راحتي يدها ، وواصلت تعنيف نفسها بحدة:
, -أنا السبب في كل حاجة .. ايوه ، أنا السبب!
, ٣٥ نقطة
,
, في نفس التوقيت ، خرجت نيرمين من المرحاض وهي تلف منشفة قطنية حول شعرها المبتل متغنجة بجسدها بميوعة أزعجت أمها.
, نظرت لها عواطف بإزدراء مرددة :
, -مالك يا بت ؟ ماتمشي عدل كده!
,
, ردت عليها ببرود مستفز:
, -**** ! مش أفرح بنفسي وبشبابي كده!
,
, أشاحت عواطف بوجهها بعيدًا عنها ، وهتفت مستنكرة:
, -على ايه ياختي ؟ حوش حوش مش ملاحقة على الهنا اللي بأشوفه منك !
,
, عبست نيرمين بوجهها ، ونزعت المنشفة عن رأسها بعصبية، ثم صاحت بنبرة متشنجة:
, -عاوزاني أعمل ايه؟ ها قوليلي ؟؟؟
,
, اقتربت من أمها ، وواصلت صراخها المتعصب:
, -كان في ايدي ايه ومعملتوش ؟
,
, ضغطت على شفتيها بقوة وهي تتابع بصوت مختنق:
, -ما أنا رضيت بالهم ، والهم مرضاش بيا، اتنيلت اتجوزت واحد كرهني في صنف الرجالة كله ، واتطلقت وأنا ملحقتش أتهنى أصلًا!!
,
, ابتسمت لنفسها بتهكم وهي تواصل سرد مآساتها:
, -لأ وعلى كتفي عيلة منه، بلوى هتفضل في رقبتي ربطاني بيه!
,
, لمعت عيناي عواطف بوضوح، وعجزت عن الرد عليها.
, تحول وجه نيرمين للإظلام أكثر، ثم كزت على أسنانها قائلة بمرارة:
, -ده غير إن مافيش حد هيرضى بواحدة زيي مطلقة وعندها عيال ، فسبيني أفرح بنفسي ، كفاية قهر بقى وقرف!
,
, حدقت فيها عواطف بذهول، فقد كانت كالبركان الملتهب بحممه وانفجر فجــأة في وجهها.
, ردت عليها بحسرة:
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** !
,
, اغتاظت نيرمين من ردة فعلها ومن عبارتها تلك وكأنها تستنكر عليها حتى التنفيس عن غضبها، فاستشاطت نظراتها ، وصرخت بقسوة معنفة إياها على تخاذلها معها:
, -ده بدل ما تطبطبي عليا زي المحروسة أم النكد اللي جوا لازم تسممي جتتي بكلمتين من بتوعك ، حسي بيا بقى شوية
,
, انزعجت عواطف من إلصاق ابنتها لكل كارثة تحل بها لتلك اليتيمة، فردت عليها بضجر:
, -هو أنا يعني مبسوطة من الوضع اللي شيفاكي فيه ، ما أنا نفسي تتجوزي تاني وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها نيرمين بصرامة قوية وقد قست نظراته للغاية:
, -جواز تاني من واحد زي عينة الزفت حاتم ده مش هايحصل!
,
, نظرت لها والدتها بصدمة، وبدت حائرة تبحث عن كلمات مناسبة ترد بها عليها، لكنها كانت بلا حيلة مع شراستها الحادة.
, تبدلت نظرات نيرمين للقتامة، وأصبحت نبرتها أكثر ريبة وهي تضيف:
, -المرادي أنا هاختار بنفسي اللي هاتجوزه، ولازم قبلها يدخل مزاجي الأول ٧ نقطة٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٣
استقبلتهما بألفتها المعهودة وعلى ثغرها ابتسامة عريضة.
, دعتهما للدخـــول في غرفة الضيوف أولًا ريثما يستعد الصغيران لتلقي الدرس.
, كانت ملامح بسمة متجهمة إلى حد ما، فقد استاءت من حضور أختها معها وملازمتها إياها خلال عملها دون أن تعرف السبب الحقيقي وراء تلك الزيارة.
, وتعمدت نيرمين أن تأتي معها لغرض ما في نفسها، وأحضرت كذلك رضيعتها لتثير شغف جليلة إلى الصغار، خاصة أنها قرأت في عينيها رغبة مُلحة في الحصول على حفيد جديد لعائلة حرب.
, يكفيها تلك النظرات الموحية والكلمات المتوارية لتزرع في نفسها الشك حول تأكيد تلك الرغبة.
, ولما لا تعطي لنفسها الفرصة للتقرب أكثر إليها وقد أوشكت عدتها الشرعية على الانتهاء؟ فربما بطريقة ما تلفت أنظارها إليها.
,
, قطعت بسمة الصمت السائد مستطردة حديثها بتبرم:
, -مش فاهمة انتي صممتي تجي ليه معايا
,
, ردت عليها نيرمين ببرود وهي تهز كتفيها في عدم مبالاة:
, -مالكيش فيه
,
, ثم أدارت جسدها للجانب لتقع عيناها على صورة عائلية لعائلة حرب. وبالطبع التقطتت نظراتها شخصه المهيب.
, أخرجت من صدرها تنهيدة حارة فتعجبت بسمة من طريقتها.
, دققت النظر فيما هي محدقة به بنظراتها الغريبة، وتساءلت بفضول:
, -متنحة في الصورة ليه
,
, أجابتها بلا وعي:
, -طول عمره راجل
,
, سألته بحيرة :
, -مين ده؟
,
, أجابتها نيرمين بتنهيدة مطولة:
, -سي منذر، شايفة واقف ازاي
,
, ارتابت بسمة من طريقتها الغريبة في الحديث بتلك الهيئة، ورددت بتهكم:
, -ماله يعني، عادي!
,
, ردت عليها نيرمين بإنزعاج:
, -ايش فهمك انتي في الرجالة
,
, نظرت لها بسمة باندهاش أعجب ، وتمتمت مستنكرة:
, -واحدة زيك المفروض تكون كارهة الصنف كله بعد اللي شافته في جوازتها الأولى
,
, عبس وجـــه نيرمين بشدة، وردت بسخط جلي:
, -هي دي كانت جوازة أصلًا، متفكرنيش!
,
, بررت لها بسمة سبب اندهاشها قائلة:
, -ماهو عشان كده أنا مستغربة بصاتك ليه هو بالذات!
,
, حدقت فيها نيرمين بنظرات ثابتة وهي تقول:
, -لأنه غير أي حد!
,
, هزت بسمة رأسها للجانبين مانعة ضحكة ساخرة من الخروج من بين شفتيها، وهتفت مازحة:
, -لأحسن تكوني بتفكري تتجوزيه و آآ٤ نقطة
,
, وضعت نيرمين يدها على فمها لتمنعها من إتمام حديثها، ورمقتها بنظرات حادة هامسة بتحذير شديد اللهجة:
, -ششش.. وطي صوتك، أمه تسمعك!
,
, أزاحت بسمة كف يدها عنها مستغربة تصرفاتها المبالغة فيها.
, استغرقها الأمر عدة لحظات لتتأكد أن أختها تتحدث بجدية تامة، فارتفع حاجباها للأعلى غير مصدقة نيتها المبيتة مسبقًا.
, شحب لون بشرتها قليلًا وردت بصوت خفيض:
, -انتي بتكلمي جد؟ أنا بأقولك ده بهزار!
,
, همست نيرمين بتوجس:
, -هزار أو جد ده موضوع يخصني! سامعة، وبطلي كلام بقى فيه.
,
, نظرت لها شزرًا وهي تعقب باقتضاب:
, -انتي حرة! بس أنا بأحذرك إنه مش كل الهزار بيقلب بجد، وساعتها هتتسكي على دماغك وآآ٤ نقطة
,
, قاطعتها نيرمين قائلة بازدراء:
, -بدل ما تحذريني شوفي نفسك الأول!
,
, احتدت نظرات بسمة نحوها وهي ترد بغضب:
, -أشوف نفسي؟ ليه هو أنا زيك؟
,
, تقوس فم نيرمين للجانب مشكلة ابتسامة تهكمية ساخطة، ثم رمقتها بنظرات حادة وهي توضح مقصدها بنبرة لاذعة:
, -هـــه، انتي واحدة أنانية مش بتحبي إلا نفسك وبس، عايشة عشان مصالحك الخاصة، ومش مهم أي حد إلا انتي!
,
, فغرت بسمة شفتيها مرددة بذهول مستنكر:
, -أنا؟
,
, أومــأت نيرمين بالإيجاب قائلة بفظاظة:
, -اه انتي، بصي لنفسك في المراية وشوفي طريقتك مع الناس وهتلاقي كلامي صح، انتي بس اللي عملالي فيها مُصلحة اجتماعية وآآآ٤ نقطة
,
, قطمت عبارتها حينما لمحت طيف شخص ما يدنو من الخــارج.
, ظلت تعابير وجه بسمة مصدومة من حديث أختها الجارح. لقد تجاوزت حد المقبول معها.
, ربما هي صارحتها بما تظنه عيوبًا بها، وقد تكون مصيبة في أغلبها، لكن هذا لا يُعطيها الحق لأن تكون فجة في حديثها، وتناست أنها تحمل أكثر منها في قلبها حقدًا وغلًا نحو الجميع.
, بصعوبة بالغة كتمت غيظها في نفسها، وجاهدت لتبدو طبيعية في تصرفاتها لكن ذلك لا يمنع أنها باتت تضمر ناحيتها شيء ما.
, عادت جليلة مرة أخرى للغرفة حاملة بيديها صينية مليئة بالمشروبات والحلوى، فنهضت نيرمين على الفور من على الأريكة لتساعدها قائلة برقة مصطنعة:
, -عنك يا خالتي، مالوش لازمة التعب ده، هو احنا أغراب؟
,
, ردت عليها جليلة بلطف:
, -دي حاجة بسيطة يا بنتي!
,
, ضجرت بسمة من تصرفات أختها المصطنعة خاصة بعد أن كشفت نيتها الغريبة، فنهضت من مكانها متساءلة بجمود مريب:
, -هي أروى جاهزة عشان أبدأ معاها الدرس؟
,
, هزت جليلة رأسها نافية:
, -لأ، البت نايمة وهاصحيها ، بس يحيى صاحي، خلصي معاه الأول، تكون أروى جهزت
,
, حركت بسمة رأسها بالإيجاب قائلة بإيجاز:
, -ماشي!
,
, أشــارت لها بيدها وهي تصطحبها للخارج:
, -تعالي في أوضته!
,
, ثم لمحت كلتاهما الصغير وهو يقفز بمرح مقتربًا منهما.
, ابتسمت جليلة قائلة بحماس:
, -أهوو بنفسه جاي يستقبلك!
,
, احتضن الصغير معلمته من خصرها بحب صادق نابع من قلبه هاتفًا بمرح:
, -مس بسمة!
,
, مسحت الأخيرة على ظهره برفق مرددة بهدوء:
, -حبيبي يا يحيى!
,
, تراجع الصغير بظهره للخلف متابعًا بسعادة:
, -أنا مخلص مذاكرة كلها، وحفظت كل حاجة وآآ٣ نقطة
,
, قاطعته بسمة بابتسامة ودودة:
, -خلاص يا حبيبي، أنا هسألك عن كل حاجة جوا في الأوضة!
,
, هز رأسه بإيماءات متتالية وهو يقول:
, -اوكي يا مس بسمة!
,
, ثم حاوطت إياه من كتفيه وســـارت معه بإتجاه غرفته الخاصة ليشرعا في استذكار الدروس.
,
, تأكدت نيرمين من ابتعاد أختها لتبدأ هي الأخرى في تنفيذ خطتها الدنيئة. اقتربت من جليلة، وابتسمت لها قائلة:
, -تسلم ايدك، الحاجة طعمها حلو
,
, ردت عليها جليلة بابتسامة عريضة وهي تمسح على ذراعها:
, -بالهنا والشفا يا بنتي!
,
, عمدت نيرمين إلى تسبيل نظراتها والرمش بجفنيها لعدة مرات لتظهر نفسها بالشابة المتحرجة وهي تقول:
, -خالتي معلش ممكن أطلب منك حاجة
,
, ارتسمت علامات الجدية على تعابير وجه جليلة وسألتها باهتمام:
, -خير يا نيرمين؟
,
, ادعت التوتر والارتباك وهي تقول بتعلثم:
, -آآ.. أنا.. آآ.. يعني محرجة أقول كده وآآ..
,
, هتفت فيها جليلة بقلق:
, -اتكلمي على طول ماتتكسفيش! في ايه؟
,
, تنحنحت بصوت خفيض قائلة بخجل:
, -احنا لما كنا بايتين عندكم بنتي رنا كانت لابسة الحلق الحمصة بتاعها، والحلق ده هدية غالية أوي من أمي!
,
, ثبتت جليلة أنظارها عليها متابعة بجدية:
, -أها، وبعدين!
,
, استأنفت نيرمين حديثها بصوت خفيض يوحي بالتردد:
, -فلما رجعنا بيتنا، وجيت أغيرلها هدومها ملاقتش إلا البريمة شابكة في ودانها، فجايز يعني آآ.. يكون .. يكون وقع هنا في حتة كده ولا كده
,
, قطبت جليلة جبينها مرددة باندهاش:
, -هنا فين؟ مافيش حاجة يا بنتي، ولو كنت لاقيت حاجة زي كده أكيد كنت هسأل وأعرف!
,
, تابعت نيرمين قائلة بمكر وقد برقت عيناها بذلك الوميض الشيطاني:
, -عارفة يا خالتي ، بس آآ.. لو مافيهاش حرج يعني آآ..ممكن آآ.. أدور في أوضة سي منذر، جايز يكون وقع تحت السرير ولا حاجة
,
, حركت جليلة رأسها بإيماءة موافقة وهي ترد:
, -وماله، منذر أصلًا مش موجود دلوقتي، فتعالي دوري براحتك، وربنا يعترك فيه!
,
, التوى ثغرها بابتسامة ماجنة :
, -كتر خيرك يا خالتي، و**** ما في زيك أبدًا
,
, تحركت معها للخارج تاركة رضيعتها بغرفة الضيوف، لكنها توقفت عمدًا لتقول بضيق مصطنع وهي تضع يدها على جبينها:
, -يووه، كنت هانسى رنا، دماغي مش فيا، أما أشيلها بدل ما تصحى وتعيط وتعمل دوشة وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها جليلة قائلة بحنو:
, -لا خليها معايا لحد ما تخلصي!
,
, ردت عليها بعبوس زائف:
, -مايصحش ، كده أنا بأتعبك معايا يا خالتي
,
, ابتسمت جليلة مرددة بحنو أمومي غريزي:
, -وهو ده اسمه تعب، ده الأطفال أحباب ****!
,
, تنهدت نيرمين بصوت مسموع قائلة عن عمد:
, -اه و****، **** يعوض على سي منذر بالخلف الصالح يا رب زي دياب أخوه!
,
, نجحت بكلماتها المنتقاة بعناية في إثارة مشاعر الضيق بداخلها، هي تعلم أهمية ذلك الموضوع بالنسبة لها، ومدى حساسيته، لذا ببراعة جراح ماهر ضغطت على الجرح دون أن تترك أثرًا.
, ردت عليها جليلة بحزن واضح في نبرتها:
, -ايوه ادعيله يا بنتي **** يكرمه
,
, أضافت نيرمين بحياء مصطنع:
, -هو يستاهل و**** كل خير، بس لسه وقته مجاش يا خالتي، ما انتي عارفة بقى!
,
, لمعت عيناي جليلة تأثرًا وهي تردد برجاء:
, -ياما نفسي أشيل عوضه بإيديا
,
, ضاقت نظرات الأخيرة لتصبح أشد غموضًا وهي ترد بحذر:
, -هايحصل يا خالتي، انتي بس دوريله على عروسة حلوة تليق بيه!
,
, أشــارت جليلة بكف يدها قائلة بامتعاض:
, -على الحلاوة في كتير، بس أنا في دماغي حاجة معينة!
,
, بدت نيرمين مهتمة بمعرفة ما تفكر فيه، فسألتها بمكر واعٍ:
, -حاجة ايه دي يا خالتي!
,
, رمشت بعينيها متحاشية الرد عليها، فقد عاهدت ابنها ألا تبوح بما تفكر فيه، خاصة وأنها المعنية بحديثها ذلك.
, ومع ذلك لأنها كانت على سجيتها الطيبة، فلم تتخذ حذرها جيدًا، ونجحت نيرمين بطريقتها الماكرة في استدراجها في فخها، وإجبارها على كشف مكنون أسرارها.
, بهدوء شديد غمزت لها هامسة بدهاء:
, -فضفضي معايا أنا بردك زي بنتك وجايز أفيدك! يا عالم، ده بيقولوا يوضع سره في أضعف خلقه!
,
, استسلمت جليلة لإلحاحها البارع، وخالفت عهدها.
, هتفت ناطقة وكأنها تريح إزاحة ذلك الثقل عن صدرها:
, -مخبيش عليكي، ومن غير حرج أنا بأدور لابني على واحدة تكون بتخلف، هو تعب مع المرحومة مراته، فضلوا سنين دايخين مع الدكاترة عشان يخلفوا، ومكانش في فايدة!
,
, تراقصت نبضات قلب نيرمين طربًا لسماعها ذلك الكلام وكأنها تعزف به معزوفة فريدة على أوتار قلبها.
,
, تنهدت جليلة متابعة بحزن محبط:
, -والعمر بيجري منه، وأنا خايفة أجيبله عروسة بنت بنوت تطلع مابتخلفش ونكرر الغلب ده تاني معاه!
,
, برقت عيني نيرمين بوميض مثير بعد تأكد حدسها أن والدته تميل إلى البحث عن عروس بمواصفات معينة أغلبها تنطبق عليها.
, أفاقت من شرودها السريع، وعمدت إلى رسم ملامح الجدية على محياها وهي تقول مدعمة إياها في الرأي:
, -عندك حق يا خالتي، والتحاليل المضروبة بتاعة الجواز مش بتبين حاجة، يعني ممكن واحدة كده ولا كده تعجبه بس تطلع معيوبة ومش بتخلف!
,
, هزت جليلة رأسها قائلة بتوجس:
, -مظبوط، وده اللي مخوفني!
,
, التوى ثغرها بابتسامة لئيمة وهي تضيف:
, -اطمني إن شاء **** **** هيعوض صبرك خير
,
, ربتت جليلة على ظهرها مرددة بود:
, -يا رب أمين، ويكرمك يا ضنايا، انتي بردك لسه صغيرة وحلوة وفي ألف يتمنوكي!
,
, تعمدت نيرمين العبوس بوجهها وهي تضيف بإحباط زائف:
, -لا خلاص، أنا خدت حظي من الدنيا، وهاعيش عشان بنتي وبس، هي الحاجة الحلوة اللي طلعت بيها!
,
, عقدت جليلة ما بين حاجبيها هاتفة باستنكار:
, -لا متقوليش، وقريب ان شاء **** هاتسمعي اللي يبشرك
,
, ابتسمت لها نيرمين بحياء:
, -يا رب أمين
,
, وضعت جليلة يدها على ذراعها لتدفعها برفق للأمام قائلة:
, -خشي انتي دوري على الحلق، وأنا هاقعد مع الكتكوتة
,
, زادت ابتسامتها الصفراء اتساعًا وهي تقول:
, -**** يباركلي فيكي يا خالتي!
,
, ثم تحركت بخطوات متمهلة نحو غرفة منذر لتنفذ الجزء الأخـــر من خطتها الشيطانية.
, ٣٤ نقطة
,
, انتبهت إلى صوت تلك الدقات المتواصلة على باب منزلها، فنهضت بتثاقل من فراشها لتتجه نحوه وتفتحه.
, تفاجأت بذلك الشرطي الذي يسد عليها الباب بزيه الرسمي، فانقبض قلبها إلى حد ما، وهتفت متوجسة وهي محدقة به:
, -خير يا شاويش في حاجة؟
,
, أجابها الشرطي بنبرة جادة دون أن تهتز عضلة واحدة من وجهه:
, -ده منزل المدعوة أسيف رياض خورشيد
,
, ابتلعت عواطف ريقها بتوتر فور سماعها لاسم ابنة أخيها الراحل، وسألته بنزق:
, -اه ده بيتها! هي.. هي عملت حاجة؟
,
, أجابها الشرطي بجمود غير مريح:
, -معرفش، ده استدعاء ليها للبيه المأمور في القسم
,
, لطمت على صدرها مرردة بفزع:
, -استدعا! يا ساتر يارب
,
, هتف فيها بصرامة وهو يوميء برأســه:
, -يالا يا ست ناديلها
,
, تابعت بنبرة مرتعدة:
, -حاضر يا بني، هاقولها ونحصلك على هناك!
, -أوام طيب
, -ماشي يا شاويش!
, أنهت معه الحوار متجهة بخطوات سريعة في اتجاه الغرفة الماكثة بها أسيف لتبلغها بذلك الأمر العاجل. والأهم من هذا كله أنها لن تتركها تذهب بمفردها، ستصطحبها إلى المخفر.
, ٣٧ نقطة
,
, ولجت إلى داخل الغرفة وهي تسيطر بصعوبة بالغة على سعادتها الغامرة.
, لم تتوقع أن تكون جليلة إلى ذلك الحد ساذجة في تصرفاتها وفي تصديقها لادعاءاتها.
, أخذت نفسًا عميقًا لتضبط انفعالاتها قبل أن تفعل شيئًا متهورًا يُحسب عليها.
, أوصدت الباب خلفها، والتفتت بجسدها لتتأمل الغرفة من حولها بنظرات عامة شمولية وعلى ثغرها ابتسامة عريضة لم تمانع في إخفائها، تجولت ببطء متعمد في أرجائها ممتعة عيناها بكل ما يخصه.
, اقتربت من خزانة ملابسه، وفتحت إحدى ضلفه لتتلمس ثيابه الخاصة بأناملها. قربت أحد قمصانه من أنفها لتستنشق رائحته قبل أن تعيده إلى مكانه. ثم عبثت بالرفوف مدققة النظر في أشيائه الخاصة.
, لمعت عيناها بوميض أشد لمعانًا وهي تتجه نحو الكومود لتفتش بداخل أدراجه.
, وجدت صورة فوتغرافية صغيرة له، فحدقت بها بتمني ثم فكرت في سرقتها، وبالفعل لم تعارض الفكرة، نفذتها فورًا ، وطوتها بيدها، ودستها داخل ثيابها.
, وضعت نيرمين يدها على طرف ذقنها تحكه قليلًا وهي تفكر في الخطوة التالية من خطتها.
, تذكرت أنها لم تخرج بعد القرط الذهبي من جيبها، فأدخلت يدها بالفعل فيه وأخرجته لتلقيه خلف أحد أركان الفراش.
, جاءت للجزء الهام من مخططها الدنيء، ألا وهو إفســـاد العلاقة الودية مع أسيف.
, كانت تدس في جيبها النسائي منشفة ورقية طوت بداخلها ورقة ما مطوية بطريقة مريبة. التوى ثغرها بابتسامة مقلقة وهي تحشرها بداخل المرتبة السفلية.
, تعمدت نيرمين أن تصنع ما يشبه الـ ( **** ) والمعروف بالمناطق الشعبية لتدعي بالباطل على أسيف أنها تمارس أمور الدجل والشعوذة على منذر لتفسد حاله. ولأن جليلة على فطرتها فستصدق فورًا تلك الأكاذيب.
,
, تأكدت من إتمام كل شيء، ثم صرخت مهللة لتثير الريبة:
, -إلحقي يا خالتي!
,
, ركضت ناحية الباب وفتحته متابعة صراخها المرتفع:
, -تعالي شوفي لاقيت ايه وأنا بأدور على حلق بنتي!
,
, توجست جليلة خيفة من صوتها المرتفع، وهرولت نحوها حاملة الرضيعة متساءلة بقلق:
, -في ايه يا نيرمين؟ ايه اللي حصل؟
,
, جذبتها الأخيرة من ذراعها بعد أن تناولت منها رضيعتها مرددة بخوف زائف:
, -شوفتي لاقيت ايه تحت مرتبة سي منذر!
,
, قفز قلب جليلة في قدميها خوفًا مما ستراه وهي تلج لغرفة ابنها البكري.
, توترت أنفاسها وهي تحدق في فراشه حيث أشــارت لها نيرمين.
, تجمدت أنظارها على تلك الورقة الداكنة اللون المحشورة بالزاوية.
, شهقت مصدومة وهي تقول:
, -يا نصيبتي ايه ده؟
,
, ردت عليها بصوت مرتجف وهي تضم رضيعتها إلى صدرها:
, -باين عليه عمل!
,
, شهقت جليلة مرددة بارتعاد:
, -عمل؟ وده جه ازاي هنا؟
,
, صاحت بها نيرمين فجــأة لتفزعها أكثر:
, -اوعي تلمسيه بايدك يا خالتي، لاحسن يأذيكي!
,
, أبعدت جليلة كفيها إلى جوارها، وتساءلت بصدمة:
, -ومين حطه أصلًا، ده مافيش حد غريب بيدخل هنا٣ علامة التعجب
,
, ردت عليها نيرمين بغموض مقلق:
, -أكيد مش غريب يا خالتي!
,
, بحثت جليلة بعينيها عن قطعة قماش لتستخدمها في الإمساك بذلك ال****، وتمتمت من بين شفتيها بحنق:
, -طب مين ابن الـ٧ نقطة ده؟ هو ابني ناقص أعمال٣ علامة التعجب
,
, ردت عليها نيرمين بمكر لئيم:
, -يا خالتي الناس كلها بتحسده وحاطة عينهم عليه، ده غير إن اللي حط العمل ده أكيد واحدة مش واحد!
,
, ضاقت نظرات جليلة نحوها، ورددت قائلة:
, -واحدة!
,
, حركت نيرمين رأسها بالإيجاب مؤكدة:
, -ايوه، واحدة بتشاغله ومخلياه مش على طبيعته!
,
, انفرجت شفتاها في تعجب أكبر، وارتفع حاجباها للأعلى وهي تصغي إلى ما تلقيه على مسامعه
, تابعت نيرمين قائلة بنبرة أصابتها أكثر بالريبة والخوف:
, -شوفي مين بقى يا خالتي هاتعمل ده فيه!
,
, لوحت جليلة بيدها في الهواء هاتفة باستنكار:
, -بس إزاي، ده .. ده مافيش حد دخل أوضته خالص، وحتى الشغالين أنا ببقى واقفة على ايديهم وهما بينضفوا، يبقى مين حطهوله هنا!
,
, دنت منها نيرمين، وثبتت أنظارها المظلمة عليها وهي تضيف بخبث:
, -انتي ناسية يا خالتي انا احنا كنا بايتين عندكم، وكان معانا بنت خالي، وهي جاية من بلد كده معروف عنها بالسحر والأعمال!
,
, تراجعت جليلة بجسدها للخلف شاهقة بصدمة واضحة.
, لم تصدق ما قالته، وهتفت معترضة وهي ترمش بعينيها:
, -بتقولي ايه؟ ايه الكلام الغريب ده؟ مش معقول!
,
, هزت نيرمين رأسها بحركة مؤكدة لتثير ذرعها أكثر:
, -لأ يا خالتي صدقي، اوعي يخش عليكي محنها ولا السهوكة اللي هيا فيها، وبعدين ماهي الوحيدة اللي باتت هنا مع أمي! انتي ناسية يا خالتي ولا ايه؟
,
, ثم أخفضت نبرة صوتها متعمدة أن تشير إلى قلة حيلة أمها وهي تكمل بأسف:
, -وأمي ست راقدة وغلبانة مالهاش لا في التور ولا في الطحين! وانتي عارفها بقالك سنين، مابتعرفش حتى تأذي فرخة!
,
, اتسعت حدقتاها برعب واضح من عباراتها المخيفة، وارتجفت نبرتها وهي تردد:
, -يا نصيبتي! انتي بتكلمي جد بقى!
,
, أجابتها نيرمين بصوت خفيض:
, -أنا مش بأهزر يا خالتي، أومال أنا واخدة منها جنب ليه؟
,
, دنت منها أكثر لتؤجج من حالة الرعب لديها وهي تضيف بهمس كبير:
, -بيني وبينك كده بس الكلام ده مايطلعش لحد ، أنا شوفتها وهي بتعمل حاجات كده استغفر **** العظيم تلبش الجتة!
,
, ارتعاشة دبت في جسدها من كلماتها تلك ، وهتفت مفزوعة:
, -أعوذو ب**** من الشيطان الرجيم!
,
, تنهدت نيرمين مضيفة بضيق حقيقي:
, -تخيلي دي ساحرة لأمي، مش بتصدق حاجة عليها خالص حتى لو عملت ايه، وكل حاجة تقولها عليها تقول أمين كأنه قرآن منزل!
,
, كانت صادقة في وصفها، لم تكن بحاجة للإدعاء أو التأليف، فهي ترى بأم عينها علاقة والدتها بها. وكيف أنها تدافع عنها وتبرر لها كل شيء على الرغم من كون ابنة خالها لا تفتعل المشاجرات أو غيرها.
,
, شعرت جليلة بجفاف حلقها، فحاولت بله بريقها المرير، ثم هتفت بنبرة مترددة:
, -يا ساتر، انتي خوفتيني منها يا نيرمين!
,
, تابعت الأخيرة مؤكدة بلؤم:
, -انتي بس شوفي حد بيفهم في الحاجات دي ويفك العمل المربوط، جايز يكون هو اللي واقف حاله!
,
, للحظة فكرت جليلة أنها ربما تكون مخطئة في اتهام أسيف، وبررت قائلة:
, -بس ازاي؟ وأنا ابني أصلًا مش راضي يتجوز من قبل ما يشوفها، يعني آآ٤ نقطة
,
, قاطعتها نيرمين بجدية لتنفض عن عقلها أي نزعة للشك:
, -يا خالتي ركزي لو هو عاوز يتجوز، العمل المهبب ده يمنعه يفكر في الجواز والعيال، ويزغلل عينيه، ويسحره ويخليه يركز في آ٣ نقطةآآ٤ نقطة
,
, عمدت إلى إظهار إرتباكها وترددها في إتمام جملتها للنهاية لتثير فضولها أكثر، وبالطبع حققت مبتغاها، فسألتها جليلة بتلهف:
, -في ايه ؟
,
, أجابتها بهدوء مقلق:
, -في صاحبة العمل ده !
,
, فغرت ثغرها هاتفة بهلع:
, -هـــاه، كمان!
,
, أشـــارت نيرمين بكف يدها مكملة بصوتها الجاد:
, -أنا وعيتك يا خالتي، وإنتي حرة!
,
, ثم أخفضت عيناها للأسفل لتصيح مهللة بفرح غريب:
, -****، الحلق بتاع بنتي أهوو.. الحمد**** يا رب!
,
, انحنت لتلتقطه من ذلك الركن، وتابعت بتحذير:
, -بس شوفتي لولا ترتيب **** وضياع الحلق مكوناش عرفنا بالبلوى السودة دي!
,
, ازدردت جليلة ريقها قائلة:
, -اه و****!
,
, تحركت بعدها نيرمين في اتجاه الباب وهي تقول:
, -هاستنى برا أنا، عن اذنك
,
, ظلت جليلة متسمرة في مكانها لعدة لحظات مُعيدة في ذهنها ما حدث أمامها من كشف لذلك ال**** المزعوم مرددة لنفسها بخوف بائن:
, -سحر وأعمال! هو انت ناقص يا منذر ٤ علامة التعجب
, ٣٧ نقطة
,
, لم تصدق عيناها حينما وقعت على محضر استلام أموالها المسروقة في مخفر الشرطة، واستمعت بإصغاء تام لما قاله الضابط هناك عن ملابسات الكشف عن اللص الحقيقي وكيفية القبض عليه.
, كانت صدمتها حينما عرفت أنها إحدى العاملات بالفندق.
, نظرت لها عمتها بنظرات تحمل اللوم لتسرعها في إتهام منذر بتلك التهمة الباطلة، وكانت محقة في هذا.
, ولذلك عاتبت أسيف نفسها على تصرفها الأهوج دون التأكد من صحتته ببراهين مثبتة.
, وها هي براءته قد ثبتت للجميع.
,
, خرجت الاثنتان من المخفر تسيران بخطوات متهادية نحو منطقتهما الشعبية.
, التفتت عواطف برأسها نحوها، وظلت تراقب صمتها الهاديء، ثم قطعته مستطردة حديثها بعتاب لطيف:
, -مش المفروض نعتذر للي غلطنا فيه يا بنتي؟
,
, تحرجت أسيف من جملتها، وتوردت وجنتاها خجلًا، ولم تعقب.
, استمرت عمتها في تحفيزها على إصلاح خطئها قائلة:
, -مش عيب يا بنتي نتأسف لما نغلط، ده حقه علينا، صح ولا أنا غلطانة؟
,
, هزت هي رأسها بإيماءة صغيرة دون أن تنبس بكلمة.
, ارتسم على ثغر عواطف ابتسامة ارتياح لتقبلها لنصيحتها، وضمتها من كتفيها قائلة بإمتنان:
, -**** يباركلي فيكي يا بنتي!
,
, غيرت كلتاهما وجهتهما الحالية لتتجها نحو وكــالة عائلة حرب، والتي كانت على مسافة قريبة.
, ٣٥ نقطة
,
, في نفس التوقيت، وصــل المحامي الخاص بالعائلة إلى الوكالة. جاب بعينيه سريعًا مكتب منذر فلم يجده. فنفخ بضجر، ثم هاتفه ليسأل عنه، فوجد أن هاتفه خارج نطــاق التغطية.
, اقترب منه أحد رجالة مرددًا:
, -أيوه يا أستاذ!
,
, رد عليه المحامي بتساؤل جاد:
, -فين الأستاذ منذر؟ أنا دورت عليه جوا مش موجود، وبأطلبه مش بيرد.
,
, أجابه الرجل بهدوء وهو يفسر بيده:
, -ده سافر من بدري يا حضرت الأفوكاتو!
,
, عقد ما بين حاجبيه مرددًا باستغراب:
, -سافر، وجاي امتى؟
,
, هز الرجل كتفيه في عدم معرفة وهو يقول:
, -على حسب ما يخلص اللي وراه في الميناء
,
, وضع المحامي يده على رأسه ممررًا إياها بين خصلات شعره وهو يتابع بتذمر:
, -يا ربي، وأنا كنت عاوز أسلمه بقية فلوس الدكان! هاعمل ايه دلوقتي
,
, سأله الرجل باهتمام :
, -تؤمرنا بحاجة؟
,
, هز رأسه نافيًا:
, -لأ خلاص، متشكر
, -العفو..
,
, بقي المحامي بالمكتب يرتب أوراقه، ويراجع ما لديه من ملفات بنظرات سريعة قبل أن يستعد للرحيل.
, ٣٥ نقطة
,
, وصلت عواطف إلى الوكــالة باحثة هي الأخرى عن منذر، وإشرأبت بعنقها لتراه، لكنها لم تجده بالداخل، فاقتربت من نفس الرجل الذي كان يُحادث المحامي قبل لحظات متساءلة:
, -بأقولك يا بني سي منذر موجود؟
,
, رد عليها نافيًا بهدوء:
, -لا و**** يا ست عواطف، ده مسافر
,
, تعجبت عواطف من إجابته مرددة بصدمة خفيفة:
, -اييه؟ مسافر! خلاص نجيله وقت تاني!
,
, لمحها المحامي من الداخل، فأسرع في خطواته ليلحق بها هاتفًا بنبرة عالية ليجذب انتباهها:
, -حاجة عواطف!
,
, التفتت برأسها نحوه متمتمة بهدوء:
, -ايوه!
,
, التقط أنفاسه متابعًا بابتسامة عريضة:
, -بنت حلال و****، أنا كنت لسه هاجيلك
,
, تبادلت هي نظرات حائرة مع ابنة أخيها وهي تتساءل بقلق:
, -خير في حاجة؟
,
, أجابها المحامي بصوت جاد موضحًا بيده:
, -اه الأستاذ منذر مبلغني أسلمك باقي الأمانة
,
, قطبت جبينها مرددة:
, -أمانة!
,
, فســر مقصده محافظًا على نفس ابتسامته:
, -حقك في بيع نصيبك من الدكان!
,
, انزعجت أسيف من تذكرها لتلك المسألة التي نغصت عليها سكونها، ولم ترغب في متابعة الحوار بينهما، لذا بتأدب واضح في نبرتها اعتذرت لعمتها قائلة:
, -طب يا عمتي أنا .. أنا هاتمشى شوية كده هنا لحد ما تخلصي ونتقابل عند الدكان بتاعي!
,
, فطنت عواطف لضيقها من تلك المسألة، وضغطت على شفتيها قائلة بحذر:
, -ماتخليكي معايا، ده آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها أسيف بإصرار وهي تتحرك مبتعدة عنها:
, -لا معلش، بلاش!
,
, فهمت عدم رغبتها في التواجد كي لا تثير ضيقها أكثر، فاستسلمت لرغبتها مرددة:
, -طيب يا بنتي! اللي يريحك!
,
, عبست أسيف بوجهها وهي تسير مبتعدة عن الوكــالة، أحزنها تخلي عمتها عنه بسهولة في تلك الظروف العصيبة، ودت لو تريث في قرار بيعها وأمهلتها الفرصة لتشتريه هي منها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
, فكرت بإجهاد في طريقة تستعيد بها ملكية دكانها بالكامل.
, بالطبع لن يكون الأمر باليسير خاصة مع شراء منذر لحصة عمتها بمبلغ ضخم، وما معها حاليًا من أموال لا يكفي لسداد ما دفعه واسترداده.
, تعبت من كثرة التفكير، ولم تشعر بقدميها وهما تسوقاها إلى الزقاق الجانبي المؤدي لورشة النجارة المملوكة للحاج زقزوق.
, توقفت عن السير متلفتة حولها. ثم تنهدت بتعب، ولكن أضاء ذهنها فجأة بشي ما أصابها بحماس كبير.
, هي فكرت في الاستعانة بالصبي حسن الذي يعمل بالورشة ليعاونها في توضيب الدكان وإزالة ما به من مخلفات متهالكة.
,
, بدت الفكرة جيدة إلى حد ما، وقررت أن تشرع في تنفيذها، خاصة أن باستطاعتها الآن دفع أجرته.
,
, أسرعت في خطاها نحو الورشة، ووقفت عند عتبتها متساءلة بحرج:
, -لو سمحتوا، ممكن أكلم حسن!
,
, نظر إليها العاملون بالورشة باستغراب، وأجابها أحدهم بجدية:
, -برا مع الحاج زقزوق في مصلحة، ولو مستعجلة امشي هو احتمال يتأخر!
,
, ابتسمت بتكلف وهي ترد:
, -طيب متشكرة!
,
, استدارت بجسدها مستعدة للرحيل، لكنها فكرت في ترك رسالة للصبي حتى يتواصل معها عندما يعود من عمله الخارجي، فهتفت قائلة بهدوء موجهة حديثها لذلك الشاب الذي أجابها قبل ثوانٍ معدودة:
, -طب ممكن بس أما يجي تقوله صاحبة دكان خورشيد عاوزاه في شغل
,
, رد عليها الشاب بجدية:
, -ماشي يا ست!
,
, تحركت بعدها في اتجــــاه الدكان وهي ترسم في مخيلتها عدة تصورات حماسية لما يمكن أن تفعله كي تستثمر أموالها في مشروع مربح يعود عليها بالنفع من خلاله.
, ٣٧ نقطة
,
, ألقى بإصبعيه سيجارته المنتهية بعد أن لفظ منها أخــر دخــان يمكن أن ينبعث منها، ثم تحرك في اتجاه المحال الجديدة.
, فقد أصبحت هذه المسألة شاغله الشاغل مؤخرًا، فهي الذريعة التي سيقضي بها على غريمه منذر.
, لم ينكر إعجابه بفكرة إنشاء مطعم للمأكولات البحرية في المنطقة، ولكن ما لم يرضيه هو نسبة الربح حينما اطلع على العقود. شعر بالاستغلال وبتحكم عائلة حرب في كل شيء.
,
, انتصب مجد في مشيته وهو يدب بقدميه على الأرضية الإسفلتية.
, أدار رأسه للجانب ليحدق في أوجه المارة بنظرات مشمئزة، وغمغم مع نفسه بازدراء:
, -وشوش تقطع الخميرة من البيت!
,
, حرك رأسه للأمام فوقعت عيناه مصادفة على إحداهن، تلك التي تتهادى في خطواتها المنظمة.
,
, ثبت نظراته الحادة عليها، نعم هو عرف هويتها، فوجهها مألوفٌ له.
, ضاقت نظراته المخيفة نحوها، وتقوس فمه بإلتواءة مريبة مرددًا لنفسه بنبرة ليست مريحة مُطلقًا:
, -هـــــه، وأخيرًا ٥ نقطة !!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٤
ضرب بقبضة يده على الطاولة الزجاجية لاعنًا حظه العثر الذي انعكس أيضًا على حياته العملية.
, نظر له رفيقه " ناصــر" متساءلًا باهتمام وهو يناوله زجاجة الجعة:
, -وهتعمل ايه دلوقتي؟
,
, أجابه حاتم بقلة حيلة:
, -مش عارف، المصلحة دي كمان باظت، وأنا كنت متعشم إني أطلع منها بقرشين!
,
, لمعت عيناي ناصر ببريق طامع وهو يضيف مقترحًا:
, -طب ما ترجع تاني للتهريب؟
,
, وضع حاتم يده على فمه قائلًا بتوجس ومتلفتًا حوله:
, -ششش.. وطي صوتك! محدش يعرف ده!
,
, هز الأخير رأسه عدة مرات مرددًا بإعجاب:
, -ماشي، بس انت سالك فيها، وليك سكتك ومعارفك
,
, لوى حاتم ثغره مبررًا تراجعه عن القيام بتلك النوعية من العمليات الغير قانونية:
, -عارف، بس معدتش عندي اللي يخلص!
,
, غمز له ناصر قائلًا بمكر وهو يلكزه بخفة في ذراعه:
, -اهــا، قصدك على المدام
,
, تجهمت قسمات وجه حاتم بالكامل، ورد بامتعاض شاتمًا إياها بوقاحة :
, -ماتجبليش سيرتها، ولية٧ نقطة !!
,
, عقد ناصر مابين حاجبيه قائلًا:
, -ده انت لسه معبي منها على الأخر
,
, فرك رفيقه وجهه بغل، وأرجع ظهره للخلف مجيبًا عليه بسخط ظاهر في نبرته ونظراته:
, -جدًا ! وعلى رأي أمي جايبة النحس للبيت كله، بس أنا مضطر أتكلم معاها عشان بنتي
,
, أثارت جملته الأخيرة اهتمامه، فسأله بفضول:
, -هي البت مش معاكو؟
,
, حرك رأسه نافيًا وهو يوضح بفتور:
, -لأ البت لسه صغيرة، والحضانة معاها!
,
, تجرع ناصر رشفة كبيرة من زجاجته التي أوشكت على الانتهاء، وتجشأ قائلًا:
, -أها! قولتي بقى!
,
, تابع حاتم حديثه بنبرة ممتعضة:
, -عاوز أشوفها، بس شايل هم الزيارة دي!
,
, اقترح عليه رفيقه بنبرة عادية:
, -طب ما تبعت أمك ولا أختك عندها!
,
, التوى ثغره بابتسامة تهكمية وهو يبرر بسخرية:
, -أمي! إنت بتهزر، دي تطيق العمى ولا تشوف وشها، انت عارف دي عاوزة تولع في البت نفسها عشانها منها!
,
, ثم نفخ بحنق وهو يشير بيده مرددًا بتبرم:
, -قفل قفل على القرف ده كله، وخلينا نشوف شغلانة تانية نقضيها.
,
, وافقه ناصر الرأي هاتفًا بابتسامة غير مريحة:
, -طيب! اشرب وانسى يا معلم!
,
, ثم التفت برأسه للخلف ليراقب أوجه تلك العابثات المتواجدات في تلك الساعة المبكرة بذلك الملهى الرخيص منتقيًا من سيعبث معها لاحقًا.
, لم يهتم حاتم بما يفعله رفيقه، فباله الآن مشغولًا في البحث عن وسيلة جديدة يتحصل منها على أموال إضافية.
, ٤١ نقطة
,
, ذرعت غرفة نومها الخاصة جيئة وذهابًا تفكر في تلك الكارثة التي اكتشفتها بغرفة ابنها البكري.
, رفضت إلقاؤه في القمامة تحسبًا من شر ذلك الشيء القابع به والذي تظن أنه سيصيبه بالسوء إن أهملته، لذلك احتفظت به في أحد أدراج المطبخ. ثم عادت لغرفتها لتختلي بنفسها بعد رحيل الأختين من المنزل.
, ضربت كفاً بالأخر هاتفة لنفسها بقلق ظاهر في نبرتها:
, -يا خوفي يطلع كلامها صحيح، طب أتصرف ازاي واكلم مين يفيدني في الحكاية دي؟
,
, جلست مستاءة على طرف الفراش تهز جسدها بعصبية مضطربة.
, عجزت عن التفكير بذهنٍ صافٍ، وغفلت عن إطعام الصغيرين.
, ولج زوجها إلى الغرفة متعجبًا من حالتها الواجمة تلك.
, ألقى عليها التحية لكنها لم تجبه، كانت تمتم لنفسها بكلمات مبهمة وكأنها لم تره.
, صــاح بها بصوت قوي:
, -سرحانة في ايه يا جليلة؟ عمال أكلمك من بدري، وإنتي في التوهان كده!
,
, انتبهت لصوته المرتفع، ونهضت عن الفراش مرددة باضطراب قليل:
, -معلش يا حاج، دماغي مشغولة حبتين!
,
, تفرس في وجهها متساءلًا باهتمام:
, -خير إن شاء ****؟
,
, توجست خيفة من إخباره، فربما يرفض تصديق تلك الخرافات ويتهمها بالجنون، ففكرت سريعًا في إجابة مقنعة.
, خرج صوتها مترددًا وهي تقول:
, -هــه، آآ.. حاجة البيت ومشاغله اللي مابتخلصش! ما إنت عارف يا حاج،وخصوصًا طلبات العيال!
,
, رد عليها بعدم اقتناع وهو يشير بعينيه المجهدتين:
, -أها، طيب شوفي الأكل بتاعهم لأحسن أعدين برا يقولولي جعانين!
,
, لطمت على صدرها بعفوية مرددة بضجر:
, -ده أنا نسيتهم خالص!
,
, ثم أسرعت في خطاها تاركة الغرفة لتطعم الصغيرين.
, تابعها طـــه بنظرات متعجبة، وهز رأسه قائلًا باستنكار:
, -مالها الولية دي، شكلها مش طبيعي خالص!
,
, همست جليلة لنفسها بامتعاض ظاهر على محياها:
, -منك لله يا بنت حوا وآدم، دبرها من عندك يا رب، هو ابني ناقص!
, ٣٧ نقطة
,
, تمددت على الفراش شاعرة بلذة انتصارها الساحق في تلك الجولة الجديدة في معركتها معها.
, هي لا تعدها ابنة خالها، بل عدوتها التي تتنافس معها في الاستحواذ على محبة الأخرين، خاصة من جذبها بشهامته إليه.
, لم تعبأ برضيعتها التي تبكي صارخة لتناول الطعام، وظلت شاردة تفكر فيما فعلته.
, لقد أتقنت دورها ببراعة، وتفننت في خداع أمه الساذجة بأبسط الطرق.
, همست نيرمين لنفسها متباهية:
, -زمانها دلوقتي قايدة نار، إياكش النار دي تاكل الـلي ما تتسمى!
,
, اندفعت أختها بسمة إلى الغرفة هادرة بضيق:
, -ايه يا نيرمين؟ مش سامعة عياط بنتك؟
,
, اتجهت للفراش لتحمل الرضيعة بين ذراعيها، وقامت بهدهدتها برفق لتكمل تعنيفها لأختها الكبرى قائلة:
, -مش معقول كده! أعدة ولا على بالك، بنتك مفلوقة من العياط وانتي هيمانة على نفسك!
,
, عبست نيرمين بوجهها قائلة بتذمر:
, -يووه، لازم تعكري مزاجي كل شوية!
,
, نظرت لها بسمة مدهوشة وهي تردد مستنكرة:
, -أعكر مزاجك! عياط بنتك مش فارق معاكي، **** يرحمها من قسوتك!
,
, ردت عليها بسخط جلي:
, -خدت ايه منها غير غلب أبوها وبوزه الزفت!
, -وهي ذنبها ايه؟ ارحميها
,
, نهضت نيرمين على مضض من على الفراش مقتربة منها، ثم مدت يديها قائلة بتجهم ساخر:
, -طيب يا أم قلب حنين، هاتيها!
,
, رمقتها بسمة بنظرات حادة متمتمة بصوت شبه هامس:
, -خدي، وربنا يرحمها منك!
, ٣٨ نقطة
,
, كانت حذرة في خطواتها المتباطئة نحو دكانها العتيق حتى لا تؤذي قدمها اليسرى أكثر.
, هي تماثلت للشفاء بنسبة كبيرة، لكنها حرصت على عدم الضغط عليها بالسير مطولًا أو بإرهاقها.
, لم تشعر بذلك الذي يتربص بها وهو يدنو منها بخطاه المتعجلة، فلم تأخذ حذرها تمامًا.
, أصبحت على بعد مسافة قصيرة من دكانها، شردت في اللافتة القديمة متأملة حروفها الغير واضحة.
, انتفضت في سيرها فزعة حينما شعرت بيد تتلمس ظهرها، فاقشعر بدنها بالكامل، وشهقت مذعورة ملتفتة برأسها للجانب.
, زاد هلعها حينما رأت وجهه المقيت يبتسم لها بصورة أرعبتها كثيرًا.
, هي عرفته إنه نفس الرجل الذي قابلته من قبل، ذاك الذي أثار حنق منذر للغاية وأوصله للعصبية في لحظات.
, هوى قلبها في قدميها من فرط الخوف.
,
, تراجعت تلقائيًا مبتعدة عنه لتزيح يده المتلمسة لظهرها عنوة.
, كانت كمن لدغها عقرب بلمسته المحرمة على جسدها رغم أنها لم تدمْ سوى لثوانٍ لكنها كانت كافية لإشعارها بالنفور والتقزز منه.
,
, نظر لها مبتسمًا باستخفاف مزعج، ثم تحرك قبالتها ممددًا يده نحو وجهها متعمدًا تلمسه فذعرت منه، وأرجعت رأسها للخلف لتتحاشاه.
, ابتسم قائلًا بلهو:
, -وأدينا اتقابلنا يا حلوة!
,
, زاغت أبصارها من كلماته المقلقة، واستشعرت أنها على شفا الوقوع في مأزق كبير.
, دنا منها ليحاصرها قائلًا بثقة مشيرًا بيده في الهواء:
, -دي الحتة كلها أد كده، مافيهاش خرم إبرة إلا وأنا عارفه كويس!
,
, ضمت عفويًا يديها إلى صدرها وكأنها تحتمي منه، لكن لا مكان للهروب منه.
, ابتسم لفرض سيطرته عليها، ولاستعادته تلك الذكريات القديمة التي كان يتلذذ بها حينما يرى قوته في خوف ضحاياه من صغيرات السن، فيزداد حماسة ورغبة طامعة فيهن.
, غمز لها بعينيه مؤكدًا:
, -يعني كنا هنتقابل هنتقابل! وأديكي جيتي لحد عندي!
,
, أراد أن يتطــاول عليها مرة أخــرى لكنها صرخت بفزع لتلفت الأنظار إلى كليهما.
,
, وبالفعل لمحهما رجلي منذر المرابطين عند الدكان، فتبادلا نظرات مزعوجة للغاية. خاصة أنهما يعرفان هوية مجد وتاريخه المشين بالتحرش بالمراهقات والشابات.
, هتف أحدهما بتوجس وقد توترت نظراته:
, -شايف اللي أنا شايفه!
,
, هب الأخر واقفًا من مقعده مرددًا بفزع:
, -يا وقعة سودة!
,
, لكز الرجل الأول رفيقه من كتفه ليدفعه للأمام قائلًا بحزم:
, -بينا نتدخل بسرعة قبل ما الدنيا تخرب!
,
, رد عليه زميله دون تردد:
, -أوام، ده الريس منذر منبه علينا إن شوفناه معاها بالذات مانستناش!
,
, تحرك الرجلان سريعًا في اتجاههما لنجدة المستغيثة قبل أن يتفاقم الوضـــع.
, كركر مجد ضاحكًا من صراخها المذعور هاتفًا باستهزاء:
, -فكرك هاخاف من الصويت، بالعكس ده بيدخل مزاجي أوي!
,
, ارتعدت فرائصها منه، وانكمشت على نفسها أكثر، وقبل أن تجيب عليه كان الرجلان يسدان عليه الطريق بجسديهما مانعان إياه من الاقتراب منها.
, استشاط مجد غضبًا من تدخلهما السافر فيما يخصه، وهدر بهما بعصبية وهو يهددهما بيديه:
, -انتو اتجننوا، مش عارفين أنا مين يا ٧ نقطة٣ علامة التعجب
,
, تمكنت أسيف من الاحتماء خلفهما، والتصقت بالحائط لتترك مسافة فاصلة بين ثلاثتهم.
, رد عليه أحد الرجلين قائلًا بحذر:
, -عندك يا معلم مجد، ميصحش كده!
,
, ضربه مجد بقبضة يده المتكورة بعنف في صدره هاتفًا بتهكم:
, -هــأو! إنت مين يا ٦ نقطة عشان ترفع عينك في عيني وتكلمني؟
,
, ثم رمق الرجلين بنظرات نارية وهو يضيف بسباب لاذع:
, -ده أنا هاطلع ٦ نقطة أهلكم النهاردة !
,
, تحامل الاثنان الإهانة مرغمين، فالتعليمات مشددة بضبط النفس معه، وعدم الانسياق وراء أي مشاجرة يقودهما إليها.
, هتف أحدهما بهدوء زائف رغم احتقان وجهه:
, -يا معلم مجد دي حُرمة، واحنا آآآ٥ نقطة
,
, قاطعه مجد هادرًا بنفاذ صبر:
, -البت دي ليها كلام معايا، فامشي من وشي انت هو، بدل ما أسويكم بالأسفلت! وبردك هاوصلها!
,
, رد الأخر مضيفًا بنزق:
, -مش هاينفع، احنا معانا أوامر!
,
, أشعلت كلماته عيناه اتقادًا، فهتف غير مبالٍ باستهزاء كبير:
, -أوامر، هـــأو، أو، أو ..٣ علامة التعجب
,
, ضاقت نظراته أكثر لتتحول لإظلام مرعب وهو يكمل بتوعد:
, -و**** لو مدير الأمن بذات نفسه موجود ما هيمنعني عنها!
,
, تيقنت أسيف عند تلك اللحظة أن منذر كان محقًا في خوفه المبرر منه. أنها بالفعل واقعة بين مطرقة وسندان.
,
, تطاول مجد باليد معهما محاولًا اختراقهما والوصول إليها، فتعالت شهقاتها المفزعة أكثر وأكثر.
, استمر الرجلان في الحول بينه وبينها قدر استطاعتهما رغم تلك الشتائم القاسية التي ظل يتفوه بها.
,
, تراجع خطوتين للخلف لينحني للأسفل ليتلقط أحد الأحجار ثم قذفه بقوة في وجه أحدهما، فأصاب عينه مباشرة.
, وضع الأخير يده عليها صارخًا بألم كبير. بينما هجم الأخر على مجد منتويًا ضربه بشراسة.
, تعالت صرخات أسيف من هول الموقف، ووجدت نفسها عاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها.
, ٣٠ نقطة
,
, انتهت عواطف من مقابلتها القصيرة مع المحامي بالوكالة، واستلمت باقي مستحقاتها المادية.
, شكرته ممتنة، واستأذن هو بالانصــراف.
, وبقيت واقفة بمفردها عند العتبة لبرهة منتظرة قدوم ابنة أخيها تطالع أوجه المارة بنظرات عادية، لكنها لم تأتِ، ملت من الوقوف والانتظار. ففكرت في الذهاب.
, دار بخلدها أن تتوجه ناحية الدكان فربما تكون متواجدة به.
, ابتسمت لنفسها ابتسامة راضية لأنها ببساطة استطاعت تخمين مكانها.
, سارت بتمهل في اتجاهه غير متوقعة ما ستراه هناك.
, انقبض قلبها خيفة حينما رأت بعض رجــال الوكالة يهرولون مسرعين وكأن في كارثة ما قد وقعت.
, قطبت جبينها مرددة بتوجس:
, -يا ساتر يا رب! هو في ايه؟
, ٣٤ نقطة
,
, في أقل من دقائق، أصبح الشاجر عنيفًا من قبل مجد الذي اعتبر الأمر مسألة شخصية، وكــال للرجلين ضربات موجعة مستخدمًا ما تطاله يداه.
, تجمع المـــارة، وتحولت المنطقة أمام الدكان والمحال الجديدة إلى ساحة للاقتتال خاصة بعد حضور رجــال مجد من المطعم للاشتباك مع رجال منذر فور أن وصلتهم الأنباء.
, لم يستطع مهدي السيطرة على الوضــع الذي انفجر كالبركان الثائر في أوجـــه الجميع.
, وتسابق الرجال في ضرب بعضهم البعض بالعصي، والزجاجات الفارغة، وقطع الخشب القديمة، والجنازير المعدنية.
, دفع أحد الرجــال التابعين لمنذر أسيف للاحتماء داخـــل دكانها ، ولم تتردد هي في الاعتراض، فهو الأمن بنسبة لها حاليًا.
, وشكل عدد أخــر منهم خطًا للدفاع عن المحال قبل أن تتحطم واجهاتها الجديدة تمامًا من قذف الطوب والحجارة.
,
, احتد صوت تهشم الزجاج وفرقعات النوافذ المحطمة مع صوت السباب النابي.
,
, رأت عواطف ذلك الحشد الغفير المتجمع في المنطقة ويسد الطريق على أي شخص للاقتراب.
, إشرأبت بعنقها للأعلى محاولة رؤية أي شيء بالتفصيل.
, وللأسف لم تتمكن بسبب التحركات العنيفة للجميع.
, تسارعت دقات قلبها خوفًا، وهتفت مذعورة:
, -أسيف! بنتي!
,
, حاولت اختراق أجسادهم للمرور والوصــول إليها علها تكون متواجدة بينهم أو محاصرة من قبل أحدهم.
, لكن بدا الأمر مستحيلًا مع هذا الكم من الأدرينالين الذكوري الثائر.
, تعالت الصراخات من النساء، والصيحات من الأطفال وكبار السن. فالجميع يهلل بسبب تأجج الاحتدام الجسدي.
,
, أخذت عواطف تضرب على فخذيها بارتعاد حقيقي مما تراه، وتمنت في نفسها أن تكون ابنة أخيها في منأى عن تلك المشاجرة.
, لم يعرف أي أحد سبب اندلاعها الحقيقي، لكنها كانت إعلانًا صريحًا بعودة جو المشاحنات العنيفة بين عائلتي حرب وأبو النجا.
,
, كذلك وصــــلت الأخبار عنها إلى مسامع دياب، فلم يتردد للحظة في القدوم إلى المحال الجديدة للتواجد بنفسه والمشاركة في ذلك التضارب الشرس.
, جمع ما يستطيع من عمال المستودع، وكذلك من محبي العائلة حرب ليزداد وطيس الاقتتال بين جموع الرجال الأشداء.
, ٤١ نقطة
,
, بقيت حبيسة الدكان مرتعدة بداخل جدرانه القاتمة.
, لم تصدر صوتًا، وانزوت في أحد الأركان مختبئة خلف المكتب القديم تبكي برعب وهي كاتمة لصوتها الذي يأبى البقاء بداخل جوفها.
, لم تتخيل أن الوضــع سيسوء إلى تلك الدرجة. اعتقدت فقط أن المسألة مجرد "معاكسة" عابرة من شخص فج معتاد على الوقاحة مع الفتبات.
, لكنه كان أخطر بكثير مما ظنت.
, تذكرت كلمات منذر المحذرة لها قبل عدة أيام عن شخصه الوضيع.
, هي استهانت بتحذيراته، ورأت الآن بعينيها ما آلت إليه الأمور.
,
, حبست أنفاسها مترقبة اقتحام الدكان بين لحظة وأخرى، فالأصوات صادحة بالخــارج، والدقات على الأبواب عنيفة للغاية، بالإضافة إلى تهشم الزجــاج الذي يصدر دويًا مرعبًا بين الفنية والأخرى فيزيد من رعبها المشحون.
, تنفست بصعوبة، وظنت أنها ستفقد الوعــي من هول الصدمة.
, تدريجيًا سمعت ذلك الصوت المألوف المطمئن.
, إنه صوت صافرات سيارات الشرطة التي أتت بعد وقت ليس بالقليل لتتدخل جبرًا لفض الاشتباك بالقوة، واصطحاب أفراد النزاع للمخفر.
,
, توقعت أن يدخل رجال الشرطة في أي ثانية إلى دكانها لأخذها، فهي العنصر الأساسي في اندلاع المشاجرة.
, لكن على عكس توقعاتها، لم يأتِ أي أحد إليها.
, بدأت تهدأ تدريجيًا حينما انخفضت حدة الأصوات بالخــارج.
, شعرت بأن قدماها لا تقويان على حملها، لكنها نهضت لترى الأمر بنفسها.
, وبحذر شديد، وحرص بائن في خطواتها اتجهت نحو باب الدكان.
, فتحته متوقعة الأسوأ ينتظرها بالخارج.
, أطلت برأسها مختلسة النظرات، وتفاجأت بعدم وجود أي سوى حفنة قليلة من الرجال الذين يجمعون بقايا الأشياء المحطمة.
, تنفست الصعداء لافظة زفيرًا عميقًا من صدرها.
, تشجعت أكثر لفتحه ، وولجت للخارج.
, ابتلعت ريقها المرير وهي تمرر أنظارها على حطام كل شيء.
, رأت بقايا زجـــاج متناثر بكثافة، و أنصاف زجاجات فارغة متهشمة، ومقاعد خشبية محطمة، وأيضًا قطع من الطوب المُلقي بغزارة على الجانبين، ناهيك عن أجزاء الأحجار الغليظة.
,
, أقبل عليها أحد رجال منذر قائلًا:
, -ارجعي يا ست على بيتك!
,
, رفعت أنظارها نحوه محدقة فيه بفزع، كان وجهه مليئًا بالكدمات، والجروح السطحية وبعض الخدوش، بالإضافة إلى خيوط الدماء التي امتزجت مع عرقه الغزير.
,
, أخرجها مجددًا من تأملها له صائحًا بحدة:
, -يالا يا ست من هنا!
,
, أومــأت برأسها بالإيجاب، وسارت بحذر فوق قطع الزجاج.
, لمحتها عمتها من على بعد فهتفت بتلهف:
, -أسيف بنتي!
,
, ركضت الأخيرة نحوها وعلى ثغرها ابتسامة عريضة، فقد تسرب إلى قلبها شعورًا بالأمان لمجرد رؤيتها.
, احتضنتها عمتها بقوة ضامة إياها لصدرها وهي تهمس بصوت شبه باكي:
, -الحمد**** إنك بخير، خوفت عليكي أوي
,
, ضمتها أسيف هي الأخرى مستقبلة تلك المشاعر الدافئة بتلهف كبير، وردت عليها بتلعثم:
, -أنا.. أنا آآ٣ نقطة
,
, أشــارت لها عمتها بعينيها هاتفة بجدية :
, -تعالي نمشي من هنا، ونتكلم في البيت!
,
, هزت رأسها موافقة، وسارت الاثنتان سويًا، حانت من أسيف التفاتة سريعة للخلف لترمق المكان بنظرات أخيرة مبتلعة ريقها مرة أخرى.
, فاليوم كان مشحونًا بأقصى درجات العنف والغضب. ومازالت تجهل توابعه ٣ نقطة ٣ علامة التعجبذرعت الغرفة جيئة وذهابًا وهي تفرك كفيها بعصبية واضحة، فما حدث اليوم أمام أنظارها – خاصة مع رمز الرجولة الأصيلة عندها - دق ناقوس الخطر لديها.
,
, تجهمت تعابير وجهها ، وضغطت على شفتيها بقوة مانعة نفسها من إطلاق شتائم مهينة.
