NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

مكتملة منقول الدكان ـ أربعة وتسعون جزء 21/102023

ناقد بناء

مشرف قسم التعارف
طاقم الإدارة
مشرف
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
إنضم
17 ديسمبر 2021
المشاركات
8,828
مستوى التفاعل
2,837
الإقامة
بلاد واسعة
نقاط
15,243
الجنس
ذكر
الدولة
كندا
توجه جنسي
أنجذب للإناث
١


هب وافقاً من خلف طاولة مكتبه الخشبي العتيق – الموجودة في وكالته الخاصة ببيع الأدوات الصحية - بعد أن اتسعت مقلتيه على أشدهما حينما أبلغه السائق هاتفياً بإختطاف صغيرته.
, اكتسى وجهه بحمرة مخيفة ، وزاد بروز عروقه التي تغلي بالدماء. انفجر فيه صائحاً بزمجرة مخيفة :
, -انت بتقول إيه
,
, صمت ليستمع لصوت السائق المرتعد وهو يعيد على مسامعه بإختصار تلك الفاجعة ، فتابع صارخاً بإهتياج :
, -وكنت فين يا ٨ نقطة ؟! محصلتهومش ليه ؟
,
, رد عليه السائق بخوف :
, -ملحقتهومش يا حاج طه ، ولاد الهرمة كانوا مظبطينها وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه طه هادراً بتهديد صريح :
, -وعزة جلال **** لو جرالها حاجة مش هايكفيني فيك رقبتك ولا رقبة عيالك !
,
, أنهى معه المكالمة دافعاً مقعده بعنف فسقط على الأرضية محدثاً دوياً عالياً ، ثم عبث بأزرار هاتفه ليهاتف ابنه البكري " منذر " الذي أجابه بصوت هاديء وشبه ناعس :
, -ايوه يا حاج
,
, هدر فيه أباه بعصبية جمة :
, -قوم فوق وشوف النصيبة اللي حصلت !
,
, انتبه منذر لصوت والده المنفعل ، وسأله متوجساً :
, -خير يا أبا ؟ في ايه ؟
,
, رد عليه بكلمات مقتضبة لكنها غامضة :
, -ولاد أبو النجا !
,
, سأله منذر بريبة :
, -مالهم ؟!!
,
, أجابه بإندفـــاع يحمل الغضب الشرس :
, -خطفوا أختك أروى !
,
, صاح منذر فور سماعه لإجابته بإنفعال كبير لاعناً إياهم :
, -ولاد الـ١٦ نقطة ، ازاي يتجرأوا علينا ، مش هاسيبهم ، وغلاوة أروى عنك هــآآآ٤ نقطة
,
, قاطعه طه قائلاً بعنف :
, -هات أخوك وأنا هالم الرجالة وآآ٣ نقطة
,
, رد عليه منذر مقاطعاً إياه بنبرة عدائية :
, -الليلة دي عندي يا حاج ، مش هايدن عليهم المغرب إلا وأنا مقطع من لحمهم نسايل ، وأروى هاتكون في حضننا !
,
, هتف طه بصوت محتد وقد استشاطت نظراته :
, -أنا مش عاوز رغي كتير ، اتصرف يالا !
,
, في نفس التوقيت ولج شـــاب في مقتبل العمر عريض المنكبين ، ذو صــدر عريض وبشرة سمراء وشعر حليق إلى داخل الوكالة فاركاً ذقنه النابتة بكفه ومتساءلاً بإستغراب من صوت أبيه المهتاج :
, -في ايه يا بابا ؟
,
, التفت طه إلى ابنه الأوسط " دياب " ونظر له شزراً قبل أن يجيبه بحدة :
, -ماهو إنت مش دريان باللي حاصل لأختك !
,
, أثارت كلماته الحادة ريبته ، فتساءل بتوجس قليل :
, -أروى ؟ مالها ؟
,
, رد عليه بحدة تحمل التهكم :
, -خطفوا أختك يا بيه !
,
, ارتفع حاجباه للأعلى في صدمة كبيرة ، وصاح غير مصدق :
, -نعم !
,
, تابع أباه قائلاً بنبرة مشحونة بالحنق والغل الشديدين :
, -ولاد أبو النجا بيلوا دراعنا وآآآ٤ نقطة
,
, وقبل أن يكمل عبارته للنهاية مفسراً ما حدث كان دياب قد اندفع للخـــارج وقد انتوى شراً أن يفتك بمن اختطف أخته الصغرى.
, ٤٣ نقطة
,
, شردت بأعينها الدامعة في الحقول الخضراء أمامها تتذكر كيف كانت تلهو وهي صغيرة في أحضان والدها الذي لم يدخر وسعه لإسعادها هي وأمها غير مهتمة بالمياه المنهمرة على الصحون المتراصة في حوض الغسيل بمطبخ منزلهم القديم.
, كانت كالصنم الخالي من الحياة ، أنظارها متعلقة بتلك الشجرة الشامخة على جانب الحقل.
, لم تذق طعم السعادة والآمان إلا معه والدها الغالي . وكان هو نعم الأب لها والزوج المحب الوفي لأمها .
, ذبل وجهها كثيراً ، كما تشكلت الهالات السوداء حول جفنيها منذ أن تدهورت حالته الصحية وساءت كثيراً.
, حدث كل شيء في زمن قياسي ، أعقبه انهيار حياتهم المستقرة ، وتحولهم من دائنين لمدينين من أجل الانفاق على علاجه.
, كل شيء يهون في سبيل عودته واقفاً على قدميه.
, يكفيها ما أصاب والدتها من عجز دائم ليلحق بها أباها الحبيب.
, انهمرت العبرات من مقلتيها دون أن تدري.
, هي وحيدتهما ، جوهرتهما الثمينة .. وهما العالم كله
, لم تمتلك جمالاً خارقاً ، ولا مقومات أنثوية مميزة .. فقط ما اكتسبته من صفات جينية من أبويها.
, بشرة قمحية ، أعين بنية تحاوطها أهداب غير كثيفة ، وشعر عادي مموج ، طول متوسط ، وجسد غير ممتليء
, ربما انحناءات جسدها تعطيها مظهراً رشيقاً ، لكنها تخفيه ببراعة أسفل ثيابها الواسعة فتبدو بداخلهم نحيفة للغاية .
, انتبهت لصوت والدتها يناديها :
, -أَسِيف !
,
, ذلك الاسم الذي انتقاه والدها لها .. رقيقة القلب كثيرة البكاء ..
, أحبته كثيراً لأنه مختلف ومميز ، وأخبرها سابقاً عن سبب تسميتها به.
, هي لم تتوقف عن البكاء منذ لحظة ميلادها ، كما كانت هشة للغاية حينما حملها لأول مرة بين ذراعيه ، فدار بخلده أن يسميها بذلك الاسم الغريب الذي قرأ عن معناه في إحدى المجلات الثقافية.
,
, -أسيف !
, تكرر النداء على مسامعها ، فكفكفت عبراتها بيدها المبتلة ، وركضت مسرعة خـــارج المطبخ مجيبة إياها بصوت شبه متحشرج :
, -أيوه يا ماما
,
, أدارت والدتها عجلتي المقعد المتحرك ليتحرك نحوها متساءلة بصوت هاديء :
, -خلصتي غسيل الأطباق ولا أجي أساعدك
,
, ردت عليها أسيف بإبتسامة ودودة :
, -خلاص يا ماما ، ناقص بس أنضف البوتجاز ويبقى كله تمام
,
, نظرت لها حنان بإمتنان ، وهتفت بصوت شبه حزين :
, -معلش يا بنتي تعباكي في شغل البيت !
,
, ثم صمتت للحظة محاولة السيطرة على نبرتها قبل أن تختنق أكثر ، وأخفضت نظراتها لتحدق في مقعدها المتحرك الذي يشير إلى عجزها.
, خرج صوتها مهتزاً وهي تتابع بمرارة :
, -لو أقدر كنت آآ..
,
, قاطعتها أسيف قبل أن تكمل جملتها قائلة بتنهيدة :
, -متكمليش يا ماما ، أنا ماشتكتش من حاجة
,
, ثم ارتمت في أحضان والدتها لتضمها إلى صدرها ، فطوقت الأخيرة ذراعيها حولها ، وهمست لها بصوت دافيء :
, -**** يجازيكي عنا خير يا بنتي ! انتي أحسن نعمة **** رزقنا بيها
,
, بكت متأثرة وهي تستند بوجهها على كتفها قائلة :
, -ويخليكي ليا انتي وبابا !
, ٣٥ نقطة
,
, اندفع كالثور الهائج ناحية سلسلة مطاعم الوجبات الجاهزة والمتواجدة على مقربة من وكالة عائلته ..
, لم يدع الهاتف من يده طوال ركضه المجنون نحوهم ، واستدعى من رفاقه الأقرب في الوصـــول إليه دون إبداء السبب ، لكنهم يعلمون أن طلبه العاجل هذا يقف ورائه خطب جلل.
, لذا لم يتأخروا عنه ، وتجمعوا بعد لحظات في بقعة تم الاتفاق عليها.
, حملوا العصي وبعض الأسلحة البيضاء في أياديهم ، ثم انطلقوا بخطوات مخيفة نحو تلك المطاعم.
, رأهم المــــارة ، فافسحوا لهم المجال دون اعتراض طريقهم. يكفي التحديق في أوجههم لمعرفة أن كارثة ما على وشك الحدوث.
,
, صــــرخ دياب بصوت جهوري مهتاج ومخيف وهو يحفر بعصاه الغليظة الأرضية الإسفلتية :
, -مازن يا أبو النجا ! اطلعلي يا ١٢ نقطة ٤ علامة التعجب
,
, نهض رواد المطعم فوراً من على طاولاتهم الأمامية ، وفروا هاربين قبل أن يسقطوا ضحايا في شيء لا دخل لهم به.
,
, انتفض مــــازن – الابن الأوسط للحاج مهدي أبو النجا - من على مقعد مكتبه الداخلي ، وتساءل بحدة من الداخل :
, -في ايه اللي بيحصل برا ؟
,
, أجابه أحد رجاله بتوتر رهيب :
, -ده آآ٣ نقطة ده دياب ابن آآ٣ نقطة
,
, قاطعه مازن قبل أن يكمل حديثه قائلاً بتوعد :
, -جـــه لحد عندي !
,
, فتح درج مكتبه ، والتقط منه سلاحه النـــاري المرخص ، ثم ســـار بخطوات متعجلة نحو الخـــارج وهو يدسه في ظهره.
,
, في نفس التوقيت هاتف أحد العمـــال الحاج مهدي – صاحب السلسلة - ليبلغه بالمصيبة الدائرة في مطعهم ، فذعر الأخير ، وأمره قائلاً بصرامة :
, -امنعوا أي حد يدخل المطعم لحد ما أجي ! مافيش حد يقرب لابن طه ، أنا مش ناقص ، سامع ، محدش يتعرضله حتى لو كان ابني مازن !
,
, لكن لا يمنع حذر من قدر ، فقد سمع دوي تهشم زجاج قوي ، حيث قذف دياب الواجهة الزجاجية بقالب طوب غليظ فحطمه على الفور. وبدأ بعدها التراشق بالعصي والحجارة وتكسير بعض الطاولات ، وتحول المدخل لكومة من الزجاج والأخشاب المحطمة.
,
, تراص الرجال على الجانبين متأهبين للاشتباك بين لحظة وأخــــرى مع عمال المطعم فقد توقفا للحظات عن العراك حينما خرج مـــــازن من الداخل وعيناه تطلقان شرراً مخيفاً. هدر هو قائلاً بعنف :
, -جاي هنا ليه يا ابن حرب ؟
,
, رد عليه دياب بعصبية شديدة وهو يتحرك صوبه ومهدداً بعصاه القوية :
, -فين أروى ؟
,
, نظر له مازن بإزدراء ، وأجابه بعدم اكتراث ليثير من حنقه ويستفزه أكثر :
, -معرفش !
,
, اشتعلت عيناه حنقاً ، وهتف بصوت محتد ومتشنج :
, -محدش ليه دخل يخطفها إلا انت ٤ علامة التعجب
,
, تقوس فم مــــازن بابتسامة غير مبالية ، ورد عليه بفتور وهو يتعمد النظر إليه بإحتقار :
, -وهو أنا بتاع شغل العيال ده ؟٣ علامة التعجب
,
, هدر فيه دياب بصوت متشنج وقد احتدت نظراته
, -ايوه بتردهالي عشان المحروسة ؟
,
, هز مازن رأسه للجانبين ببرود مستنكراً ما قاله ، وهتف بسخرية متهكمة :
, -لالالا .. عيب ، دي مهما كان ..آآ.. المدام سابقاً ، وأم الحفيد الغالي !
,
, صرخ فيه دياب بهياج وقد تحولت عيناه للشرسة وبات قاب قوسين أو أدنى من الفتك به :
, -ماتجبش سيرة ابني على لسانك ، وهاتنطق وتقولي على مكان أروى وإلا قسماً ب**** هاشقك نصين وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعه قائلاً بإستخاف وهو يرمقه بنظرات دونية :
, -اهدى على نفسك ، بلاش حلفنات إنت مش أدها
,
, رفع ديـــــاب عصاه الغليظة للأعلى ليضرب بها خصمه ، وقبل أن يهوى بها على رأسه سمع صراخاً هادراً – ومألوفاً -يناديه :
, -ديـــــــــــــــــــــــاب !
,
, تجمد في مكانه للحظة ، واستدار برأسه للخلف ليجد أخيه الأكبر " منــــذر " محدقاً به بنظرات جاحظة تحمل العداء والشراسة.
,
, تحرك منذر – ذو الطول الفاره ، الجسد الضخم ، والبشرة السمراء – نحو الاثنين ، ولم يبعد نظراته المخيفة من عينيه العسليتين عن مـــازن.
, لم يتحرك الأخير قيد أنملة. فبالرغم من عداوته وكراهيته اللامحدودة لدياب إلا أنه لا يستطيع التجرأ على أخيه الأكبر.
, ســــاد صمت رهيب في المكان ، وتعلقت الأنظار كلها بمنذر – ذو الهيبة والسلطة المفرطة – ومن لا يخشاه أو يكن له الاحترام وهو يعد من أقوى رجال تلك المنطقة الشعبية.
,
, وقف منذر قبالته ، ورمقه بنظرات نارية ، ثم بصوت هاديء يحمل القوة استطرد حديثه متساءلاً :
, -فين أروى ؟
,
, ابتلع مازن ريقه بتوتر قليل من حضوره المخيف ، وقبل أن يجيبه سمع الجميع صوت الحاج مهدي يصيح عالياً :
, -في الحفظ والصون ، اطمن عليها يا منذر يا بني
,
, اشتعلت عيناي مازن غيظاً من أبيه ، وقبل أن يفتح فمه لينطق حرفاً ، تابع أباه قائلاً بابتسامة مصطنعة :
, -هي أعدة مع الحاجة أم بسمة شوية ، وزمانتها في طريقها لعندكم !
,
, ضغط مازن على شفتيه بقسوة ، فقد أفسد أباه خطته في إذلال خصمه. وظل يحدجه بنظرات مشتعلة دون أن ينبس بكلمة واحدة.
, صاح منذر قائلاً بصوت مخيف وهو مسلط أنظاره على مهدي :
, -وانتو من امتى بتخطفوا عيالنا لما تحبوا تشوفوهم ؟٥ علامة التعجب
,
, رد عليه الأخير بهدوء حذر :
, -غلطة يا بني ، مش مقصودة
,
, التوى فم منذر ليردد بتهكم ساخط :
, -أها ، قولتلي بقى غلطة
,
, صـــاح دياب مهدداً وقد التمعت عيناه بشدة
, -يبقى حسابنا مع اللي غلط !
,
, ثم تحركت أنظاره نحو مازن الذي لم يتوقع عن رمقه بحنق.
,
, -مظبوط ، حسابنا مع الغلطان
, هتف بتلك العبارة الحاج طــــه بصوت مرتفع وهو يتحرك من الخلف نحوهم
,
, أيقن مهدي أن الوضع قد تأزم للغاية ، ويحتاج لاستخدام الحكمة والتريث لتداركه قبل أن يتفاقم أكثر من هذا.
,
, رسم ابتسامة زائفة على ثغره ، ولوح بيده في الهواء قائلاً بنبرة ترحيبة :
, -أهلا يا حاج طه ، نورت حتتنا !
,
, رد عليه طه بغضب :
, -لا أهلاً ولا سهلاً ، الكلام بينا خلص خلاص !
,
, هدر دياب بصوت محتد وقد أوشك على التصرف بجنون :
, -انت لسه هتكلم معاهم يا أبا ، سيبني آآ..
,
, وضع طـــه كف يده على صدر ابنه مانعاً إياه من الحركة وقائلاً بقسوة :
, -ديــــاب !
,
, أراد مهدي التخفيف من حدة الأجواء ، ورد بحذر :
, -حقك عليا يا حاج طه ، أنا محقوقلك !
,
, نظر له طه بغل ، وهتف بإمتعاض :
, -كويس إنك عارف ده ، لأن أنا ولا ولادي بنسيب حقنا ٣ علامة التعجب
,
, تفهم مهدي تهديده الضمني ، وحافظ على ابتسامته الهادئة قائلاً :
, -الكلام أخد وعطا ، تعالى نتكلم جوا
,
, لوح طـــه بيده في الهواء قائلاً بضيق :
, -لا برا ولا جوا ، بنتي ترجع الأول ٣ علامة التعجب
,
, رد عليه مهدي بجدية دون أن تطرف عيناه :
, -زمانتها عند الست جليلة ، اطمن ، دي كلمة شرف مني ٤ علامة التعجب
,
, وبالفعل رن هاتف الحاج طه ، فأجاب عليه بعد أن حدق في اسم المتصل..
, بدا حديثه غامضاً وهو يردد:
, -وصلت ؟ طب افحصيها كويس وشوفيلي آآ٣ نقطة
,
, قاطعه مهدي قائلاً بعتاب خفيف مستنكراً ظنونه السيئة به :
, -عيب عليك يا حاج طه ، دي زي بنتي بردك ! هو أنا هأذيها ؟!!
,
, نظر له بتأفف ، ثم تمتم بعبوس :
, -طب اقفلي دلوقتي يا جليلة !
,
, أشــــار مهدي بذراعه قائلاً بود :
, -اتفضلوا يا جماعة جوا !
,
, اعترض منذر قائلاً بغلظة :
, -لأ ، لحد كده واستوب
,
, بينما أضـــاف والده بصرامة :
, -شوف يا حاج مهدي ، باللي تعمل ده يبقلنا عندكم حق عرب !
,
, توتر مهدي قليلاً من كلماته المقتضبة والتي يعي جيداً أنها بمثابة ميثاق شرف إن لم ينفذه فليتحمل العواقب .
, وزع أنظاره على عائلة حرب ، ثم ردد قائلاً بتلعثم :
, -اه طبعاً .. هو .. هو أنا بردك يرضيني حد يزعل مني ولا من عيالي !
,
, ثم زاد من ابتسامته المجاملة قائلاً :
, -اتفضلوا اشربوا حاجة
,
, رد عليه طــــه بجمود :
, -وقت الأعدة بينا ٣ علامة التعجب
,
, ثم استدار برأسه ناحية ابنه البكري منذر ، وهتف فيه :
, -يالا يا بني من هنا ، خلينا نشوف مصالحنا
, -ماشي كلامك يا حاج !
, قالها منذر بإمتعاض كبير وهو يرمق كلاً من مهدي ومـــازن بنظرات ساخطة للغاية ..
,
, في حين لم يتوقف كلاً من مــــازن ودياب عن رمق بعضهما بنظرات نارية عدائية. فالكراهية بينهما ممتدة منذ فترة طويلة ، لم تخمد إلا لفترات محدودة لكنها تعاود الاشتعال بقوة من آن لأخر لأسباب كثيرة ومتشعبة.
,
, مــــال مازن برأسه على عدوه ، وهمس له بتوعد :
, -الحساب بينا مخلصش يا ابن حرب
,
, رد عليه دياب بصوت خفيض مهدد :
, -الحساب لسه في أوله ، وفاتورتك تقلت أوي معايا !
, ٤٤ نقطة
,
, لاحقاً ، بداخل المكتب الخاص بإدارة سلسلة المطاعم ، حدج مهدي ابنه بنظرات مغلولة ، وعنفه قائلاً :
, -شايف غباءك وصلنا لفين ؟
,
, رد عليه مازن بحنق :
, -يا بابا ما انت كتمتني ، كنت عاوز أعلم على الـ ٦ نقطة دياب ٣ علامة التعجب
,
, نظر له مهدي بغيظ ، وهتف بنبرة مغلولة :
, -وانت كده علمت عليه ولا لبستنا في حيطة معاهم ؟
,
, ثم صمت للحظة قبل أن يضيف بإنزعاج :
, -عارف أعدة العرب اللي هاتتعمل هاتكلفنا أد ايه ؟
,
, هتف مازن محتجاً بغضب :
, -هو احنا ليه لازم نطاطي ليهم ؟ ما تسيبنا آآ٣ نقطة
,
, قاطعه والده بصوت صــــــــــارم :
, -بــــــس ! انت مش فاهم حاجة ، أنا مش محتاج أعادي ولاد حرب دلوقتي خالص !
,
, اغتاظ مازن من تراخي والده واستسلامه لعائلة حرب مما يجعله يشعر بضعفهم أمامهم ، فصاح بنزق :
, -و**** لو مجد كان هنا مكانش خلصه اللي اتعمل !
,
, اتسعت مقلتي مهدي لتبرزا من محجريهما ، فهو أدرى الأشخاص بطيش ابنه البكري ، وتهوره الغير محسوب العواقب.
, حاول السيطرة على انفعالاته قائلاً بصعوبة :
, -مجد أخوك في السجن بسبب مخه الناشف ، وضيع نفسه بعنده ، فبلاش أخسرك انت التاني ! أنا محتاجك انت ومحمد جمبي ٣ علامة التعجب
,
, لم يقتنع مازن بما ردده والده على مسامعه ، فالبغض بينه وبين دياب لم ولن ينتهي ..
, فحبائل الكراهية ستظل موصلة بينهما حتى يقضي **** أمراً كان مفعولا.
, ٣٧ نقطة
,
, على الجانب الأخر ، أجلس طــه ابنته الصغرى على حجره ، وداعبها من وجنتها متساءلاً بإهتمام :
, -حد عملك حاجة ؟
,
, هزت رأسها نافية وهي تجيبه مبتسمة :
, -لا يا بابا ، أنا أعدت عند طنط عواطف شوية وبعد كده نزلت معايا وجابتني في العربية لهنا !
,
, حرك رأسه بإيماءة خفيفة متمتماً بنبرة مقتضبة :
, -ماشي
,
, ثم ابتسم لها بألفة :
, -طب يا حبيبتي ، روحي أوضتك ذاكري !
, -ماشي يا بابا
, قالتها ومن ثم قبلته من صدغه ، ونهضت مبتعدة عنه لتذهب إلى غرفتها ..
,
, اقتربت زوجته السيدة جليلة منه ، وأسندت صينية أقداح الشاي الساخنة على الطاولة المجاورة له. وقبل أن تجلس على الأريكة سألها بغموض:
, -البت بخير ؟
,
, أجابته بثقة وهي تعطيه قدحه :
, -اطمن أنا فتشت في جسمها
,
, تناوله منها ، ورد بإرتياح :
, -الحمد**** !
,
, خـــرج منذر من المرحاض مرتدياً فانلته التحتية – السوداء – على بنطاله الجينز البالي اللون وهو عابس الوجه ، نظراته منزعجة شبه متوترة.
, التقطت أذنيه جزءاً من الحوار الدائر بين والديه ، فتدخل فيه قائلاً بصوت قاتم وهو يجفف وجهه بالمنشفة القطنية :
, -أروى ماتطلعش من المدرسة إلا ومعاها حد فايق ، مش هنديهم فرصة يكرروها تاني !
,
, رد عليه أباه قائلاً بجدية :
, -أه ، ما أنا هاعمل كده
,
, مط منذر فمه للأمام ولم يعقب ، بينما تلفت طه حوله ليسأله بإهتمام بعد أن لاحظ تغيب ابنه :
, -أومال فين دياب ؟
,
, رد عليه منذر وهو يلف المنشفة حول عنقه :
, -مش باين من ساعة الخناقة !
,
, انتصب هو في وقفته ، وضبط قلادته الفضية التي تطوق عنقه ، وتحرك ليجلس على مقربة من والده.
,
, تنهد طـــه بإحباط ، ورد بصوت ممتعض :
, -أخوك جايبني ورا بعمايله !
,
, حدق منذر في وجه أبيه بجمود ، ورد عليه بقسوة :
, -بلاش نفتح في الماضي يا حاج ، أنا وانت عارفين إنه اتاخد غدر !
,
, كز طــه على أسنانه بشراسة ليضيف قائلاً:
, -بنت الألبسة لعبتها صح عليه ، ولولا يحيى كنت شارب من دمها !
,
, هتفت جليلة بتوجس بعد أن لاحظت نظرات الشر متجلية في أعين زوجها :
, -كله بالعقل يا حاج ، وحقنا هناخده منها !
,
, نظر ناحيتها ، وسألها بحدة :
, -أومال يحيى فين ؟
,
, ازدردت ريقها وهي تجيبه بحذر :
, -معاها !
,
, زفر بصوت مسموع منزعجاً من إجابتها ، وسألها بتهكم :
, -استغفر **** العظيم ، والمحروسة هاتجيبه امتى ؟
,
, أجابته بهدوء :
, -أخر النهار إن شاء **** !
,
, صـــاح بصوت محتد متذكراً فعلتها النكراء قائلاً :
, -**** ياخدها ويخلصنا منها !
,
, لم يرغب منذر في فتح ذلك الموضوع الشائك مجدداً لما فيه من أمور مزعجة ومؤلمة للجميع ، فهتف بتأفف :
, - فضنا من الحوارات دي يا حاج طه، عاوزين نشوف مصالحنا !
,
, ٣٨ نقطة
, امتلأت الغرفة عن أخرها بسُحبٍ كثيفة من الدخـــان المنبعث من الأرجيلة التي لم يتوقف هو عن تدخينها.
, نظر له رفيقه عماد بتوجس من تلك الكميات التي تناولها ، وتشدق قائلاً بحذر :
, -مش كفاية يا دياب ! إنت.. إنت بقالك كام ساعة بتشرب !
,
, رد عليه بصوت مختنق يحمل الغضب بين طياته :
, -محروق ياخي ، إنت مش حاسس بالنار اللي جوايا
,
, حذره رفيقه قائلاً :
, -عشان صدرك بس ، كترها مش حلو
,
, رد عليه دياب بمرارة وقسوة :
, -يا ريتني أقدر أطفي البركان اللي قايد فيا ، بس مش قادر ، مش قادر يا عماد !
,
, تنفس عمـــاد بهدوء ، وردد قائلاً :
, -الموضوع إياه !
,
, تحول وجهه للتجهم الشديد ، وضاقت نظراته ، ثم أجابه بنبرة عامضة تحمل القتامة :
, -هو في غيره ، لعبتها صح أوي ، ولبستني العمة ، وأنا زي الدغوف شربتها على الأخر !
,
, رد عليه عماد محاولاً التهوين عليه قليلاً :
, -هيجي يوم وتاخد حقك منها !
,
, تابع دياب بشراسة وهو يضغط على أسنانه بقسوة :
, -لولا ابني يحيى وأبويا كنت دابحها !
,
, أضاف عماد بصوت رخيم :
, -أنا عارف ، بس ماتستهلش انك تعمل في نفسك كده !
,
, هتف ديــــاب بقوة بعد أن استشاطت نظراته للغاية وبرزت عروقه من عنقه :
, -اللي حرقني أوي ابن أبو النجا ، عملهم عليا وأنا مشيت وراه من غير ما أديله خوانة !
,
, رد عليه عمـــاد بهدوء :
, -ليه يومه بردك يا كبير !
,
, حدق دياب في الفراغ أمامه بنظرات تحمل الكثير ، وهتف من بين فمه بتوعد :
, -ايوه ، وكله بحسابه ٣ علامة التعجب
, ٣٨ نقطة
,
, بعد مرور أسبوعين ،،،،
, لم تقوَ قدماها على حملها ، وتكفلت سيدتان بإسنادها وهي تسير في الخلفية مودعة أباها للمرة الأخيرة إلى مثواه الأخير.
, تلقت خبر وفاته كالصاعقة ، فأظلمت الدنيا في عينيها.
, عجزت والدتها القعيدة عن الحضور ، فمصابها آليم وأشد فجعاً ، هي خسرت حبيبها وزوجها وحاميها ، وكل شيء في حياتها.
, شهقت أَسِيف بصعوبة غير قادرة على التنفس ، إنه يوارى الثرى أمام ناظريها ، يدفن مع من سبقه من الأموات. تركها بمفردها وحيدة ضعيفة في مواجهة الكثير من الأحداث.
, انهارت باكية ، وتعالت صراختها وعويلها رغم تحذيرات الجميع لها.
, هو والدها الغالي ، سندها في تلك الحياة ، تركها ورحل بلا وداع.
, صرخت بإهتياج :
, -سبتني ليه يا بابا ، هنعيش لمين بعدك ؟ انت وعدتني تفضل معايا
,
, نهرتها سيدة ما ممسكة بها :
, -حرام عليكي يا بنتي ، **** بتعمليه ده مايرضيش ****
,
, صرخت بجنون أكبر غير عابئة بمن حولها :
, -ماتسبناش يا بابا ، ماتسبناش
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** !
, قالتها سيدة أخرى وهي تنظر لها بإشفاق
,
, صاح الحاج فتحي قائلاً بصرامة بعدما أزعجه تصرفاتها الغير واعية :
, -خدوها من هنا ورجعوها دارها ! كفاية فضايح
,
, احتجت قائلة بصراخ عنيف بعد أن جذبتها السيدات بعيداً عن القبور :
, -لألألأ .. مش هامشي من هنا ، سيبوني معاه
,
, صاح مجدداً بغلظة أشد وهو يشير بعينين قاسيتين :
, -يالا من هنا !
,
, وبالفعل اقتادتها اثنتان من النساء بعيداً عن الحشد المتجهمر حول قبر العائلة ، وجرجراها على الأرضية الترابية وهما تحاولان تهدئتها ، لكن دون جـــدوى.
, اعتصر قلبها آلماً ، وزاد تهدج أنفاسها حتى باتت عاجزة عن التنفس بسهولة.
, هاهو الكفن الذي يضم أبيها بين جوانبه يرفع عالياً عن المحفة ليوضع في مكانه الأخير.
, تشكلت سحباً ضبابية حول عينيها وهي تسحب من ذراعيها بعيداً عن أغلى الأشخاص في حياتها.
, ودعته بقلبها قبل أن تميد بها الأرض وتسقط في ظلام حزين ٣٣ نقطة
 
  • عجبني
التفاعلات: pop44، wagih و ☠️ B̷A̷D̷ M̷A̷N̷ ☠️
٢


مسحت بمنشفتها القطنية عيناها الباكيتين لتحدق في ابن خالتها الذي حضر خصيصاً اليوم للحديث معها في أمر هـــام ..
, انتحبت بصوت خفيض وهي تحاول السيطرة على نفسها أمامه. فقد مر أكثر من عشرة أيــــام على فراق شريك حياتها ، بدا الوقت كالدهــر ، فمن سيملأ الفراغ من بعده ؟
, أمــا ابنتها فهي في وضع بائس ، حاضرة معها بجسدها لكن روحها وعقلها غائبين ..
, منذ دفنه تحت الثرى وهي تذهب يومياً إلى تلك البقعة التي إعتادت الجلوس فيها معه في أرضه الزراعية ، تقضي بها ساعات مختلية بنفسها شاردة في ذكرياتها معه.
, فالفقيد لا يعوض ، وهو كان الحياة بالنسبة لها.
,
, عزاها الحاج فتحي قائلاً بنبرة مواسية :
, -شيدي حيلك يا بنت خالتي ! المرحوم كان غالي علينا كلنا !
,
, ردت عليه بصوت باكي :
, -الشدة على ****
,
, أخــذ نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم تابع بهدوء مريب :
, -أنا عارف إن الوقت مش مناسب للي جاي أقوله النهاردة ، بس .. س لازم أفتحك فيه !
,
, انتبهت حواسها بالكامل له ، وسألته متوجسة :
, -خير يا حاج فتحي ؟
,
, صمت لبرهة قبل أن يجيبها بكلمة واحدة موجزة :
, -الأرض !
,
, انقبض قلبها نوعاً ما ، فذكر تلك المسألة المؤجلة الآن ينذرها بوجود خطب ما ..
, ابتلعت ريقها وسألته بتوتر قليل :
, -مالها ؟
,
, حدق فيها بنظرات جامدة ، ثم أجابها بصوت جاف :
, -انتي عارفة كويس إن رياض **** يرحمه كان شريك معايا في حتة الأرض القبلية !
,
, أومــأت رأسها بالإيجاب قائلة :
, -ايوه !
,
, أضاف قائلاً بنبرة جادة :
, -وكمان عارفة إن الحريم هنا مابيتملكوش أراضي !
,
, أزعجها للغاية جملته الأخيرة ، فهي تفهم المغزى من ورائها ، أن النساء لا تورث ما له علاقة بـ " الطين " وبالطبع امتلاك الأراضي الزراعية على رأس القائمة ..
, ورغم ذلك اعترضت على جملته قائلة بثبات وهي ترفع رأسها للأعلى في كبرياء :
, -اها .. ده العرف عندكم ، بس شرع **** بيقول آآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بعدم اكتراث :
, -شرع **** مش هانتعرض عليه وحقك انت وبنتك محفوظ !
,
, تشنجت قسمات وجهها ، كما ضاقت نظراتها المنزعجة منه ، وسألته بحدة خفيفة :
, -تقصد ايه بالظبط يا حاج فتحي ؟ أنا مش فهماك ٣ علامة التعجب
,
, نظر لها بجمود شديد ، وأردف قائلاً وهو يشير بكف يده :
, -شوفي يا بنت خالتي ، أنا مقدر ظروفك وفاهم الحال عامل ازاي معاكم ، وصعب انتي أو بنتك تقفوا وسط الأنفار والرجالة وتديروا الأرض بنفسكم !
,
, تمكن هو بكلماته المنتقاة بعناية من اللعب على الوتر الحساس ، فهو بالطبع لا يحتاج للإشارة إلى عجزها الجسدي ، ولا إلى صغر سن ابنتها التي انتهت من تعليمها الجامعي قبل فترة قصيرة ، لكن يكفيه أن يلمح لكونهما امرأتان ضعيفتان ، بل هشتان على الأرجح ، بلا رجل معيل يحميهما.
, أدرك أنه كان مصيباً في حديثه ، فتشجع لإكماله ، وتابع متحفزاً :
, -المرحوم كان قايم بالليلة كلها ، ومش مقصر في حاجة ، بس الوضع اتغير دلوقتي ، وماينفعش اللي كان بيحصل زمان يتعمل عادي !
,
, ردت عليه بصعوبة محاولة التمالك أمامه واظهار قوتها :
, -وضحلي غرضك يا حاج فتحي ؟
,
, أجابها بنبرة عازمة وهو ينظر مباشرة في عينيها بقوة :
, -أنا هاشتري نصيبكم في الأرض بما يرضي **** ، وهراضيكم على الأخر !
,
, وجدت أن الأمر شبه محسوماً من قبل ابن خالتها ، بالطبع الأمر معتاد هنا ومرتب له خاصة إن كانتا بمفردهما ، ولذا هي ليست بحاجة لتخمين النتائج..
, حاولت فقط أن تثنيه عن رأيه وتعطي ابنتها فرصة لتقرير مصيرها ، فهتفت قائلة بصوت متردد :
, -انت عارف ان أسيف متعلقة بحتة الأرض دي وفيها ذكرياتها مع أبوها ، ومن يوم ما المرحوم فارقنا وهي .. وهي دايما بتروح تقعد عند آآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بقسوة جامدة :
, -ودي الحاجة التانية اللي كنت هاكلمك فيها ، إحنا عوايدنا غير ، ومايصحش اللي هي بتعمله ، لولا انتي مقدر الظروف وعارف إن العيبة ماتطلعش من بنت الحاج رياض خورشيد كنت اتصرفت معاها تصرف تاني !
,
, شعرت بتلميح ضمني يحمل التهديد بين طيات كلماته ، فانقبض قلبها أكثر ، وخشيت على ابنتها من التعرض للأذى ، وبعاطفة أمومية صادقة هتفت مدافعة عنها :
, -أنا بنتي متربية كويس ، والعيبة آآ٣ نقطة
,
, لم يدعها تكمل عبارتها للنهاية ، وقاطعها مكملاً بقسوة :
, -عارف ده يا ست حنان ، بس الناس ليها الظاهر !
,
, ردت عليه بحدة وقد بدا وجهها منزعجاً للغاية :
, -الناس مابتسبش حد في حالها أبداً ، عاوزين ايه مننا ، ده احنا قافلين علينا بابنا وآآ٣ نقطة
,
, هتف مقاطعاً بجدية مفرطة :
, -المثل بيقول الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح ، وأنا عرضت عليكي عرضي وهاسيبك كام يوم تفكري ، ويا ريت تحسبيها صح وتدوري على مصلحة بنتك ٣ علامة التعجب
,
, حدقت فيه بصدمة واضحة . فقساوة الحياة لم تتركهما ينعمان بالهدوء لبرهة .. وها قد بدأت دوامتها.
, لم يضف المزيد ، ونهض واقفاً من مقعده ، وابتسم لها بود مصطنع قائلاً :
, -هاستنى منك رد قريب ، سلام يا مرات المرحوم الغالي !
,
, تصلبت في مكانها ولم تتمكن من تحريك حتى عجلتي مقعدها لتودعه.
, أيقنت أنها لن تستطيع مجابهة كل شيء بمفردها، شعرت بقلة حيلتها ، أخفضت نظراتها نحو ساقيها العاجزتين ولم تمنع نفسها من الانخراط في البكاء حسرة على حالها وحياتها القادمة .
, ٤٠ نقطة
,
, انتهت جلسة المصالحة العرفية بين عائلتي حرب وأبو النجا على دفع مبلغ مالي ضخم كتعويض عن تصرف سليل عائلة أبو النجا الأهوج ، ولضمان عدم تكراره لتلك الفعلة الطائشة.
, هي مصالحة ودية في ظاهرها ، لكنها جلسة تأديبية في باطنها.
, طرأ ببال كبير عائلة أبو النجا أن يستغل الفرصة لصالحه ، ويضع حداً للنزاعات القائمة بين الأبناء ، فاقترح بلا تردد أن تتشارك العائلتين في عمل يجمعهما سوياً ، وهتف مُصراً على تنفيذه :
, -دي فرصة نكون إيد واحدة وننسى اللي فات ٣ علامة التعجب
,
, لم يلقَ الاقتراح ترحيباً إلا من الحاج طـــه ، فهو أعلم الناس بما يدور في خلد ولديه خاصة " ديـــاب " ، كذلك لا يريد الزج بهما في مغبة المشاجرات والمشاحنات العنيفة التي كادت تودي بحياتهما.
, فكر هو ملياً لبعض الوقت قبل أن ينطق بجدية :
, -وليه لأ ؟
,
, تهللت أسارير مهدي ، وبرقت عيناه لتصريحه الجدي ، ثم هتف بحماس :
, -يعني انت موافق يا حاج طه على الشراكة دي ؟
,
, ظل صامتاً للحظة قبل أن يرد بصرامة وكأنه أمر واجب النفاذ :
, -طبعاً ، المفروض كان يتعمل من زمان ٣ علامة التعجب
,
, ثم وجـــه أنظاره إلى ابنيه اللذين بديا على تعابيرهما المفاجأة والذهول.
,
, تساءل طه بتوجس قليل وهو يتفرس في أوجه الشباب المتقد أمامه :
, -وأنتو يا ولاد رأيكم ايه ؟
,
, حدق طـــه في ابنيه ، وهتف بصلابة:
, -ها ؟ مش سامعلكم حس
,
, تجمدت نظرات منذر على وجه أبيه ، ورد بإيجاز مقتضب :
, -اللي تشوفه يا حاج !
,
, في حين لم يحد دياب بنظراته الشرسة عن مـــازن ، وهتف من بين أسنانه بهدوء :
, -اعمل الصالح يا أبا !
,
, تساءل طه على عجالة وهو يسلط أنظاره على ابنه مازن قائلاً :
, -وانت يا مازن ؟ رأيك ايه ؟
,
, أجابه الأخير بابتسامة لئيمة :
, -مافيش بعد قولك كلام يا كبيرنا !!
,
, ثم غمز لدياب بطرف عينه متعمداً إغاظته ، وقد نجح في هذا ، وجاهد هو للحفاظ على ثباته حتى لا ينفجر فيه.
,
, زادت حماسة الحاج مهدي لتلك الشراكة القادمة ، وهتف متحفزاً:
, -على بركة **** ، وأنا عندي فكرة المشروع !
,
, تم الاتفاق بينهما على فتح أكبر مطعم مأكولات بحرية بالمنطقة القاطنين بها في البناية القديمة المتواجدة في مدخل حارتهم والمملوك أكثر من نصفها لعائلة حرب .
, كما سيتولى " منذر " الإدارة كاملة ، وستؤول ثلاثة أرباع الأربــــاح الخاصة بالسنة الأولى لعائلته ، والربع الأخير المتبقي لعائلة أبو النجا على أن يتم تقاسم الأرباح مناصفة من العام الثاني .
, بإمتعاض كبير وافق دياب على هذا الاتفاق ، وبسخط جلي قبل مازن بشروطه المجحفة من وجهة نظره ، فعائلته لن تستفيد شيئاً إلا بعد فترة طويلة.
, هذا هو الظاهر للعيان " المصالحة السلمية ".. لكن ستظل الكراهية والعداوة قائمة بين قطبي العائلتين بسبب رواسب الماضي.
, النظرات العدائية بين الجميع لم تتوقف للحظة رغم الصمت المشحون بالحقد والرغبة في الانتقـــام ٧ نقطة
, ٤٠ نقطة
,
, تجمدت نظرات منــــذر على تجاعيد وجه أبيه ، ومـــر بباله شريط ذكرياته المليء بالكثير.
, هو تزوج زواجاً تقليدياً بناءاً على أمر والده ، ورضخ لطلبه دون مناقشة آن ذاك .
, لكن تعذر عليه هو وزوجته " راضية " الإنجاب .. رغم عدم وجود أي موانع تحول دون حدوثه ، لكن لكثرة الخلافات بينهما وعدم استقرار الأوضاع انعكست بالسلب عليهما.
,
, لم ينسَ تلك المشاجرة المحتدة التي اندلعت بينهما ، وصراخه فيها:
, -ده انتي تجنني العاقل ، قرفت منك ومن خناقك كل يوم
,
, استشاطت نظرات راضية ، وهدرت فيه بصوتها المتشنج مشيرة بكفها في وجهه :
, -إنت اللي مش عاوز تخلف مني !
,
, لوح بذراعه عالياً وردد بغضب :
, -وأنا بإيدي ايه ، ماهو كله بأمر **** !
,
, كزت على أسنانها لتضيف بمرارة :
, -انت عمرك ما حبتني ، اتجوزتني مصلحة والسلام !
,
, هي كانت مصيبة في هذا ، فهو لم يُكن لها أي مشاعر من قبل ، وحاول جاهداً أن يجعلها سكناه ، لكنها كانت بطريقتها العصبية تثور فيه وتهدم أي محاولة للإصلاح.
,
, وقبل أن يرد عليها تابعت بصراخ :
, -لأ وكل ما أجيبلك سيرة الخلفة تهب فيا كده !
,
, نفخ بنفاذ صبر ، ونظر لها شزراً ، ثم تمتم بتأفف:
, -أعوذو ب**** منك ، أنا كرهت الأعدة معاكي يا شيخة !
,
, أولاها ظهره ، وتحرك مبتعداً عنها ، فركضت خلفه ، وأمسكت به من ذراعه ساءلة إياه :
, -استنى رايح فين ؟
,
, أبعد قبضتها عنه ، ورد عليها بإنفعال :
, -رايح في داهية ، أوعي ٣ علامة التعجب
,
, رمقته بنظرات مغلولة ، وظلت تغمغم بكلمات متعصبة تعمدت فيها الإساءة إليه بعد رحيله ٣ نقطة
,
, ومن وقتها انغمس منذر في عمله أكثر ليبتعد عن شجارها المحتد معه ، وانشغلت هي في البحث عن الحلول الطبية العاجلة لتتمكن من الإنجاب.
, ٤٥ نقطة
,
, ابتسم الحاج مهدي ابتسامة متكلفة وهو يتفرس في وجـــه دياب الجالس قبالته ، وجاب بخطره تلك المحادثة التهديدية التي دارت مع السيدة " شـــادية " في منزله.
,
, حدق فيها بنظرات نارية يحذرها بغلظة :
, -انتي كده بتلعبي بالنار يا شادية ، وهتجرينا معاكي ليها
,
, ردت عليه بقسوة :
, -النار دي كلنا فيها من زمان ، والمصالح بتحكم !
,
, تأفف من أسلوبها الغير مكترث ، ورد بعدم اهتمام :
, -وأنا مش عاوز وجع قلب !
,
, صاحت فيه بقوة مهددة إياه :
, -ابنك اللي دخل بنتي ولاء في السكة دي ، يبقى لازم تتصرف وإلا ..آآ٤ نقطة
,
, هو مدرك أن شـــادية متهورة ، بل ربما ترتكب الجرائم لمطامعها الخاصة ، وابنتها ما هي إلا نسخة مصغرة منها ، لذا قاطعها متساءلاً بقلق قليل :
, -وإلا ايه ؟
,
, أجابته بجمود مخيف :
, -وإلا هايعرف أعمامها باللي مازن خططله ، وساعتها هما اللي هايتصرفوا ، وانت عارف دمهم حامي ازاي ومش هيسيبوا حد ينهش في لحمهم ويسكتوا ! ففكر كويس يا حاج مهدي !!
,
, نظر لها متوجساً بعد أن صمت ليفكر بتعقل في تهديدها الصريح لاعناً تلك القرابة التي جمعتهما معاً ..
, ٤٧ نقطة
, عــــــاد دياب بذاكرته إلى تلك السنة النهائية بكليته ،حيث كان يقضي أغلب أوقاته برفقة مازن ورفاقه.
, احتل وقتها الصدارة في كل شيء ، وكانت سمعة وسيرة عائلته تسبقه إلى أي مكان يلج إليه فتفتح له الأبواب المغلقة على مصرعيها . بينما كان مازن موضعاً على الهامش ، ودائماً يقارن معه ، هو مصدر الضيق والمتاعب لعائلته ، بينما دياب مصدر الفخر والرجولة لهم.
, أثار هذا حنقه ضده ، وضمر في صدره مشاعر مغلولة نحوه.
, وقرر أن يكيد له ليدمر سمعته ، ويلطخها بالوحل.
,
, وذات يوم تعمدت إحدى الصديقات المشتركة بين مازن وديـــاب الدفع برفيقتها المقربة لتتعرف عليهما ، ومن هنا فتحت أبواب الجحيم على دياب ..
,
, ولاء .. تلك الشابة المغترة بنفسها ، والواثقة في قدراتها على الإيقاع بالرجل المناسب. تمكنت بحرفية تامة من استدارج ديــــاب وإيقاعه في شباك غرامها.
, استغرقها الأمر وقتاً ، لكنها حازت على ما تريد في نهاية المطــــاف.
, وهو رغم خبرته في عالم النساء العابثات ونصائحه الدائمة لرفاقه بتوخي الحذر من مكرهن ، إلا أنه لم يتخذ حذره معها واطمأن لها بعد تحريه عنها ومعرفته بكونها قريبة عائلة أبو النجا ، كما كان رفيقه مازن دائم الشكر فيها وفي سيرتها الطيبة ، وبالتالي لم يرتاب من الأمر.
, لم يهتم بها في البداية ، لكن رويداً رويداً اتجه لمتابعتها ، وبدأ يحسب الأمر من زاوية مختلفة حينما لفت مازن أنظاره إليها .
, اتخذ هو المسـألة كتحدٍ حينما وضع في المقارنة مع غريمه الذي أوهمه بأنه سينالها في النهاية .
, تكالب الاثنان عليها .. وتسابقا في إرضائها ، لكن ما لم يكن دياب على علم به أن الأمر مرتب له ، وموضوع برهـــان مسبق لإذلاله وكسر هيبته الزائفة أمام الجميع ، والإيقاع به في المحظور لتدميره والتخلص منه .
,
, سقط كفريسة سائغة أمام سحرها المفتن ، وأوهمته أنها تعشقه حتى النخـــاع ، متيمة بكل ما يخصه ، فأشعرته برجولته وتفوقه على الجميع.
,
, أراد أبويه وقتها تزويجه بمن تناسبه عقب تخرجه خاصة بعد زواج أخيه الأكبر منذر ، وهو لم يكن راغباً في الإرتباط بمن لا يعرفها، أو يكرر تجربة أخيه ، ففكر في أن يقترن بها ، وبالطبع لن يواجه رفضاً من قبل عائلته إن تقدم لخطبتها ، والأكيد هي سمعتها الطيبة ، لكن كل ذلك مجرد قناع زائف لأمر أخطر من هذا.
,
, هي في الأخير شابة مادية بحتة ، باحثة عن مصلحتها أولاً ، بغض النظر عن توابع ما تفعله بغيرها ، المهم نفسها فقط وأبداً طالما ستجني الاستفادة القصوى من وراء ذلك..
,
, أسلمت له نفسها ، وانغمسا في المحرمات سوياً ، لكن تطور الأمر لإكتشاف علاقتهما المحرمة سوياً وافتضاح أمره أمام أفراد عائلته ..
, انقلبت الطاولة على رأسه ، وأصبح هو الجاني المجرم – صاحب السمعة السيئة - في نظر الجميع الذي أوقعها في حبائله .
, وسريعاً تحولت المسألة لتهديدات علنية بالقتل من أجل الشرف ، فاضطر أباه أن يلملم شتات الأمور قبل أن تتفاقم أكثر ويخسر حياة ولده في المقابل، لذلك أجبره على إكمال الزيجة حفاظاً على حياته ، ومنعاً للفضائح التي ستدمر سمعة العائلة للأبد ٣ نقطة
, ٣٦ نقطة
,
, اكتشف حقيقة أمرها بعد عقد قرانه بها في جلسة شبابية بأحد المقاهي حينما أبلغه أحد رفاقه قائلاً :
, -أنا مش عاوزك تتهور لما تسمع اللي عرفته
,
, تجمدت تعابير وجه دياب ، وضاقت نظراته نحوه ، ثم هدر فيه بعصبية خفيفة :
, -ما تنطق وتقول في ايه
,
, ابتلع رفيقه ريقه بصعوبة ، وأجابه بحذر جاد :
, -هي .. هي حاجة تخص ولاء !
,
, اشتعلت نظرات ديـــاب غضباً ، وهدر فيه بعنف :
, -اتلم ، انت هاتجيب سيرة مراتي وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه رفيقه بتوجس :
, -مـ.. مقصدش ، بس ..آآ.. بس في حاجة عرفتها كده ، ولازم انت كمان تعرفها
,
, تحولت عيناه للإظلام ، وسأله بحدة :
, -حاجة ايه ؟ انطق
,
, رد عليه بإرتباك :
, -هي .. هي كانت بتشتغلك !
,
, اكتسى وجهه بحمرة غاضبة ، وأمسك به من تلابيبه قائلاً بغل :
, -نعم ، انت اتجننت ٣ علامة التعجب
,
, حاول رفيقه تخليص ياقته من قبضته القوية ، ودافع عن نفسه قائلاً بفزع قليل :
, -و**** أبداً ، بس ده اللي عرفته من مازن ، هو كان عامل دماغ ومش في وعيه وخطرف بالكلام عنك !
,
, أدرك ديـــاب أن المكان غير مناسب للجدال ، فقد كانت الأنظار محدقة بهما ، لذا نهض عن مقعده ، وجذبه من ذراعه قائلاً بصرامة :
, -تعالى معايا
,
, وبالفعل ابتعد الاثنان عن المقهى ، واتخذا زاوية نائية بعيدة عن أعين المتطفلين ، ثم ســـأله بصوت قاتم :
, -احكيلي بالراحة
,
, اضطربت نظرات رفيقه ، ورد عليه بحذر متوجساً من ردة فعله العنيفة :
, -اللي فهمته منه إنه كان متفق معاها توقعك عشان تحط راسك وراس عيلتك في الوحلة !
,
, أمسك به مجدداً من عنقه ، وكان على وشك الفتك به.
, صــــاح به بصوت غاضب من بين أسنانه :
, -اخرس !
,
, ارتجف هو من عصبيته الزائدة ، ورد بتلعثم :
, -مش كلامي ، هو .. هو اللي قال كده !
,
, جاهد دياب لضبط أعصابه ليفهم المسألة برمتها ، وعرف طبيعة الخدعة التي سقط في فخها بسذاجة من سرده المقتضب .
, ٣٠ نقطة
,
, لاحقاً عــــاد إلى منزله ليحاسب زوجته ولاء على خداعها له مهدداً إياها بإنفعال :
, -بقى انتي تستغفليني ؟
,
, ردت عليه ببرود متعمدة النظر إليه بإزدراء :
, -أنا مضحكتش عليك ، إنت اللي جريت من الأول ورايا وكنت طمعان فيا !
,
, هدر فيها لاعناً إياها بسباب لاذع :
, -بقى واحدة زيك ١١ نقطة تتفق عليا مع الكلب ده ؟
,
, نظرت له شزراً وأجابته بعدم اكتراث لتثير حنقه أكثر متعمدة استفزازه :
, -كله كان برضاك ، أنا مغصبتكش !
,
, رفع كف يده عالياً في الهواء، وهوى به على وجهها ليصفعها قائلاً بغضب جم :
, -اه يا بنت الـ آآ١٥ نقطة
,
, باغتها بصفعته ، فصرخت متأوهة من الآلم ووضعت يدها على وجنتها تتحسسها بصدمة.
, نظر لها بإحتقار شديد ، وأمسك بها من ذراعيها ليهزها بعنف ومهدداً بصوت عدائي :
, -لولا إنك حامل كنت قطعت جتتك نسايل ورميتها للكلاب ينهشوا فيها ٣ علامة التعجب
,
, ردت عليها تتحداه بصوت مختنق :
, -مش هاتقدر تعملي حاجة ، عيلتي مش هاتسيبك !
,
, صرخ فيها بعصبية جامحة غير مكترث بما قالته ومشيراً بسبابته :
, -هادفعك انتي وهما التمن ٣ علامة التعجب
, ٣٧ نقطة
,
, ومن وقتها تحول الأمر إلى عداء شرس بينهما ، فلم يدخر دياب وسعه في تدمير كل ما له علاقة بمازن من قريب أو بعيد. ولاحقه في عمله ، وأفسده عليه.
, ولم يتوقف الأخير عن الرد عليه بجنون.
, حاول طــــه منع ابنه من جموحه المتهور حتى لا يودي بحياته بعد أن وصل الأمر في إحدى المرات لذروته ، حيث تم تدبير حادث سير له أرقده الفراش لأسابيع طويلة ، وتسبب في وفـــاة زوجة أخيه الأكبر التي كانت عائدة معه من زيارتها لطبيب النساء.
, وقتها ساءت أحوال منذر كثيراً ، فقد خسر زوجته ، وتعهد بالانتقام الشرس من جميع أفراد عائلة أبو النجا ، وإذاقتهم من جحيمه اللا محدود.
, بدأ بابنهم البكري مجد .. فزج به في السجن عن طريق توريطه في قضية تهريب ورشوة جعلته يتلقى عقوبة تتجاوز العشر سنوات. واتجه لملاحقة الثاني بضراوة .
,
, توسل حينها مهدي لطــــه بأن يوقف تلك الحرب الغير معلنة بين العائلتين مقابل أي شيء وإلا ستتحول المسألة لسلسال ددمم سيخسر فيها الاثنان جميع أولادهما للأبد.
, فكر الأخير في المسـألة من منظور جــــاد للغاية ، فخصمه على حق ، وأصبحت الأمور معقدة بصورة مخيفة ووصلت للقتل والفتك ، لذا لا داعي لفقدان أي غالي من أجل حقيرة مخادعة.
, ٣٢ نقطة
, كما تدخلت النساء من الجانبين للضغط على رجـــال العائلتين واقناعهما بما فيه الصالح للجميع.
,
, استعطفت جليلة زوجها طــــه قائلة :
, -ولادي يا حاج ! مش عاوزاها يموتوا كده قصاد عينينا !
,
, رد عليها بحدة :
, -شيفاني راضي باللي بيحصل
,
, هتفت مستجدية إياه بصوت مختنق :
, -امنعهم ، اتصرف ، انت أبوهم وليك كلمة عليهم
,
, رد عليها بضيق :
, -هاشوف ! وربك يدبرها من عنده !
, ٢٧ نقطة
,
, في النهاية تدخل كبار العائلتين لحسم المعارك - حتى وإن ظلت توابعها قائمة حالياً لكنهم منعوا الكثير- وتوقفت تلك الحرب بعد جلسة مصالحة كبيرة وضعت فيها عدة شروط حازمة لتضمن عدم تعرض الطرفين لأحدهما الأخر.
,
, في تلك الأثناء أنجبت ولاء طفلاً ، الحفيد الأول لعائلة حرب ، فأسماه جده يحيى.
, بالطبع كان بالنسبة لها ورقة اليانصيب الرابحة للضغط على العائلة للحصول على كل شيء ولضمان حمايتها من بطشهم.
, لكنه كان يمثل لأبيه الذكرى الدائمة لغبائه وحماقته.
, ٣٣ نقطة
,
, أفـــــــــــاق دياب من شروده الموجع على صوت والده الصارم :
, -ديــــاب ، كلم المحامي عشان يجهز الأوراق والعقود !
,
, التفت نحوه ، ورد بصوت شبه هاديء :
, -حاضر !
,
, بعدها انصرف الجميع و على وجوههم تعابير مختلفة لكن ما بالقلب يظل باقياً فيه.
, ٣٥ نقطة
,
, اختلى منذر بأبيه في الوكالة الخاصة بهم ، واستطرد حديثه قائلاً بجدية :
, -في حاجة مهمة يا حاج انت مش واخد بالك منها
,
, رد عليه طـــه متساءلاً بفضول :
, -ايه هي ؟
,
, أجابه منذر بنبرة ثابتة :
, -في العمارة القديمة معانا شركا !
,
, لم يفهم طـــه مقصده ، فسأله مستفهماً :
, -ودي فيها ايه ؟
,
, رد عليه ابنه بنبرة عقلانية :
, -يا حاج مش هانعرف نفتح المحلات على بعض ، انت ناسي الدكان القديم المقفول !
,
, قطب جبينه قليلاً ، ثم وضع كفه على طرف ذقنه ليفركه قليلاً ، وهتف متساءلاً :
, -بتاع عواطف ؟
,
, أومــأ منذر برأسه بالإيجاب مردداً :
, -ايوه ، موجود في الوسط ، وعشان ندي وسع للمكان لازم نضم الدكان بتاعها لينا !
,
, جاب طـــه أرجاء الوكالة بخطوات متريثة مضيفاً بهدوء :
, -اهــا ، يبقى محتاجين نعمل زيارة ليها
,
, أضـــاف منذر بحسم وهو مسلط أنظاره على ظهر أبيه :
, -الأهم نقنعها تبيعلنا نصيبها
,
, التفت طـــه ناحيته ، ورد مبتسماً بثقة :
, -دي أمرها سهل !
, ٤٤ نقطة
,
, اضطرت أسيف أن توقع إلى جوار والدتها ببيع نصيبها في ورثها في الأرض الزراعية المملوكة لأبيها ، وسلمها الحاج فتحي المبلغ المتفق عليه قائلاً بإبتسامة عريضة :
, -مبروك عليكم البيعة !
,
, نظرت له أسيف شزراً ، فلولا حالة والدتها الصحية – والتي تعد ميئوساً منها – وتدهورها مؤخراً ، بالإضافة إلى حاجتها إلى سيولة مادية للإنفاق عليها ورعايتها لما وافقت أبداً عن التخلي عن أرضها.
,
, -عدي فلوسك يا ست حنان وإتأكدي منها !
, هتف بتلك العبارة ليخرجها من تحديقها المغلول به ، بينما ردت عليه والدتها بصوت محبط :
, -مافيش داعي !
,
, زادت ابتسامته اتساعاً وهو يضيف :
, -**** يباركلنا جميعاً ، وأهو كله رزق من المولى !
,
, لم تقتنع أسيف بقناع الورع الزائف الذي يضعه على وجهه ، ونهضت من أمامه مرددة بوقاحة :
, -شرفتنا يا خال !
,
, نظر لها بحدة ، بعد أن تبدلت تعابير وجهه للتجهم بسبب أسلوبها الفظ معه ، وقطم حديثه قائلاً :
, -فوتكوا بالعافية !
,
, عاتبتها والدتها قائلة بصوت منهك :
, -ليه كده يا بنتي ؟
,
, ردت عليها بنبرة مغتاظة وهي تشير بيدها :
, -كفاية كدب ونفاق يا ماما ، أنا مش قادرة أستحمل !
,
, طأطأت حنان رأسها للأسفل مرددة بحزن :
, -معلش ، **** موجود ، ومش بينسى عبيده !
, -ونعم ب****
,
, صمتت هي للحظة متأملة حـــال والدتها ، ثم هتفت فجـأة بجدية شديدة :
, -ماما !
,
, انتبهت لها حنان ، ورفعت أنظارها نحوها قائلة بتنهيدة :
, -ايوه
,
, اقتربت من والدتها ، وجثت على ركبتيها أمامها ، ثم هتفت بجدية :
, -احنا بالفلوس دي هنشوف علاج كويس ليكي !
,
, تهدل كتفي حنان ، وردت بنبرة فاترة :
, -يا بنتي مالوش لازمة ، أنا راضية بنصيبي وبقضاء **** !
,
, وضعت أسيف كفيها على ساقي والدتها ، وألحت قائلة بنبرة عازمة :
, -بس **** قال اسعوا وخدوا بالأسباب ، وأنا مش هاتفرج عليكي لحد آآ.. لحد ماآآ٤ نقطة
,
, تعذر عليها إكمـــال جملتها ، فهي تخشى خسارة نبع الأمومة والحنان كأبيها..
, ابتسمت لها والدتها بود ، ومسحت على وجنتها برفق قائلة بهدوء حزين :
, -ماتكمليش ، ده مقدر ومكتوب !
,
, ابتلعت أسيف غصة مريرة في حلقها ، وأخذت نفساً عميقاً لتضبط به إنفعالاتها وتخفي ضعفها قبل أن تنهار باكية فتزيد من الأمر سوءاً ، ثم أخرجته ببطء ، وهتفت بإبتسامة متحمسة :
, -أنا هادور على مستشفى كويسة جايز يكون في أمل !
,
, ردت عليها والدتها بإحباط :
, -ماتتعبيش نفسك ، وتضيعي الفلوس دي على الفاضي ، سبيها تنفعك في جوازك !
,
, هزت رأسها مستنكرة تفكير والدتها المنحصر في أمور تقليدية ، وأصرت على موقفها قائلة :
, -مافيش أغلى عندي منك يا ماما ، إن شاء **** كل حاجة تروح بس أشوفك قدامي كويسة وبخير !
,
, ضمت والدتها وجه ابنتها بكفيها ، ورمقتها بنظرات حانية ، ثم همست لها :
, -**** يباركلي فيكي يا بنتي ، ويعوضك خير !
, ٤٢ نقطة
,
, كانت تتحرك بخطوات شبه متعجلة بعد أن أنهت عملها في تلك المدرسة الحكومية التي تعج بعشرات الطلاب المزعجين.
, بالطبع اليوم كان مرهقاً لها ، ومليئاً بالمشاحنات والمضايقات لذلك لم تنتبه هي إلى صاحب محل الجزارة الذي كان يقذف بالمياه على الرصيف الخاص به ، فابتل طرف ثوبها ، فتحولت نظراتها للعدائية ، والتفتت إليه لتشتبك معه قائلة بشراسة :
, -ماتفتح يا أخي ، هو أنت اتعميت في نظرك !
,
, تقوس فم الجزار بإبتسامة متشفية وهو يجيبها غير مكترث بإتساخ ثوبها ليستفزها أكثر :
, -لا مؤاخذة يا ست الأبلة
,
, ردت عليه بحدة وقد برزت مقلتيها الحمراوتين :
, -اسمي مس بسمة ، مش أبلة !
,
, التوى ثغره بإبتسامة ساخرة ، ورد عليها بتهكم :
, -يعني غلطت في البخاري !
,
, تجهم وجهها أكثر ، واصطبغت بشرتها البيضاء بحمرة غاضبة ، ثم هدرت فيه بصوت مرتفع ومتشنج :
, -لأ بقى ، إنت كده بتقل أدبك عليا ، وأنا ممكن أركبك جناية وأنا واقفة هنا !
,
, بدأ المــــارة في التجمع على إثر صوتها العالي ، وتابعوا بفضول ما يدور من مشاجرات شبه يومية بين ابنة السيدة عواطف ، وذلك الجزار السمج.
,
, رد هو عليها بحنق :
, -طب وليه الأذية دي من الأول !
,
, صاحت فيه بغيظ وقد ارتفع حاجباها للأعلى :
, -ماهو انت اللي اتغابيت عليا ، وأنا لو الجنونة ركبتني هـآآآ٣ نقطة
,
, في تلك اللحظة هتفت والدتها بصوت شبه آمر وهي تطل من شرفة منزلها :
, -بسمــــــة ، اطلعي !
,
, لوح الجزار بيده في الهواء مرحباً بثقل :
, -مساءك فل يا ست عواطف !
,
, رمقته بسمة بنظرات نارية مستنكرة أسلوبه الاستفزازي ، وردت على والدتها بإنفعال :
, -استني يا ماما ، أما أربي الأشكال الضالة دي الأول
,
, أغاظه ردها الوقح ، وتمتم مصدوماً :
, -**** ! **** !
,
, هدرت والدتها بنفاذ صبر :
, -يا بنتي هو كل يوم خناقة مع الناس ؟٣ علامة التعجب
,
, ردت عليها بسمة بحدة :
, -هو أنا اللي بأجر شَكَلهم من الباب للطاق ؟٣ علامة التعجب
,
, أشـــارت لها بيدها قائلة بقوة :
, -طب اطلعي **** يهديكي
,
, حدجت بسمة الجزار بنظرات احتقارية قبل أن تضيف بسخط :
, -ناس عاوزة الحرق ، اتفووو !
,
, ثم تعمدت تصنع البصق أمامه كتعبير عن نفورها منه واشمئزازها من شخصه ، فاستشاط غضباً أكثر ، وكبح بصعوبة التطاول عليها ، وغمغم مع نفسه بحنق :
, -يا ساتر يا رب ، بت **** أكبر عليها ، عاوزة حش وسطها ٦ نقطة٤ علامة التعجب
 
٣


وقفت السيدة عواطف على عتبة باب منزلها تترقب صعود ابنتها الصغرى بضيق كبير .
, تنهدت بإنزعـــاج من أسلوبها الحاد واللاذع مع أغلب الجيران ، وشجارها الغير متناهي مع من يفكر في اعتراض طريقها حتى باتت معروفة بالمعلمة المشاغبة والذي يتناقض مع طبيعتها الهادئة.
, صعدت بسمة الدرج وهي تنهج بصوت شبه مسموع متمتمة بكلمات غاضبة.
, حركت عواطف رأسها مستنكرة ما تسمعه ، وردت قائلة :
, -خلاص يا بسمة ، كفاية كده
,
, وصلت هي إلى الطابق المتواجد به المنزل ، وردت عليها بسخط:
, -و**** الناس دي ما ينفع معاهم إلا قلة الأدب وطولة اللسان ، غير كده هيركبونا ويدلدوا
,
, ردت عليها عواطف بضجر مفسحة لها المجال لتمر للداخل :
, -طول عمري في حالي يا بنتي ، لازمتها إيه الفضايح دي كل شوية !
,
, ولجت بسمة إلى داخل المنزل ، وأوصدت الباب خلفها.
, نزعت عنها **** رأسها ليظهر من أسفله شعرها العجري الأسود ، فنفضته بحركة لا إرداية ، وهتفت ممتعضة :
, -ما أنا كنت كيوت يا ماما لحد ثانوي !
,
, ردت عليها والدتها متساءلة بتأفف :
, -وايه اللي شقلب حالك كده ؟
,
, تجمدت نظرات بسمة لوهلة ، وتحرك بؤبؤي عينيها البنيتين بحركة عصبية متذكرة ما حدث مسبقاً معها من شجار عنيف مع زميلاتها في المرحلة الثانوية وتلك المهانة التي تلقتها آنذاك.
, ابتلعت غصة مريرة في حلقها ، وصاحت بتشنج :
, -نسيتي العلقة والبهدلة اللي خدتها من البنات في المدرسة ، وعملوني مسخرتهم ، من بعدها حلفت ما هاكون ضعيفة تاني ، ومش هاسكت لحد !
,
, استنكرت والدتها تفكيرها المحدود ، وعاتبتها قائلة بتردد :
, -الناس هتاخد فكرة إنك آآ٣ نقطة آآ٤ نقطة
,
, قاطعتها بسمة قبل أن تكمل جملتها للنهاية قائلة بسخط :
, -ما تقوليها يا ماما ، شلق ( باحثة عن المتاعب ) !
,
, وضعت عواطف يدها على كتف ابنتها ، وضغطت عليه قليلاً قائلة بتنهيدة متعبة :
, -أنا .. أنا مش عاوزة حالك يقف وربنا يعدلهالك !
,
, حركت بسمة حاجبها وهي ترد بثقة :
, -إن شاء **** هاتتعدل ، بس بعيد عن المكان الـ ٦ نقطة ده !!
,
, زفرت عواطف مستاءة من تصرفاتها ، ورددت بضيق :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، خفي الشتايم شوية !
,
, حلت بسمة أزرار كنزتها قائلة بعدم اكتراث :
, -سيبك انتي منهم وقوليلي طابخة ايه على الغدا ؟
,
, أجابتها والدتها بهدوء :
, -عاملة نابت
,
, التوى ثغرها بتأفف ظاهر عليه ، وردت بقرف :
, -ييييه ! مافيش طبيخ ولا فراخ ولا حتى خضار أورديحي يقويني ، ده أنا بأشقى يا ناس !
,
, أوضحت عواطف سبب عدم طهيها اليوم معللة :
, -الأنبوبة فضيت ، فملحقتش أغيرها !
,
, تهدل كتفي بسمة للأسفل ، ورددت مستسلمة :
, -ماشي ، هاعمل ايه ، أمري لله !
,
, ابتسمت لها والدتها بود وهي تضيف :
, -طيب خشي اتشطفي وغيري هدومك وأنا هاجهز السفرة
, -طيب !
,
, تحركت بسمة في اتجاه المرحاض لتبدل ثيابها وتغتسل بعد عناء هذا اليوم المجهد ، وســـارت عواطف نحو المطبخ لتعد الطاولة ، لكنها تسمرت في مكانها حينما سمعت قرعاً على الباب.
, التفتت برأسها نحوه ، وتحركت بخطوات متمهلة في اتجاهه لتفتحه.
, تفاجئت بوجود الحاج طـــه وابنه البكري منذر على عتبته .
, تنحت للجانب قليلاً مرحبة بهما بألفة :
, -يا أهلاً وسهلاً يا حاج !
,
, هتف طـــه قائلاً بجدية وهو مخفض أنظاره :
, -سلامو عليكو يا عواطف !
,
, ردت عليه بإبتسامتها الطيبة :
, -وعليكم السلام يا حاج طه ، اتفضل
, ثم تحركت للداخل لتفسح لهما المجــال للولوج إلى صالة منزلها القديم.
,
, رد عليها طــه بدون تكلف وهو يضرب الأرضية الخشبية بعكازه :
, -تشكري !
,
, ثم أضـــاف بجدية وهو يلوح بذراعه :
, -معلش اعذرينا جينالك من غير ميعاد !
,
, هتفت معاتبة إياه بحذر :
, -عيب تقول كده يا حاج ، ده البيت بيتك ، تجي في أي وقت !
,
, ابتسم قائلاً بإختصار :
, -تسلمي !
,
, التفت طـــه برأسه نحو ابنه ليأمره بصوت خافت :
, -تعالى يا منذر
,
, لحق هو بأبيه متنحنحاً بصوت قوي :
, -احم .. يا رب يا ساتر !