, استقبلتها أمها بترحاب كبير وكأنها لم ترتكب شيئًا بل أصرت على بقائها في أحضانها اليوم ، وغفت معها في غرفته .. ذلك المكان الذي تمنت أن تنام هي فيه بدلًا منها.
,
, التفتت نيرمين لتنظر لأختها الغافلة على الفراش بحدة قبل أن تجلس على طرف الفراش الأخر.
, همست لنفسها بغل واضح :
, -جيتها المرادي هتجيب علينا الخراب!
,
, زفرت بعدها بغيظ بائن ، فمازالت أسيف تستحوذ على كل شيء منذ أن وطــأت قدماها بيتهم المتواضع.
, هي ببراءتها الساذجة تنجح دومًا في سلب العقول ، وجذب الانتباه ، وما أكثر من حنقها نحوها أن الجميع يعيرونها الاهتمام حتى لو بدت طائشة حمقاء.
,
, انتبهت لصوت بسمة الناعس وهي تقول:
, -ارحمي نفسك ونامي
,
, ردت عليها نيرمين بحقد :
, -مش جايلي نوم ، هاموت من البلوى اللي حلت علينا ؟
,
, تساءلت بسمة بنبرة متثاقلة :
, -قصدك على أسيف ؟
,
, صاحت بها نيرمين بصوت محتد :
, -ماتنطقيش اسمها قصادي ، بأتعصب لما بأسمعه ، كان نفسي تغور في داهية ومانشوفش خلقتها تاني !
,
, أضافت بسمة بجدية :
, -هي مش رجعت خلاص ، وأمك ماسكة فيها بإيدها وسنانها ، يعني انسي انها تسيبها وتمشي !
,
, ردت عليها نيرمين بحنق بارز في نظراتها الضيقة ونبرتها الحادة :
, -وده اللي فاقعني ، على ايه مش عارفة ، دي حي**** مكملتش كام يوم عندنا ، خلاص بقت فرخة بكشك عندها
,
, تثاءبت بسمة وهي ترد :
, -حكمة **** !
,
, نفخت نيرمين متابعة بغيظ أكبر :
, -أووف ، هاطق من جنابي منها
,
, ردت عليها بسمة ببرود إلى حد ما :
, -بصراحة من اللي بتعمليه قصادي ده اللي هايحصلك !
,
, أضافت نيرمين قائلة بغل وهي تكور قبضتها في الهواء :
, -آآخ لو أطبق في زمارة رقبتها ، آه لو أتساب عليها !
,
, حدقت بسمة في أختها بنصف عين ، ورأت مدى العصبية المتشنجة الواضحة على تعابير وجهها وتصرفاتها ، فحذرتها قائلة :
, -صدقيني انتي لو تهدي حبة وتخليكي باردة هترتاحي
,
, التفتت نيرمين برأسها ناحيتها ، وحدجتها بنظرات حانقة وهي ترد بتبرم :
, -انتي هبلة ومش فاهمة حاجة من اللي بتحصل حواليكي! نقطينا بسكاتك يا بسمة ونامي أحسن ٤ علامة التعجب
,
, تمطت بسمة بذراعها وهي تتابع بإنهاك :
, -طيب يا أم العريف ، هانام لأحسن مصدعة على الأخر !
,
, زفرت أختها مجدداً هاتفة بزمجرة عالية :
, -يووه ، اسكتي ، أصلًا انتي جبتلي صداع ! وأنا على أخري
,
, ردت عليها بسمة بعدم اقتناع :
, -أنا برضوه ولا آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها قائلة بغضب جم :
, -يووه يا بسمة ، ابعدي عني السعادي ، كفاية عفاريت الزفتة دي اللي بتتنطط قصادي !
, ٣٨ نقطة
,
, استسلمت لرغبتها المُصرة على نومها معها ومشاركتها الفراش ، كانت متحرجة من وضعها الحالي ، لكن لعطف عمتها اللامحدود ، وطيبتها الزائدة رضخت لتوسلاتها.
, مسدت عواطف على رأسها برفق متمتمة بكلمات متضرعة للمولى :
, -ألف حمد وشكر ليك يا رب ، الحمد**** إنك رجعتي تاني يا بنتي ، **** ما يحرمني من دخلتك عليا أبدًا!
,
, استمعت أسيف إلى أغلب دعائها ، وبكت في صمت متأثرة
, بروحها النقية التي ذكرتها بأبويها الراحلين. كانا دائمي الدعاء لها ، لم ينقطع لسانهما عن مناجاة **** من أجل تيسير أمورها ..
, واصلت إدعاءها بالنوم حتى غفت وهي تضمها إلى صدرها.
, ٣٠ نقطة
,
, انتظر بفـــارغ الصبر انقضـــاء ساعات الليل لكي يعود إلى منزله بعد أن تمكن التعب منه ..
, ورغم حرصه على عدم إزعـــاج من بالبيت وتفضيله البقاء بالخــارج إلا أنه قد أرهق تمامًا ، وأصبح بحاجة ملحة للإسترخاء والنوم ، لذلك قرر العودة إليه..
, ولج ديــــاب إلى المنزل بهدوء حذر ، وســار بخطوات هادئة نحو غرفة ابنه يحيى. فقد ظن أن غرفته ربما تكون مستغلة من قبل ضيوفهم.
, أوصد الباب خلفه بهدوء ، ودنا من فراشه بحرص شديد.
, انحنى على رأس صغيره ليقبله بحنو أبوي كبير ، ثم التفت برأسه لينظر إلى أروى التي نامت إلى جواره.
, مسح على جبينها برفق ، ودثرهما جيدًا قبل أن يعتدل في وقفته ، ويلقى بثقل جسده على الأريكة.
, رفع ساقه للأعلى لينزع حذائه من قدمه، وكرر الفعلة مع الساق الأخرى.
, فرك وجهه بتعب ، وتمط بذراعيه في الهواء. ثم نهض من جلسته ليتجه نحو الشرفة. حرك عنقه للجانبين ليخفف من حدة ذلك التيبس الخفيف الذي شعر به.
, تثاءب بتعب وهو يفتح الشرفة ليلج للخارج. ضربت نسمة باردة ومنعشة صدغيه فإرتعش قليلًا.
, أغلق الباب خلفه بهدوء ، وسحب المقعد ليجلس بإسترخاء تام عليه قبل أن يغمض عينيه ليستسلم لسلطان النوم.
, ٢٨ نقطة
,
, لم تتمكن من النوم جيدًا ، فتغيير الفراش يسبب لها أزمة ، هي إعتادت على ما يخصها ، وحينما تضطر للنوم خارج منزلها تصاب بالأرق.
, رفعت رأسها عن الوســادة ، وأدارت رأسها في اتجاه أختها التي غطت في نوم عميق رغم حالة الانفعال التي كانت مسيطرة عليها.
, فركت كتفيها بيديها ، ونهضت عن الفراش لتتجه إلى الشرفة ، أردات أن ترى المنظر العام من الأعلى في تلك الساعة المبكرة.
, لم يطرأ ببالها أن الشرفات الخاصة بغرف الصغار متصلة ببعضها البعض ، وبالتالي لم تتوقع وجود أحد بالخـــارج ..
,
, وضعت يدها على شعرها المفرود ، ومشطته بأصابعها لتجمعه سويًا ، ثم ولجت للخـــارج.
, اقتربت من حافة الشرفة ، واستندت بمرفقيها عليها.
, تثاءبت بسمة بصوت شبه مسموع وهي مسلطة أنظارها على الطريق بالأسفل.
,
, فتح ديـــاب جفنيه على صوت تلك الحركات الخافتة الصادرة من الغرفة المجاورة.
, كان متأهبًا لكنه لم يصدر صوتًا. تفاجيء بخروجها للشرفة بأريحية كبيرة دون إدراك منها لوجوده.
, ارتفع حاجباه للأعلى ، واستشعر الحرج لتكرار تلك المواقف الخجلة بينهما.
,
, تردد لوهلة في تنبيهها لوجوده معها ، وأخفض نظراته وهو يستطرد حديثه قائلاً بجدية :
, -على فكرة البلكونة مش تبع البيت ، دي حتة من الشارع !
,
, انتفضت بسمة في مكانها فزعـــة من صوته ، وتسارعت دقات قلبها بخوف شديد وهي تلتفت نحوه ، لكنها سريعًا ما استعادت هدوئها ، وضبطت أنفاسها وهي ترمقه بنظرات مزعوجة من طريقته في الحديث.
,
, أرادت أن تبدو جلدة متبلدة أمامه حتى لا يفرض سخافاته عليها ، فقطبت جبينها ، وردت عليه بعبوس قليل :
, -هو ممنوع نقف فيها ولا حاجة ؟
,
, هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بهدوء :
, -لأ .. خدي راحتك !
,
, ولكن ضاقت نظراته نحوها ، وهتف متساءلًا بنبرة ذات مغزى :
, -بس انتي مش محجبة باين ؟
,
, كتفت ساعديها أمام صدرها وهي ترد بتهكم:
, -أكيد يعني ، انت فاكر ايه ؟
,
, أومــأ بعينيه مرددًا بإبتسامة متسلية :
, -طب تمام ، أصل أنا شايف شعرك كله !
,
, شهقت مصدومة من عبارته الأخيرة، ووضعت يديها عفويًا على رأسها محاولة تغطيته.
,
, أدركت أنها خرجت بدونه ، وتصرفت بتلقائية تامة فلم تتخذ حذرها.
, توردت وجنتيها إلى حد ما من حرجها ، وابتلعت ريقها بتوتر بائن
, أولته سريعًا ظهرها ، وركضت عائدة للداخل لتوصد باب الشرفة خلفها.
, اتسعت ابتسامته الساخرة من طريقتها الخرقاء في التصرف برعونة في بعض المواقف ، وتمتم مع نفسه بمزاح :
, -إنتي حالة عجيبة!
, ٣٨ نقطة
,
, توترت أكثر ، وتوردت وجنتيها بعد ذلك الموقف الحرج الذي تعرضت له معه.
, تسمرت بسمة في مكانها لعدة للحظات محاولة استيعاب ما دار قبل دقائق.
, كانت في موقف قوة ، مستعدة للجدال معه إن لزم الأمر ، لكنه فرض سيطرته على الوضع كليًا ، وخرجت هي منه متخاذلة خالية الوفـــــاض.
, أمسكت بالستائر وغطت بها زجاج الشرفة لتظلم الغرفة من جديد ، وضربت برأسها عليه عدة مرات معنفة نفسها بتبرم:
, -انا غبية ! ازاي ماخدتش بالي !
,
, ألقت بجسدها على الفراش ، وسحبت الملاءة فوقها لتدفن نفسها أسفلها لاعنة تصرفها الأحمق.
, ٣٨ نقطة
,
, انقضى الليل ، وأشرق نهار أخــــر معلنًا عن يوم جديد في حياة الجميع.
, استعدت عواطف للعودة إلى منزلها، وبالطبع لم تتركها جليلة لا هي أو حتى ابنتيها – وكذلك ابنة أخيها – دون القيام بأخـــر واجبات الضيافة معهن.
, تحرجت بسمة من الخروج من الغرفة ، وأثرت البقاء بها حتى لحظة انصرافهما متحاشية الالتقاء بدياب.
, هو لم يكن واعيًا ليقابلها ، فقد غفا في غرفته حينما تأكد من خلوها من الضيوف.
, على عكسه بقي منذر بالوكالة حتى الصباح ، وحينما تأكد من استيقاظ الجميع ، هاتف والدته قائلًا بجدية :
, -أنا هاوصلهم بعربيتي ، خليهم بس يجهزوا وكلميني !
,
, ردت عليه بلطف :
, -وماله يا منذر ! يخلصوا فطـــار وهاطلب عليك !
, -ماشي!
,
, وبالفعل ما إن انتهت جميعهن من تناول الإفطار حتى اتصلت بابنها لتؤكد عليه استعدادهن.
, لم يحتاج لأي وقت للوصــول ، فقد مكث أسفل المنزل منتظرًا تلك المكالمة.
,
, تعاملت نيرمين بجفاء شرس مع ابنة خالها ، لم تكن تطيق وجودها حولها ، وظلت ترمقها بحدة رغم تجنب الاثنتين للحديث معًا.
, لفت عواطف ذراعها حول خصر أسيف مرددة بسعادة :
, -أنا فرحانة إنكم حواليا ، **** يديمكم نعمة في حياتي
,
, ردت عليها جليلة بود وهي تمرر أنظارها على الثلاث شابات :
, -يا رب يا عواطف ، و**** إنتي **** بيحبك ورزقك بشوية بنات زي السكر !
,
, هتفت نيرمين بحماس محاولة كسب ودها أكثر :
, -كان بودنا يا خالتي نقعد معاكي أكتر ، بس مايصحش نتقل عليكم أكتر من كده ، كفاية إن سي منذر نام برا ، وآآ.. ودياب كمان !
,
, ثم اقتربت منها لتقبلها بحنو زائد لكنه مصطنع.
,
, ردت عليها جليلة بمكر وهي تمسح على ظهرها برفق :
, -يا ريت تتقلوا ، هو أنا عندي أعز منكم !
,
, رسمت نيرمين على ثغرها ابتسامة متكلفة وهي ترد :
, -**** يخليكي لينا يا رب!
,
, أضافت جليلة قائلة بجدية :
, -عاوزة أشوف البنات تاني يا عواطف ، وخصوصًا الكتكوتة دي !
,
, ثم أشارت بعينيها نحو الرضيعة.
, تحمست نيرمين كثيرًا لترحابها الشديد بها ، وردت بسعادة:
, -و**** دي ما شافت نوم ولا راحة إلا هنا ، البركة موجودة في كل حتة في البيت !
,
, وضعت جليلة يدها على رأس الرضيعة ، ومسحت بحذر شديد عليها قبل أن تنحني برأسها عليها لتقبلها برفق وهي تقول :
, -**** يحميهالك !
,
, أضافت عواطف هي الأخرى بإبتسامة مجاملة :
, -يا رب أمين ، تسلمي على ذوقك !
,
, التفتت جليلة برأسها نحو بسمة ، ثم قالت بألفة :
, -وإنتي يا بسمة ، مش محتاجة وصاية ، العيال معتمدين عليكي في المذاكرة !
,
, أومــأت برأسها بالإيجاب قائلة بإيجاز :
, -أكيد !
,
, هتفت عواطف مودعة إياها بإمتنان :
, -فوتك بعافية يا ست جليلة !
,
, ردت عليها الأخيرة بلطف :
, -**** يعافيكي ويشفيك !
,
, ثم أشارت بحاجبيها لأسيف وهي تضيف بصوت هاديء:
, -وسلامتك يا بنتي !
,
, ردت هي عليها بصوت خافت :
, -**** يسلمك
,
, تابعت جليلة قائلة بتفاؤل :
, -إن شاء **** تطيبي قريب !
,
, اغتاظت نيرمين من ذلك الحوار الودي الدائر بينهما ، وهمست بغل :
, -إياكش تقع على بوزها وهي نازلة !
,
, تحركت بسمة أولًا في اتجاه الباب لتفتحه ، لكن تجمدت خطواتها عند العتبة حينما رأت منذر واقفًا أمامها.
, أردف قائلاً بصوت خشن :
, -سلامو عليكم !
, تراجعت للخلف ضاغطة على شفتيها وهي تقول :
, -وعليكم السلام
,
, تهللت أسارير نيرمين لوجوده ، وابتسمت ببلاهة وهي محدقة به.
, أخذت تهدهد ابنتها بحركات سريعة نسبيًا محاولة التحرك للجانب لرؤيته بوضـــوح.
, ابتسمت عواطف وهي تضيف بحرج قليل :
, -معلش يا بني ، هانتعب معانا ! إنت ملكش ذنب في الدوخة دي !
,
, رد عليها بجمود :
, -ولا دوخة ولا حاجة ، وقبل ما أنسى في موظف من الشهر العقاري جاي عندك البيت عشان توثيق العقود !
,
, هزت رأسها بتفهم وهي ترد بحذر :
, -طيب
,
, نظرت إليه أسيف من طرف عينها ، فقد فهمت المقصود من عبارته ، هو أراد ترديد الأمر على مسامعها ليؤكد لها أن تملك حصة عمتها بدكانها.
, اختنق صدرها من مجرد التفكير في الأمر ، ولم تعقب عليه.
, سلط هو أنظاره عليها مراقبًا ردة فعلها، لكنه أثار ريبته تجاهله له.
, تنحنح بخشونة ، ثم أضاف قائلًا بصوت آمر :
, -اتفضلوا !
,
, تنحى بعدها للجانب ليترك المجال لبسمة لتمر أولًا ، ثم انتظر خروج والدتها خلفها.
, تباطئت نيرمين في خطواتها لتصبح ملاصقة له ، وبالتالي تتمكن من التحرك معه ، لكنه استدار برأسه ناحيتها ليرمقها بنظرات جافة وهو يقول بصرامة :
, -اتفضلي ! السكة واسعة !
,
, ضاقت نظرات نيرمين نحوه ، وتلاشت ابتسامتها من وجهها ليحل التجهم عليه.
, كانت كمن ينفث دخانًا من أذنيه وهي تلحق بأختها وأمها.
, عرجت أسيف بقدمها اليسرى أثناء خروجها من المنزل محاولة استباقهما بخطواتها المتآلمة.
, أوقفها منذر مرددًا بجدية :
, -رايحة فين ؟
,
, رفعت أنظارها لتحدق فيه بغرابة :
, -نازلة !
,
, زاد عبوس وجهها وهي تضيف بتهكم ساخط:
, -اطمن ، أنا مش هاهرب ، معدتش عندي طاقة أعمل حتى ده !
,
, دنا منها بخطواته المفاجئة ، فارتعدت من اقترابه المهدد ، وانحنى فجــأة نحوها ممددًا ذراعه أسفل ركبتيها ، ومحاوطًا بالأخر خصرها ليحملها عنوة.
, اتسعت حدقتاها مصدومة من تكراره لتلك الفعلة الجريئة غير مكترث بمن حوله.
, وقبل أن تنفرج شفتاها لتهتف بإستنكار ، صـــاح قائلًا بهدوء واثق:
, -زي ما طلعتك هنزلك !
,
, توترت من حديثه الذي ألجم لسانها ، واكتسى لون بشرتها الذابل بحمرة دموية عجيبة.
,
, على الجانب الأخر أصبح وجــــه نيرمين ككتلة من الجمر المتقد على ألهبة نيران حامية حينما رأت هذا المشهد أمامها.
, شهقت مذهولة من تصرفاته المتجاوزة مع من تمقتها ، وزادت نظراتها الشرسة إليها.
,
, كزت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تحطمهم من فرط العصبية المكتومة داخلها.
, في حين عقدت جليلة ما بين حاجبيها متعجبة من أفعال ابنها الغامضة ، وحدقت فيه بغرابة شديدة.
, وضعت إصبعيها أسفل ذقنها ، ودققت النظر إليهما وهي تحدث نفسها بحيرة :
, -**** ! ماله شاغل بيها باله ؟
,
, ارتابت من ابنها إلى حد كبير ، خاصة أنه بدا أكثر توددًا لتلك الفتاة عن ابنة عواطف التي تحثه على التفكير فيها.
,
, عقدت العزم على ألا تدع الأمر معلقًا دون أن تثيره معه لاحقًا ، ففي النهاية هي أم ، ومصلحة ولدها تعد شاغلها الأكبر والأهم ٣ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٥
اضطر الضابط المسئول بالمخفر الشرطي الفصل بين مجد وأعوانه، ودياب ورجاله أثناء احتجازهم به حتى لا يتجدد الالتحام اللفظي أو الجسدي بين الطرفين خاصة أنها يعرف العصبية الجامحة في تلك النوعيات من الخصومات الشرسة.
,
, ركض الحاج طـــه مهرولًا للداخل وبصحبته محامي العائلة، ثم بحث بعينيه سريعًا عن ابنه ضمن المتواجدين، لكنه لم يره.
, استدار ناحية المحامي هاتفًا بقلق:
, -دياب مش باين خالص!
,
, أجابه المحامي بهدوء حذر مشيرًا بيده:
, -جايز الظابط حاجزهم، ده طبيعي بعد اللي حصل!
,
, رد عليه طـــه بضجر كبير وهو يضرب بعكازه الأرضية الصلبة:
, -قلبي كان حاسس إن ده هايحصل، ابن أبو النجا مش ناوي يجيبها لبر! خارج من السجن وحلفان يولعها!
,
, هز المحامي رأسه بإيماءة خفيفة متابعًا بجدية:
, -اطمن يا حاج طــه، أنا هاتصرف، وهاعرف التفاصيل كلها وأبلغك!
,
, أومأ له طــه بعينيه هاتفًا بتلهف:
, -بسرعة يا أستاذ لأحسن أعصابي على أخرها، ومعنتش مستحمل
,
, رد عليه بهدوء وهو يوليه ظهره:
, -حاضر!
,
, أخـــرج طـــــه هاتفه المحمول من جيب جلبابه الرمادي، وضغط على زر الاتصــال بابنه البكري مرددًا لنفسه بنبرة مكفهرة:
, -انت فين يا بني؟
,
, وضع الهاتف على أذنه، فاستمع إلى تلك الرسالة الصوتية المسجلة:
, (( الهاتف المطلوب غير متاح حاليًا، برجاء ترك رسالة بعد ..))
,
, أبعده عن أذنه قبل أن يكمل الجملة للنهاية محدثًا نفسه بامتعاض:
, -وده وقت الست دي!
,
, زفــــر بصوت مسموع مكملًا:
, -استرها يا رب، هو اليوم باين!
, ٢٥ نقطة
,
, بقي بصحبة رجاله بداخل إحدى غرف الحجز، وعرف سريعًا السبب وراء التشاجر الدامي، فهو قد اشتبك معه أولًا دون أن يتحرى عن الدوافع، المهم ألا يخذل عائلته في أي موقف.
,
, تجهمت تعابيره للغاية بعد كلمات رجاله الموجزة، إنها قريبة عواطف، احتك بها مجد بوضاعة، وأساء لها عن قصد، فتدخل رجال منذر بناءً على تعليماته الصارمة للحول بينهما والدفاع عنها.
, صمت ليفكر مليًا فيما قالوه، فأخيه لا يفعل ذلك إلا إذا كان الأمر خطيرًا.
, حدق في وجـــه رجاله المحتجزين هاتفًا بحسم وهو يشير بسبابته أمامهم:
, -محدش يجيب سيرة حريم في الليلة، احنا مش ناقصين جرجرة ليهم على الأقسام!
,
, رد عليه أحدهم معترضًا:
, -بس يا ريس دياب، هي الوحيدة اللي آآ٣ نقطة
,
, التفت ناحيته هاتفًا بغلظة صارمة:
, -ولا كلمة! انتهى!
,
, قطم الرجل عبارته ولم يضف المزيد رغم انزعاجه من قراره الغير حكيم، فشاهدتها مهمة في إثبات حقهم أنهم كانوا في حالة دفاع عنها، وهم المجني عليهم وليس العكس.
,
, وضع ديــاب يديه على رأسه ضاغطًا عليها بقوة، فالأمر الآن في يد أخيه الكبير منذر ليتصرف بحنكة من أجل إخراجهم من هنا.
, ألصق ظهره بالحائط ضاربًا بقبضته المتكورة عليه متمتمًا بخفوت ممتعض:
, -رجعنا تاني للماضي الاسود!
, ٤٤ نقطة
,
, أدخلتها إلى الفراش مدثرة جسدها المرتعد بالغطاء، ثم مسحت على وجهها بحنو، ومسدت على رأسها برفق هامسة لها بنبرة أمومية دافئة:
, -اطمني يا بنتي، انتي في أمان دلوقتي!
,
, لم تتمكن أسيف من السيطرة على ارتجافتها المتواصلة، فصدى الاشتباك الحامي لازال يتردد في أذنيها مجسدًا لها في مخيلتها مشاهدًا عنيفة.
, كذلك تلك النظرات الشيطانية الوضيعة ظلت تطاردها كلما أغمضت جفنيها.
, هي مرت بوقت عصيب للغاية لا يمكن وصفه بأي كلمات، ومتيقنة من أنها السبب الرئيسي في اندلاعه.
, بكت رغمًا عنها متنهدة بشهقات خفيفة مكتومة.
,
, أشفقت عليها عواطف، وانحنت لتقبلها أعلى جبينها متابعة بضجر:
, -قدر ولطف يا بنتي!
,
, ظلت تربت على كتفها برفق محاولة بث الثقة إليها مرة أخــرى.
, أزعجها للغاية شحوبها المقلق، فهتفت مهتمة:
, -أنا هاعملك شوية شوربة سخنين يرجعولك الدموية اللي راحت من وشك دي!
,
, ثم وضعت أناملها على صدغها لتمسح تلك العبرات التي تبلله. ومع ذلك استمرت في بكائها المنكسر..
, ٣٥ نقطة
,
, وبخطى سريعة اتجهت عواطف نحو الخــارج متمتمة بكلمات مبهمة. فرأتها بسمة على حالتها الشاردة تلك.
, اقتربت منها متساءلة بفضول:
, -في ايه يا ماما؟ مالك أخدة في وشك كده ليه؟
,
, ردت عليه عواطف بتنهيدة مطولة:
, -اسكتي يا بنتي، مش قادرة أحكيلك على اللي حصلنا واحنا تحت!
,
, عقدت بسمة ما بين حاجبيها مبدية اهتمامها بحديث أمها المثير، وتساءلت قائلة:
, -خير؟
,
, أجابتها عواطف بتبرم:
, -حصلت حتة مضاربة يا ساتر يا رب عليها، ولا في الأفلام!
,
, انتبهت نيرمين للحوار الدائر بينهما وهي جالسة بغرفتها، إشرأبت بعنقها للأعلى مركزة حواسها كليًا على ما تسمعه.
, أثار فضولها بشدة سماعها لكلمات غامضة كـ ( مضاربة، دكان )، لذا نهضت عن الفراش، وسارت بحذر مقتربة من الباب لتتنصت عليهما دون أن تنتبه أي منهما لوجودها المقلق.
,
, زاد انعقاد حاجبي بسمة وهي تردد باستغراب:
, -مضاربة! وعشان ايه ؟
,
, أجابتها عواطف عفويًا:
, -عند الدكان بين دياب، وابن أبو النجا!
,
, هتفت بسمة قائلة بنزق:
, -مع مازن؟
,
, هزت عواطف رأسها نافية وهي تجيبها بتوجس:
, -لأ، مجد!
,
, تبدلت تعابير وجه ابنتها للضيق وهي تقول:
, -أعوذوا ب****! هو البلطجي ده خرج من السجن؟
,
, أومــأت والدتها بالإيجاب قائلة:
, -ايوه!
,
, ثم أخفضت نبرتها لتضيف بأسف:
, -وبنت خالك كانت موجودة في النص وقت ما حصل ده كله!
,
, بدت بسمة متعجبة للغاية مما قالته أمها، فابتسمت قائلة بمزاح:
, -ليه هي الخناقة كانت عشانها؟
,
, كأنها بعبارتها تلك نجحت في استثارة أختها المتجسسة عليهما، فصارت كالحمم الملتهبة وهي تراقبهما عن كثب.
,
, ردت عواطف بجدية:
, -مش عارفة و**** يا بنتي، هو أنا لحقت أعرف ولا أشوف حاجة، الكل كان ماسك في بعضه، ومحدش عارف ليه!
,
, أضافت بسمة متساءلة باهتمام:
, -ها وبعدين؟ انتو اتصرفتوا ازاي؟ ودياب عمل ايه معاه؟
,
, أجابتها بضيق موضحة بيديها:
, -ولا حاجة، وقفت أتفرج من بعيد، والستات تصوت، الناس مقدرتش عليهم، كانت والعة على الأخر، ومافيش إلا البوليس اللي عرف يخلصهم من بعض، وخادهم كلهم على القسم!
,
, ارتخت تعابير بسمة إلى حد ما، وهتفت بفتور:
, -أها! هيرجعوا يتصالحوا تاني ولا كأن حاجة حصلت! معروفة يا ماما، هي أول مرة!
,
, تهدل كتفي عواطف وهي تقول بتوجس واضح:
, -**** أعلم! بس المرادي غير!
,
, ثم أشــارت بكفها نحو المطبخ متابعة:
, -أما ألحق أروح أعمل حاجة سخنة للغلبانة اللي جوا، دمها هربان منها على الأخر!
,
, لم تعقب عليها بسمة، بل تحركت في اتجاه المرحــاض غير مكترثة بتفاصيل المشاجرة ولا توابعها الخطيرة.
,
, وقبل أن تلج إليه خرجت إليها أختها متساءلة بعبوس جلي:
, -في ايه؟ أمك بتحكي عن ايه؟
,
, نظرت لها بسمة بحدة وهي تجيبها بتأفف:
, -اسأليها!
,
, هي مازالت تحمل في صدرها ضيقًا نحوها بسبب صراحتها الزائدة معها.
, رمقتها بنظرات أخرى أكثر انزعاجًا قبل أن تتجاهلها كليًا ، وتتركها في مكانها لتدخل المرحاض.
,
, تجمدت نظرات نيرمين على نقطة ما بالفراغ، وشردت تفكر بتعمق فيما عرفته.
, جمعت خيوط الأمر معًا، ورددت مع نفسها بنبرة غير مريحة:
, -لو الموضوع زي ما بأفكر هـ..آآ..
,
, توقفت عن الحديث، فقد لمعت عيناها فجـــأة بشيء مخيف، نعم وصل عقلها إلى استنتاج مريب.
, زاد بروز ابتسامتها الخبيثة من بين أسنانها.، وبدت أكثر حماسة عن ذي قبل.
, أخذت نفسًا عميقًا لتضبط انفعالاتها مرددة لنفسها بنبرة أقرب لفحيح الأفعى:
, -اهدي كده يا نيرمين واحسبيها كويس عشان تظبط معاكي صح!
,
, رفعت حاجباها للأعلى متابعة بجموح شيطاني:
, -ولو زي ما أنا مفكرة يبقى هرتاح منها خــــــــــالص!
, ٣٨ نقطة
,
, وضعت يدها على جرحها تتحسسه، فزاد إحساسها بالكراهية نحوها.
, هي تخلت عنها في أشد أوقاتها احتياجًا لها، ولم تتقبل مطلقًا أنها فعلت ذلك من أجل مصلحتها.
, ولولا خوفها من العودة إلى منزلها لما وطأت بقدميها منزلها مرة أخرى.
, دنت منها شـــادية محاولة تهدئتها بعد أن ثارت ثائرتها، لكنها أبعدت يدها عنها هادرة بعصبية:
, -بعتيني يا ماما وقبضتي التمن!
,
, ردت عليها بحذر:
, -مش كده يا حبيبتي!
,
, صرخت فيها ولاء بحدة مستنكرة قسوتها:
, -هونت عليكي تعملي فيا كده؟٣ علامة التعجب
,
, هزت رأسها معترضة وهي تبرر لها:
, -لا يا حبيبتي، إنتي أغلى ما عندي، بس .. بس كنت هاعمل ايه مع مجد ابن الـ٦ نقطة ده، إنتي مشوفتيش كان بيتكلم ازاي! وتهديده ليكي وآآآ٤ نقطة
,
, قاطعتها قائلة بصراخ أشد:
, -أنا مش مصدقة، مازن قتل فيا أكتر حاجة الواحدة ممكن تحسها، حرمني من آآ٣ نقطة
,
, وضعت يدها على فم ابنتها لتكتم صوتها الصارخ، وهتفت قائلة وهي ضاغطة على شفتيها:
, -شششش.. كل حاجة وليها علاج! أنا سألت الدكتورة في المستشفى وآآ٤ نقطة
,
, ردت عليها ولاء بنبرة منفعلة:
, -انتي بتضحكي عليا ولا عليكي، هو انتي مفكراني جاهلة.
,
, حاولت شادية أن تهون عليها، فأضافت بدون تفكير:
, - طب فكري في ابنك يحيى!
,
, وكأنها تعمدت اثارة مشاعرها الغاضبة أكثر. هي تحثها على الاهتمام بابنها، وتتناسى عن عمد أنها حرمت من أبسط حقوقها كأنثى، أن تصبح أمًا مرة أخرى.
,
, ردت عليها بنبرة محبطة وهي تنظر لها شزرًا:
, -ابني اللي مرمي في حضن أبوه!
,
, ردت عليها أمها معترضة:
, -انتي ناسية الحضانة معايا، يعني نقدر ناخده بالقانون!
,
, زادت نظراتها حنقًا، وهتفت غير مصدقة تلك القسوة الظاهرة عليها، فصاحت بها:
, -انتي بتبرري لنفسك يا ماما ؟!
,
, جاهدت شــادية لتمتص غضبها، هي مدركة لعدم تقبلها لذلك الاتفاق، لكن من وجهة نظرها لم يكن لديها أي بديل سوى القبول به.
,
, وضعت كفيها على ذراعيها قائلة برجاء خفيف:
, -افهميني بس
,
, أزاحت قبضتيها عنها صارخة بعصبية:
, -مش عاوزة أفهم، بقي عاوزة تقنيعني إنك عملتي ده لمصلحتي، أنا مش مصدقة، تحطي ايدك في ايد اللي قتل ابني ودبحني!
,
, ردت عليها متبرمة من ضيق تفكيرها المحدود:
, -مجد كان هيضيعك لو معملتش كده، ومازن قصاده ولا حاجة، مش هايقدر يقوله حتى لأ، انتي مش عارفاه كويس زيي!
,
, احتدت نظرات ولاء، وهتفت مهددة بلا وعي:
, -حقي اللي ضاع منهم هارجعه!
,
, حذرتها والدتها قائلة بجدية:
, -متتهوريش، وسبيني أفكرلك، وصدقيني هاتكسبي من اللي حصل!
,
, امتعض وجـــه ولاء للغاية ، فحديث أمها ماهو إلا كالملح الذي يوضع على الجرح الملتهب ليزيد من ألمه، فصرخت بجنون:
, -كل حاجة عندك بالفلوس وليها تمن، عينيك مابتعرفش تحسب غير هاخد من ده كام، وده هيدفعلي أد ايه!
,
, اختنق صوتها أكثر وهي تضيف:
, -وأنا احساسي كأم ضاع للأبد، بس انتي قبضتي تمنه ومش مهم أنا عاملة ازاي ولا حالتي ايه، وابني نفسه بتاجري بيه عشان الفلوس اللي هاتدخل جيبك!
,
, نظرت لها شــادية بجمود، ثم ردت عليها:
, -أنا مش هحاسبك على الكلام ده دلوقتي، انتي مضايقة ومش في وعيك! بكرة تعرفي إن غرضي هو مصلحتك انتي وبس
,
, لم تصغِ إلى كلمة واحدة مما قالته، بس بكت محدثة نفسها بقهر وهي تنظر لها بأعين مغلولة:
, -حرام عليكي! انتي خليتني زيك مش بأفكر في حاجة إلا بتمنها، لحد ما خسرت كل حاجة، وأولها أنا، وبقيت ولا حاجة .. ايوه، ولا حاجة!
, ٤١ نقطة
,
, تعذر عليه الحصول على شاحن لإعادة شحن هاتفه الذي فقدت بطاريته كامل طاقتها، فأصبح مجرد قطعة معدنية لا فائدة منها.
, استغرقه إنهاء الإجراءات القانونية الخاصة بالشحنة الجديدة بالميناء وقتًا أكثر من المتوقع، وعلى مضض كبير تحمل هذا التأخير لينتهي منه تمامًا.
, وما إن اطمأن من عدم الحاجة إلى وجوده حتى تحرك مبتعدًا ليعود إلى سيارته، ولكن استوقفه أحد معارفه هاتفًا بترحاب ودود:
, -منذر حـــرب!
,
, استدار منذر برأسه ليرى ذلك الذي يناديه باسمه، فتابع الرجل قائلًا بحماس عجيب:
, -عاش من شافك يا راجل
,
, دقق النظر في وجه الرجل، وعرفه توًا، إنه أحد رفاقه القدامى منذ دراسته بكلية التجارة.
, دنا منه أحمد محتضنًا إياه ومتساءلًا باهتمام:
, -ايه يا راجل انت شكلك ناسيني؟
,
, ابتسم مجاملًا وهو يرد بهدوء واثق:
, -لأ ازاي، أحمد يسري! هو انت تتنسي!
,
, كركر أحمد ضاحكًا بمرح وهو يتابع:
, -حبيبي يا منذر، قولي بقالك كتير مجاتش بورسعيد؟
,
, أجابه الأخير بهدوء:
, -لأ بأجي، من وقت للتاني، بس انت عارف مشاغلي
,
, ربت أحمد على كتفه قائلًا:
, -**** يكون في العون!
,
, حافظ رفيقه على ابتسامته الواسعة وهو يكمل بألفة:
, -بجد فرحان إني قابلتك النهاردة، فكرتني و**** بأيام زمان!
,
, رد عليه منذر مبتسمًا ابتسامة باهتة:
, -**** يخليك يا أحمد!
,
, أضـــاف أحمد قائلًا بجدية وهو يشير بيده:
, -قولي، ناقصك حاجة أخدمك فيها، أنا قديم هنا في الشغل وليا لي وضعي!
,
, رفع منذر حاجبيه للأعلى مبديًا إعجابه وهو يرد:
, -طب كويس!
,
, أكد رفيقه على رغبته في تقديم أي عون له هاتفًا بمرح:
, -مش هزار و****، تعالى الأول أعزمك على أكلة بوري إنما إيه مش هاتدوق زيها في الجمهورية بحالها
,
, رد عليه منذر مقتضبًا في حديثه:
, -يدوم يا رب، بس أنا مستعجل شوية
,
, بالطبع كان عقله مشغولًا بما يمكن أن يكون قد حدث أثناء غيابه.
,
, أصـــر رفيقه القديم على دعوته مرددًا:
, -هو أنا لحقت أشوفك، ده احنا عاوزين نرغي شويتين تلاتة ونسترجع الذكريات إياها!
,
, ضغط منذر على شفتيه هاتفًا:
, -وقت تاني معلش
,
, تجمدت تعابير وجه أحمد قائلًا بتفهم:
, -شكلك مستعجل
,
, رد عليه منذر بنبرة جادة تحمل الإزعاج:
, -يعني حاجة زي كده، وبعدين موبايلي فاصل ومش معايا شاحن، وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه أحمد قائلًا بحماس مريب:
, -دي حاجة بسيطة، أنا معايا واصلة بأشحنها بيها من اللاب بتاعي، هاتوه أشحنهولك شوية!
,
, تحرج منذر منه، فرد معتذرًا:
, -مافيش داعي، أنا كده بتعبك معايا
,
, استنكر رفضه لعرضه قائلًا بعبوس:
, -تعب ايه بس، دي حاجة بسيطة، مسافة ما نشرب الشاي كده يكون شحن حبة!
,
, ابتسم منذر ممتنًا:
, -تسلم يا أحمد، طول عمرك أبو الكرم والذوق
, -**** يكرمك يا منذر!
,
, ثم ســـار الاثنان سويًا في الرواق الواسع متجهين نحو أحد المكاتب الإدارية.
, رأها منذر فرصة مناسبة لإعادة شحن بطارية هاتفه، فربما لن يتمكن من الحصول على شاحن مناسب في الوقت الحالي.
, تابع أحمد حديثه المهتم متساءلًا:
, -قولي بس أخبارك ايه؟ اتجوزت وبقى عندك عيال ولا لسه؟
,
, رد عليه منذر بجمود:
, -اتجوزت، بس مراتي ماتت!
,
, عاتب رفيقه نفسه قليلًا لتسرعه في ذلك السؤال، فاعتذر قائلًا بندم ملحوظ:
, -لا حول ولا قوة إلا ب****، أنا أسف يا صاحبي، معنديش خبر و****!
,
, رد عليه منذر مقتضبًا:
, -ولا يهمك!
,
, تابع قائلًا بنبرة مواسية:
, -البقاء لله، **** يعوضك خير
, -يا رب
,
, تساءل أحمد بحذر:
, -كان عندك ولاد منها؟
,
, انزعج منذر من ثرثرته المزعجة، وأجابه بامتعاض:
, -لأ! **** مأذنش!
,
, تنحنح أحمد بخشونة مرددًا بتفاؤل:
, -كله خير من ****، إنت لسه في عزك، ولو عاوز عروسة من هنا أجيبلك ألف! أشر انت بس وأنا هاقوم بالواجب كله معاك!
,
, التفت منذر ناحيته ليبتسم مجاملًا وهو يرد:
, -أدها يا بوحميد
,
, ٤٢ نقطة
,
, على الجانب الأخر، تمكن مهدي وابنه الأصغر مازن والمحامي التابع للعائلة من الالتقاء بمجد، وبالطبع لم يخفَ عليهم حجم المشكلة العويصة التي وقع بها هو.
, بدا مــازن في حالة قلق مستمر، وظهر هذا جليًا على ملامحه. فهو لم يسلم بعد من تبعات مصائبه مع زوجته وأمها ليجد أخيه الأكبر في مصيبة أخطر.
, رمقه مجد بنظرات متفرسة مستنكرة ضعفه الغير مبرر، فهو على عكسه غير مكترث بما تؤول إليه الأمور، المهم دومًا ألا يكون لقمة سائغة.
, صــاح قائلًا بقوة موجهًا حديثه له:
, -افرد ضهرك، مالك محني زي النسوان كده ياله!
,
, رد عليه مازن بتوتر:
, -خايف عليك يا مجد!
,
, تقوس فمه للجانب قائلًا بسخرية:
, -لأ متخافش، أنا واخد على كده، السجن للرجالة!
,
, ضاقت نظرات والده نحوه، فابنه لا يتوقف عن حشر نفسه في بوتقة الكوارث، وهتف بنزق معنفًا إياه بحدة:
, -ارتحت دلوقتي، كان لازم يعني تشبك معاهم، إيش حال مكونتش مفهمك وموعيك عن المصالح اللي بينا!
,
, رد عليه مجد بقسوة شرسة مُطلقًا سباب لاذع:
, -عاوزني أسكت لشويه العيال الـ٦ نقطة ، أسيبهم يعملوا رجالة عليا، ده أنا طلعت ـ٦ نقطة أبوهم!
,
, نهره أباه قائلًا بضجر كبير:
, -طب اسكت خالص خلينا نفكر هانحلها ازاي!
,
, تحولت نظرات مجد للقتامة، وتابع بعدم مبالاة:
, -يا أبا جمد قلبك، احنا أدهم وأدود ..٤ علامة التعجب
,
, مـــال المحامي على رأس مهدي ليهمس له بجدية:
, -عاوزك في كلمتين يا حاج!
,
, تحرك معه مبتعدًا عن ابنه البكري حتى لا يفسد الحوار بينهما بحماقاته المتهورة.
, هتف متساءلًا بقلق:
, -خير يا سي الأستاذ؟
,
, أجابه المحامي بنبرة عقلانية:
, -من رأيي انكم تتصالحوا، وضع الأستاذ مجد حرج!
,
, اتسعت حدقتيه بتوتر أكبر، فهو إلى حد ما محقًا في رأيه.
, أكمل المحامي حديثه المهم مرددًا:
, -من أقوال الشهود واللي عرفته إنه هو اللي بدأ الخناقة، ولو ده إتاخد ضده، وكيل النيابة هيحبسه على طول، وخصوصًا إنه لسه خارج قريب، يعني ممكن يعتبروه مثير للشغب، وآآآ٤ نقطة
,
, تسارعت دقات قلب مهدي عقب تلك الجملة المنذرة بالخطر، وهتف محتجًا:
, -لأ يتحبس ايه، اتصرف يا أستاذ وامنع ده!
,
, تابع المحامي موضحًا بهدوء رزين:
, -أنا مش عاوز أوجع دماغك بوضعه القانوني يا حاج مهدي، بس خلاصة كلامي اتراضوا هنا قبل ما المحضر يوصل للنيابة!
,
, أومــأ الأخير برأسه متفهمًا وهو يرد بنبرة غامضة:
, -طيب! أنا هاتصرف!
, ٣٩ نقطة
,
, أعاد تشغيل هاتفه بعد برهة حينما تأكد من وجود ما يكفي لعمل البطارية، فتفاجأ بكم الرسائل المتتالية الواردة إليه، والتي تبلغه بورود عشرات الاتصــالات في فترات زمنية متعاقبة.
, خفق قلبه بخوف، وجاهد ليبدو وجهه خاليًا من أي تعابير مقلقة.
, ودع رفيقه متحججًا بضيق الوقت، ثم أسرع بترك المكتب متفقدًا على عجالة تلك الرسائل المتتالية.
, عرف هوية المتصلين، وتيقن أن هناك خطب ما، فكلها تخص رجاله وعائلته.
, هاتف أولًا أبيه مترقبًا رده بقلق ظاهر على تعابير وجهه.
, رد عليه الأخير قائلًا بتوبيخ شديد:
, -انت فين يا منذر من بدري؟
,
, حافظ على ثبات نبرته وهو يتساءل بترقب:
, -خير يا حاج في ايه؟
,
, هتف والده بعصبية:
, -في مصيبة حصلت، الـكلب النجس مجد وقع مع أخوك دياب، واتضاربوا وكلهم دلوقتي محجوزين في القسم!
,
, اشتدت قسمات وجه منذر تشنجًا عقب عبارته الموجزة والتي أثارت بداخله كمًا هائلًا من الغضب.
, تمتم بصعوبة من بين شفتيه محاولًا امتصاص انفعاله:
, -بالراحة كده يا حاج عليا، وفاهمني بالتفصيل ايه اللي حصل ٣ نقطة
,
, لم يستطع تبين تفاصيل ما حدث من أبيه، فأغلب حديثه كان مقتضبًا أو غير مشبع لفضوله الذي يقتله.
, أصبح تفكيره منصبًا على شخص واحد، هو فقط من يرغب بمعرفة ما الذي فعله، وخاصة إن كان للأمر علاقة بها.
, هاتف أحد رجاله ليفهم منه طبيعة الأمر.
, صدق حدسه، وتحققت مخاوفه.
, لا إراديًا تحولت نظرات عينيه للقتامة والإظلام، وتشنجت تعابير وجهه للغاية حينما سمع من رجله:
, -احنا عملنا زي ما أمرتنا يا ريس، وحمينا الست قريبة الحاجة عواطف، صاحبة الدكان!
,
, تمتم عفويًا من بين شفتيه بصوت هامس لكنه يعكس الكثير عن نيرانه المتأججة بداخله:
, -أسيف!
,
, لقد حدث ما كان يخشــاه، وتعمد ذلك الدنيء التحرش بها بشراسة، فتحول الأمر مجددًا لمسألة عدائية معه.
, هتف منذر بصياح مهدد:
, -ابن الـ٦ نقطة ده مش سايبه!
,
, رد عليه الرجل بجدية:
, -اطمن يا ريس منذر، احنا قومنا معاه بالواجب، وسي دياب عَلِم عليه هو كمان وآآ٣ نقطة
, وقبل أن يواصل حديثه أجبره منذر على الصمت مرددًا بقوة مقلقة:
, -أنا راجع في السكة، سلام!
,
, كز على أسنانه بعنف ليهدر من بين أسنانه وهو يضرب بعصبية على مقود سيارته:
, -انت جبت الناهية معايا!
,
, أدار محرك السيارة، وضغطت على دواسة البنزين لينطلق عائدًا غير مكترث بتخطيه لحدود السرعة القانونية المسموح بها على طرق السفر ٤ نقطة٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٦
استغل فرصـــة تواجده بمفرده في أحد الأركان بالمخفر ليتحدث إليه بعيدًا عن أعين المراقبين لهما عله يقنعه بفعل الصالح للجميع.
, ولكن على عكس ما توقعه، بدا أكثر هجومًا وهو يردد بعصبية:
, -مكانش ده اتفاقنا يا مهدي!
,
, رد عليه بتجهم واضح محاولًا تبرير الموقف:
, -العيال مش فارق معاهم، بس احنا غيرهم!
,
, رفع طـــه سبابته في وجهه صائحًا بغلظة:
, -متقوليش عيال، ولادي رجـــالة من ضهر راجل! الدور والباقي على ابنك اللي عاوزها نار!
,
, ثم ضاقت نظراته لتصبح أكثر حدة وهو يضيف بشراسة:
, -وانت عارف كويس اللي يمسنا بنمحيه من على ضهر الأرض!
,
, كان مصيبًا في قوله، فدومًا أي شجار عنيف تكن عائلة حرب طرفًا فيه ينتهي لصالحهم مهما كانت النتائج والخسائر.
,
, ورغم هذا حاول أن يسيطر عليه، فأردف قائلًا بحذر:
, -عارف يا طه، بس عاوزين نلم الموضوع قبل ما يكبر، الأذية عليا وعليك، وابني وابنك في الموضوع، وهايتحبسوا لو ماتصرفناش واتصالحنا!
,
, نظر له شزرًا وهو يعقب:
, -انتو اللي جيتو علينا، فاستحمل بقى عمايل ابنك السودة!
,
, وضع مهدي يده على ذراعه ضاغطًا عليه بحرج:
, -حقك عليا يا سيدي!
,
, هتف فيه طـــه بحدة غير مكترث لاعتذاره النادم:
, -يعني بعد التكاليف اللي دفعناها في التوضيب، ده حتى مايرضيش **** إن المحلات آآ٣ نقطة
,
, قاطعه مهدي قائلًا بجدية:
, -خسارتك عليا كلها يا سيدي، وشوف ايه اللي يرضيك وهاعمله، بس نلم الليلة!
,
, نظر له مطولًا، ولم يعطه أي رد صريح.
, بقي الأخير على أعصابه مترقبًا قراره النهائي، فوضع ابنه إلى حد ما حرج، ولا يبشر بخير.
, حبس أنفاسه، وظل محدقًا به محاولة تخمين ردة فعله.
, وحينما طــال صمته قرر الاستعانة بمحاميه عله يفعل ما عجز عنه ويقنعه بتقبل تلك الترضية الاضطراية.
, استطرد المحامي حديثه هاتفًا بجدية:
, -أنا رأيي يا حاج طه نتراضى أحسن، النيابة ممكن تحبسهم ويتجدد الحبس كمان، وكيل النيابة مش سهل!
,
, فكر طـــه في جملته الأخيرة جيدًا، فربما يكون محقًا.
, تابع المحامي حديثه بصيغة مطمئنة:
, -لكن لو حلينا الموضوع هنا، فحبايبنا في القسم كتير، وهيخدمونا، وهيظبطوا المحاضر وكل حاجة، وهتخلص من غير قلق!
,
, رد عليه طه بعبوس محاولًا كسب المزيد من الوقت:
, -هاخد برأي ولادي الأول!
,
, استشعر مهدي رغبته في القبول بالمصالحة، فهتف محفزًا إياه:
, -انت الكبير يا طه! وكلمتك محدش هيكسرها من ولادك، وافق **** يكرمك!
,
, أضــاف المحامي قائلًا بتأكيد على أهمية فض النزاع قبل تطوره:
, -فكر في مصلحة الكل!
,
, اتحد الاثنان سويًا من أجل إقناعه، فاضطر على مضض الموافقة عليه، وتمتم بتذمر:
, -ماشي، بس مش هايعدي من غير حساب
,
, تنفس مهدي الصعداء لقراره، وهتف بلا تفكير:
, -اللي تؤمر بيه، بس فضونا من المحاضر دي، وخلونا نخرج ولادنا من هنا!
,
, بامتعاض كبير ردد طـــه بوجهه المتجهم:
, -طيب، شوف المطلوب يا حضرت الأفوكاتو واعمله!
,
, هز المحامي رأسه بالإيجاب قائلًا:
, -حاضر
, ٣٤ نقطة
,
, رمقه بنظرات نارية متوعدة بالانتقام الشرس من عائلته، وإلحاق الأذى بهم وهو يوقع بيده على محضر التصالح بينهما.
, قبل مجد فقط بذلك الادعاء الزائف ليتمكن من الخروج من هنا حتى يتسنى له التصرف بحرية.
, ظلت أنظار والده مهدي مسلطة عليه، هو يعلم نواياه العنيفة جيدًا، ولن يترك الأمر يمر دون استرداد حقه، فليست تلك المرة الأولى، لذا عليه أن يردعه قبل أن يضعه في موقف متخاذل أخـــر.
, لم يختلف حال دياب كثيرًا، فقد كانت عيناه المحتقنتين مركزة فقط على غريمه مازن، هو يقف مختبئًا خلف أخيه، لكن النظرات لم تتفارق، فكلاهما يتشاركان في الأمر نفسه.
, ورغم مضي السنوات إلا أنه لم ينسَ كيف سيقت قدماه إلى فخه الأعمى وتزوج بولاء لتصبح بعد ذلك هي زوجته.
,
, هتف مهدي بحماس ليخرج الجميع من حالة الصمت المشحون بالغضب العارم:
, -مبروك علينا الصلح، وما محبة إلا بعد عدواة!
,
, وكأنه لم يضف شيئًا بحديثه الماسخ السخيف سوى زيادة جرعة البغض بين كل الأطراف.
, رد عليه طـــه بتأفف:
, -إياكش اللي غلط يتعلم ويعرف هو واقف قصاد مين
,
, سلط مجد أنظاره النارية عليه ليقول بغموض مهدد:
, -وماله، هانعمل حسابنا المرة الجاية إنها تكون الأخيرة! عشان محدش تقومله قومة بعدها!
,
, وقبل أن يفتح دياب فمه ليرد بشيء أحمق قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، وضع أباه يده على صدره ليمنعه عن الحديث قسرًا.
, امتثل رغمًا عنه لحركة أبيه الصامتة، وضاقت نظراته المشتعلة إليه.
, رد طــــه عليه قائلًا باستهزاء متعمد:
, -ده إن مكونتش اتسجنت قبلها، أصل اللي زيك يا مجد مخه على أده، وغبائه ممكن يخليه يرجع لنومة البُرش تاني!
,
, انزعج الضابط المسئول مما يحدث بين الطرفين من مشاحنات لفظية منذرة باندلاع اشتباك أخر، فهتف بصرامة:
, -جرى يا جماعة، ده احنا لسه بنقول عفا **** عما سلف، خلاص يا حاج طــه، مافيش داعي للكلام ده، وإنت يا مجد نخف الدور شوية، انتو هنا في قسم!
,
, أضـــاف مهدي مدعمًا إياه وهو يشير بيده:
, -عندك حق، الكل يتوكل على ****!
,
, زاد ضيق نظرات مجد لتصبح أكثر خطورة عن ذي قبل، وهتف من بين أسنانه بصوت هامس للغاية:
, -لسه بينا كتير يا ولاد حرب!
,
, بعد عدة دقائق كان الضابط قد أتم كل شيء ليتم إخلاء سبيل الجميع، ورغم ذلك فالكل متوجس خيفة من هذا الهدوء السلمي الزائف، لأنه بالطبع لن يدوم طويلًا.
, ٤٣ نقطة
,
, أبعدت عنها الصينية بعد أن وضعت بها صحن حساءها الفارغ مبتسمة لها بعاطفة واضحة. شعرت بالارتياح لعودتها إلى هدوئها وتوقفها عن البكاء.
, لمملت البقايا عن الملاءة، وتساءلت باهتمام أمومي:
, -ها يا بنتي بقيتي أحسن؟
,
, حركت رأسها بالإيجاب قائلة بخفوت وهي تجفف فمها بالمنشفة الصغيرة:
, -الحمد****
,
, نهضت عواطف عن الفراش متابعة حديثها بتنهيدة مطولة:
, -يستاهل الحمد على كل حال، **** ما يعودها تاني، أنا قلبي وقع في رجلي لما لاقيت الدنيا قايدة نار!
,
, لم تعقب عليها أسيف، واكتفت برسم ابتسامة باهتة على محياها. يكفيها ما مرت به لتستعيده في ذاكرتها، فتحاشت قدر الإمكان الحديث عنه.
, تفهمت عمتها موقفها، ولم تضغط عليها.
, انحنت لتمسك بالصينية، ورددت مبتسمة:
, -المهم إنها خلصت على خير!
,
, انتبهت كلتاهما لصوت دقات خافتة على باب الغرفة الموارب، فاتجهت أنظارهما إليه.
, أطلت بسمة برأسها قائلة بحرج قليل:
, -ممكن أدخل!
,
, تعجبت عواطف من رؤية ابنتها على عتبة الغرفة، لكنها توسمت خيرًا فيها أن تكون قد جاءت للاطمئنان على ابنة خالها، لذا هتفت بتلهف:
, -تعالي يا بسمة!
,
, شعرت الأخيرة بالحرج لوجودها رغم أنه أمر طبيعي، فهي غرفتها بالنهاية.
, أشارت بيدها موضحة بنبرة مرتبكة نسبيًا:
, -كنت عاوزة اجيب حاجة من دولابي
,
, ردت عليها أسيف بابتسامة مهذبة:
, -اتفضلي.. دي .. دي أوضتك
,
, أضافت عواطف قائلة وهي ترفع الصينية للأعلى:
, -طيب هاودي أنا الصينية دي في المطبخ ورجعالك!
,
, ســـاد صمت متوتر بين الاثنتين، وترددت كلتاهما فيمن ستتولى الاسترسال في الحوار لكسر ذلك الحاجز الوهمي بينهما.
,
, اتجهت بسمة إلى خزانة ملابسها مباشرة متحاشية النظر في وجه أسيف، وعبث بمحتويات الضلفة بعد أن فتحتها.
, راقبتها أسيف بهدوء، ولم تحاول جبرها على التحدث.
, ظلت تفرك أصابع كفيها بارتباك مترددة فيما ستتفوه به.
,
, كان وضع بسمة مشابه لها، نوعًا ما هي تشعر بالإشفاق على حالها.
, أرادت أن تطمئن عليها، لكن خشيت من تجربة ذلك.
, حسمت أمرها بالأخيرة هاتفة بتردد وهي توليها ظهرها:
, -أنا.. أنا سمعت باللي حصلك من ماما ، وآآ٣ نقطة وكنت آآ٣ نقطة
,
, ردت عليها أسيف بخفوت هاديء مانعة إياها من الشعور بالحرج:
, -أنا بخير!
,
, هزت بسمة رأسها بتفهم وهي تغلق الضلفة قائلة بإيجاز:
, -ماشي!
,
, أمسكت بقطعة من ثيابها ظلت تطويها بدون تركيز وهي تسير عائدة نحو باب الغرفة.
, وقبل أن تلج للخــارج أوقفها صوت أسيف وهي تهتف باسمها:
, -بسمة!
,
, التفتت الأخيرة برأسها نحوها لتنظر لها بجمود مرددة باقتضاب:
, -نعم
,
, رسمت أسيف ابتسامة ممتنة على ثغرها، ثم هتفت برقة:
, -شكرًا على سؤالك، حقيقي ده فرق معايا أوي!
,
, اضطربت بسمة من جملتها الأخيرة، وتلعثمت وهي ترد:
, -أهــا.. اوكي
,
, تجسست عواطف عليهما محاولة استشفاف طبيعة الحديث بينهما.
, أخرجت تنهيدة عميقة من صدرها قائلة برجاء وهي ترفع بصرها للأعلى:
, -يا رب تحنن قلب بناتي عليها!
,
, ثم أسرعت في خطاها عائدة للمطبخ قبل أن تلمحها ابنتها الصغرى.
, ٤٣ نقطة
,
, أوشــك على العودة، ولكن قبل أن يصل إلى وجهته أتاه اتصالًا جادًا من أبيه قلب حاله رأسًا على عقب.
, تحولت طباعه للشراسة، ونظراته للاحتقان حينما أبلغه والده بالتصالح بين الطرفين.
, ربما هو لم يعلم بطبيعة المشاجرة، لكن أغاظه بشدة ذلك التصرف.
, صــــاح بنبرة غاضبة حتى بات صوته الهادر ملفتًا للأنظار:
, -ازاي يا حاج؟ انت بتقول ايه؟ إزاي تعملوا كده ؟٤ علامة التعجب
,
, رد عليه طه بحذر:
, -هافهمك بعدين، تعالى بس على البيت يا منذر
,
, واصل منذر صراخه المتشنج قائلًا بعتاب عنيف:
, -ليه عملت كده! انت اديته فرصة يـآآ٦ نقطة
,
, قاطعه طه قائلًا بنبرة هادئة:
, -مش وقته، احنا مستنينك، وهافهمك كل حاجة لما ترجع الأول! ركز انت بس في السواقة!
,
, لم يستطع الرد عليه، وبما سيجيبه وهو أنهى كل شيء.
, هو صدمه للغاية بفعلته تلك مما زاد من لهيب نيران صدره المشتعلة.
, المسـألة ليست مجرد مشاجرة عابرة تم بعدها إرضــاء الطرفين والتسوية بينهما، بل هو متأكد أنها لن تدوم مطولًا وستنتهي بما لا يُحمد عقباه.
, أنهى المكالمة معه مرددًا ألفاظ نابية لاعنًا بها غريمه الحقير،
, لم يتمكن من ضبط انفعالاته الهائجة، فصاح بنبرة عدوانية:
, -مش هارحمك يا مجد! مش هارحمك!
, ٤٢ نقطة
,
, كان الوضع هادئًا بمنزلهن فيما عدا صوت التلفاز الصادح به.
, ورغم نظراتها المحدقة به، إلا أن عقلها كان شاردًا في شيء أخــر.
, هي تخطط لأمور خطيرة ترفض حتى البوح بها لنفسها.
, أخرجها من تفكيرها المخيف صوت قرع الجرس، فنهضت بتثاقل من مكانها متوجهة نحوه.
,
, أدارت نيرمين المقبض لتفتحه فتفاجأت بحلمها يتجسد فعليًا نصب عينيها.
, تهللت أساريرها بعفوية، ورمشت بجفنيها هاتفة بحماس مريب:
, -سي منذر، يا أهلا وسهلًا، نورتنا وآآآ٤ نقطة
,
, قاطعها متساءلًا بجمود قاسي:
, -فين بنت خالك؟
,
, عبس وجهها سريعًا من سؤاله المباغت، وردت بنبرة مصدومة:
, -نعم!
,
, هتف فيها متساءلًا بنفاذ صبر وقد بدا كمن يقف على حمم متقدة:
, -بأقولك فين أسيف؟
,
, زادت صدمتها الموجعة حينما سمعته يلفظ من بين شفتيه اسمها، فبات كأنه نصل حـــاد يخترق جلدها بقوة.
, فعادة هو يستخدم الألقاب العائلية حينما يتحدث مع النساء، واليوم هو يخرق كل القواعد ويردد اسمها هكذا دون اكتراث.
, تمتمت غير مصدقة اندفاعه:
, -آآ٣ نقطة أسيف!
,
, سمعت عواطف صوتًا ذكوريًا يأتي من الخارج، فسحبت **** رأسها ووضعته حولها، ثم اتجهت للصالة لترى الضيف المتواجد بمنزلهن.
, رأته يقف على عتبته بملامح قاسية، فابتلعت ريقها مرددة بابتسامة باهتة:
, -اتفضل يا سي منذر
,
, ولج إلى الداخل متلفتًا حوله بنظرات شمولية، ومتساءلًا دون تريث:
, -ايه اللي حصل؟ وأسيف فين؟
,
, رفعت كفها للأعلى لتشير نحو غرفة بسمة وهي تجيبه بتوجس:
, -جوا في الأوضة، اطمن، احنا بخير!
,
, رد عليها بإصرار صــارم ومريب وقد ضاقت نظراته للغاية:
, -عاوز أشوفها، ودلوقتي!
,
, كتمت نيرمين شهقتها المدهوشة بصعوبة بالغة، لكنها لم تمنع يدها من اللطم على صدرها.
,
, ازدردت عواطف ريقها قائلة بتوتر بادٍ على ملامحها كليًا:
, -طيب يا ابني، اتفضل في أوضة المسافرين وهـآآ٣ نقطة
,
, قاطعها مجددًا هاتفًا بنفاذ صبر:
, -ناديلها بس بسرعة!
,
, حركت رأسها بعدة إيماءات متتالية وهي تقول:
, -على طول، اتفضل
,
, بقيت نيرمين متسمرة في مكانها مصدومة مما حدث، هو قد جاء للسؤال عنها ليؤكد احساسها أنها باتت شاغله الأكبر.
, استشاطت غضبًا، وتحول وجهها لكتلة ملتهبة من الدماء الغاضبة.
, ٣٦ نقطة
,
, جلست على طرف الفراش واضعة يدها على كتفها لتهزها برفق وهي تقول بصوت خفيض:
, -أسيف، اصحي يا بنتي، سي منذر عاوز يشوفك
,
, كانت الأخيرة قد غفت من أثر الإرهاق والتعب، فلم تفق بسهولة.