,
, هتفت عواطف قائلة بصوت مرتفع نسبياً وهي تسبقهما في خطواتها :
, -اتفضلوا في أوضة المسافرين !
,
, فتحت هي باب غرفة استقبال الضيوف على مصراعيها ، وأضاءت الإنارة بها.
, استدارت بجسدها نحوهما ، وأشارت لهما بالجلوس على الآرائك القديمة هاتفة بحماس :
, -ثانية واحدة هاعلق على الشاي وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعها طـــه بجدية وقد تصلبت تعابير وجهه :
, -لأ مالوش لازمة ، احنا جايين في كلمتين على السريع !
,
, نظرت له متوجسة ، وارتعدت قليلاً من الجدية الظاهرة في نبرته ، وتساءلت بتوتر :
, -خير يا حاج قلقتني ؟
,
, رد عليها بهدوء حذر وقد استند بمرفقيه على رأس عكازه :
, -اطمني يا عواطف مافيش حاجة !
,
, جلست على طرف الأريكة في مقابلهما ، وتفرست في ملامحهما بقلق ..
, انتبهت هي إلى صوت منذر وهو يستطرد حديثه قائلاً بصوت خشن :
, -شوفي يا خالتي ، من غير ما نضيع وقت ، احنا عاوزين الدكان بتاعك !
,
, عقدت ما بين حاجبيها مرددة بإستغراب :
, -الدكان ؟!
,
, مـــال منذر بجسده للأمام نحوه ، وحدق مباشرة في عينيها بنظرات ثاقبة ، وهتف بصوت جاد :
, -ايوه ، لازمنا وعاوزين نشتريه !
,
, ازدردت ريقها بحيرة ، وشردت تفكر للحظة في صك ملكية ذلك المحل القديم الذي بحوزتها.
, راقب طـــه وابنه صمتها المريب بتعجب.
, هتفت هي فجـــأة معترضة
, -بس أصل الحكاية آآ٣ نقطة
,
, رفع منذر كف يده في وجهها قائلاً بجدية مجبراً إياها على التوقف عن اتمام جملتها :
, -اطمني ، هاندفعلك فيه عربون كويس أوي !
,
, حركت رأسها معترضة على حصر مسألة بيع المحل في كونها مادية ، وردت قائلة :
, -مش كده يا منذر ، بس هو آآ٣ نقطة
,
, تدخل طـــه في الحوار ، وهتف بصرامة :
, -بصيلي يا عواطف !
,
, وجهت أنظارها نحوه ، وأصغت لحديثه القائل :
, -أنا هاحاسبك بسعر اليومين دول ، وهاديكي خلو رجل مناسب يعيشك إنتي وبناتك مستورين !
,
, تنهدت بإرهـــاق ، وردت عليه بصوت شبه مضطرب :
, -يا حاج طه الموضوع مش فلوس و**** ، بس الدكان ده مش بتاعي لوحدي !
,
, تفاجيء الاثنان من ردها ، وتبادلا نظرات شبه مصدومة.
, ردد منذر بتعجب وقد عبست ملامحه :
, -نعم ، قصدك ايه بالظبط ؟
,
, عاودت النظر في اتجاهه ، وأوضحت قائلة :
, -أنا .. أنا أخويا رياض شريك فيه !
,
, وكأن تلك الكلمة جديدة على مسامعه ، فهتف مستغرباً :
, -أخوكي
,
, هزت رأسها بالإيجاب قائلة :
, -ايوه ، شقيقي من أبويا ! ليه نصيب فيه !
,
, تساءل منذر مستفهماً :
, -أها ، طب وأخوكي ده أراضيه فين ؟
,
, ردت بصوت خفيض وهي ترمش بعينيها :
, -أنا أخباره عني مقطوعة يجيلها زمن !
,
, سألها بإلحاح وقد بدأت تتشنج عروقه :
, -طب مافيش طريقة تعرفي توصليله بيها ؟
,
, حكت مقدمة رأسها بإصبعيها ، وعدلت من وضعية حجابها القماشي القديم ، وأجابته قائلة :
, -هو .. هو باين كان سايبلي رقم تلافون كده !
,
, هتف بتعجل مشيراً بعينيه :
, -طيب كلميه وشوفي نظامه ايه !
,
, ضغطت على شفتيها قائلة بإرتباك :
, -هو .. هو احنا شبه مقاطعين بعض !
,
, زفـــــر منذر بنفاذ صبر قائلاً :
, -أنا ماليش في الحوارات دي كلها
,
, أضـــاف أباه طـــه قائلاً بجدية بعد أن رأى العصبية ظاهره على تعابير ابنه :
, -شوفي يا عواطف ، أنا مايهمنيش الرغي ده كله ، من الأخر كده أنا لازمني الدكان !
,
, هزت رأسها متفهمة وهي ترد :
, -حاضر يا حاج طــه ، أنا هاتصرف
,
, ابتسم قائلاً بثقة :
, -متفقين ، ووقت ما توصلي لحاجة كلميني !
,
, ردت عليه بصوت خفيض :
, -بأمر ****
,
, نهض الحاج طـــه من مقعده قائلاً بحزم :
, -يالا يا منذر
,
, هب ابنه من مكانه منفذاً لأمره ومردداً بصوت رخيم :
, -حاضر يا حاج
,
, وقفت عواطف هي الأخرى على ساقيها ، ورددت مجاملة :
, -ما لسه بدري، ده أنا ملحقتش أعمل معاكو الواجب
,
, أشـــار لها بعكازه قائلاً بإقتضاب :
, -وقت تاني ، سلامو عليكم !
,
, تحركت هي خلفهما وهي تودعهما بإبتسامة أليفة :
, -وعليكم السلام ، في رعاية **** !
,
, أغلقت الباب بعد انصرافهما ، واستدارت عائدة إلى المطبخ.
, خرجت بسمة من المرحــاض متساءلة بفضول :
, -خير يا ماما ، في ايه ؟
,
, ردت عليها أمها بفتور :
, -ده الحاج طه وابنه منذر !
,
, لحقت هي بوالدتها داخل المطبخ ، وجابت بأنظارها المكان بنظرات سريعة وشمولية باحثة عن الطعام ومتساءلة بإهتمام :
, -مالهم ، جايين ليه ؟
,
, أجابتها بضيق خفي :
, -عاوزين يشتروا الدكان القديم
,
, هتفت بسمة بحماس وهي تقطم قطعة من ثمرة الخيار بفمها :
, -يا ريت ، ده حتى وجوده زي عدمه ، وأدينا نطلع منه بقرشين نستفيد بيهم !
, -**** ييسر
, قالتها عواطف وهي ترص الصحون الفارغة فوق الطاولة
,
, ألحت بسمة عليها مشجعة إياها على المضي قدماً في عملية البيع تلك :
, -وافقي يا ماما ، بدل ما احنا واقعين على الأخر !
,
, التفتت عواطف نحو ابنتها لتضيف :
, -هو أنا ممانعة ، الرك بس على أخويا رياض !
,
, ضيقت بسمة نظراتها بإهتمام ، وهتفت متعجبة :
, -عمي رياض ، يـــــاه بقالي زمن ماسمعتش اسمه !
,
, ثم تقوس فمها لتتابع بتهكم :
, -هو احنا نعرفله مطرح أصلاً ، ده أنا لا عمري شوفته ولا أعرف عنه حاجة غير من كلامك القليل عنه !
,
, أوضحت لها عواطف سبب تلك القطيعة الطويلة قائلة بأسف :
, - حبال الود بينا مكانتش أد كده !
,
, حكت بسمة فروة رأسها متساءلة بإهتمام :
, -أها ، يعني كان في مشاكل بينكم ؟
,
, ردت عليها أمها بتنهيدة مطولة :
, -تراكمات يا بنتي ! بسبب أمي وعمايلها وآآ٤ نقطة
,
, قاطعتها بسمة غير مكترثة بحديثها القديم عن الخلافات الأسرية في عائلتها مرددة :
, -بصي أنا مش فارق معايا ده كله ، المهم إنك تبيعي الخرابة دي وخلاص !
,
, ردت عليها عواطف بجدية :
, -ما أهو أنا عشان أعرف أبيع لازم يوافق رياض
,
, نفخت بسمة قائلة بضيق :
, -يووه يا ماما ، أنا دماغي مش مركزة معاكي ، اعملي اللي انتي عاوزاه ، بس هاتلي أكل الأول
, ٣٤ نقطة
,
, خطى منـــذر نحو الوكالة بخطوات متمهلة إلى جوار أبيه متساءلاً بقلق :
, -تفتكر البيعة هاتكمل ؟ باين فيها عوأ ( متاعب ) !!
,
, رد عليه طـــه بنبرة رزينة :
, -عواطف من يومها هبلة وعبيطة ومضيعة حقها !
,
, التفت منذر برأســـه للجانب مضيفاً بإندهاش :
, -بس أول مرة أعرف ان ليها أخ !
,
, مط طـــه فمه للأمــام ، ورد عليه بهدوء :
, -أنا عارف من زمان، تقريباً من وقت ما أمها دريت بإن جوزها خورشيد متجوز عليها واحدة تانية !
, -اها
,
, تابع مكملاً بتأفف :
, -وطبعاً الدنيا قامت ومقعادتش ، وشغل النسوان والكيد شعللها أكتر !
,
, تساءل منذر بجدية وهو يشير بيده :
, -طب خلاصة الليلة دي كلها ايه يا حاج طه ؟
,
, أجابه بصوت حازم :
, -هي هتتصرف ، احنا مالناش فيه !
, -ماشي
,
, ثم أشــار لابنه بسبابته محذراً :
, -وإنت نبه على أخوك يهدى كده وبلاش شغل اللبش مع ابن أبو النجا
,
, لوى فمه للجانب قائلاً بإيجاز :
, -**** يسهل !
, ٣٧ نقطة
,
, جلست أسيف على مقعد أبيها الوثير الموجود في مكتبه بالمنزل متأملة الغرفة بعد رحيله.
, حافظت هي على نظافتها وترتيب كل شيء بها كأنه سيعود لاستخدامها في يوم مـــا ..
, مدت أناملها لتتلمس قلمه الحبري وأوراقه بحذر شديد.
, تسابقت عبراتها في النزول متأثرة من ذلك الفراغ الكبير الذي أحدثه في حياتها.
, تحركت أنظارها تدريجياً للأمام حتى وقعت على صورته ، فتأملها في صمت وقلبها يعتصر آلماً عليه.
, مسحت دموعها بمنشفتها الورقية المهترئة ، وهمست بصوت مبحوح :
, -وحشتني أوي يا بابا !
,
, أمسكت بالإطار الخشبي الذي يحتضن صورته الفوتغرافية ، وضمته إلى صدرها بكفيها ، وأجهشت بالبكاء الحزين.
,
, راقبتها والدتها من على بعض وقلبها مفطور على حالها ، وتنهدت محدثة نفسها بآسى :
, -**** يهون عليكي وعليا !
,
, أخرجت تأوهة حارقة من صدرها وهي تستدير بمقعدها المتحرك للخلف لتتركها منفردة بنفسها.
, ٣٨ نقطة
,
, أسند النـــادل كوب المثلجات البارد على الطاولة أمام ذلك الصغير الذي صفق بحماس لرؤيته إياه.
, ابتسم ديـــاب لابنه ، وهتف قائلاً :
, -كل يا يحيى !
,
, تناول الصغير ملعقته ، وغرسها في الكوب مردداً ببراءة :
, -حاضر
,
, مســـد دياب على شعر رأسه برقة مبتسماً له بحنية.
, ورغم شعوره بالبغض والحنق نحو أمه إلا أنه أخرج ابنه من حساباته معها ، فذلك الصغير لا ذنب له فيما حدث.
, وعلى عكس صفات والدته الدنيئة إلا أن يحيى يحمل قلباً طيباً وأخلاقاً كيسة بالرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز الست سنوات.
,
, رن هاتفه برقمها البغيض ، فأشــاح بوجهه الممتعض للجانب ، وأطلق سبة خفية مهيناً إياها بشدة.
, التفت نحو ابنه مجدداً ، وهمس له :
, -خلص يا حبيبي عشان أمك جاية
, -ماشي
, قالها الصغير وهو يلوك قطعة المثلجات في فمه.
, ابتلعها بصعوبة بسبب برودتها ، وأضاف متحمساً :
, -بابا ، أنا هاروح تمرين السباحة ، هاتيجي تشوفني ؟
,
, رد عليه بتكلف :
, -إن شاء ****
,
, أضاف الصغير يحيى بسعادة :
, -ماما جابتلي مايوه جامد أوي
,
, ظهر النفور الممزوج بالإزدراء على دياب ، وتمتم من بين أسنانه بسخط خافت :
, -تقولش جابته من أبعدية أبوها ، ماهو من فلوسي !
,
, تساءل يحيى بصوت مرتفع :
, -بتقول ايه يا بابا ؟
,
, ابتسم قائلاً بتصنع :
, -ولا حاجة ، خلص أكل انت بس
, -حاضر
,
, بعد عدة دقائق حضرت ولاء إلى المطعم وهي متأنقة كعادتها ، مع فــارق أنها ترتدي ثياباً فاضحة للغاية تكشف أكثر مما تستر ، وتضع مساحيق التجميل بكميات زائدة.
,
, نظر لها دياب بإحتقار ، ووضع نظارته الشمسية على وجهه ليخفي نظراته الساخطة نحوها.
, شعور رهيب بالحنق والغضب بدأ في التسلل داخل خلاياه بشراسة وهو يراها مقبلة عليه.
,
, تعمدت هي التغنج بجسدها أمامه لتثير استفزازه أكثر ، ولكنه تجاهلها بإشاحة وجهه للجانب ..
, وقفت قبالته وهتفت بدلال:
, -هاي دياب ! ازيك ؟
,
, رد عليها بنبرة متأففة ليشعرها بدونيتها :
, -خدي يحيى وامشي
,
, جلست على المقعد الشاغر ، ووضعت ساقاً فوق الأخرى مبتلعة إهانته لها ، وهتفت ببرود :
, -أنا كنت عاوزة اكلمك في مصاريف يحيى الأخيرة و آآ..
,
, قاطعها قائلاً بإقتضاب وهو ينتفض من مقعده واقفاً :
, -انتي مش بيوصلك اللي اتفقنا عليه ، مالكيش زيادة عن كده !
,
, أنزلت ساقيها لتقف هي الأخرى في مواجهته هاتفة بضيق :
, -أنا مقولتش حاجة ، بس الولد محتاج لبس جديد ، كل القديم بتاعه صغر عليه وأنا آآ٣ نقطة
,
, قاطعها مشيراً بكف يده لتصمت وهو محدق في الفراغ متجنباً النظر إليها :
, -هابعتلك كام طقم جديد معاه المرة الجاية !
,
, هزت رأسها بإيماءة خفيفة ، وابتسمت قائلة بنعومة :
, -اوكي ، بس انت هاتعرف مقاسه وآآ٣ نقطة
,
, لم يهتم بمتابعة جملتها ، بل دس يده في جيبه ليخرج بعض الأموال منها ، وقذف المبلغ الخاص بثمن المثلجات وفنجان قهوته على الطاولة.
, حدقت فيه بنظرات مشتعلة لتجاهله لها ، وزاد من غيظها أكثر انصرافه مبتعداً دون إضافة المزيد وكأنها نكرة غير موجودة على الإطلاق ٣ نقطة
,
, ضغطت على شفتيها قائلة بحقد دون أن تحيد بنظراته المحتدة عنه :
, -ماشي يا دياب ، بتسبني وتمشي ، ماشي ، مسيرك هاترجعلي تاني !
, ٣٥ نقطة
,
, بحثت عواطف في أوراقها القديمة الموضوعـــة بداخل الكومود الموجود بغرفة نومها عن أي شيء يخص أخيها ريـــاض.
, لم تجد شيئاً مفيداً بعد بعثرتها لهم على فراشها ، فمعظمها أوراق غير مهمة.
, يئست هي من كثرة البحث ، فجمعتهم سوياً لتضعهم في مكانهم ، لكن لفت انتباهها تلك الورقة المطوية التي سقطت منها سهواً على الأرضية.
, انحنت لتلتقطها ، ثم فتحتها وهي تعتدل في جلستها.
, حدقت فيها بنظرات متأنية ، وتهللت أساريرها قليلاً حينما قرأت ما دون بها.
, تنفست عواطف الصعداء ، وهتفت لنفسها :
, -الحمد**** ، لاقيت رقم تلافون أخويا !
,
, تركت ما في يدها ، ونهضت عن الفراش وهي ممسكة بالورقة الصفراء الصغيرة.
, خرجت من الغرفة متجهة نحو الهاتف الأرضي وهي تتلهف شوقاً لمهاتفة أخيها.
, ربما قد حانت الفرصة للتصافي معه والتقارب مجدداً بعد تلك القطيعة الطويلة.
, وسيكون ( الدُّكَّـــان ) هو حجتها لهذا.
,
, وضعت السماعة على أذنها ، وضغطت على الأزرار منتظرة بترقب إجابته عليها.
, ابتلعت ريقها بتوتر ، وتسارعت أنفاسها نسبياً ، ثم بصوت مرتبك هتفت متلهفة حينما سمعت تلك الأنفاس الهادئة عبر الطرف الأخر :
, -ألوو ، ريـــاض ١٠ نقطة ٣ علامة التعجب
 
٤
استمعت حنـــان إلى ذلك الصوت النسائي حينما رفعت السماعة لتجيب على رنين الهاتف الأرضي المتواصل ، فردت بهدوء على المتصلة :
, -أيوه
,
, ارتبكت عواطف من النبرة الأنثوية التي أجابت عليها ، وتلعثمت متساءلة بتوتر :
, -هو .. هو مش ده ..آآ.. رقم الأستاذ رياض خورشيد ؟
,
, تنهدت حنان بعمق وهي تجيبها بنبرة حزينة :
, -اه هو !
,
, ابتلعت عواطف ريقها ساءلة إياها بحذر :
, -طب.. ممكن تدهوني أكلمه ؟
,
, أخفضت حنان نظراتها حزناً ، وردت عليها بصوت شبه مختنق :
, -للأسف مش هاينفع !
,
, توجست عواطف من إنهاء المكالمة دون أن تحقق غرضها ، فهتفت بصوت متلهف وقلق :
, -ليه ؟ أنا .. أنا أخته على فكرة ، أخته عواطف !
,
, انتبهت حنــــان إلى اسمها الذي استدعى إلى ذاكرتها الكثير ، فرددت بنبرة شبه مصدومة :
, -عواطف !
,
, تابعت عواطف قائلة في محاولة يائسة منها لإبقائها على الخط :
, -أنا عاوزة رياض أخويا في مسألة كده
,
, ابتلعت حنـــان غصة مريرة في جوفها ، وردت بصعوبة :
, - مش هاينفع !
,
, زاد قلق عواطف من أسلوبها الجامد في الحديث ، وهتفت متساءلة :
, -ليه بس ، إنتي .. إنتي حنان مراته صح ؟
,
, أجابتها حنان بهدوء مشحون بالكثير من المشاعر الأليمة :
, -ايوه يا عواطف ، أنا مراته !
,
, هتفت عواطف قائلة بإصرار :
, -خليني أكلمه ، الموضوع و**** ضروري وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها حنـــان بنبرة ملتاعة :
, -ريـــاض أخوكي تعيشي انتي !
,
, شهقت عواطف مصدومة حينما وقع على مسامعها تلك الكلمات الموجزة.
, خفق قلبها بشدة ، وصرخت بلا وعي :
, -ايييييه ، ريــاض مات !!
,
, انتحبت حنـــان متأثرة وهي تجيبها :
, -ايوه
,
, تساءلت عواطف بنبرة مجذوعة وهي تحاول استيعاب الأمر :
, -امتى ؟ وازاي ؟
,
, وضعت حنان سبابتها على طرف أنفها ، وهمست بصوت مختنق بعد أن سابت عبراتها الحزينة :
, -أعذريني ! مش هاقدر أكمل المكالمة ، سلامو عليكم !
,
, وضعت السماعة في مكانها ويدها ترتعش بشدة ، وأصدرت أنيناً مكلوماً راثية زوجها الفقيد.
,
, وقفت أسيف قبالتها ، وحدقت فيها بإستغراب متأملة حالتها.
, كانت قبضتها لاتزال موضوعة على سماعة الهاتف ، ورأسها منكس للأسفل.
, تساءلت أسيف بصوت قلق :
, -مين يا ماما ؟
,
, رفعت حنان أعينها الدامعة لتنظر لها مطولاً ، ثم أسندت كفي يدها على عجلتي مقعدها المتحرك ، وســارت مبتعدة عنها.
, تفاجئت ابنتها بما تفعله ، ولحقت بها متساءلة بتخوفٍ :
, -ماما ، في ايه ؟ انتي مش بتردي عليا ليه ؟
,
, تجاهلتها حنـــان وأكملت بكائها الصامت دون أن تضيف أي كلمة مما أثار ريبة أسيف ، فألحت عليها متساءلة بخوف أكبر :
, -ماما ، هو ايه اللي حصل ؟
,
, ٣٣ نقطة
,
, على الجانب الأخر ، أجهشت عواطف بالبكاء وتعالت شهقاتها المصدومة بعد أن تلقت تلك المفاجأة الموجعة عن وفــــاة شقيقها الأكبر ريـــاض.
, أظلمت عيناها ، وترنح جسدها من أثر الصدمة ، وبحثت عن أقرب مقعد لتلقي بثقل جسدها المنهك عليه.
,
, هتفت لنفسها غير مصدقة :
, -يــــاه يا ريــاض ، تموت وأنا معرفش عنك حاجة ، تروح كده وأنا .. وأنا حتى ماقفش أخد عزاك !
,
, تعالت شهقاتها أكثر وهي تنتحب بتآلم :
, -منهم لله كرهونا في بعض وفرقونا ، آه يا خويا ، **** يرحمك ، كنت طيب زي أبويا ، آآه !
,
, حضرت ابنتها بسمة على صوت عويلها ، وحدقت فيها متعجبة من بكائها الغريب ، وسألتها بفضول :
, -خير يا ماما ؟ بتعيطي كده ليه ؟
,
, تقطع صوت عواطف وهي تجيبها بنبرة حزينة للغاية :
, -أخويا رياض مـ.. مات !
,
, حكت بسمة مؤخرة رأسها بإستغراب ، لم يبدُ عليها أي تأثر بما قالته ، وردت عليها بفتور :
, -مات ، امتى ؟
,
, أجابتها عواطف بنبرة متشنجة :
, -مش عارفة .. أنا لسه عارفة إنه مات !
,
, مصمصت بسمة شفتيها بتهكم ، ثم أضافت بنبرة ساخطة وهي تهز حاجبها :
, -حوش يعني الود والمحبة كانوا مقطعين بعضهم ! ده احنا منعرفش عنه إلا اسمه يا ماما
,
, لطمت عواطف على صدرها ، وكذلك فخذيها وهي تضيف بنواح :
, -آه يا خويا ، اتظلمت وانت حي ، ومعرفتش أخد عزاك وانت ميت !
,
, زفرت بسمة مستاءة من حزن والدتها الغير مقنع بالنسبة لها ، فالعلاقة بينهما كانت شبه منعدمة ، وبالتالي كل ذلك العويل والحزن لن يحدث فارقاً معها ، لذلك صاحت بنزق :
, -يووه ، سيبك من جو ندب الحظ ده يا ماما !
,
, نظرت عواطف لها شزراً ، وتمتمت بكلمات مبهمة ، فضغطت بسمة على شفتيها مانعة نفسها من قول المزيد من الحماقات.
, دنت هي من أمها ، ومسحت برفق على ظهرها قائلة بجمود :
, - **** يرحمه ، أهوو ارتاح من قرف الدنيا ، خلينا احنا في اللي جاي !
,
, أزاحت والدتها يدها عنها ، ونهضت من على المقعد قائلة بعصبية :
, -سبيني لحالي ، أه يا خويا ، آه !
,
, تابعتها بسمة وهي تتحرك في اتجاه غرفتها بنظرات متعجبة للغاية ، ثم وضعت إصبعيها أسفل ذقنها لتضيف ساخرة :
, -دي مالها دي ، أل يعني كان دايس البيت زيارات ٤ علامة التعجب
, ٣٩ نقطة
,
, إنتاب أسيف الفضــــول لمعرفة هوية المتصل بوالدتها والذي سبب لها تلك الحالة الكئيبة.
, وقفت أمام الهاتف الأرضي تطالعه بنظرات متفرسة.
, عضت على شفتها السفلى في حيرة ، وفركت رأسها بقلق.
, وضعت سبابتها بين شفتيها متساءلة مع نفسها بتردد :
, -أكيد اللي اتصل بيها ضايقها ، وهي مش هتحكيلي حاجة ، وأنا مش هرتاح إلا لما أعرف بالظبط ايه اللي حصل
,
, زفرت بإستياء ، وتابعت حديث نفسها :
, -طب أطلب الرقم اللي اتصل واسأله !
,
, تجهمت ملامح وجهها أكثر بإمتعاض وهي تقول :
, -بس كده هاتكون حركة بايخة مني !
,
, تنهدت بعمق ، وأضافت متساءلة وقد عجزت عن التفكير بوضوح :
, -طب مثلاً أقول إن الرقم ده كلمنا قبل شوية ، وأعرف مين بالظبط !
,
, هزت رأسها نافية بشدة ، وتمتمت بصوت خفيض :
, -مافيش داعي ، أنا أحاول أعرف من ماما مين اللي اتصل !
,
, وبالفعل عقدت العزم على استدراج والدتها في الحديث لمعرفة هويته دون الحاجة للجوء لوسائل غير مضمونة.
, ٣٩ نقطة
,
, سمعت بسمة صوت دقــــات متتالية على باب منزلها ، فسحبت **** رأسها القماشي من على المقعد ، ولفته على عجالة ، ثم اتجهت نحو الباب لتفتحه.
,
, مطت فمها في تأفف ، وضاقت نظراتها نحو تلك الطفلة الصغيرة التي تقف على عتبتها ، وأردفت قائلة بحدة قليلة معنفة إياها :
, -اتأخرتي على الدرس يا حلوة !
,
, ردت الطفلة قائلة بعبوس :
, -و**** ما أنا يا ميس ، دي ماما اللي أخرتني
,
, نظرت لها بسمة شزراً ، وتنحنت للجانب قائلة بتجهم :
, -طب خشي يالا ، مافيش وقت نضيعه ، عندنا مذاكرة أد كده
,
, هزت الطفلة رأسها بالإيجاب مرددة :
, -حاضر يا ميس
,
, انتظرتها بسمة حتى ولجت إلى داخل الصالة ، ثم أغلقت الباب خلفها متمتمة مع نفسها بتهكم :
, -هناخد ايه من دروس الحتة الفقر دي ٣ علامة التعجب
,
, ثم تحركت خلفها لتبدأ في إعطاء الطفلة درسها الخصوصي الذي تتقاضى ثمناً زهيداً مقابل الاستذكار معها.
, ٤٣ نقطة
,
, جلست أسيف إلى جوار والدتها على الفراش ، ومسدت على رأسها بنعومة، ثم انحنت عليها لتقبلها من جبينها ، وهمست لها بصوت خفيض :
, -مالك يا ماما ؟ لو بس تقوليلي ايه اللي ضايقك كده
,
, ظلت أنظــــار حنان معلقة بالفراغ أمامها ، شـــاردة في سنوات عمرها الماضية ، حينما كانت فتاة صغيرة مقبلة على الحياة قبل أن تُصــاب بالعجز.
, انهمرت عبراتها في صمت ، واستمر سيل الذكريات الحزين في التدفق لعقلها بغزارة ليزيد من شقائها.
, أخرجها من دوامتها اللا متناهية صوت أسيف الرقيق :
, -عشان خاطري يا ماما ، أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان ترجعي تضحكي تاني !
,
, نظرت نحوها بحنو ، ومدت يدها لتضعها على وجنتها ، وهمست بصوت مبحوح :
, -أنا كويسة يا بنتي ، اطمني
,
, ابتسمت لها أسيف ، وهمست متساءلة بحذر بعد أن قتلها الفضول لمعرفة هوية المتصل :
, -ممكن بس تقوليلي مين اللي ضايقك على التليفون ؟
,
, أجابتها حنــــان بتنهيدة متعبة :
, -دي.. عمتك !
,
, قطبت أسيف جبينها متعجبة مما تفوهت به تواً ، وحدقت في والدتها باستغراب وهي تردد:
, -عمتي !
,
, هزت حنان رأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبها بخفوت :
, -أيوه ، عمتك عواطف !
,
, رمشت هي بعينيها عدة مرات غير مصدقة أن أبيها لديه أخت لا تعرف عنها شيئاً ، هو لم يخبرها عنها مسبقاً.
, تساءلت بإندهاش لم يخلو من نبرتها :
, -هو .. هو أنا عندي عمة ؟
,
, ردت عليها حنان بنبرة تحمل المرارة :
, -اه ، بس للأسف كان في بينا مشاكل زمان ، فـ.. آآ.. فالعلاقات مكانتش أد كده !
,
, انتبهت أسيف لعبارة والدتها الأخيرة بكل حواسها ، وتساءلت مهتمة لمعرفة التفاصيل :
, -مشاكل ايه دي ؟
,
, تنهدت حنان بإنهاك .. ثم ضغطت على شفتيها مجيبة إياها بإقتضاب :
, -مش وقته !
,
, أدركت هي أن أمها لا تملك الرغبة للحديث عن تلك المشاكل الآن ، فلم تلح عليها في تلك المسألة ، ولكن عقلها – دائم التفكير – لم يدعها لحالها ، فهتفت متساءلة بفضول :
, -طب ليه مجاتش عزا بابا ؟
,
, أجابتها هي بإيجاز :
, -مكانتش تعرف
,
, عضت أسيف على شفتها السفلى تفكر فيما قالته أمها ، إذن فالقطيعة كانت دائمة بين الشقيقين ، وإلا لكانت أتت عمتها إلى عزاء الراحل.
, لم يمنعها ذلك من الاستمرار في التساؤل لجمع معلومات أكثر.
, مالت أسيف على رأس والدتها ، وهمست متساءلة بحذر :
, -هي ساكنة قريب مننا ؟
,
, ردت عليها حنان بهدوء :
, -لأ ، في حتة تانية !
,
, اعتدلت هي في نومتها ، ونظرت أمامها بشرود تفكر في الأمر ، لديها عمة لا تعرف عنها إلا القليل ، ولا تقطن بجوارهم ، بالإضافة لوجود مشاكل قديمة ..
,
, لاحظت والدتها شرودها وصمتها المفاجيء ، فهمست بصوت متحشرج :
, -أسيف
,
, انتبهت ابنتها لها ، ورسمت ابتسامة مصطنعة على وجهها مرددة بنعومة :
, -نعم يا ماما !
,
, وضعت حنان يدها على كف ابنتها ، وضغطت عليه بأصابعها قائلة بجدية :
, -أنا مش عاوزاكي تغلطي غلطة ابوكي وتقاطعي قرايبك ، سمعاني ؟ مش عاوزاكي تكوني لوحدك لو جرالي حاجة
,
, هتفت أسيف بتوجس
, -بعد الشر عنك يا ماما ، بس إنتي قصدك ايه بالكلام ده ؟
,
, ردت حنان بفتور وهي تنزلق بجسدها للأسفل لتغفو :
, -بعدين ، سيبني أرتاح دلوقتي
,
, حركت أسيف رأسها بالإيجاب وهي ترد مبتسمة :
, -حاضر يا ماما
, ٣٢ نقطة
,
, أعدت جليلة طـــاولة الطعام بالمأكولات الشهية ، ونظرت إلى ما وضعته بإعجاب ، فهي دوماً تبرع فيما تطهوه.
, أطلقت تنهيدة متفاخرة من صدرها ، وغمغمت مع نفسها قائلة :
, -و**** ما في زي نفسي في الأكل ! بس اللي يقدر !
,
, وجهت أنظارها للجانب ، وهتفت بصوت مرتفع :
, -الغدا جاهز ، يالا يا حاج طـــه !
,
, استندت بمرفقها على حافة المقعد الخشبي ، وتابعت ندائها العالي :
, -يا منذر ، ديـــاب ، تعالوا يا ولاد الغدا سخن !
,
, أخذت نفساً عميقاً ، ثم أكملت بنفس الصوت الحاد :
, -بت يا أروى ، سيبي مذاكرتي وهاتي يحيى في ايدك وتعالي!
,
, انتظرت هي للحظات قبل أن يأتي قاطني المنزل إليها.
, شمر الحاج طـــه عن ساعديه ، وحدق في صحون الطعام بنظرات إعجاب مردداً :
, -ماشاء **** يا جليلة
,
, ردت مبتسمة بتفاخر :
, -سفرة دايمة إن شاء **** !
,
, سحب منذر مقعده ، وجلس عليه دون أن ينبس بكلمة ، بينما أقبل ديــاب على الطاولة وهو ينفخ بضيق بادي عليه.
, نظرت له والدته بإستغراب متساءلة :
, -مالك يا دياب ؟ وشك مقلوب كده ليه ؟
,
, نظر لها من طرف عينه بإنزعــاج ، ولم يجب على سؤالها ، وقبل أن تضيف المزيد استمعت هي إلى صوت ابنتها الصغري هاتفاً :
, -يحيى مش جه يا ماما ؟
,
, التفتت سريعاً برأسها نحو دياب ، وهتفت متساءلة بتخوف قليل :
, -**** ! الواد راح فين يا دياب ؟ هو انت مجبتوش معاك ؟
,
, أجابها بإقتضاب وقد اكتست ملامح وجهه بالتجهم :
, -لأ ٣ علامة التعجب
,
, زاد قلقها لعدم وجود حفيدها ضمن أفراد العائلة ، فتساءلت بتوتر :
, -ليه ؟ انت سبته فين ؟
,
, رد عليها بإمتعاض :
, -المحروسة خدته معاها ، عاوزاه يقضي اليوم
,
, زفرت جليلة بإستياء ، وردت عليه قائلة :
, -معلش يا بني ، ماهي أمه بردك ومن حقها تقعد معاه
,
, تمتم دياب من بين أسنانه بسخط :
, -هي دي أم أصلاً ، دي شيطان !
,
, صــــاح طـــه بصرامة وهو يدس ملعقته في صحن الأرز :
, -فضونا من السيرة دي وخلونا ناكل على رواقة
,
, قـــامت عواطف بتوزيع الطعام على صحون أبنائها بعد أن قدمت لزوجها حصته أولاً.
, تساءل دياب بجدية بعد أن ابتلع ما في جوفه :
, -عملتوا ايه في موضوع الدكان ؟
,
, أجابه منذر بهدوء :
, -لسه ، في شوية قلق كده !
,
, قطب دياب جبينه متعجباً ، وتساءل مهتماً :
, -قلق ايه ده ؟ هي عواطف ناوية تتنمرد علينا ولا ايه
,
, رد عليه أباه قائلاً :
, -لأ يا دياب ، الحكاية ومافيها إن أخوها شريك في الدكان ، وهي مش هاتعرف تتصرف فيه لوحدها
,
, انتبهت جليلة لعبارة زوجها الأخيرة ، وهتفت مرددة بنزق :
, -ريــــاض ! ياه ، بقالنا كتير ماسمعناش عنه حاجة !
,
, تساءل دياب بإستغراب :
, -مين رياض ده ؟
,
, أجابته والدته قائلة بتنهيدة مطولة :
, -ده أخو عواطف ، جدع طيب و**** ، بس بخته قليل !
,
, تقوس فم دياب بعدم اقتناع مردداً :
, -هي ليها أخوات أصلاً ؟
,
, أجاب طــــه عليه بنبرة هادئة :
, -اه يا بني ، ده شقيقها من أبوها ، بس أديله زمن غايب ، وأخباره مقطوعة عن الكل
,
, أضافت جليلة مرددة بإستنكار :
, -ده من أيام الفضيحة اياها !
,
, اهتم ديـــاب بالحديث كثيراً خاصة أنه لا يعي عنه شيئاً ، فتساءل بفضول أكبر :
, -فضيحة ايه دي ؟
,
, ردت عليه جليلة بأريحية تامة :
, -أم عواطف الست عزيزة **** يرحمها ، مكانتش تعرف إن جوزها الحاج خورشيد الكبير متجوز من قبلها ، ولما دريت بده وقت ما مراته الأولى دي ماتت على اللي عملته فيه ، وقلبت الدنيا ومقعدتش ، وكانت فضايح في الحتة ، شتمته وبهدلته وقلت أدبها عليه وعلى ابنه ، والكل اتفرج عليهم ٣ علامة التعجب
,
, عقد منذر ما بين حاجبيه متعجباً من جرأة تلك السيدة ، وأسلوبها الغير أخلاقي مع زوجها مردداً بضيق :
, -يا ساتر !
,
, تابعت جليلة قائلة بتحمس :
, -هو حاول يراضيها ويعوضها عن انه خبى عليها إكمن كان بينهم مصالح كتير ، وكتب لها جزء من أملاكه ، بس مرتاحتش ، كل همها ازاي كان متجوز ومخلف واد من وراها ، لأ وكان جدع وقتها يعني هيشاركها في كل حاجة !
,
, ارتشف ديـــــاب صحن الشوربة الساخن بالكامل دفعة واحدة، وأسنده أمامه ، ثم تساءل بإهتمام :
, -وبعدين !
,
, أكملت جليلة بعد أن مصمصت أصابعها الملطخة بأجزاء من الطعام :
, -مخلصهاش تسيبه كده ، قالت لقرايبها ، وكانوا شداد الصراحة ، حلفوا ما يسيبوا عمك خورشيد إلا لما يربوه على كدبه عليهم!
,
, رفع طـــه حاجبه للأعلى مردداً بحزم :
, -خلاص يا جليلة ، بلاها السيرة النكد دي على الأكل !
,
, اعترض ديـــاب على جملة أبيه قائلاً بفضول :
, -استنى يا حاج أما أعرف التفاصيل
,
, لوى طـــه فمه هاتفاً بتهكم وهو يسلط أنظاره عليه :
, -يعني هتسمع الأملة ؟!
,
, ضحك منذر قائلاً بإستهزاء :
, -عادي يا حاج طه ، ابنك غاوي حكايات !
,
, لم يعقب عليهما دياب ، واكتفى برمقهما بنظرات حادة ، ثم التفت ناحية أمه ، وسألها مهتماً :
, -ها يا أمي ، ايه اللي حصل ؟
,
, ابتلعت ما في جوفها ، وأجابته بصوت جاد :
, -بعتت قرايبه لحد البلد عنده ، والظاهر كانوا عاوزين يقتلوه !
,
, اندهش ديـــاب من تفكير زوجة ذلك الرجل الإجرامي ، واسترعى الأمر فضوله بشدة ..
, أخفضت جليلة نبرتها لتضيف برثاء مصطنع :
, -بس يا عيني اللي راح في الموضوع ده بت غلبانة باين ، فدت الحاج خورشيد وابنه !
,
, هتف ديــــاب بشكل حماسي مفاجيء :
, -شكل عزيزة دي كانت جبارة !
,
, ردت عليه جليلة بإمتعاض وقد عبست تعابير وجهها :
, -أجارك **** ، دي كانت فظيعة !
,
, أضـــاف منذر بجدية وهو يتفرس وجه والدته :
, -بس عواطف مش طلعالها
,
, ردت عليه أمه بتنهيدة :
, -عواطف زي أبوها ، طيبة وفي حالها !
,
, تساءل دياب بنبرة جادة وهو يعاود النظر إلى أبيه :
, -المهم دلوقتي ، الدكان ده هنعرف ناخده ، ولا البيعة واقفة ؟
,
, أجابه طه قائلاً بنبرة متريثة :
, -عواطف قالت هتتصرف ، وأدينا مستنيين !
,
, هز ديـــاب رأسه بإيماءة خفيفة مضيفاً :
, -اللي فيه الخير يقدمه **** !
,
, حدق منذر في وجه أبيه ، وهتف بخشونة وقد بدت الصرامة ظاهرة على محياه :
, -يومين كده ونسألها عملت ايه !
,
, حرك والده رأسه بإهتزازة جادة موافقاً إياه :
, -وماله يا منذر !
, ٣٦ نقطة
,
, لاحقاً ، وبعد مرور عدة أيـــام ، أجرت أسيف بحثاً مكثفاً على المواقع الطبية المختلفة باحثة عن طبيب مناسب يمكنه متابعة حالة والدتها وعلاجها إن اقتضى الأمر.
, فهي تخشى تدهور صحتها ، وربما خسارتها إن أهملت في نفسها.
, لذلك أجبرت نفسها على التحري في سرية لتصل إلى شيء مفيد. لذلك جلست في مكتب والدها لتفعل هذا.
, ونوعاً ما جمعت عدة معلومات عن عدة أماكن – باهظة الثمن - يمكنها أن تقدم لوالدتها فرصة جيدة في الفحص والتشخيص .
, دونت الأسماء في إحدى صفحات مفكرتها الزهرية الصغيرة.
,
, زفـــرت بتعب بعد ذلك المجهود الذي أخذ من وقتها ساعات كثيرة.
, أرجعت ظهرها للوراء ، وحركت عنقها للجانبين وهي تفركه بكفي يدها.
, استرخت على المقعد قليلاً ، وأغمضت عيناها لتريحهما.
, رددت لنفسها بتفاؤل وهي تتثاءب :
, -إن شاء **** يجي تعبي ده بفايدة ، المستشفيات دي الأغلب بيشكر فيها !
,
, تمطعت بذراعيها وهي تكمل حديث نفسها المتحمس:
, -أقنع بس ماما نروح لواحدة فيهم ، وأهوو فلوس بيع الأرض موجودة عشان مايبقلهاش حجة !
,
, قطع تفكيرها صوت رنين الهاتف الأرضي ، ففتحت عيناها سريعاً ، ونهضت عن المقعد لتجيب عليه .
, وضعت أسيف السماعة على أذنها قائلة بصوت خافت :
, -ألوو !
,
, استمعت هي إلى صوت أنثوي يردد بحزن :
, -حنان !
,
, تجمدت تعابير وجـــهها نوعاً ما متعجبة من وجود من يهاتف والدتها التي كانت نادراً ما تحدث أحد في الهاتف ، وصححت لها قائلة برقة :
, -لأ ، أنا أسيف ، بنتها !
,
, -بنت ريـــاض !
, ردت عواطف مصدومة بتلك العبارة وقد بدا في نبرتها الذهول التام من وجود ابنة أخ لا تعلم عنها شيئاً ٧ نقطة ٣ علامة التعجب
 
٥
استغربت أسيف من ترديد تلك السيدة الغامضة لتلك العبارة بإندهاش كبير ، وسريعاً استطاعت أن تخمن هويتها ، وتأكدت ظنونها حينما تابعت عواطف قائلة بصوت شبه مرتبك :
, -أعذريني يا بنتي ، أنا .. أنا أبقى عمتك عواطف !
,
, همست أسيف بنبرة خفيضة وقد تشكلت علامات الذهول على محياها :
, -عمتي !
,
, تابعت عواطف موضحة بنبرة متريثة :
, -ايوه شقيقة أبوكي **** يرحمه !
,
, ابتسمت أسيف قائلة بهدوء :
, -أهلا يا عمتي !
,
, تنفست عواطف الصعداء لإسترسال ابنة أخيها في الحديث الودي معها ، ولم تكن كوالدتها حذرة في ردودها ..
, أكملت تعارفها متساءلة بفضول :
, -أهلا بيكي يا بنتي ، قوليلي انتي عندك اخوات تانيين ؟
,
, أجابتها أسيف بنبرة رقيقة :
, -لأ ، مافيش إلا أنا
,
, هتفت عواطف مرددة :
, -**** يحفظك ، ويباركلك في عمرك
, -شكراً
,
, سألتها مجدداً بإهتمام :
, -وإزي أمك حنان ؟
,
, ردت أسيف قائلة بصوت هاديء :
, -الحمد**** بخير
,
, تساءلت عواطف بفضول بائن في نبرتها :
, -هي لسه حالتها زي ما هي ؟
,
, استغربت أسيف من سؤالها هذا ، فقد بدا مريباً نوعاً ما بالنسبة لها ، وردت عليها بتوجس قليل :
, -حضرتك تقصدي ايه ؟
,
, ارتبكت عواطف من زلة لسانها ، وردت بتلعثم ظاهر :
, -هـــه.. آآ.. ولا حاجة ! أنا بس بأطمن عليها !
,
, أجابتها أسيف بحرص :
, -الحمد**** في نعمة !
,
, أضافت عواطف قائلة بأسف :
, -أنا .. أنا يا بنتي معرفتش باللي حصل وموت المرحوم إلا لما آآ٣ نقطة
,
, هتفت أسيف قائلة بتفهم :
, -اها .. ماما قالتلي !
,
, تابعت عواطف مضيفة بنبرة مواسية :
, -**** يرحمه ويغفرله ويصبركم على فراقه
,
, ابتلعت أسيف غصة مريرة في جوفها ، فقد كانت تشتاق لأبيها كثيراً ، وتنهدت بعمق و بصوت مسموع وهي تردد بحزن :
, -يا رب أمين !
,
, أكملت عواطف قائلة :
, -حقيقي كان زي أبونا راجل طيب وفي حاله
, -أها
,
, حاولت هي على قدر الإمكان الإطالة في الحديث معها حتى لا تنهي المكالمة في أي لحظة ، وبررت موقفها في عدم القيام بواجباتها نحو أخيها الراحل معللة :
, -و**** لو كنت عرفت من بدري يعني كنت جيت عزيت وأخدت بخاطركم !
,
, ردت عليها أسيف مجاملة :
, -شكراً ، سعيكم مشكور !
,
, هتفت عمتها قائلة بحماس قليل :
, -أنا نفسي أشوف شكلك ، وأتعرف على بنت رياض الغالي وأوصل صلة الرحم مع لحمه !
,
, ابتسمت أسيف بخجل وهي تجيبها :
, -أكيد إن شاء ****
,
, أضافت عمتها بإصرار أكبر :
, -مش كلام و**** يا بنتي ، القطيعة اللي حصلت زمان مكانتش بخطري ولا بخطره ، بس في ايدنا دلوقتي نصلح اللي فات ونرجع حبال الود بينا !
, -**** ييسر
,
, صمتت عواطف للحظات تفكر في أمر ما ، فهي بحاجة للتمهيد لمسألة بيع الدكان القديم ، ولكنها لا تعرف كيف تبدأ بالحديث عنه .. لذلك جاب ببالها أن تسألها :
, -مابتفكروش آآ.. تنزلوا من البلد وآآ٣ نقطة وتيجوا مرة عندنا ؟
,
, ردت أسيف بنبرة دبلوماسية :
, -يمكن نيجي قريب !
,
, استشفت عواطف من نبرتها نيتها للقدوم ، فهتفت بإلحاح لتؤكد على ترحيبها بهما :
, -لو عرفتوا ، تعالوا عندي ، العنوان سهل مايتوهش !
,
, شعرت أسيف أنها ربما تورطت في أمر ما دون الرجوع إلى والدتها ، فحاولت إصلاح ما قالته سريعاً مرددة :
, -**** يسهل ، بس أشوف ماما رأيها إيه الأول لأن حركتها قليلة وصحتها على أدها !
,
, وافقتها عمتها الرأي قائلة :
, -اه يا حبيبتي ، وماله ، وصدقيني يمكن كمان تلاقي دكاترة كويسين هنا !
,
, عضت ابنة أخيها على شفتها السفلى متمتمة :
, -هانشوف إن شاء **** !
,
, تساءلت عواطف بإهتمام :
, -طيب أمك صاحية أكلمها ؟
,
, ردت أسيف نافية :
, -مش عارفة ، لحظة اشوفهالك
, -خدي راحتك !
,
, وبالفعل تركت أسيف سماعة الهاتف ، وتحركت في اتجاه غرفة والدتها.
, تسللت بخفوت إليها ، وإشرأبت بعنقها للأعلى لتتفقدها.
, كانت أمها غافية ، فرفضت إيقاظها قبل أن تحصل على قسطاً من الراحة ، لذا عاودت أدراجها مجدداً لغرفة المكتب ، وأمسكت بالسماعة لترد قائلة بجدية قليلة :
, -للأسف ماما نايمة ، وأنا مش هاينفع أصحيها !
,
, ردت عليها عواطف بتفهم واضح :
, -خليها ، ابقي بس سلميلي عليها أما تصحى
, -**** يسلمك !
,
, أرادت عواطف ألا تنهي المكالمة دون التلميح إلى مسألة بيع الدكان ، أو على القليل الإشارة إلى وجوده ، فمهدت إليه قائلة بجدية :
, -اه قبل ما أنسى بلغيها إن حقها وحقك في دكان المرحوم محفوظ !
,
, استغربت أسيف من تلك العبارة ، وغمغمت بتعجب بعد أن زاد انعقاد حاجبيها :
, -دكان !
,
, أضافت عواطف قائلة بغموض :
, -ايوه ، هي عارفاه ، دكان جدك **** يرحمه
,
, أثارت تلك الكلمات المقتضبة ريبتها ، وأشعلت روح الفضول فيها لمعرفة المزيد عن ذلك الدكان القديم ..
, ومع ذلك لم تجرؤ على سؤالها دون العودة لوالدتها قبل أي شيء.
, ولهذا ردت بإيجاز :
, -تمام ، هاوصلها رسالتك !
,
, شكرتها عواطف على أسلوبها الرقيق في التعامل قائلة :
, -تسلمي يا بنتي ، أشوفك على خير إن شاء **** !
,
, تشكلت بسمة لطيفة على ثغرها وهي ترد :
, -مع السلامة يا عمتي !
,
, وضعت أسيف السماعة في مكانها ، وفركت طرف ذقنها بكفها وهي تفكر بتعمق فيما يكمن وراء ذلك الدكان ٣ نقطة
, ٣٦ نقطة
,
, على الجانب الأخر ، تنفست عواطف بإرتياح وهي تعيد إسناد سماعة الهاتف .. وتمتمت مع نفسها بكلمات شاكرة للمولى ..
, انتبهت هي لصوت بسمة وهي تسألها بفضول :
, -مين دي اللي بترغي معاها من الصبح ؟
,
, التفتت عواطف نحوها ، وأجابتها بنبرة عادية :
, -بنت خالك !
,
, رفعت بسمة حاجبها الأيسر للأعلى ، وردت بتهكم :
, -بنت خالي ، نكتة دي ؟
,
, هزت عواطف رأسها نافية ، وهتفت مدافعة بعبوس :
, -لأ ، خالك رياض **** يرحمه طلع مخلف وعنده بنت !
,
, لوت بسمة ثغرها للجانب مرددة بسخط :
, -اها ، قولتلي خالي اللي طلع من البخت عنده عيال ، طيب !
,
, نهرتها والدتها على أسلوبها الساخر في الحديث قائلة بحدة :
, -يا بت بطلي نأرزة على خلق **** !
,
, حدقت بسمة في أمها بضيق قليل ، واحتجت بتذمر :
, -هو أنا عملت حاجة !
,
, ثم انتبهت كلتاهما لصوت دقات عنيفة متتالية على باب المنزل ، فصاحت عواطف بصوت آمر :
, -شوفي مين بيرزع الباب كده !!
,
, تحركت بسمة نحو باب المنزل مبررة بعدم اكتراث :
, -من غير ما أشوف ، هو في غيرها ، ست نيرمين ٣ علامة التعجب
,
, أمسكت بالمقبض وأدارته لتجد أختها الكبرى تقف أمامها ووجهها منتفخ للغاية ، وعينيها حمراوتان بدرجة ملحوظة ، وبالطبع رضيعتها تصرخ ببكاء حاد على كتفها..
, تنحت للجانب قائلة بتبرم :
, -مش بأقولك يا ماما !
,
, دفعتها نيرمين من كتفها وهي تمرق للداخل قائلة بصوت متشنج وهي تقاوم بشراسة رغبتها في البكاء :
, -اوعي من سكتي يا بسمة السعادي ، أنا عفاريت الدنيا بتتنطط قدام وشي ومش طايقة حد !
,
, تابعت بسمة قائلة بسخط وهي تضع يدها على منتصف خصرها :
, -بنتك جاية بزعابيبعها !
,
, توجست عواطف خيفة من هيئة ابنتها المزرية ، فقد كانت ثيابها غير مهندمة ، وأعينها متورمة ، بالإضافة إلى عصبيتها الزائدة.
, حدقت في حقيبة السفر التي تحملها في يدها الأخرى ، وسألتها بخوف وهي تتفرسها :
, -مالك يا نيرمين ؟ ايه اللي حصل ؟!
,
, ألقت نيرمين بجسدها على الأريكة بعد أن تركت حقيبتها ، وأسندت الرضيعة إلى جوارها ، ثم حلت **** رأسها عنها ليبرز شعرها الهائج من أسفله ، وألقت به دون اهتمام على المسند ، ثم نفخت بصوت مكظوم مجيبة إياها :
, -اه ، ابن الـ ٦ نقطة طلقني ورماني في الشارع !
,
, لطمت عواطف على صدرها بهلع ، وشهقت مرددة بصدمة كبيرة :
, -يا نصيبتي
,
, تابعت نيرمين قائلة بصراخ مهدد بعد أن اصطبغ وجهها كلياً بحمرة منفعلة :
, -وربنا ما سيباه ، وحياة ولادي لهدفعه التمن هو وأهله !
,
, لم تستطع عواطف تحمل هول ذلك الخبر الكارثي ، فجلست على الأريكة المجاورة لها ، ثم هزت جسدها للجانبين مستنكرة ما حدث .
, ضربت فخذيها بكفي يدها وهي تردد بتحسر بائن عليها :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، دي التالتة يا بنتي !
,
, استشاطت نظرات نيرمين للغاية ، فقد كانت والدتها محقة في تلك المسألة ، فهي بالفعل قد تطلقت للمرة الثالثة ، وأصبح محرم عليها شرعاً الرجوع إلى زوجها.
, برزت عروقها الغاضبة من عنقها ، وكزت على أسنانها قائلة بغل :
, -أهوو اللي حصل ، كأنه مصدق يعملها !
,
, حدقت عواطف في ابنتها بنظرات نارية متساءلة :
, -طب ايه خلاه يرمي عليكي اليمين ؟!
,
, أجابتها نيرمين بنبرة تحمل الحقد والضغينة :
, -هو في غيرها ! العقربة أمـــــه ٤ علامة التعجب
,
, أضافت بسمة قائلة بإزدراء :
, -أعوذو ب**** منها ، ولية استغفر **** العظيم ، انتي الكسبانة و**** !
,
, صاحت نيرمين بنبرة عدائية وهي تشيح بيدها في الهواء :
, -بس ورب الكعبة ما سيباه ، هاطلع عينه هو وأهله ، وهاخد حقوقي كاملة منه ، مش هو طلقني ، يشرب بقى !
,
, سألتها عواطف بنزق :
, -طب وهدومك وعفشك وآآ٣ نقطة ؟؟
,
, قاطعتها نيرمين قائلة بحنق :
, -أنا جبت الدهب بس ، وهدومي اللي عرفت ألمه وجيت !
,
, ضربت عواطف فخذيها مرددة بعويل :
, -أنا مش عارفة هلاحق من مين ولا من مين ٣ علامة التعجب
,
, تمتمت نيرمين بسبات لاذعة وهي تنزع عنها كنزتها .. بينما ظلت الرضيعة تصرخ بصورة هيسترية وأمها تتجاهلها إلى أن يئست من صمتها ، فحملتها مجبرة على كتفها ، وظلت تهدهدها بإنفعال.
, نظرت لها عواطف بأسف ، وصاحت فيها بحدة :
, -قومي خشي على أوضتك وسكتي البت اللي على كتفك
,
, ردت عليها نيرمين بتذمر :
, -هي على صريخة من صباحية ****
,
, مصمصت عواطف شفتيها مرددة بإستياء :
, -اه يا كبدي ، مفطورة من العياط من اللي حصلها ، قومي انتي ، وسيبنا نشوف هانعمل ايه في النصيبة دي !
, -طيب
, قالتها نيرمين وهي تنهض بتثاقل من على الأريكة حاملة رضيعتها على كتفها ، وظلت أنظار أمها معلقة بها وهي تفكر بشرود في الكوارث المتتالية التي حلت بإبنتها البكرية .
, ٤٣ نقطة
,
, ولجت جليلة إلى غرفة ابنها ديـــاب لتطمئن على أحواله بعد أن لاحظت عبوسه على مدار الأيام الفائتة.
, بحثت عنه سريعاً بعينيها فلم تجده ، دققت النظر في الشرفة ، فلمحت أدخنة متصاعدة ، فتأكدت من وجوده بها.
, تحركت بخطوات متمهلة نحو باب الشرفة ، ثم وقفت على عتبتها ، وابتسمت متساءلة :
, -قاعد لوحدك ليه ؟
,
, كان ديـــاب جالساً بإسترخاء على المقعد ، ومسنداً لساقيه على حافة السور ، فأنزلهما برفق ، واعتدل في جلسته مردداً بصوت شبه متحشرج :
, -تعالي يا ست الكل !
,
, ولجت للداخل ، وجلست على المقعد الجانبي ، ثم حدقت فيه بنظرات متأملة لوجهه.
, تعجب هو من نظراتها المسلطة عليه ، وسألها بإستغراب :
, -بتبصلي كده ليه ؟
,
, أجابته بضيق :
, -مش عاجبني أحوالك يا ضنايا
,
, رد عليها بفتور :
, -ما أنا زي الفل أهوو !
,
, تابعت مرددة بضجر :
, -أومال مسهم كده ليه ، وأديلك كام يوم مش زي عوايدك !
,
, رد عليها بنبرة غير مبالية :
, -عادي !
,
, تساءلت بفضول قليل لعلها تسبر أغوار عقل ابنها وتعرف فيما يفكر :
, -هو .. حد قالك حاجة ضايقتك ؟
,
, حدجها بنظرات قوية متساءلاً بجمود :
, -حد مين ؟ مش فاهم !
,
, ابتلعت ريقها وهي تجيبه بحذر :
, -أقصد يعني.. ولاء ٤ علامة التعجب
,
, تجهمت قسمات وجهه ،وتحولت نظراته للعدائية وهو يجيبها بإقتضاب :
, -لأ
,
, سألته مجدداً بإلحاح :
, -طب في ايه مالك ؟
,
, تنهد بصوت مرتفع وهو يرد :
, -عادي يا أمي ، ماتشغليش بالك !
,
, ترددت هي في اخباره بإتصال طليقته السابقة لأكثر من مرة ، ولكن لا مفر من إبلاغه ، لذا بحرص شديد همست متلعثمة :
, -طب .. طب هي كانت اتصلت تقولي عن آآ٣ نقطة
,
, احتدت نظراته للغاية ، وقاطعها مردداً بإمتعاض :
, -فلوس ، صح ؟
,
, أوضحت له قائلة بتريث :
, -ايوه ، بتقولي محتاجة تجيب كام حاجة ليحيى وآآ٣ نقطة
,
, لم يرغب هو في استمرار والدته في الحديث عنها ، فمازال القلب يضمر لها كل الكراهية ، لذلك قاطعها بتجهم :
, -خلاص يا أمي ، قفلي على سيرتها **** يكرمك !
,
, ردت عليه جليلة مبررة حديثها بعد أن رأت بوادر العصبية في ابنها :
, -أنا مابطقهاش أصلاً ، وانت عارف ده كويس، بس هانعمل ايه ، ماهو كله عشان ابنك وخاطره !
,
, تقوس فمه بتأفف وهو يضيف :
, -طيب خلاص ! هابقى اسيبلك فلوس تبعتيهالها معاه
,
, ابتسم والدته له قائلة بود :
, -ماشي يا حبيبي ، **** يكرمك ويراضيك عشانه
, -إن شاء **** !
,
, تنحنحت جليلة بصوت خفيض ، ثم همست بتردد :
, -وفي حاجة تانية كمان !
,
, زفر ديـــــاب مردداً بنفاذ صبر :
, -خيـــر ؟
,
, أجابته بهدوء مرتبك :
, -بتقول إن .. إن مذاكرة الواد صعبة ومحتاجة تديله درس !
,
, حدج دياب والدته بنظرات قوية ، وهتف مستنكراً بإنفعال ظاهر :
, -نعم ! درس ، في السن ده ، هي بتستهبل ولا ايه ، تكونش عاوزة تسوق فيها معايا !
,
, هزت رأسها نافية وهي تجيبه :
, -لا يا بني ، ده هي بتشتكي من مستواه الضعيف ، و دروسه مش عارفة تشرحها لانها بالانجليزي ، والواد ممكن يسقط في الامتحان !
,
, أضاف دياب قائلاً بسخط وهو يشير بيده في الهواء :
, -اها ، وهي بقى هتاخدها حلوانة في سلوانة ، وتجر فلوس على حس الدروس والهجص ده !!
,
, نكست جليلة رأسها قائلة بتوجس :
, -و**** ما عارفة أقولك ايه
,
, ضرب ديــــاب بقبضة يده على حافة سور الشرفة بعد أن هب واقفاً من مقعده ، وأكمل بغلظة :
, -أنا مايكلش معايا كلامها من أوله لأخره ، ولو هي عاوزة تدي للواد درس يبقى بمعرفتنا احنا ، مش عن طريقها !
,
, رفعت هي أنظارها نحوه ، ووافقته الرأي هاتفة :
, -وماله يا بني ، اللي تشوفه !
,
, تابع دياب قائلاً بصوت آمر :
, -انتي دوري على مُدرسة كده تكون بتفهم ، تشرحله كله هنا عندنا ، وبلاها خوتة دماغ !
,
, أومـــأت برأسها بالإيجاب متمتمة :
, -حاضر !
,
, دس دياب ولاعته في جيبه ، وكذلك علبة سجائره – ثم تحرك إلى خــارج الشرفة. لاحقته والدته بأنظارها متساءلة بقلق :
, -**** ! رايح فين؟
,
, التفت برأسه نحوها ليجيبها بصوت جاد :
, -نازل أشوف الشغل اللي ورايا !
,
, هتفت قائلة بإهتمام :
, -طيب استنى أعملك شاي ولا آآ٣ نقطة
,
, رفع كفه أمام وجهها مقاطعاً بصلابة :
, -هابقي أشرب في الوكالة !
,
, ضغطت جليلة على شفتيها لتضيف بهدوء :
, -براحتك يا بني
,
, ٤٧ نقطة
,
, انتظرت أسيف استيقاظ والدتها من نومها حتى تبلغها بإتصال عمتها عواطف .
, تعجبت الأخيرة من تلك المكالمة الغريبة ، وعاتبت على ابنتها عدم إفاقتها. وبدا الإنزعاج ظاهراً على تعابير وجهها.
, بررت لها أسيف ما فعلته قائلة بإبتسامة مهذبة :
, -كنتي حضرتك نايمة لما اتصلت !
,
, ردت عليها حنان بضيق قليل :
, -برضوه كنتي صحيني
,
, هتفت أسيف مرددة بهدوء :
, -مرضتش أزعجك و**** يا ماما
,
, تنهدت حنـــان بعمق لتسيطر على عصبيتها الغير مبررة ، وصمتت للحظة ، فابنتها إلى حد كبير لما تخطيء في تصرفها ، فقد كان منطقياً وطبيعياً لذلك لا حاجة بها لكل هذا الانفعال.
, سألتها هي بهدوء مصطنع وهي مسلطة أنظارها عليها :
, -قالتلك حاجة مهمة ؟
,
, هزت أسيف رأسها نافية وهي تجيبها :
, -لأ ، بتسأل علينا وبس !
,
, ضغطت حنان على شفتيها بتقول على مضض :
, -طيب !
, ثم حركت جسدها ببطء على جانب الفراش ، ومدت يدها لتجذب مقعدها المتحرك نحوها ، وألقت بجسدها المتعب عليه كما إعتادت أن تفعل منذ سنوات.
, نهضت ابنتها من جوارها لتعيد ترتيب الفراش ، ولم يخلْ وجهها من تلك الإبتسامة الرقيقة ، ولكنها توقفت عما تفعل لتضيف بنزق :
, -اه ، بالحق كانت قالتلي أبلغك رسالة كده !
,
, أدارت حنان رأسها في اتجاهها ، وتجمدت أنظارها عليها ، ورددت بغرابة شديدة :
, -رسالة ٤ علامة التعجب
,
, حركت أسيف رأسها بالإيجاب قائلة :
, -ايوه ، بتقول إن حقنا محفوظ في دكان بابا
,
, اتسعت حدقتي حنان في إندهاش عجيب ، وانفرج فمها قائلاً :
, -هـــاه ٣ علامة التعجب
,
, تساءلت أسيف بفضول وهي تعدل من وضعية الوسائد :
, -ايه حكاية الدكان ده ؟
,
, صمتت حنان ولم تجبها ، وشردت لوهلة في ذكرى ماضية تخص ذلك المكان القديم . تساءلت أسيف بإهتمام أكبر بعد أن لاحظت وجوم أمها :
, -هو بابا أصلاً عنده دكان ؟٣ علامة التعجب
,
, انتبهت والدتها لها ، وردت بحذر :
, -ده كان محل قديم بتاع جدك خورشيد **** يرحمه
,
, أضافت أسيف بفضول :
, -اها ، وبابا ورثه منه يعني ؟
,
, أجابتها حنان بحرص :
, -ايوه ، التفاصيل كلها اللي تخص الدكان ده كانت مع رياض **** يرحمه !
,
, همست أسيف بصوت حزين :
, -**** يرحمه !
,
, ثم أضافت متساءلة بجدية قليلة وهي تدنو من والدتها :
, -طب واحنا هنعمل ايه ؟
,
, أولتها حنان ظهرها وهي تتحرك بالمقعد إلى خـــارج غرفتها ، وردت عليها بإقتضاب :
, -ولا حاجة ، هاشوف الورق بتاعه الأول متعان فين ، وبعد كده نفكر في اللي جاي !
,
, لحقت بها أسيف قائلة :
, -ماشي يا ماما !
, ٤٣ نقطة
,
, كانت بسمة في طريقها لعملها الإضافي والخاص بإعطاء دروس خصوصية لمجموعة من الصغار في منزل أحدهم يقطن على مقربة منها.
, سارت بخطوات متهادية وهي تمر بجوار محل الجزارة الموجود بمنطقتها السكنية.
, وبالطبع تربصت بها زوجة صاحبه ، فقد كانت تتحايل عليه للحصول على فرصة للاشتباك مع تلك الوقحة كطريقة لإذلالها بعد أن تطاولت على زوجها ، ولبى هو غرضها ، وأعطاها الفرصة ، وهي لم تفوتها.
, حدجتها السيدة البدينة بنظرات مستشاطة وهي تصيح بإزدراء :
, -مش ملاحقة يا أبلة على الرجل اللي طالعة ولا اللي نازلة من عندك ، والعة على الأخر !
,
, التفتت بسمة برأسها نحوها ، وحدقت فيها بنظرات دونية بعد أن عرفت هويتها ، وردت عليها بتعالٍ وهي تشير بسبابتها :
, -نعم ! انتي بتكلميني أنا ؟
,
, نهضت السيدة ببطء من على المقعد الخشبي الموضوع عند مقدمة الرصيف ، وضربت على فخذيها بقوة قائلة بسخط :
, -ايوه انتي !
,
, استشعرت بسمة وجود خطب ما فيها ، وخاصة حينما وقعت أنظارها على زوجها الذي كان يمسح صدره بتشفٍ. حافظت على ثابتها رغم شعورها بالتوجس من النية الشرسة المبيتة أمامها ، وهتفت بنبرة تحمل الكبرياء وهي ترمق السيدة بنظرات احتقارية :
, -بقى انتي شايلة التكليف وبتكلميني عادي كده !
,
, اقتربت منها السيدة البدينة ، وكزت على أسنانها قائلة بصوت قاتم :
, -اه يا حلوة ، ولا ماكونش أد المقام لا سمح ****
,
, صاحت بها بسمة بحدة :
, -انتي ازاي أصلاً تفكري تكلميني من الأساس ، تكونيش مفكرة نفسك من مستوايا ولا حاجة
,
, وقفت السيدة قبالتها ، واحتدت نظراتها أكثر بعد عباراتها المسيئة إليها ، وهتفت بسخرية مهينة إياها:
, -ليه يا ختي ؟ على رجلك نقش الحنة ، ولا بنت بارم ديله ؟٣ علامة التعجب
,
, احمرت وجنتي بسمة بشدة ، وضاقت نظراتها للغاية ، وأصبحت ملامحها منذرة بوجود عراك وشيك.
, لم تهتم هي بفارق الحجم مع تلك السيدة ، وصاحت مهددة إياها بقوة :
, -احترمي نفسك أحسنلك بدل ما أجيبك من شعرك !
,
, تجمهر المـــــارة حولهما ، وتشكلت دائرة ما لتتابع الموقف عن كثب.
,
, صرخت السيدة بعنف وهي تضرب بكفيها في الهواء :
, -مين دي اللي تجبيها من شعرها ، لأ بقى ، ده أنا أجيب كرشك وأنا واقفة !
,
, ألقت بسمة بحقيبة يدها من على كتفها ، وكذلك دفترها الخاص ، على الأرضية الإسفلتية ، وشمرت عن ساعديها لتهتف بشجاعة عجيبة :
, -ايوه ، انتي وجوزك عاملين الحركات دي عليا ، وماله ! أربيكم انتو الجوز ، تعاليلي بقى !
,
, ثم انقضت على تلك السيدة ، وسددت في وجهها لكمة مباغتة ، وأعقبتها بأخرى في صدرها ، وركلتها بقسوة في ركبتها. فصرخت الأخيرة متأوهة من الآلم الشديد :
, -يالهوي
,
, تابعت بسمة ضربها بكل ما أوتيت من قوة وهي تصرخ فيها لاعنة إياها :
, -خدي يا بنت الـ ٤ نقطة ٣ علامة التعجب
,
, صاحت فيها السيدة البدينة مهددة :
, -وربنا ما سيباكي إلا لما أخد حقي منك !
,
, علت الصيحات والتهليلات في المنطقة ، والكل يتابع عن كثب تطورات الموقف الهجومي بين الاثنتين.
, في تلك اللحظة تدخل زوجها ليدافع عنها بعد أن خاف من تمكن بسمة منها ، وأمسك بقبضتها دافعاً إياها بقوة كبيرة للخلف قائلاً بشراسة :
, -ابعدي عنها ٥ علامة التعجب
, كادت هي أن تفقد توازنها من إثر الدفعة ، ولكنها تمالكت نفسها.
, تحولت نظراتها للشراسة بسبب تطاوله عليها ، وصرخت فيه بعدائية :
, -شيل ايدك ! ولم مراتك أحسنلك بدل ما أبهدلهالك وأمرمطها ٣ علامة التعجب
,
, حدجها بنظرات مشتعلة للغاية ، وصاح فيها بحدة وهو يعاون زوجته على الجلوس :
, -تمرمطني مين يا بت انتي !!
,
, ردت عليه بنزق غير مهتمة بتهديداته الصريحة :
, -اه ، وأمسح بيها الأسفلت !
,
, احتقنت نظراته أكثر وهو يصرخ بعنف :
, -ده أنا أجيبك تحت رجلي قبل ما تعملي فيها كده يا بنت عواطف !
,
, هتفت فيه بصوت مرتفع محذرة إياه وهي تشير بإصبعها :
, -لم لسانك الزفر ده !
,
, تحولت مقلتيه لجمرتين من النيران ، وكز على أسنانه قائلاً بتهديد خطير :
, -انتي هتتشرحي النهاردة ٤ علامة التعجب
,
, ابتلعت بسمة ريقها بخوف شديد ، وتسارعت دقات قلبها بفزع ، فبرغم كل شيء هي مازالت فتاة شابة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقاتل مع الرجال خاصة إن كانوا من نوعية ذلك الهمجي.
,
, سحب صاحب محل الجزارة ( ساطوره ) الحاد من على خشبة تقطيع اللحم ، ورفعه في الهواء مهدداً بنحر عنقها.
,
, اتسعت عيني بسمة بهلع كبير ، وتجمدت أنظارها على نصله الملطخ ببقايا الدماء وقطع اللحم الصغيرة.
, تسمرت في مكانها مذهولة عاجزة عن الحركة ، وقبل أن يقدم هو على حركة تودي بحياتها كان ديـــــاب يقف أمامها حائلاً بجسده ومانعاً الرجل من الإقتراب منها.
, قبض هو على معصمه ، فارتجف صاحب الجزارة من وجوده المهيب ، وفشل في تحريره يده.