, عاودت عواطف تكرار جملتها متعمدة هزها بصورة أكبر لتستعيد هي وعيها:
, -بأقولك سي منذر موجود برا، وعاوز يشوفك!
,
, عقدت أسيف ما بين حاجبيها باستغراب، وبدت تائهة نسبيًا وهي تردد:
, -يشوفني
,
, حركت عمتها رأسها قائلة:
, -ايوه يا بنتي!
,
, أغمضت أسيف جفنيها هاتفة بفتور:
, -اعتذريله، أنا تعبانة!
,
, لم تتقبل عواطف رفضها المبرر، فهي تخشى من ردة فعله إن سمع برفضها لمقابلته، لذا توسلتها قائلة برجاء ملحوظ:
, -معلش يا بنتي، هو شكله جاي يطمن عليكي!
,
, زفرت أسيف بامتعاض كبير، فتابعت عمتها قائلة علها تقنعها بالنهوض ومقابلته:
, -قومي **** يهديكي، وريه وشك وارجعي نامي تاني!
,
, أصرت أسيف على اعتراضها مرددة:
, -يا عمتي أنا آآ٤ نقطة
,
, وضعت عواطف يدها على وجنتها ماسحة إياها برفق وهي تقول برجاء:
, -عشان خاطري، الراجل جاي لحد عندك يطمن عليكي، قوميله، هما 5 دقايق وبس!
,
, استسلمت أسيف لإلحاح عمتها المتواصل مرددة بإيجاز:
, -طيب
,
, نهضت ببطء عن الفراش، وعاونتها عمتها في إزاحة الغطاء، ثم أسرعت نحو باب الغرفة لتعطيها إحدى العباءات المعلقة بظهره.
, تناولتها منها، وارتدتها على عجالة، ثم لفت حجابها حول رأسها.
,
, ٣٤ نقطة
,
, لم تكن به أي رغبة للجلوس أو الاسترخاء، أو حتى تلقي واجب الضيافة. فقد جاء إلى هنا من أجل غرض معين يعد الأهم بالنسبة له بعد الإطمئنان عليها، ألا وهو منعها من التواجد بالدكان.
,
, طرقت على الباب أولًا قبل أن تتنحنح بخفوت هامسة:
, -السلام عليكم
,
, التفت برأسه نحوها فور سماعه لصوتها.
, لم يستطع منع نفسه من النظر إلى وجهها ليتأكد من خلوه من أي خدوش أو جروح.
, تحرجت من نظراته المتفرسة بها، لكن سريعًا ما ارتسمت على تعابير وجهها علامات الاندهاش والصدمة حينما رأته يندفع مباشرة في اتجاهها ليضع قبضتيه على ذراعيها متساءلًا بتلهف وهو يضغط عليهما:
, -انتي كويسة؟ مجد الـ٦ نقطة عملك ايه؟ لمسك؟ أذاكي؟
,
, توترت من لمساته الخشنة عليها، وهزت رأسها نافية وهي تجيبه بارتباك:
, -آآ.. لأ
,
, حركت ذراعيها محاولة انتزاع نفسها من قبضتيه، لكنه كان متشبثًا أكثر بها رافضًا أي رغبة لها من التملص منه.
, صــاح بها بصوت منفعل:
, -قولي الحقيقية يا أسيف!
,
, وقفت نيرمين على عتبة باب الغرفة تراقبهما بأعين ناريـــة، كادت تفقد السيطرة على نفسها بسبب ما تراه يحدث على مرآى ومسمع منها.
, ما جعل نيرانها تآكلها هو ترديده لاسمها مجردًا من أي ألقاب.
, شبكت ساعديها معًا، وضغطت على شفتيها بقوة هامسة لنفسها بنبرة مغلولة:
, -بردك بيقول اسمها اللي تشك في لسانها!
,
, تابع منذر حديثه المزعوج هاتفًا بعصبية عدائية:
, -لو لمس منك شعرة عرفيني، أنا هاخد حقك وهاجيبه آآ٣ نقطة
,
, استجمعت أسيف كل قوتها لتتحرر منه، ونجحت في هذا.
, ثم قاطعته قائلة بهدوء زائف وهي تتراجع للخلف:
, -حصل خير، دي.. دي غلطتي من الأول!
,
, فرك منذ وجهه بضيق، ثم نظر مباشرة لها قائلًا بصرامة شديدة وهو يشير بسبابته إليها:
, -اسمعيني كويس، نزولك الدكان تاني مش هايكون في مصلحتك الأيام الجاية، مجد مش بيسيب تاره وآآ٣ نقطة
,
, لم تنتبه هي لباقي حديثه، فقد أثار غضبها بتقريره لمصيرها قبل أن يأخذ رأيها ناهيك عن ذكر مســألة الدكان.
, تلك الشوكة التي تقف في طريقه.
, صاحت معترضة بشراسة وهي تنظر له شزرًا:
, -الدكان! بقى الموضوع كده، اطمن يا أستاذ منذر، أنا أقدر أدافع عن نفسي كويس، ودكاني مش هاسيبه، ومحدش هايمنعني أروحه
,
, أغاظه عدم إدراكها لحجم الخطر الموضوعة به، فهدر بتشنج مستنكرًا تفكيرها الضيق:
, -شوفي أنا بأقول ايه، وانتي بتفكري في ايه؟!
,
, جمدت هي من تعابير وجهها، وأشارت بكفها نحو الباب قائلة بوقاحة متعمدة إنهاء الحوار معه:
, -شكرًا على الزيارة، شرفت!
,
, شهقت نيرمين مدهوشة من طردها له، وحلت تشابك ساعديها هاتفة لنفسها بحنق كبير:
, -يا بنت المجنونة! آآآخ لو يسيبوني بس عليها! هادفنها تحت سابع أرض، معلش ليكي يومك معايا، وخلاص قرب!
,
, جاهد منذر ليضبط أعصابه قدر المستطاع معها رغم فظاظتها، فهي لا تزال ساذجة لا تعي أبدًا مخاطر ما زجت بنفسها به.
,
, دنا منها ليقف قبالتها محدجًا إياها بنظرات مخيفة،
, توترت من اقترابه المهدد لها، وحافظت على ثباتها الزائف أمامها.
, احنى منذر رأسه عليها ليصبح أكثر قربًا، فاستشعرت قوة تهديده الحاسم حينما هتف بصرامة نافذة غير قابلة للنقاش مُطلقًا:
, -ماشي يا بنت رياض، افتكري انتي اختارتي تعاندي، بس أنا في الأخر اللي هاقرر ٨ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٧
كانت كمن تقف على جمر ملتهب من النيران وهي تراها توبخه بوقــاحة لا متناهية متناسية ما فعله من أجلها، ودت لو اقتربت منها، وطوقت عنقها بكفيها فتطبق على روحها كعقاب على تطاولها عليه.
, كورت نيرمين قبضة يدها، وكزت على أسنانها متمتمة بنبرة مغلولة:
, -حتة بتاعة زيك لا راحت ولا جت تعمل فيه كده!
,
, طالت النظرات المتحدية بين كليهما حتى قطعهم منذر بانصرافه من أمامها.
, تجمدت في مكانها واقفة، لكن تحركت رأسها عفويًا معه لتراه وهو يخرج من الغرفة ووجهه يعكس حالته الغاضبة.
,
, لم تكن لتدع الفرصة تفوتها دون أن تضع بصمتها الخاصة، لذا اقتربت نيرمين منه معترضة طريقه هاتفة باستنكار:
, -قولتك يا سي منذر انها ناكرة الجميل، معندهاش عزيز!
,
, نظر لها شزرًا ولم يعقب على جملتها المزعجة. فهو لم يكن بحاجة للحديث مع تلك السمجة.
, تفاجأت عواطف بوجوده بالخــارج، فهتفت متساءلة باندهاش:
, -ما لسه بدري يا سي منذر، ده أنا علقت على القهوة، وخلاص آآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بغلظة قاسية وقد برزت حمرة عيناها بوضوح:
, -عقلي بنت أخوكي يا ست عواطف!
,
, عقدت ما بين حاجبيها باستغراب مرددة بعدم فهم:
, -أعقلها؟ هي عملت ايه؟ دي جاتلك الوكالة تعتذرلك عن حكاية السرقة وانت مكونتش موجود وآآ٣ نقطة
,
, قوس فمه للجانب هاتفًا بتهكم صـــارخ:
, -ماهو واضح! اعتذرها وصلني!
,
, التفت برأسه ناحية أسيف ليرمقها بنظرات أخيرة أشد قسوة قبل أن يتحرك في اتجاه باب المنزل.
, حاولت عواطف اللحاق به هاتفة بتعجب:
, -استنى بس يا سي منذر!
,
, صفق الباب خلفه بقوة لتهتز أركــــان البيت من عنفه.
, انطلقت نيرمين في اتجاه أسيف صارخة بهياج في وجهها:
, -انتي ايه؟
,
, تراجعت الأخيرة للخلف متحاشية اندفاعها الأهوج، لكنها تفاجأت بها تنهال عليها بهجوم ساخط:
, -فعلًا بجحة ومعندكيش ددمم ولا ذوق، الظاهر أهلك معرفوش يربوكي، ازاي تتكلمي معاه كده؟ هو شغال عندك، الظاهر نسيتي نفسك!!
,
, اصطبغ وجــه أسيف بتلك الحمرة الغاضبة بعد سماعها لإساءتها المهينة لشخصها، وردت عليها بصراخ وهي تهدد بسبابتها:
, -مالكيش دعوة بيا، واحفظي لسانك وانتي بتكلميني!
,
, صاحت فيهما عواطف بنبرة عالية:
, -في ايه انتو الاتنين؟ ما تفهموني اللي حصل!
,
, استدارت نيرمين ناحية أمها، ولوحت بذراعها في الهواء وهي تجيبها بنبرة محتقنة رامقة ابنة خالها بنظرات احتقارية:
, -حتة الزبالة دي طردت سي منذر من هنا!
,
, شهقت أسيف مرددة باستنكار تام وهي تشير لنفسها:
, -أنا زبالة!
,
, هزت نيرمين رأسها بإيماءة صريحة وهي ترد بغل:
, -ايوه، وآآ٥ نقطة
,
, قاطعتها والدتها صارخة فيها بحدة مانعة إياها من مواصلة الشتائم الغير لائقة:
, -بس، ماتفتحيش بؤك!
,
, صمتت نيرمين مجبرة، وكتفت ساعديها أمام صدرها، لكنها لم تتوقف عن هز جسدها كليًا بعصبية.
,
, وجهت عواطف حديثها إلى ابنة أخيها متساءلة بعتاب:
, -ليه كده يا بنتي؟
,
, ضغطت أسيف على شفتيها بقوة، ونظرت لها مطولًا دون أن تجيبها.
, ملت نيرمين من انتظار أي تبرير منها، وأرخت ساعديها هاتفة بغضب:
, -انتي لسه هتسأليها، ده بدل ما ترزعيها جوز أقلام يفوقها! ولا تـآآ٦ نقطة
,
, اغتاظت أسيف من أسلوبها الهمجي في التطاول عليها، فصاحت مهددة هي الأخرى:
, -و**** ما حد عاوز يضرب إلا انتي!
,
, استشاطت نظرات نيرمين، وغليت الدماء في عروقها، ولم تعد قادرة على تمالك أعصابها أكثر من هذا، فتحفزت للانقضاض عليها قائلة بجموح عدواني خطير:
, -كمان بتردي عليا، أما عديمة التربية والـ٣ نقطة
,
, رفعت عواطف ذراعها أمام صدر ابنتها لتحول دون وصولها إليها قائلة بامتعاض جلي:
, -جرى ايه يا نيرمين، احترمي وقفتي شوية!
,
, ردت عليها الأخيرة بحدة قاسية:
, -مش لما تحترم ضيوفنا الأول! حقه يولع فيها ويدفنها مطرح ماهي واقفة!
,
, ثم رمقت أسيف بنظرات دونية مسيئة للغاية، وتمتمت من بين أسنانها بسباب لاذع:
, -حاجة٦ نقطة، اتفوو على دي قرابة!
,
, صدمت عواطف من رد ابنتها الفج، ولم يختلف ذهول أسيف عنها..
, راقبتها الاثنتان وهي تنصرف من أمامهما في اتجاه غرفتها، فقطعت عواطف تحديقها بها قائلة بعتاب:
, -عملتي كده ليه يا أسيف؟ ده أنا مصدقت إن المياه رجعت لمجاريها تاني معاه!
,
, عجزت عن الرد عليها، فهي لا تستطيع تفسير تصرفاتها المندفعة معه، فدومًا تكون متخبطة في قراراتها حينما تكون على المحك، وتتسرع في حكمها دون تريث عندما تجد نفسها في خانة اليك.
, أطرقت رأسها حياءً منها، وأسرعت بالركض لتختفي من أمامها دون أن تريحها بأي عبارات.
, ضربت عواطف كفًا بالأخر محدثة نفسها بضجر:
, -لا حول ولا قوة إلا ب****! مابنلحقش نهدى أبدًا، لازم يجي اللي يقيدها نــــار!
, ٣٨ نقطة
,
, -هي مخلصتش أصلًا، دي ابتدت يا أبا!
, هدر بتلك العبارة مجد بصوته المتحشرج وهو يضرب بقبضته بعنف على سطح المكتب.
, نظر له مهدي بحدة قائًلا بتحذير:
, -ارحمني من مصايبك يا مجد!
,
, لوى ثغره للجانب متابعًا بغموض مريب:
, -هو أنا عملت حاجة لسه! اصبر عليا شوية!
,
, حذره مهدي مجددًا بتوجس أكبر:
, -بلاش يا بني!
,
, هز رأسه محتجًا وهو يقول بشراسة مخيفة:
, -وعزة جلال **** لهخليها والعة ما تطفى في سنتها!
,
, ثم هب واقفًا من مكانه دافعًا مقعده بعصبية للخلف، فوقف والده هو الأخر قائلًا باعتراض:
, -لو عملت كده مش هاعرف ألمها زي كل مرة، كفاية أوي اللي حصل زمان، احنا دفناه وكفينا على الخبر مجور، مش هانعيده تاني، خاف على شبابك اللي ضاع في السجن.
,
, ضاقت نظراته حتى تحولت للإظلام التام، ثم همس من بين أسنانه بنبرة تجفل الأبدان:
, -كل ليلة نمتها هناك هادفع تمنها للكلب ده، هايتمنى الموت ومش هايطوله، بس قبلها هاخد منه كل حاجة!
,
, رد عليه أباه بنفاذ صبر:
, -انت فعلًا صعب التفاهم معاك!
,
, التفت مجد ناحية والده، وحدجه بنظرات غير مريحة، ثم هتف بقسوة جامحة:
, -وأنا مش بتاع تفاهم!
,
, لم يتوقف عقله عن التفكير للحظة في كيفية رد الصـــاع صاعين لعائلة حرب خاصة عدوه منذر، وإذاقته كافة ألوان العذاب قبل أن يقتلع قلبه من موضعه.
, ٣٧ نقطة
,
, تحرك بعصبية مفرطة في أرجـــاء الصالة معنفًا باستنكار محتج موافقة والده على التصالح معه.
, راقبته والدته بنظرات مزعوجة لكنها لم تتدخل في الحوار، ففي النهاية ما يخص أمور العمل هو شأن ذكور العائلة فقط.
,
, هو لم يكد يفيق من تصرفات تلك الريفية الطائشة حتى يزيد أبيه من الطينة بلة بحديثه عن جدية التنازل.
, الجميع ينظر للأمر من منظور محدود الأفق، لا يعرفون أبعاد ترك شخصية عنيفة وبربرية كمجد ليصبح حرًا طليقًا فيفعل ما يحلو له دون ترقب أي حساب.
, ضغط منذر على أصابع كفيه بعنف مكورًا يده ليضرب بها الحائط متساءلًا بسخط:
, -طب فهمني، بردك اتنازلتوا ليه؟ موقفنا كان أقوى وآآ٤ نقطة
,
, قاطعه طــه قائلًا بهدوء زرين:
, -أنا ببص لقدام يا منذر!
,
, احتدت نظراته هاتفًا بشراسة:
, -مع ابن الـ٥ نقطة ده؟ انت ناسي يا حاج عمل ايه زمان؟ ده بلاويه كلها معروفة للكل!
,
, هز أباه رأسه بإيماءة بسيطة وهو يرد باقتضاب:
, -معلش!
,
, صاح الأخير مستنكرًا:
, -هاتفدني بايه معلش دي؟ قولي يا حاج طه؟٤ علامة التعجب
,
, رفعت جليلة كف يدها للأعلى قائلة بعبوس وهي تشير به:
, -يا ابني اهدى، بالراحة شوية، الحمد**** إنها عدت على خير، والجماعة قالوا هايصلحوا اللي كسروه وآآ٣ نقطة
,
, أشـــار لها طه برأسه هاتفًا بصرامة:
, -اسكتي انتي يا جليلة، وقومي شوفي وراكي ايه!
,
, نظرت له بعتاب وهي ترد:
, -بقى كده! ماشي يا حاج!
,
, ضربت بيديها على فخذيها، ثم نهضت بتثاقل من على الأريكة، وتحركت بخطى بطيئة تاركة لهما المجال للحديث بحرية.
, توارت عن أنظارهما لكنها لم تبتعد تمامًا. حافظت على مسافة جيدة لتتمكن من سماع ما يقولان بوضوح.
,
, أومـــأ طه بعينيه لابنه قائلًا بصلابة آمرة:
, -اقعد يا منذر وأنا هافهمك بأفكر في ايه
,
, تجهمت تعابير وجهه للغاية، ورد بنبرة محتقنة:
, -خلاص يا حاج، انت عملت اللي عاوزه وقبلت بالترضية، بس متلومش حد بعد كده!
,
, عنفه طه قائلًا:
, -الأمور ماتدخش قفش، احنا بناخد وندي مع بعض!
,
, ضاقت أعين منذر للغاية، وظل محدقًا بوجه أبيه بنظرات تحمل اللوم.
, هتف فجــأة بلا تردد:
, -سلامو عليكم، أنا نازل.
,
, نظر له والده بغرابة مستنكرًا انفعاله الزائد:
, -يا بني اسمع الأول!
,
, وضعت جليلة يدها على صدغها هاتفة لنفسها بتوجس مرعب:
, -هو العمل إياه اللي عامل في ابني كده ومش مخليه على بعضه!
,
, حل الوجوم على قسماتها وهي تضيف بنفور:
, -طلعت البت قادرة وساحرله فعلًا، صدقتي يا نيرمين!
,
, حدقت أمامها في الفراغ قائلة بحسم:
, -لازم أشوفله شيخ يفك العمل ده بدل ما ابني يروح مني!
, ٤١ نقطة
,
, جلس خلف مقود سيارته ممسكًا بهاتفه المحمول باحثًا عن رقم ما.
, هو فكر، وعقد العزم على فعل ما يراه مناسبًا، حتى وإن كان مزعجًا بالنسبة لها.
,
, وضع منذر الهاتف على أذنه صائحًا بجمود آمر:
, -اسمعني كويس!
,
, أتاه صوتًا خشنًا على الطرف الآخر يجيبه بامتثال:
, -أؤمر يا ريس منذر!
,
, تابع قائلًا بثبات جـــاد:
, -تروح لورشة زقزوق، وتخليه يجيب أبلكاش يحاوط كل المحلات، مش عاوز مخلوق يعرف يعدي!
,
, رد رجله قائلًا بتوضيح:
, -بس الدكان اللي في النص هيعاكسنا
,
, رد عليه منذر هاتفًا بصلابة صارمة:
, -نفذ اللي قولتلك عليه، وخصوصًا مع الدكان ده! تتقفل الحتة كلها من حواليه، مش عاوز خرم ابرة يفوت منها حد! فاهم
, -اعتبره حصل يا ريس
,
, تابع مكملًا بلهجة شديدة:
, -على أخر اليوم تكون خلصانة الحكاية دي، مش هارغي فيها تاني!
,
, ثم أنهى معه المكالمة لافظًا زفيرًا مشحونًا من صدره.
, آمال عنقه للجانبين ليخفف من حدة ذلك التوتر المسيطر عليه، وفركه بكفه بحركات متكررة مزيلًا ذلك التيبس.
, حدث نفسه بتحدٍ مغتر:
, -وريني هاتخشي الدكان ازاي يا بنت ريــاض!
,
, التوى رغمًا عنه فمه للجانب ليظهر شبح ابتسامة باهتة عليه.
, أدار بعدها محرك السيارة منطلقًا بها في اتجاه الوكالة.
, ٤٣ نقطة
,
, جفا النوم جفنيها وهي تتقلب على الفراش محاولة إجبار عقلها التوقف عن التفكير فيه وفي حماقتها الطائشة معه.
, أعاد عقلها تذكيرها بما فعلته مرات ومرات ليظهر مدى غبائها في كل مرة.
, دفنت رأسها بالوسادة، ونفخت مستاءة من نفسها.
, هو جاء بقصد الاطمئنان عليها، ودعمها، ناهيك عن حمايتها من أي أذى قد يلحق بها، وهي اتهمته كعادتها دون تمهل بطمعه في نيل الدكان منها.
, همست لنفسها بإحباط:
, -تعبت، نفسي أرتاح بقى!
,
, تردد في أذنيها صدى كلماته بأنه صاحب الكلمة الأخيرة في تقرير ما يخصها.
, زفرت مجددًا بإنهاك، ورددت متساءلة بحيرة:
, -يعني هاتعمل ايه؟ مش هاتقدر تمنعي!
, ٣٧ نقطة
,
, في صباح اليوم التالي،،،
, وضع يديه على منتصف خصره مراقبًا بإعجاب تام ما أنجزه الرجـــال أمام المحال.
, اختفت جميعها خلف تلك الألواح الخشبية الغليظة التي طوقتها بالكامل مانعة أي شخص من النفاذ إليها إلا من باب صغير ضيق يكفي لمرور فرد واحد، ووضع أمامه عدة رجــال ليقوموا بالحراسة بالإضافة للعمال المسئولين عن توضيبهم.
, كذلك تم تجهيز محل منهم ليصبح مكانًا لإقامة العمال ليلًا ليضمن تأمين الدكان وما حوله على مدار اليوم.
, سأله الحاج زقزوق الواقف إلى جواره بابتسامة واثقة:
, -عجبك الشغل يا ريس منذر؟
,
, أجابه بتنهيدة ارتياح:
, -مافيش بعد كده!
,
, أضــاف الحاج زقزوق مرددًا:
, -انت بس تؤمر، واحنا نعملك اللي انت عاوزه كله!
,
, وضع منذر يده على كتفه ليربت عليه هاتفًا بامتنان:
, -تسلم يا حاج زقزوق، والحساب هايكون عندك كمان شوية
,
, هز رأسه بتفهم:
, -براحتك، الجيب واحد!
, -طول عمرك ذوق!
,
, ودعــــه بعدها مصافحًا إياه بود، ثم التفت برأسه ليحدق في المحال بنظرات متباهية، فها قد أفسد عليها ما سولت لها نفسها بعنادها الأحمق، ونفذ ببراعة داهية ما أقره أمامها..
, تمتم من بين شفتيه بتحدٍ:
, -وريني هاتعرفي تخشي الدكان ازاي ؟!
, ٤٧ نقطة
,
, هرولت في خطواتها متهجة نحو غرفته الموجودة بالطابق الأرضي في أقصى الأركان بداخل ذلك المبنى القديم الذي يقع على أطراف المدينة منادية إياه بصوت حـــاد:
, -يا أستاذ ناصر، انت فين؟
,
, أغلق خزانة أدوات عدته التي يستخدمها في تدريس مادة الصيانة والترميمات للطلاب الصغار ليتجه نحو الخــارج قائلًا بفتور:
, -خير يا أبلة!
,
, وقفت قبالته مرددة بصوت لاهث:
, -عندك حصة احتياطي في أولى رابع!
,
, عبس وجهه قائلًا بانزعاج:
, -هو مافيش إلا أنا في أم المدرسة الفقر دي!
,
, هزت كتفيها مبررة:
, -هانعمل ايه، عندنا عجز، وزي ما انت شايف لما حد بيغيب مش بنلاقي اللي يغطي مكانه!
,
, نفخ بصوت مسموع وهو يضيف:
, -إياكش بس يحاسبونا على الاحتياطي ده!
,
, ردت عليه المشرفة بسخط:
, -هو احنا بنعرف ناخد حاجة من الحكومة، ده حتى بدل المنطقة النائية بقالهم أد كده مادهولناش
,
, وضع ناصر يده على طرف ذقنه ليفركها بحدة قائلًا:
, -**** ياخدهم ويريحنا!
,
, مررت المشرفة أنظارها سريعًا على هيئته التي كانت غير مناسبة نوعًا ما، فلفتت انتباهه محذرة:
, -ظبط نفسك كده يا أستاذ ناصر
,
, نظر إلى حيث أشارت، وفهم مقصدها، هي كانت محقة في ذلك، فثيابه شبه مزرية.
, أكدت عليه متابعة بصرامة قليلة:
, -بعد ما تخلص اطلع الحصة، ماتنساش، ماشي؟
,
, أشار لها بيده هاتفًا بتجهم:
, -طيب، هاقفل الأوضة وطالع!
,
, انتظرها حتى انصرفت من أمامه، ثم عاود أدراجه للداخل ليهندم من هيئته الغير مرتبة.
, كان يشعر بثقل في رأسه بسبب ذلك المشروب المُسكر الذي تناوله بكميات كبيرة بالأمس خلال ليلته العابثة التي ضاعت هباءً.
, لم يجد من تلبي رغباته الدنيئة بذلك المبلغ الزهيد الذي كان بحوزته، وبالطبع لم يستطع جر رفيقه حاتم معه ليتحمل هو كافة النفقات، فصرف ما بحوزته بالكامل.
, تثاءب بصوت خشن، ثم مسح طرف أنفه بإصبعه.
, رفع حزام بنطاله المتهدل للأعلى سائرًا بخطوات متهملة نحو الخـــارج.
, هو لم يكن بحاجة لارتداء ثياب ملائمة، فالوضع هنا لا يستحق.
, لم يكن رواد تلك المدرسة الابتدائية النائية من الطلاب بالعدد الكثيف كبقية المدارس الحكومية، فأغلب من يأتي إليها من الفقراء أو أبناء العمال والمغتربين من المحافظات المختلفة، بالإضافة إلى طبقات ذات ثقافات متدنية للغاية من عامة الشعب.
, لم يلتزم التلاميذ بالزي المدرسي، فأي شيء متاح لهم ارتدائه.
,
, ولج إلى الفصل متأملًا المتواجدين به بنظرات متأففة ومشمئزة منهم، لكن برقت عيناه فجــأة بذلك الوميض الشيطاني حينما وقعت أنظاره على وجهها البريء.
, كانت رغم فقرها المدقع مختلفة عنهم، ممن يثيرن رغبته بشراهة، هي تمتلك بشرة بيضاء، وتعقد شعرها الناعم – الذي يميل لونه للدرجة الكستنائية - جديلتين رفيعتين رغم قصره.
, تقوس فمه للجانب لتبرز من خلفه أنيابه الموحشة.
, هو حدد فريسته التالية، وقرر سريعًا اللهو معها. فهو حينما يعجز عن الحصول على من تشبع رغباته، يلجأ للطريقة القديمة متوخيًا الحذر فيها كي لا يتم كشف أمره.
, هو ينتقي ضحاياه ممن يثرن غرائزه فورًا، ولا يكترث لكون ضحيته صبيًا أو فتاة، فالأهم عنده أن تكون صغيرة في السن كي لا تبوح بما يفعله معها عنوة من أفعال مخجلة لا تعيها عقلها.
, جمد تعابير وجهه ليصيح في الصغار بغلظة قوية:
, -اترزعوا في مكانكوا، جتكم الهم، عيال ٧ نقطة!
,
, امتثل الصغار لأمره، وجلسوا خلف مقاعدهم الخشبية المتهالكة.
, أشـــار بذراعه لها قائلًا بصوت جافٍ:
, -انتي يا بت، تعالي هنا!
,
, ابتلعت الصغيرة ريقها بخوف، وقفت في مكانها ناظرة له ببراءة وهي تقول:
, -ايوه يا أستاذ
,
, رد عليها بصوته المتحشرج بمكر:
, -روحي هاتلي من أوضة الصيانة المفك والكماشة
,
, حكت الصغيرة جبينها بعدم فهم متساءلة:
, -دول شكلهم ازاي؟
,
, صاح بها متعمدًا إهانتها:
, -غبية وزي البهيمة!
,
, ضحك الصغار على سخريته المستهزأة منها، فأدمعت عيناها تأثرًا، وزاد عبوس وجهها الطفولي.
,
, تابع هو قائلًا بخبث:
, -تعالي معايا هوريكي شكلهم!
,
, هزت رأسها قائلة بصوت حزين:
, -ماشي!
,
, ثم أشـــار لطفل أخر مهددًا بصوته الآجش الآمر:
, -انت يا واد تعالى اقف هنا وأي حد يفتح بؤه ويتكلم طلعهولي على الحيطة! هانفخ أمه!
,
, نفذ الصغير أمره مبتسمًا بتفاخر كبير:
, -حاضر يا أستاذ
,
, جاهد ناصر ليبقي وجهه متبلدًا خاليًا من أي تعابير وهو يستدرجها معه إلى غرفته.
, لم تعرف الصغيرة أي خطر ينتظرها هناك، هي تبعته بخطوات بطيئة راسمة على ثغرها حزنًا كبيرًا من إهانتها
, أعاد ناصر فتح الباب، ووقف بالخارج قائلًا بجمود مريب:
, -خشي جوا يا بت، هتلاقي الحاجة على التربيذة
,
, أجابته بهدوء:
, -ماشي
,
, تلفت حوله بنظرات سريعة شمولية ليتأكد من عدم رؤية أحد له.
, وما إن إطمأن من خلو المكان من أغلب الموظفين حتى ولج هو الأخر للداخل موصدًا الباب خلفه.
, ســـال لعابه الشهواني المريض وهو يستدير ليواجه ضحيته البريئة التي كانت تنظر له بغرابة.
, تجمدت أنظاره على جسدها الضئيل، فاقشعر بدنها منه.
, لم يدرك عقلها البريء ذو التفكير السطحي أنها واقعة في فخه الشيطاني، أسيره حصاره المهلك.
, سألته بتلعثم متخوفة من أن يصب غضبه عليها:
, -هما.. هما فين دول يا أستاذ؟
,
, ارتفعت حرارة جسده سريعًا فبدا في حالة غير طبيعية، كما تجمعت حبات العرق بغزارة على أجزاء متفرقة من وجهه، وسيطر على عقله أمر واحد فقط. فلم يعد يرى سواه.
,
, تهدجت أنفاسه حتى خرج صوته لاهثًا من صدره وهو يجيبها بنبرة خافتة لكنها مخيفة ساحبًا سحاب بنطاله للأسفل:
, -هاقولك، بس تعالي جمبي ١١ نقطة ٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٨
شـــرع في تهيئة نفسه لاستدراجها كما يفعل الليث بفريسته الشـــاردة قبل أن يغرز أنيابه القاطعة في عنقها.
, اقتربت منه الصغيرة غير مدركة سبب تصرفاته الغريبة معها، فعقلها الصغير لا يعي ما يفكر فيه ذلك الدنيء القذر.
, فقط تملكها إحســاس غريب بالخوف الممزوج بالخزي لمجرد تلمسه لها.
, رهبة كبيرة زادت من قشعريرتها وهي تشعر بقبضتيه الخشنتين
, تمران على جسدها بطريقة عجيبة منفرة وكأنها تفحصه، فجعلتها تنظر له بهلع مذعور وهي عاجزة كليًا عن تفسير سبب قيامه بتلك الحركات الغير مفهومة معها أو حتى عن منعه من الاستمرار في فعلها.
, توقف فجــــأة عن ممارسته المشينة حينما صدح صوت هاتفه لينتفض بقوة، وتفر الدماء من عروقه.
, اضطرب جسده، وتوتر كثيرًا.
, أبعد يده عن الصغيرة التي كانت ترتجف بشدة، ودفعها للخلف. ثم لملم نفسه باضطراب ملحوظ.
, ابتلع ريقه، وأشــار لها بإصبعه أمام وجهها صائحًا بصوت آمر:
, -مش عاوز نفس منك!
,
, هزت رأسها بالإيجاب، لكنها لم تستطع السيطرة على رعشة جسدها المستمرة.
, سريعًا ما استعاد ناصــــر هدوئه، ودس يده في جيبه ليخرج هاتفه وينظر إليه.
, رأى اسم ذلك الشخص الذي ترقب اتصاله بفـــارغ الصبر فبرقت عيناه بوميض أخـــر متلهف.
, هو اعتاد على تخليص بعض المصالح والمهام الشخصية له، من ضمنها التهريب، وطلب منه معروفًا قبل فترة عله ينفذه له إن أتيحت الفرصة.
, لم يرغب في فضح أمره أو الحديث أمام الطفلة التي قد تصدر صوتًا فتفسد كل شيء، فضغط على زر إنهاء المكالمة قبل أن يجيب عليها، ونظر للصغيرة بشراسة مرعبة.
, صــاح بنبرة مهددة وهو يدنو منها:
, -لو فتحتي بؤك بحرف واحد مش هاتروحي لأمك تاني، وهاكسر عضمك كله من كتر الضرب، سامعة!
,
, أومـــأت برأسها بخوف وهي ترد بنبرة مترجفة من بين بكائها الخفيف:
, -حـ..حاضر!
, ولكي يضمن صمتها التام أراد أن يذيقها جزءًا من تهديده الشرس لتفهم رسالته بوضوح، لذا قبض على كتفها، وغرز أصابعه الغليظة فيه، فصرخت متألمة من قبضته عليها، ثم سحبها معه ناحية طاولة العدة الموضوعة في زاوية الغرفة.
, لم يكن للصغيرة أي مقاومة تذكر على الإطلاق، فقط تضع يدها على قبضته محاولة نزعها عنها.
, أمسك ناصر بعصاه الخشبية، فشخصت أبصارها مذعورة.
, رفعها للأعلى وهوى بها على ذراعها ليضربها بعنف شرس ، فصرخت باكية.
, لم يعبأ بصراخها، فكرر الفعلة بضربها على ساقها، ثم على ظهرها وعجيزتها ليؤلمها بحدة فبكت بشدة متأثرة بأوجاعها.
, هددها بصوت مخيف:
, -فكري بس تتكلمي!
,
, صرخت متوسلة رحمته من بين بكائها الحارق:
, -و**** ما هاعمل كده يا أستاذ!
,
, هزها بعنف وهو يرفعها عن الأرضية من كتفها مواصلًا تهديده:
, -هاشوف، وهتلاقيني فوق دماغك لو بس شميت خبر إنك آآ٣ نقطة
,
, قاطعته قائلة بصراخ باكي:
, -حاضر و****، حاضر مش هاعمل غلط!
,
, أرخى قبضته عنها دافعًا إياها بقوة للخلف، فسقطت مرتطمة بظهرها على الأرضية من أثر قوة الدفعة.
, ركلها بقدمه في ساقيها هاتفًا من بين أسنانه:
, -قومي ارجعي فصلك يا بت!
,
, نهضت باكية من مكان رقدتها، ثم زحفت على ركبتيها ناحية الباب.
, لم تتمكن من فتحه لأنه كان موصودًا، فسار ناحيتها.
, خبأت الطفلة وجهها خلف قبضتيها الضئيلتين متحاشية بطشه عليها.
, قــام بفتحه، وتنحى للجانب لتجري سريعًا من أمامه.
, أنقذها القدر من مصير مؤسف، وذكرى بشعة لن تُمحى من ذاكرتها بسهولة رغم ذلك الأثر السيء الذي تركه عليها.
, مسحت عبراتها المنمهرة بغزارة من على وجهها بأناملها المرتعشة وهي تهرول عائدة إلى فصلها.
,
, أعاد غلق الباب بهدوء بعد أن رأها تبتعد ليتمكن من الاتصــال بذلك الشخص الهام.
,
, هتف بحماس عجيب يتنافى تمامًا مع خسته الوضيعة:
, -سلامو عليكم، ازيك يا باشا، أنا مصدقتش نفسي ان سيادتك بتتصل بيا!
,
, أتاه صوته الهاديء قائلًا بجدية:
, -لأ صدق، وعاوزك تطمن أمر نقلك للمدرسة الجديدة هيصدر خلال ساعات!
,
, تهللت أساريره أكثر وهو يرد بعدم تصديق:
, -بجد يا باشا؟
,
, رد عليه الشخص بصوته الجاد:
, -هو أنا بأهزر في الحاجات دي، رجالتي دايمًا أحب أريحهم، وزي ما بيخدموني، أنا برضوه بأشوف طلباتهم!
,
, شكره ناصر قائلًا:
, -كتر خيرك يا باشا، إنت اطلب اللي عاوزه ورقبتي هاتكون سدادة
,
, تابع الشخص حديثه مضيفًا بغموض:
, -قريب هحتاجك في مصلحة كده، بس عاوزك تشوفلي حد ثقة ويكون مضمون!
,
, هتف دون تردد:
, -عندي يا باشا، واحد حبيبي وأنتيمي، وقديم في الشغلانة كمان!
,
, سمع صوته يقول باقتضاب:
, -حلو، بعدين نتكلم في التفاصيل!
,
, رد عليه ممتثلًا وهو يوميء برأسه:
, -اللي تؤمر بيه!
, -هاكلمك تاني، مع السلامة
,
, هتف مودعًا بامتنان كبير:
, -ألف سلامة يا باشا! في انتظار سيادتك!
,
, أنهى المكالمة معه ملوحًا بقبضته بحماس زائد في الهواء.
, تنهد بارتياح ماسحًا بكفه على صدره فقد تحقق مبتغاه، وسينقل إلى مدرسة أخرى بالمدينة بعيدًا عن تلك النائية الفقيرة.
, التوى فمه بابتسامة صفراء عريضة، وهتف محدثًا نفسه بسعادة:
, -وأخيرًا هاسيب أم المكان الـ ٦ نقطةده ، وأروح مدرسة أنضف!
, ٣٨ نقطة
,
, حصلت على رقم أحد الأشخاص ( المبروكين ) كما تظن من إحدى جاراتها لتستعين به في حل كارثة ال**** المشؤوم.
, وفكرت في الذهاب إليه بصحبة نيرمين كي تكون شاهدة معها على الأمر. فهي تخاف أن تتواجد هناك بمفردها.
, قطع تفكيرها المتعمق صوت قرع الجرس، فأسرعت نحو الباب لتفتحه. فرأت بسمة واقفة على العتبة مبتسمة لها بخفوت، فبادلتها نفس الابتسامة وهي تفتحه على مصرعيه سامحة لها بالولوج للداخل.
, استطردت بسمة حديثها قائلة بهدوء:
, -صباح الخير
,
, انحنت عليها جليلة لتقبلها من وجنتيها بطيبتها المعهودة معها مرددة:
, -صباح النور يا بنتي اتفضلي!
,
, تنحنحت بسمة بحرج قائلة بتوضيح:
, -أنا جيت بدري عشان أدي الدرس ليحيى زي ما كلمتك
,
, ردت عليها جليلة بود وهي تشير بيدها:
, -تنوري يا بسمة في أي وقت، وأنا صحيته وهو مستنيكي في أوضته
,
, هزت رأسها بتفهم وهي تضيف بنبرة موجزة:
, -تمام!
, -اتفضلي!
,
, ثم ســارت بصحبتها نحو غرفة الصغير يحيى لتستذكر معه دروسه.
, ٣٩ نقطة
,
, انتهت من ارتداء إحدى ثيابها الداكنة، وضبطت وضعية حجابها حول رأسها، ثم وضعت في حقيبة يدها جزءًا مما ستحتاج إليه من النقود.
, اعتدلت أسيف في وقفتها، وأغلقت أزرار كميها، ثم جذبت ثوبها للأسفل، وسحبت حذائها وارتدئه.
, نظرت إلى انعكاس صورتها بالمرآة.
, مازالت تلك اللمحة الحزينة تكسو وجهها الذابل، تحسست وجنتيها بأناملها، وتنهدت قائلة:
, -دول مش هايستحملوا بهدلة الأيام الجاية ، محتاجة أجيب غيرهم
, هي بحاجة لشراء ثيابٍ أخرى ملائمة لحزنها على فقدان الأعزاء، فلم يكن بحوزتها إلا اثنين فقط، ولن تعتمد عليهما إن كانت ستخرج يوميًا للعمل.
, وضعت تلك المسألة في اعتبارها، لكن الآن ستنفذ الأهم من وجهة نظرها.
, تجسد طيفه في مخيلتها بنظراته الثاقبة التي تهابها في بعض الأحيان..
, نفضت صورته عن عقلها رافعة أنفها للأعلى في إباء.
, ازدردت ريقها مشجعة نفسها على عدم الخوف والثبات على موقفها:
, -مافيش حد هايمنعني عن دكان أبويا!
,
, هو لن يثنيها عما تريد، ستشرع في توضيب دكانها العتيق، وإزالة ما به من أخشاب متهالكة لتفكر بعدها في مشروع ما تستثمر باقي أموالها فيه.
,
, خرجت بعدها من الغرفة متجهة نحو الصالة حيث تجلس بها عمتها على الأريكة.
, اقتربت منها بخطواتها المتمهلة مدققة النظر فيها.
, رأتها منهمكة في تقشير ثمار البطاطس.
, رفعت عواطف أنظارها نحوها متساءلة بغرابة:
, -انتي نازلة في حتة يا بنتي؟
,
, حركت رأسها بالإيجاب وهي تجيبها:
, -أيوه، هاعدي على ورشة النجارة وبعدها هاروح الدكان!
,
, استثارت عبارتها الأخيرة حفيظتها، فعقدت جبينها متابعة تساؤلاتها بعبوس:
, -الدكان؟ ليه يا بنتي تاني؟
,
, ردت عليها أسيف بجمود:
, -عمتي من فضلك موضوع الدكان ده يخصني لوحدي، أنا صاحبة القرار الأخير فيه!
,
, هتفت عواطف مبررة رفضها لذهابها إليه:
, -محدش قالك حاجة، بس مش وقته، إنتي شايفة اللي حصلك عنده، ده غير البهدلة والإزاز المتكسر وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها مرددة بإصرار أكبر:
, -هي حاجة مش مقصودة، وأكيد الدنيا أهدى دلوقتي!
,
, أزعج عمتها استهانتها بالأمر، فمشاجرات عنيفة كتلك لا تنتهي بين ليلة وضحاها.
, لذلك ردت عليها محاولة إقناعها بالعكس:
, -لا حول ولا قوة إلا ب****، الدكان ده جايبلنا المشاكل ووجع القلب، استني يا بنتي يومين كده ولا حاجة، وابقي انزلي لما الدنيا تهدى خالص!
,
, أصرت على رأيها قائلة بعناد:
, -ماينفعش، ده غير أصلًا في حاجات بأفكر أعملها فيه، فلازم أشوفها على الطبيعة
,
, ضغطت عواطف على شفتيها هاتفة برجاء خفيف:
, -طب استني أخلص الأكل وألبس وأجي معاكي!
,
, جلست أسيف إلى جوارها على الأريكة، ثم وضعت يدها على حجرها، ونظرت لها مطولًا بنظرات حانية.
, رسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة وهي تقول بهدوء رقيق:
, -يا عمتي، مافيش داعي تتعبي نفسك، أنا مش هاتوه، هما كام ساعة وهارجع!
,
, أخفضت عواطف رأسها قائلة باستياء:
, -مش عارفة أقولك ايه، انتي راكبة راسك ومش عاوزة تسمعي لحد خالص!
,
, حافظت أسيف على ابتسامتها الودودة وهي تضيف:
, -من فضلك يا عمتي سيبيني على راحتي، وأوعدك مش هتأخر
,
, يئست عواطف من إقناعها، فرددت مستسلمة بجدية:
, -طيب طمنيني عليكي كل شوية، انتي معاكي رقمي صح؟
,
, هزت رأسها بإيماءة ظاهرة:
, -ايوه
,
, ثم مالت برأسها عليه لتطبع قبلة صغيرة على وجنتها قبل أن تنهض من جوارها.
, تحركت عدة خطوات للأمام ولكنها تذكرت شيئًا ما، فالتفتت برأسها متساءلة بجدية:
, -بالحق يا عمتي مافيش محل فساتين من هنا قريب؟
,
, قطبت عواطف جبينها مرددة باستغراب قليل:
, -فساتين!
,
, أوضحت أسيف غرضها أكثر بترديد:
, -قصدي يعني بيبع حاجات واسعة كده زي العبايات بس غوامق، محتاجة أشتري كام واحد!
,
, تهدل كتفي عواطف للأسفل وهي تجيبها بفتور:
, -لا يا بنتي مافيش هنا!
,
, اكتفت أسيف بالابتسام مجاملة وهي تضغط على شفتيها، لكن استعادت انتباهها نحو عمتها حينما واصلت حديثها بتلهف غريب:
, -أه، افتكرت في محل ثابت بتاع القماش قريب مننا، ممكن أعدي عليه وأخليه يجيبلك قماش بالألوان اللي انتي عاوزاها، ونوديها عند ترزي جمبه يفصلهالك زي ما تحبي، و**** دي ايديه مالهاش حل في القص والتفصيل!
,
, بدت مسألة التفصيل وما يخصها جيدة نوعًا ما، لذلك ردت عليها قائلة برقة:
, -طيب.. هافكر في الحكاية دي يا عمتي!
,
, ابتسمت لها عواطف محذرة بحنو أمومي غريزي بها:
, -ماشي يا بنتي، خلي بالك من نفسك، وكلميني!
,
, أومـــأت برأسها قائلة:
, -حاضر، سلامو عليكم
,
, أخرجت عواطف تنهيدة شبه مرهقة من صدرها وهي ترد:
, -وعليكم السلام ورحمة ****!
,
, تابعتها بأنظارها حتى خرجت من المنزل، فتمتمت بتضرع للمولى:
, -**** يحفظك ويكفيكي شر المستخبي يا بنت الغالي!
,
, تلكعت نيرمين في خطواتها المتباطئة نحو والدتها، كان الوجوم كعادته هو المسيطر على حال وجهها.
, دست في فمها لقمة من الخبز لتتساءل بتأفف وهي تلوكها:
, -بترغي مع البت دي في ايه على الصبح كده؟
,
, نظرت لها عواطف شزرًا، ثم أشاحت بأعينها بعيدًا عنها وهي تجيبها بفتور بارد:
, -كلامنا العادي!
,
, جلست نيرمين على الأريكة مُثنية ساقها أسفل الأخرى، ثم استرخت أكثر بتمديد ذراعها على حافتها.
, تساءلت بنفس النبرة المزعوجة وهي تلوي ثغرها للجانب:
, -وهي المحروسة رايحة فين كده؟
,
, لم تنظر لها والدتها وهي تجيبها بإيجاز:
, -الدكان!
,
, كاد حلقها يختنق بالطعام حينما سمعت تلك الكلمة المثيرة لأعصابها، فسعلت عدة مرات حتى استعادت السيطرة على حالها.
, تشنجت تعابير وجهها وهي تصرخ بحدة:
, -بردك يا ماما سيبتيها تنزل وتروح الزفت ده!
,
, رمقتها عواطف بنظرة غير مبالية بطرف عينها مرددة باستسلام:
, -هاعملها ايه!
,
, أغاظها ردها، فهدرت بعصبية وهي تلوح بكلا ذراعيها:
, -تجيبها من شعرها، تقطمي رقبتها، المهم تمنعيها مش كفاية عملتها السودة بتاعة امبارح
,
, لم تكترث لها عواطف، ورددت ببرود هاديء لتستفزها أكثر:
, -هي حرة نفسها!
,
, صاحت نيرمين معنفة تراخي أمها معها بانفعال كبير:
, -ده لما تبقى متنيلة على عينها أعدة لوحدها مش متهببة وسطنا بتاكل وتشرب من حاجاتنا ببلاش كأنها أتة محلولة!
,
, تصلب وجه عواطف، واستدارت في اتجاه ابنتها لتصرخ بها بحدة:
, -نيرمــــــــــــــــــــــين!
,
, تابعت الأخيرة تهكمها القاسي قائلة:
, -هو أنا قولت حاجة غلط! مش دي الحقيقية، وهي زي البروتة واكلة شاربة نايمة ببلاش!
,
, عجزت عن منع ابنتها من مواصلة طريقتها الفجة في الحديث عن ابنة خالها، ظلت تحدجها بنظرات معاتبة، هي سليطة اللسان بحق، ودومًا لا تستطيع صدها.
, لذلك ردت بامتعاض وهي تعاود النظر في وعاء ثمار البطاطس المقشرة:
, -قفلي على السيرة دي خالص، هو دكانها وتصطفل فيه مع شريكها!
,
, ربما لم تكن عواطف متعمدة استثارة أعصاب ابنتها وإغضابها عن قصد بانتقاءها لكلماتها تلك، لكن نظرة واحدة إلى وجه نيرمين كفيلة برؤية تأثيرها عليها.
,
, همست لنفسها باحتقان شديد:
, -شراكة القرف كله، إلهي تتحرق قبل ما تخطيه برجليها!
,
, أكملت تعنيفها مرددة بسخط:
, -طب اعملي خاطر لسي منذر اللي شال مننا بعد اللي عملته، ده احتمال كبير يكون قلب علينا و..
,
, زفرت عواطف قائلة بنفاذ صبر بعد استياءها من حديثها بالسوء عنها:
, -يوووه يا نيرمين، قومي شوفي بنتك ولا إلبخي نفسك في أي حاجة بعيد عن السعادي خليني أخلص طبيخ!
,
, ردت عليها بتهكم وقد استشاطت نظراتها:
, -دلوقتي بقيت كُخة!
,
, انحنت عواطف للأسفل لتجمع البقايا المتناثرة حولها، ثم هتفت قائلة بتبرم:
, -تموتي في الرغي وتضييع الوقت، وأنا عاوزة الحق أخلص عشان أنزل أروح لثابت بتاع القماش
,
, سألتها نيرمين بعبوس جلي:
, -ليه كمان؟
,
, ابتسمت عواطف وهي تجيبها بحماس:
, -هاوصيه على كام توب قماش لبنت خالك كده عشان تفصلهم عبايات!
,
, اغتاظت نيرمين من سجيتها التي تستفزها، فهتفت بوقاحة:
, -وطبعًا هتكوعي فلوسهم من جيبك!
,
, نهضت والدتها من جوارها قائلة باستنكار:
, -لأ ياختي! اطمني! أنا بس هاوصيه على القماش، يا ريت بقى تتبطي!
,
, كزت نيرمين على أسنانها بغيظ وهي تردد بصوت خفيض:
, -عقبال ما نوصيه على كفنها قريب!
,
, ابتعدت عواطف عن الصالة، لكن بقيت ابنتها على حالتها المتشنجة تلك..
, لم تهدأ ثورة انفعالاتها، ولم ترتخي تعابيرها المشدودة.
, استمرت في وعيدها لأسيف قائلة بنبرة عدوانية صريحة:
, -طيب.. طيب يا بنت الـ ٨ نقطة، ساعتك وَجَبِت معايا وهتخلص النهاردة !
, ٤٢ نقطة
,
, انفرجت شفتاها بذهـــول عجيب، واتسعت حدقتيها بصدمة كبيرة حينما رأت ذلك الحاجز الخشبي المحاوط لدكانها القديم وما حوله.
, انقبض قلبها بقوة، ورمشت بعينيها غير مصدقة ما تراه.
, مررت أسيف أنظارها بتفرس عليه محاولة فهم كيف حدث هذا الأمر بتلك السرعة الرهيبة، فبالأمس القريب كان الوضع فوضويًا للغاية. واليوم كأن شيئًا لم يكن.
, تجهمت قسمات وجهها، وسارت بخطى غاضبة نحو ما يشبه الباب الجانبي لكي تمر خلاله.
, تفاجأت بهؤلاء الرجال الأشداء الذين يسدونه، فتراجعت بحذر للخلف متساءلة بضجر:
, -انتو قافلين الحتة دي كده ليه؟
,
, انتبهوا إليها، وحدقوا بها مستغربين مجيئها.
, تعجبت من نظراتهم المشدوهة لها، لكن سريعًا ما حركت أنظارها إلى وجه ذلك الرجل الذي أجابها بجدية شديدة:
, -أوامر الريس منذر!
,
, كتمت غيظها بداخلها، لكن صفحة وجهها المصطبغ بالحمرة المحتقنة مرآة حالها، هو نفذ تهديده بطريقة أخرى.
, احتدت نبرتها وهي تقول:
, -طب عاوزة أعدي لو سمحتم، ده دكاني !
,
, أضاف أخر قائلًا بجفاء:
, -أهــا .. مش هاينفع!
,
, نظرت إليه مرددة بحنق:
, -نعم!
,
, أوضح لها قائًلا ببرود وهو يشير بيده:
, -الريس منذر منبه محدش يقرب من المربع ده كله!
,
, صاحت فيه بعصبية قليلة وهي تشير بيدها:
, -الكلام ده مايمشيش عليا، أنا هادخل دكاني، فوسع لو سمحت
,
, وقبل أن ينطق الرجل مرة أخرى، أردف زميله قائلًا بهدوء جاد:
, -استنى انت!
,
, كتفت أسيف ساعديها أمام صدرها، ونظرت بأعين مشتعلة للرجل الأخر الذي تابع حديثه بجدية:
, -بصي يا ست، نصيحة مني اتكلمي مع الريس منذر قَبَلَه، لأن ولا واحد من الرجالة دول هايخلوا حتى الدبان الأزرق يهوب من هنا!
,
, ارتخى ساعديها لا إراديًا للأسفل، وضغطت على أصابع كفها مكورة إياهم معًا، ثم ردت بصوت متشنج:
, -بقى كده، ماشي!
,
, تشبثت بذراع حقيبتها مانعة نفسها من التهور دون داعٍ، واستدارت بجسدها للخلف لتسير نحو وجهة محددة .. نحو وكــــالته ٤ نقطة!!
,
, أسندت الصينية التي كانت تحملها على الطاولة بغرفة حفيدها الوحيد، ثم اعتدلت في وقفتها لتنظر لها بتمعن شديد.
, يدور في بالها أمر ما نحوها، فقط تحتاج لتهيئة وترتيب الظروف ليتحقق مرادها.
, تداركت شرودها السريع قائلة بترحاب ودود:
, -اتفضلي الشاي!
,
, رفعت بسمة وجهها نحوها لتنظر إليها مرددة بامتنان:
, -شكرًا، مالوش لازمة واللخ، أنا فطرت والحمدلله
,
, ردت عليها جليلة بود أكبر وهي تشير بيدها:
, -هو أنا عملت حاجة، ده بس عشان زورك! ده انتي بتتعبي معاهم!
,
, اكتفت بالابتسام لها، لكن تحركت نظراتها نحو يحيى الجالس إلى جوارها حينما هتف متساءلًا بحماس طفولي:
, -مس بسمة كده صح؟
,
, دققت النظر في الورقة التي أجاب عن أسئلتها البسيطة ، ثم وضعت يدها على فروة رأسه عابثة بخصلات شعره وهي تقول:
, -اه يا يحيى برافو عليك!
,
, رد عليها الصغير بسعادة غامرة:
, -ييس!
,
, تابعت بسمة قائلة بلطف وهي تشير إلى نقطة ما بالورقة:
, -حل دي كمان!
,
, هز يحيى رأسه موافقًا وهو يقول:
, -طيب!
,
, أضافت جليلة بصوتها الجاد وهي تشير إلى طعامه الموضوع على مقربة منه:
, -يا ريت تخلص أكلك كمان!
,
, وافقتها بسمة الرأي، فهتفت مؤكدة عليه بضرورة تناول طعامه:
, -اسمع الكلام يا يحيى!
,
, تنهدت جليلة هاتفة بامتعاض:
, -قوليله يا بنتي، و**** مدوخني وراه في الأكل لما شكله بقى عدمان
,
, عبست بسمة بوجهها عبوس زائف، وعاتبته برقة:
, -ليه بس كده يا يحيى؟ انت المفروض تاكل عشان تكبر وتبقى قوي!
,
, رد عليها الصغير ببراءة:
, -ما أنا بأكل
,
, ابتسمت له، ثم وضعت يدها على طرف ذقنه، وهمست له قائلة بنعومة:
, -طيب خلص البسكوتة دي كمان عشان تيتة تتبسط منك
,
, هز رأسه قائلًا:
, -ماشي!
,
, تهللت أسارير جليلة لاستجابة حفيدها لأوامر معلمته وانصياعه لها دون مجهود يذكر، وربما سيندمج الاثنان سريعًا إن حدث ما تتمناه في المستقبل .
, أفاقت من تفكيرها المتحمس قائلة:
, -لو عوزتي حاجة نادي عليا، معلش البت أروى في المدرسة مانفعش تغيب، وآآ٤ نقطة
,
, قاطعتها بسمة قائلة بهدوء:
, -ما أنا عارفة، هابقى اجيبها وقت تاني، أنا قولت أستغل فرصة اني أجازة النهاردة وأجي أعوض ليحيى اللي فاته
,
, شكرتها جليلة قائلة بامتنان:
, -فيكي الخير يا بنتي!
,
, ثم أولتها ظهرها وتحركت في اتجاه باب الغرفة.
, طرأ ببالها أمر قد تناسته تمامًا، ألا وهو إعطاءها أجرتها نظير مجيئها طــوال الفترة الماضية، لذلك التفتت برأسها متساءلة بجدية:
, -صحيح النهاردة الحصة الكام ؟
,
, تنحنحت بسمة بحرج وهي تجيبها بخجل قليل:
, -احم.. دي الأخيرة في الشهر!
,
, ابتسمت لها جليلة مرددة:
, -طيب يا بنتي، اشربي الشاي قبل ما يبرد
, -اوكي!
,
, تركتها بعدها جليلة لتواصل تدريسها للصغير، وأغلقت باب الغرفة عليهما.
, وقفت للحظة ملتصقة به تحدث نفسها بضجر:
, -نسيت خالص أقول دياب يسيبلي فلوس الدرس، كويس انه هنا!
,
, التفتت برأسها أولًا ناحية غرفته، ثم خطت نحوها بخطوات متعجلة..
, فتحت باب الغرفة بعد أن دقته مرة واحدة وهي تقول بتلهف:
, -دياب، يا دياب!
,
, كان مشغولًا بتعديل هيئته أمام المرآة بعد أن ارتدى ثيابه ليكتمل استعداده للخروج.
, نظر نحوها متعجبًا تلهفها الغريب، وسألها مستفهمًا:
, -ايوه يامه في ايه؟
,
, ردت عليه بتساؤل غامض:
, -بأقولك معاك فلوس فكة؟
,
, عقد ما بين حاجبيه مدهوشًا:
, -ليه في حاجة؟
,
, أخفضت نبرة صوتها وهي تجيبه بجدية:
, -النهاردة أخر حصة في الشهر لدرس ابنك يحيى، والمفروض أحاسب بسمة وهي برا!
,
, تنبهت حواسه كليًا لعبارتها الأخيرة، وارتفع حاجبه للأعلى مرددًا باهتمام:
, -ايه ده هي برا؟
,
, ردت عليه بإلحاح:
, -اه، بس عاوزين نديلها الفلوس النهاردة، مايصحش!
,
, جمد تعابير وجهه، وعاود التحديق لنفسه في المرآة قائلًا بفتور متعمد وهو يرتب من ياقته:
, -طيب أنا هاطلع أديهوملها بنفسي!
,
, زمت جليلة شفتيها قائلة بتوجس خفيف:
, -بلاش لأحسن تتحرج منك، اديهوملي أنا وآآ٣ نقطة
,
, لم ينتبه لباقي حديثها الممل، وهتف هامسًا محاولًا إخفاء ابتسامته:
, -هي دي بتكسف!
,
, صاحت به بجدية:
, -ها يا بني؟
,
, رد عليها بجمود ثابت:
, -ثواني بس يامه، هاكمل لبس وأجيبلك اللي انتي عاوزاه!
,
, ضغطت على شفتيها قائلة على مضض:
, -طيب، بس أوام!
,
, استدارت عائدة من حيث أتت، بينما بقي دياب في مكانه يدندن بصافرة خافتة وهو يمشط شعره للخلف.
, لمعت عيناه ببريق خفي، لكن لم يستطع إنكار تحمسه الرهيب لرؤيتها.
, ٣٨ نقطة
,
, بوجــــهها المتصلب، ونظراتها المشتعلة سارت بخطوات متعجلة نحو وكالته حتى وصلت إليها.
, أخـــذت نفسًا عميقًا حبسته في صدرها لثوانٍ قبل أن تطلقه دفعة واحدة لتضبط انفعالاتها.
, أرادت أن تكون هادئة معه في جدالها القادم رغم أن الأمر بالنسبة لها شبه مستحيل.
,
, ولجت للداخل متساءلة بصوت شبه متشنج وهي تجوب بأنظارها المكان :
, -فين الأستاذ منذر؟
,
, أجابها أحد العمال بهدوء وهو يشير برأسه:
, -وراكي!
,
, تفاجأت من رده الغير متوقع، وانفرجت شفتيها مصدومة نوعًا ما..
, ابتلعت ريقها، واستدارت بجسدها كليًا للخلف لتواجهه.
,
, أومــأ منذر بعينيه للعامل بالانصراف، فنفذ الأخير أمره الصامت توًا.
, سلط أنظاره عليها، وظل محدقًا بها دون أن تطرف عيناه لثانية.
, بدا واثقًا من نفسه وهو يتأملها بصلابته العجيبة.
, كان متأكدًا أنها عرجت بالدكان، ومُنعت من الدخول بالرغم من عدم مهاتفة أي أحد له حتى الآن. وصدق تخمينه حينما أخرجته من حالته المغترة صائحة بنرفزة:
, -انت ازاي تمنعني أدخل دكاني؟
,
, هز كتفيه قائلًا ببرود:
, -عادي! انتي ناسية إني شريك فيه!
,
, صاحت فيه بنبرة مرتفعة وهي تلوح بذراعها:
, -ده مش يديك الحق تتصرف كده!
,
, نظر لها من طرف عينه، ثم دس قبضتي في جيبي بنطاله، وتحرك بخطى ثابتة في اتجاه مكتبه قائلًا بغطرسة:
, -و**** أنا حر في ملكي!
,
, تابعته بأعينها المشتعلة من طريقته، وهدرت فيه بغضب:
, -دكاني مش بتاعك لوحدك، أنا نصيبي أكبر منك!
,
, أخرج كفيه من جيبيه رافعًا كليهما أمام وجهها قائلًا بلهجة قوية:
, -حلو .. يعني في حاجة متفقين عليها، إننا شركا فيه!
,
, واصلت صياحها العالي هاتفة بإلحاح:
, -أنا عاوزة أدخل دكاني
,
, تحرك صوبها حتى وقف قبالتها، ثم أجابها بثقة باردة:
, -وأنا مش ممانع، بس بشروطي أنا!
,
, اتسعت مقلتاها بغيظ وهي تردد بعصبية:
, -كمان، بتتشرط عليا!
,
, تعمد أن يتمط بذراعيه أمامها ليبرز قوته الجسمانية، ثم أولاها ظهره ليتجه نحو مكتبه معلقًا عليها بجمود:
, -طلبتها منك ودي، وإنتي مرضتيش، وعاندتي معايا، فاستحملي بقى!
,
, اغتاظت أكثر من استفزازه لها، فتابعت قائلة بتشنج وهي تهدده بكفها:
, -فكرك أنا مش هاعرف أدخل، أنا ممكن أبلغ البوليس وهما هيجروبك تمشي رجالتك، وهافتح الدكان!
,
, جلس على مقعد مكتبه باسترخاء تام، ورمقها بنظرات مطولة ثابتة وهو يجيبها ببرود:
, -وماله، هيدخلوكي يوم، نقول اتنين، تلاتة، بس مش على طول يا بنت رياض!
,
, اقتربت من مكتبه، ثم انحنت عليه لتضرب بقبضتيها المتشنجتين بعنف على سطحه وهي تسأله بهياج متعصب:
, -إنت عاوز ايه بالظبط؟
,
, اكتفى بالابتسام لها، ثم أومــأ بغموض بعينيه، فاستشاطت غضبًا منه لأنها لا تستطيع سبر أغوار عقله.