, حدق دياب فيه بنظرات نارية للغاية منذرة بوجود شر مستطر ، ثم هتف من بين أسنانه بشراسة مخيفة دبت في قلبه الرعب :
, -عـــــــــــــندك ، كده انت غلطت ، وتعديت حدود الأدب ١١ نقطة ٥ علامة التعجب
 
٦
ازدرد صاحب محل الجزارة ريقــــه بتوجس شديد بعد أن وقف ديــــاب في مواجهته متحدياً إياه تحدياً سافراً. فقد تجرأ الأخير بحماقة جلية على إحدى النساء ، وهذا يعد جرماً في نطاق منطقتهم الشعبية .
, ظلت نظرات الجزار مرتبكة للغاية وهو يحاول سبر أغوار عقل خصمه القوي. هو يعلم جيداً أن مواجهة ضارية كتلك مع أشهر رجال المنطقة لن تكون في صالحه مطلقاً ، بل ربما تودي بحياته أو على أقل تقدير تدمر محله ، لك بادر بتلطيف الأجواء وتلمس الأعذار عله ينجو ببدنه من بطشه ، لذلك أرخى قبضته الحاملة للساطور للأسفل ، وهتف صائحاً بحدة :
, -يا سي دياب هي اللي قلت أدبها عليا وعلى حريمنا !
,
, تجمدت نظرات دياب الشرسة عليه ، ولم يعقب ، فتابع الجزار مضيفاً بإنفعال :
, -وأنا وحياة الغالي يحيى كافي خيري شري عنها ، فده يرضيك يا سيد الناس ؟
,
, اغتاظت بسمة من إدعائه الباطل عليها ، فتحركت للجانب لترمقه بنظرات نارية ، وصرخت فيه بإهتياج ملوحة بذراعها في الهواء :
, -ليه إن شاء **** ؟ ماشية أخانق دبان وشي ، ولا انت ومراتك اللي بتتعرضولي في الراحة والجاية ؟٤ علامة التعجب
,
, التفت ديـــاب برأسه التفاتة خاطفة نحو بسمة ، ورمقها بنظرات جادة للغاية ، بدا وجهها مألوفاً بالنسبة إليه ، لكنه لم يستطع تخمين هويتها تحديداً أو أين رأها من قبل ، ثم عاود النظر في اتجاه الجزار ليهتف بصلابة :
, -لو هي غلطت حريمك ياخدوا حقهم منها ، لكن تيجي انت تعمل دكر على حُرمة ، لأ عندك ، أقفلك أنا فيها !
,
, ابتلع الجزار ريقه بخوف ، كما تجمعت حبات العرق الباردة أعلى جبينه ، وارتجف جسده قليلاً من إثر تهديده الصريح.
, بينما احتدت نظرات بسمة ، واصطبغ وجهها بحمرة غاضبة وهي تصيح بصراخ :
, -وهو أنا عدمت صحتي عشان أجيب اللي ياخدلي حقي ، ده أنا أده وأد عشرة زيه !
,
, انزعج ديــــاب من استهانتها بقواه وشخصيته المهيمنة ، فهدر بغلظة آمراً إياها :
, -اسكتي شوية !
,
, ردت عليه بعصبية وهي تشير بإصبعها :
, -لأ مش هاسكت ومش هالم لساني ، بقى واحد زي ده يهددني ويرفع عليا الساطور !
,
, ثم سلطت أنظارها على الجزار ورمقته بكراهية صارخة بتهديد خطير :
, -وربنا ماسيباك وهاعملك محضر في القسم ! ده إن ماقلعتش كمان جزمتي ونسلتها على دماغك !
,
, اشتعلت مقلتي الجزار من إهانتها له ، وصاح متذمراً بغضب :
, -شايف يا سي دياب طريقتها معايا، وتقولي ماجبش دماغها على الأورمة !
,
, حدجه دياب بنظرات محذرة ، وهتف فيه بصوت قاتم يحمل القوة :
, -اهدى !
,
, استشاطت بسمة غضباً من تطاول الجزار السمج باللفظ والفعل عليها حتى بات يهددها علناً بالإطاحة برأسها كالبهائم دون اكتراث لها ، فعمدت إلى استفزازه بشراسة لتشعله أكثر :
, -أورمة !! ده تمامك ، اللي يرحم الرجالة ، ماتوا في الحرب ، وسابولنا النسوان اللي زيك يخطرفوا بكلام مش أده !
,
, وبالفعل حققت مرادها ونالت منه ،فانفجر فيها الجزار صائحاً بصوت جهوري منفعل للغاية وهو يتحرك بجسده نحوها :
, -رجالة مين اللي ماتوا يا آ١٩ نقطة
,
, منعه ديــــاب عن التقدم خطوة نحوها بجسده الصلب وهادراً فيه بنبرة قاسية ومقاطعاً إياه :
, -اخــــــــــرس ! في ايه ٤ علامة التعجب
,
, تراجع الجزار للخلف خطوة مردداً بعصبية :
, -اعذرني يا سي دياب ، هي عمالة تغلط وطايحة في الكل وهي بنت مين أصلاً عشان تكلم كده
,
, كادت بسمة أن تهينه بشراسة أقوى ولكن منعها عن الحديث صياح دياب الصارخ بعدائية :
, -جـــــرى ايه ؟ مش عاجبك وقفتي ؟!
,
, أدرك الجزار تهوره الغير محسوب ، وردد بإمتعاض شديد :
, -مقصدش ، على راسي وجودك و**** !
,
, أكملت بسمة إهانتها قائلة بصوت مهتاج :
, -اغلط في أهلي كمان عشان بدل المحضر يبقوا اتنين ، وهاعرفك بنت عواطف ممكن تعمل ايه ؟
,
, انتبه ديـــاب للإسم جيداً ، وتمتمت هامساً لنفسه بجدية :
, -عواطف !
,
, استعاد زمـــام الأمور سريعاً قبل أن يشرد بتفكيره في عائلة تلك الشابة الجامحة التي تتشاجر مع من يفوقها حجماً وقوة بلا خوف ، وصاح بصوت خشن لكنه صارم :
, -خش جوا محلك ولم الليلة ، بدل الزعلة ما تقلب معايا أنا !
,
, ثم مـــال بجسده نحوه ليضيف بنبرة مهددة لكن بصوت خفيض لم تتمكن هي من سماعه :
, -وبأحذرك كلمة تانية معاها ، مش هايحصلك طيب ! وانت عارفني أنا مش بأهدد ، أنا بأنفذ على طول !
,
, هز الجزار رأسه بإيماءة إيجابية وهو يردد بإرتباك :
, -آآآ.. أوامرك يا سي دياب !
,
, حدجت بسمة ذلك الفظ بإزدراء كبير ، وهمست بغل :
, -ماشي ، و**** لأوريه بتاع الحمير ده !
,
, ثم انحنت لتجمع أشيائها المبعثرة على الأرضية الإسفلتية ، وتحركت مبتعدة بخطوات غاضبة
,
, تأكد ديـــاب من دخول الجزار لمحله ، ثم التفت برأسه للخلف ليبحث عن تلك المشاغبة لكنه لم يجدها ، فبحث سريعاً بعينيه عنها فرأها تسير بخطى متعجلة ، فركض خلفها مردداً بصوت مرتفع :
, -انتي يا أستاذة !
,
, توقفت عن السير لتلتفت نحوه ، وردت عليه بإنزعاج :
, -عاوز ايه ؟
,
, رمقها بنظرات حادة قبل أن يعاتبها بسخط :
, -دي شكراً بتاعتك بعد ما منعته عنك
,
, زمت شفتيها للجانب ليزداد عبوس وجهها ، ثم ردت عليه بإمتعاض :
, -أها ، قولتلي ، متشكرين ، كتر خيرك !
,
, دقق ديـــاب النظر في قسمات وجهها ، وأردف قائلاً بدون سابق إنذار :
, -شكلك مش غريب عليا !
,
, ظلت بسمة متجهمة الوجه وهي تجيبه بضيق :
, -ما هو انت متعرفنيش ، بس أنا عرفاك كويس يا ابن الحاج طه !
,
, أثار ردها الغامض فضوله أكثر لمعرفة هويتها تحديداً ، خاصة أنه بات متأكداً من وجود صلة قرابة بينهما ، فتساءل بجدية :
, -الجزار قال إنك بنت عواطف ، عواطف بنت خالة أبويا ، صح ؟
,
, ردت عليه بنبرة متأففة وحاجبيها مرتفعان للأعلى :
, -اه هي بعينها ، أنا بنتها بسمة !
,
, ابتسم لنفسه بغرور بعد أن أصاب في تخمينه لها ، وردد بثقة :
, -اها ، افتكرتك !
,
, رمقته هي بنظرات قوية قبل أن تتركه وتتحرك مبتعدة عنه متجاهلة إياه عن عمد.
, أزعجه تصرفها الفظ معه ، فسار إلى جوارها أولاً ، ثم سبقها بخطوة ليسد عليها الطريق متساءلاً بقوة :
, -رايحة فين ؟
,
, أجابته بتهكم وهي تزفر في وجهه بنفاذ صبر من اعتراضه لطريقها :
, -هاعمل محضر للزفت ده وأشوف شغلي ، عندك مانع ؟
,
, حدجها دياب بنظرات قوية مردداً بصوت جاد :
, -استني ، الليلة خلاص اتلمت ، وأنا خدت منه كلمة إنه مايتعرضلكيش ، فمافيش داعي آآ٣ نقطة
,
, قاطعته قائلة بإصرار وقد ظهرت العصبية في نبرتها :
, -أنا مش هاسيب حقي من الحيوان ده !
,
, رد عليها دياب قائلاً :
, -هو اللي عملتيه قليل ، ده أنتي بعترتي بكرامته الأرض !
,
, هتفت بعصبية وهي تنفخ بغضب :
, -مش كفاية !
,
, أيقن دياب أنه يتعامل مع شابة عنيدة متمسكة برأيها ، فأثناها عنه قائلاً بجدية :
, -طب ويصح تمشي وهدومك مقطعة كده ؟
,
, ثم أشار بعينيه نحو كتفها الأيسر الذي ظهر جزءاً منه من أسفل كنزتها التي تمزقت بفعل التشاجر مع زوجة الجزار.
, شهقت مصدومة حينما رأت ما يشير إليه :
, -هــاه !
,
, حاولت هي تغطية ذلك الجزء المتعري من كتفها بيدها ، فتابع هو قائلاً بصوت آمـــر :
, -اطلعي يا بنت عواطف عند أمك !
,
, ردت عليه بتذمر وهي تحاول تعديل هندامها ليخفي البارز من جسدها :
, -اسمي بسمة مش بنت عواطف
,
, رفع كفيه أمام وجهها ليردد بجمود :
, -تمام .. وصلت ! اتوكلي على **** وارجعي بيتك !
,
, زفرت بحدة أكبر ، واستدارت عائدة للخلف وهي تضع يدها على كتفها ، وتمتمت بكلمات غاضبة لكنها وصلت إلى مسامع دياب الذي دس كفيه في جيبي بنطاله :
, -هو يوم باين من أوله ! مهبب على دماغي ودماغ أهلي !
,
, تقوس فمه بإبتسامة باهتة وهو يراقبها تنصرف من أمامه ، ثم أخرج زفيراً عميقاً من صدره ، وتحرك بخطوات واثقة نحو وكالة أبيه وهاتفاً بصوت جهوري :
, -يالا ، الكل على مصالحه ، المولد اتفض !
,
, لمح دياب أخيه منذر وهو يسير بخطوات أكبر للركض نحوه صائحاً بنبرة مشحونة :
, -في ايه يا دياب ؟ العمال بلغوني إنك بتتخانق هنا ، وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه دياب بهدوء وهو يقف قبالته :
, -اطمن يا منذر ، حاجة هبلة كده وعدت !
,
, ثم جاب بأنظاره سريعاً على رجال أبيه الذين تجمعوا سريعاً وهم يحملون في أيديهم العصي الغليظة وبعض الأدوات الحادة.
, سأله منذر بنبرة قاتمة وقد تحولت نظراته للإظلام :
, -يعني مافيش عوأ ولا آآ٣ نقطة ؟
,
, نفى أخيه الأصغر الأمر قائلاً بتأكيد :
, -لالالا .. أنا حلت المُشكل !
,
, هز منذر رأسه بتفهم ، وأشـــار بإصبعيه لرجاله الواقفين خلفه ليعاودوا أدراجهم ، وهتف بصوت خشن :
, -ماشي ، يالا على الوكالة ، أبوك مستنينا هناك !
,
, رد عليه دياب بنبرة عادية وهو يربت على ظهر أخيه :
, -طيب ، بينا !
, ٣٦ نقطة
,
, خرجت ولاء من المرحــاض وهي تجفف شعرها المبتل بمنشفة قطنية ، ثم جلست على المقعد الصغير الموضوع أمام ( التسريحة ) لتبدأ في تمشيطه برفق.
,
, أدار مازن جسده للجانب ليراقبها بنظرات راغبة أكثر فيها ، ثم نفث دخـــان سيجارته في الهواء دون أن ينبس بكلمة.
, رأت هي انعكاس صورته المتطلعة لها بشهوانية في المرآة ، فابتسمت لنفسها بغرور وثقة.
, التفتت نحوه برأسها ، وهتفت متساءلة :
, -مش ناوي تتجوزني رسمي بدل ما احنا بنتقابل في الدرى كده زي الحرامية ولا اللي عاملين عاملة ؟!
,
, أجابها بفتور دون أن تتبدل ملامحه أو يحيد بنظراته عنها :
, -و**** أنا عاوز ، بس الرك عليكي إنتي !!
,
, أثار رده حفيظتها ، فنهضت من مكانها ، ووقفت قبالتها لترمقه بنظرات حادة وهي توجه سؤالها الجاد إليه قائلة :
, -قصدك ايه ؟!
,
, اعتدل في نومته ، وسحب بيده الوسادة ليضعها خلف ظهره ، ثم نظر لها بنظرات ذات مغزى ، وأجابها بنبرة غامضة :
, -أنا لو قولت ، مافيش ضرر عليا !
,
, ضاقت نظراتها نحوه ، وكتفت ساعديها أمام صدرها ، وكانت على وشك الرد عليه لكنه بادر بقول :
, -بس انتي هتتحرمي من حاجات كتير ، وأولهم ابنك يحيى !
,
, فهمت مقصده ، فتبدلت تعابير للإنزعاج ، وأرخت ساعديها بضيق كبير.
, جلست على طرف الفراش إلى جواره ، وزفرت بغيظ وهي تهتف من بين شفتيها :
, -أوف ، يادي يحيى اللي معجزني ومكتف ايدي !
,
, نفخ في وجهها دخـــان سيجارته ، ورد بنبرة متحدية وقد تجمدت نظراته عليها :
, -أحب ما على قلبي يا ولاء إني أقف في وش طليقك وأقوله إني اتجوزتك وبقيتي مراتي !
,
, نظرت له بجدية ، بينما تابع هو بحذر :
, -بس أنا عارفه مجنون ، هايخسرك كل حاجة وهيدفعك الدين القديم والجديد ، ومش بعيد يموتك !
,
, تملكتها العصبية ، وصاحت بنبرة أقرب للصراخ :
, -مازن ، خلاص قفل على سترته بتعصبني !
,
, رد عليها بنبرة عقلانية – من وجهة نظره وهو يطفيء العقب الأخير في سيجارته :
, -ماهو كل مرة بنتكلم فيها عن اعلان جوازنا بنوصل لنفس الطريق المسدود ده ، فخلينا كده أحسن لحد ما أخلص منه خالص !
,
, نهضت من على الفراش ، واتجهت نحو خزانة الملابس لتنتقي لنفسها ثوباً ملائماً ، ولكنها التفتت فجــأة للخلف لتضيف بغموض :
, -صحيح الكلام اللي سمعته ؟
,
, انتبه لجملتها ، وسألها بإهتمام وقد انعقد ما بين حاجبيه :
, -انهو كلام ؟
,
, أجابته بنبرة جادة ونظراتها القوية مسلطة عليها :
, -انت هتدخل معاه شريك ؟
,
, لوى ثغره للجانب ، ونفخ بصوت مسموع ، ثم أجابها بتنهيدة محتقنة :
, -على عيني و**** ، بس أبويا اللي عاوز كده !
,
, هزت رأسها متفهمة ، وسألته بفضول :
, -أها ، ولازمتها ايه الشراكة دي ؟
,
, أجابها بصوت قاتم وقد حدق في الفراغ أمامه :
, -مفكر إنه بكده بيهدي اللعب بينا ، ميعرفش إنها والعة وعلى أخرها !
,
, مطت فمها للجانب ، وأضافت قائلة بضجر :
, -مممم.. وانت طبعاً مضطر تكون معاهم ؟!
,
, هز رأسه بإيماءة هادئة وهو يجيبها بنبرة غامضة وغير مريحة على الإطلاق :
, -ايوه ، يمكن تكون دي السكة اللي أحط فيها ايدي على كل حاجة ، وأخد بحق مجد أخويا المسجون !
, ٣٩ نقطة
,
, وقفت عواطف أمام حوض الغسيل لتكمل تنظيف الصحون المتسخة ، وهتفت بإحباط :
, -يا مراري اللي مابينتهيش !
,
, هدهدت ابنتها نيرمين رضيعتها التي تحملها بين ذراعيها لتغفو ، وردت عليها بحنق :
, -كفاية بقى يا ماما ، أنا مش ناقصة تنكيت ، فيا اللي مكفيني !
,
, تابعت عواطف عويلها قائلة بحزن :
, -آه ياني ، اتخرب البيت ، واحنا لا حول لينا ولا قوة
,
, ردت عليها نيرمين بعصبية وقد استشاطت نظراتها :
, -هو وأهله كانوا عاوزين يخربوه من الأول ، وماسكتشوا إلا لما عملوا ده !
,
, أضافت والدتها قائلة بجدية وهي تحاول التفكير بعقلانية :
, -احنا عاوزين نشوفلنا صرفة في حاجتك ، مش هانسيبهالهم ، ولازم نربيه !
,
, ردت عليها نيرمين بحزم :
, -هايحصل ، أنا كلمت واحدة صاحبتي تشوفلي محامي شاطر ، وربنا يسهل !
,
, سألتها عواطف بجدية وهي تغلق الصنبور :
, -القايمة موجودة معاكي صح ؟
,
, أومـأت برأسها إيجاباً مرددة بثقة :
, -ايوه ، خدتها
,
, تابعت والدتها قائلة بنبرة عازمة :
, -كويس ، نديها للمحامي ويصطفل مع العالم دول !
,
, ثم تنهدت بعمق لتضيف بتضرع :
, -كملها بالستر معانا يا رب !
,
, استمعت كلتاهما إلى صوت غلق باب المنزل ، فخرجتا سوياً من المطبخ ليريا من بالصالة.
, تفاجئت الاثنتان بوجود بسمة وهي في حالة غير مهندمة.
, تساءلت عواطف بتوجس قليل وهي تدقق النظر في ابنتها :
, -ايه اللي رجعك يا بسمة ؟
,
, أجابتها الأخيرة بصوت مغتاظ وهي تلقي بحقيبتها على الأريكة القريبة :
, -كنت بتخانق تحت مع الزفت الجزار !
,
, لطمت عواطف على صدرها شاهقة بفزع :
, -يا نصيبتي تاني ! ايه اللي حصل ؟
,
, أجابتها بصوت محتد وهي تغطي كتفها :
, -اتعرضلي وكان عاوز يجيب رقبتي بالساطور
,
, اتسعت حدقتي والدتها في إرتعاد أكبر ، وشهقت مذهولة :
, -يا لهوي ٤ علامة التعجب
,
, تابعت بسمة حديثها قائلة بإمتعاض :
, -بس ابن الحاج طه اتدخل ومنعه !
,
, تنهدت عواطف بإرتياح لوجود أحدهما في المنطقة وقت حدوث المشاجرة وتدخله لإنقاذها قبل أن يتطور الوضع للأسوأ ..
, وبالطبع الفضول تملك نيرمين لمعرفة هويته تحديداً ، فتساءلت بإهتمام :
, -مين فيهم ؟ منذر ولا دياب ؟
,
, التفتت بسمة نحوها ، وأجابتها بفتور :
, -هتفرق يعني معاكي يا نيرمين !
,
, ردت عليها بنبرة مستاءة تحمل السخط :
, -لأ ، بس الواحد لما بيشوف الرجالة اللي زيهم بتصعب عليه نفسه !
,
, هتفت والدتهما بنبرة شاكرة :
, -الف حمد وشكر ليك يا رب ، دايماً ساترنا !
,
, هتفت بسمة بنبرة عدائية وهي تشير بيدها :
, -و**** لو كان سابني عليه كنت دبحته !
,
, نهرتها والدتها على تصرفاتها المتهورة قائلة بتبرم :
, -كفاية خناقات **** يهديكي ، كل يوم فضايح وقلة قيمة
,
, نفخت بسمة بصوت مسموع ، ولم تعقب عليها ، فهي تعلم أن الحديث معها لن يجدي بأي حال ..
, نظرت نيرمين لأختها شزراً ، وتمتمت قائلة بفتور :
, -الكلام مع بنتك مش هيأثر ، هي بتعمل اللي في دماغها وبس
,
, رمقتها بسمة بنظرات ساخطة ، ثم هتفت من بين أسنانها بتأفف :
, -أنا داخلة أغير هدومي خلوني ألحق أروح الدرس بدل ما اليوم يضيع هدر !
,
, رفعت عواطف بصرها للسماء ، وهمست متضرعة :
, -استرها مع بناتي يا رب !
, ٤٠ نقطة
,
, أسند طــــه أريجلته على الجانب بعد أن فرغ منها ، ثم حدق في الأوراق الموضوعة أمامه على سطح المكتب ليحصر الطلبات الأخيرة الخاصة بالعملاء ، ولكنه رفع بصره للأعلى حينما سمع صوتاً مألوفاً يناديه بود :
, -سلامو عليكم !
,
, ابتسم طــــه ابتسامة عريضة وهتف مرحباً وهو ينهض لمصافحة مهدي :
, -يا مرحب بالحاج مهدي ، الوكالة نورت !
,
, بادله الأخير المصافحة ، ثم جلس على المقعد المقابل لمكتبه ، وردد قائلاً بعتاب زائف :
, -أهلاً بيك يا حاج طه ، قولت أعدي واسأل بدل ما أنتو مقللين الزيارات عندي
,
, أجابه طــــه بنبرة مرهقة :
, -مشغوليات يا مهدي ، أديك شايف السوق وطلباته اللي مابتخلصش !
,
, هز مهدي رأسه متفهماً وهو يقول :
, -**** يكون في العون !
,
, ســـأله طـــه بجدية وهو يشير بيده لأحد عماله :
, -تشرب ايه ؟
,
, رفع مهدي كفه للأعلى قائلاً بإعتراض :
, -مالوش لزوم
,
, احتج طـــه على رفضه للقيام بواجب الضيافة معه مبرراً :
, -ودي تيجي بردك ، ده انت ضيفي ، أنا هاطلب أكل وشاي نحسب بعدها
,
, أصـــر مهدي على رأيه قائلاً :
, -و**** ما له أي لازمة ، أنا واكل وكله تمام والحمدلله
,
, في نفس التوقيت ولج منـــذر إلى داخل الوكالة متحدثاً في هاتفه المحمول بكلمات مقتضبة وغامضة :
, -خلاص تمام ، على قديمه ، ولو في حاجة اطلب عليا ! سلام !
,
, أنهى المكالمة مع المتصل ثم اقترب من الحاج مهدي ليصافحه قائلا ً بصوت جاد :
,
, -سلامو عليكم ، ازيك يا حاج مهدي ، منورنا !
,
, رد عليه مهدي بإبتسامة مصطنعة :
, -وعليكم السلام يا منذر يا بني
,
, التفت منذر ناحية أبيه ، وهتف بجدية وهو يوميء بعينيه :
, -بأقولك يا حاج ، دياب راح المخازن يحمل بضاعة ويسلمها وهيرجع على الفجر كده !
,
, رد عليه طه بهدوء :
, -اها ، **** معاه ويعينه
,
, ثم استدار ناحية مهدي وجلس في مواجهته، وباشر حديثه مردداً :
, -شرفتنا يا حاج مهدي ، الوكالة بتاعتك ، انت مش غريب فاعذرني لو مشغول عنك شوية !
,
, رد عليه مهدي بتفهم :
, -**** يكرمك ، ابن أصول !
,
, هتف الحاج طه متساءلاً بنبرة عادية :
, -ها قولي ايه الأخبار معاك ؟
,
, سلط مهدي أنظاره عليه ، ورد عليه بنبرة غامضة :
, -ده أنا اللي جاي استفسر عن الجديد عندكم يا حاج طه
,
, تبادل طه مع ابنه البكري نظرات حائرة ، فأكمل مهدي موضحاً بجدية :
, -قصدي عن المطعم !
,
, رد عليه طه بهدوء وهو ممتعض الوجه بسبب استشعاره لوجود شكوك ما في نفسه :
, -احنا شغالين فيه !
,
, اكفهرت تعابير وجه منذر بعد أن لاحظ الضيق الظاهر على وجه أبيه ، واستطرد حديثه قائلاً بنبرة شبه حادة ومشيراً بكفه :
, -اعذرني يا حاج لو هاقطعك !
,
, رد عليه أباه قائلاً بتنهيدة متعبة وهو يضرب بعكازه الأرضية :
, -خد راحتك يا منذر !
,
, سلط منذر أنظاره القوية على ضيفه ، وهتف قائلاً بجمود :
, -شوف يا حاج مهدي ، احنا عند اتفقنا وبدأنا في التوضيب والتوسعات ، بس في كام حاجة معطلة الموضوع شوية ومأخراه !
,
, ضاقت نظرات مهدي ، وسأله بتوجس قليل :
, -مش فاهم ، ده معناته ايه ؟
,
, مد طـــه يده ليربت برفق على فخذ مهدي قائلاً بإبتسامة باهتة :
, -كل خير ، اطمن !
,
, أوضح منذر حديثه المقتضب هاتفاً بضيق قليل :
, -الحكاية باختصار إن في دكان في نص المحلات اللي بنفتحها على بعض مش بتعنا ، احنا هنشتريه من أصحابه ومستنين يوقعوا ورق البيع ونبتدي على طول !
,
, حرك مهدي رأسه متفهماً :
, -تمام ، إن كان كده يبقى على بركة **** !
,
, رد عليه طــــه بزفير عميق :
, -**** كريم !
,
, هب مهدي واقفاً من مقعده بعد أن اطمأن على سير الأمور وفق ما يريد ، وتشدق قائلاً :
, -طيب هستأذن أنا !
,
, نهض طــــه هو الأخر من على المقعد مردداً بعتاب مجامل :
, -ما بدري ، هو انت لحقت تاخد قهوتك ولا آآ٤ نقطة
,
, قاطعه مهدي بصوت هاديء :
, -وقت تاني ، أنا قولت أعرف الجديد عندكم ، والحمدلله اطمنت !
,
, أومــأ طــــه برأسه متفهماً وهو يقول :
, -ماشي
,
, ودعهما مهدي قائلاً بإبتسامة ودودة :
, -فوتكوا بعافية ، سلامو عليكم !
,
, رد عليه منذر بصوت قاتم وهو يتابعه بنظرات حادة للغاية :
, -وعليكم السلام !
,
, ثم التفت برأسه نحو أبيه لتزداد نظراته عمقاً ، وتابع بنبرة مرتابة :
, -زيارته دي مش مريحاني !
,
, رد عليه طـــه بهدوء هو يعاود الجلوس على مقعده :
, -عاوز يطمن يا بني ، ما انت عارف !
,
, انزعج منذر من أسلوبه المشكك ، وصاح بضيق واضح :
, -هو كان كلام عيال !
,
, رد عليه أباه بهدوء محاولاً امتصاص نوبة غضبه قبل أن تندلع :
, -لأ ، بس ابنه مش راجل في كلامه !
,
, هتف منذر قائلاً بنبرة متوعدة وقد ضاقت نظراته بصورة مخيفة :
, -و**** اللي حايشني عنه هو انت يا حاج !
,
, ربت والده على كتفه قائلاً بنبرة متريثة :
, -ده مش من قيمتك يا بني ، ركز انت بس في شغلك
,
, ضغط منذر على شفتيه ليردد بصعوبة :
, -ماشي ! هاركز ٦ علامة التعجب
, ٣٨ نقطة
,
, أوصدت حنان الخزنة المعدنية القديمة الموجودة بالرف السفلي بخزانة ثيابها الخشبية بعد أن وضعت عدة ملفات وأوراق على حجرها.
, تراجعت بمقعدها المتحرك للخلف ، ثم أغلقت ضلفتي الخزانة ، واستدارت نحو فراشها.
, بدأت هي في مطالعة محتوى الملفات أولاً باحثة عن شيء محدد ألا وهو ( صك ملكية الدكان ).
, لم تجده وسطهم ، فتنهدت بإستياء ، واكتسى وجهها بعلامات الضجر.
, ولكن استرعى انتباهها ذلك المغلف القديم الموضوع وسط الأوراق.
, أمسكته بأطراف أناملها ، وتأملته وهي تديره بأصابعها للجانبين محاولة اكتشاف مابه. ولكنه كان خالياً من أي معلومات تشير إلى محتواه.
, وبحذر شديد قامت بفتحه لتخرج ورقة مطوية بعناية.
, حدقت فيها بإستغراب ، ثم قامت بفردها لتقرأ بصوت شبه مسموع ما دون أعلاها :
, -عقد بيع
,
, خفق قلبها إلى حد ما، وابتلعت ريقها بتوتر ، ثم تابعت قراءة ما كتب فيها بتأنٍ شديد.
,
, اتسعت حدقتيها مع كل كلمة تقع عيناها عليها ، وارتسمت علامات الذهول الممزوجة بالصدمة على قسمات وجهها المرهق.
, تسارعت أنفاسها وهي تردد بنبرة مصدومة متلعثمة:
, -أتنازل عن حصتي المملوكة في ميراث أبي بدكان عطارته لابنتي أسيف بيعاً وشراءاً
,
, انفرجت شفتيها بصدمة أكبر ، وتراخت يدها الممسكة بالعقد.
, حدقت أمامها بنظرات فارغة ، وبدت لوهلة عاجزة عن استيعاب الأمر.
,
, هزت حنان رأسها مستنكرة ما فعله زوجها ، ورددت بقلق كبير :
, -ليه عملت كده يا رياض ؟ ليه ٢٢ نقطة؟!!
 
٧
ارتجف جســـد حنان بعد أن قرأت ذلك العقد القديم الذي تنازل فيه زوجها الراحل عن نصيبه في إرث أبيه لإبنتهما الوحيدة.
, احتارت كثيراً في سبب إقدامه على فعل هذا دون إبلاغها بالأمر أو حتى التلميح عنه.
, ربما هو أراد حمايتها بتلك الطريقة ، وإعطائها ما تستحق دون الدخول في مشاحنات أو ما شابه ، لكنها باتت تخاف أكثر من تحول الأمر للعكس.
, ضغطت على شفتيها بقوة ، وهزت رأسها مستنكرة قراره النافذ.
, لم تكن تريد لصغيرتها أن تخوض تجربة الصراع والكره مع أقارب والدها الأشداء ، فهي على دراية تامة بشراسة طباعهم ونواياهم الدنيئة ، وقد كانت هي إحدى ضحاياهم قديماً ، حينما افتدت الحاج خورشيد وتلقت طلقة نارية طائشة كادت تودي بحياته ، فأصابتها في مقتل ، وسببت لها العجز.
, وكل هذا بسبب تخصيصه لجزء من أملاكه لابنه رياض مع شقيقته عواطف.
, كان الهدف من محاولة الاعتداء هي قتل ابنه لضمان عدم حصوله على شيء ، لكنها ظهرت في المكان الغير مناسب لتتلقاها هي.
,
, وقتها قرر ريــاض الزواج منها ، وتحسرت حنان على حالها ، فقد اعتقدت أنه زواجاً لمجرد الشفقة والتعويض ، لكنه أثبت لها على مدار السنون أنه زواجاً قائماً على الحب والمودة والعشرة الطيبة.
, طأطأت رأسها بحزن، وأخرجت زفيراً عميقاً من صدرها ، ثم تمتمت مع نفسها بنبرة خائفة :
, -عدي اللي جاي على خير يا رب !
, ٤٠ نقطة
,
, مط الحاج طـــه فمه للأمام وهو يطالع بإهتمام بعض التجديدات التي طرأت في المحال المملوكة له أسفل البناية موضع الاتفاق وهو يقف على مسافة جيدة لتمكنه من الرؤية بوضوح.
, بالطبع كان الدكان العتيق يفصل بين تلك المحال ، ويحول دون توسعها بالشكل المطلوب.
, نفخ بضيق من وجوده في وسطهم مانعاً من إتمام الإتفاق المبرم سابقاً. نفخ مجدداً ، وصاح عالياً بنبرة شبه محتدة :
, -شبطوا المحارة خلينا نشوف هنعمل ايه
,
, خرج أحد العاملين بالداخل ليرد بجدية :
, -كله تمام يا حاج ، المونة تنشف ، ويبدأ الكهربائي شغله ويرمي مواسير الكهربا
,
, ضرب بعكازه الخشبي الصلب الأرضية من أسفله ، وهتف فيه بصرامة :
, -ماشي ، مش عاوز تأخير !
,
, أشـــار العامل بيده للأمام قائلاً بجدية :
, -هي العطلة بس من الدكان ده ! واقف في النص وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه طـــه قائلاً بغلظة قبل أن يتمم الأخير عبارته :
, -خلصوا شغل في اللي معاكو وربنا يسهل في الزفت ده !
,
, هز العامل رأسه إيجاباً وهو يردد بخنوع :
, -أوامرك يا حاج !
,
, ثم دس الحاج طـــه يده في جيب جلبابه الرمادي ليخرج هاتفه المحمول منه ، ووضعه على أذنه بعد أن ضغط على زر الاتصال بابنه البكري.
, انتظر للحظات قبل أن يسمع صوته على الطرف الأخر ، فهتف عالياً :
, -ايوه يا منذر ، انت فين ؟
,
, أجابه منذر بصوت جاد :
, -بأخلص كام مصلحة يا حاج
,
, هتف فيه أباه بصلابة :
, -طب يا بني ، أما تفضى عدي عليا ، عاوزين نروح لعواطف النهاردة
,
, رد عليه منذر بصوت خشن :
, -حاضر ، اديني ساعة زمن !
,
, أخـــذ الحاج طــه نفساً عميقاً ، وزفره دفعه واحدة ليجيبه بإنزعاج ملحوظ :
, -ماشي يا بني ، **** يعينك
, -سلام يا حاج
,
, أنهى طـــه المكالمة مع ابنه ثم أعاد وضع هاتفه في جيبه ، وظل محدقاً بالدكان العتيق بنظرات مطولة لا تنتوي أي خير على الإطلاق.
,
, ٣٥ نقطة
,
, حدجت جليلة ابنتها الصغرى أروى بنظرات حادة وهي تصيح فيها بصوت آمر بعد أن ضجرت من تكاسلها عن استذكار دروسها :
, -يا بت اعملي الواجب بتاعك !
,
, نفخت الصغيرة بعبوس ظاهر على محياها وهي تردد :
, -مش فاهمة فيه حاجة ، خليني أخد درس !
,
, هتفت فيها بصوت ممتعض وهي ترفع حاجبها للأعلى :
, -أبوكي قايل مافيش طلوع من البيت ، عاوزة تتبهدلي تاني !
,
, زفرت أروى مجدداً قائلة بإستياء وهي تستند بوجهها على كفيها :
, -يووه ، أنا زهقت مش فاهمة حاجة خالص ، والواجب كتير وصعب أوي.
,
, أضافت والدتها قائلة بنبرة حاسمة :
, -أما يجي أبوكي هاكلمه في الموضوع ده ، وبالمرة يشوف أبلة تذاكر للواد يحيى هو كمان !
,
, تهللت أساريرها نسبياً بعد اقتراح والدتها ، وهتفت متساءلة بتفاءل :
, -طيب والواجب ؟
,
, أجابتها بقلة حيلة وهي تغلق الكتب المفتوحة :
, -استني أما يرجع حد من أخواتك الكبار ويساعدوكي فيه ، أنا مش فاهمة منه كلمة
,
, اتسعت ابتسامة الصغيرة على أشدها حتى برزت نواجذها لعدم اضطرارها للاستذكار ، ثم تساءلت بحماس :
, -ماشي يا ماما ، ينفع اتفرج على التلفزيون ؟
,
, ردت عليها جليلة بعدم مبالاة وهي تهز فمها للجانبين :
, -قومي ، ماهي مش جايبة همها !
,
, نهضت أروى سريعاً من مقعدها وهي تدندن بسعادة ، فنظرت لها والدتها بإندهاش من تصرفاتها الطفولية ، ثم نهضت هي الأخرى عن الطاولة وقامت بجمع مذكرات وكتب صغيرتها ورصتهم فوق بعضهم البعض.
, انتبهت هي إلى صوت رنين الهاتف الأرضي ، فتحركت بتمهل نحوه لتجيب عليه.
, رفعت السماعة ووضعتها على أذنها ، وردت بصوت أمومي :
, -ألوو ، مين ؟
,
, استمعت للصوت الأنثوي الذي أتاها على الطرف الأخر فعرفت هويتها فوراً.
, تبدلت ملامح وجهها للعبوس ، وتحولت نظراتها للإنزعاج ، ثم تابعت قائلة بإمتعاض جلي :
, -ايوه يا ولاء ، خير ؟
,
, ظلت جليلة صامتة لبرهة مصغية لما تقوله طليقة ابنها ، وردت عليها بإقتضاب :
, -يحيى نايم ، يا حبيبي جاي تعبان من مدرسته
,
, سكتت عن الحديث لتستمع لها ، وأضافت بإيجاز :
, -ماشي ، أما يصحى هخليه يكلمك ، سلام
,
, نفخت بإشمئزاز ، ووضعت السماعة بضيق كبير ، ثم هتفت بنبرة تحمل البغض والغل :
, -**** يريحنا منك ، لولا الواد كنت آآآ٣ نقطة استغفر **** العظيم ، دايماً تفور دمي كده !
,
, ٣٦ نقطة
, على الجانب الأخر ، طلبت حنان من ابنتها أن تنهي أعمال المطبخ سريعاً لتجلس معها لتتحدث الاثنتان في أمر هــام.
, ظل بال أسيف مشغولاً وهي تجفف الصحون محاولة تخمين ذلك الموضوع الطاريء الذي تريد والدتها مفاتحتها فيه.
, جففت يديها ، وتوجهت إلى غرفة مكتب أبيها حيث تتواجد أمها ، ثم جلست على الأريكة بجوار مقعدها المتحرك.
, ابتسمت برقة وهي تتساءل بصوت خفيض لا يخلو من القلق :
, -خير يا ماما !
,
, حدقت فيها حنان بنظرات عميقة قبل أن تجيبها بحذر :
, -أسيف ، كنت محتاجة أحكي معاكي في حاجة !
,
, استشعرت هي وجود خطب ما ، فوالدتها منذ باكر تبدو على غير طبيعتها. يوجد شيء ما يشغل عقلها وبشدة حتى بات تأثيره ظاهراً على ملامحها البسيطة ، فبدت أكثر إرهاقاً وذبولاً.
,
, ردت أسيف عليها بنبرة متوترة وقد اضطربت نظراتها نوعاً ما :
, -قلقتيني ، انتي كويسة ، بتشتكي من حاجة في جسمك ، صحتك تمام ؟
,
, ابتسمت والدتها ابتسامة هادئة ، وأجابتها بصوت خفيض وهي توميء برأسها بإيماءة خفيفة :
, -اطمني يا بنتي !
,
, ربتت على فخذها برفق وهي تتابع بتنهيدة خافتة :
, -أنا الحمد**** في أحسن حال
,
, تنفست أسيف الصعداء وهي تجيبها :
, -يا رب دايماً
,
, ترددت حنان نوعاً ما في كيفية البدء في الحديث الجدي ، ولكن لا بديل عن فعل هذا.
, ابتلعت ريقها ، وأردفت قائلة :
, -الموضوع بخصوص أبوكي **** يرحمه !
,
, هوى قلبها في قدميها عقب تلك العبارة الأخيرة ، واضطربت أنفاسها نسبياً.
, سيطر عليها التوتر ، وتساءلت بتلهف :
, -خير ؟
,
, ترددت والدتها في إبلاغها بصراحة.
, صمتت للحظات ، ثم استطردت حديثها قائلة بتلعثم ملحوظ :
, -كنا اتكلمنا قبل كده عن آآ.. عن عمتك عواطف والقطيعة اللي بينا !
,
, هزت أسيف رأسها بإيماءة قوية مرددة بنزق :
, -ايوه ، بس حضرتك مش حكيتي أي تفاصيل
,
, أخفضت حنان نظراتها قليلاً ، وردت بحذر :
, -سيبك من التفاصيل دي ، المهم عندي تعرفي بموضوع الدكان
,
, هتفت أسيف متساءلة بجدية :
, -ورث بابا من جدي خورشيد ؟
,
, أجابتها حنان بهدوء وهي تسلط أنظارها عليها :
, -ايوه !
,
, ســـاد صمت قليل بينهما ولكنه مليء بالكثير من خلال نظراتهما العميقة.
, قطعته والدتها مضيفة بتنهيدة مطولة :
, -عمتك قالت إن حقنا في الدكان محفوظ !
,
, استعادت هي سريعاً في ذاكرتها ما دار في المكالمة الأخيرة مع عمتها. لذا حركت رأسها إيجاباً مرددة :
, -اه ، الرسالة اللي قالتلي أوصلهالك
,
, تابعت والدتها قائلة بغموض :
, -مظبوط ، ورياض **** يرحمه عمل ده ، وحفظلك حقك !
,
, عقدت أسيف ما بين حاجبيها متعجبة ، ثم رددت بحيرة وهي تحاول تخمين المغزى من عبارة أمها الأخيرة :
, -مش فاهمة ٤ علامة التعجب
,
, حدقت فيها حنان بنظرات ثابتة ، ولم تطرف عيناها لثوانٍ وكأنها تستمد قوتها لتقول بنبرة متريثة :
, -أبوكي اتنازل عن نصيبه بالكامل ليكي !
,
, اتسعت مقلتي أسيف بإندهاش كبير ، ولم تصدق ما سمعته تواً.
, انفرجت شفتيها مرددة بصدمة :
, -ايه ؟
,
, استأنفت حنان حديثها بهدوء مريب للغاية :
, -وده العقد بتاعه !
,
, ثم مدت يدها بورقة قديمة مطوية نحوها.
, تناولتها أسيف منها ، وألقت نظرة عامة سريعة وشمولية على فحواها ، ثم رفعت رأسها للأعلى لتتساءل بحيرة بادية على محياها :
, -طب بابا عمل كده ليه ؟
,
, هزت والدتها كتفيها نافية وهي تجيبها بصوت هاديء :
, -مش عارفة ، جايز كان بيفكر يحافظلك على حقوقك ، يمنع الغريب يشاركك ، مش فاهمة دماغه كانت فيها ايه بالظبط ٤ علامة التعجب
,
, رمشت أسيف بعينيها متساءلة بنبرة قلقة :
, -طب وانتي يا ماما كنتي عارفة بده ؟
,
, حركت رأسها بالنفي وهي ترد :
, -لأ للأسف ، أنا اتفاجئت باللي عمله !
,
, أعادت أسيف التطلع للعقد مجدداً لتقرأه بتمعن.
, بدت الحيرة واضحة في ردة فعلها وفي نظرات عينيها.
, ضغطت على شفتيها متساءلة بخوف :
, -طب.. طب وهانتصرف ازاي ؟ يعني عمتي عارفة ؟
,
, أجابتها والدتها بهدوء :
, -بيتهيألي لأ
,
, صمتت الاثنتان مجدداً ليفكرا في الأمر بروية.
, نظرت أسيف للموضوع من زاوية مختلفة نسبياً عن السابق ، فخفت حدة توترها نوعاً ما ، وبدأت في حساب الأمور من منظور أخر.
, ابتسمت برقة وهي تهمس :
, -ماما
,
, حدقت فيها حنان قائلة :
, -ايوه يا حبيبتي
,
, مالت هي للأمام بجسدها ، وجمدت نظراتها عليها قائلة بحماس عجيب :
, -مش جايز يكون الدكان ده بداية خير لينا
,
, استغربت حنان من تبدل حال ابنتها ، وسألتها بنزق :
, -بمعنى ؟
,
, بررت أسيف ما عقدت العزم عليه قائلة بنبرة عقلانية :
, -يعني أنا فكرت قبل ما أعرف بالعقد ده إننا نروح عند عمتي !
,
, ضاقت نظرات حنان ، وقطبت جبينها بضيق بائن ، ثم هتفت غير مصدقة ما قالته :
, -ايه ؟ نروح عندها ؟٥ علامة التعجب
,
, شعرت أسيف بإستنكار والدتها لتفكيرها في هذا الأمر ، وتابعت معللة بهدوء محاولة الحفاظ على ثبات ردة فعلها المتحفزة :
, -اللي اقصده ان احنا كنا هنروح لدكتور كويس عشان حضرتك ، فلو أمكن نستغل الفرصة ونزور عمتي وأشوف الدكان بالمرة !
,
, ردت عليها أمها بإمتعاض :
, -مش وقته يا أسيف !
,
, ألحت هي قائلة بإصرار أشد وهي تمد يدها لتمسك بكفها :
, -صدقيني يا ماما مافيش أحسن من دي فرصة ، احنا معدتش لينا حاجة هنا تربطنا بالمكان غير البيت ده ،وبصراحة أنا مش هاتحمل إني أشوفك بتتوجعي قصادي وأفضل ساكتة
,
, سحبت حنان يدها من كفها ، وردت بجدية صارمة :
, -**** يخليكي ليا يا بنتي ، أنا مش محتاجة حاجة !
,
, رققت أسيف من نبرتها ، ونظرت لأمها بنظرات عاشمة مرددة بإصرار :
, -عشان خاطري يا ماما ، الموضوع مش هياخد غير كام يوم وخلاص !
,
, لم تتوقف أسيف عن التشبث برأيها ، ولم تعدل عنه. اعتبرت المسألة فرصتها الذهبية لترك تلك القرية الريفية والخروج إلى الحضر.
, وبالطبع لم تستطع حنان الصمود أمام عنادها الشديد. فقد كانت أسبابها منطقية للغاية ومقنعة.
, وهي لم تحاول إظهار خوفها عليها من ذلك المستقبل الغامض.
, وفي الأخير تخلت عن رفضها ، و تنهدت قائلة بإستسلام :
, -ماشي ، بس هانروح نقعد فين ؟
,
, أجابتها أسيف بتلهف :
, -أي لوكاندة على أدنا ، وإن شاء **** مش هانطول !
,
, ردت عليها أمها بهدوء :
, -طيب
,
, اتسعت ابتسامة أسيف أكثر ، وهللت بسعادة واضحة بعد أن استجابت لطلبها :
, -حبيبتي يا ماما ، **** ما يحرمني منك أبداً
, ٣١ نقطة
,
, علقت جليلة جلباب زوجها في المكان المخصص له ، ثم التفتت ناحيته قائلة بعبوس :
, -اتأخرت يا حاج
,
, أجابها بإرهاق وهو ينزع حذائه عن قدميه :
, -مشاغل يا جليلة !
,
, هتفت هي قائلة بتضرع معتاد :
, -**** يكرمك يا حاج طه ويوسع رزقك !
,
, نظر لها دون أن يعقب ، فتابعت قائلة بتوجس :
, -أنا بس خايفة عليك لتتعب بزيادة
,
, رد عليها بصوت منهك :
, -ربك المعين
,
, ثم استدار برأسه ناحية باب الغرفة متساءلاً بإهتمام :
, -أومال فين أروى والواد يحيى ؟
,
, أجابته بنبرة عادية وهي تشير بيدها للخلف :
, -أعدين بيلعبوا جوا في اوضتهم
,
, أضاف هو قائلاً بجدية :
, -طيب ، جهزلي لقمة أكلها لأحسن على لحم بطني من الصبح
,
, ردت عليه بحماس :
, -ثواني والأكل يكون عندك يا حاج
,
, وبالفعل خرجت من الغرفة لتتجه نحو المطبخ فرأت ابنها منذر مقبلاً عليها ومودعاً إياها في نفس الوقت مردداً :
, -ست الكل!
,
, نظرت له بغرابة وهي تتساءل :
, -رايح فين يا منذر ؟
,
, أجابها بتنهيدة متعبة :
, -رايح المطعم أشوف التوضيبات وأتكلم مع المهندس المسئول !
,
, هتفت قائلة بإصرار وهي تضع قبضتها على ذراعه لتمسك به :
, -طب استنى هاجهزلك لقمة تاكلها على السريع
,
, أزاح يدها برفق عنه قائلاً بإقتضاب وقد ظهر الانهاك واضحاً على تعابير وجهه :
, -لأ مش عاوز !
,
, -منذر !
, هتف بإسمه أباه بصوت مسموع وجاد للغاية ، فالتفت برأسه نحوه وردد ممتثلاً :
, -ايوه يا حاج
,
, تابع طـــه قائلاً بلهجة شبه آمرة :
, -أما تخلص عدي على عواطف وشوف عملت ايه لأن انت اتأخرت عليا وأنا زهقت من الأعدة في الوكالة !
,
, هز رأسه متفهماً وهو يقول :
, -ماشي ، سلامو عليكم !
,
, ردت عليه والدته التحية قائلة بصوت أمومي حاني متابعة إياه بنظراتها الدافئة :
, -وعليكم السلام ، في حفظ **** يا ضنايا ، وربنا يكفيك شر الناس !
, ٣٦ نقطة
,
, أومـــأ دياب رأسه بإعجاب وهو يجوب بأنظاره المطعم متأملاً التجديدات التي طرأت عليه ، وأردف قائلاً بتحمس وهو يربت على كتف مهندس الديكور :
, -عال الشغل 100 100 يا رجالة !
,
, رد عليه الأخير قائلاً بسعادة :
, -انت تؤمر بس يا ريس دياب
,
, أضـــاف دياب قائلاً بجدية وهو يشير بذراعه موضحاً ما يرغب في القيام به من تعديلات لائقة من وجهة نظره :
, -أنا عاوزك توسع المدخل من هنا ، وتعمل جيبسون بورد في الحتة دي ، وتشيل الجزئية دي مالهاش لازمة !
,
, هز المهندس رأسه بتفهم مردداً :
, -تمام ، أنا هاكتب الملحوظات المطلوبة كلها وأظبطها ، وبعد كده أعرضها عليك قبل ما أبدأ التنفيذ دي !
, -متفقين
,
, في نفس التوقيت ولج منـــذر إلى داخل المطعم ليجد أخاه واقفاً إلى جوار مهندس الديكور ، فهتف بصوت مرتفع يحمل المفاجأة :
, -**** ، انت هنا ؟!
,
, التفت دياب برأسه نصف التفاتة نحوه ، ورد عليه بجدية :
, -منذر ! حبيبي
,
, وضع منذر ذراعه حول كتف أخيه الأصغر ، وربت عليه برفق ثم سأله بإستغراب :
, -ايه اللي جابك ؟ مش كان لسه عندك تسليم ؟
,
, أجابه الأخير بعبوس :
, -اتأجلت الطلبية ، الزبون فلسع ( توفى ) !!
,
, تعجب منذر مما قاله ، وردد بضيق قليل :
, -يا ساتر يا رب !
,
, ثم انتقل للسؤال التالي مردداً بإهتمام :
, -ها اتكلمت مع المهندس ؟
,
, أجابه دياب بثقة :
, -أه ، هايظبط كل حاجة زي ما احنا عاوزين
,
, زم منذر فمه للأمام قائلاً بإعجاب :
, -عظيم !
,
, وسريعاً تحولت ملامحه للإنزعاج وهو يضيف على مضض :
, -ناقصنا بس نشوف البلوى اللي في النص دي !
,
, فهم دياب المغزى من عبارته الغامضة ، فأردف موضحاً دون تردد :
, -تقصد الدكان !
,
, رد عليه منذر وهو ينفخ بضيق :
, -هو في غيره يا دياب
,
, وافقه أخيه الرأي قائلاً :
, -عندك حق ، معطلنا كتير
,
, أضـــاف منذر قائلاً بنبرة عازمة وقد ضاقت نظراته للغاية:
, -أنا رايح عند عواطف أتكلم معاها أشوفها وصلت لإيه
,
, رد عليه دياب بجدية :
, -طب خدني معاك في سكتك
,
, استغرب منذر من رغبته في الذهاب معه لتلك الزيارة الثقيلة على قلبه متساءلاً بتعجب :
, -هتطلع معايا عندها ؟
,
, هز رأسه بالإيجاب معللاً :
, -اه ، وأهوو بالمرة ألاغيها بلغة السوق إن كانت معصلجة !
,
, زفر منذر بصوت مزعوج ،ثم دس يديه في جيبي بنطاله الجينز مضيفاً بتأفف :
, -المشكلة مش فيها هي ، دي في أخوها !
,
, رد عليه دياب بعدم اكتراث :
, -أهوو نشوفله سكة إن كان معاند في البيع
,
, أخرج منذر يداً واحدة من جيبه ، ولكز بها أخيه في كتفه قائلاً بحزم :
, -طيب ، تعالى
,
, وبالفعل تحرك الاثنان إلى خـــارج المطعم متجهين إلى البناية التي تقطن بها عواطف عاقدين العزم على الوصول إلى حل حاسم و نهائي بشــــأن الدكـــــان ٢٥ نقطة ٥ علامة التعجب
 
٨
اتجهت نيرمين وهي تحمل رضيعتها الغافية على كتفها نحو باب منزلهم لتفتحه بعد استماعها لقرع الجرس الخاص به.
, وقفت أمام العتبة تتأمل المتواجدين بإستغراب قليل.
, أردف منذر قائلاً بنبرة خشنة :
, -سلامو عليكم
, سريعاً تداركت الموقف وتنحنحت بخفوت قائلة بترحيب :
, -وعليكم السلام ، يا أهلاً وسهلاً !
,
, تابع هو متساءلاً بجدية ونظراته تحولت للجمود :
, -الست عواطف موجودة ؟
,
, حدقت فيه بقلق ظاهر ، ووزعت أنظارها بينه وبين أخيه الواقف خلفه مجيبة إياه :
, -اه موجودة !
,
, ابتلعت ريقها بتوجس وتساءلت بتلعثم:
, -هو..آآ.. هو في حاجة ؟
,
, رد عليها بغموض :
, -أنا عاوز أتكلم معاها
,
, أضـــاف دياب قائلاً بعتاب :
, -هو احنا هنفضل واقفين كتير على الباب ؟!
,
, أيقنت شرودها عن التصرف بلباقة مع الضيوف ، فهدهدت رضيعتها برفق ، وتنحت للجانب قائلة بحرج :
, -لا مؤاخذة ، اتفضلوا ، ده بيتكم !
,
, صــاح منذر عالياً لينبه من بالداخل لوجوده :
, -يا رب يا ساتر
,
, بينما تنحنح دياب بخشونة مردداً :
, -احم .. سلامو عليكم !
,
, اتجه الاثنان نحو غرفة الصالون حيث المكان المعتاد لاستقبال الزائرين ..
, بينما أسرعت نرمين في خطاها لتبلغ والدتها بوجودهما بالخارج .
, لفت عواطف **** رأسها سريعاً دون عناية بمظهره النهائي ، وسارت بخطوات شبه سريعة نحوهما.
, ابتسمت قائلة بود مرحبة بهما :
, -يا مراحب بالغاليين !
,
, نهض الاثنان من على الأريكة العريضة ليصافحاها ، ثم عاودا الجلوس مرة أخــرى.
, لم يرغب منذر في إضاعة الوقت هباءاً ، لذلك استطرد حديثه قائلاً بعجالة وبجدية شديدة :
, -شوفي يا ست عواطف ، أنا جاي النهاردة عشان أحط النقط على الحروف في موضوع الدكان
,
, حدقت فيه بإرتباك كبير ، فقد بدا في نبرته وفي نظراته المسلطة عليها الحزم والشدة.
, ازدردت ريقها قائلة بحذر :
, -ما أنا آآ.. مش ساكتة يا سي منذر بس آآ٣ نقطة
,
, انزعج منذر نوعاً ما بسبب استشعاره لتقاعصها عن إتمام تلك المسألة الحيوية ، وقبل أن تكمل جملتها للنهاية قاطعها قائلاً بعصبية قليلة :
, -مش وقت بسبسة يا ست عواطف ، دي مصالح وارتباطات مع ناس كتير ، مش فاضين للأعذار والحجج
,
, دافعت عواطف عن موقفها قائلة بتلهف :
, -و**** ما حجج !
,
, ثم أخفضت نبرتها نسبياً لتتابع بحزن واضح:
, -أنا بس أخويا رياض مات من قريب وماكونتش أعرف
,
, حلت الصدمة على وجهي كلاً من منذر ودياب ، وتبادلا نظرات مزعوجة وممزوجة بالحيرة.
, فلم يتوقع أحدهما وفاة الشريك الأخر لعواطف ، وبالتالي تشكلت عقبة أخرى أمام إكمال مسألة البيع.
,
, ردد منذر بنبرة واجبة :
, -البقاء لله
,
, ردت عليه بصوت مختنق :
, -الدوام لله وحده
,
, بينما أضاف دياب مواسياً :
, -**** يرحمه ، البركة فيكي انتي !
,
, ردت عليه بتفهم :
, -اللهم امين ، تعيش يا بني !
,
, ســـاد صمت حذر لعدة لحظات قبل أن تستأنف عواطف حديثها قائلة بصوت مضطرب :
, -أنا كنت هافتحه في بيع الدكان ، بس .. بس اتفاجئت باللي حصله ، ده حتى معرفتش أقوم بالواجب ولا آآ٣ نقطة
,
, تلك المرة قاطعها دياب قائلاً بجمود متخيلاً عن هدوئه :
, -شوفي يا ست عواطف المثل بيقول الحي أبقى من الميت ، وبصراحة كده احنا بنسابق الزمن عشان ننجز
,
, ردت عليه بقلة حيلة :
, -وأنا متأخرتش عنكم يا دياب يا بني !
,
, ضجر منذر من فتور ردودها ، فصـــاح محذراً إياها من المماطلة بانفعال ظاهر :
, -احنا مش بنهزر ولا ده لعب عيال !
,
, بينما أضـــاف دياب بتهديد ضمني:
, -خليكي فاكرة يا ست عواطف إن الدكان اتفقنا هنشتريه وبسعر كويس فبلاش ملاوعة من أولها ، لأن ده مش في مصلحتك !
,
, نفت سريعاً إتهامه لها قائلاً بخوف :
, -و**** ما ملاوعة ، دي .. دي ظروف حصلت !
,
, رد عليها غير مكترث :
, -ماليش فيه ده كله !
,
, هزت رأسها بإيماءات متتالية قائلة :
, -حاضر ، أنا هاتصل بمراته ، وأفاتحها في بيعه !
,
, نهض منذر فجـــأة من مكانه ، وتابع قائلاً بصوت قاتم :
, -اعملي اللي تعمليه يا ست عواطف ، المهم يخلص في أسرع وقت !
, -ماشي
,
, أكمل دياب مهدداً بعد أن هب واقفاً هو الأخر :
, -كمان أنا لحد دلوقتي مصدر الوش الحلو ، فبلاش أضطر استخدم الوش التاني ، وإنتي مش محتاجة تعرفيه
, -اطمنوا ، اللي انتو عاوزينه هايحصل !
,
, ثم هتفت بنبرة عالية :
, -يا نيرمين ، الشاي أوام للضيوف
,
, رد منذر معترضاً بجمود :
, -مالوش لازمة ، احنا ماشيين على طول
,
, ألحت قائلة بإصرار كبير :
, -و**** ما يحصل أبداً ، ده انتو كده بتشتموني
,
, نظر منذر لأخيه ، وأشـــار له بعينيه قائلاً بهدوء :
, -خلاص اقعد يا دياب ، خمساية ونتوكل على **** !
,
, رد عليه أخاه على مضض :
, -طيب
, ٢٢ نقطة
,
, في نفس التوقيت عادت بسمة من الخارج وعلى وجهها علامات سخط جلية.
, كانت منزعجة للغاية من تصرفات أولياء الأمور المستفزة في بعض الأحيان والدافعة لحنقها المستمر.
, لم تشعر بوجود غرباء في منزلها ، فأخذت راحتها في التذمر من وضعها المأساوي في الدروس الخاصة التي تقوم بإعطائها مرددة بصوت مرتفع وهي توصد باب المنزل:
, -امتى يتوب علينا **** من الهم ده ، بجد ناس معندهاش لا رحمة ولا أدب من الأساس !
,
, أسرعت نيرمين ناحيتها قائلة بصوت خفيض وهي ترمقها بنظرات حادة للغاية :
, -بسمة ، وطي صوتك في آآ٤ نقطة
,
, لم تمهلها الفرصة لإكمال ما تريد قوله ، حيث هتفت بتبرم :
, -الواحد يبقى قاعد في الدرس كافي خيره شره ومركز في اللي بيديه للعيل من دول ويلاقي الأم بتظبطني ياختي مع أخوها
,
, فغرت نيرمين شفتيها مصدومة مما تردده أختها بلا وعي ، وحاولت تحذيرها لتكف عن الحديث ، لكن كانت الأخيرة كالصاروخ في اندفاعها بعباراتها الناقمة على وضعها.
, تابعت غير مهتمة بإيماءات وإشارات أختها الغامضة والغير مفهومة بالنسبة لها:
, -خال الواد عمال يظبط زوايا معايا من صباحية **** عشان أخد باله منه ومبحلأ فيا بعينيه على وسعهم !
,
, هزت نيرمين شفتيها للجانبين مستنكرة تلك الفضائح التي تتفوه بها ، في حين تابعت بسمة بإشمئزاز بادي على وجهها ونبرتها :
, -لأ وطول الوقت شغال منادية تقوليش واقف في السوق ولا أعدين على المصطبة ، ركز يا واد مع الأبلة ، اسمع للأبلة الحلوة ، هي صغيرة بس دماغها جامدة ! رجالة أخر زمن سايبين اللي وراها وبيعاكسوني عيني عينك كده ٣ علامة التعجب
,
, تحركت دون اكتراث للأمام فرأت باب غرفة الصالون ( موارباً ) فدقق النظر فيه فلمحت طيف رجلين بالداخل.
, شهقت مصدومة والتفتت نحو أختها متساءلة بحرج كبير :
, -هو احنا عندنا حد ؟
,
, ردت عليها نيرمين بتأفف وهي خافضة لصوتها :
, -اه يا فالحة ، ماهو ده اللي بأحاول أقولهولك من بدري !
,
, أشارت بكف يدها نادبة سوء تصرفها ، ومرددة بندم :
, -أوبا ، ده أنا عكيت الدنيا على الأخر !
,
, ردت عليها نيرمين بتمني :
, -**** يستر ومايكونوش خدوا بالهم من الهالومة اللي عملتيها
,
, تساءلت بسمة بفضول وقد التمعت عيناها نوعاً ما :
, -هما مين أصلاً ؟
,
, أجابتها نيرمين بعبوس :
, -ولاد الحاج طه حرب !
,
, ضغطت بسمة على شفتيها مرددة بإستياء :
, -كملت !
,
, لكزتها أختها الكبرى قائلة بجدية وهي تدفعها للأمام :
, -طب خشي الأوضة بدل ما تتهزأي من أمك !
,
, وافقتها بسمة الرأي مرددة بإمتعاض :
, -ايوه ، مش ناقصة قلة قيمة أكتر من كده !
, ٣٤ نقطة
,
, استمع دياب إلى معظم ما قيل بالخــارج بسبب حدة الصوت ، واستنكر بضيق شديد ما يحدث في منازل أولياء الأمور من تجاوزات أخلاقية.
, ورغم هذا ابتسم لنفسه بتهكم.
, فقد تذكر حديث طليقته عن رغبتها في إعطاء ابنهما درساً خاصاً لمساعدته على استذكار وفهم دروسه ، فربما تكون هي المرشحة المناسبة لذلك الأمر وبالتالي لن يكون بحاجة للبحث عن واحدة أخرى.
, لكنه لم يرد مفاتحة السيدة عواطف في تلك المسألة مباشرة دون الرجوع لوالدته أولاً والتفكير فيها بروية.
,
, شعرت عواطف بالحرج من تصرفات ابنتها الغير محسوبة والتي تضعها دوماً في مواقف حرجة مع الأخرين ، وحاولت قدر الإمكان إلهاء ضيفيها كي لا ينتبها للحديث الدائر خارج الغرفة.
, لم يعبأ منذر بما سمعه ، وركز تفكيره فقط على كيفية اتمام بيع الدكان العتيق والبدء في مشروع المطعم في أقرب وقت.
, ارتشف هو مقداراً كبيراً من محتويات قدحه ، ثم أسنده على الصينية أمامه ، وأومـــأ بعينيه لأخيه بإشارة ذات مغزى ، ثم ضرب على فخذه برفق قائلاً بجدية :
, -متشكرين يا ست عواطف على الشاي ، هانستأذن احنا !
,
, نهض الاثنان بعدهما من مكانهما ، ووقفت عواطف هي الأخرى مودعة كليهما بود :
, -هنياً ، ما لسه بدري
,
, رد عليها بإقتضاب :
, -عندنا شغل وحاجات كتير
,
, ردت عليه بتفهم وهي تشير بيدها :
, -**** يكون في العون ، شرفتونا!
,
, وبالفعل قامت بإصطحابهما إلى الخـــارج مودعة إياهما بكل ود وألفة.
,
, أسرعت نيرمين بالذهاب إليها متساءلة بفضول :
, -خير يا ماما ، كانوا جايين ليه ؟
,
, ردت عليها بتنهيدة مستاءة :
, -هو في غيره ، موضوع الدكان اياه !
, ٣٣ نقطة
,
, أسندت جليلة صحن الفاكهة العريض على الطاولة أمام عائلتها لينتقوا ما يريدون من الثمار لتناولها.
, تابع منذر حديثه قائلاً بجدية :
, -أنا مرضتش أشد عليها أكتر من كده ، بس فهمتها عيني عينك إن الموضوع مش هزار
,
, قطم والده ثمرة التفاح مردداً وهو يبتلعها :
, -كده صح !
,
, ثم التفت منذر برأسه ناحية دياب ليضيف بإمتعاض :
, -بس ابنك كان عاوز يشعلها على طول
,
, احتدت نظرات دياب نوعاً ما ، وهتف غير مبالٍ :
, -أنا زهقت من كتر اللف والدوران ، عاوزين ننجز يا حاج
,
, برر الحاج طـــه موقفها قائلاً بنبرة عقلانية :
, -هي بردك معذورة ، اللي مات مش حد غريب ، ده أخوها !
,
, تساءلت جليلة بفضول وهي تمصمص شفتيها :
, -على كده راحت لمرات أخوها وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها دياب بتجهم قليل :
, -واحنا مالنا بالحوارات دي ، هتفرق معانا يعني
,
, أوضحت مقصدها قائلة :
, -أصل أنا افتكر إن علاقتها بعيلة أخوها مش أد كده يعني !
,
, رد عليها دياب بجدية :
, -سيبك انتي من الكلام ده ، أنا عاوز أخد رأيك في حاجة كده !
,
, انتابها الفضول لمعرفة ما يرغب ابنها في معرفته ، فسألته بتلهف :
, -حاجة ايه دي ؟
,
, أجابها بصوت جاد للغاية وهو محدق فيها بثبات :
, -أنا سمعت ان بنت عواطف شغالة مُدرسة
,
, هزت رأسها بالإيجاب لتضيف وهي تشير بكف يدها:
, -أها .. بنتها الصغيرة باين ، أبلة كده في مدرسة حكومي باين
,
, استأنف قائلاً بنبرة عازمة :
, -المهم شوفي إن كان تنفع تدي ليحيى الدرس ولا لأ !
,
, فكرت جليلة فيما قاله بإهتمام كبير ، فهي بالفعل تبحث عن معلمة جيدة لابنتها أروى ، بالإضافة إلى حاجة يحيى لمعلمة تعاونه في استذكار دروسه ..
, أكمل دياب قائلاً بهدوء جاد :
, -يعني ، هي أحسن من الغريب ، بردك احنا مش عاوزين أي واحدة تفوت عندنا والسلام !
,
, ثم استدار برأسه ناحية أبيه ، ووجه حديثه متساءلاً بجدية :
, -ولا انت ايه رأيك يا حاج ؟
,
, رد عليه طـــه بفتور :
, -اعملوا اللي تعملوه ، المهم العيال تذاكر وتنجح في الامتحان !
,
, حركت جليلة رأسها بإيماءة جادة ، وقد بدأت تفكر في تلك المسألة بالفعل وتضعها في حسبانها.
,
, ٣٧ نقطة
, نجحت أسيف في إقناع والدتها بالسفر وترك قريتهم مؤقتاً ، وبالفعل بدأت في إعداد العدة لتلك السفرية القصيرة.
, قامت بتجهيز حقائبهما بكل ما ستحتاجان إليه من متعلقات ضرورية ، بالإضافة إلى تهجيز ملف خاص بالأشعة والتقارير الطبية الخاصة بحالة والدتها الصحية.
, كذلك لم تنسَ الأدوية التي تتناولها ووضعتها في حقيبة صغيرة مستقلة لإستخدامها وقت اللزوم.
,
, أصــــر ابن خالة والدتها الحاج فتحي على إيصالهما للمحطة القريبة رغم رفض أسيف لأي مساعدة منه ، ولكنها اضطرت في الأخير أن ترضخ لطلب أمها بتقبل عرضه لتجنب افتعال المشكلات معه.
, وقف هو إلى جوارهما قائلاً بإبتسامة فاترة على رصيف المحطة :
, -متغيبوش علينا
,
, ردت عليه حنان بهدوء :
, -إن شاء ****
,
, تساءل هو بإهتمام محاولاً سبر أغوار تفكيرهما الغامض الذي دفعهما للسفر في هذا التوقيت تحديداً :
, -وهاتقعدوا فين كده ؟
,
, أجابته أسيف بنزق لكي لا تترك الفرصة لأمها للبوح عما ينتويان فعله فهي ترفض تدخلهما السافر في شئون حياتهما الخاصة :
, -في لوكاندة كده قريبة من المستشفى !
,
, مط فمه قائلاً بصوت آجش :
, -طيب ، طمنوني عليكم أول ما توصلوا ، وإن عوزتوا حاجة ولا ناقصكم شيء عرفوني !
,
, ردت عليه أسيف بإقتضاب وقد بدا وجهها متجهماً نسبياً :
, -مستورة والحمدلله !
,
, في حين أسرعت حنان بالرد عليه بإبتسامة مهذبة لتتلافى توبيخه لابنتها إن ظن أنها تعامله بجفاء :
, -حاضر ، احنا منستغناش عنك يا حاج فتحي
,
, لوح لهما بيده قائلاً :
, -في حفظ **** !
,
, هتفت أسيف بهدوء وهي تحاول الابتسام له :
, -اتوكل على **** يا خالي وشوف مصالحك ، وربنا هيكرمنا
,
, بالطبع كان يطمع أن يتركهما ويرحل ، ولكن لكي لا يعاتبه أحد على ذهابه ، فرغب في التمسك بالأصول لأخر لحظة ، وتساءل بنبرة مجاملة :
, -يعني مش عاوزين حاجة مني ؟
,
, ردت أسيف مؤكدة :
, -لا كله تمام
,
, بينما أضافت حنان بنبرة ممتنة :
, -شكراً يا حاج فتحي ، **** يخليك لينا !
,
, هتف بنبرة عالية وهو يلوح بذراعه في الهواء مودعاً كلتاهما :
, -طيب فوتكم بعافية !
,
, تابعته الاثنتان بنظرات منوعة مابين الإنزعاج والخوف.
, التفتت أسيف ناحية والدتها ، وهمست بصوت متبرم :
, -معنتش بأقبل وجوده يا ماما
,
, ردت عليها أمها مدافعة عنها :
, -كتر خيره برضوه ، عارف الأصول !
,
, استنكرت دفاعها عنه ، وهتفت بتذمر معاتبة إياها :
, -هو في واحد عارف في الأصول يبيعنا ورثنا غصب !
,
, تنهدت والدتها بإستياء قائلة :
, -مالوش لازمة نحكي في اللي فات
,
, رأت أسيف علامات الضيق متشكلة على وجهها ، فتوقفت عن إلقاء التهم واللوم حتى لا تزعج والدتها أكثر ، فشاغلها الآن هو الانتقال للحضر والخوض في مغامرة جديدة لمعرفة المزيد عن عائلة أبيها وذلك الإرث الغامض ..
, ابتسمت لها بود ، وردت بإيجاز وهي تنحني لتقبل رأسها:
, -ماشي !
,
, استمعت بعدها كلتاهما إلى صوت صافرة القطار ، فتملكها الحماس للمضي قدماً ، وصاحت بتلهف :
, -يالا يا ماما !