, اعتدلت في وقفتها رافعة رأسها للأعلى ثم ضغطت على شفتيها بقوة مانعة نفسها من التطاول عليه.
, ظل محافظًا على ثبات نظراته العميقة لها.
, أخفضت رأسها وهي تدس يدها في حقيبتها، فتابعها باهتمام ملحوظ عليه.
, لم يتبين ما تفعله أسيف، لكنها أخرجت منها حفنة مطوية من النقود، وألقتها بعصبية على سطح مكتبه.
, تحولت نظراته للحدة لكنه لم ينبس بكلمة. راقبها فقط بهدوء مميت للأعصاب
, هدرت فيه قائلة بازدراء وهي تشير بيدها:
, -لو على اللي دفعته فيه، فخد فلوسك أهي، وهاجيبلك أدهم عشر مرات!
,
, ردت له – متعمدة – نفس عبارته السابقة حينما اتهمته بالسرقة لتزداد بعدها نبضات عروقه التي تدفقت إليها الدماء الفائرة بغزارة.
,
, هو استشعر إهانة بالغة من تعاملها معه، ومن طريقتها في مواجهته. هو ليس بحاجة إلى النقود لتكرر نفس حركته بنفس الحماقة المزعجة، بالإضافة إلى أن شدته معها لسبب مختلف تمامًا عن الذي تعتقده هي.
, أضافت قائلة بصوتها المنفعل:
, -بس ابعد عني وعن اللي يخصني!
,
, تصلبت عضلات وجهه، وبدا متحفزًا إلى حد كبير وهو يرمقها بنظراته النارية.
, هتف بصعوبة من بين شفتيه المطبقتين:
, -لمي فلوسك يا بنت رياض! انتي عارفة كويس إني مش ناقص فلوس عشان أبص للكام ملطوش بتوعك دول!
,
, صاحت فيه صارخة بيأس:
, -اومال عاوز ايه مني؟ بتمنعني عن حقي ليه؟
,
, صمت مجبرًا أمام صياحها المتواصل، عاجزًا عن إيجاد إجابة مقنعة لها. فكيف يبرر أسبابه وهو نفسه لا يستطيع تفسير ردات فعله الغير عقلانية فيما يخصها.
, تجمدت عيناه عليها، وظلت تعابيره خالية من أي إشارات متأثرة رغم ثورته المستعرة بداخله.
, ضجرت من صمته المريب، فهتفت بتوسل رقيق:
, -رد عليا لو سمحت! بتعمل كده ليه؟
,
, أغمض جفناه لثانية ليسيطر على نفسه أمام نبرتها تلك. ثم فتحهما مكملًا تحديقه الجامد نحوها وهو يهتف بنبرة جافة:
, -مش فاضي أرد دلوقتي
,
, أغاظها رده المستفز، فتمتمت بحنق كبير رغم تلعثم كلماتها:
, -إنت.. إنت آآ٤ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بصلابة قاسية متعمدًا رد ما فعلته بالأمس معه:
, -ممكن تتفضلي من هنا، عندي شغل! شرفتي!
,
, شهقت مذهولة من وقاحته الصريحة. لم تتوقع ذلك منه.
, هب منذر واقفًا من مكانه، وأشــار لها بإصبعيه اللذين وضعهما على جبينه ليودعها وهو يتابع بجفاء:
, -وتسلمي على جيتك، متشكر يا بنت الأصول!
,
, تجهم وجهها كثيرًا، ورمقته بنظرات أكثر اشتعالًا عن ذي قبل، نفخت بعصبية أمامه قبل أن توليه ظهرها وتخرج من وكالته خالية الوفــــاض في مسألة الدكان، لكنها معبأة بمشاعر غضب مشحونة على الأخير.
,
, نسيت أن تأخذ ما تركته من أموال على مكتبه، فمد يده ليجمعهم.
, رفع النقود نصب عينيه يتأملهم بنظرات غامضة.
, قطع تحديقه بهم صوت أبيه متساءلًا باستغراب:
, -في ايه يا منذر، قريبة عواطف بتعمل ايه هنا؟
,
, أخفى النقود في درج مكتبه، ثم أجابه بهدوء حذر:
, -جاية عشان الدكان!
,
, جلس طه على المقعد الملاصق للمكتب، ونظر له بتفرس وهو يقول:
, -أها، قولتلي بقى، شكلك كده آآ٤ نقطة
,
, تنحنح منذر مقاطعًا بخشونة:
, -سيبك يا حاج من الحكايات الهايفة دي وخلينا نركز في الشغل أحسن
,
, رد عليه طــــه بمكر رجل مسن خط الزمن عليه على مدار عقود:
, -ماهو ده برضوه شغل، ولا أنا غلطان؟!
,
, تحاشى منذر النظر إلى أبيه، واكتفى بالعبث فيما أمامه من أوراق ليظهر انشغاله بهم رغم أن عقله لم يتوقف عن التفكير فيها للحظة. تلك التي تحرك دومًا شيئًا بداخله، وتجبره على متابعتها في كل الأوقات خاصة إن كانت غائبة عنه.
, ٤٧ نقطة
,
, أوشك الوقت المخصص للدرس الخصوصي على الانتهاء، فلملمت ما معها من أدوات تستعين بها ووضعتهم بداخل حقيبتها.
, نظرت بسمة إلى قطعة الحلوى المسنودة على الفراش المجاور للطاولة، وتساءلت بتعجب:
, -مكملتش بسكوتك ليه؟
,
, التفت الصغير برأسه للخلف، ثم نهض عن مقعده ليقفز في مكانه بمرح.
, مالت هي بجسدها ناحية الفراش ممددة ذراعها نحوها لتمسك بها.
, حدقت فيها باندهاش عجيب من طريقة تناولها التي بدت غريبة عن المألوف.
, رددت باستغراب:
, -وبعدين في حد ياكلها كده !
,
, هز الصغير يحيى كتفيه نافيًا وهو يقول:
, -مش أنا و****!
,
, ردت عليه مستنكرة:
, -يعني هي اتاكلت لوحدها يا يحيى!
,
, أجابها ببراءة:
, -معرفش، بس أنا مش بأكلها بورقتها يا مس
,
, دققت النظر أكثر فيها هاتفة بغرابة أكبر:
, -ورقتها
,
, لفتها على الجانبين لتتفحصها عن كثب، وهمست لنفسها بحيرة:
, -شكلها غريب أوي، دي متقرقضة من آآآ٥ نقطة
,
, قاطع تفكيرها الحائر صوت يحيى هاتفًا بصوتٍ مرتفع وهو يشير إلى فراشه:
, -مِس بصي!
,
, وجهت بصرها حيث أشار، فرأت كائنًا رماديًا يمتاز بذيله الطويل، وجلده الرمادي الخشن يسير على حافة الفراش.
, هو جرذ صغير الحجم، لكنه كان كفيلًا ليثير هلعها، فصرخت بلا وعي:
, -هــــاه! فـ٣ نقطة فاااااااااار !
,
, هبت من مكانها مذعورة، وواصلت صراخها الهيستري:
, -ماما، فـــــااااار !
,
, انضم الصغير يحيى إليها، وصرخ هو الأخر ولكن بضحكات مكركرة على طريقتها الخرقاء في القفز والركض نحو الشرفة.
, ولج ديــــاب على إثر صوتهما لداخل الغرفة، فتفاجأ بما يفعله الاثنان.
, توجه نحو الشرفة متساءلًا بضيق:
, -في ايه ؟
,
, وضعت بسمة يدها على ذراعه لتقبض عليه وهي تصيح برعب:
, -في فار جوا في الأوضة! يع!
,
, أخفض عيناه لينظر إلى كفها القابض على ذراعه، ثم حدق بها مرة أخرى وهو يقول بتجهم:
, -ماشي بالراحة مش كده!
,
, ردت عليه بتشنج مرتعد وهي تهتز بجسدها :
, -بأقولك فار.. فـــــار!
,
, حدجها بنظرات حادة قائلًا بتهكم ساخر:
, -يعني معندكوش في بيتكم، محسساني إنك أول مرة تشوفيه!
,
, أغضبها رده، فنظرت له بازدراء، وردت عليه بسخط:
, -و**** انت ما عندك ددمم!
,
, عبس وجهه سريعًا من ردها الفظ، فباغتها بوضع قبضته على يدها الممدودة إليه ممسكًا بها من رسغها، ثم جذبها نحوه ليقربها أكثر إليه.
, نظر مباشرة في عينيها بنظرات أخافتها محذرًا إياها بصرامة شديدة اللهجة:
, -اتكلمي كويس معايا!
,
, تجمدت الكلمات على طرف لسانها من حركته تلك، وحدقت فيه مشدوهة من نظراته المنذرة بغضب جم ..
, وزع الصغير يحيى نظراته بينهما مبتسمًا ، لكنه لم ييتفوه بشيء ، وتسلل من أمامهما تاركًا الشرفة ليبحث بمرح عن فأره الزائر..
, ٣١ نقطة
,
, لمحتهما متقاربان للغاية عبر الشرفة المطلة على الطريق وهي تشرأب بعنقها للأعلى عندما ترجلت من السيارة.
, جاءت ولاء لزيارة ابنها بعد أن استعادت عافيتها، هي اشتاقت إليه، ورغبت في رؤيته، لكنها لم تبلغ عائلة حرب بزيارتها.
, ظلت أنظارها مسلطة عليهما لبرهة.
, اصطبغ وجهها بحمرة مغتاظة نوعًا ما..
, لا تعرف سبب ذلك الانقباض المزعج الذي عصف بقلبها، ولكنها كانت غاضبة لرؤيته مع غيرها بتلك الطريقة.
, هو يلامسها ويحادثها بتلقائية كما كان يفعل معها وهي على ذمته.
, ولما تغتاظ وهي قد اختارت طريقها مسبقًا؟ لم ترغب في تفسير الأمر.
, بالطبع لن يقف دياب كمشاهد لفترة طويلة أو منتظرًا على مقاعد البدلاء حتى تصبح متاحة له مرة أخرى، كان عليها أن تتوقع اقترانه بإحداهن.
, ابتلعت ولاء غصة مريرة عالقة بحلقها، واتجهت نحو مدخل البناية مقاومة تلك الرغبة النادمة المسيطرة عليها، فما مرت به مؤخرًا ليس بالهين، وجعلها تعيد حساباتها بالكامل ٥ نقطة٤ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٤٩
حركت رسغها بعصبية محاولة إفلاته من قبضته المحكمة حوله، لكنها أبى أن يحرره.
, ظل مسلطًا أنظاره القوية عليها دون أن يطرف له جفن.
, فاض بها الكيل من فرضه لسيطرته عليها، فصاحت فيه بنبرة مزعوجة من تصرفه:
, -سيب ايدي!
,
, رمقها بنظرات أخيرة مغترة قبل أن يرخي أصابعه كليًا عنها. سحبت يدها سريعًا للخلف لتفركها بقبضتها الأخرى، وهمست متمتمة بكلمات مبهمة لكنها كانت تشير لغضبها منه.
, لم يستطع دياب تبين ما تقصده، فهتف بسخرية متهكمة:
, -و**** هاين عليا أسيبك مع كومة فيران بحالها، يمكن يقصوا الحتة الزايدة اللي في لسانك!
,
, اتسعت حدقتاها بحمرة غاضبة، لكنه امتصها على عجالة حينما ظهر شبح ابتسامة على ثغره وهو يتابع بعبث:
, -بس متهونيش عليا يا أبلة!
,
, استشعرت الحرج من غزله المتواري، فهتفت بصلابة:
, -عن اذنك!
,
, ثم أشـــارت له بيدها ليتحرك للجانب، فسألها مازحًا:
, -طب والفــار؟
,
, أجابته ساخرة بابتسامة متسلية وهي تنسل من الشرفة لداخل الغرفة:
, -هيروح فين، ما هو قاعد عندكم!
,
, كركر ضاحكًا من دعابتها الخفيفة، ووضع يديه في داخل جيبه ليسير خلفها متبخترًا بنفسه.
, ٣٦ نقطة
,
, على الجانب الأخر، وفي نفس التوقيت، صُدمت حينما رأتها واقفة أمام عتبة باب منزلها في أبهى صورها، متغنجة بجسدها، ومتباهية بحسنها الكاذب.
, رمشت بعينيها عدة مرات لتتأكد أنها لا ترى شبحًا.
, هتفت بذهول متلعثم:
, -ولاء!
,
, رسمت ابتسامة متكلفة على ثغرها وهي ترد ببرود غير مبالية بأي ردة فعل لاحقة:
, -ازيك يا طنط؟
,
, امتعض وجــــه جليلة على الأخير، وهتفت متساءلة من بين شفتيها:
, -خير جاية هنا ليه؟
,
, أجابتها ولاء بجمود وهي تنزع نظارتها عن رأسها:
, -عاوزة أشوف ابني، فيها حاجة دي!
,
, ضربت هي كفها بالأخر، وأسندتهما على بطنها مرددة بتجهم:
, -اه، بس انتي ماتصلتيش تقولي إنك عاوزة تشوفيه!
,
, رفعت ولاء حاجبها للأعلى، وأشارت بيدها الممسكة بنظارتها قائلة بجفاء:
, -هو أنا كل ما أحتاج أشوف ابني لازم اتصل، أنا أمه، وده شيء طبيعي يعني!
,
, عبست جليلة أكثر بوجهها وهي ترد بتأفف:
, -اهــا! قولتلي، هو احنا هانعيده تاني يا ولاء!
,
, حركت الأخيرة رأسها بإهتزازة خفيفة لتنفض شعرها المنسدل للخلف، واستأنفت حديثها بنبرة باردة:
, -لو سمحتي يا طنط ناديلي ابني
,
, زفرت جليلة أمام وجهها بانزعاج كبير، فهي ليست بحاجة للجدال مع تلك المقيتة. خاصة أن الحاج طــــه قد حَـــــرَمَ عليها القدوم إلى هنا، أو حتى أن تطأ قدماها ذلك المنزل مهما كانت الظروف، لذا اعتبرت أخــر حدودها هي مدخل البناية.
, تم ذلك بعد كشف ملعوبها الحقير، وحدوث الانفصــال بينهما عقب ولادة يحيى.
, أعطاها ديــاب حقوقها المادية كاملة، وقطع كل الصلات الودية معها، إلا فقط ما يخص ابنه، كان مضطرًا للتواصل معها بشأنه، فبقي الباب مواربًا في تلك الجزئية تحديدًا.
,
, تمتمت بصوت هامس:
, -هو أنا ناقصة وجع قلب!
,
, سألتها ولاء ببرود أكبر:
, -ها يا طنط هتناديله ولا أناديله أنا؟
,
, نظرت لها جليلة شزرًا، وأشارت لها بكفها قائلة بتبرم:
, -طب خشي جوا، مش هاتكلميه على الباب
,
, ابتسمت لها ولاء بتصنع وهي ترد:
, -ميرسي!
,
, تنحت جليلة للجانب قائلة بتهكم هامس:
, -ميرسي، **** يرحم أبوكي!
,
, تعمدت ولاء التغنج بجسدها أكثر لتستفز جليلة التي كانت تراقبها بأعين ساخطة، واتجهت دون انتظــار ناحية غرفة ابنها حيث يتواجد طليقها الأسبق مع بسمة.
,
, فتحت الباب فجـــأة لتجد الاثنان يضحكان بمرح لا يتلائم مع وجودها الغاضب.
, سريعًا تلبدت الأجواء، وتلاشت الضحكات ليحل العبوس والتجهم مكانها.
, ذُهل ديـــاب من وجودها بالمنزل، فقد مضت سنوات منذ أخر زيارة لها هنا.
, تسمرت بسمة في مكانها مدهوشة، فلم تتوقع رؤيتها بعد تلك الفترة الطويلة.
, استندت ولاء بمرفقها على مقبض الباب لتبدأ في هز جسدها بعصبية وهي تردد بازدراء متعمد:
, -واضح إني جيت في وقت مش مناسب!
,
, استعاد دياب السيطرة على الموقف، ورد عليها قائلًا بعصبية ملحوظة:
, -جاية هنا ليه؟
,
, انتصبت في وقفتها، وأجابته بنبرة جامدة:
, -جاية لابني، وحشني وعاوزة شوفه، اوعى تكون نسيت إني أمه!
,
, ثم سلطت أنظارها على بسمة لتحدجها بنظرات احتقارية وهي تتساءل بنبرة تحمل الإساءة:
, -ممكن أعرف بقى مين دي، وبتعمل ايه هنا في أوضة ابني؟
,
, شعرت بسمة بحرج شديد بسبب ذلك الموقف المخزي، ثم مررت عيناها سريعًا على وجه دياب قبل أن تعاود النظر إليها لترد بتلعثم وهي تتنحنح بخفوت:
, -احم.. أنا المِس بتاعته!
,
, زادت نظرات ولاء الدونية لها، وهتفت بتهكم ساخر:
, -اها، قولتيلي بقى!
,
, استشاط دياب من أسلوبها المهين، فاندفع كالثور الأهوج في اتجاهها ليقبض على ذراعها صائحًا بصوت متصلب:
, -اطلعي برا يا ولاء!
,
, تعمدت التدلل في نبرتها وهي تتأوه بميوعة مقززة:
, -آآي، بالراحة عليا يا دياب!
,
, ارتفعت حرارة وجـــه بسمة للغاية بسبب طريقة ولاء المستفزة، وشعرت بالنفور الشديد من مجرد البقاء معها في كان واحد.
, إحساس عجيب بالحنق – وربما قليل من الغيرة – سيطر عليها لمجرد رؤيتها تتدلل عليه، فابتلعت ريقها بصعوبة، وصاحت بصوت مقتضب يعكس ضجرها الشديد:
, -عن اذنكم
,
, ضحكت ولاء قائلة بسخط مهين:
, -ايه ده بالسرعة دي! أوام خلصتي الدرس، مع إني شايفة إنه لسه بدري يا مدام ولا..آآ.. آنسة لسه؟ أصلي بصراحة مش عارفة إنتي وضعك ايه هنا!
,
, بلغ ديــــاب ذروة انفعاله سريعًا، وفقد السيطرة على أعصابه، فهزها من ذراعها بعنف وهو يصرخ بحدة فيها:
, -ما تحترمي نفسك يا ولاء، وتتكلمي بأدب هنا!
,
, نظرت له بعينين مسلبتين، ووضعت يدها على فمها لتقول بحرج مصطنع وبائن:
, -أوبسي! هو أنا عكيت الدنيا ولاحاجة!
,
, تحولت مقلتاه لجمرتين من النيران الملتهبة، ولم تهتم هي بشراسة نظراته، فواصلت إهانتها المتعمدة بجرأة جامحة:
, -بس الوضع هنا مش مظبوط يا دوبي، يعني شكلي كده جيت في وقت غلط، سوري كملوا اللي كنتوا بتعملوه!
,
, لم يتحمل كلمة واحدة تخرج من فمها، فدفعها بعنف أكبر للخارج صارخًا فيها بهياج أشد:
, -برا يا ولاء!
,
, تأوهت حقًا من عنف قبضته، ومن حدة عصبيته، فصرخت متألمة:
, -آآآآه، سيبني يا دياب!
,
, جرجرها خلفه غير مكترث بما يرتطم به جسدها أثناء سحبها للصالة، ولا بصراخها الملفت للانتباه، وهدر بها بجموح مخيف:
, -بـــــــراااااا ، البيت ده متحرم عليكي!
,
, قاومته ولاء قدر استطاعتها، وردت عليه بنبرة مرتفعة ومتشنجة:
, -ابني عاوزة اشوفه!
,
, نجحت في تحرير ذراعها من قبضته، وأشاحت به في الهواء بعصبية، ثم وقفت قبالته معلنة عن تحديها السافر له.
, رمقها دياب بنظرات قاتمة للغاية، وهتف فيها بانفعال:
, -هاتشوفيه برا، لكن هنا لأ
,
, ردت عليه محتجة بصراخ:
, -أنا أمه، متقدرش تمنعني عنه، إنت ناسي قانون الحضانة وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بصوته الهادر:
, -انتي اللي ناسية أنا أقدر اعمل ايه، والقانون اللي أمك فرحانة بيه ده مايمشيش علينا، وابني هيفضل معانا!
,
, ثم قبض على ذراعها مجددًا غارزًا أصابعه الغليظة فيه ليسحبها ناحية باب المنزل.
, صاحت مقاومة بغضب جم:
, -اوعى، سيب دراعي!
,
, تفاجأت جليلة بما يفعله ابنها، فتوسلته قائلة برجاء قليل:
, -اهدى يا دياب، بالراحة يا بني، مش كده!
,
, وضع دياب يده على مقبض الباب ليديره، ثم فتحه على مصرعيه هاتفًا بإهانة صارخة:
, -الأشكال الوسخة دي ماتخشش هنا تاني، تترمى برا جمب الزبالة!
,
, شخصت أبصــــار ولاء من سبابه اللاذع لها، وانفرجت شفتاها غير مصدقة ما يفعله على مرآى ومسمع من الجميع.
, استخدم هو كامل قواه الجسمانية في دفـــعها بقوة إلى خــــارج المنزل لتفقد هي اتزانها على عتبته، وترتطم بالأرضية الصلبة.
,
, أدارت رأسها في اتجاهه صائحة بتوعد مهدد:
, -هتندم يا دياب
,
, شهقت جليلة مذهولة من تهور ابنها، ولطمت على صدرها غير مصدقة جموحه الثائر.
,
, بينما تجمدت بسمة هي الأخرى في مكانها غير مصدقة ما حدث توًا.
, هي رأت جانبًا أخرًا مخيفًا في شخصه، عندما يصل المرء إلى قمه غضبه.
, خرج الصغير يحيى من غرفة أروى على صوت والدته المرتفع، وهتف ببراءة:
, -مامي!
,
, التفت ديـــاب برأسه نحوه، وصـــاح فيه بغضب هادر:
, -يحيى! ارجع لورا
,
, صرخت ولاء قائلة بعد أن نهضت من سقطتها الموجعة:
, -ابني، يحيى!
,
, صدم الصغير من رؤية والدته بالخــارج في حالة غير طبيعية، وردد بخوف:
, -مامي!
,
, وقبل أن يتقدم خطوة نحوها، صفق ديــــاب الباب بعنف أكبر في وجهها ليغلقه.
,
, سمع صوت صياحها المنفعل يأتي من الخارج وهي تدق بعصبية على الباب:
, -ماشي يا دياب، هاتشوف!
,
, رد عليها بسباب وقح:
, -يالا يا ٦ نقطة يا بنت الـ٨ نقطة من هنا!
,
, شهقت جليلة معنفة إياه بحدة:
, -ديــــاب!
,
, انفجر الصغير يحيى باكيًا وهو يقول ببراءة:
, -أنا عاوز مامي!
,
, صرخ دياب فيه ليهدد بنبرة عدوانية :
, -خش جوا بدل ما أتجن عليك إنت التاني!
,
, استشعرت بسمة خطورة الموقف، فأسرعت بمحاوطة الصغير من كتفيه لتحميه من بطش أبيه في لحظة غضب أعمى، وبالطبع احتضنها يحيى من خصرها ليختبيء خلفها خوفًا من تلك الحالة العنيفة الظاهرة على والده.
, همس الصغير بإلحاح معتاد لسنه:
, -أنا عاوز مامي ماليش دعوة!
,
, رد عليه دياب بنبرة محتدة:
, -بردك هايجيبلي سيرتها!
,
, اغتاظت بسمة من أسلوبه العنيف معه، فكزت على أسنانها قائلة بحدة:
, -بالراحة، متزعقش للولد كده!
,
, تدخلت جليلة هي الأخرى في الموقف، وحاولت تهدئة ابنها، فهتفت برجاء:
, -اهدى يا دياب، مش كده يا بني!
,
, زفـــــر الأخير بهياج:
, -يووووه!
,
, نظرت له بسمة بحنق، ثم مالت على رأس الصغير لتقبله، وهمست له برقة:
, -ادخل الأوضة بتاعتك دلوقتي يا حبيبي، بابي مايقصدش
,
, عبس يحيى بوجهه مرددًا بحزن بائن:
, -أنا مخاصمه!
,
, وضعت هي يدها على وجهه لتمسح عليه بنعومة، ثم أسندت إصبعيها على طرف ذقنه مبررة بهدوء حذر:
, -معلش يا يحيى، هو متعصب شوية!
,
, نفخ ديـــاب مجددًا مستاءً من طريقتها الباردة، فهتف بسخط:
, -كمان هتعمل مصلحة اجتماعية وهتعلميني أتكلم مع ابني ازاي!
,
, رفعت بسمة رأسها في اتجاهه، وتمالكت نفسها كي لا تشتبك معه أمام الصغير، وانتظرت انصرافه لترد عليه بعتاب صارم:
, -لأ، بس لما تستقوى عليه وتشخط فيه وترعبه بالشكل ده لازم اتدخل وأمنعك !
,
, رمقها بنظرات مستخفة وهو يرد مستهزءً بها:
, -مش ناقص إلا انتي!
,
, توهجت نظراتها للغاية، وصاحت فيه بحدة وهي ترفع سبابتها أمام وجهه محذرة:
, -ما سمحلكش!
,
, أشــــار لها بعينيه قائلًا بازدراء صريح:
, -انتي تمامك الأبلة بتاعته وبس!
,
, فتحت فمها لترد لكن ألجم لسانها جملته الوقحة حينما هتف قائلًا:
, -يعني شغالة بالأجرة، فيا ريت تلزمي حدودك!
,
, هو أتى على كرامتها، ولم يعطِ أي أهمية لعزة نفسها وحقر متعمدًا من شأنها.
, رفعت أنفها للأعلى في إباء، وردت عليه بكبرياء ثابت:
, -انت صح، بس ملعون أبو الفلوس اللي تيجي بالذل!
,
, في تلك اللحظة تحديدًا أدرك أنه تسرع في قوله، وأنها ليست مجرد زلة لسان عابرة، بل إهانة قاسية للغاية.
, هو حقًا أساء التصرف معها.
, هرولت بسمة في اتجاه الباب مانعة نفسها بصعوبة من البكاء متحسرة على حالها.
, ولجت للخارج صافقة الباب خلفها بعنف لتتجه سريعًا نحو الدرج هابطة عليه وهي تشهق ببكاء مرير فقد اختنق صدرها، ولم تعد تحتمل.
,
, توقفت في الطابق السفلي لتلتقط أنفاسها اللاهثة حتى تمكتن من السيطرة على نوبة البكاء التي عصفت بها.
, حملت نفسها اللوم لقبولها من البداية بإعطاء درسٍ خصوصي لأبناء عائلة حرب، كان عليها أن ترفض مهما كانت الضغوط.
, كفكفت عبراتها بكفيها، ثم عاودت النزول على الدرج واضعة نظارتها على وجهها لتخفي خلفها عيناها الباكيتين.
, ٣٧ نقطة
,
, عنفت جليلة ابنها على وقاحته الفظة مع بسمة، فهتفت قائلة بحنق موبخة إياه على تصرفاته الطائشة:
, -دياب، ايه اللي عملته ده؟
,
, لم يجبها، بل وضع يده على رأسه ضاغطًا بقوة عليها.
, واصلت هي عتابها الشديد مرددة بلوم:
, -كده تحرجها بالشكل ده قصادي؟ يصح كده برضوه؟
,
, صاح بها بنفاذ صبر:
, -يوووه! أنا مش ناقص!
,
, تابعت تعنيفها مرددة:
, -بسمة مغلطتش عشان تكلمها بقلة ذوق!
,
, نظر لها بأعين حمراء وهو يرد بتشنج كبير:
, -سيبني في حالي دلوقتي!
,
, أكملت تكديرها له بتجهم:
, -ابقى قابلني لو عتبت هنا تاني! افرح دلوقتي يا ابن بطني!
,
, كانت محقة في الإشارة إلى ذلك الأمر، فهي حتمًا لن تعود إلى هنا بسببه.
, ألقى بثقل جسده على الأريكة دافنًا وجهه بين راحتيه بعد أن فركه عدة مرات بغل واحتقان. هو لم يكن في وعيه، وتخطى حدود المعقول بعصبيته المفرطة.
, تيقن أنه أخطــأ معها، وتصرف بفجاجة غير مبررة تجاهها، وهي التي كانت تحاول فقط السيطرة على تهوره إن تمادى وفقد أعصابه مع فلذة كبده.
, ٣٥ نقطة
,
, عادت خائبة الرجـــاء إلى منزل عمتها تجرجر أذيال الخيبة بعد أن فشلت في دخول دكانها.
, فضلت أن تعتزل الجميع وتبقى حبيسة الغرفة كي لا تحاصر بأسئلة عمتها الفضولية.
, أرادت أن تفكر بذهن صافي في وسيلة تمكنها من دخــول الدكان دون الاشتباك معه.
, جلست أسيف على طرف الفراش ملقية حقيبة يدها بإهمال إلى جوارها، ثم تنهدت بتعب.
, أرجعت ظهرها للخلف، وأسندت قبضتها على جانب صدغها مستعيدة حوارهما المحتد في وكالته.
, أغاظها رده لما فعلته معه دون مغالاة. هزت ساقها بعصبية، وحدثت نفسها بتبرم:
, -مش عارفة أعمل ايه معاك؟ انت طلعتلي بس منين؟
,
, انتبهت لصوت الدقات الخافتة على باب الغرفة، فاعتدلت في جلستها، وهتفت بتحشرج خفيف:
, -ايوه
,
, فتحت عواطف الباب وأطلت برأسها متساءلة باهتمام:
, -انتي جيتي يا بنتي؟
,
, ابتسمت أسيف قائلة بتهذيب يليق بها:
, -اه يا عمتي!
,
, عقدت عواطف ما بين حاجبيها متساءلة بعتاب لطيف:
, -طب ما عدتيش عليا في المطبخ ليه؟ أنا بالصدفة سمعت صوت الباب جيت أشقر عليكي!
,
, ضغطت أسيف على شفتيها قائلة بهدوء:
, -يعني.. محبتش أزعجك!
,
, ولجت عواطف لداخل الغرفة قائلة بتبرم:
, -ازعاج ايه بس!
,
, جلست هي على طرف الفراش، ثم مدت يدها ناحية كف ابنة أخيها، واحتضنته في راحتها.
, نظرت لها بحنو وهي تقول بنبرة نادمة:
, -ده انتي بنت المرحوم الغالي، آه لو الواحد يرجع بالزمن لورا، كان صلح حاجات كتير قبل فوات الآوان!
,
, لمعت عيناها ببريق متأثر هامسة:
, -الحمد****
,
, ضربت عواطف على فخذها برفق متساءلة بجدية:
, -ها عملتي ايه في الدكان؟
,
, عبست وجهها نوعًا ما، وزفرت قائلة بإحباط وهي تهز كتفيها نافية:
, -ولا حاجة!
,
, زاد فضولها وهي تتساءل بعدم فهم:
, -طب ليه، مش إنتي آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها أسيف قائلة بتهكم حانق:
, -ماهو سي منذر باشا مانعني من دخول الدكان!
,
, للحظة لم تستوعب هي الأمر، لكن ارتخت تعابيرها عن ابتسامة راضية وهي تبرر فعلته الجادة:
, -خير ما عمل!
,
, انزعجت أسيف من ردها، وهتفت محتجة وقد اكفهر وجهها:
, -انتي معاه؟
,
, أوضحت لها عواطف مقصدها بهدوء:
, -يا بنتي العيشة هنا في الحتة دي بالذات غير البلد عندكم، ومجد **** ياخده وينجينا من شره بني آدم أعوذو ب****! بلاوي الدنيا فيه!
,
, ردت عليها معترضة بصوت به مختنق:
, -طب وأنا ذنبي ايه في ده كله؟ أنا عاوزة أبني حياتي وأشوف مستقبلي!
,
, مسحت عواطف على وجنتها بنعومة لتمتص انفعالاتها قبل أن تتطور، ثم همست بود:
, -وماله يا بنتي! بس بالعقل
,
, اقتحمت نيرمين الغرفة عليهما بوجهها الساخط محدقة في أسيف بنظرات مشمئزة.
, صمتت الاثنتان عن الحديث، فأردفت هي قائلة بعبوسها الدائم:
, -أنا نازلة شوية يا ماما!
,
, التفتت عواطف ناحيتها متساءلة بضجر:
, -رايحة فين؟
,
, أجابتها نيرمين بامتعاض:
, -ورايا كام مشوار عاوزة أخلصه
,
, ثم وجهت أنظارها نحو أسيف لتحدجها بنظرات احتقارية متعمدة قبل أن تضيف بازدراء قاسي:
, -سلام
,
, تنهدت عواطف مستاءة من أسلوبها الفج مع ابنة خالها مرددة:
, -وعليكم السلام!
,
, تأملت وجـــه ابنة أخيها بحزن قليل، ثم تابعت قائلة بتبرير محاولة التماس العذر لها:
, -متزعليش منها، ادعيلها **** يهديها!
,
, لم تعقب عليها أسيف، واكتفت بإشاحة وجهها بعيدًا لتحدق في الفراغ بنظرات شــــاردة.
, ٤٣ نقطة
,
, التقت بها على الدرج في حالتها المحبطة تلك، فمررت أنظارها بتفحص على تعابير وجهها الملكوم.
, سألتها نيرمين باستغراب:
, -سحنتك مقلوبة كده ليه؟
,
, صاحت فيها بصوت مختنق:
, -ابعدي عني السعادي يا نيرمين، أنا مش طايقة حتى نفسي!
,
, ردت عليها أختها بسخط وهي تلكزها في كتفها:
, -****! ****! انتي هتزعقلي، طب اطلعي حطي بوزك في بوز أم النكد اللي فوق واندبوا حظكوا سوا!
,
, ثم اندفعت هابطة على الدرج لتحقق غرضها الذي سيقلب الأمور – حتمًا - في صالحها.
, ٤٠ نقطة
,
, كان والده مُصيبًا في رأيه.. هي استحوذت على تفكيره، وتسربت إلى أعماق خلاياه حتى تغلغلت فيها.
, تشكل على ثغره شبح ابتسامة باهتة لا يعرف مصدرها، لكن مؤكدًا هي ورائها.
, أسند جبينه على أصابع كف يده، وقام بحكه ببطء محاولًا إجبار عقله على عدم التفكير فيها.
, أعجبه أنها – رغم غبائها المزعج – تتحمل ما يمر عليها من ظروف قاسية.
, تسقط، ثم تعاود النهوض من جديد. لا تستسلم مُطلقًا حتى وإن كانت تعانده في الخطأ.
, تمتم مع نفسه بتنهيدة مطولة:
, -دايما تعباني يا بنت ريـــاض، ومش عارف أعمل معاكي ايه!
,
, ما أزعجه منها هو تفكيرها الضيق والمحدود. تحكم عليه من ظواهر الأمور ولا تتريث في إتهامه في شيء.
, تتناسى دومًا أنه يقف إلى جوارها في أصعب أزماتها، ولا يتركها تعاني أو حتى تتعرض للأذى ممن يتجرأ على فعل هذا.
,
, استمر في تفكيره المتعمق بها غير مبالٍ للوقت الذي مضى وهو على حالته تلك.
, للحظة تجمد في مقعده فبات كالصنم، وتصلبت تعابيره المرتخية كليًا.
, شخصت أنظاره، وارتفع حاجباه للأعلى في ذهــــول غير متوقع.
, هتف لنفسه بصدمة محاولًا استيعابها:
, -لأحسن أكون .. بـ٣ نقطة بأحبك !
, ٤٠ نقطة
,
, فــــرك عنقه بقبضته الغليظة وهو ينفث من فمـــه دخـــان الأرجيلة الموضوعة إلى جواره.
, حدق في أوجه المارة الذين يمرقون على الرصيف الملاصق للمقهى بنظرات حادة غير مكترث بهم.
, التفت قليلًا برأسه للجانب ناظرًا بطرف عينه وهو يهتف بصوته المتحشرج:
, -غير الفحمة ياض!
,
, رد عليه صبي المقهى بهتاف مرتفع:
, -حاضر يا معلم مجد! وعندك واحد حجر وصاية للمعلم أبو النجا كبير المنطقة وصلحــــه!
,
, لمحته من على بعد وهي تتحرك بخطى حذرة في اتجاه المقهى.
, التوى ثغرها بابتسامة خبيثة فقد أوشكت على فعل ما تريد.
, جمدت تعابير وجهها كي لا يظهر تلهفها، ثم أسرعت في مشيتها نحوه.
, وصلت إليه، فأخفضت يدها المتشبثة بحافظة نقودها، وهتفت بهدوء حذر:
, -أستاذ مجد، عاوزاك في كلمتين!
,
, حجب ظلها أشعة الشمس عنه، فاستدار ببطء نحوها.
, نفث الدخان بغزارة في وجهها وهو يرمقها بنظرات متفحصة لها.
, سألها بصوت ثقيل:
, -انتي مين وعاوزة ايه؟
,
, ردت عليه بجمود وهي تضع يدها على منتصف خاصرتها:
, -مش معقول ماتكونش عارفني؟
,
, هتف بتهكم:
, -محصليش الشرف!
,
, انتصبت في وقفتها قائلة بتفاخر ملحوظ:
, -عمومًا أنا بنت الحاجة عواطف خورشيد، أكيد عارفها!
,
, رد عليها بإهانة مسيئة:
, -أها، الولية الخرفانة دي!
,
, اغتاظت من سبابه لوالدتها، فهتف ملوحة في وجهه بصوت محتد:
, -ما تتكلم عدل عن أمي!
,
, طــــرق بعصبية خرطوم أرجيلته على الطاولة الخشبية الصغيرة صائحًا فيها بغلاظة شرسة:
, -جرى ايه يا ولية إنتي التانية، جاية لحد عني وهتلبخي، أنا لساني زفر وهأبح معاكي!
,
, ردت عليه بعصبية قليلة:
, -ما إنت اللي غلطت الأول
,
, نفخ بغيظ وهو يلتقط خرطوم الأرجيلة بكفه:
, -اللهم طولك يا روح، لخصي في أم يومك ده!
,
, ردت عليه على مضض وهي تضم كفيها معًا:
, -ماشي.. منذر حرب!
,
, وكأنها بلفظها لاسمه هذا قد أوقدت نيران غضبه المكتومة بداخله، فتشنجت تعابير وجهه للغاية، واشتعلت عيناه بوميض محتقن.
, أعـــاد ضرب الطاولة بخرطوم الإرجيلة بانفعال واضح وهو يردد بسخط لاذع:
, -يادي اليوم الـ ٧ نقطة اللي مش عاوز يعدي، جيبالي سيرة ابن الـ ٦ نقطة ده ليه!
,
, تأففت من كلماته النابية، وعبست بوجهها قائلة بحذر:
, -اسمعني للأخر، احنا مصلحتنا واحدة
,
, نظر لها شزرًا وهو يرد باشمئزاز ساخر منها:
, -مصلحتنا، هـــأو يا مصلحة، ومع مين ، مع الـ ٦ نقطة ده!
,
, عنفته على طريقته قائلة بصوت مزعوج:
, -أعوذو ب**** من لسانك ده! مشرط **** أكبر!
,
, رد عليها مجد بنفاذ صبر:
, -قلبتي نافوخي يا ولية انتي، وطيرتي الحجرين اللي بأظبط فيهم من الصبح!
,
, جلست على المقعد الشاغر المجاور له، وهتفت قائلة بخبث:
, -خلاص اصبر وهاقولك اللي عاوزاه!
,
, صــاح بها باقتضاب متجهم:
, -انجزي!
,
, توهجت حدقتيها بوميض شيطاني وهي تستأنف حديثها قائلة بتريث:
, -شوف يا سيدي، دلوقتي إنت مش بتطيق سي منذر صح؟
,
, أغضبه وصفها لغريمه اللدود بلقب الـ "سيد" ، فعنفها بقسوة:
, -سيدك هو مش أنا يا حُرمة!
,
, ابتلعت إهانته على مضض، وردت بنبرة مكفهرة متحاشية إغضابه:
, -ماشي.. ماشي، بس بلاش طولة لسان معايا، أنا هاجيلك في الكلام!
,
, صــاح بها بتأفف:
, -اخلصي يالا!
,
, أخفضت نبرتها لتبدأ في شرح خطتها الماكرة قائلة:
, -كل الحتة عارفة العداوة اللي بينكم، وفاهمين كويس إن عمركم ما هتبقوا حبايب، ولا هتتصافوا أبدًا، إنت عاوز تضره زي ما هو بيضرك، بس لو عاوز تعلم عليه صح، يبقى تاخد منه البت اللي هو حاطط عينه عليها ٤ علامة التعجب
, انتبهت حواسه لتلك الكلمة الأخيرة، وتحفزت الدماء بداخله على ذكر الموضوع، ثم ردد من بين شفتيه:
, -بت!
,
, ابتسمت هي لنجاحها في الحصول على اهتمامه، وتابعت قولها بهدوء مريب:
, -أهــا .. هي بنت خالي، بس تطيق العمى ولا تطيقه، وهو عمال يتمحك فيها، بس هي مش مدياله ريق خالص!
,
, ضاقت نظراته للغاية حتى باتت غير مريحة، ثم التفت نحوها متساءلًا بخبث:
, -مين دي ؟
,
, التوى ثغرها بابتسامة عابثة وهي تجيبه مشيرة بحاجبيها:
, -أسيف رياض خورشيد
,
, نفخ دخان الأرجيلة الذي استنشقه منها دفعة واحدة وهو يردد باهتمام:
, -خورشيد! الاسم مش غريب عليا، أنا فاكر إني قريته هنا!
,
, أزالت حيرته سريعًا بترديد:
, - يكونش قصدك على الدكان بتاعنا؟
,
, أومــأ برأسه إيجابًا وهو يقول بحماس:
, -أيوه، هو الدكان
, تنهدت بحرارة أمامه متعمدة استفزاز أحاسيسه المستشاطة من غريمه:
, -ماهي شريكة فيه مع حبيبك !
,
, تجهم وجهه وهو يردد بنبرة قاتمة:
, -حبيبي!
,
, أوضحت برقة مصطنعة:
, -قصدي سي منذر!
,
, حل الوجوم على قسماته بالكامل، وصمت لبرهة يفكر فيما قالته بتمعن شديد.
, فرك طرف ذقنه بيده متساءلًا بغموض:
, -وانتي هاتستفيدي ايه من الحكاية دي كلها
,
, أجابته بفتور وهي تهز كتفيها:
, -ولا حاجة، أنا بأعمل معروف لله!
,
, كركر ضاحكًا بصورة مستفزة وهو يضيف ساخطًا:
, -معروف، لأ ضحكتيني يا ولية!
,
, نهضت من على المقعد قائلة بعدم اكتراث:
, -عمومًا فكر براحتك في اللي قولته، ولو ملكش الغرض بناقص خالص، كأنك ماشوفتنيش، ولا سمعت حاجة!
,
, ثم تغنجت جسدها متابعة وهي تلوح بذراعها:
, -سلامو عليكو يا معلم مجد!
,
, سلط عليها أنظاره المظلمة حتى اختفت من أمامه. وضع فوهة الأرجيلة في فمه ليسحب منها نفسًا عميقًا أجج به حدة حنقه من عدوه.
, أرجع رأسه للخلف نافثًا سُحبًا من الدخان من صدره، ثم هتف لنفسه بإصرار مخيف:
, -وماله! هاشوف البت دي ٥ نقطة ٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٠
هي تخطت حاجز اللامعقول بمراحل جمـــة، كانت فرحتها تتجاوز عنان السماء، فالأمر بالنسبة لها لم يكلفها سوى بضعة كلمات منتقاة بعناية استخدمتها مع الخصم المناسب لتشعل من خلاله فتيل الحرب من جديد.
, نعم هي كانت كمن تحالف مع الشيطان من أجل أهوائه المريضة.
, تباهت بمآثرها من خلال تبخترها في مشيتها وكأنها ملكت الأرض ومن عليها.
, تنهدت بحرارة متفاخرة بما أنجزته اليوم.
, هي تشبه رأس الأفعى في تفكيرها الوضيع الذي خططته ببراعة شرسة، وفي تنفيذها له بدهاء ماكر لتضمن على عدوتها في لحظة مباغتة لطالما انتظرتها بتأنٍ شديد.
, ســـارت نيرمين مبتعدة عن المقهى الشعبي وهي تبتسم بتشفٍ بائن على محياها، لم ترغب حتى في إخفائه.
, فاليوم هي ظفرت بانتقامها القاسي منها، ووضعت في دربها من لن يتركها إلا في حالة واحدة. أن تصبح جثة هامدة.
,
, وضعت هاتفها على أذنها بعد أن اتصلت برقم والدتها، وانتظرت بترقب ردها عليه.
, هي أرادت ألا تثير الشبهات حولها، وأن تبدو كالحمل الوديع أمام عائلتها.
, أتاها صوتها من الطرف الأخر متساءلًا:
, -خير يا نيرمين في حاجة؟
,
, أجابتها بتلهف مصطنع:
, -بأقولك ايه يا ماما أنا عند ثابت بتاع القماش، ماتيجي بالمرة تشوفي اللي انتي عاوزاه!
,
, اعترضت أمها قليلًا مبررة:
, -بس أختك لسه جاية وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها نيرمين قائلة بإصرار:
, -يالا يا ماما، يعني دي غلطتي إني اتصلت وأعدة مستنياكو، خلاص بلاهـآآ٣ نقطة
,
, خافت عواطف من غضبها، فهتفت مستسلمة:
, -طيب.. طيب هانلبس ونجيلك على طول!
,
, التوى ثغرها بابتسامة شيطانية بعد تحقق مرادها وهي ترد:
, -ماشي، سلام!
,
, قررت أن تتجول بعدها بالأسواق لتضيع وقتها ريثما تأتي والدتها لمحل القماش مع عدوتها، فتفسد عليهما الأمر هناك.
, لقد عقدت العزم على ألا تترك أي فرصة تسنح لها لتنغيص حياة أسيف، مهما كلفها الأمر، المهم بالنسبة لها أن تجعلها تعاني وتقاسي حتى تستسلم وترحل عنها للأبد.
, ٣٨ نقطة
,
, ظل يفرك جلد عنقه ويجذبه تارة ويرخيه تارة أخــرى وهو يفكر مليًا فيما بخته تلك الأفعى من سم قاتل في أذنيه.
, نفث بتريث مهلك دخــــان الأرجيلة مشكلًا حول وجهه سُحبًا كثيفة.
, كل ما أراده هو إشعـــال غريمه وتكبيده الخسائر الفادحة قبل أن يطيح به نهائيًا..
, تجشــأ مجد بحشرجة جلية، ثم تمتم من بين شفتيه بعد أن حسم أمره:
, -وماله، احنا خسرانين ايه!
,
, هتف صائحًا بصوت مرتفع وخشن:
, -واد يا حودة، تعالى ياض!
,
, أتاه على عجالة أحد صبيانه التابعين له، وهز رأسه قائلًا:
, -أوامرك يا معلم مجد!
,
, أدار رأسه ببطء ناحيته، ثم هتف فيه بصلابة:
, -عاوزك تستقسى على السريع كده عن حاجة تخصني
,
, رد عليه ممتثلًا:
, -ماشي يا معلمي! عاوز تعرف ايه
,
, انتظر مجد لثوانٍ قبل أن يجيبه بغموض مريب:
, -دكـــــان خورشيد!
, ٣٨ نقطة
,
, أوصدت عليها باب المرحـــاض لتواصل بداخله بكائها المحتقن.
, تمنت لو ثأرت في لحظتها لكرامتها المهدورة على يده، كورت أصابعها معًا ضاربة بعنف على حافة الحوض وهي تمتم لنفسها بغيظ مكتوم:
, -ليك يوم يا دياب معايا، ليك يوم!
,
, تهدجت أنفاسها بسبب بكائها المختنق، ففتحت الصنبور على أخره لكي يغطي صوت خرير المـــاء المنهمر على صوت شهقاتها المغتاظة.
,
, ملأت كفيها بالمياه، وغسلت وجهها عدة مرات لتندمج عبراتها الساخنة مع القطرات الباردة.
,
, دقت عواطف الباب عليها هاتفة باستغراب:
, -مالك يا بسمة؟ في حاجة؟
,
, رد عليها بصوت مبحوح لكنه حــاد:
, -لأ مافيش!
,
, بررت عواطف سبب اندهاشها قائلة:
, -أصلك جيتي من برا دخلتي الحمام على طول، فقلقت عليكي وآآ٤ نقطة
,
, قاطعتها بسمة بصوتٍ متصلب:
, -ولا حاجة! بس بطني وجعاني شوية!
,
, هتفت أمها متساءلة باهتمام:
, -طيب أعملك ينسون ولا كراوية؟
,
, صاحت رافضة بإصرار:
, -مش عاوزة حاجة! دلوقتي هابقى كويسة
,
, ردت عليها عواطف بهدوء:
, -سلامتك يا حبيبتي، أنا خلصت الغدا، وهانزل أنت وبنت خالك تحت شوية عند ثابت بتاع القماش، تحبي أغرفلك قبل ما أنزل؟
,
, رفضت هاتفة:
, -مش عاوزة حاجة، أنا هادخل أنام!
,
, استسلمت لعنادها قائلة بتنهيدة مسموعة:
, -طيب يابنتي، اللي يريحك!
,
, استندت بسمة بكفيها على حافة الحوض، وحدقت بأعينها الدامعة في انعكاس صورتها بالمرآة، ثم همست لنفسها بنبرة مختنقة:
, -**** يحرق دمك زي ما حرقت دمي يا دياب!
, ٣٥ نقطة
,
, نفض تلك الفكرة المجنونة عن عقله، وهب واقفًا من مكانه مستنكرًا ما استنبطه عقله.
, اعتراف مثير ومركب في آن واحد..
, دفع مقعده بعصبية للخلف، وذرع المكان جيئة وذهابًا معنفًا نفسه على ما باح به لنفسه.
,
, ازدرد ريقه قائلًا بتوتر خافت:
, -لالالا، مش معقول! أنا .. طب ازاي؟ أكيد دي تخاريف!
,
, بدت تعابير وجهه مزعوجة للغاية، وتصرفاته مبالغًا فيها وهو يدور حول نفسه بالوكالة حائرًا.
,
, فرك وجهه بعصبية، وحك مؤخرة رأسه باضطراب أكبر.
, لم يشعر بمثل هذا التخبط من قبل، بل إنه لم يمر بتلك التجربة مع زوجته الراحلة.
, ربما اعتاد على وجودها معه كونها شريكة حياته، لكن الحب الحقيقي الصادق الذي يخفق له القلب لم ينبع منه نحوها.
, مجرد مودة ورحمة، وألفة بين زوجين حاصرتهما مشاكل الحياة والإنجاب لتقضي على تلك البذور الطيبة قبل أن تزدهر وتنبت.
,
, تعجب رجاله من حالته المريبة، وتساءلوا فيما بينهم عما يقلقه.
, همس أحدهم بحذر:
, -يكونش في مصيبة جديدة؟
,
, أجابه رفيقه بفتور:
, -مش عارف، بس طول ما ابن أبو النجا موجود، فمش تستبعد حاجة
,
, وافقه الأول الرأي مؤكدًا:
, -على رأيك، ده داهية من الدواهي السودا اللي ابتلينا بيها!
,
, حذرهما ثالث قائلًا بتهديد خفيف:
, -طب ركزوا في شغلكم أحسن بدل ما الريس منذر ياخد باله ونسمع كلمتين مالهومش لازمة!
, -ماشي!
, ٤٠ نقطة
,
, -احنا نازلين يا بسمة!
, هتفت عواطف بتلك العبارة وهي تتجه نحو باب المنزل وبصحبتها أسيف.
,
, ردت عليهما الأخيرة بصوت مرتفع من داخل المرحــاض:
, -طيب!
,
, تابعت عواطف مؤكدة بجدية:
, -مش هنتأخر، نامي انتي لحد ما نيجي يا حبيبتي
,
, أجابتها بسمة بضجر:
, -ماشي يا ماما، خلاص بقى
,
, استمعت هي لصوت غلق باب المنزل، فأكملت تجفيف شعرها المبتل بالمنشفة.
, تنهدت بتعب، ومالت برأسها للأمام لتتفحص تلك الانتفاخات البارزة أسفل جفنيها.
, عبست بوجهها منزعجة من شكلهم، ثم اعتدلت في وقفتها. وألقت بالمنشفة في السلة المخصصة للثياب المتسخة.
, فتحت الصنبور الأرضي، وملأت الدلو بالمياه الممزوجة بمساحيق التنظيف لكي تنظف به الأرضية الرخامية بعد استحمامها.
, خرجت من المرحاض مهرولة في اتجاه غرفة نيرمين على إثر صوت بكاء الرضيعة المرتفع، صُدمت لرؤيتها بالفراش، فقد ظنت أنها مع والدتها أو أسيف.
, شهقت مذعورة لتركها بمفردها، وكأن وجودها لا يعي أي شيء لمن بالمنزل.
, أسرعت ناحيتها تحملها هاتفة باستنكار:
, -و**** حرام اللي بتعملوه فيها، سايبين الملاك دي لواحدها كده؟ افرض جرالها حاجة!
,
, احتضنتها بسمة برفق، وأمطرت وجهها الضئيل بالقبلات الحنونة هامسة لها بصوت رقيق:
, -خسارتك في أمك، متزعليش يا حتة من قلبي! خالتك جمبك ومش هاتسيبك!
,
, اقتحم بالها ما حدث مع الصغير يحيى وتهور ديـــاب المخيف أمامه، فعبست تعابيرها سريعًا.
, ربما هي حادة الطباع، متعصبة، تثور لتوافه الأمور، لا تقبل بأن تكون في موقف ذل أو ضعف، جريئة، لا تخشى في الحق لومة لائم، تأخذ حقها أولًا بأول. لكنها لينة القلب فيما يخص الأطفال الصغار. على عكس أختها التي اكتسبت الكثير من طبائع وصفات جدتها "عزيزة" فأصبحت نسخة مستنسخة منها.
, ٣٧ نقطة
,
, جمده أنظاره على شرفة منزلها وهو يطل برأسه من نافذة سيارته الجانبية. ندم لسوء تصرفه معها، فقرر أن يُصلح ما أفسده دون تأجيل.
, ترجل دياب من السيارة صافقًا الباب خلفه، وجــاب ببصره المكان بنظرات سريعة وشمولية.
, أخـــذ نفسًا عميقًا حبسه في صدره لثانية ليضبط انفعالاته، ثم أطلقه دفعة واحدة ليتحرك في اتجاه مدخل البناية.
,
, صعد بتمهل على الدرج معيدًا في رأسه عدة عبارات سوف يرددها على مسامعها لتغفر له زلة لسانه.
, لكنه في كل مرة ينسى ما سيبدأ به.
, شعر أن الكلمات تفر من على طرف لسانه كالزئبق، فاستصعب الأمر كثيرًا.
,
, تفاجأ بوصوله إلى الطابق المتواجد به منزلها، فتلفت حوله مدهوشًا.
, همس لنفسه بتعجب ساخر:
, -طيرتي البرج اللي فاضل في نافوخي!
,
, شعر بجفاف شديد في حلقه وهو يمد يده ناحية الجرس ليقرعه.
, تنهد بعمق، ثم ضغط عليه مستمعًا لصوته، وانتظر على أحر من الجمر فتح الباب.
, ٣٥ نقطة
,
, ظنت أن أختها قد عادت من الخــارج، فأسندت الرضيعة الغافية برفق على الفراش محاوطة إياها بوسائد عدة لتضمن عدم سقوطها في حال تحركها.
, سارت بخطى متعجلة نحو الباب واضعة بعدم اهتمام حجابها حول رأسها تحسبًا إن كان الطارق غريبًا.
, سيطر الوجــــوم على تعابير وجهها، واحتدت نظراتها حينما رأته واقفًا على عتبة منزلها.
, زادت حدة نظراتها القاسية نحوه، ثم عبست بفمها متساءلة بصوت مغلول:
, -افندم؟
,
, كان يتوقع ردة فعل كتلك، فتهيأ لتحمل ما ستقذفه في وجه من عبارات لاذعة.
, ابتسم هاتفًا بود:
, -سلامو عليكم الأول
,
, ردت عليه باقتضاب متجهم:
, -وعليكم، خير؟
,
, عاتبها قائلًا بهدوء:
, -طب ردي السلام عدل، ده حتى السلام لله
,
, كتفت ساعديها أمام صدرها قائلة بتذمر ساخط:
, -جاي ليه هنا؟ افتكرت بؤين نسيت تقولهم هناك، فقولت تجي تكملهم عندي؟
,
, كانت محقة في حنقها منه وفي تعنيفها له بشدة.
, أسبل عيناه نحوها قائلًا بابتسامة صغيرة:
, -حقك عليا، أنا أسف!
,
, نظرت له شزرًا مرددة بعدم تصديق:
, -و****
,
, ابتلع ريقه متابعًا بندم واضح في نبرته:
, -أنا غلطت، وجاي لحد عندك أعتذرلك، أسف يا ست الأبلة، مسمحاني!
,
, شعرت بالاستخفاف في اعتذاره لها رغم تفاجئها به، لكنها لم تصدقه، فأرخت ساعديها، ثم نظرت له بتأفف قائلة بجفاء:
, -لأ!
,
, ثم استندت على حافة باب المنزل دافعة إياه للأمام لتغلقه في وجهه قائلة:
, -عن اذنك
,
, أســـرع بوضع يده على الباب مانعًا إياها من إغلاقه، ثم هتف مصدومًا:
, -ليه بس؟ طب اديني فرصة أفهمك!
,
, صاحت به بنبرة شبه منفعلة وهي تلوح بيدها أمام وجهه:
, -تفهمني ايه؟ ده أنا شوفت كل حاجة بعيني!
,
, ضغط على شفتيه قائلًا بندم:
, -معلش اعذريني، أنا و**** لما بأتعصب بأشوط في اللي قدامي!
,
, رفعت حاجبها للأعلى هاتفة باستنكار:
, -وملاقتش إلا أنا تشوطني؟
,
, ابتسم قائلًا بتوسل:
, -حقك عليا! أنا أسف، ها مسمحاني؟
,
, ردت بتبرم ساخط:
, -**** اللي بيسامح مش أنا٤ علامة التعجب
,
, فرك جبينه مستاءً من رفضها العفو عنه، فسألها بفضول:
, -طيب.. هاتيجي الدرس تاني؟
,
, أغاظها اعتقاده بأن إهانته لها كانت شيئًا عابرًا، وها قد مضى.
, زمت فمها قائلة بازدراء:
, -لأ، كان في وخلص!
,
, رد عليها مازحًا ومحاولًا امتصاص غضبها الظاهر على محياها:
, -بجد؟ يعني مافيش شوية متعانين على جمب كده عشان الغلبان اللي زيي؟
,
, استشاطت أكثر من طريقته المستخفة بالأمور، فوبخته صائحة:
, -انت جاي تهزر بقى!
,
, أجابها مبتسمًا ببلاهة:
, -لأ! أنا عاوزك تسامحيني!
,
, نظرت له بتأفف، ثم نفخت في وجهه قائلة:
, -يووه، عن اذنك مافيش حد هنا، ومايصحش واقفنا كده!
,
, رد دياب متفهمًا:
, -طيب.. عندك حق!
,
, ثم توسلها برجــاء واضح:
, -بس وحياة أغلى حاجة عندك تقبلي أسفي!
,
, زادت ابتسامته عبثًا وهو يضيف غامزًا لها:
, -ماشي يا أحلى أبلة؟ يا أم عينين ورامة، ومناخير حمرة!
,
, هتفت فيه بحدة مستنكرة تلميحاته المزعجة:
, -انت بتعاكسني بقى؟
,
, جمد تعابير وجهه للغاية هاتفًا بصرامة شديدة وهو يشير بيده:
, -أعوذو ب****! أنا بتاع معاكسات، وكلام من ده، استغفر **** يا رب، هذه ليست أخلاقنا يا أبلة بسمة! احنا لما نحب نعاكس بنقول في الوش على طول، أنا أعاكس، لالالا!
,
, جاهدت لتخفي ضحكتها التي تطفو على ثغرها بسبب طريقته الطريفة في الإنكار، فابتسم لها قائلًا بتسلية:
, -وربنا شكلك عاوزة تضحكي، صح؟
,
, عبست بصعوبة زائفة مرددة بقسوة:
, -لأ طبعًا!
,
, غمز لها قائلًا:
, -طب عليا النعمة انتي عاوزة تضحكي!
,
, أشاحت بوجهها للجانب لتتفادى النظر إليه، فهتف بخفوت ماكر:
, -طب إياكش يا رب ولاء تنفجر دلوقتي انتي عاوزة تضحكي!
,
, لم تستطع السيطرة على حركة شفتيها أكثر من هذا، فكركرت ضاحكة بمرح.
, تنفس الصعداء لإزالة ذلك التوتر بينهما، وهتف متساءلًا بإلحاح:
, -ها.. صافي يا لبن؟
,
, أجابته بغموض:
, -خلاص بقى!
,
, أصر قائلًا بإزعاج:
, -لا قوليلي وريحيني، ده أنا ممكن أجيبلك البقرة لحد هنا وآآ٣ نقطة
,
, قاطعته مرددة باستهزاء:
, -بايخة على فكرة يا أستاذ دياب!
,
, شهق لاطمًا على صدره بمرح:
, -أستاذ دياب حتة واحدة، مقبولة منك يا أبلة!
,
, تنحنحت بخفوت لتخفي تلك الابتسامة التي تسعى للظهور على محياها.
, سألها بتنهيدة متعبة:
, -ها قوليلي هاتيجي الدرس؟
,
, نظرت له بثبات وهي تجيبه بثقة:
, -في المشمش!
,
, صدم من ردها العجيب، وردد قائلًا:
, -نعم، مشمش! هو الدرس في سوق العبور؟
,
, نظرت له بغيظ، ثم دفعت الباب في وجهه قائلة باقتضاب:
, -عن اذنك!
,
, لم يتمكن تلك المرة من منعها من إغلاقه، فوقف في مكانه مذهولًا.
, وضع يده على جبينه يفركه مرددًا باستياء:
, -يخربيت دماغك! أنشف من حجر الصوان!
, ٣٦ نقطة
,
, استندت بظهرها على الباب مبتسمة لنفسها بغرور، هي لم تتوقع مجيئه إليها، ولا اعتذاره المُلح لتقبل به.
, رفعت حاجبها للأعلى قائلة بوعيد:
, -استنى عليا يا دياب، أنا هاعلم عليك!
,
, أسرعت في خطاها نحو المرحــاض لتحضر الدلو الممتليء بالمياه ومسحوق التنظيف.
, حملته بحذر وهي تسير في اتجاه غرفة نيرمين.
, اتجهت نحو الشرفة، ثم انحنت لترفعه عن الأرضية، وأسندته على حافتها.
, انتظرت بترقب شديد ولوج ديــــاب من مدخل البناية لتقذفه على رأســـه.
, ٢٧ نقطة
,
, نزل على الدرج مدندنًا بصافرة خفيضة عابثًا بخصلات شعره.
, رفع ياقة قميصه للأعلى، ثم خرج من البناية متلفتًا حوله بنظرات عادية.
,
, انتفض في مكانه فجـــأة مصدومًا بذهــــول كبير حينما انهمرت فوق جسده تلك المياه الغادرة.
, اغرورقت ثيابه بالكامل، وابتل ما معه من هاتف محمول، وميدالية المفاتيح.
, كانت يداه لزجتين بفعل الصابون، فنظر لأصابعه بأعين حمراوتين.
, نفض ذراعيه من المياه العالقة بهما، ثم هدر منفعلًا من تلك الفعلة الحمقاء والمتجاوزة هاتفًا بسباب لاذع:
, -يا ولاد الـ٥ نقطة مش تفتحوا عينكم! للدرجادي عُمي مش شايفين البني آدمين اللي ماشيين تحت!
,
, سمع صوتها المألوف يأتيه من الأعلى صائحًا:
, -تعيش وتاخد غيرها!
,
, رفع وجهه نحوها مسلطًا نظراته النارية نحوها. فرأها تضحك متباهية بما فعلته معه.
, استشاط وجهه، وبرزت عروقه، وضغط على شفتيه مانعًا نفسه من السباب مجددًا.
, لوحت له بأصابعها قائلة بتشفٍ كبير:
, -دلوقتي أقدر أقولك حليب يا اشطا!
,
, ضحكت مستفزة إياه وهي تلج إلى الداخل.
, لم يبعد نظراته عن الشرفة رغم اختفائها منها، وتمتم مع نفسه بتوعد مغتاظ:
, -ماشي، متعنالك لقدام يا أبلة!
,
, أخفض عيناه ليجد أحد المارة محدقًا به وهو يضحك على هيئته ، فنظر له شزرًا مرددًا بحنق بائن:
, -في حاجة!
,
, رفع الرجل يده قائلًا بحرج:
, -لأ مافيش!
,
, تحرك بعدها دياب نحو سيارته ليركبها متمتمًا بكلمات مبهمة لكنها توحي بغضبه التام.
, ٣٧ نقطة
,
, نظرت باحتقار لها وهي متأبطة في ذراع والدتها، فدفعتها عن عمد بقوة من كتفها لتحل محلها، وتمسك بذراعها.
, ابتلعت أسيف ريقها متحملة أسلوبها الفج في التعامل، وأخرجت تنهيدة مزعوجة من صدرها.
, تحركت للجانب الأخر لتسير إلى جوار عمتها متجنبة افتعال أي مشاجرات معها، وهمست لنفسها بتذمر:
, -**** يبعدها عني، أنا بأتخنق منها!
, عاتبت عواطف ابنتها قائلة بضجر:
, -مالهاش لازمة الحركة دي!
,
, مالت عليها نيرمين برأسها لتهمس لها بحقد واضح:
, -انتي أمي مش أمها!
,
, رمقتها عواطف بنظرات حادة موبخة إياها بغلظة:
, -وهي أكتر من بنتي! يا ريت تفهمي ده، وتعامليها كويس
,
, إشرأبت نيرمين بعنقها للجانب لتحدج أسيف بنظرات دونية مخيفة قبل أن ترد بغموض مربك:
, -وماله يا ماما! ده أنا هعاملها معاملة متتخيلهاش!
,
, استشعرت عواطف القلق من طريقتها، فتساءلت بتوجس:
, -قصدك ايه؟
,
, ردت عليه بابتسامة خبيثة وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنها لتحدق أمامها بنظرات مخيفة:
, -متخديش في بالك!
,
, صمتت للحظة قبل أن تتابع بجدية آمرة:
, -تعالي ناحية الرصيف أحسن بدل ماشيتنا في نص الشارع!
,
, تحركت معها والدتها، وكذلك أسيف، ناحية الرصيف عفويًا غير مدركتين لذلك الدنيء الجالس هناك على المقهى الشعبي.
, ٣٥ نقطة
,
, -ها وايه كمان؟
, تساءل مجد بتلك العبارة باهتمام أكبر بعد أن أبلغه صبيه حودة بما جمعه من معلومات سريعة حول ذلك الدكان العتيق المملوك لعائلة خورشيد.
, عرف باختصار من رجال منذر الذين تبادلوا الحديث السريع معه بتنازل عواطف عن حصتها وبيعها لمنذر، وشراء الأخير لها بثمن مرتفع من أجل فرض سطوته على الدكان وضمه إلى باقي المحال من أجل مشروع المطعم، لكن رفضت ابنة أخيها بيع نصيبها له، فتعطل مشروعه مؤقتًا.
, كما بلغه أيضًا منعه لها من دخوله.
, زاد فضوله لمعرفة سبب ذلك، لكن سريعًا ما تلاشى ذلك الغموض المريب حينما رأى ثلاثتهن تمرقن من أمامه.
, تسمرت نظراته على وجهها المألوف له تحديدًا.
, هو عرفها توًا، نعم إنها نفس الفتاة التي اصطدمت به من قبل ليلة خروجه من السجن، وتسببت لاحقًا في اندلاع المشاجرة حينما تحرش بها. تلك التي مُنعت عنه عنوة، وزج في الحبس بسببها.
, هتف الصبي حودة قائلًا بتلهف وهو يوميء بعينيه نحوهن:
, -دول أصحاب الدكان يا معلم، والبت اللي على الطرف تبقى شريكة ابن طه!
, تحفزت حواسه بالكامل بعد تلك الجملة الأخيرة، وانتصب في جلسته متأهبًا لها.
,
, رأت نيرمين – من على مسافة قريبة - على تعابيره المتصلبة ما طمأن شعورها بقرب نجاح خطتها الجهنمية.
, غمزت له بطرف عينها بحركة موحية لتشير إليها وهي تهتف عن عمد مؤكدة لشخصها المقصود:
, -يا رب بس يعجب ذوق القماش يا بنت خالي!
,
, استغربت أسيف من طريقتها الغير مريحة في نعتها بذلك اللقب، والتفتت ناحيتها لتنظر لها بانزعاج بائن.
, التوى ثغر الأخيرة بابتسامة شيطانية برزت من خلفها أنيابها الشرسة وهي تبادلها تلك النظرات الموحية بشر مستطر.
,
, مرت من جواره غير مدركة لوجوده المهلك قربها، لكن نظراته المخيفة اخترقتها كليًا لتعلن عن بدء تحدٍ من نوع أخـــر. تحدٍ مباح فيه كل شيء للظفر بذلك الصراع المميت.
, تحسس مجد صدره بحركة بطيئة، ثم تابعها بأنظاره القوية هاتفًا لنفسه بحماس مثير:
, -ده كده احلوت على الأخر ٣ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
٥١
قست نظراته حتى باتت أكثر غموضًا وريبة، تمعن في تفكيره الجهنمي الدنيء حتى وصل إلى مربط الفرس، إلى تلك الذريعة التي سيبدأ من عندها حياكة خطته وتنفيذها. فقدا هداه شيطان عقله إلى السبيل نحوها.
, الآن صــارت هي هدفه القادم، والوصــول إليها يعني إعطاء غريمه اللدود ضربة مميتة في مقتل.
, ألقى بخرطوم أرجيلته على الطاولة بعد أن فَرغ منها، ثم نهض واقفًا من مقعده قائلًا بصوت متحشرج:
, -حاسب على الطلبات يا حودة وحصلني على المطعم
,
, أجابه صبيه ممتثلًا:
, -تؤمر يا معلم مجد!
,
, ســــار بخطى واثقة فاركًا ذقنه وصدغيه بحركات ثابتة في اتجاه المطعم الخاص بعائلته ليتحدث مع والده في أمرها، فقد حسم أمره باقتحام حياتها بالإجبــــــــار ..
, ٣٩ نقطة
,
, وقفت محدقة بأعين شـــاردة في لافتة محل الأقمشة غير مُدركة لما يُحـــاك من وراء ظهرها من مكائد مهلكة.
, بدت حائرة إلى حد ما وهي تفكر فيما ستنتقيه من أقمشة ملائمة بالداخل، ولم تنتبه لتلك الأعين المتربصة بها بغل دفين.
, لم تحد عنها نظرات نيرمين الحانقة، كانت تتبعها في كل نفس يخرج منها، في كل حركة عشوائية تصدر عنها.
, تمنت لو أحرقتها حية كي تبرد نيرانها المتأججة نحوها.
, انتبهت كلتاهما إلى صوت عواطف الهاتف بجدية:
, -يالا يا بنات، تعالوا نتفرج جوا!
,
, عادت نيرمين إلى طبيعتها الشرسة في التعامل مع ابنة خالها، فاستطردت حديثها قائلة بسخط:
, -يا رب بس تعجب ست الهانم!
,
, التفتت أسيف نحوها لترمقها بنظرات مزعوجة من أسلوبها التهكمي نحوها، وأثرت الصمت من أجل عمتها فقط.
,
, ولجت ثلاثتهن إلى داخل محل الأقمشة، فنهض أحد العاملين من خلف إحدى الطاولات هاتفًا بترحيب:
, -يا أهلًا وسهلًا، شرفتونا! ازيك يا حاجة عواطف
,
, ردت عليه الأخيرة بود مألوف:
, -بخير يابني والحمدلله، أخبار الحاج ثابت ايه؟
,
, أجابها العامل بإيجاز وهو يبتسم لها:
, -تمام!
,
, أضافت قائلة بحماس وهي تضع يديها على كتفي ابنة أخيها:
, -**** يديه الصحة يا رب، بص بقى عاوزين حاجة حلوة كده تليق بالبنوتة القمر دي!
,
, اغتاظت نيرمين من احتواء أمها لها، فنظرت لها بسخط مغلول.
, أصرت أسيف على رأيها في انتقاء ما يناسبها من ألوان، فأردفت قائلة بهدوء رقيق:
, -معلش يا عمتي أنا عاوزة غوامق
,
, اعترض العامل قائلًا باستغراب محاولًا إقناعها بالعكس:
, -غوامق ليه بس؟ ده حتى الألوان الفاتحة هتليق عليكي، وآآ٤ نقطة
,
, قاطعته نيرمين هاتفة بتهكم مهين:
, -شوفلها أسود حاجة عندك، حاجة شبه نهارها كده اللي مش بيعدي!
,
, ارتفع حاجبي أسيف للأعلى مستنكرة ما تقوله عنها، وبدا العبوس ظاهرًا على ثغرها.
, استشاطت نظرات أمها من أسلوبها الفج، وعنفتها قائلة بضجر كبير:
, -نيرمين، في ايه؟
,
, ثم التفتت برأسها ناحية العامل قائلة بضيق:
, -معلش يا بني شوفلها اللي هي عاوزاه!
,
, هز رأسه بتفهم، ثم اعتلى المقعد ليسحب عددًا من الأقمشة الملفوفة بما يتلائم مع اختيارها.
,
, تجولت نيرمين في المحل محدجة كل شيء بنظرات احتقارية، ثم هتفت قائلة باشمئزاز بائن في نبرتها:
, -هو مال الأتواب بقى شكلها يقرف كده، مافيش زي حاجة زمان!
,
, رد عليها العامل بنبرة محتقنة:
, -ليه يا أستاذة؟ ده احنا جايبين في المحل هنا أحسن قماش وأغلاه!
,
, مدت يدها لتمسك بأحد الأطراف المفرودة على الطاولة، ونظرت لها شزرًا وهي ترد بعبوس جلي:
, -ماهو باين!
,
, ثم وضعت يدها على منتصف خاصرتها متابعة بتأفف:
, -ده معظمه شايط، وبيتملع من بعضه لما بيتغسل مرتين ولا تلاتة!
,
, نزل العامل عن المقعد واضعًا ما معه من أقمشة على الطاولة وهو يرد محتجًا:
, -أكيد مش قماشنا!
,
, بدت علامات النفور والضجر ظاهرة عليه كرد فعل طبيعي لطريقها المستفزة.
, حاولت أسيف امتصاص انفعاله الواضح قائلة بجمود:
, -ركز معايا حضرتك، أنا اللي هاشتري مش هي!
,
, التفت العامل ناحيتها قائلًا بتبرم:
, -تحت أمرك، في عندي النوعية دي، قماشتها سميكة وتستحمل وفي نفس الوقت مش بتشف.
,
, تغنجت نيرمين بجسدها قائلة بازدراء ساخط:
, -أذواق تموع النفس!
,
, ضـــاق العامل ذرعًا منها، فهتف برجاء أخير:
, -حاجة عواطف! خلي الأستاذة تخف علينا شوية، الواحد عنده مرارة واحدة، ومش ناقص يسمع كلمتين زي دول!
,
, شهقت نيرمين هاتفة بجموح وهي تشير بيدها بحركات موحية:
, -ليه يا خويا إن شاء ****، إن كان على المرارة فهي اتفقعت عندي من زمان!
,
, على قدر المستطاع جاهد العامل ليضبط نفسه قبل أن ينفجر في وجهها وتثور ثائرته. فرد عليها بنفاذ صبر وهو يزفر مغتاظًا:
, -اللهم طولك يا روح!
,
, صاحت به بصراخ حــــاد:
, -أتكلم عدل معايا، وماتنفخش في وشي!
,
, كان الأمر واضحًا للعيان، فهمت أسيف أخيرًا أنها تعمدت فعل ذلك لإحراجها أمام ذلك البائع حتى يرفض إتمام البيع وتُفسد عليها الأمر.
, لا تفسير منطقي لأفعالها سوى هذا.
, نهرتها عواطف قائلة بحرج كبير:
, -يا نيرمين مايصحش كده!
,
, نظرت الأخيرة للعامل بنظرات مهينة متعمدة إثارة عصبيته قائلة:
, -وهي دي طريقة يتكلم بيها مع زباينه، يكونش مفكر نفسه بتاع قماش بحق وحقيق، ده حي**** شوية رقع ومتجمعة مع بعض!
,
, ضرب العامل بقبضتيه على الطاولة هاتفًا بنبرة محتقنة:
, -طب ليه طولة اللسان دي وقلة الأدب؟ أنا أقدر آآ٤ نقطة
,
, قاطعته نيرمين مهددة بنبرة عدائية وهي تشير بيدها:
, -عندك! لو فكرت بس تغلط معايا هاقلع اللي في رجلي وأشبشبلك!
,
, لطمت عواطف على صدرها هاتفة بذهول:
, -يا لهوي عليكي، ليه الفضايح دي!
,
, ردت ببرود وكأنها لم تفتعل الأمر:
, -إنتي مش شايفة طريقته معانا، حاجة تفور الدم!
,
, ضرب العامل كفًا بالأخر قائلًا بحدة مغتاظة:
, -بأقولكم ايه شطبنا خلاص، مافيش حاجة للبيع، يالا اتفضلوا من هنا!
,
, اعتذرت له عواطف قائلة بخجل:
, -استهدى ب**** يا بني، حقك عليا أنا
,
, رد عليها بجفاء شرس وهو يرمقهن بنظرات متأففة:
, -لا حق ولا مستحق، اتفضلي يا حاجة عواطف من هنا، أنا لولا مقدر بس جيتك كان هيبقالي كلام تاني!
,
, أمسكت نيرمين بعباءتها جاذبة إياها للأمام وهي ترد بحركة ساخطة مستنكرة:
, -يامي يامي يامي، تف.. تف٣ نقطة تف! خوفنا يا ناس من تهديدك الأقرع ده! تقولش خارجين من الجنة ياخي !
,
, توهجت عيني أسيف بنظرات مشتعلة وهي تحدج ابنة عمتها بهما قبل أن تندفع للخــــارج ووجهها ككتلة ملتهبة من الحمرة الغاضبة.
, هي نجحت في إفســـاد الأمر عليها، وتعكير صفوها، وحرق دمائها بمهارة محترفة.
,
, هزت عواطف رأسها قائلة بإحباط مستاء:
, -بينا يا نيرمين من هنا، بوظتيها وارتاحتي!
,
, وقبل أن تلج نيرمين من المحل وجهت أنظارها نحو العامل قائلة بضجر مصطنع:
, -حسبي **** ونعم الوكيل!
,
, رد عليها بتهكم مزعوج للغاية والشرر يتطاير من عينيه:
, -زباين تقطع الخميرة من البيت!
,
, لكزت عواطف ابنتها بقوة في كتفها على عتبة المحل هامسة بغل:
, -هديتي دلوقتي، يا ريتنا ما خدناكي معانا يا شيخة!
,
, ردت عليها ابنتها بهدوء بارد:
, -**** يا ماما! ده هو اللي مش عاوز يبيع!
,
, حقًا كانت مستفزة لأبعد الحدود مما جعل والدتها عاجزة عن كبحها أو حتى الرد عليها بما تستحقه.
, لم يكن بيدها أي حيلة سوى اللحاق بابنة أخيها ليعدن جميعًا خاليات الوفـــاض للمنزل، فيما عدا نيرمين التي كانت عيناها تبرق بوميض مخيف.
, ارتسم على ثغرها تلك البسمة المنتصرة المستمتعة بنتائج ما كادته من مؤامرات مهلكة، ولم تمانع مُطلقًا في إظهارها أمام والدتها. فجولة أخرى قد ظفرت بها وتستحق أن تتلذذ بطعم انتصارها فيها.
, ٤٢ نقطة
,
, أغلق باب المنزل خلفه مشمئزًا من نفسه ومن ثيابه المبتلة.
, كان لزامًا عليه أن يعود ليبدلهم، فحالته مزرية.
, تحركت جليلة في اتجاهه لتنظر إليه بغرابة بعد عودته المفاجأة تلك.
, شهقت مصدومة حينما مررت أنظارها عليه، وهتفت متساءلة:
, -ايه اللي بهدلك كده؟
,
, ضغط دياب على شفتيه بقوة، ولم يعقب عليها. فيكفيه الحنق المشحون بداخله تجاهها.
,
, دنت أكثر منه لتتفقده عن كثب، فتساءلت متعجبة:
, -مياه وسخة دي؟
,
, نظر لها مغتاظًا وهو يرد بضيق:
, -لأ بأومو!
,
, سألته بفضول أكبر وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها:
, -بس مين عمل فيك كده؟ انت وقعت في بلاعة؟
,
, لوح دياب بذراعيه هاتفًا بنفاذ صبر:
, -ارحميني يامه من أسئلتك، أنا جايب جاز!
,
, ردت عليه مستاءة من أسلوبه الحاد:
, -يعني انت بتبقى فارد وشك برا، وتقلبه هنا؟
,
, رفع يداه للأعلى مستسلمًا وهو يضيف باقتضاب:
, -مش هارد عليكي، أنا داخل أغير هدومي أحسن!
,
, تحرك بخطوات متعجلة من أمامها، فلحقت به قائلة بجدية:
, -البيت محتاج يتبخر وأجيبله شيخ يرقيلي كل ركن فيه، إنتو محسدونين و****! ايوه، محسودين!
,
, تحولت نبرتها للضيق وهي تضيف:
, -كفاية العمل المهبب اللي لاقيته في فَرِشة أخوك!
,
, التفت برأسه ناحيتها لينظر لها باستنكار وهو يرد ساخرًا:
, -هاتي زار أحسن! ولا أقولك اتصلي بالشيخة خديجة المغربية!
,
, نظرت له ببلاهة، فعاتبه قائلًا :
, -ايه يامه جو الشعوذة اللي قلب في البيت فجأة!
,
, ردت عليه بجدية تعجبها:
, -انت مش فاهم حاجة، خليك في أمور التجارة بتاعتك، وسيبلي أنا الحاجات التانية!
,
, وضع يده على مقبض باب غرفته هاتفًا بعدم اكتراث:
, -أنا مش فايق أصلًا للتخاريف دي، ورايا حاجات أهم!
, ٣٢ نقطة
,
, هب واقفًا من على الأريكة المريحة بغرفة المكتب الملحقة بمطعمه غير مصدق ما تفوه به ابنه توًا.
, ظن أنه في غير وعيه لينطق بمثل تلك الحماقات الغير منطقية.
, نظر له بأعين حانقة هادرًا بنبرة مصدومة:
, -انت اتجننت؟ ايه اللي بتقوله ده!
,
, رد عليه ببرود واثق وهو يقضم أظافره المتسخة بأسنانه:
, -هو الجواز عيب يا أبا!
,
, بصق ما قطعه من أجزاء صغيرة متابعًا بجمود:
, -وبعدين أنا عاوز أكمل نص ديني!
,
, رد عليه أباه غير مقتنعٍ بتصريحه قائلًا:
, -لأ مش عيب، بس مش بالشكل ده!
,
, قست نظراته وهو يسأله بحدة قليلة:
, -اشمعنى يعني؟
,
, أشـــار مهدي بيده في الهواء بحركة متعجبة وهو يحاول تبرير اعتراضه:
, -مش عارف أقولك ايه، بس الحاجات دي ليها أصولها، وبعدين انت تعرف البت أصلًا؟ يعني حصل بينكم كلام عشان تفكر فيها ؟
,
, تمط بذراعيه مجيبًا إياه بفتور:
, -لأ.. مش أوي، بس هي طلبت معايا كده!
,
, رد عليه مهدي بامتعاض:
, -يبقى أكيد اتهبلت في مخك عشان تفكر كده!
,
, استشاطت نظراته وهو يرد بنبرة محتقنة:
, -جرى ايه يا أبا، أنا مش هـــفأ! وبعدين كلها مصالح في الأخر!
,
, ردد مهدي غير مدرك لمقصده الخفي:
, -مصالح؟!
,
, انتصب مجد في جلسته، وسلط أنظاره على والده ليجيبه بغموض مريب:
, -ايوه، مش انت يا أبا عاوز العداوة اللي بينا وبين عيلة حرب تخلص؟ ده بقى مش هايحصل إلا لما يبقى في نسب بينا!
,
, هتف مهدي مستنكرًا تفكيره:
, -وملاقتش إلا دي!
,
, أجابه بنبرة غير مريحة على الإطلاق وقد توهجت نظراته:
, -دي أنسب واحدة ليا!
,
, ابتلع مهدي ريقه مضيفًا بتوجس:
, -شكلك عاوز تغرس رجلينا في الوحل!
,
, انتفض مجد واقفًا من مكانه صائحًا بصوت آجش شبه منفعل:
, -قولي بقى انك خايف على زعل الـ٦ نقطة دول!
,
, وضع مهدي أصابع كفه على جبين ابنه ضاربًا إياه بقوة خفيفة وهو يرد على مضض:
, -انت مخك تخين، محدش هيرضى بالجنان اللي بتقوله ده
,
, تراجع برأسه للخلف قائلًا بشراسة مهددة:
, -أنا مخي يوزن بلد بحالها، والبت دي لازماني، ولو مش قابل بالجوازة دي من الأساس، وماله بس أنا حر بقى أتصرف معاهم زي ما أنا عاوز إن شاء **** أجيب عليها واطيها!
,
, استشعر والده الخطر من كلماته الموحية بالعدوانية، فنظر له بقلق، ثم تابع قائلًا بتردد:
,
, -مجد، انت ناسي أخر مرة حصل ايه؟ مش هانكرره تاني!
,
, أجابه باستخفاف متهكم:
, -دوكها كانت عيلة ماتسواش، كويس إنها غارت وماتت!
,
, ضاقت نظراته أكثر لتصبح مخيفة وهو يضيف بإصرا عنيد:
, -لكن دي لأ، وزي ما فهمتك المصالح بتحكم!
,
, كان محقًا في عبارته الأخيرة، فهو يريد أن تستمر الهدنة بين العائلتين، ولا حاجة به لتكرار تلك المشاهد الدموية من جديد. فتنهد قائلًا بيأس:
, -ايوه عــــارف!
,
, تقوس فم مجد للجانب متساءلًا بلؤم:
, -ها قولت ايه؟
,
, أجابه مستسلمًا:
, -أمري لله!
,
, التوى ثغره بابتسامة خبيثة بعد نجاحه في إقناعه، لكن هتف والده محذرًا بغلظة:
, -بس سبني أرتبلها الأول، مش عاوز آآآ٤ نقطة
,
, قاطعه مجد مرددًا بصرامة غير قابلة للنقاش أو التفاوض:
, -لأ يا حاج، إنت تقطع عرق وتسيح دمه! حلاوتها في حموتها!
,
, اعترض مهدي على تسرع ابنه معللًا:
, -يا بني الأمور مش بتاخد قفش، دي ترتيبات وعلى أصولها!
,
, صاح به بعدم اكتراث:
, -فكك من الكلام ده، وامشي ورايا يا أبا!
,
, رد عليه متوجسًا وهو يخرج تنهيدة مطولة من صدره:
, -**** يسترها، قلبي مش مرتاح !
, ٤٠ نقطة
,
, -كنتي فين كل ده؟
, تساءلت شادية بتلك العبارة وهي تلاحق بنظراتها ابنتها التي ولجت للداخل دون أن تنبس بكلمة.
,
, تبعتها إلى غرفتها مكررة تساؤلها المنزعج، فأجابتها الأخيرة على مضض:
, -مافيش
,
, وبما ستجيبها؟ هي تلقت إهانة أخرى من قِبَله، وأمام إحداهن لتشعر بحجمها الحقيقي أمامها.
, وخزة كبيرة عصفت بقلبها، وأنهكت مشاعرها المضطربة.
, وضعت شادية قبضتها على ذراع ابنتها، وحدقت في وجهها بنظرات قلقة مرددة بتوتر ملحوظ:
, -يا ولاء أنا خايفة عليكي، إنتي المفروض ترجعي عند جوزك وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها قائلة بشراسة حادة وهي تزيح يدها عنها:
, -ماتجبليش سيرة الكلب ده تاني، أنا خلاص قرفت منه ومن حياتي معاه!
,
, حذرتها أمها بجدية:
, -بلاش تركبي دماغك، هتخسري كل حاجة!
,
, شـــــردت ولاء مرة أخرى فيما حدث معها من مهانة مذلة على يد طليقها الأسبق، فلمعت عيناها متأثرة بشدة.
, أخرجت من صدرها زفيرًا قويًا وهي ترد بنبرة مستاءة:
, -معدتش تفرق!
,
, تفرست والدتها في وجهها، فرأت تلك اللمحات الحزينة التي تكسو تعابيره، فتوجست متساءلة:
, -شكلك مش مريحني، في ايه حصل؟
,
, اختنق صوتها وهي تجيبها باقتضاب:
, -أنا عاوزة أنام!
,
, ثم ألقت بثقل جسدها على الفراش دون أن تبدل ثيابها، ودفنت رأسها في الوسادة متحاشية النظر إلى والدتها.
, يكفيها ما لاقته اليوم لتزيد هي من تأجيج حنقها بداخلها بكلماتها الجامدة التي تهتم فقط بكل ما هو مادي وملموس.
, راقبتها أمها بقلق كبير.
, شعرت بوجود خطب ما بها، فأحوالها مؤخرًا ليست على ما يرام.
, تمتمت مع نفسها بهمس مزعوج:
, -يا خوفي يا ولاء تضيعي النعمة اللي في ايديكي بغباءك، وترجعي يا مولاي كما خلقتني!
, ٣٥ نقطة
,
, في مساء اليوم التالي،،،،
,
, رتب الحاج مهدي مع كبير عائلة حرب زيارة ودية في وكالتهم، واتفق الاثنان على أن يلتقي رجال العائلتين بعد **** العشـــاء.
, لم يجد منذر مبررًا منطقيًا لتلك الزيارة الغريبة، فقد استشعر وجود شيء ما مريب بها.
, وكعادته الجادة حينما يقابل حتى بأشرس أعدائه استقبلهم بترحــــاب ودود، وأشرف على ضيافتهم.
, تجرع مجد قهوته ببرود مستفز محدقًا في وجه خصمه بنظرات خالية من الحياة.
, لم يكن الأخير متقبلًا لوجوده بأي شكل، وجاهد ليبدو طبيعيًا رغم اضطراب انفعالاته بداخله.
, قطع ذلك الحديث الروتيني المرحب متساءلًا بتأفف:
, -خير، الزيارة دي بمناسبة ايه؟
,
, أجابه مجد بثبات مريب ونظراته مسلطة عليه:
, -كل خير طبعًا، وهو احنا في بينا غير الخير!
,
, رد عليه منذر بسخط:
, -إنت هاتقولي!
,
, أسند مهدي فنجان قهوته بالصينية مستطردًا حديثه بهدوء:
, -شوف يا حاج طه، من غير ما نلف وندور، احنا عاوزين نناسب بعض!
,
, قطب طه جبينه مرددًا باندهاش:
, -نناسب بعض؟
,
, بينما تساءل دياب بغرابة:
, -نسب ايه ده
,
, تابع مهدي موضحًا بنبرة رزينة:
, -ايوه، مش عاوزين النفوس تفضل شايلة من بعضها كتير، وأحسن حاجة تضمن ده هو الجواز!
,
, رد عليه طــــه بتعجب وهو يحك مقدمة رأسه بحيرة ظاهرة في نظراته:
, -بس على حد علمي معارفنا وقاريبنا أغلبهم رجالة، والحريم اللي فيهم متجوزين، إلا إن كنت بتكلم عن بنتي أروى!
,
, صـــــاح منذر محتجًا بغلاظة:
, -في ايه يا حاج؟ أروى عيلة ماطلعتش من البيضة جواز ايه ده اللي ليها؟!
,
, رد عليه مهدي مصححًا بابتسامة مصطنعة:
, -**** يباركلكم فيها، احنا مش بنتكلم عن دي!
,
, بينما أضــــاف مجد مرددًا بغموض مزعج:
, -أنا حاطط عيني علة واحدة تانية، هي معرفتكم بردك!
,
, هتف دياب قائلًا بعدم فهم:
, -معرفتنا!
,
, زاد إحساسه بوجود مقصد دنيء وراء عرضه هذا، فنظراته وكلماته الموحية تؤكد حدسه القلق.
, ضاقت نظراته، وحل الوجوم على محياه وهو يتساءل بامتعاض:
, -مين دي؟
,
, رد عليه تلك المرة مهدي ليسترعي انتباهه:
, -قريبة عواطف!
,
, التفت منذر ناحيته شاعرًا بانقباضة قوية في قلبه متوجسًا مما سيقال لاحقًا.
, انفرجت شفتاي طـــه متساءلًا بغرابة:
, -هـــــاه! مين بالظبط؟
,
, أدار مجد رأسه في اتجاه منذر، وجمد نظراته القاتمة عليه، ثم أجاب قائلًا بابتسامة ماكرة:
, -بنت أخوها ريـــــاض خورشيد.. أسيف!
,
, اتسعت مقلتي منذر بصدمــــــة واضحة، وقفز قلبه في قدميه لمجرد سماع ذلك الحقير يلفظ اسمها من بين شفتيه النجستين، فهدر صارخًا بانفعال كبير بعد أن فشل في التمسك ببقايا عقله:
, -نعم، بتقــــــــــــــــول ميــــــــــــــن ؟٦ علامة التعجب
,
, استرخى مجد في جلسته أكثر، وتعمد وضع ساقه فوق الأخرى ليزيد من استفزازه له، ورد ببرود قاسي متلذذًا برؤيته على تلك الحالة المشتعلة:
, -انت سمعتني كويس، أسيف خورشيد!
,
, توهجت عيناه كجمرتين متقدتين، وكان على وشك الانقضاض عليه، لكن شكل أخاه ديـــاب حائلًا بجسده ليمنعه من الاقتراب منه.
, صرخ فيه بجموح متعصب وهو يلوح بذراعه في الهواء مهددًا:
, -أكيد إنت اتجننت، ومخك لسع! مين دي اللي عاوز تتجوزها! إنت اتهبلت يا بن أبو النجا!
,
, أنزل مجد ساقه عن الأخرى قائلًا بتحذير شرس:
, -احفظ أدبك معايا، أنا لساني طويل وقلة الأدب مافيش أسهل منها، وآآ٤ نقطة
,
, توقع مهدي أن يحدث الصدام بين الطرفين كرد فعل طبيعي لعرض الزواج المريب. وبالطبع لن يُقبل به بسهولة خاصة في تلك الظروف، بالإضافة إلى التاريخ السيء لابنه فيما يخص ماضيه المشين من حوداث شرف مع الكثير من الفتيات، لذلك أسرع بتدارك الموقف قبل أن يتفاقم ويتحول إلى شجــــار مهلك، فقاطعهما قائلًا بصوت مرتفع:
, -اهدوا يا رجـــالة، هو احنا جايين نتخانق هنا، ده اتفاق جواز!
,
, هدر فيهما منذر بصرامة متعصبة تعكس جزءًا لا يُذكر مما في داخله:
, -معدناش حريم للجواز، ودي الناهية!
,
, هب مجد واقفًا لينظر له بقسوة غير مكترث برأيه، ثم أضـــاف مستخفًا به:
, -مش انت اللي تقرر!
,
, هدده منذر بسبابته صائحًا بجنون:
, -على جثتي لو حصل
, ابتسم مجد لنجاحه في إشعال بركانه الثائر، وشعر بالتسلية لمجرد رؤيته هكذا.
, انزعج طــــــه من تهور ابنه الغير مبرر، فصاح به بنبرة قوية وهو يضرب بعكازه الأرضية:
, -منـــــــــــــــذر، الكلام أخد وعطا!
,
, تجاهل مجد غريمه عن عمد ليزيد من نيرانه التي تآكله حيًا، وتابع قائلًا بجمود:
, -شوف يا حاج طه، إن كان عليا كان ممكن أروح أخبط على باب بيتها وأتقدملها من برا برا، الحكاية مش صعبة!
,
, ثم شدد من قوة نبرته ليقول:
, -بس أنا التزمت بالأصول وجيت أطلب ايدها من كبير عيلتكم الأول، فكده عداني العيب وأزح!
,
, هز طـــه رأسه متفهمًا وهو يشير لابنه بعينيه ليصمت:
, -تمام يا بني!
,
, أكمل مجد قائلًا بثقة مغترة وهو يوجه نظراته الشامتة إلى خصمه:
, -يعني اللي جاي بعد كده يخصني!
,
, صـــاح منذر بعصبية هادرة:
, -انت بتهاوده يا أبا
,
, رد عليه أباه بهدوء حذر:
, -بالراحة يا منذر!
,
, التوى ثغر مجد للجانب وهو يؤكد له بإصرار:
, -بالتراضي بالغصبانية الجوازة دي هتم !
,
, ثم دنا منه ليضيف غامزًا:
, -والمصلحة هنا وجبت! فاهمني طبعًا!
,
, جاهد دياب ليبقي أخيه في مكانه، شعر هو بدقات قلبه العنيفة التي تكاد تقتلعه من صدره بسبب ذلك الكائن الحقير.
, رد عليه منذر متحديًا إياه بجموح وهو يرمقه بتلك النظرات القاتلة:
, -مش هايحصل!
,
, نظر له مجد باستهزاء متعمدًا إصابته بنوبة قلبية بسبب بروده المتقن.
, التفت برأسه ناحية والده ليضيف محذرًا:
, -فدوروا البؤين دول في دماغكم كويس، وأحسبوها صح، لأن في الأخر الرأي رأي العروسة! مش رأي حد تاني! أظن كلامي واضح ومفهوم!
,
, كز منذر على أسنانه لاعنًا بكلمات نابية:
, -يا بن الـ٨ نقطة!
,
, رمقه دياب بنظرات متوجسة وهو يجاهد لامتصاص انفعاله قائلًا:
, -اهدى يا منذر، امسك أعصابك شوية!
,
, هتف من بين شفتيه بصعوبة:
, -مش قادر، هاين عليا أجيب أجله وأنا واقف!
,
, عـــــاود مجد التحديق في وجــــه غريمه بنظرات متشفية ذات مغزى، ثم ابتسم له قائلًا باستخفاف:
, -سلام يا٣ نقطة يا رجـــالة.. !
,
, ثم وضع يده على كتف والده مضيفًا بهدوء:
, -بينا يا أبا!
,
, رد عليه طـــه قائلًا بمجاملة:
, -ده انتو لسه ماشربتوش قهوتكم؟
,
, ظل مجد محدقًا في أعين خصمه المستشاط أمامه مستمتعًا باحتراقه رويدًا رويدًا بنيران الغضب، هو لم يرَ بعد جانبه المعتم. فالقـــادم أخطر مما مضى.
, هتف من بين شفتيه بابتسامة ماجنة قاصدًا الضغط على كل كلمة فيها:
, -قهوة ايه بقى، احنا هنبل الشربات قريب يا.. يا أبو نسب ٦ نقطة٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٢
احتدم الجــــدال وصار على أشده مع أفراد عائلته بمنزلهم. لم يتقبل ما عرضه ذلك الدنيء بسهولة، بل رفض حتى عقله تصديق أنه تجرأ بوقاحة متناهية لطلبها للزواج.
, تعجب طــــه من ثورته الغير مبررة قائلًا بحدة:
, -مش كده يا منذر، فكر بالعقل شوية!
,
, لوح بذراعه في الهواء صائحًا بتعصب كبير:
, -هو في عقل ينفع مع الـ٦ نقطة ده! احنا بنعمله قيمة وهو مايسواش حتى صرمة قديمة مرمية في خرابة!
,
, استطرد ديـــاب حديثه معلقًا باستغراب:
, -الغريبة بقى هو إزاي عرف عنها وهو مبقالوش كام يوم خارج من السجن؟
,
, أجابه طــه قائلًا بنبرة هادئة:
, -هو في حاجة في الحتة دي بتستخبى، كله على عينك يا تاجر!
,
, أتت جليلة على إثر صوت نقاشهم المرتفع متساءلة باهتمام:
, -ايه يا ولاد؟ مال صوتكوا عالي كده ليه؟ والعيال بالعافية لما نيمتهم!
,
, استدار منـــذر ناحية أبيه هاتفًا بصرامة متصلبة:
, -مش هايحصل إنه يتجوزها، حتى لو كانت فيها روحه
,
, رد عليه ديـــاب محاولًا تهدئة ثورته:
, -أكيد ليها حل!
,
, تساءلت جليلة بتعجب وهي محدقة في وجـــه ابنها بنظرات مزعوجة:
, -مالك يا منذر؟ في ايه يا ضنايا؟
,
, التوى ثغر طـــه للجانب مرددًا بامتعاض:
, -شوفي ابنك وحاولي تعقليه شوية يا جليلة!
,
, تجاهل منــــذر حديثهما هاتفًا بعناد أكبر وهو يفرك وجهه بحنق:
, -ماهو من الأخر كده مش هاسمح للحيوان ده إنه يتجوزها!
,
, زادت حيرتها من انفعالاته الهائجة، فتساءلت بتوتر:
, -مين يتجوز مين؟ ماتفهموني ؟
,
, أضـــاف دياب قائلًا بفضــول أكبر:
, -وانت ايه اللي مضايقك كده؟
,
, أراد طـــه أن يطرق الحديد وهو ساخن ليصل إلى مبتغاه، فتصرفات ابنه الثائرة – خاصة في هذا الموضوع – ليس لها إلا تفسيرًا واحدًا. لذلك هتف قائلًا بمكر محاولًا كشف أمره وسبر أغوار عقله:
, -قول إنك حاطط عينك عليها بدل اللف والدوران ده كله!
,
, تصلبت تعابير وجــــه منذر عقب تصريح والده الذي حاصره في خانة "اليَّك".
, تجمدت نظراته عليه، وعجز عند إيجاد الرد المناسب له، فاكتفى بالتحديق فيه بنظرات قوية تحمل الكثير وهو يضع كفيه على منتصف خصره.
, فهو رفض تصديق ما اعترف به لنفسه، وأنكره بشدة معللًا أنها مجرد أوهـــام وخرافات من تفكيره المجهد، فكيف له أن يؤكد هذا علنًا أمامهم؟
, استشعرت جليلة من حديث زوجها المتواري أن للمســألة علاقة مباشرة بابنها، وساورتها الشكوك حول طبيعة الموضوع.
, اضطربت دقات قلبها وهي تتساءل بعصبية خفيفة:
, -هو في ايه بالظبط؟ مين دي اللي بتكلموا عليها؟
,
, أجابها دياب بفتور:
, -قريبة عواطف
,
, لطمت على صدرها عفويًا هاتفة بشهقة مصدومة:
, -بتاعة الأعمــــال٥ علامة التعجب
,
, التفت منذر برأســـه ناحية والدته لينظر لها بحدة وهو يردد مذهولًا من جملتها الغامضة:
, -نعم٣ علامة التعجب
,
, عبس وجهها بشدة، وضاقت نظراتها متساءلة بتجهم مزعوج:
, -وهي مالها بينا؟
,
, أجابها ديـــاب بضجر وهو يزفر بملل:
, -الكلب مجد عاوز يتجوزها يامه!
,
, بينما أضـــاف طـــه مؤكدًا عن عمد وهو يوميء بعينيه نحو ابنه البكري:
, -بس ابنك معارض!
,
, صاحت صارخة بتشنج مشيرة بكفها:
, -ليه؟ ما يتجوزها، واحنا مالنا بيها٣ علامة التعجب
,
, برقت عيناه بوميض مظلم، لم يعد في مقدوره ضبط أعصابه الهائجة أكثر من هذا، فما أغــــاظه أكثر هو عدم اكتراث والدته بمصيره أسيف في حال تزويجها بذلك الهمجي ذو الطباع السيئة، وكأنها لا تعرف ماضيه المشين ولا فضائحه المعيبة.
, جاهد ليبدو هادئًا رغم انهياره الوشيك، فرفع كفه أمام وجهها قائلًا بتوسل محتد:
, -**** يكرمك يا أمي اسكتي دلوقتي!
,
, هبت واقفة من مكانها صائحة بنفاذ صبر:
, -لأ مش هاسكت!
,
, ثم اقتربت من ابنها، ووقفت قبالته ناظرة في عينيه بتفرس حانق.
, شكل الوجوم تعبيرًا أساسيًا على وجهها وهي تسأله بازدراء:
, -قولي محموء عشانها كده ليه؟ ما تتجوز ولا تشوف طريقها بعيد عننا، احنا إيش حشرنا فيها؟
,
, أجابها بصوت مختنق يحمل الانفعال:
, -لأنه جه طلبها مننا رسمي، فلازم نقول رأينا وندخل في الحكاية دي!
,
, أكد طـــه ما قاله ابنه بنبرة متريثة:
, -ابنك عنده حق يا جليلة، احنا دلوقتي في قلب الموضوع!
,
, التفتت برأسها قائلة بعدم اكتراث:
, -وافق يا حاج واخلص، طالما فيها المصلحة!
,
, استشاطت نظرات منذر حتى اصطبغ بياض مقلتيه بحمرة مخيفة. كز على أسنانه متساءلًا بتشنج كبير:
, -إنتي شايفة كده؟
,
, عاودت جليلة التحديق في وجه ابنها مرددة بإصرار:
, -اه، هي متفرقش معانا! وبعدين ده أريح للكل!
,
, كاد أن يخرج عن شعوره وينفجر بشراسة غير مكترث بتبعات ما سيحدث، لكنه أهلك أعصابه، وسيطر على غضبه المكتوم بداخله بتحجيمه عن الاندلاع في وجه الجميع متجهًا بخطوات مهرولة نحو باب المنزل.
, صدمت جليلة من ردة فعل ابنها، ورأت في نظراته ووجهه المحتقن بدمائه المغلولة ما أكد حدسها.
, حاولت اللحاق به متساءلة بتوجس:
, -منـــذر، رايح فين؟
,
, أجابها بنبرة هادرة دون أن يلتفت نحوها:
, -في داهيــــة!
,
, ثم صفق الباب خلفه بعنف شرس جاعلًا أركان المنزل تهتز بقوة.
, تهدل كتفي والدته باستياء كبير، وزادت شكوكها حول ما تخشى حدوثه.
, استدارت عائدة خائبة الرجاء وهي تمني نفسها أن يكذب احساسها.
,
, حك دياب مؤخرة رأســه متساءلًا بعدم فهم:
, -هو ماله بس؟
,
, ضربت جليلة على فخذيها قائلة بتوجس:
, -البت دي سحراله، وعملاله عمل ربطاه بيها!
,
, نظر له طـــه مستنكرًا تفكيرها القديم، وردد بغرابة:
, -ايه اللي بتقوليه ده يا جليلة؟
,
, أجابته بصوت محتد وهي عابسة الوجه:
, -بأقول اللي شايفاه بعيني يا حاج٣ علامة التعجب
,
, استند طــــه بكفيه على رأس عكازه، واتكأ بطرف ذقنه عليهما محدثًا نفسه بتفكير منطقي متأني:
, -احساسي صح! شكلك وقعت يا منذر ومحدش سمى عليك!
, ٣٦ نقطة
,
, هبط على الدرجــــات مختنقًا بصدره بعد مجادلته الحامية معهم.
, فبقائه تحت تلك الضغوطات لن يكون محمود العواقب بالمرة.
, ظل يضرب بقبضته المتكورة على الدرابزون بعنف طوال نزوله حتى تورمت من شدة الضربات المتتالية.
, أراد التنفيس عما يقتله.
, عاتب منذر نفسه لأنه افتقر إلى الشجاعة ليصرح حتى لنفسه أنه يشعر بشيء ما نحوها.
, همس لنفسه بقسوة لاذعة:
, -أنا جبان! جبان و٥ نقطة٣ علامة التعجب
, خجل من مجرد التفكير في الأمر، فبات يعاني من ويلات خوفه.
, سخونة مشتعلة انبعث من عينيه وهو يخرج من البناية متجهًا نحو سيارته.
,
, هتف أحد الجيران ملوحًا له بتحية عابرة:
, -مساء الخير يا أستاذ منذر!
,
, لم يجبه، بل لم يشعر من الأساس بوجوده.
, تعجب الرجل من حالته المريبة، ومع ذلك لم يجرؤ على سؤاله، فواصل طريقه مبتعدًا.
, ركب منذر السيارة هاربًا من ذلك الحصار المهلك له عل تفكيره يهديه إلى حل لتلك الكارثة.
, ٣٨ نقطة
,
, -و**** لو أخر بنت في الدنيا ما هيتجوزها!
, صرحت جليلة بتلك العبارة مؤكدة على رفضها التام وهي جالسة مع زوجها بغرفتها الخاصة.
, نظر لها طـــه بجمود وهو يردد يتساؤل متعجب:
, -انتي شايفة ابنك قال كده؟
,
, هتف بحدة واضحة في نبرتها:
, -من غير ما أشوف، وهو أنا مش أمه وحاسة بيه، ده ابني واللي يصيبه يصيبني!
,
, أخـــذ طه نفسًا عميقًا حبسه للحظة في صدره، ثم لفظه ببطء وهو يقول:
, -الحق يتقال البت ماتتعيبش يا جليلة!
,
, هتفت مستنكرة ردة فعله نحوها:
, -يا حاج دي ليها في الأعمال، وأنا بنفسي لاقيت واحد منهم في فرشته!
,
, قطب جبينه ناظرًا نحوها بثبات وهو يقول باستخفاف:
, -انتي بتصدقي في التخاريف دي! بلاش عَبط!
,
, ردت عليه بنرفزة:
, -اه بأصدق
,
, عبس وجهه من ردها الحاد، فنهرها قائلًا:
, -استغفري ربك، بلاش كده!
,
, أضافت قائلة بعناد كبير وهي تشير بيدها:
, -هو مش هايتجوز إلا اللي أنا اخترتهاله!
,
, أرجع رأسه للخلف مرددًا بتجهم:
, -قصدك على بنت عواطف!
,
, هزت رأسها بالإيجاب وهي تبرر تمسكها بها:
, -ايوه، نيرمين! كفاية إن بطنها ولادة، وبتخلف، ده غير إنها كمان شاطرة في البيت، وطيبة وعشرية، من الأخر كده هي اللي تستاهله!
,
, رد عليها زوجها مستنكرًا تفكيرها المحدود:
, -ابنك مش عيل ولا مراهق، ده راجل ملو هدومه، وهو حر يختار اللي عاوزاها، وكل اللي قولتيه ده مايدخلش عقل ابنك بنكلة!
,
, اغتاظت من رد زوجها، فهتفت بإصرار أشد:
, -لالالا، هو عقله مش فيه، مافيش إلا نيرمين هي اللي هاتصونه وتجيبله ابنه وآآآ٥ نقطة
,
, ضجر طه من حديثها الغير مجدي، فاقتضب في الحوار معها قائلًا بصرامة:
, -قفلي على السيرة دي خالص يا جليلة، وحطي في بالك إن منذر دماغه ناشفة، ولو عِنِد هايعمل اللي عاوزه، وعلى الدنيا السلام!
,
, أشارت هي بسبابتها مضيفة بحنق:
, -شوف يا حاج طه، حل الإشكالية دي كلها في ايدك إنت! وافق على الجوازة دي، وخلينا نخلص ونرتاح من الهم ده كله، وبعدها بقى نبقى نفوق لجوازته من نيرمين!
,
, ضرب كفه بالأخر المسنود على رأس عكازه هاتفًا بنفي:
, -مش هايحصل يا جليلة، وبكرة هافكرك، ده ابني وأنا فاهم دماغه بتفكر ازاي! وعصبيته دي مش بالساهل!
, ٤٠ نقطة
,
, هـــــداه تفكيره المشحون إليها، ربما عن طريقها يتمكن من إيصـــال رسالة ضمنية توضح مساؤي ذلك الحقير دون أن يظهر هو في الصورة. خاصة أنها تعانده بشكل كبير، وتفكر بتهور حينما يتعلق الأمر به.
, ولمس هذا الأمر فيها عدة مرات حينما اتخذت قرارات مصيرية عاجلة في أوقات حرجة أوقعتهما سويًا. فليضمن تفكيرها العقلاني وتريثها في تلك المسألة بالذات، لذا عليه أن يختار من يأتمنها في هذا الموضوع، وتصدق بلا شك تحذيرها الخطر.
, أوقف منذر السيارة على مقربة من الصيدلية المملوكة لها، ثم ترجل منها سائرًا نحوها بخطى متعجلة.
, كانت فاطمة على وشك إغلاق بابها حينما سمعت صوتًا يناديها من الخلف بجدية:
, -لحظة يا دكتورة!
,
, التفتت برأسها نحوه لتجده يقترب منها.
, ضاقت نظراتها وهي تسأله بتوجس:
, -خير يا أستاذ منذر؟ في حاجة؟ حد من العيلة تعبان أو آآ٥ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بغموض:
, -لأ، كلنا بخير، بس أنا عاوزك في كلمتين إن مكانش فيها مضايقة
,
, نظرت له متساءلة بتوجس:
, -اتفضل، أنا سمعاك!
,
, أومـــأ لها بعينيه قائلًا بجدية صلبة:
, -معلش نتكلم جوا الصيدلية!
,
, ضغطت على شفتيها هاتفة بهدوء:
, -اوكي، اتفضل!
,
, عاودت فتح باب الصيدلية من جديد، ثم ولجت أولًا للداخل، وتبعها هو.
, جلست خلف مكتبها مشبكة كفي يدها معًا حادقة فيه بنظرات متوترة وهي تسأله:
, -خير يا أستاذ منذر؟
,
, أجابها بكلمة واحدة موجزة أثارت ريبتها على الأخير:
, -أسيف!
,
, انفرجت شفتاها للأسفل مدهوشة من ذكره لاسم تلك الفتاة البسيطة، وبدت مهتمة بما يقوله.
, لاحظ منذر تبدل تعابير وجهها للقلق، وتوسم خيرًا أن تكون الشخص المناسب لتلك المهمة.
, استطرد حديثه قائلًا بهدوء حذر:
, -انتي طبعًا عارفها، البنت اللي كانت معايا، وجاتلك تقريبًا هنا قبل كده، اللي حذرتيها من الحيوان مجد! فكراها صح!
,
, أجابته بتوتر خفيف وهي تبتلع ريقها:
, -ايوه أعرفها، مالها؟
,
, ضغط منذر على شفتيه هاتفًا بصعوبة:
, -ابن الـ٧ نقطة عاوز يتجوزها!
,
, شهقت مذهولة من جملته الصــــادمة، وارتخى تشابك أصابع كفيها.
, استغرقها الأمر لحظات لتستوعب خطورة الموقف، ثم هتفت غير مصدقة:
, -ايه! مش معقول! اوعى تكون وافقت، ده .. ده انسان بشع بكل المقاييس!
,
, أجابها قائلًا بتجهم:
, -هي لسه متعرفش إنه طالبها للجواز!
,
, تراجعت فاطمة في جلستها للخلف، وأغمضت عيناها محبطة مما قد يصير لتلك الشابة الطيبة.
, تابع منذر حديثه قائلًا بنبرة شبه متعصبة:
, -ومتعرفش أصلًا حاجة عن عمايله القذرة، ولا بلاويه الـ ٦ نقطة!
,
, هزت رأسها بإيماءة متفهمة، ضاقت نظراته نحوها وهو يستأنف حديثه بجدية مفرطة:
, -أنا بقى عاوز منك خدمة لمصلحتها ده لو كان يهمك أمرها فعلًا!
,
, ردت عليه بلا تردد وهي تنتصب في جلستها:
, -أكيد يهمني!
,
, تحفزت حواسه بالكامل وهو يقول بصوت قوي متصلب:
, -شوفي يا دكتورة فاطمة، باختصار كده، لو أنا جيت أتكلم معاها هي مش هاتسمعني، وجايز متصدقنيش وتفتكرني بأفتري عليه، لكن إنتي لما تتكلمي معاها، يعني كلام ستات مع بعض هتاخد وتدي معاكي في الحوار!
, -أهـــا
,
, تابع مضيفًا بتريث عقلاني:
, -فأنا عاوزك تتكلمي معاها وتحكيلها بالعقل كده عنه، تفهميها عن ماضيه الوسخ، وتخليها تعرف هو مين بالظبط وعمل ايه، جايز تقتنع وتسمعلك!
,
, ردت عليه مؤكدة:
, -اطمن يا أستاذ منذر، أنا هاعمل اللي أقدر عليه، حرام نسيبها على عماها وهي ماتستهلش واحد زي ده!
,
, تقوس فمه بابتسامة باهتة بعد تأكيدها على رغبتها في تقديم العون والمساعدة.
, ارتياح قليل تسرب إلى خلاياه فجعل نفسه الثائرة تهدأ قليلًا.
, زفر قائلًا بجدية:
, -تمام، وانتي ماتشليش هم أي حاجة، مش هاخليه لا يتعرضلك ولا يقرب منك!
, -اوكي يا أستاذ منذر!
,
, أكد عليها بجدية صارمة:
, -بس ب**** عليكي حاولي تعملي ده بسرعة!
,
, أومـــأت برأسها مرددة:
, -حاضر، على طول و****!
,
, ابتسم قائلًا وهو ينهض من مقعده:
, -أنا متشكر ليكي تاني يا دكتورة، وجميلك ده مش هنساه أبدًا، وهاردهولك في أقرب وقت!
,
, وقفت هي الأخرى قائلة بابتسامة مجاملة:
, -على ايه بس يا أستاذ منذر، دي حاجة بسيطة!
,
, تنفس الصعداء لأنه تمكن من الوصـــول إلى الشخص المناسب لتلك المهمة الحساسة. وزادت إطمئنانه لاستجابتها السريعة لطلبه.
, شكرها مجددًا قبل أن يتركها وينصـــرف وهو يفكر مليًا في الخطوة التالية.. خطوة كان عليه أن يتخذها قبل وقت سابق ليحسم الأمور تمامًا، ويقلب كفة الموازين إلى صالحه.
, ٤٤ نقطة
,
, وقف على الناصية مراقبًا المدخل مراقبة حثيثة منتظرًا خروجها من البناية.
, ظل يدبر لتلك الحادثة لوقت طويل كي يضمن عدم إثارة الشكوك حوله.
, درس كل شيء بصورة جيدة، وأخفى الأمر عن زوجته كي لا تفضحه بحديثها المثرثر مع غيرها من النساء اللاتي يعرجن بجزارته يوميًا. فهي دومًا تتباهى بجرأتها، وما تفعله بغيرها إن تطاولن عليها.
, وتلك المرة عليه أن يتخذ حذره معها، فهناك قضايا قانونية ومحاضر رسمية بينهما.
, سأله الواقف إلى جواره بهمس جاد:
, -ها يا معلم؟ ظهرت؟
,
, رد عليه الجزار قائلًا بتأفف:
, -لأ لسه!
,
, زفر بحنق بائن في نبرته وهو يتابع بنظراته المشتعلة:
, -زي ما فهمتك، عاوزها تبان طبيعية، بس ماتقومش منها! تبقى مكسحة!
,
, رد عليه الرجل مؤكدًا بابتسامة خبيثة:
, -اطمن، الرجالة عارفين هايعملوا ايه!
,
, هتف الجزار فجأة بتلهف حينما لمحها تلج من المدخل:
, -طب اجهزوا، هي خرجت أهي!
,
, رد عليه الأخر بهدوء:
, -ماشي يا معلم!
,
, ثم أســـرع الرجل في خطاه ليركب خلف زميله الذي ينتظره على دراجته النارية متأهبين لسرقتها.
, وضع الرجل هاتفه على أذنه محدثًا أحد ما بغموض:
, -اجهزوا، البت طلعت!
,
, أتاه صوته قائلًا:
, -ماشي، وأنا مستني على الناحية التانية!
, ٣٨ نقطة
,
, ســــارت بتمهل وهي تراجع في تفكيرها ما ستفعله خلال يومها الدراسي بالمدرسة التي تعمل بها.
, كانت غير منتبهة لذلك الذي يتربص بها من على بعد.
, فهي إلى حد ما شاردة في ترتيب أفكارها.
, أوشكت على الانحراف في سيرها عند ذلك المنعطف حيث الأجواء هادئة هناك، في تلك الزاوية تحديدًا تحركت الدراجة البخارية ببطء خلفها حتى باتت المسافة قريبة للغاية.
, حانت لحظة الانقضاض عليها، فزاد قائد الدراجة من سرعتها
, شعرت بسمة بيد قوية تجذب حقيبتها من على كتفها ساحبة إياها ورائها فصرخت مذعورة:
, -آآآآه!
,
, أدركت أنها تتعرض للسرقة من قبل لصين يستقلان دراجة بخارية، فشهقت صـــارخة:
, -الحقوني، حرامي!
,
, تعلقت برباط حقيبتها رغمًا عنها، فاختل توازنها بسبب سرعة الدراجة الزائدة، وتعثرت قدماها.
, سحلت بسمة بالأرضية الإسفلتية لعدة أمتار حتى قُطع الرباط من قوة الجذب.
, أطلقت صراخات مستغيثة، لكن لم يستطع أحد مساعدتها خلال تلك الثواني الحرجة.
, ارتطم جسدها بقوة بحافة الرصيف، فتأوهت متألمة بشدة.
, جرحت رأسها بعنف من إثر الضربة، ونزفت الدماء فورًا منها.
, استندت بمرفقيها محاولة النهوض على ركبتيها قبل أن تعتدل في وقفتها.
, تأملت هيئتها المزرية، وثيابها التي تمزقت وتلطخت بالأتربة والمياه المتسخة.
, لم تأخذ حذرها من تلك السيارة المندفعة نحوها.
, حانت منها التفاتة برأسها نحو صوت مكابحها القوي، فشخصت أبصارها بهلع حقيقي.
, تجمدت قدمي بسمة في مكانها غير مصدقة أنها أطاحت بها عن عمد، فلم تعد قدماها تلامس الرصيف كما كانت، بل حلقت لمسافة بالهواء قبل أن يتهاوى جسدها، ويرتطم بعنف أشد به لتتمدد بعدها كليًا عليه فاقدة للوعي وغارقة في دمائها.
, هربت السيارة من المكان قبل أن يمسك أي شخص بقائدها ، أو حتى يتمكن أحدهم من التقاط أرقامها.
, وتجمع المــــارة سريعًا حولها صارخين بفزع، صاح أحدهم:
, -حد يطلب النجدة بسرعة
,
, وأضـــاف أخر بخوف وهو يجثو على ركبته أمام رأسها المصطبغ بالدماء النازفة بغزارة:
, -اسعاف يا ناس، البت هاتموت!
, ٣٦ نقطة
,
, أظلمت نظراته حتى باتت مخيفة للغاية وهي تنظر إلى ذلك المنزل بحقد دفين.
, لم ينسَ بعد إهانته هناك أمام رجـــال قريته، وقرر أن يرد الصـــاع صاعين لها.
, تحشرج صوته وهو يقطع الصمت السائد متساءلًا بجدية:
, -ده البيت يا حاج فتحي؟
,
, استدار ناحيته ليرمقه بنظرات غامضة وهو يجيبه بشراسة:
, -اه هو، عاوزه يبقى كوم تراب! ماتبقاش في حتة تنفع!
,
, حك الرجل ذقنه للحظات يفكر مليًا في طلبه، ثم رد عليه بخبث:
, -ماشي، بس نتفق الأول!
,
, أشـــار له فتحي بيده قائلًا بتحذير:
, -ماشي، بس نص الحساب دلوقتي، والنص التاني بعد التنفيذ، وخد بالك، مش عاوز لبش في الموضوع، الحكاية تبان قضاء وقدر مش بفعل فاعل!
,
, غمز له الرجل هاتفًا بثقة مؤكدة:
, -دي شغلتنا يا حاج فتحي! ماتشلش هم! ياما ولعنا في مزارع وبيوت!
,
, عاود مطالعة البيت بنظرات محتقنة وهو يضيف بحقد بائن:
, -عاوز أحرق قلبها، وأبرد ناري وهو كله قايد والنار بتاكله حتة حتة!
,
, زادت نظراته شراسة عندما أكمل بنبرة مغلولة:
, -عاوزها تعرف إنها خسرت كل حاجة هنا، أقطع رجلها من البلد للأبد، فمايبقاش ليها حجة تهوب ناحيتها تاني ٣ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٣
وكأن الشياطين قد أوكلت مهماتها الدنيئة لقرناءهم من الإنس، إلى أحقرهم وأكثرهم خسة ودناءة.
, أعطى الحاج فتحي مظروفًا مغلفًا للرجل الواقف إلى جواره قائلًا بصوته الخشن:
, -تخلص النهاردة بالكتير
,
, التوى ثغر الأخير بابتسامة عابثة وهو يرد مؤكدًا:
, -كله على **** يا حاج فتحي!
,
, حذره مضيفًا بلهجة شديدة:
, -وزي ما فهمتك تبان إنها طبيعي، مش عاوز الحكاية يبقى فيها سين وجيم!
,
, رد متهكمًا:
, -هي دي أول مرة، متشيلناش العيبة يا حاج!
, -ماشي، هانشوف
, قالها وهو يرمقه بنظرات أخيرة قبل أن ينصرف الاثنان ليشرعا في تنفيذ مخطط إحراق المنزل.
, ٤٢ نقطة
,
, تأخـــــر وصـــول سيارة الإسعـــاف إليها، فاضطرب أغلب المتواجدين حول جسدها الملطخ بالدمــاء.
, تبادلوا نظرات حائرة وهم يواصلون هتافهم المتوجس حول كيفية مساعدتها دون إلحاق الأذى بها.
, كانت عائدة من المخبز حاملة لما يكفيها ويكفي عائلتها من خبز طازج فرأت ذلك الحشد وتلك التذمرات المستنكرة. اقتربت أكثر منه لتعرف التفاصيل لكنها لم ترَ بوضــوح ما الذي يدور.
, إشرأبت الجارة خضرة بعنقها للأعلى محاولة الرؤية لكنها فشلت، فالجميع في حالة نفور وغضب مزعوج.
, مالت على أحدهم تسأله بفضول:
, -هو في ايه؟
,
, أجابها الرجل المسن بحزن:
, -عربية خبطت واحدة وهي بتعدي الشارع وهربت، واحنا طالبين الإسعاف من بدري بس محدش عبرنا!
,
, وافقته الرأي وهي ترد بتأفف:
, -هو في حد في البلد بيجي في ميعاده!
,
, انتابها الفضول لتعرف المزيد عنها، فتابعت قائلة بضيق زائف:
, -**** يصبر أهلها ويشفيها! محدش يعرف هي بنت مين؟
,
, أجابها الرجل المسن بهدوء وهو يشير بيده:
, -بيقولوا شغالة مدرسة!
,
, في تلك اللحظة تحرك أحدهم للجانب ليترك مساحة فارغة فتمكنت خضرة من رؤية وجهها، وعرفته توًا.
, ارتفع حاجباها للأعلى، واتسعت مقلتاها برعب كبير.
, شهقت خضرة مصدومة وهي تلطم على صدرها صائحة بفزع:
, -بسمــــــة!
, ٣٥ نقطة
,
, -إنت مش رايح معايا المطعم؟
, تساءل والده بتلك العبارة وهو يرمقه بنظرات متفحصة لهيئته المزرية.
, فقد قضى ليلته بالخــــارج –كعهدته – في أحد المواخير مستمتعًا بالمحرمات والموبقات.
, أجابه بصوته المتحشرج وهو يتحرك بتثاقل في اتجاه الرواق:
, -لأ! هاخش أنام ساعتين تلاتة كده!
,
, استنشق مهدي رائحة كريهة منفرة منبعثة من فمه أصابته بالتقزز، فسأله باستنكار:
, -انت شارب يا مجد؟
,
, أجابه بنبرة ثقيلة وهو يشير بيده:
, -هـــه مش أوي! دول جماعة أصحابي كانوا بيوجبوا معايا، أكسفهم يعني! ده حتى عيب عليا يا أبا!
,
, نظر له باشمئزاز هاتفًا بتأفف:
, -استغفر **** العظيم يا رب! أما أنزل بدل ما دمي يفور على الصبح كده
,
, رد عليه مجد باستخفاف:
, -يكون أحسن!
,
, ثم جرجر ساقيه نحو غرفته متابعًا:
, -حتى عشان أعرف أنام قبل ما أروح للعروسة أخر النهار!
,
, حدجه مهدي بنظرات ساخطة وهو يرد بعبوس:
, -ابقى قابلني لو رضيت بواحد زيك !
, ٣٧ نقطة
,
, نزع إحدى ضلفتي "الشباك" الخشبي ليجد عائقًا أخرًا أمامه.