,
, حركت والدتها مقعدها المتحرك بكفيها ، في حين رفعت أسيف حقائب السفر بيديها ، واتجهت الاثنتان نحو القطار.
, دنت أسيف من أحد عمال السكة الحديدية وطلبت منه العون في إدخال والدتها إلى داخل عربة القطار قائلة برجاء قليل :
, -ممكن مساعدة يا حضرت
,
, التفت العامل نحوها ، ونظر إلى حيث تشير ، ثم رد عليها بنبرة رسمية :
, -حاضر يا ست !
,
, بعد برهة كانت كلتاهما بداخل العربة ، جلست أسيف على مقربة من النافذة ، وحدقت بحماس في المنظر الطبيعي بالخارج.
, تسارعت دقات قلبها نوعاً ما بسبب حماستها الزائدة ،
, وتشكل على ثغرها ابتسامة متفائلة ومتطلعة لغد أفضل.
, عاودت النظر إلى والدتها فوجدتها ممسكة بمصحفها تقرأ فيه بعض أيات القرآن.
, تنهدت بعمق ، واستدارت برأسها مرة أخرى نحو النافذة داعية **** في نفسها أن ييسر لهما كل عسير.
, ٣٩ نقطة
,
, انتهى أغلب العمال من تحميل الشاحنات الكبيرة بألواح الرخام والسيراميك وكذلك أنواع الأرضيات المختلفة عليهم.
, وتم إفراغ معظم المخازن مما بها من بضائع.
, لوح منذر لسائقي الشاحنات التابعة له قائلاً بنبرة مرتفعة تحمل الصرامة :
, -اتأكدوا إن كل حاجة متربطة كويس ، مش ناقصين يحصل زي المرة اللي فاتت والبضاعة تريح !
,
, رد عليه أحد العمال بثقة :
, -اطمن يا ريس منذر !
,
, التفت منذر ناحيته ، وأردف قائلاً بحدة وقد احتدت نظراته:
, -مش هاطمن إلا لما أتأكد بنفسي !
,
, صـــاح العامل بصوت مرتفع :
, -يالا يا رجالة ، شدوا حيلكم !
,
, راقبهم منذر بنظرات ثاقبة للغاية ، ففي المرة السابقة تعرضت إحدى شاحناته لموقف متأزم حينما مالت الحمولة للجانب ، وكادت تفقد الشاحنة توازنها على الطريق السريع مما اضطر السائق للتوقف إجبارياً على أقصى جانب الطريق مستنجداً به ليرسل له من يعاونه على إنقاذ الشاحنة قبل سقوط الحمولة بأكملها وبالتالي تكبدهم خسائر فادحة إن لم يكن تعرضه هو وأخرين لحادث سير مفجع.
, لذا وقف بنفسه تلك المرة وسط عماله ليتأكد من اتباعهم لتعليماته بحزافيرها.
,
, دنا منه رئيس المخازن قائلاً بنبرة رخيمة :
, -البضاعة اتحمل يا باشا ، ودي الفواتير والأوراق
,
, تناولها منذر منه ، وتطلع فيها بنظرات خاطفة وشمولية ، ثم رد عليه بإقتضاب :
, -تمام!
,
, ســـار هو بخطوات سريعة نحو إحدى الشاحنات ليركب في المقدمة بجوار السائق ليشرف بنفسه على وصول بضاعتهم بأمان.
, ٣٧ نقطة
,
, وصل القطار إلى محطته الأخيرة ، فترجلت منه أسيف ، ومن بعدها والدتها بمعاونة عاملين المحطة.
, جرجرت حقائبها خلفها ، وتلفتت حولها بنظرات حائرة.
, هي لم تعرف إلى أين تذهب تحديداً ، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تبتعد فيها تماماً عن قريتهم البسيطة وتنتقل إلى مكان أوســـع ، وأكبر ، وأكثر إزدحاماً.
, ارتفعت الحماسة بها ، لكنها كانت ممزوجة بالقلق والتوتر.
, انتبهت لصوت والدتها يناديها بتحذير :
, -بالراحة يا أسيف ، خلينا نشوف هانعمل ايه الأول
, -حاضر يا ماما
, قالتها أسيف مبتسمة برقـــة ..
,
, تباطئت في خطواتها ، واتبعت إرشادات اللوحات المعدنية لتصل إلى خـــارج المحطة.
, بعد عدة دقائق كانت كلتاهما على مسافة قريبة من منطقة سيارات الأجرة.
, أسندت أسيف الحقائب إلى جوارها ، وأخرجت الورقة التي تحمل عنوان عمتها لتقرأها.
, أخذت نفساً عميقاً حبسته لثوانٍ في صدرها ، ثم أخرجته دفعة واحدة ، ونظرت إلى والدتها بحنو مرددة :
, -جاهزة يا ماما ؟
,
, بادلتها حنان نظرات شبه متوترة ، وردت بخفوت :
, -ايوه ، **** يكملها معانا بالستر !
,
, بحثت هي بعينيها سريعاً عن إحدى السيارات لتقلهم إلى العنوان المذكور ، وبالفعل حظت بواحدة بعد معاناة مع السائقين المتذمرين ، فالمسافة لم تكن هينة.
, قام السائق بوضع الحقائب في صندوق سيارته ، ثم تعاون مع أسيف في إسناد حنان وإجلاسها في المقعد الأمامي.
, جلست هي في الخلف ، وتطلعت بتلهف من النافذة لرؤية عمتها الوحيدة.
,
, على النقيض كانت حنان تخشى ما هما مقبلتان عليه.
, هي عهدت تلك الفترة المظلمة من حياة زوجها الراحل رياض، وتعرف مدى شراسة وغلظة طباع ذلك الجانب من العائلة.
, ربما لم تحدث ابنتها عنهم مسبقاً بسبب عدم اختلاطهم بهم ، لكنها باتت نادمة لذلك.
,
, انطلق السائق في وجهته متخذاً الطريق السريع ليتجنب زحام السير ، ولكن حدث ما لم يتوقعه. تعطلت سيارته في منتصف المسافة ، واضطر أسفاً أن يصفها على الجانب ليكتشف العطل محاولاً إصلاحه.
, كانوا محظوظين نوعاً ما لوجودهم بالقرب من محطة لتمويل السيارات بالوقود. فإن تعذر على السائق إصلاح العطل سيكون من السهل اللجوء لمساعدة من بالمحطة.
,
, دققت أسيف النظر في المنطقة حولها ، ولمحت وجود استراحة على مقربة منهم – على الجانب الأخر من الطريق - مخصصة لبيع السلع الغذائية ، فابتسمت بسعادة ، وهتفت قائلة :
, -ماما ، أنا هانزل أجيب حاجة سخنة نشربها
,
, ردت عليها أمها بعبوس فقد تملك الإرهاق منها بسبب عناء السفر المتواصل :
, -مش عاوزة ، خليكي أعدة جوا العربية وخلاص
,
, أصرت أسيف على طلبها قائلة بإلحاح وهي تشير بيدها نحوها :
, -شوية شاي بس ياماما ، من الاستراحة اللي هناك دي !
,
, استمع السائق لحوارهما ، فتدخل قائلاً بضجر :
, -لو عاوزين تقعدوا هناك شوية براحتكم ، العربية هتاخد وقت في التصليح !
,
, رفضت حنان الترجل من السيارة قائلة بجدية :
, -مالوش لازمة ، خليني في مكاني !
,
, ثم همست بصوت خفيض يحمل المرارة :
, -مش حابة اتبهدل وأتعب اللي حواليا
,
, تفهمت أسيف موقفها ، وسألتها وهي تبتسم لها بإبتسامة خفيفة :
, -طب أجيبلك مياه من هناك ، أو أكل جاهز ، سندوتشات أو آآ٣ نقطة
,
, اعترضت حنان مقاطعة بنبرة تحمل الإرهاق :
, -لا يا بنتي مش عاوزة !
,
, هتفت أسيف مرددة بإصرار قليل :
, -طب أجيب عصير بس ، هينفعنا ، لسه قدمنا شوية ، ماشي يا ماما ؟
,
, ردت عليها مستسلمة :
, -ماشي !
,
, ترجلت أسيف من السيارة وهي تحمل في يدها حافظة نقودها ، ثم التفتت نحو والدتها حينما سمعتها تحذرها :
, -خدي بالك وانتي بتعدي الشارع ، العربيات هنا مش زي عندنا
,
, أومـــأت برأسها إيجاباً مرددة :
, -حاضر
,
, وبالفعل اتخذت حذرها وهي تعبر الطريق للجانب الأخر لكي تصل إلى الاستراحة.
, مكثت هي بداخلها لبضعة دقائق متفقدة ما تحتويه من مأكولات سريعة ومشروبات باردة وساخنة.
, أثرت أن تحضر لوالدتها مشروباً بارداً بجانب المياه وبعض الحلوى لتعطيها الطاقة. فهي تعلم رفض أمها القاطع لتناول أي شيء خارج المنزل ، فلم تجازف بشراء طعام جاهز لها.
,
, دفعت أسيف الحساب ، ثم خرجت من الاستراحة لتعاود أدراجها حيث تتواجد سيارة الأجرة.
,
, لم تضع هي باقي النقود في حافظتها ، وطوتهم بداخل راحة يدها.
, أسرعت في خطاها لتجتاز الطريق السريع دون أخذ الحذر الكافي من السيارات المسرعة القادمة أمامها.
, ٣٥ نقطة
,
, في نفس التوقيت اقتربت الشاحنة المتواجد بها منذر من الاستراحة.
,
, لمح هو شبح شيء ما يحاول المرور ظاهراً فجـــأة أمامه من العدم ، فمد يده بحركة لا إرادية سريعة نحو عجلة القيادة ليديرها في الاتجاه الأخر ليتجنب دهسها أسفل عجلاتها ، فإنحرفت الشاحنة نسبياً عن مسارها ، وصدر عنها صوتاً مزعجاً للغاية نتيجة الضغط على المكابح بقوة.
, وبحركة احترافية لسائق ماهر تمكن بمهارة من إيقاف السيارة ومنع حادثة مروعة من الوقوع.
,
, تسمرت أسيف في مكانها مذهولة مما حدث ، وتجمدت نظراتها على تلك الشاحنة التي تجاوزتها بمعجزة حقيقية.
, ارتخت أصابعها عن النقود المطوية في قبضتها ، وتركتها تسقط منها لتطير بفعل الهواء في اتجاه الشاحنة.
, نعم لقد كانت قاب قوسين أو أدنى من الموت المحقق.
, هوى قلبها في قدميها من فرط الرعب ، ودب في جسدها إرتعاشة رهيبة من هول الموقف. كما تلاحقت أنفاسها بصورة سريعة.
,
, إنتاب منذر حالة من الغضب الشديد بسبب حماقة تلك الطائشة ، فترجل من الشاحنة وعلى تعابيره نذيراً بالخطر المهلك.
,
, تداركت أسيف نفسها ورأت ذلك المتجهم الغاضب المتجه نحوها.
, كانت ملامحه مخيفة للغاية ، ونظراته موحية بشر مستطر.
, ارتعدت أوصالها أكثر ، واضطربت أنفاسها بفزع ظناً منها أنه سيتشاجر معها وربما يتطاول باليد عليها لائماً إياها على خطئها الغير محسوب العواقب.
, كان هذا هو الموقف الأكثر خطورة الذي تتعرض له في حياتها كلها.
, لم يسبق لها أن مرت بتجربة مثيرة – ومهلكة في آن واحد -كتلك.
, أفاقت من جمودها المرتعد لتركض بخوف شديد ناحية سيارة الأجرة التي تنتظرها على الجانب الأخر متجنبة التصادم مع ذلك الغريب الشرس.
,
, سلط منذر أنظاره على تلك الشابة التي تهرول بلا تريث ، فاستشاط غضباً أكثر منها لتجاهلها المتعمد له وكأنها لم ترتكب شيئاً أحمقاً ، وحدجها بنظرات نارية مغلولة .
, انفلت أعصابه بسبب غبائها ، وصــــاح بصوت جهوري لاعناً إياها بألفاظ بشعة مستنكراً جهلها وتهورها المميت.
,
, استمعت هي إلى سبابه اللاذع في حقها دون أن تجرؤ على الالتفات إليه مجدداً.
, بكت بحرقة بسبب تلك الإهانة الشديدة والألفاظ البذيئة التي طالتها. ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المتصاعدة.
, يكفيها نظراته المظلمة والمهددة التي كادت أن تمزقها دون حتى أن يمسها.
, جاهدت لتتلاشى من أمام أنظاره قبل أن يصل إليها فيفتك بها لفعلتها تلك.
, وحمدت **** في نفسها وجود بضعة سيارات مصطفة على مقربة من محطة الوقود لتتمكن من الاختباء والتواري جيداً.
,
, ترجل سائق الشاحنة هو الأخر منها ، واقترب من منذر مردداً بصوت لاهث:
, -الحمد**** يا ريس منذر ، قدر ولطف ، كان ممكن البت دي تتفرم تحت العجلات ، ونروح في داهية بسببها ، و آآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر مشيراً بكف يده وهاتفاً بصوت قاتم مغتاظ يحمل الوعيد :
, -حظها انها جرت ، كنت عرفتها إن **** حق ، ودفعتها تمن غبائها ده !
,
, رد عليه السائق بإمتعاض:
, -هي اللي سمعته منك قليل يا ريسنا ، حريم مجانين مخهم طاقق !
,
, ظلت قسمات وجـــه منذر متصلبة للغاية ، ونظراته منزعجة على الأخير بسبب ما دار.
, اصطفت الشاحنات الأخرى خلف شاحنتهما الواقفة ، وبدأ معظم المتواجدين بهم في الترجل منها.
, رأى السائق النقود المتطايرة في اتجاههما ، فانحنى ليجمعها سريعاً مردداً بسخرية :
, -البت الظاهر وقعت فلوسها
,
, التفت منذر ناحية السائق ونظر فيما يحمله من نقود ، وآمره بجمود :
, -هاتهم !
,
, ناوله إياه ، فقد كان المبلغ المتبقي زهيداً ولا يستحق العناء من أجله ، لذا لم يهتم السائق به.
, طواه منذر في قبضته وكأنه يعتصره ، وسلط أنظاره على تلك المحطة التي اختفت بداخلها مفكراً في أمر ما و١٦ نقطة
 
٩
وقف سائق الشاحنة إلى جوار رب عمله منذر يتابع ردة فعله الغامضة بفضـــول..
, فقد لاحظ تبدل تعابيره الجامدة إلى الغلظة والتجهم ، وهو يعرف تلك التعبيرات جيداً ..
, سأله بحذر وهو يحك مؤخرة رأسه :
, -تؤمر بإيه يا ريسنا
,
, أومأ منذر بعينيه المحتدتين مجيباً إياه بصوت خشن للغاية :
, -هاشوفها هناك !
,
, فرك السائق طرف ذقنه متساءلاً بغرابة :
, -ودي ايه اللي هيوديها عند البنزينة ؟
,
, صمت منذر للحظة قبل أن يجيبه بنبرة محتقنة :
, -واحدة زيها ممكن تكون متفقة مع اصحاب البنزينة تعمل الشويتين دول ، تقوم العربيات تخبط في بعض وتتعمل حوادث وبلاوي سودة هنا ، وهما يسترزقوا من تصليحها !
,
, فغر السائق فمه مشدوهاً مما قاله ، وهتف غير مصدق :
, -يا بنت الـ ٦ نقطة ، ايوه ، ده فيهم ورشة تصليح ، ومشحمة ، إزاي مجاش في بالي !!
,
, تقوس فم منذر قائلاً بتهكم :
, -عشان انت مغفل
,
, هتف السائق مردداً بحماس :
, -**** عليك يا ريسنا ، محدش فينا بيعرف يجيب ربع مخك !
,
, تسلطت أنظار منذر على محطة الوقود ، وهمس بغلظة بنبرة عدائية :
, -وعزة جلال **** ما سيبها إلا لما أمسح بيها الأسفلت !
, ٣٦ نقطة
,
, ركضت أسيف مسرعــــة نحو محطة الوقود المرابط إلى جوارها سيارة الأجرة التي تقلها هي وأمها القعيدة.
, فرت الدمـــاء من عروقها ، وجف حلقها للغاية ، كما شحب لون وجهها بسبب ذلك الموقف المرعب الذي تعرضت له قبل لحظات.
, حاولت أن تلملم شتات نفسها قبل أن ترى والدتها كي لا تلاحظ ما مرت به.
, هي لا تريد إرعابها ، وأيضاً التعرض للوم والتوبيخ.
, أبطأت في خطواتها ، وتنفست لعدة مرات بعمق لتسيطر على حالها وتستعيد ثباتها.
,
, اقتربت من سيارة الأجرة ، وهمست بنبرة مرتجفة وهيتمد يدها بالكيس البلاستيكي نحو النافذة الملاصقة لأمها :
, -آآ.. اتفضلي يا ماما
,
, تناولت منها الكيس ، ضيقت عيناها وهي تنظر في وجهها متفرسة تعابيرها الغريبة.
, قطبت جبينها أكثر ، وسألتها مستفهمة بتوجس قليل :
, -مالك يا أسيف ؟
,
, ارتبكت أسيف نوعاً ما من سؤالها العادي ، وأجابتها بتلعثم :
, -ما .. مافيش !
,
, زاد قلق والدتها من ردها الغير مقنع ، فسألتها بجدية :
, -أومال لونك مخطوف كده ليه ؟
,
, ابتلعت ريقها على عجالة ، ورسمت على ثغرها ابتسامة مزيفة مجيبة إياها بتصنع :
, -تلاقي تعب السفر باين على وشي !
,
, رفعت رأسها للأعلى فجـــأة ، فلمحت طيف ذلك الرجل الغريب ذو الطباع الحادة والانفعالات الغير محمودة العواقب الذي أمطرها بوابل من السباب العنيف قبل دقائق ، فخفق قلبها رعباً ، واتسعت مقلتيها هلعاً من رؤية طيفه مقبلاً في اتجاهها.
, زاد شحوب وجهها ، وتسارعت دقات قلبها أكثر.
, لاحظت والدتها التوتر الرهيب الذي حل فجأة عليها ، فحدقت فيه بتوجس متساءلة :
, -في ايه يا أسيف ؟
,
, برودة قارصة حلت عليها..
, أعادت حنان تكرار السؤال على مسامعها رافعة لنبرة صوتها بعد أن تأكدت من شرود ابنتها في أمر ما.
, انتبهت لها أسيف ، وفكرت سريعاً في كذبة سريعة لتجيبها بها.
, تلفتت حولها بذعر ، فوقعت عيناها على لافتة ما مدون عليها ( مراحيض )
, أضـــاء عقلها بفكرة ما ، وأخفضت نظراتها نحو أمها.
, ارتجفت شفتيها، وخرج صوتها مهزوزاً وهي تجيبها قائلة :
, -آآ.. أنا .. أنا أصلي تعبانة شوية ،هـ.. آآ.. هاروح الحمام بسرعة ورجعالك
,
, ردت عليها حنان بهدوء :
, -طيب متتأخريش
, لم تترك لنفسها الفرصة للوقوف أمام والدتها أكثر من هذا ، فكل لحظة تبقى فيها إلى جوارها تعرضها لتهديد أكبر.
, هي لا تعرف لماذا ذلك الشعور الطاغي بالفزع والخوف من شخص مجهول ، ولكن لأنه أســاء إليها بطريقة لم تعتادها في حياتها من قبل ، فجزعت منه بشدة. وخافت أن يسبب لها الحرج والفضيحة أمام أنظار أمها العاجزة فتسوء حالتها ، ويتطور الوضع للأسوأ.
, لذلك أسرعت في خطواتها ، واتجهت نحو المراحيض العمومية لتختبيء بها.
, ٢٩ نقطة
,
, وصـــل منذر إلى محطة الوقـــود ، وتفقد بنظرات مدققة جميع السيارات المتواجدة بها وعلى مقربة منها.
, ظل قابضاً على باقي النقود في راحته ، لكن علامات الوجوم والغضب مازالت متمكنة منه.
, وقعت أنظاره المتفرســـة على إحدى السيارات ، فرأى رب أسرة يقدم الطعام لأسرته وصغاره الذين يتراقصون بالمقعد الخلفية.
, جاب بعينيه سيارة أخرى يجلس بها كهل كبير يرتشف قهوته.
, التفت برأسه الناحية العكسية فلفت انتباهه ذلك المقعد المتحرك المطوي والموضوع أعلى سقفية سيارة الأجرة.
, أمعن النظر في الجالسة بالمقعد الأمامي ، فرأى امرأة كبيرة بالسن ملامحها تبدو هادئة وحزينة.
, دنا منها بخطوات سريعة فسمع صوتها تتساءل بإهتمام وهي تطل برأسها من النافذة المجاورة لها :
, -ها يا بني أخبار العربية ايه ؟
,
, أجابها السائق بإمتعاض وهو يبرز رأسه من خلف غطاء السيارة الأمامي :
, -هانت ، قربت أصلحها ، اطمني !
,
, ظن منذر أن تلك السيدة هي والدة هذا الشاب المنحني على مقدمة سيارته ، فتركهما وانصرف باحثاً بجدية عن الشابة الطائشة في بقية السيارات المتواجدة.
, توعدها وهو يجز على أسنانه قائلاً :
, -بس لو أشوفك !
, ٣٢ نقطة
,
, اختبأت أسيف بداخل المرحاض النسائي ، وأشرأبت بعنقها للأعلى لترى من النافذة الخلفية للمرحاض ما يحدث بالخــارج.
, لم تستطع أن تتبين أي شيء ، فقد كان هناك سياجاً حديدياً بالخلف يحول دون الرؤية بوضوح.
, توترت كثيراً ، وترددت في الخروج من مخبأها المؤقت.
,
, مـــرت عدة دقائق وهي باقية بالداخل تفكر بخوف في سيناريوهات سيئة.
, إنتابها القلق على والدتها ، فقد طال انتظارها.
, فركت كفيها معاً ، وهمست لنفسها بحيرة :
, -طب أعمل ؟ هافضل هنا محبوسة شوية كمان ولا .. ولا أخرج ؟
,
, ترنح جسدها للحظة ، فاستندت بيدها على طرف الحوض. ثم استدارت للخلف لتنظر إلى انعكاس وجهها الشاحب في المرآة الغير نقية.
, فتحت الصنبور ، وملأت راحتها بالمياه ، ثم نثرتها على وجهها لتفيق نفسها قبل أن تتهواى من فرط الخوف الغير مبرر .
, تنفست بعمق لتستعيد هدوئها ، ثم رفعت رأسها للأعلى قائلة بنبرة عازمة :
, -مش لازم أخــاف ، أنا معملتش حاجة ، هو .. هو ميقدرش يأذيني !
,
, ابتلعت ريقها ، وارتشفت بضعة قطرات من مياه الصنبور المنهمرة ، ثم أغلقته.
, أخذت نفساً مطولاً حبسته في صدرها ، وأغمضت عينيها لثوانٍ ، ثم فتحتهما مجدداً ، وزفرته دفعة واحدة.
,
, تحركت ببطء ناحية باب المرحاض ، ومدت يدها لتمسك بالمقبض وتفتحه.
, أدارته بهدوء لكن تجمدت قبضتها عليه بفزع حينما سمعت صوته قريباً منها وهو يحدث أحد ما قائلاً بغلظة :
, -مالهاش أثر ، فص ملح وداب
,
, سأله السائق المصاحب له :
, -طب يا ريس ، هاتعمل ايه ؟
,
, رد عليه بجمود :
, -مش عارف ، بس أنا محتار ، هاتكون اختفت فين ؟
,
, تسارعت دقات قلبها حتى كادت تصم أذنيها من حدتها ، وجاهدت ألا تصدر صوتاً حتى لا ينتبه أحدهما لوجودها.
, وضعت يدها على فمها لتكتم صوتها ، وتابعت ما يدور بينهما من حديث بحذر شديد.
,
, أردف السائق قائلاً بجدية :
, -جايز تكون دخلت هناك !
,
, تساءل منذر بعدم اقتناع :
, -ايه اللي هيوديها المشحمة ؟
,
, رد عليه السائق بنبرة شبه متأكدة :
, -جايز تكون بنت حد من اللي شغالين فيها ، أو تبع حد فيهم
,
, رد عليه منذر بإقتضاب :
, -احتمال !
,
, ســـاد صمت مؤقت بينهما لثانية قبل أن يهتف منذر بجدية شديدة :
, -تعالى ناخد بصــة هناك ونتأكد !
, -اللي تشوفه يا ريسنا
, -ماهو البت دي لازم تعرف إن الحركات الـ ٦ نقطة ماينفعش تتعمل معايا أنا بالذات
,
, أغمضت أسيف عينيها بقوة وهي تكاد تموت هلعاً في مكانها ..
, انتظرت لبرهة قبل أن تفتح الباب ببطء شديد.
, تنفست الصعداء لرحيلهما بعد أن اختلست النظرات نحو الخــــارج.
,
, ركضت عائدة إلى سيارة الأجرة ، فعاتبتها والدتها لتأخيرها قائلة باستغراب :
, -كل ده يا أسيف ؟
,
, تلفتت هي حولها بتوتر شديد لتتأكد من عدم وجوده حولها مرددة بنبرة مرتبكة :
, -مــ.. معلش ، كنت تعبانة شوية !
,
, أشارت لها بكفها قائلة بصوت مرهق :
, -طب اركبي
, -حـ.. حاضر
, قالتها أسيف وهي تهز رأسها بخوف واضح ، ثم ركبت سريعاً في المقعد الخلفي.
, كان السائق قد انتهى تقريباً من إصلاح عطل سيارته ، فزفر بصوت مسموع هاتفاً :
, -أخيراً ، اليوم كان باين من أوله
,
, أغلق الغطاء الأمامي ، ثم صـــاح بنبرة عالية مبرراً سبب تأخيره:
, -لامؤاخذة عطلتكم معاياً ، بس هاعمل ايه أديكو شايفين العربية واللي جرى
,
, ردت عليه حنان بإبتسامة ودودة :
, -اتوكل على **** يا بني ، حصل خير !
,
, وبالفعل استقل السائق سيارته ، وبدأ في إدارة محركها ليتحرك بها نحو وجهته متعمداً الإبطاء من سرعتها كي يتأكد من كفاءة عمل المحرك .
, استعادت أسيف هدوئها وبدأت تتنفس بإنتظام حينما شعرت بحركة السيارة.
, كورت أصابع كفها بحركة متوترة ، ثم مالت بجسدها للجانب نحو نافذتها.
, حانت منها التفاتة سريعة للخلف وهي تطل برأسها منها لتتأكد من ابتعادهم عن ذلك الغاضب المتذمر.
,
, في نفس التوقيت ، كان منذر واقفاً على مقربة من منطقة غسل السيارات ، راقب للحظات حديث السائق مع أحد العاملين بها.
, ضجر هو من وجوده بالمكان ، ومن ذلك الوقت الذي ضاع هباءاً بلا أي جدوى .
, أخرج هاتفه من جيبه ليعرف التوقيت فزفر منزعجاً لتأخره عن وقته المحدد بكثير.
, أعاد وضع هاتفه في جيبه ، ونفخ بغيظ مردداً من بين أسنانه :
, -اتعطلت على الفاضي !
,
, التفت برأسه للخلف عفوياً للجانب ليحدق في السيارات السائرة ، فوقعت عيناه الثاقبتين مصادفة على سيارة الأجرة التي مرت على مسافة قريبة منه.
, بالطبع كانت السيارة مميزة لكونها تحمل مقعداً متحركاً على سقفيتها.
, علقت أنظاره بالنافذة الخلفية حينما لمح فتاة ما تجلس بالخلف.
, أمعن النظر أكثر فيها ، فارتفع حاجباه للأعلى في صدمة واضحة.
, تمكن منذر من رؤيتها كمرأى العيان وهي تمرق بجواره ناظرةً إليه من نافذتها.
, ارتسمت علامات الإندهاش الممزوجة بالتجهم على محياه.
,
, تجمدت أنظار أسيف عليه ، وانفرجت شفتاها بذهول مخيف. لقد رأها بالفعل ، وتأكد منها.
, بدت كمن أصيب بالشلل المؤقت فعجزت عن التحرك أو الابتعاد.
, تركت له الفرصة للتدقيق في ملامح وجهها أكثر، وبالطبع لم تخلو نظراته نحوها من الشراسة والغضب.
, شعر منذر بالحماقة والغباء الشديدين ، فقد تمكنت تلك الطائشة من خداعه لوهلة ليبدو كالأبله أمام نفسه وأمام الأخرين وهو يبحث عنها بلا جدوى.
, وها هي الآن تمر من جواره دون أن يتمكن من الوصول إليها.
, سيطر عليه احساس بالفشل وخيبة الأمل.
, قبض كف يده بعصبية شديدة ، وبرزت عروقه الغاضبة من عنقه.
,
, زادت سرعة السيارة واختفى شبحه المرعب من أمامها لكن بقيت نظراته المحتدة عالقة في ذاكرتها.
, تراجعت بجسدها للداخل ، وانكمشت على نفسها أكثر.
, اضطربت أنفاسها ، وزادت دقات قلبها من خوفها.
,
, راقبها السائق من مرآته الأمامية وسألها مستفهماً بفضول بعد أن لاحظ تبدل حالتها :
, -في حاجة يا آنسة ؟
,
, التفتت حنان برأسها للخلف لتنظر إلى ابنتها بقلق بعد سؤاله الغريب هذا ، وسألتها هي الأخرى بتوجس :
, -مالك يا أسيف ؟ في حاجة فيكي ؟
,
, وزعت أنظارها الزائغة بينهما ، وأجابت بصوت خافت وشبه متحشرج :
, -مـ٣ نقطة مغص تاعبني شوية
,
, -أكيد من أكل الشارع !
, قالتها والدتها بحسن نية ظناً منها أن ابنتها ربما أصيبت بتلبك معوي بسبب تناولها الطعام الفاسد.
,
, أضـــاف السائق بجمود :
, -ألف سلامة ، لو قابلنا صيدلية في طريقنا ممكن أقف وتنزلي تجيبي دوا منها
,
, ابتلعت أسيف ريقها وهي تجيبه ممتنة :
, -متشكرة ، شويو وهايروح
,
, عاتبتها والدتها قائلة بضجر :
, -قولتلك من الأول ماتكليش من برا ، محدش عارف الأكل بيعملوه إزاي وبيحطوا فيه إيه
,
, هزت رأسها بإيماءات خفيفة ومتتالية وهي تضيف بحذر :
, -هابقى أخد بالي بعد كده يا ماما
,
, تابع السائق قيادته للسيارة حيث العنوان المطلوب ، بينما ظل بال أسيف مشغولاً بشبح ذلك المخيف الذي أضيف إلى قائمة أسوأ كوابيس يقظتها.
, ٣٦ نقطة
,
, أسندت عواطف صينية المشروبات الباردة وأطباق الحلوى على المائدة التي تتوسط غرفة الصالون هاتفة بنبرة مرحبة لضيفتها السيدة جليلة وابنتها الصغرى أروى :
, -شرفتونا ! البيت نور بوجودكم فيه
,
, ردت عليها جليلة مجاملة :
, -منور بأصحابه يا عواطف
,
, تابعت عواطف قائلة بنبرة ودودة وقد اتسعت ابتسامتها المشرقة :
, -اتفضلوا ، دي حاجة بسيطة ، صحيح مش من مقامك بس آآ٤ نقطة
,
, قاطعتها جليلة مرددة بتهذيب :
, -متقوليش كده ، دايماً عامر يا رب !
,
, ابتسمت عواطف أكثر وهي تقول :
, -بحسكم يا غالية !
,
, ولجت نيرمين إلى داخل الغرفة لترحب بالضيفة التي تعد في مثابة خالتها.
, هتفت قائلة بحماسة :
, -سلامو عليكم ، ازيك يا خالتي
,
, نهضت جليلة من مقعدها لترحب بها قائلة :
, -وعليكم السلام ، ازيك يا نيرمين ، عاملة ايه يا حبيبتي
,
, احتضنتها بذراعيها ، ثم قبلتها من وجنتيها عدة مرات مرددة :
, -الحمد**** !
,
, سألتها جليلة بإهتمام وهي تعاود الجلوس على الأريكة :
, -اخبارك ايه وازي جوزك ؟
,
, اكفهرت ملامح وجه نيرمين ، وحل العبوس عليها وهي تجيبها متجهمة :
, -متشوفيش وحش يا خالتي ، إحنا اتطلقنا وخلاص معدتش في راجعة بينا !
,
, اتسع ثغر جليلة بشهقة عالية ، وردت بصدمة واضحة وهي محدقة بها:
, -يا ساتر يا رب ، اتطلقتوا تاني ؟!
,
, صححت لها نيرمين عبارتها قائلة بنبرة مزدرية :
, -قولي تالت !
,
, هزت جليلة فمها للجانبين مستنكرة حدوث الانفصال بينهما ، ثم تساءلت بفضول :
, -طب ليه يا نيرمين ؟
,
, أجابتها بتنهيدة منزعجة وهي تشير بعينيها نحو الصغيرة الجالسة وسطهن :
, -موال كبير هابقى أحيكهولك بعدين يا خالتي !
,
, تفهمت جليلة رغبتها في عدم الحديث خاصة أن أروى تصغي إلى حوارهن بإنتباه كبير.
, هزت رأسها إيجاباً وهي تردد مواسية :
, -**** يعوض صبرك خير !
,
, أضافت نيرمين قائلة بسخط وقد انعقد ما بين حاجبيها ليزيد من حالة الوجوم المسيطرة عليها:
, -الحمد**** على كل حال ، هو مايتبكيش عليه الصراحة !
,
, اختنقت نبرتها قليلاً ، وحاولت أن تحافظ على جمودها أمام ضيفتها.
, أرادت جليلة أن تلطف الأجواء قليلاً ، فهتفت بنبرة متفائلة وهي تشير بيدها :
, -مافيش واحدة بتقعد ، بكرة **** يرزقك بالأحسن
,
, ابتسمت نيرمين لها قائلة بتصنع :
, -**** موجود ، أخد حقوقي بس وبعد كده أشوف هاعمل ايه !
,
, هتفت أروى قائلة بتهذيب وهي تبتسم لنيرمين :
, -ينفع ألعب مع النونة يا أبلة ؟
,
, مسحت نيرمين على رأسها برفق مجيبة إياها بلطف :
, -اه يا حبيبتي ، خشي الأوضة شوفيها ، لو صحت العبي معاها !
,
, هبت أروى واقفة في مكانها مرددة بحماس :
, -حاضر !
,
, ثم ركضت إلى خارج الغرفة وهي تقفز بسعادة ..
, صاحت عواطف قائلة بإعجاب وهي تتابعها بأنظارها :
, -ماشاء **** أروى كبرت وبقت عروسة أهي
,
, ردت عليها جليلة بتبرم :
, -اه ، بس مدوخاني في مذاكرتها !
,
, هزت عواطف رأسها بتفهم وهي تقول :
, -كل العيال كده !
,
, تحركت جليلة على الأريكة قليلاً لتدنو منها ، ومالت بجسدها نحوها ، ثم هتفت بغموض وهي مسلطة بصرها عليها :
, -ماهو ده الموضوع اللي جيالك فيه
,
, توجست عواطف من اقترابها المثير للريبة ، وسألتها بقلق ظاهر :
, -خير يا ست جليلة ؟
,
, أشارت جليلة بيدها في الهواء وهي تجيبها بهدوء
, -بصي يا ستي أنا ابني دياب عاوز مدرسة تكون شاطرة وبتفهم تدي الواد ابنه يحيى !
,
, لم تفهم عواطف مقصدها بوضوح ، بدت نوعاً ما مشتتة التفكير ، فسألتها مستفسرة :
, -أها ، بس ده ايه علاقته بينا ؟
,
, تابعت جليلة قائلة بإبتسامة متحمسة :
, -ما أنا جيالك في الكلام أهوو
, -طيب
,
, ارتشفت جليلة القليل من المشروب ، ثم استأنفت حديثها قائلة بجدية :
, -احنا كلنا عارفين إن بسمة شغالة مُدرسة في أبصر مدرسة كده ، فبصراحة ملاقتش أحسن منها تديه الدرس وتذاكرله !
,
, نظرت عواطف إلى ابنتها نيرمين مندهشة. فلم يسبق لعائلة حرب أن تطلب منها شيئاً كهذا خاصة وأنهم يعلمون أن بسمة معلمة منذ فترة.