, أخفض نظراته ليدقق النظر فيما حوله من أشياء عالقة بالأرض الزراعية.
, تقوس فمه بابتسامة خبيثة برزت من خلفها أسنانه السمراء من كثرة التدخين ليحدث نفسه:
, -مافيش حاجة هتقف في وشك، دي عملية مضمونة!
,
, انحنى للأمام ليلتقط ذلك الحجر القوي ذو النتوءات البارزة، ثم قذف به النافذة الزجاجية الموصدة ليتهشم على إثر الضربة العنيفة.
, وبحذر شديد أبعد البقايا الحادة، ثم استند بمرفقيه على حافة الشباك ليرفع جسده للأعلى.
, ولج إلى الداخل بحرفية معتادة، فهو معتاد على تلك النوعية من الاقتحامات الغير قانونية.
,
, وجد نفسه بالمطبخ، فعبث بمحتوياته، ونزع صمام الأمان عن أنابيب الغاز، ثم اتجه بعدها للمرحــاض ليعبث بتوصيلات الكهرباء الخاصة بالسخان.
, أفسد بعض الدوائر الكهربائية ليضمن حدوث خلل في التيار الكهربائي فيتسبب ذلك في إشعال الأجهزة وإحراق المنزل بما فيه.
, قام بتشغيل المسجل القديم أو ما يعرف بـ "الراديو" فسمع صوتًا يشبه إلى حد ما الزئير المتحشرج، فزادت ابتسامته اتساعًا.
, أطفأه على عجالة، وعدل من وضعيته ليسنده فوق البوتجاز.
, أعاد تشغيله مجددًا، فتكرر الصوت وبقوة.
, لقد احترقت دائرة المقاومة الكهربائية بداخله، وتسببت في إندلاع شرارة لهب صغيرة.
, رفع كفيه في إنبهار واضح منه إنجازه المتميز، ثم اتجه نحو النافذة.
, قفز نحو الخـــارج، وأسرع بإعادة ضلفة الشباك في مكانها ليفر هاربًا من المكان قبل أن تلتقطه أعين أي شخص.
, هو أنهى مهمته في أقل من ساعة زمنية، وحان الوقت ليأخذ ما تبقى من حسابه..
, بعد دقائق معدودة، تسبب انتشار الشرارات عبر السلك الموصل للمسجل في التفاعل مع الغـــاز المنبعث من الأسطوانة مما أدى إلى حدوث انفجــــــــار مدوي أطـــــاح بمحتويات المطبخ وقذفها في كل الاتجاهات محطمًا كل شيء.
, اندلعت النيران في باقي الغرف، وتحول المنزل إلى كتلة جائعة من النيران الحامية التي التهمت كل شيء بلا هوادة.
, ٣٦ نقطة
,
, لم تعرف كيف شقت طريقها ووصلت إلى المشفى عقب تلقيها ذلك الاتصــــال المشؤوم من جارتها خضرة تبلغها فيه بتعرض ابنتها لحـــادث سير مروع، وذهابها معها إلى أقرب مشفى بصحبة أحد المتبرعين بإيصالها إلى هناك.
, انهمرت العبرات الحارقة بلا توقف على وجنتيها، وأصبح فؤادها ملتاعًا لمجرد التفكير في أن مكروهًا أصاب فلذة كبدها.
, وضعت ما استطاعت أن تطاله يدها على جسدها، وركضت مهرولة إليها ولسانها لم يتوقف عن الدعاء لها. رافقتها ابنتها البكرية نيرمين، وكذلك أسيف، والقلق يعتري ثلاثتهن حول مصير بسمة المجهول.
,
, بأنفاس متهدجة وصدر مختنق بالعبرات تساءلت عواطف بتلهف وهي تقف أمام موظفة الاستقبال:
, -الجيران كلموني وقالولي إن بنتي بسمة هنا، في ..في عربية خبطتها وآآآ..
,
, لم تتفهم الموظفة بوضوح ما تريد قوله، فصوتها اختلط ببكائها وتعذر عليها تفسير أغلب ما تردده.
,
, لمحتها الجارة خضرة من على بعد، فهرولت ناحية هاتفة بنبرة تؤازرها:
, -قلبي عندك يا حبيبتي!
,
, التفتت عواطف ناحيتها، وصاحت بصوتها الباكي:
, -بنتي فين يا خضرة؟
,
, أجابتها الأخيرة بحزن كبير:
, -هي في الطوارئ دلوقتي! ادعيلها
,
, لم تستطع قدمي عواطف تحمل تلك الصدمة الموجعة، وهي تتخيل الأسوأ لابنتها. فترنح جسدها، وخـــارت قواها على الأخير.
, لحقتها أسيف قبل أن تسقط، وتحملت ثقل جسدها المنهار على صدرها، وجاهدت لتمسك بها هاتفة بتلهف مفزوع:
, -عمتي!
,
, استشاطت نيرمين من تصرفها العفوي، واندفعت نحو والدتها لتعاون في إسنادها هي الأخرى دافعة بكوعها ابنة خالها لتزيحها عن طريقها قائلة بنبرة محتقنة:
, -ماما! وسعي شوية خليني أشوف أمي!
,
, نظرت له أسيف شزرًا، وأصرت على عدم ترك عمتها.
, جرجرها ثلاثتهن إلى أقرب مقعد لإجلاسها عليه.
, صاحت أسيف بنبرة عالية محاولة لفت انتباه أحد الممرضين أو العاملين بالمشفى:
, -حد يلحقنا بسرعة!
,
, اقتربت منهن إحدى الممرضات متساءلة باهتمام:
, -حصلها ايه؟
,
, ردت عليها نيرمين بحدة وهي ترمقها بنظرات مزدرية:
, -شوفي مالها إنتي لسه هتسألي!
,
, همست عواطف بصوت ضعيف متألم وهي مغمضة لجفنيها:
, -آآآه، كان مستخبيلك ده فين يا حتة من قلبي، آآآه!
,
, مالت أسيف على عمتها، ثم مسحت عبراتها عن وجنتها قائلة بنبرة مطمئنة:
, -إن شاء **** هاتقوم بالسلامة، **** موجود وهو اللي عالم!
,
, ضاقت نظرات نيرمين أكثر، وأصبحت أكثر حنقًا وغضبًا، فبلا تردد مدت قبضة يدها نحو ذراع أسيف جاذبة إياها منه للخلف وهي تصيح بها بنبرتها المغلولة:
, -الخراب حل علينا من يوم ما جيتي عندنا يا وش الفقر! بومة سودة جبتي النحس معاكي!
,
, وضعت أسيف كفها على قبضتها لتنزعه عنها هاتفة بازدراء:
, -مش هارد عليكي دلوقتي!
,
, لكزتها نيرمين بعنف في صدرها وهي ترد بصوت متشنج:
, -وانتي ليكي عين تكلمي أصلًا!
,
, ورغم حالة اللا وعي المسيطرة عليها إلا أنها كانت شبة مدركة لذلك التلاحم بين الاثنتين، فهتفت بوهن:
, -بس انتو الاتنين! أنا مش ناقصة وجع قلب أكتر من كده! حرام عليكو حسوا بالغلابة اللي بين الحياة والموت!
,
, عاتبتهما الجارة خضرة قائلة:
, -مش وقته يا بنات، الكلام ده مايصحش هنا!
,
, ضربت عواطف بكفيها المتخاذلين على فخذها متابعة بنبرة متحسرة:
, -آه يا حبيبتي، كان مستخبيلك ده فين!
,
, رأت الجارة خضرة أحد الممرضين وهو يخرج من غرفة الطوارئ، فأسرعت نحوه متساءلة بتلهف خائف:
, -**** يكرمك يا ابني، ماتعرفش بنتنا بسمة عاملة ايه؟
,
, أجابها بجمود وهو يمرر أنظاره عليهن:
, -الدكتور لما يخلص هايطلع يعرفكم بحالتها
,
, مطت خضرة فمها قائلة بهمس راجي:
, -سترك يا رب!
,
, بينما رددت عواطف من بين شفتيها بتضرع صادق نابع من قلبها الملتاع:
, -احفظها يا كريم، ناجيها يا منجي، واحميها من أي سوء!
, ٣٢ نقطة
,
, جلس متفاخرًا على مقعده الخشبي أمام محل جزارته وهو يدندن مع تلك الأغاني الشعبية الصادحة بصوت مرتفع متشفيًا فيها.
, نفذ البلطجية الذين استأجرهم الخطة ببراعة، ووصل إلى مسامعه حالتها الحرجة فتهللت أساريره أكثر.
, تعجب أغلب القاطنين بالمنطقة مما يفعله، ولم يجدوا التبرير المنطقي لتصرفه الغريب. لكن كالعادة لم يكترث أحد لسؤاله.
,
, همس لنفسه وهو يبتسم ابتسامة انتصار:
, -هاين عليا أوزع شربات كمان بس مش قادر، هافضح نفسي!
,
, انحنى أحد العاملين لديه بجزعه للأسفل ليسند الأرجيلة على الأرضية متساءلًا بفضول:
, -هو احنا مشغلين أغاني ليه يا معلم؟ هو في عندنا فرح ولا مناسبة؟
,
, نظر له من طرف عينه، ثم دس فوهة الأرجيلة في فمه مجيبًا إياه بسخط:
, -فرحان ياض! زودلي الحجرين خليني أروق دماغي كمان وكمان!
,
, هز العامل رأسه قائلًا:
, -ماشي يا معلم، **** يبسطك!
,
, زفر عاليًا في الهواء ما استنشقه من دخــان وهو يردد بين جنبات نفسه:
, -أخيرًا ناري هدت شوية! عقبال ما أمشي في جنازتها كمان!
, ٣٨ نقطة
,
, هـــز أحد عمــال الوكالة رأسه متأسفًا حينما وصلت إليهم الأنباء بإصابة ابنة الحاجة عواطف مرددًا:
, -لا حول ولا قوة إلا ب****!
,
, سأله زميله قائلًا بجدية:
, -هو الحاج طه عرف؟
,
, حرك رأسه نافيًا وهو يرد:
, -لأ لسه، حتى محدش من ولاد الحاج جه الوكالة عشان نبلغهم!
,
, سأله الأخر بحيرة وهو يحك فروة رأسه:
, -طب نتصل بيه ونعرفه ولا نستنى شوية؟
,
, أجابه زميله بإصرار:
, -بيتهيألي لازم يعرف، دي قريبته بردك!
, -طيب
, ٣٣ نقطة
,
, ضبط من وضعية جلبابه الداكن معدلًا من ياقته ومغلقًا للزر الأخير بها.
, ثم نثر عطره على طرفي شاله الموضوع حول كتفيه متنحنحًا بصوته الخشن، وتحرك ليجلس على طرف الفراش ساحبًا حذائه من الأسفل ليرتديه في قدميه
, التفت برأسه للجانب حينما سمع صوت رنين هاتفه المحمول، فمد يده ناحية الكومود ليتلقطه.
, وضعه على أذنه قائلًا بصوت آجش:
, -سلامو عليكم!
,
, رد عليه أحد عماله بالوكالة هاتفًا بحذر:
, -وعليكم السلام يا حاج طه، أسفين يا حاج إن كنا صحيناك!
,
, أجابه قائلًا بهدوء:
, -أنا صاحي من بدري، خير في حاجة؟
,
, تردد العامل في إبلاغه بالحادث، لكنه اتصل لهذا الغرض، فتابع مضيفًا بتوجس:
, -احنا وصلنا خبر كده إن آآ.. إن الست بسمة بنت الحاجة عواطف عملت حادثة كبيرة واتنقلت المستشفى
,
, هب طـــه واقفًا من على طرف الفراش هاتفًا بصدمة كبيرة:
, -ايه٣ علامة التعجب يا ساتر يا رب، مشتشفا ايه دي؟
, ٤٠ نقطة
,
, لمحته وهو يلج من الغرفة وعلى وجهه علامات تجهم كبيرة، فاقتربت منه متساءلة بغرابة:
, -في ايه يا حاج؟
,
, لم يجبها بل تفقد ما بجيبي جلبابه من أموال، ثم أعاد وضعها وهو يتمتم بكلمات مبهمة.
, استشعرت القلق من تصرفاته، فتساءلت بفضول أكبر:
, -حد جراله حاجة؟ طيب واخد الفلوس دي كلها ليه؟
,
, في نفس التوقيت كان منذر قد انتهى من تجهيز نفسه للذهـــاب إلى الوكالة بصحبة والده، خرج من غرفته وهو يفرك عنقه بأصابعه.
, ألقى التحية على أخيه الذي كان يجفف وجهه بالمنشفة ومرتديًا فقط لفانلته الداخلية على بنطاله الجينز.
, همس له دياب مازحًا:
, -ناموسيتك كحلي!
,
, رد عليه منذر بصلابة:
, -أنا بردك ولا انت؟
, انتبه الاثنان إلى صوت والدتهما الصائح بحدة:
, -ما تطمني يا حاج؟ في ايه بالظبط؟
,
, بدا الاهتمام ظاهرًا على منذر وهو يدنو من والده لتتحفز حواسه كليًا حينما أجاب طه بضجر:
, -بنت عواطف في المشتشفا!
,
, وكأنه أصيب بشلل مفاجيء في مكانه، فتجمدت تعابير وجهه، وتصلبت قسماته.
, قفز قلبه في قدميه، وشخصت أبصاره هاتفًا بلا وعي:
, -أسيف! جرالها ايه؟
,
, رفع طه أنظاره في اتجاه ابنه، وصحح له قائلًا:
, -بأقولك بنتها، بسمـــة .. بسمة!
,
, صعق ديـــاب فور اختراق أذنيه لاسمها، شعر بانقباضة قوية تنتزع قلبه من مكانه. وارتخت يده الممسكة بالمنشفة ليستدير في اتجاه أبيه هاتفًا بنبرة مصدومة وقد توترت أنفاسه:
, -ميـــــــــــــن!
,
, عبس وجه جليلة وهي تتساءل باندهاش:
, -طب حصلها ايه يا حاج؟
,
, أجابها زوجها بوجوم:
, -مش عارف لسه، بس أنا نازل أروحلهم هناك!
,
, هربت الدماء من عروقه، لم يتخيل أن يصيبها مكروه وهي التي كانت تناطحه الرأس بالرأس.
, ابتلع ريقه الجاف في حلقه محاولًا السيطرة على أعصابه التي أوشكت على الانهيار.
, أضـــاف منذر قائلًا بجدية صارمة:
, -أنا جاي معاك يا حاج
,
, ردد ديــــاب بنبرة مذعورة ساحبًا قميصه من على المقعد:
, -وأنا كمان!
,
, ٤٠ نقطة
,
, مـــــر الوقت بطيئًا للغاية وهن يترقبن خروجها من غرفة الطوارئ.
, لم يتوقف لســان حالها عن الدعاء لها، هي قطعة منها، حتى وإن كانت مشاكسة معاندة متشبثة برأيها، لكنها أفنت عمرها في تربيتها.
, تشوشت الرؤية لديها، وانفطر قلبها من كثرة البكاء.
, ربتت على ظهرها أسيف بحنية وهي تهمس بصوت متأثر:
, -إن شاء **** هاتبقى كويسة، احساسي بيقول كده!
,
, ردت عليها نيرمين بسخط غير مقتنعة بتلك البراءة الزائفة:
, -بلاش شوية النحنحة دول هنا، احنا فينا اللي مكفينا!
,
, لم تعاتبها أسيف، بل اكتفت بالنظر لها باحتقار، هي لا تريد إزعاج عمتها بكثرة التشاجر معها دون داعٍ. كما أنها قد سئمت من تصرفاتها الغير لائقة أمام الغرباء، لذلك أثرت الصمت.
,
, أشاحت نيرمين بوجهها العابس للجانب، لكن سريعًا ما انفرجت شفتاها لتظهر ابتسامة باهتة على محياها، بل تشكلت علامات السعادة على وجهها بتناقض يتنافى مع حالة الحزن الطبيعية لشخص مثلها.
, هتفت بتلهف مريب وهي تعتدل في وقفتها المحنية:
, -سي منذر!
,
, عفويًا وجهت أسيف أنظارها للأمام حينما سمعت اسمه يُلفظ عاليًا لتراه مقبلًا عليها وبرفقته والده وأخيه.
, التقطت عيناه عينيها وكأنها أُمسكت بها بالجرم المنشود.
, تصلبت في جلستها، وأخفضت نظراتها متجنبة تحديقه الصريح بها.
, شعر منذر بالارتيـــاح لرؤيتها سالمة أمامه. ولم يستطع إبعاد عيناه عنها
, تسرب إليه إحساسًا عظيمًا بالغبطة والسكينة لمجرد وجوده بقربها على عكسها هي التي كانت تشعر بالتوتر والإرتباك.
, لا يعرف كيف نجحت هي في التسلل إلى خلايا عقله حتى سلبته منه، وباتت شاغله الأساسي والأكبر.
, تلفت ديــــاب حوله بنظرات زائغة محاولًا السيطرة على اضطرابه الشديد.
, مجرد التفكير في حالة بسمة أرهق قلبه وأضناه.
, استند بظهره على الحائط نائيًا بنفسه عمن حوله.
, دار في خلده أخـــر موقف بينهما، حينما كانت تكركر ضاحكة بعد قذفه بالمياه من شرفة منزلها.
, جاهد ليحافظ على تلك الصورة لها رغم كرهه لتصرفها الأحمق معه. لكنه لم يعد يكترث إلا لرؤيتها كمان كانت تضحك وتثور وتنفعل.
, تأثرت مقلتاه سريعًا ولمعت بعبرات خفيفة، وبصعوبة بالغة منع نفسه من البكاء.
,
, نهضت عواطف بتثاقل من مكانها هاتفة بصوت حزين باكي:
, -حاج طه!
,
, وقف الأخير قبالتها متساءلًا بجدية:
, -خير يا عواطف؟ ايه اللي حصل؟
,
, وضعت يدها على فمها كاتمة شهقاتها المقهورة وهي تجيبه:
, -مش عارفة و****، أنا جالي تليفون من جارتي تقولي بنتي مرمية هنا، مابقتش حاسة بنفسي ولا آآ٤ نقطة
,
, قطمت عبارتها توًا حينما فتح باب الطوارئ على مصرعيه لتخرج النقالة الطبية مدفوعة من قبل عدد من أفراد التمريض.
, صرخت مفزوعة وهي تركض ناحيتها:
, -بنتي، بسمـــة! ردي عليا يا ضنايا!
,
, هتفت الجارة خضرة بخفوت من بين شفتيها:
, -استرها يا رب!
,
, تسمر ديــــــاب في مكانه مذهولًا، لم يتصور أن تكون الإصابة بتلك الخطورة، اعتقد أنها كالمرة السابقة – حينما أصيبت بالتسمم - شيء بسيط يسهل علاجه، لكن خالف الأمر توقعاته بالكامل..
, وقعت عيناه أولًا على وجهها الملفوف بالشاش الطبي، فعجز عن التنفس. ثم تحرك بؤبؤيه نحو جسدها المغطى بالملاءة ليرى حجم الإصابة الحقيقي لينخلع على إثرها قلبه..
, هو شعر بتلك الوخزة العنيفة في صدره، تلك التي أصابته في مقتل وكأنه خسر شيئًا نفسيًا للتو. شحب لون بشرته الطبيعي، وبدا كالموتى للحظات غير قادر على النطق أو التنفس.
, كانت في وضعية حرجة للغاية، فلم يتحمل رؤيتها وأدمعت عيناه بتأثر كبير.
,
, أمسكت عواطف بكف ابنتها هاتفة بصوت مختنق:
, -بسمة ردي عليا!
,
, سارت نيرمين إلى جوار الناقلة هاتفة بحزن زائف:
, -حبيبتي يا بسمة كان مستخبيلك ده كله فين!
,
, ابتلعت أسيف غصة مريرة عالقة في حلقها، فالمشاهد الأليمة دومًا تتكرر أمامها.
, واستعادت في ذاكرتها ما مرت به مع رحيل أغلى الأحباء على قلبها.
, خانتها العبرات، وسقطت بلا انذار على وجنتيها، فمسحتهم بأطراف أناملها.
, تنهد طـــه قائلًا بنبرة مواسية:
, -**** يزيح عنها!
,
, هتف أحد الممرضين بضجر:
, -وسعوا شوية يا جماعة، مش كده!
,
, رفضت عواطف الابتعاد عنها قائلة بإصرار باكي:
, -مش هاسيب بنتي!
,
, رد عليها طه بجدية:
, -اهدي يا عواطف، وخليهم يشوفوا شغلهم!
,
, وافقته أسيف الرأي، وهتفت مؤيدة بهدوء رغم انتحاب صوتها:
, -هو بيتكلم صح يا عمتي، خليهم يودها على أوضتها، واحنا هنطلع نشوفها!
,
, اضطرت عواطف أن تتنحى - رغمًا عنها - للجانب لكي يمروا بها في طريق المصعد.
, احتضنتها أسيف بذراعيها مهونة عليها ما تعانيه من ألم.
, هي أكثر الأشخاص إحساسًا بمعاناتها القاسية.
, راقبها منذر بنظرات حثيثة. لم يدرك حقًا أنها محور اهتمامه الكامل إلا حينما أحس بذلك الشعور الغريب وهي تقف أمامه ليؤكد اعترافه الذي أنكره.
,
, احتدت نظرات نيرمين وهي تراه كيف يطالعها بذلك الاهتمام المقلق.
, أدركت أن نظراته نحوها قد تبدلت وصارت اكثر عمقًا عن ذي قبل.
, كزت على أسنانها مانعة نفسها من التصرف بحماقة، هي عليها أن تتريث رغم كل شيء كي لا تفسد خطتها بغباءها أو تهورها.
, يكفيها الآن وجود منذر معها في ذلك الظرف الخــاص. ولن تجعله يمر دون أن تستفيد منه لصالحها.
,
, همست أسيف لعمتها برجاء وهي تعاونها على التحرك:
, -تعالي اقعدي شوية!
,
, رفعت عواطف عينيها في وجهها قائلة ببكاء:
, -عاوزة أروح لبنتي!
,
, هزت أسيف رأسها بالإيجاب:
, -حاضر، هانروحلها!
,
, أضافت خضرة قائلة بنبرة مواسية:
, -شوية بس ونعرف حطوها في أنهو أوضة ونطلع عندها على طول!
,
, لمح منذر الطبيب وهو يخرج من غرفة الطوارئ، فاتجه إليه متساءلًا باهتمام:
, -هي مالها؟
,
, استدارت عواطف برأسها ناحيتهما، ونزعت ساعدها من يد ابنة أخيها لتتجه نحوهما.
, ضغط الطبيب على شفتيه مرددًا بحذر:
, -للأسف عندها ارتجاج في المخ، ده غير الكسور اللي في رجلها والكتف، وشوية كدمات وآآآ٤ نقطة
,
, شهقت عواطف صارخة وهي تلطم على صدرها:
, -بنتي!
,
, تابع الطبيب قائلًا بنبرة جادة:
, -على فكرة احنا عملنا كل اللي نقدر عليه، مش مقصرين معاها! لكن من البداية هي جت وحالتها صعبة!
,
, ردت خضرة قائلة بإنكار:
, -ده على أساس إن الإسعاف جه خدها على طول! يا حبة عيني ده لولا الجدعان اللي في الحتة شالوها وجابوها كان آآ٣ نقطة
,
, صمتت للحظة لتمصمص شفتيها قبل أن تتابع بسخط:
, -كان زمانها لسه مرمية على الرصيف لا حول لها ولا قوة!
,
, أفــــاق دياب من صدمته المؤقتة على ذلك الحديث الدائر، فاتجهت أنظاره المشتعلتين نحو الطبيب.
,
, رد عليها الأخير مدافعًا عن نفسه:
, -و**** مش ذنبي، أنا قومت بدوري! وبعدين من الواضح إن اللي خبطها كان قاصد!
,
, احتقنت عيناي دياب بشدة عقب جملته الغامضة تلك..
, في أغلب الأحوال يبذل قائد السيارة قصارى جهده لتفادي الاصطدام، وقلة فقط هم من يتعمدون إلحاق الأذى بالسائرين على أقدامهم.
, نفض تلك الفكرة الغير منطقية عن عقله هاتفًا بصوت شبه منفعل:
, -سيبك من الهري ده كله، وقولي هي هاتفوق امتى؟
,
, نظر الطبيب نحوه بجمود، وأجابه بنبرة هادئة معتادة على التعامل مع عصبية أهالي المرضى:
, -مقدرش أديك معاد محدد! بس في النهاية ده يعتمد على فوقتها من الغيبوبة!
,
, اتسعت حدقتيه في خوف بعد تصريحه الصادم، هي لن تستعيد وعيها الآن..
,
, لطمت عواطف على صدرها عدة مرات هاتفة بحسرة:
, -غيبوبة، يا نصيبتي، يا لهوي! بنتي راحت خلاص!
,
, مرر الطبيب أنظاره على الواقفين أمامه قائلًا بجمود:
, -ادعولها، عن اذنكم، ورايا مرضى تانيين محتاجين متابعة!
,
, حركت عواطف جسدها صارخة بنواح كبير:
, -آه يا بنتي، كبدي عليكي يا حبيبتي، يا حسرة شبابك
,
, أشفقت أسيف على عمتها، ووقفت خلفها محاوطة إياها من كتفيها راغبة في احتواءها قبل أن تنهار منها تمامًا.
,
, هتف دياب بإصرار عنيد وهو يشير بسبابته:
, -احنا هننقلها لأحسن مستشفى في البلد، مش هانسيبها كده! اطمني يا خالتي!
,
, أخذت عواطف تبكي بحرقة على ما آلم بابنتها. وتعاونت الجارة خضرة في سحبها لأقرب مقعد لتجلس عليه.
,
, دنت نيرمين من منذر متعمدة اصطناع البكاء أمامه.
, تنهدت بصوت مسموع وهي تقول:
, -احنا مالناش غيركم يا سي منذر، ماتسبوناش واحنا في الظروف دي!
,
, نظر لها بتعاطف قليل مقدرًا الوضع الحرج الذي تعاني منه أختها.
, استغلت الفرصة ووضعت يدها على ذراعه متابعة بتوسل باكي وهي محدقة مباشرة في عينيه:
, -احنا لوحدنا، ولايا من غير راجل! وإنت.. وإنت راجلنا دلوقتي يا سي منذر!
,
, استشعر الحرج من طريقتها الجريئة تلك. فأبعد ذراعه بحذر للخلف قائلًا بصوت شبه متحشرج:
, -اطمني، كلنا جمبكم!
,
, ثم تعمد تغليظ نبرته ليوصل لها رسالة صريحة:
, -ده إنتو زي أخواتي، ولا نسيتي!
,
, استشاطت عيناها الدامعتين من جملته تلك، وشعرت بجفاف عبراتها.
, وقبل أن تفتح فمها لتضيف كلمة أخرى، أولاها ظهره، وســـار مبتعدًا ليقف إلى جوار أبيه.
, ضغطت على شفتيها محدثة نفسها بتوعد:
, -مش هانفضل أخوات كتير! هايجي يوم وهانكون فيه لبعض ٣ نقطة ٤ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٤
شُكل طوقًا أمنيًا في المنطقة الشعبية، ووقف الضابط المسئول في المنتصف واضعًا كفيه على منتصف خصره متفقدًا مسرح الجريمة بنظرات مختلفة عن الجميع.
, رفع بصره للأعلى فاحصًا واجهات المحال التجارية المختلفة خاصة تلك التي تضع كاميرات خاصة بالمراقبة، دار برأسه شيء ما، ولكن عليه القيام به بصورة قانونية ليضمن سلامة التحريات.
, قام أخرون بالاستماع إلى أقوال شهود العيان وتدوينها في محاضر رسمية.
, واتفق الأغلب على أن الحادث مدبر، ولم يكن صدفة. فالسيارة كانت متربصة بالضحية قاصدة الاصطدام بها.
,
, وبالطبع لم تتوقف التوصيات من المعارف وذوي القرابة بعائلة حرب من رجــال الشرطة للضباط المسئولين على ضرورة متابعة الحادث باهتمام أكبر وكذلك بمعرفة الجاني لوجود رابط وثيق يربط تلك العائلة بالضحية.
, ٣١ نقطة
,
, اضطر الجزار أن يخفض صوت الموسيقى الصاخب كي لا يثير الشبهات حوله بعد انتشــــار رجال الأمن بالمنطقة، وولج إلى الداخل مدعيًا انشغاله بمتابعة أعمال الجزارة.
, توتر نوعًا ما وهو يحدث نفسه بخوف:
, -هو ايه اللي دخل البوليس في الليلة دي؟ ماهي حادثة زي أي حادثة!
, أفاق من شروده المشحون على صوت العامل الصادح بتساؤل حائر:
, -ها يا معلم قولت ايه؟
,
, رد عليه بتذمر عابس:
, -في ايه مالك خاوت دماغي كده ليه؟
,
, أجابه باستغراب قليل:
, -بأقولك يا معلم الزبونة مش عاوزة الحتة آآ٣ نقطة
,
, صاح به الجزار مقاطعًا بغلظة وهو يلوح بذراعه أمام وجهه:
, -اتصرف معاها، أنا مش فايقلك دلوقتي
,
, حك مؤخرة عنقه بضيق وهو يرد:
, -ماشي يا معلم.. اللي تشوفه!
,
, ضرب الجزار بكفيه على سطح مكتبه متابعًا حديث نفسه المتوجس:
, -على **** يكون البهايم دول اتصرفوا صح بدل ما يلطوني معاهم
, ٣٦ نقطة
,
, أصـــــر على نقلها إلى مشفى أخـــر خاص – ذو إمكانيات طبية عالية – ليضمن توفير الرعاية المتكاملة لها بعد أن تحسر في نفسه على وضعها الحرج.
, ربما أدرك دياب متأخرًا أهميتها الغالية عنده، وفقدانها لسوء الرعاية الصحية لن يتحمله.
, لم تعرضه والدتها، فهي أرادت الأفضل لابنتها خاصة في ظرفها المؤسف هذا.
, نُقلت إلى العناية الفائقة، ومنع عنها الزيارات ريثما يتم فحصها من جديد فحصًا دقيقًا.
, بقي منذر ليتابع أي شيء يخص عائلة عواطف بنفسه، وعادت الجارة خضرة بصحبة الحاج طه إلى المنطقة الشعبية.
, جلست أسيف مع عمتها محاوطة إياها من كتفيها بذراعها.
, استندت الأخيرة برأسها على صدر ابنة أخيها، وجلست نيرمين إلى جوارهما مكتفة ساعديها لكن نظراتها لم تفارق وجه منذر الذي كان يتهامس مع أخيه في شيء ما.
, تمتمت مع نفسها بسخط:
, -مش كانت تبقى من نصيبك وكنا ارتحنا!
, نفثت زفيرًا غاضبًا من فمها، ثم زمت شفتيها للجانب متبرمة من بقائها معهما.
,
, خرج صوت عواطف واهنًا وهي تقول:
, -خافية تروح مني وملحقهاش
,
, ردت عليها أسيف بعتاب خفيف:
, -**** رحمته وسعة يا عمتي، مش انتي دايمًا اللي بتقوليلي كده؟!
,
, اعتدلت برأسها لتنظر في وجهها قائلة بندم:
, -اه.. بس .. بس متخيلتش إن يحصلها كده!
,
, ابتسمت أسيف مرددة بتفاؤل:
, -إن شاء **** خير، **** هيجبر بخاطرنا وهتبقى كويسة!
,
, وضعت عواطف يدها على وجنتها لتمسح عليها برفق وهي ترد بامتنان:
, -**** يباركلك يا بنتي!
,
, بدا وجـــــه ديــاب متجهمًا للغاية وهو مسلط أنظاره على نقطة بالفارغ.
, أنصت بانتباه لأخيه وهو يردد على مسامعه بجدية:
, -اتصل بيا الظابط تبعنا اللي في القسم من شوية يقولي بياخدوا أقوال الشهود في الحتة، وشكل الحكاية مش قضاء وقدر!
,
, ضاقت نظراته وهو يسأله بنبرة مكفهرة:
, -قصدك ايه؟
,
, أجابه منذر بتريث حذر:
, -هو موضحليش أوي، بس الظاهر هايعملوا تحريات مكثفة عن الحادثة بتاعتها!
,
, هتف ديــــاب من بين شفتيه بصوت خفيض لكنه محتد يحمل التهديد الشرس:
, -قسمًا ب**** لو طلع وراها مين لهعلقه في وسط المنطقة!
,
, فرك منذر طرف ذقنه متابعًا بجدية:
, -أما نشوف الأول هيوصلوا لايه!
,
, وضع ديــــاب كفيه على رأسه المشحون ضاغطًا عليه بقوة.
, استند بظهره على الحائط، وأخـــرج زفيرًا عميقًا من صدره يعكس جزءًا ضئيلًا للغاية مما يشعر به بداخله.
,
, التفت منذر برأســـه ناحية أسيف لينظر لها بتمعن قبل أن يهمس لأخيه بجدية:
, -بيتهيألي أعدة الجماعة هنا مالهاش لازمة!
,
, رد عليه دياب بامتعاض:
, -مش هيرضوا يمشوا قبل ما يطمنوا على بنتهم
,
, أدار منذر رأسه ناحيته ، وسأله بانزعاج واضح:
, -ماشي، وبعد كده؟
,
, لوح بذراعيه قائلًا بحيرة:
, -مش عارف!
,
, أشـــار له منذر بعينيه مرددًا:
, -أنا رأيي نوصلهم للبيت، وفي كل الأحوال هنتابع مع المستشفى أخبارها!
,
, ما أصعب أن تعاني في صمت ولا يشعر من حولك بآلامك المكتومة. ضغط على شفتيه هامسًا باستياء:
, -**** يسهل! خليهم على راحتهم، وبعد كده نشوف.
,
, تنهد بعدها بعمق متمنيًا نجاتها، هو في أشد حالاته إحباطًا، لم يرغب في الرحيل ولا ترك المشفى دون رؤيتها والاطمئنان عليها.
, لم يمضِ سوى بضعة ساعات على ذلك الحادث المروع لكنها مرت كالدهر عليه.
, وتحججه ببقائه مع عائلة عواطف في المشفى لمساعدتها ما هي إلا حجة زائفة كي يبرر وجوده.
, ٣٩ نقطة
,
, لاحقًا، سمح لهم الطبيب برؤية المريضة لدقائق معدودة واحدًا تلو الأخر.
, مرقت عواطف أولًا عندها. تسارعت دقات قلبها وهي ترى ابنتها ممددة على الفراش، وتلك الأجهزة الطبية موصولة بها.
, ، وبصعوبة بالغة كتمت صوت أنينها الشاهق.
, دنت منها بخطى متعثرة متحاملة على نفسها ذلك الإجهاد النفسي، ومدت يدها لتمسك بكفها الساكن.
, احتضنته بين راحتيها، وغصت بالبكاء المرير قائلة:
, -آه يا بنتي! آه! يا حتة من قلبي، عملوا فيكي ايه بس، آه!
,
, إغرورقت عيناها بالعبرات الغزيرة، وظلت تنوح مصابها بقلب مفجوع.
, ولجت الممرضة لداخل غرفة العناية هامسة بجدية:
, -ماينفعش كده يا حاجة، من فضلك!
,
, توسلتها قائلة ببكاء حاد:
, -سيبيني يا بنتي معاها شوية!
,
, هزت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار:
, -للأسف مقدرش، الدكتور منبه، وحضرتك آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها هاتفة باستعطاف أكبر:
, -أنا أمها! وقلبي محروق عليها، خليني جمبها شوية
,
, ضغطت الممرضة على شفتيها مرددة بحرج:
, -معلش، شوية وهدخلك تاني!
,
, وعلى مضض كبير اضطرت أن تخرج من الغرفة مجرجرة ساقيها بحزن محطم للفؤاد.
,
, ربتت نيرمين على كتف أمها وهي تتبادل معها الأدوار لترى أختها رغم عدم تأثرها الواضح. ربما لو كانت ابنتها المصابة لأشفقت عليها أكثر٣ نقطة ربما!
, ظلت تهدهد الرضيعة حتى سكنت وغفت فناولتها لأمها.
, تحركت بخطوات ثابتة نحو فراشها، وبقيت معها للحظات معدودة.
, لم تجد من الكلمات ما تقوله لها سوى مواساة نفسها بقسوة:
, -اللي شوفته في حياتي خلاني متأثرش بأي حاجة بالساهل، أه انتي أختي وبأحبك، ده شيء طبيعي، بس.. بس كله مقدر ومكتوب.
,
, تذكرت نيرمين حياتها الماضية التي كانت تحمل من البؤس والتعاسة ما جعلها ناقمة على كل شيء.
, التوى فمها للجانب وهي تضيف بجفاء:
, -بكرة تخرجي من المستشفى وتبقي كويسة وتشوفي حالك، شدة وتزول ياختي!
,
, مسحت على جبين أختها بلطف، ثم استدارت خارجة من الغرفة، حتى عبراتها أبت أن تُذرف إشفاقًا عليها.
, ٣٣ نقطة
,
, انتظرت أسيف على أحر من الجمر خروج نيرمين لتلج هي الأخرى عندها.
, انتفض قلبها بين ضلوعها وهي تتأملها.
, بكت بحزن مقهور عليها وكأنها أختها بحق وليست ابنة عمتها التي تربطهما معًا صلة الدم.
, عجزت عن الاقتراب أكثر منها، فيكفيها تلك الذكريات الموجعة عن رحيل عائلتها لتتخيل الأسوأ معها.
, وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة تكافح للخروج منها.
, همست بصوت مبحوح:
, -إن شاء **** هاتقومي منها وترجعي زي الأول وأحسن!
,
, مسحت طرف أنفها مكملة بصعوبة:
, -يمكن معرفناش بعض إلا من فترة بسيطة، بس.. بس أنا حساكي قريبة مني، ويمكن يمكن نبقى زي الأخوات وأكتر !
,
, اختنق صوتها أكثر وهو تتابع بنبرة شجية:
, -أنا.. انا معنديش اخوات، بس هأعتبرك زي أختي.. قومي بقى يا بسمة وارجعيلنا! قومي عشان خاطري!
,
, لم تستطع المتابعة أكثر من هذا، فابتعدت راكضة من الغرفة لتكمل نواحها المتأثر بالخارج.
, اقتربت منها عمتها واحتضنتها، وحاولت كلتاهما مواساة الأخرى.
, توتر دياب لرؤيتهما متأثرتين بشدة، وتردد بشأن الولوج عندها.
, هو استأذن والدتها لرؤيتها بحكم القرابة المزعومة، لكن ما يحركه هو شيء أخــر. شيء اعتصر قلبه لمجرد التفكير في فقدانها.
, حسم أمره بالدخول، وتحرك بخطى مرتبكة نحو غرفتها.
, ارتجفت أطرافه لمجرد سماعه لصوت انتظام ضربات قلبها عبر جهاز قياس نبضاته، وجف حلقه تمامًا وهو يرى وجهها مخبئًا ما بين الشاش الطبي وقناع التنفس الصناعي.
, زادت حدة الوخزات التي عصفت بقلبه وهو يدنو أكثر منها.
, أصبح على مقربة كبيرة من وجهها الذي كان صادمًا بالنسبة له.
, مرر أنظاره ببطء عليها كاتمًا أنفاسه كليًا حتى انتفخ صدره وهو يتفحص إصاباتها.
, تم وضع ساقها بالجبس، ولف أغلب ما برز من جسدها بالكثير من الضمادات الطبية رغم ذلك الرداء الذي يسترها، لكن ما كُشف من أطرافها لم يكن سوى بقماش طبي.
, آلمه سكونها المميت، وأوجعه شحوبها المهلك.
,
, عجز عن التنفس، واختنق صدره بالعبرات، فغص فجــأة ببكاء مقهور.
,
, أخـــذ نفسًا عميقًا ليضبط به انفعالاته المفجوعة، وهمس مبتسمًا محاولًا التهوين على نفسه:
, -ينفع كده يا أبلة؟ ده كلام برضوه! كل ده عشان ماتجيش الدرس، طيب، بناقص منه، بس بلاها المقالب دي!
,
, ابتلع غصة مريرة عالقة بحلقة وهو يواصل حديثه المازح:
, -يحيى لسه سألني عليكي وبيقولي المس هاتيجي امتى، اضطريت أقوله آآ٣ نقطة
,
, عجز عن الابتسام وهو يضيف بصعوبة بالغة:
, -أقوله كلامك في.. في المشمش!
, تعالت شهقاته فجـــأة، فانهار جموده الزائف، وانهمرت العبرات مغرقة وجهه كليًا.
, عجز عن مواصلة حديثه معها، فأشاح بوجهه بعيدًا دافنًا إياه بين راحتيه.
, أخــــرج ما بصدره من شحنات متأججة حتى استطاع أن يهدأ قليلًا.
, لملم شتات نفسه سريعًا، فلا يصح أن تراه إحداهن وهو يبكي عليها بدون أن يفسر لهن سبب ذلك.
, كفكف عبراته بظهر كفيه، ثم أسرع بالخروج هاربًا من المكان برمته دون أن ينبس ببنت شفة.
, لم تلتقطه الأعين، ولكن تشعر القلوب بما يعتريها من أحزان.
, ٣٧ نقطة
,
, عـــــاد منذر إلى الوكالة مضطرًا، فبقائه بالمشفى لا جدوى منه، ووالده بحاجة إليه هناك.
, ألهى نفسه بالكثير من الأعمال لكنها لم تجعل عقله يتوقف للحظة عن التفكير بها.
, تجسد طيفها أمامه، وشــرد في ابتسامتها المتفائلة، لاحظ أنها لا تبتسم إلا قليلًا، ومع ذلك فابتسامتها تريحه.
, ضجر لاقتحام صورة الحقير مجد خياله، فعبس بوجهه، واقتضبت ملامحه.
, أراد مفاتحتها في موضوع ذلك الدنيء بالمشفى ، لكنه خشي من إفساد خطته البسيطة مع فاطمة.
, فالتريث في ذلك الموضوع الحرج هو أسلم الحلول حاليًا.
, تفاجأ باستمرار الوجود الأمني بالمنطقة حتى تلك الساعة المتأخرة وهو يقف على عتبة وكالته.
, أشـــار لأحد عماله قائلًا بصوت آمر:
, -قفلوا الوكالة وروحوا، مش هانسهر كتير النهاردة
,
, رد عليه ممتثلًا:
, -اللي تؤمر بيه يا ريسنا!
,
, تحرك بعدها في اتجاه ناصية الطريق حيث الحادث المشؤوم.
, رأى أثار بقعة الدماء على الرصيف، وذلك الشريط البلاستيكي المحاوط للمنطقة.
, امتعض وجهه، وصارت نظراته مزعوجة.
, كونك على صلة قريبة ومعرفة وطيدة بالضحية يجعل معاناتك أضعافًا مضاعفة.
, لمح الضابط المسئول عن التحقيق في الواقعة متواجدًا خارج أحد المحال فأسرع في خطواته متجهًا إليه.
, تنحنح منذر بصوت خشن وهو يمد يده لمصافحته قائلًا:
, -سلامو عليكم يا باشا!
,
, بادله الضابط المصافحة، فهو يعرفه جيدًا، ورد عليه بهدوء:
, -وعليكم السلام يا منذر
,
, سأله الأخير باهتمام ظاهر على محياه:
, -خير يا باشا، عرفتوا حاجة عن الحادثة؟
,
, أجابه الضابط بغموض وهو يشير بسبابته نحو واجهات المحال:
, -يعني.. لسه مش أوي، بس تفريغ شرايط المراقبة اللي هنا هيفيدنا كتير!
,
, حدق منذر فيما أشــار، ورد بتمني:
, -يا مسهل يارب!
,
, ثم صمت للحظة قبل أن يكمل حديثه بأسف:
, -بنت الحاجة عواطف أكتر من أختي، واللي حصلها أثر فينا كلنا!
,
, رد عليه الضابط بجدية:
, -اطمن، طالما الموضوع تبعي فمتقلقش!
,
, ابتسم له منذر ابتسامة باهتة وهو يقول ممتنًا:
, -**** يكرمك يا باشا، ده العشم برضوه!
,
, ثم شدد عليه قائلًا برجاءٍ:
, -بس أمانة عليك لو عرفتوا جديد تبلغونا!
,
, هز رأسه معلقًا بإيجاز
, -أكيد!
,
, عاود منذر مصافحته مودعًا إياه وهو يقول:
, -ماشي يا باشا، مش هاعطلك، سلامو عليكم
, -وعليكم السلام!
, قالها الضابط وهو يلتفت برأسه حوله ليحدق بتريث في جميع الزوايا والاتجاهات ليراجع من جديد مسرح الجريمة عله يتوصل لشيء أخر قد غفل عنه.
, ٤٢ نقطة
,
, جاءه الخبر اليقين بتدمير المنزل واشتعاله بالكامل وهو جالس بأرضه الزراعية.
, أثلجت تلك الكارثة صدره المحتقن، وتنهد مبتسمًا بتشفٍ كبير:
, -براوة عليك، طلعت راجل في كلمتك!
,
, رد عليه الرجل قائلًا بتفاخر:
, -مش قولتلك!
,
, أخرج الحاج فتحي مظروفًا مغلفًا من جيب جلبابه، ثم ناوله إياه وهو يقول:
, -ودي الدفعة التانية من الحساب!
,
, فتح الرجل طرفه لتتوهج عيناه وهو ينظر إلى النقود.
, وبخه الحاج فتحي بحدة وهو يرمقه بنظرات مزعوجة:
, -متقلقش فلوسك كاملة!
,
, ضحك الرجل بسخافة وهو يقول:
, -وأنا هاعد وراك بردك يا حاج!
,
, انتصب الحاج فتحي في جلسته مضيفًا بنبرة ماكرة:
, -يومين وأتصل أنكد على اللي جابوها، ماهو لازم المركز يقوم بدوره الأول، عشان تبقى الحكاية ميري!
, ٣٧ نقطة
,
, تشنجت تعابير وجهه بشدة، وبرزت عروقه أعلى جبينه وهو يصيح بصوته المتحشرج:
, -يعني ايه مش هانروح، فهمني في ايه؟
,
, أجابه مـــازن بنبرة مرهقة:
, -زي ما سمعت يا مجد! في نصيبة حصلت عندهم!
,
, رفع أصابع يده على رأسه ليحكها بقوة وهو ينظر بحيرة لأخيه محاولًا فهم كلماته الغامضة.
, رمقه أباه بنظرات محتقنة، ثم وبخه بحدة:
, -ما انت ولا على بالك! نايم طول النهار ومش داري باللي حاصل!
,
, استاء من حديثهما الغير مفهوم، فهدر بعصبية بائنة:
, -متكلمونيش بالألغاز، في ايه؟
,
, أجابه مازن بفتور وهو يمدد ساقيه على الطاولة:
, -بنت عواطف خبطتها عربية ومتلأحة في المستشفى!
,
, نظر له بغرابة لبرهة، ثم ســأله بحيرة:
, -طب وده ماله بالبت اللي هاخطبها؟
,
, رد عليه مهدي بازدراء صريح:
, -الظاهر إن تأثير الهباب اللي بتشربه مراحش من مخك التخين!
,
, تصلب وجهه أكثر وهو يصيح بعنف:
, -طب ليه الغلط يا حاج؟
,
, هدر فيه مهدي بانفعال كبير:
, -بنقولك بنتها بين الحياة والموت، وانت نقولي أروح أتهبب وأخطب!!
,
, فرك مجد وجهه بغل، ثم أردف قائلًا بهدوء مقيت:
, -بلاها خطوبة، بينا نروح نسأل على العيانة، ماهي دي من الأصول، صح ولا ايه؟
,
, ضرب مهدي كفه بالأخر مرددًا بيأس:
, -**** يعيني على ما بلاني!
,
, ثم التفت برأســـه ناحية ابنه الأخر موجهًا حديثه له، فتابع متساءلًا بصوت شبه متعصب:
, -وانت يا بيه مش هتروح تشوف مراتك؟
,
, أجابه بفتور وهو يدير وجهه للناحية الأخرى:
, -هي طفشانة، وأعدة عند أمها
,
, صــاح به بغلظة:
, -اتلحلح ورجعها البيت ولا مستني تعملك مصيبة عشان تفوق انت التاني!
,
, نفخ هاتفًا بنفاذ صبر:
, -يووه، أنا زهقت من أم موضوعها!
,
, عنفه مهدي قائلًا بعصبية:
, -ما إنت اللي وحلت نفسك من الأول معاها
,
, رد عليه مــــازن بتشنج:
, -وعرفت غلطي وجبت أخري، فسيبني يا أبا على راحتي!
,
, اقترب مجد من أبيه، ولف ذراعه حول كتفه متساءلًا بإلحاح:
, -هـــا، هانروح نزور العروسة امتى؟
,
, سلط أنظاره البائسة على ابنه الذي كان يبتسم بعبث، هو يناقشه في شيء، وابنه يفكر في شيء أخر يتناقض مع تقديره للوضع وكأن احتراق العالم من حوله لا يعنيه بالمرة.
, تمتم من بين شفتيه بغيظ مكتوم ناظرًا له بشزر:
, -لله الأمر من قبل ومن بعد! فوضت الأمر لصاحب الأمر ٥ نقطة ٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٥
وصــــل إلى منزله في حالة حزن شديدة، لا يعرف ما الذي أصابه ليبدو مكتئبًا بصورة مبالغة، لكن لأنها لمست قلبه وبعمق، استشعر بإحساس صـــادق خطورة فقدانها للأبد.
, كان متجهمًا، عابسًا، وجهه محتقن، ونظراته مشوشة.
, حدقت فيه والدته باندهاش مرتاب، وقبل أن تفتح فمها لتسأله عما حدث كان هو قد اتجه إلى غرفته مباشرة صافقًا الباب خلفه بعنف.
, توجس قلبها خيفة أن يكون قد حدث مكروه ما فأصبح على تلك الحالة البائسة.
, أسرعت خلفه هامسة بقلق:
, -استرها يا رب، احنا مش حمل زعل ولا هم!
,
, دقت الباب بخفة مستأذن بالدخول، لكن لم يأتيها صوته، فدفعتها غريزتها الأمومية للتحرك فورًا.
, فتحت الباب بحذر، وأطلت برأسها محاولة رؤيته.
, فوجدته متكومًا على نفسه ينتحب بأنين موجوع، وفي حالة انهيار.
, لطمت على صدرها بهلع وهي تسأله بخوف:
, -ايه اللي حصل يا دياب؟
,
, لم يخفِ شهقاته أو حتى بكائه المرير عنها، بل ظل على وضعيته المحطمة أمامها مخرجًا ما يقتل صدره.
, كان كمن انفطر قلبه على شيء غالٍ.
, هي رأته من قبل على تلك الحالة، حينما اكتشف خداع زوجته له، فثارت ثائرت وأصبح قاب قوسين أو أدنى من ارتكاب الفظائع المهلكة.
, ابتلعت ريقها بتوجس كبير، ثم أسرعت بغلق الباب وأوصدته عليهما.
, ركضت جليلة مهرولة لتجلس على الفراش إلى جواره، ثم أمسكت به من كتفيه، ولفت ذراعيها حوله رافعة رأسه إلى صدرها.
, ضمته إليها بحنو كبير محاولة التهوين عليه.
, مسحت على جبينه برفق، و ربتت على كتفيه قائلة بصوت شبه مختنق:
, -فيك ايه يا حبيبي؟ مين عامل فيك كده؟
,
, أجابها بغموض من بين نحيبه:
, -خايف تموت!
,
, هوى قلبها في قدميها وهي تسأله بترقب شديد:
, -مين دي؟
,
, همس بأنين متوجع:
, -بسمة!
,
, انفرجت شفتاها في عدم تصديق، ابنها يتحدث عنها، لم يكابر في إخفاء سره، بل بــاح به وكأنه يزيح ذلك الثقل المهلك عن صدره.
, ردت عليه بتلعثم:
, -إنت.. إنت
,
, تابع قائلًا ببكاء وهو يرفع عيناه في وجهها ليحدق بها:
, -أنا بأحبها يامه، أيوه بأحبها ومكونتش عارف بده!
,
, احتضنت رأسه، وانحنت بفمها على جبينه لتقبله قائلة بصوت خفيض لتدعمه:
, -قلبي كان حاسس يا ضنايا!
,
, بكى بأنين مرتفع مخرجًا من صدره شهقات ملتاعة.
, حاولت احتواء انهياره، وهتفت بحماس:
, -أنا حاسة بيك يا حبيبي، وقولت لنفسي جايز هي تسعدك، بس مرضتش أفرضها عليك، قولت أسيبك تختار اللي تعجبك، كفاية اللي حصلك قبل كده!
,
, رد عليها بصوته المنتحب:
, -ماستحملتش أشوفها كده، خايف.. خايف أخسرها وآآ.. وتـآآ..
,
, قاطعته قائلة بغلظة قليلة:
, -تف من بؤك يا دياب، إن شاء **** هاتقوم بالسلامة!
,
, أخـــــرج تنهيدة حارة موجوعة من صدره وهو يقول بألم:
, -آآآه يامه!
,
, مسحت على ظهره برفق وهي تواسيه، ثم تابعت قائلة بهدوء:
, -يا حبيبي استهدى ب**** كده، وقوم اغسل وشك! مالوش لازمة اللي بتعمله ده، هو انت هاتقدر البلا قبل وقوعه!
,
, دفن ديــــاب وجهه بين راحتي يده، وأجهش ببكاء أشد.
, تأسفت على حاله الموجوع، فصاحت بجدية:
, -طب بص أنا هاروح أطمن عليها وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بإحباط:
, -مالهاش لازمة جيتك يامه، هي مش حاسة بحد أصلًا!
,
, ردت عليه باستنكار:
, -لا حول ولا قوة إلا ب****، محدش يقدر يمنع القدر!
,
, تنفس بعمق محاولًا استعادة انضباط نفسه.
, تابعت أمه مقترحة بحماس علها تهون عليه كربه:
, -طيب أقولك على حاجة تبسطك، هي لما تقوم بالسلامة ، ونطمن عليها أنا هاخطبهالك طالما عاوزها، ها ايه رأيك؟
,
, لم يجبها بل ظل صامتًا، استشعرت من سكونه موافقته على اقتراحها، فواصلت مؤكدة:
, -انت بس اهدى، وإن شاء **** خير!
,
, عبست كذلك بوجهها لتعاتبه مرددة:
, -طب ابنك لو شافك بالشكل ده يقول ايه، هاه؟!
,
, حاول أن يبتسم لكنه فشل، وكيف يضحك وهي في عالم أخــر لا تشعر به أو بغيره.
, انتبه كلاهما لصوت الدقات الصغيرة على الباب مع محاولة لتحريك المقبض، وأعقبها صوت يحيى صائحًا بإلحاح:
, -تيتة! بابا! انتو جوا؟
,
, ردت مبتسمة وهي تشير بعينيها:
, -أهوو جه على السيرة!
,
, اعتدل ديـــاب في نومته، وكفكف عبراته التي غزت وجهه بالكامل بيديه.
, هتفت جليلة بصرامة خافتة مشيرة بسبابتها:
, -امسح دموعك يا بني، وربنا قلبي ما مستحمل يشوفك إنت ولا أخوك كده!
,
, هـــز رأسه بالإيجاب، وأزاح كليًا ما علق في أهدابه من عبرات باقية.
, نهضت جليلة من على الفراش بتثاقل، وخطت نحو باب الغرفة ثم فتحته مرددة بابتسامة باهتة:
, -ايوه يا حبيب قلب تيتة!
,
, أجابها يحيى بتلهف:
, -أنا جعان!
,
, ثم حدق في وجه أبيه المحتقن، فتساءل بغرابة:
, -هو بابا ماله؟
,
, أجابته جدته باقتضاب:
, -مافيش!
,
, تابع الصغير قائلًا وهو يشير بيده:
, -بس عينيه و مراخيله (مناخيره) آآ٣ نقطة
,
, قاطعه ديـــاب قائلًا بصوت شبه منتحب متعمدًا العبوس بوجهه:
, -دي حساسية!
,
, اقترب الصغير من أبيه ليتفرس في تعابيره بتفحص وعن كثب، ثم سأله بتعجب:
, -هو انت كنت بتعيط زينا؟ شكلك غريب!
,
, عبث دياب بخصلات شعر ابنه هاتفًا بتوبيخ خفيف:
, -بس يا رخم! شايفني زومبي قصادك!
,
, جذبت جليلة حفيدها من ذراعه قائلة بحنو:
, -تعالى يا يحيى وسيب أبوك هو تعبان وعاوز يرتاح شوية!
,
, نظر ديــــاب لأمه ممتنًا لتفهمها وضعه، بينما التفت الصغير برأسه ناحيتها، وهتف بانصياع:
, -ماشي، بس لما يصحى خليه يلعب معايا!
,
, ابتسمت قائلة بإيجاز:
, -**** يسهل!
,
, تابعهما ديـــاب بأنظاره حتى خرجا من الغرفة، فتمدد بجسده على الفراش ليفكر فيها باشتياق أكبر.
, ٣٨ نقطة
,
, مضى ما يزيد عن يومين منذ وجودها بغرفة العناية الفائقة بالمشفى الخاص الذي انتقلت إليه عقب حادث السير المروع الذي تعرضت له، ولا جديد يذكر بشــأن حالتها الصحية.
, هي مازلت على وضعيتها الساكنة، تعاني من غيبوبة مؤقتة.
,
, تسابق الجيران والأحبة في القدوم للقيام بواجبهم المعتاد في مثل تلك الظروف الحرجة. واستقبلتهم عواطف بامتنان كبير في الاستقبال الملحق بالطابق الأرضي لتعذر رؤية المريضة بغرفتها.
, تفهم الجميع الوضــع وتمنوا الشفاء العاجل لها. وأحضروا معهم ما استطاعوا تقديمه كالحلوى، والشيكولاته، والفواكه، والمعلبات.
, رأت فيهم الجود والكرم، وشكرتهم لدعمهم لها في ذلك الظرف الطارئ.
, واظبت أسيف على المناوبة مع عمتها كل برهة لتفقد أحــوالها بمطالعتها عبر النافذة الزجاجية.
, ظلت محدقة بها بأعين دامعة غير مدركة لمن اعتاد على مراقبتها خلسة حينما يتبادل دوره مع أخيه.
, تنهدت بإرهـــاق، وشعرت بوهن شديد يعتريها.
, هي لم تنتبه لصحتها مؤخرًا، وخاصة على مدار اليومين الفائتين، فانعكس أثار ذلك الإهمال عليها.
, شعرت بدوار خفيف يصيبها، فمالت برأسها للجانب مستندة بها على النافذة.
, أغمضت جفنيها للحظات لتستعيد سكون رأسها.
, سمعت صوته العذب يخترق أذنيها متساءلًا بتلهف:
, -انتي كويسة ؟!
,
, فتحت عينيها سريعًا، واعتدلت في وقفتها لتجده واقفًا إلى جوارها، وممددًا لذراعيه نحوها.
, ابتلعت ريقها، وهمست قائلة بحرج وهي تلملم نفسها:
, -ايوه، أنا بخير!
,
, اعترض عليها هاتفًا بجدية:
, -بس شكلك آآ٣ نقطة
,
, تنحنحت مرددة بخفوت شبه صــارم :
, -ده من زعلي على بنت عمتي!
,
, أضــاف قائلًا بهدوء:
, -الدكتور طمنا، طول ما الحالة مستقرة يعني بيعتبرها حاجة كويسة!
,
, هزت رأسها بتفهم قليل:
, -الحمد**** على كل حال!
,
, ابتسم قائلًا بصرامة جادة:
, -المفروض تهتمي بنفسك أكتر!
,
, ردت بعبوس خفيف وهي تشير بيدها:
, -بأحاول، بس أكيد شايف الوضع
,
, مازحها قائلًا بتسلية متعمدة:
, -الظاهر إنك حابة تقعي من طولك وأنا أشيلك زي تملي، جايز ده بيجيب نتيجة معاكي!
,
, توردت وجنتيها من جملته الأخيرة، وشعرت بتلك السخونة المنبعثة من وجهها لمجرد تذكرها تلك المواقف المحرجة.
, ابتسم لخجلها، ودس يديه في جيبي بنطاله متأملًا وجهها المشتعل بالحمرة باستمتاع تطيب له النفوس.
, ٣٠ نقطة
, لمحته من على بعد وهو يحادثها، فاحتدت نظراتها وقست تعابير وجهها.
, لماذا هي دونًا عن غيرها يلتصق بها وكأن مغناطيسًا بها؟
, كزت نيرمين على أسنانها بغيظ، ثم اندفعت بغضب نحوهما.
,
, رسمت على ثغرها ابتسامة سخيفة وهي تهتف عاليًا:
, -سي منذر!
,
, التفت الاثنان برأسهما نحوها، وبالطبع امتعض وجهه لمجرد رؤية تلك السمجة تقتحم عليه المكان.
, جمد نظراته نحوها متساءلًا باقتضاب:
, -خير؟ في حاجة حصلت؟
,
, تعمدت نيرمين النظر باحتقار إلى أسيف، ثم ردت قائلة بغموض متعمدة إغاظتها:
, -كنت عاوزاك في كلمتين كده لوحدنا!
,
, رد عليها بجمود قاسي وقد ضاقت نظراته:
, -ماتقولي اللي انتي عاوزاه هنا، مافيش حد غريب، دي بنت خالك!
,
, عضت على شفتها السفلى متعمدة إظهار رغبتها في عدم الحديث في وجود أسيف:
, -لأ.. بس آآ٣ نقطة
, ثم غمزت بطرف عينها نحوها لتشير لها.
, تفهمت الأخيرة مقصدها دون الحاجة للنطق بهذا، فقد كان واضحًا للعيان، لذلك هتفت بحرج مزعوج:
, -خدوا راحتكم، أنا راجعة عند عمتي!
,
, زفـــــر منذر بضجر كبير من تصرفها السخيف، وسألها بنفاذ صبر:
, -عاوزة ايه؟
,
, تغنجت بجسدها قليلًا وهي تجيبه بدلال رقيق:
, -أنا كنت عاوزة أتشكرلك على اللي بتعمله معانا، يعني مفضي نفسك وسايب شغلك عشانا!
,
, ثم دنت منه بطريقة مريبة، وحدقت فيه بنظرات ذات مغزى وهي تقول بتنهيدة غريبة:
, -أنا ..آآ.. ساعات بأحس إنك إنت قريب مني و آآ٣ نقطة
,
, استشعر طريقتها الغير مريحة في التودد إليه وفرض نفسها عليه، فتراجع خطوة للخلف صائحًا بصلابة:
, -ما أنا قولتلك للمرة المليون إن احنا أخوات، فأظن ده عادي في الظروف دي!
,
, رمقها بنظرات أكثر قسوة قبل أن يضيف بجمود:
, -اه، ويا ريت بقى تروحي تشوفي أمك ولا تقعدي جمب أختك العيانة، هي تحس بيكي أكتر.. عن اذنك!
,
, انفرج فمها بصدمة أخــرى من ردة فعله الغليظة معها.
, أولاها ظهره وتحرك من أمامها هامسًا بتبرم ضائق:
, -أعوذوا ب****! هو في كده!
,
, تسمرت في مكانها للحظات تحترق من صرامته الحادة معها، هو لا يعطيها أي فرصة لتقترب أكثر منه ويشعر بها، دومًا يصدها ويثبط عزيمتها، ويحبط كل محاولاتها معه، حتى تعاطفه مع مصابهم يبدو جامدًا مثله.
, وما زاد هذا إلا من حنقها تجاه أسيف، فتوعدتها بشراسة:
, -لو هباب البرك ماتصرفش وخلصني منك، هاتعامل أنا بطريقتي معاكي، بس لازم أزيحك من قصادي، إنتي اللي مانعاه عني!
, ٣٦ نقطة
,
, رأهـــا وهي تلج للمشفى فتوسم خيرًا أن تفعل ما طلبه منها في الصيدلية قبل ذلك الحادث المؤسف، لذا بحرص شديد، وحذر بالغ أشـــار لها بعينيه، ففهمت هي مقصده، وابتسمت له برقة لتؤكد يقينه.
, هي جاءت إلى هنا اليوم لتقوم بواجبها نحو المريضة، ومن ثم تحذير أسيف من خطورة اقتراب ذلك الدنيء منها.
,
, تحركت فاطمة بخطوات ثابتة في اتجاه عواطف لتؤازرها أولًا، فجلست معها لبعض الوقت تبث في روحها المتعبة التفاؤل والأمل. ونجحت في فعل هذا، واستبشرت الأخيرة خيرًا بوجودها.
, بقي منذر على مسافة جيدة ليتابع ما يدور باهتمام دون أن يثير الريبة حوله.
, حضرت أسيف ومعها علبة من العصير ترتشفها بتأنٍ.
, جلست غير منتبهة
, فنهضت فاطمة من مكانها لتذهب إليها.
, وما إن رأتها هي حتى صافحتها بود، وقبلتها من وجنتيها مرحبة بها.
, جلست الاثنتان في إحدى الزوايا بعيدًا عن أعين الجميع إلا نظراته هو ، فقد كان حريصًا على مراقبتهما مراقبة حثيثة.
,
, ربتت فاطمة على فخذ أسيف قائلة بنبرة مواسية:
, -قلبي عندك يا أسيف!
,
, ابتسمت لها الأخيرة مجاملة:
, -شكرًا على زيارتك وتعبك!
,
, أضافت فاطمة بصوتها الهادئ:
, -و**** لو بإيدي أعمل حاجة مش هتأخر، إن شاء **** تطمنوا عليها وتقوم بالسلامة!
, -يا رب أمين
,
, صمتت للحظة لتستجمع أفكارها قبل أن تشرع في الحديث الأخر الذي حضرت من أجله.
, وبتريث مدروس استطردت قائلة:
, -أنا كنت محتاجة أتكلم معاكي في حاجة مهمة!
,
, قطبت أسيف جبينها متساءلة باهتمام:
, -خير
,
, ضغطت فاطمة على شفتيها متابعة بحرج:
, -أنا عارفة إن المكان والظرف مش مناسب، بس.. بس الكلام ده مينفعش يتأجل!
,
, توترت إلى حد ما عقب جملتها الغامضة تلك، وهتفت باضطراب:
, -انتي قلقتيني، في ايه؟
,
, انحنت برأسها عليها لتهمس لها بخفوت:
, -مجد أبو النجا، فكراه؟ اللي حذرتك منه!
,
, امتعض وجـــه أسيف لتذكرها ذلك الرجل الوقح الذي تعامل معها بفظاظة وجرأة.
, صرفت عن ذهنها صورته المزعجة وهي ترد على مضض:
, -ايوه، ماله؟
,
, أجابته بتمهل متعمد:
, -أنا عرفت انه ضايقك تاني!
,
, تنهدت أسيف بعمق قبل أن تجيبها:
, -الحمد****، عدت على خير!
,
, وضعت فاطمة قبضة يدها على كفها لتشد عليه قليلًا وهي تضيف محذرة:
, -بصي الراجل ده بشع جدًا، مافيش بلوى قذرة إلا وعملها، صعب تتخيلي أد ايه هو حيوان ولا حتى عمل ايه في البنات اللي عايشين في المنطقة، ده غير طبعًا إنه رد سجون وسوابق وبيشرب وآآ..
,
, اشمئزت لمجرد سماعها مساوئه المقيتة، فهمست مقاطعة بنفور:
, -طب انتي بتقوليلي ده كله ليه؟ أنا مش فاهمة!
,
, أجابتها بتلعثم ملحوظ:
, -بصي.. أنا.. أنا سمعت كده إنه آآ.. انه عاوز يخطبك!
,
, ارتفع حاجباها للأعلى بصدمة كبيرة، وهتفت مذهولة:
, -نعم!
,
, خشيت فاطمة أن ينتبه من حولهما لحديثهما المقلق، فغمزت لها لتهدئ من انفعالاتها.
, استجابت أسيف لرجائها الصامت، لكنها لم تستطع إخفاء تأففها مما سمعته.
, فكيف لحقير مثله أن يفكر في الارتباط بها لمجرد رؤيتها صدفة لمرة أو اثنين؟ بالطبع هناك شيء مريب بالأمر، ناهيك عما اقترفه من جرائم وأفعال مشينة تخجل هي من مجرد تخيلها مع نفسها.
, تابع فاطمة موضحة بتوجس:
, -أنا معرفش تفاصيل، بس وصلي رتوش كلام بتقول كده، وهايحاول يلاقي سكة معاكي!
,
, ردت عليها بحدة جادة:
, -اطمني، أنا مش من النوع ده!
,
, تابعت فاطمة مؤكدة خطورة الوضع:
, -ماهو عشان انتي محترمة وبنت ناس هايخشلك من ناحية الارتباط والخطوبة!
,
, احتجت قائلة برفض قاطع:
, -مش هايحصل!
,
, لاحظ منذر من مراقبة تعابيرها المشدودة انزعاجها الجلي، فتأهبت حواسه لردة فعلها.
, كان كمن يقف على جمر متقدة يقاوم بشراسة تلك الرغبة التي تحسه على الاقتراب منهما.
, بدأت تدور في رأسه عشرات الأسئلة محاولًا تخمين ما الذي تتحدثان فيه.
, بدا مهتمًا أكثر بإيماءاتها الحادة وإشارات كفي يدها المحتدة.
, الأمور كلها تشير إلى اعتراضها، هو لم يسمع رفضها شفهيًا لكن حدسه يؤكد له هذا.
,
, اعتدل في وقفته حينما وجدهما تنهضان من جلستهما وتتبادلان المصافحة.
, أسرع بإشاحة وجهه بعيدًا عنهما كي لا تنتبه له أسيف، لكن وقعت عيناه على ما أزعجه فعلًا، ما جعل قلقه وارتيابه يتضاعفان أضعافًا مضاعفة.
,
, رأى ذلك الخسيس يدنو منه وهو ممسك بباقة ورد لا تليق بوقاحته أبدًا.
, تجمدت نظراته على ابتسامته الشيطانية التي برزت على ثغره لتزيد من استفزازه وتشعل بركان غضبه.
, وقف مجد قبالته متباهيًا بنفسه، ومتعاليًا بنظراته المغترة.
, قوس فمه أكثر للجانب، وحدجه بنظرات شرسة تحمل بين طياتها التحدي قبل أن يستطرد حديثه هاتفًا بصوته الخشن متعمدًا إثارة غيظه:
, -مرحب يا أبو نسب، غايب عنا ليه أديلك كام يوم ٤ نقطة؟٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٦

أظلمت نظراته واشتدت قتامتها حينما رأى غريمه يقف قبالته يطالعه بغرور مقزز.
, أشعل حنقه نحوه أكثر بطريقته في استعراض قوته الزائفة، فبادله نظرات نارية مهددة بإحراقه حيًا إن تجرأ وأساء التصرف هنا.
, أردف مجد قائلًا ببرود مستفز:
, -هدي أعضائك يا بونسب!
,
, ثم مـــد يده ليضعها على كتف منذر لكن أمسك به الأخير من رسغه قبل أن تطاله أنامله القذرة ليبعدها عنها بنفور واضح على محياه، ثم رد بغل يحمل الصرامة:
, -مافيش نسب مع الأشكال اللي زيك!
,
, قست نظرات مجد، لكنه ضبط أعصابه كي يثير انفعالات خصمه، فرد عليه ببساطة فجة:
, -ده أنا بأعملك قيمة يا بن طه!
,
, هتف فيه منذر بصوت متصلب وهو يرمقه بتلك النظرات الدونية:
, -قيمتي عارفها كويس، الدور والباقي على الـ٦ نقطة زيك!
,
, أغاظه سبابه النابي، فرد عليه من بين أسنانه بنبرة عدوانية:
, -متخلنيش أعمل الدنيئة معاك هنا، ومش هايفرق معايا احنا في مستشفى ولا لأ!
,
, التوى ثغر منذر للجانب ليبتسم مستخفًا من تهديده الفارغ، ثم رد عليه بثقة جادة متعمدًا رمقه بنظرات احتقارية:
, -وحياتك ولا أنا، بالعكس المشرحة ناقصة واحد!
,
, قبض مجد على باقة الورد فاعتصر فروعها بأصابعه فتحطم أغلبها، لكنها عاد ليرخيها حينما رأى الصيدلانية "فاطمة".
, وقعت عيناها عليه فارتبكت من رؤيته المزعجة.
, صـــاح هاتفًا بطريقة محرجة وهو يفتح ذراعيه في الهواء:
, -أهلا بالضكترة كلها !
,
, تسمرت في مكانها، ثم حانت منها نظرة خاطفة لمنذر وكأنها تستجديه قبل أن تستجمع نفسها وتهمس بتردد:
, -عن .. عن اذنكم!
,
, ســــد مجد عليها الطريق بجسده محدجًا إياها بنظرات عدائية مقلقة.
, استشعرت هي تهديده الخفي رغم صمته، لكن عيناه عكست نواياه السيئة.
, جف حلقها تقريبًا، وأحست بتلك الرجفة تتسرب إلى أوصالها.
, حدث مجد نفسه بوعيد مخيف وهو يطالعها بنظراته الشرسة:
, -يا ويلك معايا لو كنتي خالفتي أوامري!
,
, ابتلعت فاطمة ريقها بتوتر ملحوظ، فقد رأت الشرر المتطاير من حدقتيه المخيفتين، ثم تحركت للجانب لتتمكن من الفرار من أمامه مرددة لنفسها بخوف:
, -**** يستر!
,
, أسرعت في خطاها وهي تدعو **** في نفسها أن ينجيها من شر ذلك المقيت، فهي لا تضمن ما يمكن أن يحدث لها إن وقعت في براثنه.
,
, مــــرر مجد أنظاره على الجالسين بالمقاعد، فرأها منزوية مع نفسها.
, برقت عيناه بوميض خبيث، وزادت ابتسامته المقززة اتساعًا.
, لم يترك لنفسه أي فرصة للتفكير، بل صــــاح بنزق:
, -ده الحبايب كلهم متجمعين هنا!
,
, اغتاظ منذر من أسلوبه المستفز في التصرف بوقاحة، وعدم احترام خصوصية تلك النوعية من الأماكن. فاعترض طريقه مهددًا بصوت قاسٍ:
, -امشي من هنا أحسنلك!
,
, دفعه مجد من كتفه بقوة قائلًا بتحدٍ:
, -ليه بس؟ ده حتى عيادة المريض واجبة!
,
, أكمل خطــــاه في اتجاه عواطف وابنة أخيها التي بدت مصدومة لرؤيته.
, اتسعت حدقتيها بخوف بائن، وتسارعت دقات قلبها لمجرد حضوره أمامها. كما تبدل لون بشرتها للحمرة المزعوجة، وانكمشت في جلستها رهبةً منه.
,
, لم يغب عن بالها وقاحته، ولا خسته الفجة.
, اقتحم عقلها عشرات المشاهد التي بدت كالومضات الخاطفة، فزاد قلقها منه.
, وما أكمل مشهد فزعها منه تردد تحذيرات فاطمة لها في عقلها.
, نهضت عواطف من مكانها لتستقبله، وشكلت دون وعي بجسدها حاجزًا أمامه لتمنعه من رؤيتها.
, هتف مجد مبتسمًا بسخافة:
, -سلامو عليكم يا حاجة!
,
, ردت عليه عواطف بحذر:
, -وعليكم السلام، شرفت يا معلم مجد!
,
, تابع قائلًا بجفاء بعد أن تلاشت ابتسامته:
, -ألف سلامة على الأبلة، احنا بردك مخلصناش نعرف باللي جرى ومانقومش بالواجب!
,
, ثم مد يده بباقة الورد مكملًا:
, -ده عشان الأبلة!
,
, ابتسمت له عواطف مجاملة وهي تشكره:
, -كتر خيرك!
,
, مــال مجد برأسه للجانب ليحدق في أسيف بنظرات جريئة وهو يقول بنبرة فجة:
, -ازيك يا حلوة؟ مش تسلمي عليا، ده أنا حتى ضيفك!
,
, ضغطت هي على أصابع كفيها بعصبية، ثم نهضت من مكانها قائلة بتردد:
, -أنا.. أنا طالعة عند بسمة!
,
, ضاقت نظراته حتى باتت أكثر حدة وهو يعاتبها بوجوم:
, -**** ****، هو اذا حضرت الشياطين!
,
, قبض منذر على كتف غريمه بأصابعه الغليظة، ورد عليه بسخط متعمدًا الاستهزاء منه:
, -كويس إنك عارف نفسك!
,
, تنفست أسيف الصعداء لوجود منذر هنا، فبعد ما عرفته عن جرائم ذلك الوقح باتت تخشى أن يجمعهما مكان واحد.
, أفزعها صوته وهو يقول بجمود:
, -طب حيس كده بقى أنا آآ٤ نقطة
,
, رفعت عيناها لتنظر إليه وهو يتابع بمكر عابث:
, -أنا جاي معاكي يا عسل أطل على العيانة!
,
, انخلع قلبها في صدرها من تصريحه المخيف هذا، فعجزت عن الرد عليه.
, هتف منذر مشدوهًا من جرأته الزائدة:
, -نعم!
,
, رد عليه مجد بوقاحة عنيدة متعمدًا السخرية منه:
, -ابقى سلك ودانك عشان تسمعني!
,
, استشاطت عيني منذر على الأخير، وبرزتا من محجريهما، فلو كانت النظرات تقتل لأودت بحياة غريمه توًا.
, شعر بأن نيرانه تآكله من داخله لمجرد الحديث مع دنيء مثله، كما أن سماحه له بالتطاول عليه دون ردعه يستنفذ صبره بسرعة.
, نظر له مجد ببرود وهو يبتسم قاصدًا استفزازه أكثر.
,
, لم يتحمل منذر أكثر من هذا، فقبض على ذراعه، ثم هدر فيه بصوت متشنج:
, -وقت الزيارة خلص، اتفضل طرقنا!
,
, أزاح مجد قبضته عنه هاتفًا بتحدٍ جريء:
, -وده اسمه كلام!
,
, صرخ به منذر مشيرًا بنظراته النارية:
, -يالا من هنا!
,
, رمقه مجد بنظرات قاتمة، ثم تبسم هاتفًا بنبرة خبيثة:
, -مش قبل ما أقول الكلمتين اللي عندي لـ ٣ نقطةآآ..
,
, صمت للحظة ليدير أنظاره نحوها، ثم تشكل على ثغره ابتسامة مراوغة وهو يتابع بنبرة غير مريحة مُطلقًا:
, -للحلوة دي، وعلى انفراد!
,
, انقبض قلبها برعب كبير من جملته المخيفة تلك، كما شحب لون بشرتها بفزع صريح. فشعرت ببرودة مفاجئة تجتاح خلاياها.
, ظنت عواطف أن هناك خطب ما فتساءلت بتوتر:
, -خير يا ابني في ايه؟
,
, تحولت نظرات منذر المظلمة إلى وجهها، فقرأ بوضوح – من خلال ملامحها – ما أشعل فتيل حنقه وأوصله لذروته، فهدر بعصبية جلية وقد تشنجت عضلات جسده بالكامل:
, -مش هاسمحلك تقرب حتى منها!
,
, رد عليه بهدوء قاس:
, -مش انت اللي تقرر يا ابن حرب، سامع!
,
, خشيت أسيف أن يتطور الوضع بينهما لمشاجرة عنيفة فتتسبب برفضها في إحداث فضيحة بالمشفى، وهي في غنى عن هذا الأمر، فهتفت متساءلة بدون تفكير:
, -إنت عاوز ايه؟
,
, سلط مجد أنظاره عليها، ثم ابتسم لها بصورة جعلت جسدها يجفل منه.
, جف حلقها حتى صار ما بقي من ريقها كالعلقم المر من فرط الخوف، وتسابقت نبضات قلبها كما لو كانت في سبق عَدِوٍ مما زاد من تدفق الدماء في جسدها ومن سرعة أنفاسها اللاهثة..
, تحرك بؤبؤيها نحو وجـــه منذر، فرأت في نظراته ما عنفها بقسوة لمجرد تفكيرها في إتاحة الفرصة له للحديث معها.
, هو بالفعل يخشى من تصرفها برعونة في تلك المواقف المهددة لسلامتها.
, تراجعت سريعًا عما كانت تنتوي التفكير فيه، وهتفت بتلعثم:
, -ممكن تقولي عاوز ايه هنا، احنا.. احنا مافيش بينا كلام!
,
, اقترب منها قائلًا بإهانة متعمدة وهو يشير بأصابعه:
, -مش قصاد الواغش!
,
, لكزه منذر بعنف في جانبه صائحًا بجموح:
, -اتكلم عدل بدل ما أقص لسانك!
,
, التفت مجد برأسه ناحيته، وكتم ألمه من تلك الضربة المباغتة.
, تنفس بعمق ليزفر بعدها ما حبسه من هواء داخل صدره ببطء، ثم رد بنبرة باردة متهكمة:
, -هي لا مؤاخذة الكلمة جت فيك!
,
, شرارات الاشتباك بدأت تتراقص أمام عيني عواطف، وأدركت أن بين لحظة وأخرى ستندلع حربًا حامية الوطيس بينهما، لذلك تدخلت في الحوار قائلة بحذر:
, -كلمني أنا يا معلم مجد، عاوز ايه من بنت أخويا؟ هي .. هي ضايقتك في حاجة؟
,
, رد بهدوء وهو يبتسم بسخافة:
, -كل خير يا حماتي!
,
, انفرجت شفتاها قائلة بتعجب كبير:
, -حماتك!
,
, حرك رأسه بالإيجاب وهو يضيف عن قصد:
, -اه، باعتبار ما سيكون يعني!
,
, ثم غمز لمنذر بعينه اليسرى متابعًا بعبث ماكر:
, -هو حد ضامن ايه اللي ممكن يحصل بكرة!
,
, ردد منذر بغيظ ظاهر على نبرته زافرًا بصوت مسموع
, -أوووف، استغفر **** العظيم يا رب!
,
, هتفت أسيف من الخلف بارتباك كبير:
, -قول يا أستاذ، حضرتك عاوز تتكلم في ايه؟
,
, رد عليها بعبث خطير:
, -هانقول الكلام واحنا وافقين، مش ناخد جمب كده!
,
, ارتعد قلبها من مجرد تخيل وجودها معه بمفردها، فانكمشت على نفسها أكثر، فردت بتوتر:
, -من فضلك أنا واقفت أتكلم معاك وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائًلا بإصرار:
, -يا حلوة مش هاخطفك، احنا هنقف كده هنا! دول بردك كلمتين يهموكي!
,
, قضت كلماته الأخيرة على أخـــر شعرة من صبر منذر، فانقض عليه ممسكًا إياه من تلابيبه وهو يصرخ فيه بانفعال جامح:
, -تخطف مين يا ابن الـ٧ نقطة!!
,
, كتمت أسيف بيدها فمها لتمنع شهقتها المصدومة من الخروج نتيجة تلاحمهما سويًا، ناهيك عن السباب اللاذع الذي أنبأ باشتعال مشاجرة عنيفة.
, احتقنت نظرات مجد من إهانته أمام المتواجدين، فوضع يده على قبضتي منذر محاولًا انتزاعهما وهو يرد بشراسة:
, -****! لأ كده أنا أزعل، مش شايفني واقف بأتكلم معاها، راجل أنا ولا هفأ عشان أخـــاف منك!
,
, انتفضت أسيف في مكانها حينما رن هاتفها فجـــأة.
, شعرت أن روحها ستخرج من جوفها لمجرد معايشة تلك التجربة المفزعة من جديد.
, وبأيد مرتجفة رفعت الهاتف إلى عينيها لتنظر في اسم المتصل.
, تمتمت لنفسها بنبرة مذهولة:
, -خالي فتحي!
,
, شعرت أن اتصاله ربما يكون نجاة مؤقتة لها من ذلك الموقف المتأزم.. فتحركت للخلف قائلة بجدية:
, -خالي بيتصل، عن اذنكم!
,
, أبعد مجد قبضتي منذر عنه، لكن لم يتحرك الأخير قيد أنملة من مكانه، وظل يقف بالمرصــــاد لغريمه.
,
, أولت أسيف الجميع ظهرها، وأجابت بتلهف على اتصاله:
, -ألوو، سلامو عليكم، أيوه يا خالي!
,
, جاءها صوته قائلًا بتأفف موجز:
, -وعليكم ..
,
, ازدردت ريقها بحرج كبير، ورغم هذا لم تظهر نفوره من حديثه معها، فتابعت قائلة بحماس مصطنع:
, -أخبارك ايه؟ وإزي الناس في البلد؟ وآآ٣ نقطة
,
, لم يمهلها الفرصة لمواصلة ثرثرتها الفارغة، فقطع استرسالها مرددًا بغلظة قاسية:
, -اسمعني يا بنت حنان أنا لا متصل أسلم ولا أسأل عليكي، ولا حتى عشان أرجع حبال الود!
,
, توجست خيفة من اتصاله الغامض، لكنها حافظت على ابتسامتها الباهتة.
, صدح صوته القوي في أذنها وهو يكمل بجحود:
, -اللي بينا اتقطع يا بنت حنان، وانتي السبب فيه، بس هاعمل ايه كنت مضطر أتصل بيكي عشان أبلغك بنفسي باللي حصل لبيت أبوكي
,
, وخــــزة عنيفة عصفت بقلبها عقب جملته تلك، فشخصت أبصارها بفزع وهي تردد بلا وعي:
, -بيتنا، ماله؟
,
, أجابها بتشفٍ متعمدٍ:
, -النار قادت فيه، وبقى كوم تراب!
,
, خفق قلبها بعنف متواصل وهي تهتف غير مصدقة:
, -لألألأ.. انت بتقول ايه!
,
, حدق منذر فيها باستغراب كبير، أدرك من تصرفاتها المبالغة ومن ارتفاع نبرة صوتها المفاجئة أن هناك خطب ما بها.
,
, لم يبدو مجد متأثرًا بها، فنظراته مسلطة فقط – وبتركيز مريض - على جسدها متخيلًا شكل انحناءاتها الطبيعية وهي متجردة مما ترتديه.
, وضع يده على مؤخرة رأســـه ليحكها عدة مرات متابعًا تخيلاته الغير بريئة عنها.
,
, شعرت أسيف أن قواها خارت فور تلقيها تلك الصدمة العنيفة، فأخر ما كانت تتوقعه هو اشتعال أكثر الأماكن حبًا وغلاوة إلى قلبها.
, ذلك المكان الذي عاشت فيه طفولتها، وحفرت في جدرانه المئات، بل عشرات المئات من الذكريات مع عائلتها الراحلة.
, هي قضت كل حياتها به، بل لم تتركه إلا مضطرة، وإلا لعادت إليه مسرعة.
, نعم هو أخــــر ما تبقى لها من روحهما الفانية.
, كل ركن فيه يضم قطعة من ماضيها العزيز، هو يحمل رائحة اشتاقت لها كثيرًا، فكيف يخبرها ببساطة أنه لم يعد لذلك المكان أي وجود وكأنه بلا قيمة؟
,
, اخترق صوته القاسي شرودها وهو يكمل بجفاء:
, -يعوض عليكي ****، سلام!
,
, انهارت يدها الممسكة بالهاتف للأسفل وهي تهز رأسها مستنكرة:
, -لأ، محصلش!
,
, تيقن منذر أن وراء تلك المكالمة فاجعة ما، فأسرع ناحيتها ليسألها بخوف:
, -حصل ايه؟
,
, قطبت عواطف جبينها متمتمة بقلق:
, -خير يا بنتي؟ مين اللي كان بيتصل؟
,
, دنا منها مجد بخطواته المتمهلة ليفرض نفسه عليها، ثم هتف متساءلًا بفتور:
, -مالك يا حلوة؟
,
, لم تكن أسيف في وعيها، كانت نظراته شـــاردة في مكان أخر يبعد عنها بمسافات..
, تلاحق في عقلها صور عشوائية لمراحل مختلفة من حياتها معهما فيه، فنهج صدرها باضطراب كبير.
,
, وضع منذر قبضته بحذر على كتفها ليهزها برفق وهو يسألها بخوف:
, -في ايه؟
,
, نظرت إلى يده على كتفها، فتراجعت خطوة للخلف وهي ترمش بعينيها.
, سحب منذر يده للخلف لكنه لم يبعد عيناه المتفرستين عنها، كان يشعر بريبة نظراتها، بشحوب وجهها المقلق.
, همست بصوت واهن مصدوم والكلمات تعجز عن الخروج من شفتيها:
, -بـ٣ نقطة بيتنا.. بيت بابا.. اتـ.. اتحرق!
,
, فهم ما قالته رغم تقطع صوتها، فسألها مهتمًا وهو محدق بها بثبات:
, -وده حصل ازاي؟
,
, أغمضت عيناها رافضة تصديق ما سمعته، وصرخت فجــأة بعصبية:
, -لأ، كدب، استحالة يكون ولع!
,
, خشي منذر من تكرار نوبة انفعالها، هو اختبرها من قبل، فهتف بحذر:
, -اهدي.. مافيش حاجة!
,
, وضعت يديها على أذنيها مانعة استمرار صدى كلماته المتشفية التي تثيرها بهما، وواصلت صراخها المصدوم:
, -لأ.. هو بيقول كده عشان يحرق قلبي، بيتنا زي ما هو، ايوه ، هو زي ما سيبناه!
,
, رفضت التصديق، أبت الإصــاغ ، بل نبذت بقسوة الجزن بحقيقة خسارة منزلها للأبد.
,
, سحبتها عواطف من مرفقيها إلى صدرها لتضمها إليها وتحتضنها.
, همست لها بتأثر:
, -شششش! مافيش حاجة إن شاء ****!
,
, حاولت احتوائها قبل تنفجر باكية، فالفاجعة أقسى في كل مرة.
, شعرت بثقل جسدها عليها، فهتفت بتوجس:
, -أسيف، ردي عليا!
,
, انتفض منذر في مكانه حينما رأها متراخية الأطراف في أحضان عمتها، وأيقن أن الصدمة أقوى من قدرتها على استيعابها، فاستسلم جسدها أمام ضربات الحياة الموجعة
, هو شعر بعنف معاناتها، فهي تتكبد كل خسارة وأخـــرى بما لا يترك لها المجال لتفيق أبدًا.
, هرول ناحيتها معاونًا عواطف في إسنادها مما جعل مجد يتصلب غيظًا في مكانه.
, هدر بصوت مكتوم يحمل الغل:
, -كده انت جيت عليا!
,
, لم تتركها عواطف، بل ظلت محاوطة إياها بذراعيها، لكن لم يدم الأمر طويلًا، فقد تكفل منذر برفع جسدها عن الأرضية وحملها ليضعها على أقرب مقعد..
, جثى على ركبته أمامها، وضرب على وجنتها برفق محاولًا إفاقتها:
, وقفت عواطف عند رأسها متساءلة بهلع:
, -بنتي، حصلك ايه بس؟
,
, رد عليها منذر بصوت متشنج:
, -بس الظاهر الزفت قريبها قالها حاجة زعلتها!
,
, ثم هب واقفًا ليصيح بنبرة مرتفعة:
, -دكتور بسرعة هنا!
,
, لمحته ممرضة ما، فنظرت إلى حيث يشير بيده، فهزت رأسها بتفهم وهي ترد:
, -حاضر ..!
,
, تفاجأ منذر بقبضة عدوه اللدود تغرز في كتفه لتزيحه جبرًا للخلف. فاستدار ناحيته ليرمقه بنظراته المحتدة.
, كز مجد على أسنانه هاتفًا بحنق:
, -عنك، دي حتى هاتبقى المدام، فميصحش تكون جمبها وأنا موجود!
,
, لوح منذر بذراعه بقوة فأبعد قبضته الموضوعة عليه، ثم هدر فيه مهددًا بعدائية صريحة:
, -لو مغورتش في ثانية من هنا، وعزة جلال **** ما تطلع إلا على المشرحة، وده أخري يا ١٤ نقطة!!
,
, تحداه مجد قائلًا بجموح:
, -ماشي.. إنت قولتها، وأنا هاخليك تنولها!
,
, ثم تراجع بجسده للخلف ليسدد بقبضته المتكورة بعنف لكمة قاسية في وجــــه منذر الذي تلاقها دون انتباه.
,
, صرخت عواطف مذعورة من اشتباكهما العنيف، فجلست على المقعد تحمي بجسدها ابنة أخيها وهي تتوسلهما باستعطاف:
, -**** يكرمكم بلاش!
,
, تلونت أسنان منذر بدمائه، لكنه لم يكترث بها، فثارت ثائرته، وانفجرت حمم بركانه المتأججة، وهجم على غريمه ليضربه بعنف أشد.
, وجـــه إليه لكمات متعاقبة في أنفه وعينه اليسرى، ثم طرحه أرضًا، وجثى فوقه ليكمل اعتدائه الوحشي عليه.
,
, اتسعت ابتسامة مجد المستفزة لتثير من هياج منذر أكثر، فدس أصابعه في فمه محاولًا كســـر فكه.
,
, استجمع الأخير كل قوته ليتمكن من دفع منذر للجانب فتحرر منه.
, احتاج هو فقط لثوانٍ معدودة كي يستعيد اتزانه، ثم انقض عليه مرة أخرى ليضربه بشراسة في أسفل بطنه.
, تأوه مجد صائحًا:
, -يا ابن الـ٦ نقطة!!
,
, رد عليه منذر بألفاظ نابية، وهو يوجه له ركلة عنيفة في ركبته أسقطته أرضًا.
, واصلت عواطف صراخها المتوسل فتجمع الممرضين ورجــال الأمن على إثر صوتها المفزوع.
, تفاجئوا بالتشابك الدائر بينهما فتدخلوا لإبعادهما عن بعض
, وبصعوبة بالغة تم فصلهما، واقتيادهما إلى غرفة الأمن الملحقة بالمشفى للتعامل معهما.
,
, حضرت ممرضة ما ومعها الطبيب لتفقد حال أسيف بعد فقدانها للوعي ..
, شرحت عواطف على عجالة ما حدث، فتفهم الطبيب أن الموضوع نفسي أكثر منه عضوي، لذلك وجه حديثه للممرضة هاتفًا بجدية:
, -خليهم يطلعوها فوق، وبلغي الدكتور محمد يجي بنفسه يشوفها!
,
, أومـــأت برأسها قائلة:
, -حاضر يا دكتور!
, ٣١ نقطة
, صفقت بكلتا يديها بحماس عجيب بعد أن رأتهما يتشاجران سويًا..
, تشكل على ثغرها ابتسامة شرسة تعكس نواياها الخبيثة.
, اختبأت نيرمين بالزاوية، وسلطت أنظارها عليهم. هي لم تتدخل من البداية رغم غيظها المحتقن من دفاعه عنها، واكتفت بالمراقبة من على بعد.
, احترقت أعصابها وهي تنتظر بفارغ الصبر تلك الجذوة التي أشعلت الحرب بينهما وجعلتها تحتد بضراوة مهلكة.
,
, تنفست بارتياح كاتمة بصعوبة كركرة ضحكتها الشامتة.
, لقد تحقق مبتغاها، وظفرت بجولة جديدة ضدها.
, ظهرت الفرحة في نظراتها الشيطانية، وهمست لنفسها بنبرة تشبه فحيح الأفعى:
, -و**** وجتلك على الطبطاب يا نيرمين ٥ نقطة !!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٧
وقف أمامه مطأطأ الرأس محرجًا من معروف أخـــر أسداه إليه لينجي ابنه من الزج به في السجن.
, ظل وجهه متجهمًا لأن عائلته دومًا تفتعل المشاجرات وينتهي الأمر بخسائر لكلا الطرفين.
, تدخل الحاج طه ليلملم المســألة بداخل غرفة الأمن بالمشفى قبل أن يتفاقم الوضــع..
, تنحنح مهدي هاتفًا بصوت متحشرج:
, -أنا هاتكلم معاه، وهافهمه غلطه، بس إنت فاهم الشباب دايمًا متسرع وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه طه قائلًا بصوت مزعوج:
, -مش كل مرة تسلم الجرة يا مهدي، واحنا جبنا أخرنا!
,
, ثم زادت نبرته قسوة وهو يتابع:
, -ومنذر خلاص معدتش مستحمل، أنا حايشه عن ابنك بالعافية، وإنت عارف كويس لو شيطانه ركبه هايعمل ايه٣ علامة التعجب
,
, ضغط مهدي على شفتيه مرددًا بتفهم:
, -ايوه
,
, حذره طه قائلًا بلهجة شديدة:
, -يا ريت نلم الليلة بدل ما نرجع نزعل كلنا! والمرادي هاتكون الأخيرة!
, هز رأسه قائلًا بهدوء:
, -إن شاء ****!
,
, مــد يده لمصافحته مضيفًا بامتنان:
, -وكتر خيرك تاني، سلامو عليكم!
,
, بادله طه المصافحة قائلًا:
, -وعليكم السلام والرحمة..
,
, تابعه بأنظاره حتى خرج من الباب الجانبي للمشفى ليلحق بابنه المنتظر بالسيارة بالخـــارج.
, دفع منذر باب المرحاض وهو يجفف وجهه بالمناشف الورقية ليحدق في وجه أبيه بنظرات معاتبة.
, ألقى ببقايا المناشف في سلة القمامة هاتفًا بامتعاض:
, -بردك سِبته يا حاج؟!
,
, رد عليه بعبوس:
, -هو مالوش ذنب، ابنه اللي جايبله الكافية، لكن مهدي زي ما انت شايف
,
, تجهمت قسماته أكثر وهو يرد بانفعال ملحوظ:
, -أها، وأنا مطلوب مني أفضل استحمل رخامة أمه لحد ما أموته وأخش فيه السجن!
,
, رد عليه طه بجدية:
, -اهدى يا منذر، هي خلصت
,
, صاح معترضًا بشراسة:
, -لأ مخلصتش لسه، طول ما فيها ديول مش هتنتهي وهنفضل في الموال ده ليل نهار!
,
, وقف قبالة أبيه لينظر مباشرة في عينيه وهو يكمل بعزم:
, -بس أنا خلاص خدت قراري!
,
, ضاقت نظرات والده وهو يسأله بتوجس:
, -ناوي على ايه؟
,
, أجابه بغموض هاديء:
, -على كل خير.. اطمن!
,
, تشكل على ثغره ابتسامة باهتة وهو يضيف بحسم:
, -وكله هيتحل بالهداوة والعقل!
, ٣٥ نقطة
,
, ضغط على ذلك الورم البائن أسفل فكه يتحسسه بحذر وهو ينظر إليه عبر انعكاس المرآة الأمامية بالسيارة.
, حدق فيه أخيه الأصغر بتعجب، ثم لوى ثغره مرددًا بنبرة تحمل السخرية:
, -هو علم عليك!
,
, ضاقت نظرات مجد للغاية، واكفهر وجهه وهو يجيبه بصوت مغتاظ:
, -متخلقش لسه اللي يعلم عليا
,
, ضحك مازن متهكمًا وهو يرد بنظرات ذات مغزى:
, -قديمة، ماهو باين على وشك!
,
, احتدت نظراته للغاية، وهتف بصوت متحشرج مهدد:
, -وليه الغلط يا ابن أبويا؟ متخليش الجنونة تطلع عليك وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه مازن قائلًا بفتور:
, -وعلى ايه يا سيدي! الطيب أحسن
,
, تابع مجد تهديده الساخط هاتفًا وهو يشير بيده:
, -وبدل ما بؤك يتفتح عليا كنت اتشطر على حتة حُرمة خليتك زي الخرقة، بتُهر قدامها!
,
, استشاط مازن من رده الوقح، وصاح منفعلًا:
, -يووه، مكانتش خدمة عملتهالي، مش حكاية يعني!
,
, كان أخاه على وشك الرد لكن منعه صوت والده الصادح بعصبية:
, -فوضت الأمر لله!
,
, التفت مجد بأنظاره نحوه ليطالعه بنظرات نارية. ثم كز على أسنانه هاتفًا بحنق:
, -روحت بوست رجله يا أبا، وذلتنا أكتر عشان يسامحنا وننول الرضا والسماح!
,
, فتح مهدي الباب الجانبي للسيارة ليجلس بالمقعد الخلفي، ثم صفقه بعنف وهو يرد بحدة:
, -الذل انت اللي جايبهولي بعمايلك السودة، ده بدل ما تحمد **** إن الدور اتلم!
,
, نفخ بعصبية قبل أن يتابع بغضب ضاغطًا على كتف ابنه الأصغر بإصبعيه:
, -اطلع من هنا خلينا نتكلم في حتة تانية!
,
, رد عليه مجد بوعيد شرس:
, -مات الكلام يا أبا!
, ٣٤ نقطة
,
, مسحت على جبينها برفق وهي تتنهد بعمق، لم تكن لتتحمل فاجعة أخرى تصيب ابنة أخيها. يكفيها ما لاقته من مآسي متعاقبة في فترة زمنية قليلة.
, جلست على المقعد الملاصق لفراشها الطبي، وهمست بتضرع:
, -هون عليها يا رب
,
, نظرت لها نيرمين بأعين حمراء هاتفة بتبرم ساخط:
, -ايه يا ماما؟ هاتسيبي أختي وتقعدي جمب دي!
,
, عنفتها عواطف بحدة:
, -دي تبقى بنت خالك، مش واحدة من الشارع، يا رب تفهمي ده بقى!
,
, اعترضت على دفاعها الدائم عنها وكأنها ملاك منزه عن الأخطاء مبررة بتهكم:
, -بس مش كده، كل شوية تعمل نفسها مغمى عليها، ومش قادرة وتلمكم حواليها، خلاص باخت العملية أوي!
,
, صاحت بها أمها بعبوس:
, -هو اللي شافته قليل! ارحمي عشان **** يرحمك!
,
, تجهمت قسمات وجهها أكثر، وهتفت بغيظ حانق:
, -ما أنا شوفت أكتر منها بكتير، وواقفة أهوو على حيلي، لا حد بيجي يلحقني، ولا حد هووب يشلني!
,
, رمقتها عواطف بنظرات مزدرية وهي ترد باقتضاب:
, -كل واحد وقدرته!
,
, وقف على عتبة باب غرفتها مترددًا في الدخول بعد أن عرف رقمها من الاستقبال الملحق بالمشفى.
, أراد أن يطمئن عليها بنفسه بعد حديث والده الغير مجدي بسبب اشتباكه المحتد مع عدوه الدنيء.
,
, سمع أصواتًا تأتي من الداخل، فضغط على شفتيه بقوة.
, لا بديل عن التراجع الآن، هو قد جاء، ولن يضيع الوقت في تفكير عقيم ومتردد.
, أخــذ نفسًا عميقًا لفظه دفعة واحدة، ثم دق على الباب بخفة وهو يهتف بصوت آجش:
, -احم .. سلامو عليكم
,
, أخفض نظراته حرجًا، وانتظر بهدوء الرد عليه.
,
, انتبهت نيرمين إلى صوته الذي تنتظره بتلهف، فتهللت أساريرها حينما رأته على عتبة الباب، وبلا تردد اتجهت إليه وهي تهدهد رضيعتها النائمة.
, تسارعت أنفاسها من فرط الحماس العجيب، وهتفت صائحة بدلال مفتعل:
, -سي منذر!
,
, تحاشى النظر إليها متساءلًا بحذر:
, -ايه الأخبار؟
,
, توهجت عيناها بوميض فرح، وزادت ابتسامتها السخيفة اتساعًا وهي ترد بنعومة:
, -أنا تمام وبخير! تسلم على سؤالك يا سي منذر.
,
, عبس بوجهه مصححًا بجمود قاسي:
, -مش قصدي انتي، أنا بأتكلم على بنت خالك .. أسيف!
,
, وكأنه صفعها بقوة مباغتة لتبهت ابتسامتها فورًا، وتظلم نظراتها. حل الوجوم على تعابيرها وهي ترد بازدراء:
, -كويسة!
,
, تحركت عواطف لتقف إلى جوار ابنتها، وهتفت مرحبة بود:
, -اتفضل يا بني!
,
, ابتسم قائلًا بهدوء:
, -متشكر، أنا بس جاي أطمن عليها وأشوفها بعد اللي حصل!
,
, ردت عليه عواطف بامتنان:
, -فيك الخير .. **** يباركلك!
,
, سألها منذر باهتمام:
, -الدكتور قال ايه؟
,
, أجابته بسجيتها وهي تبتسم:
, -اهوو حاجة كده في نفسيتها، بس هاتفوق وتبقى كويسة
,
, هز رأسه قائًلا بجدية:
, -إن شاء ****، عمومًا أنا هاروح أبص عليه واسأله بنفسي
,
, انزعجت نيرمين من اهتمامه الزائد بها، وشعرت بنيران الغيرة تآكلها حية، فهتفت بتبرم ساخط:
, -ماتتعبش نفسك يا سي منذر، دي تمثلية كل شوية تعملها، واحنا خدنا على كده! أكيد انت فاهم!
,
, نظر لها شزرًا وهو يرد بجفاء:
, -استغفر **** يا رب، ماتشوفيلي كده كوباية مياه باردة أشربها لأحسن ريقي ناشف!
,
, هتفت نيرمين بتلهف أعجب:
, -من عينيا، ده انت تؤمر يا سي منذر وأنا أنفذ على طول وأنا مغمضة!
,
, رد عليها بخشونة:
, -متشكر
,
, مدت ذراعيها برضيعتها الغافية لوالدتها قائلة بجدية:
, -خلي يا ماما البت معاكي عقبال ما أجيب لسي منذر أحلى مياه!
,
, بدت عواطف منزعجة من تصرفاتها المبالغة فيها، واستشعرت الحرج من أسلوبها معه، ومع ذلك لم ترغب في احراجها أمامه، لذلك تناولتها منها بحذر مرددة بوجه خالٍ من التعابير:
, -طيب!
,
, رمشت نيرمين بعينيها وهي تسبلهما نحوه، ثم همست بنعومة:
, -عن اذنك يا سي منذر!
,
, فرك طرف ذقنه بكفه دون أن يعقب، وأبعد نظراته عنها نافخًا بتبرم.
,
, استنشق أنف عواطف رائحة مزعجة صادرة عن الرضيعة، فاستشفت أنها بحاجة إلى تبديل حفاضها الداخلي.
, ابتسمت قائلة بهدوء:
, -هستأذنك يا ابني هاروح أغير للبت، انت عارف العيال وعمايلهم!
,
, أومــأ برأسه قائلًا:
, -ولا يهمك.. اتفضلي!
,
, تنفس منذر الصعداء لحصوله على فرصـــة للانفراد معها بعد ذلك الحصار المهلك لها.
,
, تابع عواطف بأنظار مترقبة حتى اختفت في الرواق، فوراب الباب قليلًا، ثم دنا من فراشها بخطوات متمهلة.
, عاود منذر التحديق في أسيف ليطالعها تلك المرة بنظرات مختلفة عن ذي قبل؛ بنظرات تحمل التلهف والشوق، الاهتمام والرغبة، وكذلك الخوف والاطمئنان.
, اقترب منها أكثر ليمعن في تفاصيلها، في تعبيرات وجهها الساكنة.
, رغم كل شيء فهي لا تزال متماسكة، صلبة، تقاوم بشراسة. آهٍ من تلك اللمحة الحزينة التي تكسو تعابيرها فتوخز صدره أكثر تجاهها.
,
, جذب انتباهه شيء ما، فدقق النظر في جفنيها اللذين كانا يتحركان بعصبية.
, رأى عبراتها تنســـاب ببطء لتبلل وجنتيها، ففغر فمه مدهوشًا، وتسأل بين جنبات نفسه عن سبب ذلك، زاد تعجبه وهو يردد بتوجس قلق:
, -هي بتعيط؟!
,
, ٤٢ نقطة
, كانت تصـــارع الأمواج العاتية بوهن كبير، وكلما نجت من واحدة، قذفتها الأخرى إلى مسافة أعمق في بحر أكثر ظلمة.
, كانت تصرخ لكن صوتها ظل حبيس صدرها، فقط شهقات مكتومة تكافح للصعود.
, اختنقت أنفاسها أكثر، وأوشكت على الغرق، فرأت ذلك البريق اللامع مسلطًا على أعينها، فأصاب رؤيتها المشوشة بعمى مؤقت.
, لكن كان فيه نجاتها حينما لمحت تلك الأطياف تمد أذرعها نحو لتنتشلها منه. فبكت من أعمـــاق قلبها، وامتزجت عبراتها ببقايا المياه العالقة بوجهها.
, رأت وجهًا مألوفًا يهتف باسمها بنبرة دافئة في ظل ذلك البرود القاسي، فلمست قلبها وتغلغلت فيه.
, مدت يدها نحوه علها تصل إليه.
, كادت أن تفشل في مسعاها، لكنه بلغها بإصراره.
, بدأت صورته تتضح تدريجيًا رغم تشوش الرؤية.. شعرت بلمسة رقيقة من أنامله على وجهها فأصابتها برجفة بسيطة.
, أمعنت النظر في ملامحه الجادة، لقد عرفته .. إنه هو٥ نقطة
,
, تهدجت أنفاسها اللاهثة وهي تهمس بصعوبة:
, -مـ.. منذر!
, ٣٥ نقطة
,
, انحنى على رأسها مستندًا بذراعه على حافة الفراش، ومد يده الأخرى نحو وجنتها محاولًا مسح تلك العبرات التي شقت طريقها في وجهها.
, شعر بانتفاضة جسدها بمجرد أن أزاحها رغم حرصه الشديد على عدم إزعاجها.
, رأى جفنيها وهما يفتحان بصعوبة، لقد بدأت أسيف في استعادة وعيها مرة أخرى.
, التقطت أذناه ما لفظته شفتيها رغم صوتها الذي بالكاد يمكنك أن تسمعه، لكنه عرف طريقه إليه. فخفق قلبه بقوة وتسارعت دقاته.
,
, لمحت طيفًا ما يسيطر على الأجواء من حولها، كان قريبًا للغاية، شعرت بأنفاسه تلفح وجهها.
, في البداية لم تتمكن من رؤيته بوضوح حتى اعتادت على قوة الضوء، فعرفته.. إنه نفس الطيف الذي لازمها في حلمها.
, همست باسمه بلا وعي:
, -منذر!
,
, سمع اسمه ينطق مرتين مجردًا من أي ألقاب، يُلفظ عفويًا فرفع نسبة الأدرينالين المتحمس بدمائه.
, اضطرب لوهلة، وتوقف عن التنفس مجمدًا أنظاره عليها.
,
, تسمرت نيرمين على عتبة الغرفة شاخصة أبصارها غير مصدقة ذلك المشهد الدائر بينهما.
, منذر يداعب وجنتها، وتلك البائسة همست بشيء ما له فجعله يرتبك بحرج.
, كانت كالبلهاء وهي محدقة في وجهيهما.
, سريعًا ما تداركت نفسها، وأفاقت من شرودها فيهما ليسيطر عليها الغضب المتعصب.
, تعمدت إرخاء أصابعها عن الكوب الزجاجي الذي تحمله في يدها ليسقط منها متهشمًا إلى أجزاء صغيرة، فانتبه كلاهما لوجودها.
, تحول وجه أسيف لكتلة من الدماء الخجلة رغم عدم وجود ما يشينها، لكنها تعلم نوايا ابنة عمتها السيئة.
,
, اعتدل منذر في وقفته ببطء، وتنحنح بصوت خشن.
, ولجت نيرمين إلى داخل الغرفة بخطى عصبية صائحة بانفعال:
, -في ايه اللي بيحصل هنا؟
,
, أجابها ببرود وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله:
, -ولا حاجة!
,
, ثم أشــار لها بعينيه متساءلًا بنبرة جافة:
, -فين المياه؟
,
, ردت بغيظ:
, -وقعت مني لما شوفتكم آآ٣ نقطة
,
, قاطعها بصرامة قبل أن تكمل عبارتها:
, -مش تاخدي بالك أحسن بدل ما تركزي في حاجات هتتعب أعصابك كتير!
,
, شعرت أسيف بثقل في رأسها، فوضعت يدها على جبينها تتحسسه هامسة بصوت واهن:
, -أنا .. أنا عاوزة أمشي من هنا
,
, رد عليها منذر بجدية صلبة:
, -مش قبل ما نطمن عليكي!
,
, تذكرت ما حدث قبل إغماءتها الأخيرة، إنها تلك المكالمة التي انتزعت أخر ما تبقى من ذكرى والديها.
, حرق قلبها بكلماته، وأشعل روحها بشماتته.
, توترت أنفاسها، وسيطر الحزن على تعابير وجهها الذابل، بدا صوتها مختنقًا وهي تصر على النهوض قائلة:
, -أنا لازم أسافر البلد.. بيتنا.. بـ.. بيتنا مش آآ٣ نقطة
,
, حاولت إزاحة الغطاء عنها، وإنزال ساقيها لكن وقف منذر قبالتها مهددًا بكف يده:
, -مش هتتحركي من هنا!
,
, رفعت عيناها نحوه لترمقه بنظرات معاندة وهي ترد بإصرار كبير:
, -هو .. هو بيكدب، أنا عرفاه، أنا لازم أسافر وأشوف بيت بابا!
,
, باتت لهجته ونظراته أكثر تهديدًا وهو يقول:
, -مش هايحصل
,
, استشعرت القوة في نبرته، فارتجفت منه.
, تنفس منذر بعمق ليحافظ على هدوئه معها، فأي تهور أو تجاوز معها قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
, حاول أن يبرر لها رفضه لذهابها قائلًا بإنزعاج:
, -إنتي ناسية اللي عمله فيكي قبل كده؟
,
, علقت غصة في حلقها وقد تذكرت قسوته العنيفة معها حينما توفت والدتها. لم يكن بقلبه أي شفقة.
, أخفضت رأسها متخاذلة لتهمس بنبرة مختنقة:
, -بس ده بيتنا، يعني حياتي كلها، إنت .. إنت مش فاهم حاجة!
,
, نفخت نيرمين بحنق، فقد بغضت استغلال ابنة خالها لقناع البؤس والشفقة لتستعطف الأخرين نحوها وخاصة هو.
, فهمست من بين شفتيها بسخط:
, -خشي عليه باسطوانة الهم بتاعة كل مرة!
,
, تفاجأت أسيف بيده تلامس طرف ذقنها برفق لترفع وجهها نحوه.
, حدقت فيه مدهوشة من تلك الحركة المباغتة، بينما شهقت نيرمين مصدومة من فعلته.
,
, رد عليها منذر بجدية وهو مسلط أنظاره المزعوجة عليها:
, -إنتي مش مقدرة الموقف كويس، سفرك لوحدك هناك معناه إنك بتديله فرصة يعمل اللي عاوزه معاكي من غير ما يكون في حماية ليكي! خالك فتحي مش سهل، وألاعيبه كتير، وانتي بنفسك جربتيه بدل المرة اتنين!
,
, تراجعت أسيف برأسها للخلف لتحرر ذقنها من ملمس يده الذي أصابها بالتوتر.
, حاولت أن تبدو صلبة وهي ترد بعِند:
, -لو بتفكر تمنعني مش هاتعرف، ده مش الدكان عشان تشتريه، ده بيتي، يعني ملكي، فيه ذكرياتي، وعمري كله وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بغموض:
, -اديني فرصة أشرحلك اللي أنا عاوزه
,
, كانت تقف على فوهة بركان يثور بحممه الملتهبة، هي كمن لا وجود له وسطهما.
, يتلامسان بالأصابع، يتبادلان النظرات والعبرات وهي كالمشاهد الصامت.
, شعرت بدمائها المغلية تحرق روحها من الداخل، فهتفت بانفعال ثائر:
, -ما يولع البيت ولا يتحرق على اللي فيه، احنا مالنا، انتي جاية وجايبة الخراب معاكي، ومش هترتاحي إلا لما تخلصي علينا كلنا بمصايب اللي ما بتخلصش!
,
, عجزت أسيف للحظات عن الرد عليها بسبب طريقها الهجومية والغير مراعية لمشاعرها.
, وقبل أن تضيف المزيد، كانت والدتها قد عادت إلى الغرفة، فنظرت إلى ابنتها باستغراب.
, كان صوتها صادحًا بالخارج، لكنها لم تفهم سبب ثورتها، وحينما دققت النظر ورأت أسيف في وعيها، انفرجت شفتاها عن بسمة راضية هاتفة بعدم تصديق:
, -بنتي، الحمد**** إنك فوقتي وبقيتي أحسن!
,
, مدت ذراعيها بحفيدتها نحو ابنتها، واقتربت من ابنة أخيها لتحتضنها وتقبلها من رأسها.
,
, دلكت ظهرها برفق بكفها، وربتت على كتفها قائلة بود:
, -**** يبعد عنك أي شر!
,
, ردت عليها أسيف بامتعاض:
, -يا رب
,
, تفرست عواطف في وجهها، ومررت أنظارها على أوجه البقية، فلاحظت توتر الأجواء وشحونها من صمتهم المريب.
, توجست خيفة أن يكون خطب ما قد حدث أثناء غيابها، لذلك تساءلت بقلق:
, -هو .. هو حصل حاجة تانية؟
,
, أجابها منذر بهدوء حذر:
, -هيحصل لو ما اتصرفناش صح!
,
, نظرت له بغرابة وهي تسأله بحيرة:
, -أنا مش فهماك يا بني؟ انت بتكلم عن ايه؟
,
, شـــــرح لها ببساطة عن إصرار ابنة أخيها على الذهاب بمفردها إلى بلدتها الريفية للتحري عن ذلك النبأ المؤسف الخاص باحتراق منزل والديها الراحلين، ورفضها تصديق خطورة الموقف.
, انزعجت عواطف من عنادها، وهتفت معارضة:
, -لا يا بنتي، مش هانسيبك تروحي لوحدك!
,
, بكت أسيف بقهر لعجزها عن تفسير مشاعرها عن أهمية ذلك المنزل لها، وضرورة ذهابها المُلح إلى هناك.
, أشفقت عليها عواطف هاتفة بتوسل:
, -يا بنتي اهدي واسمعيني، قريبك ده راجل شراني، و**** ما هيسيبك في حالك، تلاقيه مدبرلك على نية سودة!
,
, ردت عليها بصوتها المنتحب وهي تكفكف عبراتها بكفها:
, -ده بيت بابا يا عمتي، انتو مش فاهمين هو بالنسبالي ايه، لازم أروح أشوفه، هو بيكدب عليا، بيكدب٣ علامة التعجب
,
, مسحت عواطف وجهها براحتيها قائلة برجاء:
, -طيب اهدي يا بنتي، وبطلي عياط!
,
, نفخ منذر مستاءً من عنادها الأحمق. وضع يده على مؤخرة رأسه ليحكها بعصبية، ثم هتف من بين شفتيه بجدية:
, -ماشي، وأنا معاكي انه بيكدب، والبيت زي ما هو! وإنه قال بس كده عشان يجر رجلك لهناك!
,
, نظرت له بأعينها الدامعة دون أن تنبس ببنت شفة.
, اقترب منها أكثر، ثم أخرج زفيرًا مزعوجًا من صدره وهو يضيف بغموض مقلق:
, -طيب مفكرتيش للحظة إنه ممكن يكون فخ عامله ليكي؟
,
, تخبطت أفكارها من كلماته المريبة تلك.
, ربما يكون محقًا في أغلبها، لكن رغبتها في الذهاب أقوى من أي خوف.
, ظل منذر محدقًا في عينيها دون أن يطرف له جفن، ثم تابع محذرًا بجمود:
, -الراجل ده معتبر إن ليه تار عندنا، وصدقيني مش هايعديه بالساهل، فأكيد بيدبرلك حاجة!
,
, تابعت نيرمين ما يدور بينهما بتجهم كبير ظاهر على محياها، وعلى قدر المستطاع جاهدت ألا تثور من جديد كي لا تخسر ما تبقى لها من فرص أمام منذر..
, تمتمت مع نفسها بازدراء:
, -يا ريته كان طخك عيارين وموتي وريحتينا كلنا!
,
, ظلت أسيف صامتة لبرهة معيدة تفكيرها فيما قاله، لكن مشاعرها لا تزال هي المحرك الأساسي لها، فهتفت بصوتها المبحوح:
, -اطمن على بيتنا الأول وبعد كده يحصل اللي يحصل، المهم بيتنا يكون بخير ومش حصله حاجة!
,
, ود لو استطاع خنقها بيديه بسبب حماقتها الهوجاء، هي لا تقدر خطورة الموقف. تتصرف وفق أهوائها حتى وإن كانت مضللة.
, رفع كفيه في الهواء هاتفًا بسخط:
, -اها.. يعني مش فارق معاكي لو حبسك، ولا حتى خطفك وجوزك لأي كلب يعرفه!
,
, ابتلعت ريقها بتوجس، وأصرت قائلة:
, -ده.. ده بيتنا!
,
, أطلق منذر لفظًا نابيًا من بين شفتيه ولكن بصوت خفيض معبرًا عن سخطه الكبير من حمقها.
, رمشت بجفنيها ممتعضة من كلمته الفجة، لكنها لم تعقب عليه.
,
, أوشك على فقدان أعصابه أكثر، فهتف باقتضاب:
, -أنا طالع برا شوية!
,
, ثم تحرك بخطى متعجلة إلى خارج الغرفة ليضبط انفعالاته.
, لم يبتعد كثيرًا، بل استند بظهره على الحائط القريب.
,
, أغمض عيناه، وأخفض رأسه قليلًا هامسًا لنفسه بغيظ محتقن:
, -غبية!
,
, استشاطت نيرمين أكثر مما تفعله خاصة في حضور منذر، خاصة لأنها تنجح في الاستحواذ على اهتمامه بطريقتها تلك.
, تأججت بداخلها شحنة غاضبة، فقاومت رغبتها في إفراغها فيها، وبتريث أسندت رضيعتها على الأريكة مانعة نفسها من الخروج عن شعورها كي لا يظهر وجهها الحقيقي في وجوده.
, هي لا تريد إفساد الأمر على أهون سبب.
,
, أرادت عواطف أن تثني ابنة أخيها عن رأيها، فاقترحت قائلة بهدوء:
, -طيب بصي أنا عندي فكرة احنا نطمن على بسمة الأول وبعدها نروح نشوفه!
,
, ردت عليها نيرمين باستخفاف وهي تستدير نحوها:
, -يا عالم بسمة هاتقوم من اللي هي فيه امتى!
,
, ثم رمقت أسيف بنظرات احتقارية وهي تضيف بحنق:
, -والهانم مش صابرة، إياكش الناس تموت والدنيا تولع من حواليها، بس المهم هي والمخروب بتاعها!
,
, اصطبغ وجــــه الأخيرة بحمرة غاضبة من كلماتها المهينة والمسيئة إليها، ولم تستطع تحمل إهانتها أكثر من هذا، فهدرت فيها بعصبية وهي تشير بيدها:
, -ماتتكلميش عن بيتنا كده! محدش نصبك قاضي عليا، كل مصيبة تحصل تقولي أنا اللي وراها، لأ أنا السبب فيها، إنتي مجربتيش تخسري حاجة واحدة من اللي أنا خسرتها
,
, ردت عليها نيرمين بشراسة:
, -وانتي معشتيش لحظة من اللي عشتها، كل اللي بتعمليه سهوكة ومحن ودموع تماسيح عشان تتمحكي في غيرك يمكن يحنو عليكي!
,
, التقطت أذناه بالخــــارج صوتها المرتفع، فانتبهت حواسه بالكامل لطريقتها الفجة في الحديث.
, حدق أمامه بثبات وهو يصغي إلى باقي هجومها الكلامي العنيف.
, التوى ثغر نيرمين للجانب وهي تواصل حديثها بنبرة عدائية:
, -جايز تقدري توقعي واحد فيكي بلؤم الفلاحين بتاعك، بس أنا كشفاكي من زمان، وفهمت حركاتك دي من أول يوم جيتي فيه هنا، واللي بترسمي عليه في مخك، وحطاه في دماغك عشان يقع في دباديبك مش هايحصل، سمعاني، مش هايحصل لأني غصب عنك هاخده منك! هو بتاعي وبس!
,
, نظرت أسيف مدهوشة من حديثها الأكثر فحشًا على الإطلاق، هي تطعنها في سمعتها علنًا وبوقاحة شرسة.
,
, وزعت عواطف أنظارها المستنكرة بين الاثنتين هاتفة بعدم تصديق:
, -و**** عيب اللي بيتقال ده! ميصحش كده! إنتو عاوزين الراجل يقول علينا ايه؟
,
, ردت عليها نيرمين بعدم اكتراث:
, -خليه يعرف الأشكال اللي مديها قيمة على حقيقتها، وهي ماتسواش جزمة قديمة في رجلي!
,
, دنت أكثر منها مواصلة حديثها بنبرة مهددة:
, -بس انتي متعرفنيش يا يا ..بنت رياض خورشيد، أنا مش بأرحم اللي يفكر بس ياخد حاجة مني، افتكري ده كويس، أنا والطوفان من بعدي!
,
, لم يتخيل منذر مطلقًا أنه يتعامل مع شخصية حقودة مثلها، وتعجب أكثر لجحود قلبها نحو الأقرب إليها.
, وجهًا أخرًا كشف إليه منها، فضاقت نظراته بسخط جلي، مُحال أن تربطهما صلة ددمم وود ومحبة كما تزعم وهي تضمر نوايا سيئة تجاهها.
, أسلوبها الهجومي يعكس جزءًا من حقيقتها البشعة.
, لم يكن رأيه فيها من فراغ ..
, هي لا تصلح له حتى لو كانت أخر النساء على الأرض، ربما والدته مخدوعة في طيبتها الزائفة بسبب رغبتها الغريزية في الحصول على حفيد من صلبه من امرأة قادرة على الإنجاب، لكن بات الأمر محسومًا بل الأصح مقضيًا بالنسبة إليه ٥ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٨
اعتدل في جلسته بعد أن سجد للمرة الأخيرة ليشرع فيما تبقى من صلاته قبل أن يفرغ منها تمامًا.
, ارتخى قليلًا وهو يعاود ثني ساقيه أسفله، ثم أمسك بمسبحته يحركها ببطء شديد متمتمًا بأدعية من الذكر.
,
, تنهد الحاج إسماعيل بعمق وظل يهز رأسه بثبات وهو يتضرع للمولى عزوجل أن يتجاوز عن سيئاته.
, في نفس التوقيت ولج إلى المسجد أحد الشباب وهو يلهث بتوتر شديد.
, جاب بأنظاره المكان من الداخل باحثًا عن شخص بعينه.
, شعر بارتياح كبير حينما لمحه بجوار أحد الأعمدة، فأسرع في خطواته قاصدًا إياه.
,
, هتف الشاب بصوت متقطع:
, -حـ.. حاج إسماعيل!
,
, رفع الأخير رأسه نحوه متفرسًا في وجهه بنظرات غريبة وهو يرد:
, -بلال! خير يا ابني؟
,
, جثى بلال على ركبتيه هاتفًا بصوت خفيض ولكنه حذر للغاية:
, -حاج إسماعيل، أنا.. أنا كنت عاوزك في حاجة كده، فاضي شوية؟
,
, أومــأ برأسه قائلًا:
, -ايوه، في حاجة حصلت؟
,
, أجابه بارتباك ملحوظ:
, -أنا مش عارف إن كنت صح ولا غلط، بس.. بس أنا بقالي يومين محتار
,
, تعقدت تعابير وجه إسماعيل نوعًا ما متساءلًا بجمود:
, -ما تتكلم يا بلال على طول، عاوز تقول ايه؟
,
, ازدرد بلال ريقه وهو يجيبه بتلعثم:
, -هو يا حـــاج لو.. لو الواحد شاف حاجة و..آآ.. وسكت عنها يبقى كده كتم شهادة حق؟!
,
, رد عليه الأخير بحكمة:
, -ده يعتمد على اللي شافه، إن كان خير ولا شر، إن كان في مصلحة غيره ولا هيضره، بس في كل الأحوال مش لازم نكتم الشهادة، لأن ممكن يكون فيها نجاة لحد بريء!
,
, آمـــال بلال برأسه للأمام، وهمس بغموض حذر:
, -أصل أنا.. آآ.. بصراحة مش عارف إن كان ده ليه علاقة بدار خورشيد ولا لأ!
,
, بدا الاهتمام على تعابير وجه إسماعيل عقب جملته المريبة تلك، فسأله مستفهمًا:
, -وضح كلامك أكتر! تقصد ايه؟
,
, أجابه بتريث خافت:
, -أنا كنت معدي ناحية الغيط اللي في البر الغربي، وشوفت واحد جاي من ناحية الدار!
,
, عقد الحاج إسماعيل ما بين حاجبيه مرددًا بهدوء:
, -ما جايز كان معدي من الطريق اللي هناك!
,
, هتف بلال معترضًا بانزعاج:
, -لالالا يا حاج إسماعيل مش كده!
,
, ثم أخففض نبرته ليكمل بتوتر:
, -ده زي ما يكون كان خارج من جوا الدار، وطلع يجري وسط الزراعية زي ما يكون هربان من حاجة، وبعدها بشوية عرفنا بالولعة اللي مسكت في الدار!
,
, اتسعت حدقتي الأخير باندهاش كبير وهو يسأله بجدية:
, -إنت متأكد من الكلام ده؟
,
, هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:
, -اه يا حاج، زي ما بأكلمك كده!
,
, صمت الحاج إسماعيل لبرهة ليفكر مليًا فيما قاله، ثم أردف متساءلًا:
, -طب الجدع اللي شوفته حد نعرفه، من البلد يعني ولا آآ..؟
,
, حرك رأسه نافيًا وهو يجيبه:
, -لأ يا حاج إسماعيل، أنا مشوفتوش أوي، بس.. بس شكله غريب عن هنا!
,
, توقف الحاج إسماعيل عن تحريك حبات مسبحته، وأشار له بسبابته مضيفًا بهدوء جاد:
, -بس ده مش معناه إنه عمل الحكاية دي!
,
, فرك بلال ذقنه هاتفًا بنبرة شبه مقتنعة:
, -ايوه، جايز بردك..!
,
, ثم صمت للحظات قبل أن يهتف بتلهف وكأنه قد تذكر شيئًا ما:
, -بس أنا لمحت نفس الراجل واقف مع الحاج فتحي٣ علامة التعجب
,
, ارتفع حاجبي الحاج إسماعيل بذهول مصدوم وهو يهتف من بين شفتيه بعدم تصديق:
, -الحاج فتحي!
,
, أومــأ برأسه قائلًا بتأكيد:
, -اه
,
, لم يبدو الأخير مقتنعًا بتورط رفيقه في مسألة إحراق الدار، فهتف مدافعًا عنه بهدوء:
, -طب ازاي انت بتقول شكله غريب عن هنا، وواقف مع الحاج فتحي؟!
,
, أجابه دون تردد:
, -أنا كنت سايق الماكنة وطالع على الجمعية الزراعية أجيب تقاوي، فشوفت نفس الراجل بنفس الهدوم واقف معاه يكلمه!
,
, أثــــار الموضوع شكوكه بصورة مبالغة، فربما لم ينسَ الحاج فتحي بعد ما حدث مع ابنة ريــاض، وأراد الانتقام منها دون أن يدري أحد بهذا.
, همس لنفسه بتوجس كبير:
, -شكل الموضوع فيه إن.. وإن كبيرة أوي!
,
, تفرس بلال في وجهه محاولًا تخمين ما يفكر فيه، خاصة بعد أن طــــال صمته.
, استطرد الحاج إسماعيل حديثه متساءلًا:
, -طيب في حد يعرف بالكلام ده غيري؟
,
, هز رأسه نافيًا بجدية:
, -لأ يا حاج!
,
, مط فمه ليقول بهدوء رزين:
, -ماشي يا بلال..
,
, تساءل الأخير بحيرة واضحة عليه:
, -طب هاعمل ايه يا حاج؟ يعني قولي أتصرف ازاي؟
,
, أشـــار له بسبابته مرددًا بنبرة عقلانية:
, -استنى أما أشوف الحاج فتحي الأول وبعد كده هاقولك تعمل ايه، بس لحد ما أعمل ده ماتجبش سيرة باللي قولته لحد!
, -ماشي!
,
, تنفس الحاج إسماعيل بإنهاك وهو يضيف لنفسه بقلق:
, -ليه كده بس يا فتحي، شكلك ورطت نفسك في بلوى، ومش هتخلص منها أبدًا!
, ٣٥ نقطة
,
, اكتشف جزءًا دنيئًا من شخصها الحقير، جزءًا لا يعرف إلا القسوة والجحود.
, هي برعت في ارتداء قناع البراءة وخدعت به من هم على سجيتهم، لكنها لم تتمكن أبدًا من إقناعه بحيلها.
, لم يرد إظهار معرفته بما يضمره قلبها، فتعمد رفع نبرة صوته ليحذر قاصدًا من وجوده بالرواق:
, -ماشي يا دكتور، ولو في حاجة بلغني!
,
, انتبهت نيرمين لصوته الصادح، فتراجعت نحو للأريكة لتجلس إلى جوار رضيعتها.
, رسمت على ملامحها تعابير جامدة، وكأنها كالحمل الوديع.
,
, طعنات أخـــرى تلقتها أسيف من الأقرب إليها، وهي التي لم تعامل أي منهم بالسوء، ذنبها الكبير، بل جريمتها الفادحة أنها أرادت فقط أن تحظى بعائلة أكبر، وفي مقابل هذا خسرت ما بقي من كرامتها ناهيك عن الإساءة إلى سمعتها.
, ابتلعت مرارة الإهانة بقهر عاجز، وكسى الحزن وجهها.
, نظرت إليها عواطف بقلة حيلة، فهي لا تستطيع صد ابنتها عن الاستمرار في أسلوبها الفج معها، دومًا تحبطها بكلماتها اللاذعة أو تعنفها بفظاظة موجعة.
,
, ولج منذر إلى داخل الغرفة، وسلط أنظاره على أسيف التي كانت في حالة تحسد عليها.
, لم يبعد بأنظاره عنها، وظل محدقًا بها مطولًا بقصد إغاظة تلك السمجة التي تجلس خلفه.
, كم ود أن يلقنها درسًا قاسيًا لوقاحتها الشرسة معها، لكن من الكلمات ما يُقتل، ولهذا أراد أن يذيقها من حدته الجافة. استطرد حديثه قائلًا بصلابة:
, -عاوز تسمعي كلامي للأخر، و تبقي متأكدة إن الموضوع ده لمصلحتك مش لحاجة تانية!
,
, طالعته أسيف بنظرات حائرة، فقد بدا حديثه غامضًا بالنسبة لها، لكنه كان مقلقًا لنيرمين التي كانت تحترق بغيرتها من خلفه.
,
, تساءلت عواطف بفضول:
, -مصلحة ايه دي؟
,
, أضافت أسيف بتوتر:
, -أنا مش فهماك
,
, دنا منها لتتقلص المسافات أكثر بينهما، وتشتعل ألسنة الحقد بداخل نيرمين
, وقف قبالتها، وأسبل عينيه نحوها وهو يجيبها بنبرة هادئة لا يعكر صفوها شيء:
, -انتي عاوزة تشوفي بيت أبوكي، صح؟
,
, أومـــأت برأسها إيجابًا دون أن تلفظ بكلمة واحدة، فتابع بجدية مريبة:
, -وعشان تخشي البلد عندكم لازم تبقى راسك مرفوعة، محدش كاسر عينك بحاجة، مظبوط؟
,
, ردت بصوت خفيض يشوبه الارتباك:
, -أيوه
,
, زادت نبرته غموضًا وهو يقول:
, -وخصوصًا لو قريبك فتحي ده حب يفرد عضلاته عليكي
,
, هزت رأسها بإيماءات متتالية مرددة بقلق:
, -أها
,
, صمت لثوانٍ لتُشحن الأجواء أكثر، ثم تابع بجدية تامة دون أن يطرف له جفن
, -خلاص يبقى أخطبك رسمي!
,
, فغرت أسيف شفتيها مشدوهة من اقتراحه الغير متوقع، وظلت تنظر له ببلاهة محاولة استيعاب ما قاله توًا.
, عقدت المفاجأة لسانها وجعلتها تصمت مجبرة.
, وكأنه في نفس الوقت قد ألقى بقذيفة (أر بي جي) في وجــــه نيرمين ليفتك بها في الحال، فصرخت شاهقة بلا وعي وهي تلطم على صدرها:
, -يا نصيبتي! تخطبها!
,
, التفت منذر برأسه نحوها لينظر لها ببرود مستمتعًا بردة فعلها. ثم أجابها بشماتة متعمدًا استفزازها:
, -أه، ومن أمك.. الست عواطف! ها عندك مانع؟
,
, اتسعت حدقتيها على الأخير حتى كادتا تخرجان عن محجريهما، فابتسم لها ابتسامة متشفية.
, هي نالت ما تستحقه عن جدارة. يكفيه رؤية تلك الحسرة في عينيها ليشعرها بقيمتها الحقيقية.
,
, للحظات شعرت بارتخاء ساقيها وعجزها عن الوقوف من قوة تأثير الصدمة.
, طارت أحلامها الوردية وذهبت في مهب الريح، وتبخرت مخططاتها المستقبلية في ثوانٍ معدودة.
,
, هتفت عواطف متساءلة باندهاش عجيب لتخرجه من شروده السريع:
, -بس ايه الفايدة من إنك تخطبها يا ابني، وآآ٤ نقطة؟
,
, استدار ناحيتها ليجيبها بجدية صلبة:
, -لأن اللي زي قريبها وغيره هايتكاتروا عليها، وهي جربت ده قبل كده معاه!
,
, كان محقًا في هذا، فرفعت أسيف عفويًا يدها نحو وجنتها لتتحسسها متذكرة تلك الصفعة العنيفة التي تلقتها منه في أصعب أوقاتها.
,
, ألمه رؤيتها تفعل هذا، فقد كان شاهدًا على شراسته معها،
, أضــاف بامتعاض محاولًا تمرير تلك الذكرى المزعجة عن باله:
, -الحريم عندهم مالهومش قيمة، وهيستفردوا بيها، ومش بعيد يطردوها كمان ويبهدلوها!
,
, حدقت فيه أسيف بوجه خالٍ من التعابير، كلماته كانت كحد السيف، أغلبها صائب.. فهي قد رأت الجانب الأخر من حقيقة الحاج فتحي.
,
, بدت نبرته أكثر خشونة وهو يكمل بنبرة صارمة:
, -لكن لما تروح وهي في حماية راجل هما عارفين يقدر يعمل ايه كويس هيفكروا ألف مرة قبل ما يتعرضولها ولا حتى يمسوها بشعرة!
,
, كانت رافضة وبشدة لذلك الاقتراح، هي لا تريد الدفع بنفسها في أمر لا تضمن عواقبه، لذلك اعترضت هاتفة بتوتر :
, -بس.. بس أنا مش عاوزة أتخطب ولا أتجوز حد!
,
, أرادت نيرمين إفســــاد الأمر بعد أن استشعرت خطورة الموقف، لقد تخطى أبعاده ما خططت له، لذلك عمدت إلى ذكر مسألة الدكان، لعلها تنجح في إحداث مشاحنة جديدة بينهما.
, هتفت هي بنبرة مزدرية:
, -وماله، وأهوو بالمرة تمسك الدكان كله! برافو يا سي منذر!
,
, استشاطت نظراته نحوها بعد جملتها تلك. لكنه ضبط انفعالاته ليفكر سريعًا في حل لتلك المعضلة قبل أن ترفض أسيف اقتراحه بسبب نزق تلك الحقودة الأهوج.
,
, لوهلة تناست أسيف مسألة دكانها العتيق، فتجمدت نظراتها على نقطة ما بالفراغ، وقبل أن يعبث شيطان رأسها أكثر بأفكارها، أخرجها منذر من شرودها صائحًا بجمود وهو يفرقع بإصبعيه أمام وجهها:
, -انتي لسه ما سمعتيش كلامي للأخر!
,
, انتبهت له، وضاقت نظراتها نحوه وهي ترد بحدة خفيفة:
, -حاجة غير الدكان؟
,
, أجابها بجدية :
, -لو عقلك مصورلك إني بأعمل ده عشان خاطر الدكان تبقي غلطانة، دكانك هرجعهولك لو وافقتي على الخطوبة!
,
, اندهشت من كلماته الأخيرة، وهمست غير مصدقة تطور الأمور معها:
, -ايه؟
,
, تابع منذر موضحًا بثبات:
, -اعتبريه مهرك، هاعملك تنازل عن حصتي فيه!
,
, شهقت نيرمين مصدومة وهي تتساءل:
, -انت بتكلم بجد؟
,
, رمقها بنظرات نارية مجيبًا إياها بقسوة:
, -أكيد مش بأهزر، وبعدين ده كلام بيني وبينها، وأمك وبس، فبلاش تتحشري في اللي ملكيش فيه!
,
, لم تتحمل أكثر من هذا، فنهضت من على الأريكة مواصلة صراخها المصدوم:
, -بقى إنت يا سي منذر عاوز تخطب دي، لييييه؟ واشمعنى هي بالذات!
,
, تجاهل الرد عليها بعد أن نظر لها باحتقار، ثم استدار برأسه ليحدق في أسيف التي كانت محدقة بنيرمين، فردة فعلها حقًا كانت مبالغة فيها حتى وإن كان احتجاجها الرافض يثير بداخلها تساؤلات كثيرة.
, هي مصدومة من تصريحه، لكنها لا تقارن بصراخ نيرمين المتواصل.
, هتفت أسيف معترضة:
, -يعني عشان أشوف بيتنا أتخطبلك، ده اسمه جنان رسمي، استحالة أوافق على ده!
,
, رد عليها بهدوء جاد:
, -بصي على النص التاني من الموضوع، هايرجعلك الدكان!
,
, أصرت على رفضها قائلة بثبات:
, -لأ، مش موافقة!
,
, ضغط على شفتيه مغتاظًا من عنادها الأحمق، هو مُصر على الارتباط الرسمي بها ومتمسك بتنفيذه لأبعد الحدود، ولن يتنازل عن هذا الأمر مهما حدث، ليس الأمر بسبب تلك الأسباب الظاهرية التي أعلن عنها، وإنما لأسباب أخرى تخصه لا تدري هي عنها أي شيء. لكن حينما يحين الوقت المناسب ستعرفها ٣ نقطة
,
, تابع قائلًا بنبرة عقلانية متريثة:
, -خدي وقتك وفكري كويس!
,
, أوشكت على فتح شفتيها لتقول شيء ما، لكنه وضع سبابته على فمها في حركة جريئة ومفاجئة منه مكملًا بتحذير:
, -ويا ريت تنسي أي خلافات بينا، وتبصي لمصلحتك الأول!
,
, جحظت نيرمين بعينيها غير مصدقة ما تراه الآن، هو يتعمد استثارة انفعالاتها أكثر بتصرفاته المتجاوزة معها.
, احتدت ثروتها المكتومة بداخلها، واصطبغ وجهها بحمرة مبالغة.
,
, سحب منذر إصبعه للخلف مضيفًا بابتسامة عذبة:
, -أنا مش مستعجل ردك، بس احسبيها صح يا بنت رياض!
, شعرت نيرمين أن الأمر يفوق قدرتها على الاحتمال، فأصاب رأسها دوار كبير، وترنح جسدها على إثر قوته التي كادت تفتك بها.
, لاحظت عواطف ما أصاب ابنتها، فهتفت بذعر:
, -نيرمين!
,
, تسارعت أنفاسها فخرج صوتها لاهثًا وهي تقول بصعوبة:
, -الحقوني، آآه! دماغي هتنفجر!
,
, هوى جسدها المنهك نفسيًا على الأريكة، فأسرعت والدتها نحوها لتتفقدها هاتفة بفزع:
, -بنتي، مالك يا نيرمين؟ ايه اللي حصلك؟
,
, تسمر منذر في مكانه غير مكترث بما آلم بها، بينما بقيت أسيف في مكانها جالسة على طرف الفراش شاردة في عالم أخر..
, التفت بأعينه نحوها، وطالعها بنظرات أكثر عمقًا.
, تمنى لو تركت مشاحناتهما جانبًا وفكرت بتعقل في اقتراحه..
, ربما يكون هو أول دربه الصحيح معها لتكتشف بتأنٍ ما يكنه من مشاعر لها.
, ٤٥ نقطة
,
, -اللي قالك كده كداب، وابن ستين ٥ نقطة!!
, هدر الحاج فتحي بتلك العبارة مستنكرًا اتهام رفيقه الحاج إسماعيل بتدبير حادث إحراق منزل رياض خورشيد.
, نظر له الأخير قائلًا بجمود:
, -وهو هيفتري عليك بالباطل، أكيد لأ يا فتحي!
,
, رد عليه محتجًا بانفعال:
, -وانت صدقته على طول، ده شكله واحد من اللي بيكرهوني وعاوز يلبسني في نصيبة!
,
, اعترض الحاج إسماعيل على هجومه قائلًا بتريث:
, -هو مش من دول!، أنا واثق فيه!
,
, صاح فيه بغضب:
, -لأ يا حاج إسماعيل، أنا عاتب عليك!
,
, دقق الأخير النظر في وجهه، بدا غير مقتنع بعصبيته الزائدة، فبلال مشهود عنه بنيته الطيبة، وصدق أقاويله.
, هو لا يدعي بالباطل على أي شخص، لكنه كان أمينًا فيما رأه.
,
, أردف الحاج إسماعيل قائلًا بتمهل:
, -عمومًا لا عتاب ولا لوم، الحكاية في ايد المركز وهما هيتصرفوا!
,
, رد عليه بتهكم:
, -يا ريت، عشان الحق يبان!
,
, تساءل إسماعيل باهتمام:
, -على كده بنت المرحوم رياض عرفت باللي حصل في دارهم
,
, التوى ثغره للجانب وهو يرد على مضض:
, -أيوه، أنا قولتلها
,
, سأله مهتمًا بمعرفة ردة فعلها:
, -أها.. وقالت ايه؟
,
, تهدل كتفيه للأسفل قائلًا بنبرة غير مبالية:
, -معرفش، ومايفرقش معايا!
,
, اقتضب الحاج إسماعيل في حديثه معه بعد حصوله على ما يريد، فهتف قائلًا:
, -طيب.. فوتك بعافية!
,
, توجس فتحي خيفة أن يكون أمره قد كُشف، فهتفت بتوتر بائن عليه:
, -إنت كنت جاي في ايه وماشي على طول؟!
,
, أجابه بهدوء جاد:
, -جيت أفهم منك اللي حصل، وطالما إنت ملكش دعوة خلاص هاخلي اللي بلغني يقول اللي يعرفه للمركز، وهما آآ٥ نقطة
,
, صاح فتحي مقاطعًا بانفعال:
, -إنت عاوز تورطني وخلاص يا حاج إسماعيل؟
,
, رفع يده أمام وجهه قائلًا بعبوس:
, -لأ، بس مقدرش أسكت عن الحق، ودي كتم شهادة مهمة جايز تفيدهم
,
, ارتبك فتحي أكثر من إصراره على المضي قدمًا في إبلاغ الشرطة بما رأه ذلك الشخص الغامض، فهتف مهددًا بتهور:
, -انت كده بتخسرني يا حاج!
,
, تيقن الحاج إسماعيل وجود خطب ما من توتره الزائد عن الحد، فسأله بجدية:
, -وإنت خايف من ايه؟
,
, ابتلع ريقه مرددًا بحذر:
, -مش خايف، بس هاتعمل شوشرة مالهاش داعي حواليا، وإنت عارف الناس في البلد هنا مابتصدق
,
, رد عليه إسماعيل بجمود:
, -صاحب الحق مابيخفش يا حاج فتحي!
,
, ثم ابتسم بثقة قبل أن يودعه قائلًا:
, -سلامو عليكم يا حاج فتحي!
,
, لم يبادله السلام، بل ظل محدقًا فيه وهو يبتعد بنظرات قاتمة، لقد حدث خطأ غير مقصود في مخططه سيودي به إلى التهلكة.
, همس من بين شفتيه بحنق:
, -آآآخ، طلعلي منين الكلب ده؟
,
, كور قبضة يده ضاغطًا على أصابعه بقوة وهو يضيف بنبرة متوعدة:
, -بس لو أعرف هو مين .!!
, ٤٤ نقطة
,
, أصدرت أنينًا خافتًا وهي ترتشف القليل من كوب الماء الذي تمسك به والدتها.
, وضعت يدها الأخرى على جبينها تتحسسه برفق، ثم حركت رأسها للجانبين ناظرة حولها بأعين زائغة.
, وجدت نفسها ممددة على الأريكة بنفس الغرفة.
, تأوهت مجددًا، ثم ابتلعت ريقها وهي تتساءل بنبرة ثقيلة واهنة:
, -أومال .. أومال سي منذر فين؟
,
, أجابتها عواطف بتنهيدة ارتياح:
, -خضتيني عليكي!
,
, ردت عليها نيرمين بإلحاح:
, -هو.. هو مشى؟
,
, أسندت عواطف الكوب على الطاولة القريبة، ثم أجابتها بإيماءة مؤكدة برأسها:
, -أيوه!
,
, فركت نيرمين جبينها بأصابع يدها متساءلة بفضول:
, -طب.. طب ايه اللي حصل؟
,
, ردت عليها أمها ببساطة:
, -وقعتي من طولك واحنا بنتكلم!
,
, للحظة ظنت أنه اهتم بها حينما فقدت وعيها، وربما يكون قد حملها مثلما فعل مع البائسة أسيف، فهتفت متساءلة بتلهف:
, -وسي منذر عمل ايه؟
,
, ردت عليها عواطف بفتور:
, -ولا حاجة!
,
, تشكلت علامات الانزعاج على وجهها، خاب ظنها تماماً،.
, حاولت أن تضبط أعصابها، فسحبت نفسًا عميقًا، ثم زفرته على مهل وهي تضيف متساءلة بتجهم:
, -طب.. طب مين شالني؟
,
, هزت عواطف كتفيها قائلة بسجيتها:
, -محدش، انتي وقعتي على الكنبة، وأنا فردت جسمك عليها، وفضلت جمبك لحد ما منذر نده للدكتورة تشوفك
,
, كادت تصاب بالشلل من تبخر أبسط ما تمنته، فكزت على أسنانها متابعة بامتعاض جلي:
,
, -كمان، طب وبعدين؟ يعني هو مثلًا اتخض عليا وآآ..
,
, قاطعتها قائلة بجفاء:
, -لأ، سابك ومشى يشوف اللي وراه!
,
, عجزت عن الرد عليها من قوة تأثير الصدمة عليها، فكل ما فكرت فيه وهي فاقدة للوعي صار هباءً منثورًا، وكأنه لم يكن من الأساس..
, لم يهتم بها، ولم يعبأ بإحساس الغيرة بداخلها. بل الأسوأ أنه لم يشعر بوجودها.
, سيطرت عليها الحسرة وهي تتمتم بازدراء ساخط:
, -ايييه! مشى، يادي أم النحس اللي أنا فيه، حتى في دي فقر ٤ نقطة ٤ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٩
اعتاد التسلل خلسة دون أن ينتبه لوجوده أحد ليطمئن عليها بعد أن يعطي الممرضة المسئولة عن رعايتها بداخل غرفة العناية الفائقة مبلغًا نقديًا لتسهل مروره للداخل في غير أوقــــات الزيارة الرسمية كي يحظى بفرصته معها دون أي مقاطعة.
, كان يراقبها لفترات مطولة ممعنًا النظر في تفاصيل وجهها المستكين.
, لم يأتِ بباله مطلقًا أنه سيحب من جديد بعد الخدعة التي وقع بها، بل وسيتعلق فؤاده بها تحديدًا، تلك التي كانت بعيدة كل البعد عن مخيلته لتتسلل على مهل بطريقة أو بأخرى إليه فتحوز على مكانة خاصة بها في قلبه.
, تنهد ديــــاب بعمق مخرجًا ثقلًا كبيرًا مليئًا بالهموم يجثو على صدره.
, أخفض نظراته ليحدق في ملخص تقريرها الطبي المعلق على حافة الفراش لكنه لم يفهم منه شيئًا.
, ما أراحه نوعًا ما أنه لم يفوت فرصة للسؤال عن تطور حالتها الصحية من الأطباء المتابعين لها.
, دنا من فراشها أكثر، وطالعها بنظرات شغوفة محببة.
, حرك يده ناحيتها، ثم تلمس كف يدها الساكن بحذر تام .
, انحنى على رأسها ليهمس لها قائلًا:
, -طولتي أوي يا بسمة، ارجعيلنا تاني يا "حبيبتي"!
,
, وكأنه كان يعمد لاستخدام أسلوب التحفيز والتحميس علها تستجيب لندائه المشتاق وتخرج من ظلماتها الإجبارية.
,
, انحنى أكثر عليها ليطبع قبلة صغيرة على جبينها ليتراجع بعدها سريعًا للخلف قبل أن يراه أحد.
, أخرج زفيرًا مشحونًا من صدره، ثم ودعها هامسًا:
, -هارجعلك تاني يا حبيبتي!
,
, تحرك بخطى متعجلة نحو باب غرفتها ليخرج منها قبل أن تلتقطه الأعين.
, ٤١ نقطة
,
, -رايحة فين يا بنتي؟
, تساءلت أمها بتلك العبارة بعد أن رأتها تنهض عن الأريكة لتحمل رضيعتها من على الفراش وتتجه بها نحو باب الغرفة.
,
, التفتت نيرمين برأسها نحوها قائلة بسخط:
, -مالهاش لازمة الأعدة
,
, ردت عليها عواطف معترضة على تصرفها الأحمق:
, -ده انتي لسه قايمة من دوخة، خليكي شوية بدل ما تقعي من طولك ومحدش يلحقك
,
, نظرت لوالدتها شزرًا وهي تهتف بتهكم:
, -كان لحقني في الأول، لكن زي قلتها، كله محصل بعضه!
,
, كزت على أسنانها متابعة بحنق واضح:
, -وجايز لو أعدت أكتر من كده أتجلط باللي بيحصل هنا!
,
, تنهدت أمها قائلة باستياء:
, -ماهو على يدك المصايب ملاحقنا ومش سيبانا في حالنا! هنعمل ايه يعني؟
,
, زاد سخطها وهي تقول:
, -كفاية هي تتخطبله وتتهنى!
,
, قطبت عواطف جبينها متساءلة باستغراب:
, -وإنتي ايه اللي مزعلك؟ ده حل مؤقت لظروفها، يعني مش عارفة قريبها عمل ايه المرة اللي فاتت؟!
,
, أغاظها دفاع والدتها المستميت عنها مبررة كل موقف يحدث معها، فتمتمت من بين شفتيها بحدة:
, -بنت الحرام لعبتها صح وبلفته في عبها، بس لسه الحكاية في أولها ومخلصتش!
,
, لم يبدو صوتها واضحًا، فسألتها عواطف مستفسرة:
, -انتي بتكلمي نفسك؟ علي صوتك شوية!
,
, ضمت رضيعتها إلى صدرها قائلة باقتضاب عابس:
, -أنا ماشية
,
, ثم تحركت بعدها إلى خـــارج الغرفة وهي تشتعل غيظًا مما حدث، وبالطبع لن تدع الأمر يمر على سلام حتى وإن كان عرضًا زائفًا، هي نوت على تخريبه، وستسعى جاهدة لإفساده.
, تنهدت والدتها هامسة بضجر بعد انصرافها:
, -هاقول ايه بس غير **** يهديكي
, ٤١ نقطة
,
, لم يضمد جروحه أو كدماته البارزة على وجهه، بل توجه مباشرةً إليها بنفس ثيابه الغير مهندمة.
, هو يشك بدرجة كبيرة أن وراء تواجدها بالمشفى خطب أخر غير الزيارة الاعتيادية للمريض، وخاصة في وجود منذر والذي بادلته بنظرات استجداء وكأنها تطلب منه الحماية.
,
, استدعى مجد عددًا من أتباعه ليأتوا بصحبته.
, ســــار بوحشية مهددة في وسط الطريق المؤدي إلى صيدليتها ومن خلفه رجاله الذين على نفس شاكلته.
, تجنب من يمر بهم الاحتكاك به أو بأحد من أتباعه الأشداء.
, الأجواء توحي بوقوع كارثة وشيكة، لكن لم تتحدد معالمها بعد.
,
, فركت فاطمة جبينها بإصبعيها وهي تقرأ وصفة الطبيب الورقية لتحضر المطلوب منها، ابتسمت قائلة للكهل الواقف أمام طاولتها الزجاجية:
, -هما كلهم موجودين ماعدا أخر واحد!
,
, سألها الكهل بصوت متقطع:
, -يعني أشتريه من حتة تانية؟
,
, ردت موضحة:
, -لأ هو قليل في السوق، بس هاحاول أجيبلك البديل ليه، نفس المفعول تقريبًا. ايه رأيك؟
,
, تهدل كتفيه مرددًا باستسلام:
, -ماشي يا بنتي!
,
, أولتها ظهرها لتطالع أرفف الأدوية لتأتي بالمطلوب، وقبل أن تمد يدها للرفع العلوي سمعت صوتًا غليظًا يصيح بشراسة مخيفة:
, -بــــــــــــــــــرا يا ولاد الـ ٦ نقطة٣ علامة التعجب
,
, التفتت وجسدها ينتفض خوفًا نحو صاحب الصوت فرأته ذلك الخسيس القذر يقتحم عليها صيدليتها وبصحبته أشخاصًا أوجههم غير مريحة بالمرة.
, لم يتركوا الفرصة للمتواجدين بالمكان للنجاة بأنفسهم، بل دفعوهم دفعًا للخارج ليحتلوه كليًا.
, أوصــــد مجد الباب عليهم ليحاصروها.
, باتت فاطمة بمفردها معهم، فنظرت حولها بهلع، وهابت الموقف كثيرًا.
, زادت رجفتها فلم تعد تسيطر على ارتعاشة ساقيها، واتسعت حدقتيها برعب حقيقي، كما شحب لون وجهها، وهربت الدماء من عروقها.
, لم تكن تظن أنه سيهددها علنًا وبكل فجاجة.
, خشيت أن يتطور الوضع لما تهاب التفكير فيه مصيرها معه.
,
, أظلم وجــــه مجد للغاية حتى بات مفزعًا لمن يحدق فيه، اقترب منها قائلًا من بين أسنانه المضغوطة بعنف:
, -خوفتي ليه لما شوفتيني يا ضكترة؟
,
, جف حلقها تمامًا من طريقته المرعبة، وهمست بنبرة مذعورة:
, -أنا.. أنا معملتش حاجة!
,
, كانت على وشك البكاء وهي تتوسله بصوت متقطع:
, -لو .. لو سمحت امشي من هنا!!
,
, ضحك عاليًا مستخفًا بها وبصورة جعلت قلبها يقفز في قدميها.
, توقف فجـــأة عن ذلك ليحدجها بنظرات مميتة وهو يتساءل بقسوة جامحة:
, -قولتي للبت ايه عني؟
,
, هزت رأسها نافية مجيبة إياه بخوف كبير وهي تتراجع للخلف:
, -مــ٣ نقطةآآ.. مقولتش حاجة! صدقني.. أنا ماتكلمتش
,
, طالعها بنظرات أكثر إظلامًا عن ذي قبل، وصـــاح قائلًا بصوته المتحشرج:
, -ماشي .. وأنا هاعمل نفسي مصدقك!
,
, ثم صمت للحظة قبل أن يتابع بتهديد غامض:
, -بس هتاخدي قرصة ودن كده تفكرك بمين مجد أبو النجا!
,
, جحظت بنظراتها مرعوبة مما هي مقلبة عليه.
, فرقع بأصابعه لأتباعه ليبدأوا في تحطيم الطاولات الزجاجية بكل ما تحمله من مغلفات طبية، وأدوية، ومساحيق التجميل ليشرعوا بعدها في تهشيم الأرفف.
, صرخت فاطمة مستغيثة بمن ينجدها، ولكن لا حياة لمن تنادي، فلم يجرؤ أي أحد على التدخل.
,
, وضعت يديها على أذنيها وهي تواصل تراجعها الفزع للخلف محاولة حماية نفسها من شظايا الزجاج المتناثر في الهواء.
, أشـــــار مجد لأتباعه بيده ليتوقفوا هادرًا بصوت مرتفع:
, -كفاية كده يا رجالة!
,
, أجهشت فاطمة بالبكاء المرتعد وهي تبحث عن مهرب لها.
, فرك مجد وجهه بكفه، ثم دنا منها ليحاصرها بالزاوية.
, انكمشت على نفسها برعب أكبر، وأغمضت عينيها خوفًا منه.
, شعرت بأصابعه الغليظة تجذب رأسها بعنف فصرخت شاهقة:
, -لالا.. معملتش حاجة!
,
, قرب وجهها عنوة منه، فجاهدت لتخلص نفسها من قبضته، لكن مقاومتها لم تكن تقارن بقوته العنيفة.
, شعرت بأنفاسه الكريهة تحرق وجهها، فأجهشت ببكاء أشد متوسلة أن يدعها وشأنها.
, تلذذ أكثر بإيذائها، وهتف من بين أسنانه بنبرة عدائية صريحة:
, -ده تحذير تاني ليكي يا ضكترة، بعد كده هاتعامل بشكل مش هاتحبيه خالص!
,
, هزت رأسها بإيماءات متتالية متفهمة تهديده القاسي.
, مرر هو أنظاره الجريئة على جسدها متفحصًا إياه بصورة منفرة جعلتها تشعر بالهلع منه.
, همس لها بكلمات جارحة وجريئة آن واحد في أذنها جعلتها ترتجف أكثر.
,
, دفعها بعنف للخلف ليرتطم جسدها بقوة بالحائط.
, صـــاح عاليًا بخشونة قوية:
, -بينا يا رجالة، كفاية كده عليها!
,
, تجمع أتباعه حوله، وأنهوا تحطيم ما بقي على حاله من هجومهم الشرس ليخرجوا من المكان واحدًا تلو الأخر..
,
, انهارت قدمي فاطمة، وتراخى جسدها للأسفل وهي تبكي بحرقة كبيرة.
, نجح بالفعل في إرعابها، ونفذ جزءًا مخيفًا من تهديده، وما أنذرها به أشد قسوة وعنفًا إن لم ترتدع.
, لم يتوقف جسدها عن الانتفاض، ولم تهدأ شهقاتها المتتابعة.
, لمملت بصعوبة شتات نفسها لتفر من المكان في حالة مزرية للغاية.
, ٣٤ نقطة
,
, كانت بحاجة إلى الوقت لتفكر في عرضه المقلق، لم يكن ذهنها صافيًا بالقدر الكافي لتتخذ قرارًا حاسمًا ونهائيًا في ذلك الشـــأن.
, كل الأجواء حولها متوترة ومشحونة للغاية، فتعوق الوصول إلى حل صائب وعقلاني في الظروف الحالية.
, أرادت الانفراد بنفسها لتصل إلى قرار أخير بعيدًا عن أي ضغوطات خارجية، لذلك جلست بالاستقبال بالطابق الأرضي بالمشفى مسترجعة في ذاكرتها كل ما مرت به.
,
, رحل والديها، خسرت حبهما وحنانهما فجــأة، فباتت الحياة بالنسبة لها مظلمة وباردة، ثم انتقلت للعيش مع عمتها حيث تتواجد معاملات جافة وقاسية من ابنتيها، وخاصة الكبرى.
, وإن كانت الصغرى مرنة نسبيًا في بعض الأمور إلا أنها ليست على وفاق كلي معها.
, عرفت بوصية أبيها الخاصة بتملك دكانه العتيق بعد وفاته بفترة قصيرة، ففرحت بوجود رابط ملموس يذكرها بالأحباء الراحلين، وأصرت على رؤيته واستعادة ما هو ملكها، لكن فقدت والدتها أثناء مسعاها لتحقيق أمنيتها.
, تمسكت بأخر بارقة أمل وسط تلك الصعوبات التي مرت بها، واستمتعت برائحته التي جددت ذكراهم في روحها الملتاعة، لكن هدد إحساسها بذلك الدفء مسألة بيعه.
, أعادت رأسها للخلف وهي تشبك ساعديها معًا أمام صدرها لتواصل تفكيرها المتأني..
, فتجسد بقوة في مخيلتها مقتحمًا خلايا عقلها ومسيطرًا عليه.. منـــــذر ٣ نقطة
, إنه هو منذ أول مرة رأته فيها بصلابته وهيبته.
, ظنت أنها لحظة عابرة في حياتها ستمضي ولن تراه مجددًا، لكن شاءت الأقدار أن يتلاقيا من جديد، وما تلاه من مصادمات معه وتحديات عنيدة جعلتهما خصمين يمقتان بعضهما البعض. ورغم ذلك كان الوحيد الذي يدعمها، يقف إلى جوارها في أشد المواقف حرجًا فيشعرها بالأمان.
,
, سحبت أسيف نفسًا مطولًا حبسته في صدرها، ثم أغمضت جفنيها للحظات، قبل أن تعاود فتحهما وهي تتنهد بعمق.
, ربما هو على صواب، هي بحاجة إليه كي لا يتعرض لها الحاج فتحي من جديد، فهو ليس من النوع اللين الذي يصفح بسهولة، ومن المحتمل أن يكون قد نصب لها فخًا لاستدراجها إلى هناك، فهو يعرف أهمية بيتها بالنسبة لها.
,
, أنهكها التفكير المتواصل، وأجهد عقلها صعوبة الوصــول إلى حل آخر بدون اللجوء إلى تلك الخطبة المزعومة.
, زفرت بتعب، ثم استندت برأسها على مرفقها.
,
, راقبها منذر من على بعد مانعًا نفسه بصعوبة من الاقتراب منها واقتحام عزلتها المؤقتة.
, خشي من تركها بمفردها فيأتي ذلك الوقح من جديد ويفرض نفسه عليها، أو ربما يفعل الأسوأ معها خاصة وأنه يعرف نواياه الخبيثة.
, ما أقلقه حقًا هو تفكيرها الطائش في أغلب الأحيان. دومًا تتخذ قرارًا أهوجًا في لحظة متهورة لتستفزه بعنادها الغير منطقي.
, لم يكن أمامه سوى الضغط عليها وإقناعها بضرورة القبول.
, ربما هي حجة مؤقتة للتقرب منها والبقاء إلى جوارها، لكن مع الوقت سيبوح لها بما يكنه نحوها من مشاعر صادقة.
,
, تحرك صوبها بخطوات ثابتة حتى وقف قبالتها.
, شعرت بتلك العتمة القليلة التي حجبت الضوء عنها فجأة، فرفعت رأسها للأعلى لتحدق به فرأته أمامها.
, حركت شفتاها بحركة عفوية مزعوجة من وجوده حولها.
, تنحنح بصوت خفيض وهو يتساءل بنبرة مهذبة:
, -ممكن نتكلم؟
,
, أبعد عيناها عنه مرددة بعبوس:
, -أنا عاوزة أقعد مع نفسي شوية، فلو سمحت آآ٤ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بإصرار:
, -أسيف، أنا عارف إنك مترددة ومش حابة تقبلي باقتراحي، بس هو ده الأنسب ليكي، إنت مش هاتضرري من حاجة!
,
, ردت عليه باستنكار وقد احتدت نظراتها:
, -انت بتكلم عن خطوبة وارتباط وكأنها حاجة عادية بالنسبالك، أنا صعب أقبل بحاجة زي كده، مستحيل أصلًا أتجوز حد مش عارفاه ولا حتى بأحبه! لأ وبالطريقة دي كمان!
,
, رغم رغبته الشديدة في توطيد الارتباط أكثر وبلوغ أخر مراحله إلا أنه تريث في خطواته، لم يرد التعجل فيه كي لا يفسده برمته.
, لذا بصعوبة بالغة أجابها دون أن يظهر تغيير في نبرته:
, -محدش اتكلم عن جواز، أنا بأقولك خطوبة صورية، حاجة كده وكده يعني
,
, ردت عليه بتهكم واضح:
, -أها.. هزار وكلام فارغ!
,
, ضبط ببراعة هدوئه أمام استهزاءها الساخط، ثم جلس إلى جوارها ليتابع حديثه بجدية جافة:
, -شوفي أنا عاوزك متقلقيش، أنا مش هاغصبك على حاجة، بس لو ركزتي في كلامي هتلاقي إن ده فعلًا الحل الوحيد عشان تروحي البلد بحماية ومن غير ما حد يتعرضلك!
,
, ضاقت نظراتها نحوه مرددة باستخفاف:
, -وأنا محتاجة لحماية منك انت بالذات؟
,
, أزعجه أسلوبها التهكمي، فحذرها بجمود:
, -لاحظي إن كلامك جارح معايا!
,
, رمشت بعينيها بتوتر، وظلت تفرك أصابع يديها بحركة عصبية.
, تنهد بعمق متابعًا:
, -ومع ذلك أنا من غير حاجة كنت واقف جمبك! بيتهيألي إنتي عارفة ده كويس ومش محتاجة أوضحهولك!
,
, ضغطت أسيف على شفتيها قائلة بحرج قليل:
, -أنا مقصدش، بس دي مشاكلي وتخصني لوحدي وآآ..
,
, قاطعها مكملًا بصلابة:
, -ورغم كده أنا اتدخلت فيها عشان مرضتش إن حد يجي عليكي أو يظلمك
,
, رفعت رأسها للأعلى هامسة بامتنان:
, -وأنا بأشكرك على ده، بس دلوقتي أنا آآ٤ نقطة
,
, استشعر رفضها، فمنعها من مواصلة حديثها هاتفًا بجدية هادئة:
, -أسيف، أنا مش من النوع الزنان ولا اللحوح في طلباتي، اللي بأعوزه بأعمله على طول، مش بأضيع وقتي، بس عشان الموضوع ده يخصك انتي بالذات، فلازم توافقي عليه بنفسك! وإلا ٣ نقطة
,
, صمت لثانية قبل أن يتابع بصلابة تامة:
, -وإلا كان زماني خدت فيه قرار من زمــــان!
,
, لم تهتز نبرته وهو يشير بكلماته المتوارية إلى صرامته وتذمته في بعض الأحيان.
, نظر مباشرة في عينيها متساءلًا بجدية أشد:
, -فيا ريت تقوليلي قرارك دلوقتي، رأيك ايه في موضوع الخطوبة؟
,
, ظلت تطالعه بأعين زائغة حائرة، هو يحاول جاهدًا أن يبث لها الأمان والثقة في حديثه، أن يظهر لها دعمه ومساندته لها، وهي في أمس الحاجة إلى ذلك الآن.
, استسلمت أخيرًا أمام إصراره قائلة:
, -ماشي .. بس بشروط!
,
, خرجت تلك الكلمة من شفتيها كالمسكن لأعصابه المحترقة من فرط التفكير المتوتر.
, تنفس الصعداء لموافقتها، شعر بارتياح غير طبيعي لقبولها بعرضه.
, لم يتخيل أنها ستقبل به في النهاية، فقد وصل معها لمرحلة ميؤوسة منها خاصة بسبب عنادها الكبير.. وهي كعادتها فاجئته بقرارها.
, انتصب في جلسته، وشعر بدمائه تتدفق بغزارة في جميع عروق جسده لتصيبه انتعاشة رهيبة.
, وعلى الرغم من كونه موافقتها مشروطة إلا أنه لم يمانع أبدًا، فالأهم أنها ارتضت بالخطوبة.
, لمعت نظراته بوميض غريب، والتوى ثغره للجانب ليرد عليها مبتسمًا:
, -وأنا موافق عليها!
,
, ضاقت نظراتها نحوه إلى حد كبير، وظلت مجمدة عيناها عليه للحظات قبل أن تنطق بغموض:
, -مش لما تعرف هما ايه ٥ نقطة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٦٠
تبادل الاثنان نظرات مطولة وكلاهما منتظران بترقب ما سيقال لاحقًا.
, تعلقت أنظاره بها، فلم يبعد عيناه عنها، وتابع عن كثب تلك الحركات المتوترة الصادرة منها.
, هو لم يعبأ بما سيحدث فيما بعد، فالأهم حاليًا أنها وافقت على عرضه.
, استطردت أسيف حديثها قائلة بارتباك شبه ملحوظ:
, -زي ما قولتلك أنا عندي شروط على الخطوبة دي!
,
, شدد منذر من كتفيه هاتفًا بهدوء رزين:
, -وأنا سامعك، اتفضلي!
,
, ابتلعت ريقها وهي تتحاشى النظر نحوه، كانت تشعر بأعينه المسلطة عليها، فتوردت وجنتيها خجلًا منه.
, تنهدت مرة أخرى وهي تواصل حديثها بحرج قليل:
, -مش عاوزة أعمل لا هيصة ولا فرح ولا أي حاجة، يعني مجرد اتفاق كده بيني وبينك وخلاص!
,
, لم تهتز عضلة واحدة من وجهه وهو يصغي إلى حماقاتها، وبدت تعابيره جامدة للغاية لا تعكس أي شيء.
, صمت للحظات ولم يعقب، فحركت رأسها للجانب لتنظر إليه. رأت نظراته الحادة مثبتة عليها، فعضت على شفتها السفلى متساءلة بارتباك:
, -مقولتش ردك ايه؟
,
, أجابها بجمود جاف:
, -هو الكلام ده عاوز رد؟
,
, تعقدت تعابير وجهها وهي تسأله باستغراب:
, -مش فاهمة!
,
, رد عليها بجدية مقلقة:
, -يعني ايه اتفاق بيني وبينك وخلاص؟
,
, أجابته بهدوء حذر وهي ترمش بعينيها:
, -يعني كلام عادي وبس، محدش يعرف عنه حاجة إلا احنا وبس!
,
, لم يظهر أي تأثير واضح عليه، وتابع قائلًا بامتعاض:
, -طيب هاتي اللي بعده!
,
, سألته بفضول محاولة سبر أغوار عقله وفهم ما يدور في رأسه:
, -مش هاتقولي رأيك؟
,
, أجابها بسخط واضح في نبرته رغم ثبات تعابيره:
, -لما أسمع كل شروطك!
,
, أومــأت برأسها قائلة بإيجاز:
, -ماشي..
,
, أخذت نفسًا عميقًا مرة أخرى، وزفرته على مهل وهي تتابع بحذر:
, -أنا.. أنا مش عاوزة لا دبل ولا شبكة ولا أي حاجة، زي ما فهمتك إنها خطوبة كده وكده، فمافيش داعي للمنظرة ولا كل الحاجات اللي مالهاش لازمة دي!
,
, قست تعابير وجهه أكثر، وضاقت نظراته وهو يسألها بجمود:
, -ها وايه كمان؟
,
, أجابته بجدية وهي تشير بسبابتها:
, -الخطوبة هاتخلص لما أرجع من البلد، كأنها لم تكن يعني!
,
, احتدت نظراته، بل وزاد انعقاد ما بين حاجبيه عقب ما قالته.
, جاهد ليبدو هادئًا وهو يسألها بصوت ممتعض:
, -في حاجة تانية لسه؟
,
, هزت رأسها بالإيجاب مضيفة بتريث:
, -اه .. الدكان!
,
, هتف متساءلًا بجفاء:
, -ماله؟
,
, توترت أكثر وهي تحاول تفسير ما تريد قوله دون حرج، فبدا صوتها مترددًا وهي تستطرد حديثها قائلة:
, -انت قولتلي إنك آآ.. إنك هاتديني نصيبك اللي اشتريته من عمتي على اعتبار إنه مهري، أنا موافقة أخده، بس أنا هادفعلك فلوسه، مش هاخده كده، يعني.. أنا.. أنا هاقسطلك اللي صرفته على كذا آآ٥ نقطة
,
, قاطعها منذر هاتفًا بنفاذ صبر:
, -في حاجة تانية ولا خلاص؟
,
, ضغطت على شفتيها مرددة بخفوت:
, -لأ .. دول اللي جوم في دماغي!
,
, اشتدت تعابير وجهه حدة، وتجمدت نظراته المحتقنة نوعًا ما عليها.
, أردف قائلًا بنبرة جامدة تحمل الصرامة والشدة:
, -طيب .. اسمعيني للأخر ومن غير مقاطعة زي ما أنا سمعت الهبل ده ومعلقتش عليه!
,
, فغرت شفتيها مرددة بذهول:
, -هبل!
,
, رد عليها بجدية وهو عابس الوجه:
, -ايوه..
,
, تلون وجهها بحمرة سريعة، وهتفت محتجة على سخريته من شروطها قائلة بعصبية ملحوظة:
, -إنت آآ٤ نقطة
,
, قاطعها توًا قبل أن تكمل اعتراضها هاتفًا بصوت آمر:
, -اهدي واسمعيني كويس.. الأول مافيش حاجة اسمها خطوبة منظر من غير ما حد يعرف، ده اسمه جنان وتخاريف!
,
, ردت عليه بغيظ وقد اشتعلت نظراتها:
, -افندم!
,
, أضــــاف قائلًا بسخط:
, -ايوه، لأن لو ده كلام عاقلين مش هايكون بالشكل ده!
,
, عبست أسيف بوجهها وهي تطالعه بنظرات محتقنة، وقبل أن تفتح شفتيها لتدافع عما تريد أكمل معاتبًا بتوبيخ صارم: --إزاي مش عاوزة خطوبة وفي نفس الوقت إنتي ساكنة في حتة شعبية؟ يعني الكل هايتكلم عنك إنتي بالذات، ومش شرط قدامك، من ورا ضهرك وهايقولوا عنك في الخمر يا ليل لمجرد إنهم شايفينك رايحة جاية معايا!
,
, صاحت محتجة بانفعال بائن على تصرفاتها:
, -ومين قالك إني هاطلع واجي معاك من الأساس؟٣ علامة التعجب
,
, أجابها منذر باستنكار قاسي:
, -سيادتك أنا مش هالبس طقية اخفا، ومش هاقبل إن حد يجيب سيرتك بحرف واحد لمجرد إنهم شافوكي مرة ولا اتنين معايا!
,
, عجزت عن الرد عليه، فحديثه كان منطقيًا بدرجة كبيرة، كيف له أن يقبل بمن يسيء إلى سمعتها لمجرد رفضها إعلان تلك الخطبة؟ وهي منذ برهة قد خاضت تجربة لاذعة مع ابنة عمتها، فماذا عن الغرباء؟
,
, أخرجها من تفكيرها المتخبط صوته المردد بجدية:
, -ده غير إني لما بأحب أعمل حاجة بأعملها في النور، يعني لازم تكون ليكي قيمتك وكرامتك وأنا بأخطبك، والناس كلها تعرف بده!
,
, كان محقًا في هذا، هو يريد لها الأفضل، أن يحفظ كرامتها ويعطيها أبسط حقوقها.
,
, زادت نبرته قوة وهو يتابع عن قصد:
, -أسيف! إنتي مش واحدة لا ليكي أهل ولا عيلة عشان تداري نفسها وتخاف من الفضيحة، إنتي غالية أوي عندنا!
,
, اصطبغ وجهها بحمرة خجلة من كلماته المتوارية رغم أنها عامة لا تتضمن غزلًا صريحًا، لكنها استشعرت أهميتها عنده.
, تحاشت النظر إليه، وظلت تفرك أصابع كفيها بتوتر.
,
, أخفض نبرته ليبدو صوته رزينًا وهو يضيف:
, -وأنا كده بأصونك وبأحفظك وبأمنع أي كلب إنه يتعرضلك لما يعرف إنتي مخطوبة لمين!
,
, ردت عليه بتلعثم قليل:
, -بس دي مش خطوبة بجد، دي تمثلية وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلًا بجدية صارمة:
, -حتى لو كانت تمثلية، يبقى تتعمل صح!
,
, خجلت منه أكثر، هو يفكر بصورة عقلانية عنها، وهي التي تحكم على الأمور بظواهرها. تعاند فقط لمجرد ألا يفرض أحد رأيه عليها، أو يهمش قراراتها، وليس لأنه يفكر في الصالح العام لها.
,
, تنهد منذر بصوت مسموع وهو يكمل على مضض:
, -نيجي للحاجة التانية، مش عاوزة تلبسي دبل، وماله!
,
, نظرت له بجمود قبل أن يضيف ساخرًا:
, -طول ما انتي في البيت اعملي زي كل البنات مابتعمل اقلعيها وحطيها في أي درج، لكن لما تخرجي من بيتك البسيها، وطالما يا ستي مش هاتخرجي معايا ولا هاتشوفي الشارع يعني إنتي كده هاتفضلي قلعاها على طول!
,
, بدا حديثه مقنعًا بالنسبة لها، فسألته باقتضاب:
, -والشبكة؟
,
, أجابها بفتور رغم ضجره:
, -براحتك، دي هدية من العريس للعروسة، فلو مش عاوزاها خلاص!
,
, ردت عليه بإصرار وهي عابسة الوجه:
, -لأ مش عاوزة
,
, رغم انزعاجه من رفضها الغير مبرر إلا أنه اضطر أن يوافق على طلبها.
, تابع مضيفًا بلهجة شديدة الجدية:
, -ماشي، أما موضوع الدكان فده اتفاق بينا! إنتي وافقتي على عرضي، وده المقابل!
,
, ازدردت ريقها هاتفة باعتراض:
, -بس آآ٤ نقطة
,
, أشـــار لها بكفه مقاطعًا بصلابة:
, -من غير أي بس، وأتمنى تفكري بالعقل شوية، مش مجرد اعتراض والسلام!
,
, أومــأت برأسها مضيفة بعناد:
, -طيب، وأنا عاوزاها تخلص لما أرجع من البلد!
,
, أشاح بوجهه للجانب مرددًا بتجهم:
, -هانشوف الموضوع ده بعدين، مش هانسبق الأحداث
,
, أصرت على رأيها قائلة:
, -لأ، لازم نتفق الأول!
,
, هتف باقتضاب وهو يزفر بانزعاج:
, -**** يسهل!
,
, سألته أسيف بإلحاح أكبر وهي تنظر له:
, -يعني اه ولا لأ؟
,
, انتظر منذر لثوانٍ قبل أن يجيبها بنبرة غامضة:
, -سبيها على ****، مش هاننبر فيها من قبل ما نعمل حاجة!
,
, شعرت أسيف بالريبة من رده الغير مريح، كانت تريد أن تحسم كل شيء منذ البداية، حتى لا تضطر للمجادلة معه من جديد، لكنه أنهى الحديث بنهوضه من جوارها.
, لم يكن أمامها سوى الصمت والقبول مؤقتًا بما اتفقا عليه، فالأهم أنها وصلت إلى مبتغاها في الأخير، حتى وإن كانت شروط ذلك الاتفاق لم تتحقق كليًا.
, ٣٤ نقطة
,
, أوقفت سائق سيارة الأجرة عند الزاوية القريبة من صيدلية "فاطمة" وهي تلكزه في كتفه صائحة بامتعاض:
, -هنا يا أسطا، عند الناصية اللي جاية!
,
, نظر لها السائق من المرآة الأمامية مرددًا بجمود:
, -ماشي يا مدام
,
, ناولته أجرته قبل أن تترجل من السيارة وهي تعدل رضيعتها على كتفها.
,
, نظرت بتعجب إلى الصيدلية المحطمة، وتساءلت مع نفسها بفضول كبير:
, -هو في ايه؟
,
, اقتربت أكثر منها لتدقق النظر فيها، فرأت الزجاج المهشم، والحطام المتناثرة في كل مكان. كانت كمن أصابها اهتزازة أرضية فأتت عليها بالكامل.
,
, لمحت أحد المارة – والذي تعرفه نوعًا ما – يتحرك على مقربة منها فسألته باهتمام:
, -ايه اللي حصل؟
,
, أجابها بانزعاج وهو يشير بذراعه:
, -المعلم مجد ورجالته بهدلوا صيدلية الدكتورة فاطمة!
,
, توهجت عيناها بوميض غريب، وهتفت متساءلة بفضول:
, -طب ليه عمل كده؟
,
, هز كتفيه قائلًا:
, -محدش عارف!
,
, مطت نيرمين فمها للأمام محدثة نفسها بغرابة:
, -مممم.. الظاهر إنه بدأ يتصرف!
,
, تركها الرجل وسار مبتعدًا عنها، فواصلت هي حديث نفسها متساءلة بخبث:
, -طب هايعمل ايه لما يعرف بالخطوبة!
,
, التوى ثغرها بابتسامة شيطانية وهي تضيف بحماس مريب:
, -أحسن حاجة أضرب على الحديد وهو سخن!
, ٣٧ نقطة
,
, عــــادت إلى الطابق المتواجد به غرف العناية الفائقة لتجد عمتها مرابطة هناك، وما إن رأتها الأخيرة حتى أسرعت نحوها متساءلة بقلق:
, -كنتي فين يا بنتي؟
,
, أجابتها بارتباك قليل وهي تشير بحاجبيها:
, -أعدة تحت مع آآ٣ نقطة مع الأستاذ منذر!
,
, أمسكت عواطف بكف يدها تسحبها ناحيتها، ثم سألتها باهتمام كبير:
, -ها واتفقتوا؟
,
, ضغطت على شفتيها قائلة بهدوء:
, -يعني.. حاجة زي كده!
,
, رد عليها منذر بابتسامة خفيفة:
, -قولي الحمد**** يا ست عواطف!
,
, رفعت الأخيرة رأسها نحوه لتهتف بسعادة:
, -يستاهل الحمد، خير يا رب!
,
, ثم أشارت بيدها للخلف متابعة بجدية:
, -وأنا كمان لسه جاية من عند بسمة، وهي أحسن شوية!
,
, تنهدت أسيف بارتياح وهي ترد:
, -الحمد**** يا عمتي، **** يشفيها!
,
, ردت عليها عواطف بتضرع:
, -يسمع منك ****
,
, أضـــاف منذر قائلًا بجدية:
, -تعالوا أوصلكم البيت!
,
, التفتت أسيف نحوه قائلة باعتراض:
, -لأ أنا هافضل معاها!
,
, رد عليه بصرامة قليلة وهو يرمقها بنظرات جادة:
, -ميعاد الزيارة خلص، ومالهاش لازمة الأعدة، إنتو محتاجين ترتاحوا!
,
, وافقته عواطف الرأي هاتفة بإرهاق:
, -اه و****، جسمي هلكان وركبي تعباني على الأخر!
,
, أصــــر منذر على ذهابهما قائلًا بثبات:
, -وأنا رأيي ترتاحوا وبعد كده تيجوا تاني، كمان أنا موصي الدكاترة لو في حاجة جت يكلمونا على طول!
,
, ترددت عواطف للحظة وهي تقول بقلق:
, -بس أخاف أمشي وبنتي تفوق ومش تلاقينا جمبها!
,
, رد عليها منذر بتأكيد:
, -اطمني يا ست عواطف، لو فاقت هتلاقينا كلنا عندها!
,
, تنهدت مضيفة باستسلام:
, -طيب! أمري لله
,
, ثم لفت ذراعها حول كتفي أسيف قائلة بود:
, -بينا يا أسيف!
,
, لم يكن أمامها بدًا من الاعتراض، فهي الأخرى بحاجة للراحة بعد ذلك الإرهاق المتواصل، لذلك ابتسمت هاتفة باختصار:
, -حاضر!
,
, ربتت عواطف على كتفها قائلة بلطف:
, -**** يسعدك يا بنتي ويفرح قلبك ويرزقك بكل اللي نفسك فيه!
, ٣٧ نقطة
,
, وقفت أمامه عند المقهى الشعبي ترمقه بنظرات ساخطة وهي تراه ينفخ دخـــان الأرجيلة في الهواء.
, دنت أكثر منه وهي تهتف بحماس زائف:
, -تسلم على اللي عملته، كل الحتة بتحكي عنك!
,
, انتبه مجد لصوتها فسلط أنظاره القاتمة عليها.
, رأها تتغنج بجسدها بطريقة مستفزة، ثم زادت من استثارة حنقه بترديدها بابتسامة ماكرة:
, -صحيح رجعتنا لأيام زمان يا معلم مجد!
,
, لوح لها بخرطوم أرجيلته قائلًا بنبرة مكفهرة:
, -امشي يا حرمة منها، أنا مش ناقص وجع دماغ!
,
, مصمصت شفتيها مرددة باستنكار:
, -الحق عليا اني جاية أباركلك!
,
, نفذ صبره من طريقتها المزعجة في فرض نفسها عليه، فصــاح بوقاحة غليظة:
, -غوري بأم وشك الفقر ده من هنا خليني أشرب الحجرين على رواقة!
,
, عبست بوجهها بحزن مصطنع، ثم أخفضت نبرة صوتها لتقول بعتاب:
, -الحق عليا، كنت جاية أعزمك على خطوبة بنت خالي!
,
, انتبهت حواسه كليًا لجملتها الأخيرة، وتصلبت تعابير وجهه كرد فعل طبيعي لما سمعه توًا.
, ابتسمت قائلة بتفاخر متعمدة إثارة غضبه:
, -مش سيد الرجالة سي منذر خطبها وإنت.. وإنت أعد كده محلك سر!
,
, هدر بها قائلًا بعصبية مغتاظة:
, -جرى ايه يا ٦ نقطة!!
,
, فغرت شفتيها معاتبة إياه لتلفظه بكلمات نابية مسيئة في حقها، وردت قائلة:
, -وليه بس تغلط فيا، الظاهر إنك مش بتتشطر غير على الحريم وبس!
,
, استشاطت نظراته من أسلوبها المستفز، فتيقنت أنها وصلت إلى ما تريد لذلك عمدت إلى النظر إليه باحتقار أكثر لتؤجج غضبه وهي تواصل استهزائها الساخط منه.
, تابعت مضيفة بازدراء مهين:
, -لأن الرجالة اللي بجد بتعرف تاخدحقها صح! سلام يا .. يا معلم !
,
, هدر بها بانفعال وهو يضرب بعنف بخرطوم أرجيلته على الطاولة المستديرة الموضوعة أمامه:
, -ده انتي ولية حيزبونة بصحيح!
,
, كركرت ضاحكة بسخرية وهي تسير مبتعدة.
, لم تنظر خلفها لترى ردة فعله، ولم تعبأ بسبه لها، فقد كانت متأكدة أنه يغلي من داخله بعد نجاحها في استفزازه بكلماتها.
,
, ظل مجد يضرب بكفه على فخذه بعصبية وهو يقول بنبرة مغلولة:
, -مش مجد أبو النجا اللي يتاخد منه حاجة ويسكت!
,
, زادت نبرته قتامة وهو يضيف بنبرة عدائية مخيفة:
, -وخصوصًا لما يكون من ابن الحرام ده! بس لسه الحوار مخلصش، ده ابتدى معاك يا ١١ نقطة!!
, ٤٢ نقطة
,
, بعد مرور عدة أيـــــام،،
, صافحه بترحاب كبير براحتي يده وهو يبادله ابتسامة سعيدة قبل أن ينطق بتهذيب معتاد في تلك النوعية من المواقف:
, -نورت المدرسة يا أستاذ ناصر، إنت جاي عندنا بتوصية كبيرة، ومن فوق كمان!
,
, برزت أسنان ناصــر الصفراء من خلف ابتسامته العابثة وهو يرد بامتنان:
, -**** يكرمك يا فندم، ده شرف ليا إني أكون معاكو هنا في الصرح التعليمي ده!
,
, تابع وكيل المدرسة قائلًا بهدوء:
, -أنا هاخدك في جولة في المكان عشان تتعرف عليه!
,
, هز رأســـه قائلًا باختصار:
, -تمام
,
, ســــار الاثنان سويًا في أروقة المدرسة ليتفقد ناصر كل جزء فيها عن كثب، فتلفت حوله مبديًا إعجابه بتصاميم المكان وبتلك الانتقالة الفارقة في حياته.
, لن ينكر أن رجله الهام نفذ طلبه، ووضعه في مكان راقٍ ذو مستوى أفضل بكثير عما كان به من قبل.
, اتسعت ابتسامته المتباهية وهو يتنهد مستمتعًا بما يراه.
,
, قطع تأمله صوت الوكيل وهو يردد بجدية:
, -هاتحب الطلبة عندنا، هما كلهم مجتهدين واهاليهم بتساعدنا نرتقي بالمستوى، ده غير فريق العمل هنا على قدر من الكفاءة!
,
, رد عليه بنبرة متباهية:
, -ده واضح فعلًا من شكل المكان يا أستاذ!
,
, تابع وكيل المدرسة قائلًا بتشجيع:
, -كل اللي هتحتاجه من معدات وأدوات هتلاقيه، ولو في حاجة ناقصة بلغنا، وحنا هانجيبهالك على طول!
,
, ثم توقف عن الحديث للحظة ليلتقط أنفاسه، ومن ثم أضاف بهدوء:
, -أوضة الصيانة هاتكون ورا الجنينة الأمامية، هاوديك عندها
,
, رفع ناصــــر يده على رأسه ليمررها في خصلات شعره، ولمعت عيناه ببريق غير مريح وهو يحدث نفسه بعبث:
, -ماشي .. واضح إني هاشوف حاجات فل هنا ..!!
 
  • عجبني
التفاعلات: pop44 و wagih

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%