, بدت نيرمين متحمسة للفكرة ، ولما لا ، فالعائد المادي هنا سيكون مجزياً ومختلفاً تماماً عن الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تدرس لهم أختها الصغرى.
,
, أضافت جليلة قائلة بمكر وهي تغمز بعينها :
, -وبالمرة تدي أروى معاه ، الحاج طه كان عاوز يديها درس ، واطمني هنحاسبها كويس ، احنا كرما !
,
, ردت عليها عواطف بنبرة مجاملة :
, -يدوم العز يا رب ، دي تديهم ببلاش ، من فضلت خيركم علينا !
,
, ابتسمت لها جليلة بلطف وهي تقول :
, -**** يكرمك !
,
, ثم تلاشت ابتسامتها نوعاً ما وهي تسألها بجدية :
, -ها المهم ايه رأيك انتي ؟
,
, ارتبكت عواطف قليلاً ، فهي لا تعرف رد ابنتها عن تلك المسألة المفاجئة.
, لا تنكر أنها خشيت أن تعتبر الموضوع متعلقاً بكرامتها إن أعطتها وعداً لا تستطيع الإفاء به ، وهي متوجسة خيفة من ردة فعل عائلة حرب إن أخلف أحدهم اتفاقهم المبرم معهم.
, لذلك حاولت أن تبدو دبلوماسية في ردها عليها ، وأجابتها بحذر :
, -مش عارفة الصراحة أقولك ايه ، الحكاية دي تخص بسمة وهي اللي تقول رأيها لأن انتي عارفة هي مشغولة يا حبة عيني لأخر اليوم !
,
, ردت عليها جليلة بصوت ثابت :
, -خليها تشوف مواعيدها كده ، وأهوو البيت قريب من البيت ، لا في مشاوير ، ولا بهدلة في المواصلات !
,
, ثم تعمدت أن تشير إلى الناحية المادية مجدداً حتى تتمكن من إغرائها بالموافقة ، فأكدت قائلة بجدية وهي تنتصب في جلستها:
, -وزي ما قولتلك دياب ابني والحاج طه هيراضوها كويس !
,
, لاحظت عواطف تحول اسلوبها للجدية والصرامة ، فهتفت بنزق :
, -انتي تؤمرينا ، أنا هاكلمها وأخليها تشوف نفسها وتفضيلهم ميعاد مخصوص ، هي هاتيجي لأعز منكم !
,
, ابتسمت جليلة لنفسها بغرور بعد أن وصلت لمبتغاها دون عناء ، وهزت رأسها هاتفة بثقة :
, -تسلمي يا حبيبتي ، ده العشم بردك !
,
, انتبه ثلاثتهن إلى صوت دق عنيف على باب المنزل ، فاستداروا برؤوسهن نحو باب الغرفة.
, تساءلت عواطف بإمتعاض وهي تنهض من مكانها :
, -ياختي مين اللي بيخبط على الباب كده ؟
,
, هزت نيرمين كتفيها نافية وهي تجيبها :
, -مش عارفة ٣ علامة التعجب
,
, أشـــارت لها أمها بيدها لتسبقها في سيرها قائلة بنبرة آمرة :
, -روحي يا نيرمين افتحي !
,
, ردت عليها بإقتضاب :
, -حاضر
,
, أسرعت نيرمين في خطواتها متجهة نحو باب المنزل لتفتحه.
, عبست بوجهها حينما رأت شرطياً يقف على عتبته.
, سألته بتوجس وهي تتفرس فيه وفيما يحمله من أوراق في يده :
, -ايوه !
,
, حدق فيها الشرطي بنظرات دقيقة متساءلاً بجمود :
, -ده بيت نيرمين سيد ؟
,
, خفق قلبها نوعاً ما من سؤاله المباغت ، وردت عليه بتلهف :
, -اه هو ، خير يا شاويش ؟
,
, رفع ورقة ما أمام وجهها مجيباً إياها بجفاء :
, -ده إخطار من القسم
,
, مجرد ترديد كلمة ( مخفر الشرطة ) في جملة ما تثير خوف واضطراب أي شخص .
, لذا لطمت نيرمين على صدرها مصدومة وهي تشهق متساءلة بفزع :
, -قسم ، يا نصيبتي ، ليه ؟
,
, أجابها بنبرة رسمية :
, -البيه المأمور عاوزك تستلمي عفشك !
,
, ارتفع حاجباها للأعلى بذهول أغرب ، وهتفت غير مصدقة ما سمعته :
, -عفشي
,
, أوضح الشرطي باقي عبارته قائلاً بعدم مبالاة :
, -طليقك سلمه عند القسم وباعتلك تاخديه ، امضي على الاخطار ده يا ست
,
, كزت نيرمين على أسنانها قائلة بغل وبصوت خفيض لاعنة زوجها السابق :
, -ابن الـ ٧ نقطة !!
,
, وقفت والدتها إلى جوارها ، وسألتها بخوف وهي محدقة في الشرطي :
, -في ايه يا نيرمين ؟
,
, أجابتها الأخيرة بتجهم كبير :
, -المنحوس الفقري شايفة عامل ايه فيا ؟
,
, زادت دقات أمها بقلق أكبر ، واضطربت أنفاسها نوعاً ما.
, وضعت هي يدها عى ذراع ابنتها ، وضغطت عليه قليلاً متساءلة بتلهف وهي تدقق النظر في وجهها :
, -ماله ؟
,
, أجابتها بنبرة محتقنة للغاية :
, -باعتلي عفشي على القسم
,
, شهقت أمها مصدومة وهي تلطم على صدرها بقوة :
, -يالهوي
,
, صاحت نيرمين بنبرة مغتاظة وهي تلج لداخل صالة منزلها :
, -منه لله ، حسبي **** ونعم الوكيل فيه ، أنا هالبس العباية وأروح أشوف النصيبة دي !
,
, ردت عليها عواطف بإصرار :
, -استني أنا جاية معاكي ، مش هاتروحي لوحدك
,
, تابعت جليلة ما يحدث من موقف محرج في الخلفية ، واستشعرت عدم ملائمة الظروف لبقائها أكثر من هذا في المنزل ، وأنه من الأفضل إنهاء تلك الزيارة الودية على الفور ، لذلك هتفت بهدوء نسبي :
, -طب يا عواطف هاسيبكم تشوفوا حالكم وهانتكلم تاني !
,
, شعرت عواطف بالخجل الشديد من تعرض ابنتها لهذا الموقف المشين أمامها ، فأخفضت نظراتها حرجاً وهي تردد :
, -اعذريني يا ست جليلة ، أديكي شايفة الحال عامل ازاي
,
, ربتت جليلة على كتفها متفهمة موقفها ، وأردفت قائلة :
, -عذراكي يا حبيبتي ، **** يكون في العون !
,
, ثم التفتت برأسها للخلف ، وهتفت بنبرة مرتفعة :
, -بت يا أروى يالا عشان ماشيين
,
, ركضت الصغيرة نحو الصالة ، وعبست بوجهها وهي تحدق في والدتها بضيق.
, وضعت هي يديها على منتصف خصرها ، وركلت الأرضية بقدمها قائلة بتذمر :
, -ملحقتش يا ماما ألعب مع النونة !
,
, أمسكت بها جليلة من ذراعها قائلة بحدة :
, -مرة تانية ، يالا ، سلامو عليكم !
,
, أوصلتها عواطف لخــارج منزلها مرددة بإضطراب :
, -وعليكم السلام !
,
, أغلقت الباب بهدوء ، وتمتمت بحسرة مع نفسها :
, -يادي الجرس والفضايح اللي مالهاش ميعاد !
,
, خرجت نيرمين من الغرفة وهي تلف حجابها حول رأسها ، وتلقي برضيعتها الغافية على كتفها مرددة بحدة :
, -البسي بسرعة يا ماما خليني أشوف ابن الـ٤ نقطة عمل ايه في عفشي !
,
, أجابتها أمها بصوت شبه لاهث وهي تركض ناحية غرفتها لتبدل ثيابها المنزلية :
, -على طول أهوو .. !
, ٤٠ نقطة
,
, ارتعشت يدها بشدة وهي تنظر مرة أخـــرى في جهاز كشف الحمل المنزلي لتتأكد من النتيجة التي برزت بوضوح عليه.
, هتفت مستنكرة حدوثه رغم الإجراءات الوقائية التي تتبعها في علاقتها مع زوجها وغير مصدقة ما تراه وهي تزيح خصلات شعرها للخلف :
, -ده شرطتين ، طب إزاي ٥ علامة التعجب
,
, رفعت وجهها لتنظر في المرآة بشرود محاولة استيعاب تلك الكارثة التي حلت بها ، فلا أحد يعلم بزواجها السري من مــــازن إلا والدتها شادية فقط.
,
, تجمدت أنظارها على إنعكاس صورتها الباردة لبرهة.
, ابتلعت ولاء ريقها بخوف شديد ، وغمغمت من بين شفتيها بهلع :
, -ده أنا كده وقعت في مصيبة لو الحمل ده اتعرف !!
,
, ضغطت على شفتيها بتوتر شديد ، ثم هتفت بنبرة عازمة :
, -وأنا مش هاشيل البلوى دي لوحدي ، لازم مازن يتصرف معايا
,
, قبضت على الجهاز الصغير بكفها ، وجمعت بقايا العلبة الكرتونية وألقت بها في سلة المهملات. ثم خرجت من المرحاض باحثة عن هاتفها المحمول.
,
, بدت متعصبة للغاية وهي تذرع الغرفة ذهاباً وإياباً منتظرة إجابة مازن على اتصالها العاجل به.
,
, وقبل أن ينقطع الخط سمعت صوته يقول بنبرة شبه ناعسة :
, -خير !
,
, صاحت فيه بصوت متعصب :
, -مش خير خالص ، أنا عاوزاك تجيلي دلوقتي يا مازن !
,
, سألها بفتور :
, -ليه ؟
,
, صرخت فيه بتشنج وقد استشاطت نظراتها :
, -انت لسه هاتسأل في مصيبة هاتحصل لو مجاتش !
,
, رد عليها بصوت متحشرج غير مهتم :
, -طيب .. اديني ساعة كده أفوق وألبس واجي عندك !
,
, هتفت فيه بنفاذ صبر وبصوت مرتفع :
, -بسرعة يا مازن ! أنا مستنياك !!
,
, ألقت بعدها بالهاتف على الفراش وهي تنفخ بغضب شرس ، ثم غرزت أصابع يديها في فروة رأسها المشتعلة من كثرة التفكير محاولة السيطرة على انفعالاتها الزائدة لكي تفكر بوضوح في حل لتلك الكارثة الغير متوقعة ٧ نقطة٤ علامة التعجب
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
١٠
أرجعت أسيف ظهرها للخلف ، وانكمشت في مقعد السيارة وهي ترتجف رغم ابتعادها عن محطة الوقــــود بمسافة كبيرة.
, لكن لا يزال شبح ذلك الغريب الغاضب يطاردها في خيالها.
,
, ودت لو لم تطل من النافذة فتراه صدفة وتعطيه الفرصة لرؤية وجهها بوضوح رغم اختباء معظمه خلف غطاء رأسها ، لكنها شعرت بأنها مكشوفة كلياً تحت أنظاره.
, ابتلعت ريقها محاولة بل حلقها الجاف.
, تنفست بعمق ، ثم أعادت ضبط **** رأسها الذي بدا متهدلاً عليها بيدٍ مرتعشة .
, حمدت **** في نفسها أن والدتها لا تجلس إلى جوارها وإلا كانت شكت في تصرفاتها المريبة. وهي لن تستطع إخفاء ذعرها الغير مبرر.
, أجبرت نفسها على عدم التفكير فيه مرة أخرى ، هي حادثة عرضية شاءت الأقدار أن تمر بها.
, طمأنت نفسها أنها لن تلتقي به مجدداً ، وسيتحول مع الوقت لمجرد وهم ستتناساه بفعل الزمن ومشاغل الحياة ..
, ٣٦ نقطة
,
, شهقت نيرمين مصدومــــة حينما وقفت أمام المخفر الشرطي التابع للحي القاطنة به ورأت أثاثها مُلقى بجواره فوق بعضه البعض بطريقة بدت أكثر على كونها كومة من الـ ( روبابيكيا ) كما هو دارج بالمصطلح العامي.
,
, لطمت على صدرها عدة مرات وهي تسب وتسخط في طليقها الذي أفسد أشيائها الثمينة وجعلها لا تساوي ربع قيمتها الفعلية.
,
, صرخت رضيعتها ببكاء مرتفع ، فلم تفعل لها أي شيء ، وظلت تهتف بعويل صـــارخ :
, -يا نصيبتي ، الراجل الناقص الدون رمالي حاجة في الشارع ، و**** ما سيباه !
,
, أخرجت خصلة من شعرها عنوة ، ورفعتها في الهواء لتكمل تهديدها المتوعد :
, -وحياة مقاصيصي دول لأدفعه تمن كل حاجة الطاق عشرة !
,
, تجمع المارة حولها ، وتفقدوا بفضول ما يحدث هناك ..
,
, تحسرت عواطف هي الأخرى على مُصاب ابنتها الجلل ، وتمتمت بخزي :
, -مكانش يومك يا بنتي ، تتبهدلي وعفشك نلمه من على الأرصفة قصاد الأقسام !
,
, رفعت بصرها للسماء وتابعت بصوت مختنق وقد أدمعت عيناها بشدة :
, -حسبي **** ونعم الوكيل فيك ، منك لله يا شيخ ، حسبي **** ونعم الوكيل !
,
, خرج أحد ضباط الشرطة من داخل المخفر على إثر الصوت المرتفع صائحاً بغلظة :
, -في ايه اللي بيحصل هنا
,
, ردت عليه عواطف بصوت شبه باكي وهي توضح له السبب :
, -بنتي مرمي عفشها قصادكم أهوو وآآ٣ نقطة
,
, نظر لها شزراً متأملاً هيئتها الشعبية ، وقاطعها قائلاً بإستخفاف :
, -هو انتو بتوع العفش بقى ؟
,
, أجابته عواطف بصوت حزين وهي تمسح عبراتها :
, -ايوه
,
, أشــار لها بإصبعيه لتتبعه قائلاً بنبرة غير مبالية :
, -طب تعالوا جوا عشان توقعوا على الاستلام وشوفولكم عربية تجي تشيله ، مش هايفضل متكوم هنا قصادنا !
,
, ردت عليه بصوت مختنق للغاية :
, -حـ.. حاضر يا بيه !
,
, تحرك الضابط نحو الداخل ، بينما ظلت عواطف باقية في مكانها تهز رأسها مستنكرة ما آلت إليه الأمور.
, ثم تمتمت مع نفسها بصوت متآلم :
, -**** على الظالم والمفتري !
,
, توعدت نيرمين لطليقها قائلة بنبرة منفعلة :
, -وربنا ما سيباه ، هدفعه التمن غالي وهابهدله في المحاكم !
, ٣٣ نقطة
,
, توقف سائق سيارة الأجرة أمام أحد الفنادق الزهيدة في سعرها ، والذي يقع على مقربة من المنطقة الشعبية التي تسكن بها عمتها ، فترجلت منها أسيف أولاً .
, جابت بأنظارها المكان بنظرة عامة شمولية محاولة اكتشاف معالم تلك المنطقة المزدحمة .
, ترجل السائق هو الأخر من السيارة قائلاً بجمود :
, -حمدلله على السلامة ، ده أقرب فندق للحتة اللي انتو عاوزينها
,
, ردت عليه حنان بصوت هاديء :
, -كتر خيرك
,
, رفع ذراعيه للأعلى ليحل وثاق الرباط الممسك بالمقعد المتحرك ، ومدت أسيف يديها للأعلى محاولة سحبه معه.
, هتف هو قائلاً بضيق :
, -سبيه يا آنسة ، أنا هاجيبه لوحدي
,
, شعرت بالحرج منه ، وابتسمت بود مرددة :
, -طيب !
,
, أنزل السائق المقعد المتحرك ، ووضعه أمام الباب الأمامي لسيارته ، وتعاونت أسيف معه في وضع والدتها عليه.
, شكرتهما حنان ممتنة ، وتحركت به نحو ردهة الفندق.
, أخرج السائق الحقائب من صندوق سيارته وناولها لأسيف التي أعطته أجرته كاملة ، وتوجهت خلف أمها لتلحق بها.
,
, كان الفندق بسيطاً للغاية لكنه ذو مظهر منمق ومرتب، و يفي بالغرض. مدخله تم تزيينه بالأرضيات الحديثة اللامعة ، ووضع مكتباً فخماً على الجانب ، وكذلك مزهريات فخارية كبيرة بجوار بوابته الزجاجية.
,
, رحبت موظفة الاستقبال بضيفتهما قائلة :
, -أهلاً وسهلاً بيكم في فندق الباشا !
,
, ابتسمت لها أسيف ، وتساءلت بخجل وهي تعدل من وضعية **** رأسها بتوتر :
, -لو .. لو سمحتي ممكن نحجز أوضة هنا لينا احنا الاتنين
,
, ردت عليها الموظفة بهدوء :
, -أكيد ! البطايق بعد اذنكم
,
, تساءلت حنان بإهتمام وهي تشرأب بعنقها للأعلى :
, -هو ممكن أعرف سعر الليلة كام ؟
,
, ابتسمت لها الموظفة بتصنع ، وأخرجت ورقــة صغيرة مغلفة بغطاء بلاستيكي مدون عليها أسعار الغرف ، ومدت يدها بها نحوها قائلة :
, -اتفضلي دي قايمة بالأسعار للغرف الفردية والمزدوجة شاملة الوجبات وبدونها !
,
, رفعت حنان يدها للأعلى لتمسك بالورقة ، وشكرتها قائلة بهدوء :
, -شكراً ، هانشوفها وهانقولك عاوزين ايه !
,
, ردت عليها الموظفة قائلة بنبرة عملية :
, -خدوا راحتكم
,
, ثم عاودت الموظفة لمطالعة باقي الأوراق الموجودة أمامها.
, تراجعت حنان للخلف بمقعدها بعد أن أسندت الورقة على حجرها.
, اتخذت الاثنتان زاوية بعيدة نسبياً للمناقشة حول ما يتناسب مع مقدرتهما المادية الحالية ..
, ظلت حنان صامتة لبرهة تراجع الخيارات المتاحة أمامها بتأني.
, نظرت أسيف معها إلى الأسعار ، وتساءلت بصوت خافت :
, -ايه رأيك يا ماما ؟
,
, ردت عليها أمها بنبرة عقلانية :
, -مافيش داعي نطلب أكل ، خلينا نقتصد في الفلوس شوية !
,
, هزت أسيف برأسها متفهمة :
, -طيب
,
, تابعت والدتها قائلة بهدوء :
, -واحجزي لمدة اسبوع ، وبعدها نشوف
,
, ضغطت أسيف على شفتيها قائلة بإيجاز :
, -ماشي
,
, ثم تناولت الورقة مجدداً من أمها ، وتوجهت نحو الموظفة لتقول لها بلطافة :
, -خلاص احنا اتفقنا !
,
, بادلتها الموظفة ابتسامة منمقة وهي ترد :
, -تمام يا فندم ، هستأذنك تملوا البيانات دي !
,
, أومـــأت أسيف برأسها مرددة :
, -ماشي
, ٤٠ نقطة
,
, أفرغ العاملون معظم ما حملته الشاحنات بداخل المستودع المملوك لعائلة حــــرب ..
, ظل منذر يتابعهم بنظرات ثابتة مراقبة لكل شيء.
, ورغم الضيق البادي على ملامح وجهه منذ ذلك الموقف إلا أنه جاهد لتجاهله كي لا يؤثر على عمله.
, لكنه انتبه لحديث السائق المرافق له وهو يسرد للبقية الواقفين إلى جواره بسجية تامة ما فعلته تلك الشابة الحمقاء مضيفاً بإستنكار :
, -ولاد الإيه ليهم أساليبهم والواحد زي المغفل بيشرب الليلة وبيبقى على عماه
,
, سأله سائق أخر بفضول :
, -مش فاهمك
,
, أوضح السائق الأول مقصده بعد أن إرتشف مقدراً كبيراً من كوب الشاي الخمسيني الساخن الذي يمسك به :
, -البت زي الجنية طلعت قصادنا وكنا هنلبس لولا ستر **** والريس منذر !
,
, هتف سائق ثالث صائحاً بتهكم :
, -انت هاتقولي على الأشكال دي ، دول أغنى مننا كلنا !
,
, بينما أضاف رابع بجدية :
, -أنا قريت مرة إنهم طبوا على خرابة لاقوا فيها شحات مخبي نص مليون جنية
,
, شهق السائق الأول مصدوماً :
, -يا دين النبي ، كل الفلوس دي !
,
, رد عليه الأخر قائلاً بإزدراء :
, -وأكتر من كده وحياتك !
,
, تقوس فم السائق الأول للجانب مردداً بسخط كبير :
, -واكلينها والعة !
,
, تلون وجه منذر بحمرة محتقنة أثناء متابعته لذلك الحديث الدائر بين سائقيه ، واحتدت نظراته وباتت مظلمة مما سمعه .
, استعاد سريعاً في ذاكرته ذلك المشهد الذي رأى فيه سيارة الأجرة ، والمقعد المتحرك المربوط على سقفها وتلك السيدة الكبيرة الجالسة في المقعد الأمامي بها ٣ نقطة
, قبض يده بعنف ، وبدا كمن ينفث دخاناً من أنفه وأذنيه من شدة الغضب.
, ما أغاظه حقاً هو غباءه واعتقاده أنها امرأة عاجزة متواجدة مع ابنها ، وليست متسولة ..
, ولما لا ، فهي تحاول استجداء عطف وشفقة الأخرين من خلال إدعائها للعجز ، وابنتها المتهورة تدفع الناس لإرتكاب الحوادث بإلقائها لنفسها أمام سياراتهم فتنال كلتاهما الأجر مقابل ذلك.
, منظومة محكمة تديرها عصابة ما لسرقة الأشخاص تحت قناع العوز والفقر.
, أي عمل مشين هذا الذي يتضمن الكذب والخداع للحصول على الأموال.
,
, لم يتحمل سماع المزيد فصاح بصوت جهوري آجش :
, -هنقضيها رغي طول الوقت ، الكل على شغله
,
, رد عليه السائق بتوجس بعد أن رأى نذير الغضب واضحاً على محياه :
, -تمام يا ريسنا !
,
, وانصرف بعدها البقية لمزاولة أعمالهم.
, ضرب منذر بقبضته الحائط بعنف ، وأخـــرج زفيراً مغلولاً من صدره وهو يتجه لداخل مستودعه.
, ٣٨ نقطة
,
, هب مــــــازن واقفاً من مكانه حينما أبلغته ولاء بمســألة حملها منها.
, نظر لها مصدوماً ، وهتف غير مصدق ما سردته :
, -ازاي ده حصل ؟ انتي مش كنتي عاملة احتياطاتك ؟!
,
, أجابته بعصبية وهي تضغط على رأسها بكف يدها :
, -معرفش !
,
, سألها بجدية وهو ينظر نحوها :
, -طب هتعملي ايه ؟
,
, صرخت فيه بإنفعال كبير ملوحة بذراعيها في الهواء :
, -انت بتسألني ، اتصرف معايا ، أنا مش هاشيل الليلة لوحدي ، إنت جوزي ٣ علامة التعجب
,
, رد عليها بهدوء حذر وقد زاد عبوس وجهه :
, -ما أنا عارف إن أنا جوزك !
,
, زفرت بتشنج وهي تدور حول نفسها في الصالة مرددة بنبرة غاضبة :
, -كنت ناقصة القرف ده ! أوف ٣ علامة التعجب
,
, راقب حركتها بفتور مردداً بصوت رخيم
, -احنا محتاجين نفكر بالعقل قبل ما نعمل أي حاجة
,
, التفتت برأسها نحوه ، ورمقته بنظرات حادة مشتعلة ، ثم صاحت بصوت مرتفع يحمل العصبية :
, -ماشي ، ها .. فكر وقولي يا مازن !
,
, صمت للحظات محاولاً الوصول لحل سريع لتلك المشكلة العويصة. فطرأ بباله فكرة ما ، ربما لن تتقبلها ، لكنها تعد كحل مؤقت للأزمة الراهنة .
, تحرك ليقف قبالتها ، ووضع قبضتيه على ذراعيها ليثبتها في مكانها.
, توقفت هي الدوران ، وتابع قائلاً بجدية :
, -بصي أنا مش عاوزك تتعصبي ، بس ده الحل الأسلم !
,
, عمقت نظراتها الغاضبة فيه متساءلة بنفاذ صبر :
, -ايه هو ؟
,
, تردد للحظة في إخبارها بما فكر فيه ، ولكن حسم أمره قائلاً بإرتباك :
, -آآ.. مافيش قدامنا غير إنك.. آآ.. تنزليه !
,
, انفرجت شفتاها للأسفل بإستغراب عجيب ، ورددت بنبرة مصدومة :
, -نعم ؟ قصدك أعمل إجهاض ؟!
,
, هز رأسه بالإيجاب قائلاً :
, -ايوه !
,
, صرخت فيه بإهتياج وهي تزيح قبضتيه عنها :
, -انت بتستعبط ؟ ده ممكن يكون فيه خطر عليا ، عاوزني أموت ولا ايه ؟!
,
, رد عليها بجمود قليل :
, -هو انتي هاتعمليه من غير تحاليل يعني ، أكيد هانطمن الأول إن مافيش قلق !
,
, صاحت فيه بعصبية :
, -وإن مانفعش ؟ هانعمل ايه ساعتها ؟
,
, رد عليها بجفاء :
, -ساعتها يبقى يحلها الحلال ، لكن إنتي لو مش عاوزة براحتك ، ده راجعلك !
,
, تجمدت تعابير وجهه نوعاً ما ، وبدت نبرته غامضة تحمل التهديد وهو يضيف محذراً :
, -بس يا ريت ساعتها تفكري كويس في ردة فعل أبو يحيى ، حبيب القلب الأولاني دياب ، ماهيصدق يشم خبر زي ده وهايحرمك من ابنك ، وماسورة الخير اللي مغرقاكي هتتقطع !
,
, توترت أعصابها من مجرد التفكير في عواقب معرفة طليقها السابق بمسألة زواجها العرفي والغير معلن ، وهتفت مستنكرة :
, -كله إلا هو ! أنا مش عاوزاه يعرف حاجة !
,
, تابع مازن قائلاً بخبث وهو يوميء بحاجبه الأيمن :
, -وعشان كده لازم نفكر في اللي قدامنا دلوقتي
,
, دنا منها أكثر ، وأحاط وجهها بكفيه ، ثم حدق مباشرة في عينيها ساءلاً إياها بهدوء مريب :
, -ها يا ولاء ، متفقين ؟
,
, ردت عليه بنبرة متوترة وجسدها يرتجف نوعاً ما :
, -طيب !
,
, التوى ثغره بإبتسامة عابثة وهو يرخي يديه عنها ، ثم أحتضنها بذراعيه ، وضمها إلى صدره .
, زادت ابتسامته زهواً وغروراً بسبب تمكنه من السيطرة عليها والتحكم بتفكيرها وفق أهوائه دون أي مجهود يذكر .
,
, أرادت ولاء أن تشعر بالأمان وبوجود من يحتويها أثناء نوبات غضبها ، وزوجها الثاني بارع في هذا ، يعرف مفاتيحها جيداً ، وبسهولة يستطيع أن يمتص إنفعالاتها المتشنجة لتسكن سريعاً في أحضانه.
,
, همس هو لها في أذنها مردداً بنبرة كالسحر :
, -اطمني ! طول ما أنا جمبك ماتشليش هم ، كل حاجة هتتحل !
,
, لا حاجة بها الآن للعصبية ، فمسألة حملها المفاجيء لن تحل بالصراخ والغضب ، ووجوده معها سيساعدها في التخلص من ذلك العبء . لذلك استجابت لصوته واستكانت في أحضانه ٣ نقطة
, ٢٨ نقطة
,
, أنهت بسمة عملها ، وســـارت في طريقها عائدة إلى منزلها وهي تجفف بمنشفة ورقية ذلك العرق المتجمع على جانبي وجهها.
, وكالعادة كان الجزار المغتاظ منها يتربص بها ، ويتصيد لها الفرص لإزعاجها وربما إذلالها ٣ نقطة
, تلك المرة أطلق عليها خرافه الهوجاء لتزعجها في سيرها.
, صرخت مفزوعة حينما رأت قطيع الغنم يتحرك صوبها ركضاً .. فركضت كالخرقاء مبتعدة عنها وصائحة بحدة :
, -و**** لأوريك يا جزار البهايم ، مش هاسيبك تمرمطني في الراحة والجاية !
,
, لم تتمكن من الوصول إلى مدخل بنايتها بسبب وضعه أيضاً لبقرات سمان وعدة عجول ..
, شهقت مصدومة حينما رأتهم أمامها ، وعجزت عن التحرك من مكانها ..
, عبس وجهها بشدة ، ونظرت إليهم بتقزز ، فقد كانوا متسخين للغاية ناهيك عن الرائحة الكريهة و الفوضى والروث المنتشر حولهم.
, التفتت برأسها نحو محله لتنظر لها بشرر متطاير من مقلتيها ..
,
, تعالت ضحكاته الساخرة منها مردداً بإستهزاء وهو يصفق بكفي يده :
, -اوعى تترفس يا حلو ! هــأو ! اللي يقع عندنا مالوش إلا السلخ !
,
, بصقت عليه بإشمئزاز مرددة بصوت عالي :
, -اتفوو على أمثالك ٣ علامة التعجب
,
, ثم استدارت عائدة من حيث أتت وهي تنتوي ألا تمر الأمر مرور الكرام حتى وإن تطلبها الاستعانة برجال الشرطة لتصعد إلى منزلها ٤ نقطة
, ٣٧ نقطة
,
, أوقف دياب سيارته على مقربة من وكالته ، ولاحظ حالة من الهرج سائدة في المنطقة ، وتجمعات بشرية متفرقة على الجانبين وكأنها تتابع شيء ما.
, لم يكترث للأمر في البداية وبحث عن ولاعته وعلبة سجائره ، ثم دسهما في جيبه مع هاتفه المحمول.
, ترجل من سيارته متأملاً المكان بنظرة عامة فاحصة ، ووقف مستنداً إلى جوار بابها لعدة لحظات قبل أن يقرر غلقه والتحرك.
,
, اتجه نحو مدخل وكالته متساءلاً بفضول وهو يشير بكفه للخلف :
, -هو في ايه برا ؟
,
, أجابه أحد العاملين بالمكان بنبرة عادية :
, -ده الجزار جايب كام عجل على كام خروف وسايبهم في الطل جمب محله ، الظاهر عنده موسم دبح !
,
, تجهم وجــه دياب نوعاً ما ، وبدا غير مقتنعاً بإجابته العجيبة مردداً بتأفف :
, -موسم دبح ! غريبة يعني !
,
, جلس هو خلف مكتب والده ، ومسح طرف أنفه بإصبعه متابعاً بصوت آمر :
, -روح اطلبلي قهوة ســادة ، عاوز أظبط دماغي !
,
, رد عليه العامل بحماس وهو مسرع في خطواته :
, -أوامرك يا ريسنا !
,
, جلس دياب بإسترخاء على المقعد مستنداً بوجهه على مرفقه شارداً فيما لديه من أعمال مؤجلة خاصة تلك المتعلقة بالدكان .
, ٣٧ نقطة
,
, استعانت نيرمين بأحد معارفها لكي يؤجر لها شاحنة نقل مغلقة تنقل ما تبقى من كومة أثاثها الملقى أمام المخفر إلى منزل أمها وكذلك بعض الرجال لحمله .
, بكت هي بتحسر على حُطام أشيائها الثمينة ، واحتقنت عيناها المتورمتين أكثر وهي ترى ثياب نومها الجديدة ممزقة ومدهوسة بالأقدام.
, كتمت غيظها ونيرانها المستعرة في صدرها ، فلا داعي للعويل أو الصراخ على ما لا يمكن أن يعود يوماً إلى ما كان عليه.
,
, نظرت لها والدتها بإشفاق ممزوج بالأسف ، فابنتها لم تكن تستحق هذا ، لكن هذه مشيئة المولى.
, أرادت أن تهون عليها قليلاً ، فاحتضنتها من كتفيها لتضمها إلى صدرها الحنون مواسية إياها بنبرة مخزية :
, -معلش يا بنتي ، **** هايعوض عليكي !
,
, هتفت نيرمين من بين أسنانها بصوت مكتوم يحمل المرارة والشعور بالظلم :
, -نار في قلبي يا ماما !
,
, ربتت عواطف على كتفيها بحنو كبير ، فإزداد إحساس نيرمين بالقهر والعجز.
, هتفت فجــأة بنبرة عدائية محاولة التنفيس عما بداخلها من غضب مشتعل :
, -هولع فيه ، هاموته على اللي عمله فيا وفي بنتي !
,
, توجست عواطف خيفة من تهور ابنتها وهي في تلك الحالة العصبية ، فتوسلتها قائلة برجاء :
, -اجمدي عشان بنتك ، ده كلب وراح مايستهلش دمعة منك ولا إنك تضيعي نفسك عشانه !
,
, ردت عليها ابنتها بنبرة محتدة :
, -أنا مش زعلانة عليه ، أنا زعلانة على حالي وندمانة إني ضيعت عمري مع واحد زيه ٦ نقطة مالوش أمان !
,
, شددت أمها من قبضتيها عليها قائلة بهدوء حذر :
, -اصبري يا بنتي ، اصبري ، **** مع المظلوم !
,
, انتحبت نيرمين بصوت خافت لبرهة ، وظلت تتابع في صمت مفجع جمع بقايا أثاثها.
, كفكفت عبراتها بعد ذلك ، وهتفت قائلة بصوت مبحوح :
, -معدلهاش لازمة الوقفة هنا ! بينا يا ماما
,
, وافقتها عواطف الرأي قائلة بنبرة عازمة :
, -ايوه ، وأنا هاخلي الرجالة يطلعوا العفش على السطح لحد ما أظبطله مكان في البيت عندي !
,
, نظرت لها نيرمين بأعين مظلمة ، وهتفت بصوت متشنج :
, -ارميه ! كسريه ! ولعي حتى فيه ، معدتش تفرق معايا !
,
, قاومت عواطف رغبة عارمة بالبكاء مرددة بصوت مختنق للغاية :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ! اصبري واحتسبي !
,
, مسحت على ظهرها برفق ، وسارت معها بخطوات بطيئة - وهما تجرجران أذيال الخيبة والحسرة - نحو إحدى سيارات الأجرة لتعودا إلى المنزل .
, ٣٨ نقطة
,
, لاحقاً ، بعد أن وضبت أسيف أشيائها هي ووالدتها بداخل الخزانة في غرفتهما المتواضعة بالفندق تملكها الفضـــول للخروج والتجول بالمنطقة حولها لكي تستكشفها ، وخاصة أنها تقع على مسافة قريبة من عنوان عمتها .. بالإضافة إلى رغبتها في نسيان تلك التجربة المخيفة التي مرت بها باكراً .
, وقبل أن تشرع في تنفيذ مخططها ، اقتربت من أمها الجالسة بالشرفة ساءلة إياها بنبرة مهذبة :
, -ممكن أنزل أتمشى تحت شوية يا ماما ؟ أنا مش هتأخر !
,
, رفعت حنان رأسها نحوها ، ورمقتها بنظرات جدية وهي ترد على طلبها متساءلة بإستنكار مريب :
, -رايحة فين هنا ؟ هو احنا نعرف حد لسه ؟!
,
, ارتبكت أسيف قليلاً ، وضغطت على شفتيها وهي تجيبها بحذر :
, -أنا بـ.. بس عاوزة أشوف المكان عامل ازاي !
,
, ردت عليها أمها بجدية مبالغة وقد انعقد ما بين حاجبيها بشدة :
, -تشوفيه ؟ ولوحدك في حتة منعرفش فيها حد ولا نعرف عنها حاجة ؟٤ علامة التعجب
,
, ابتلعت ريقها بتوتر أكبر ، وحاولت أن تبرر رغبتها في الخروج قائلة بتلعثم :
, -أنا .. أنا كنت آآ٣ نقطة
,
, باغتتها حنان بسؤال مفاجيء :
, -انتي عاوزة تروحي عند عمتك لوحدك ؟
,
, اصطبغ وجهها بحمرة حرجة ، فلم تتوقع أن تقرأ والدتها أفكارها بسهولة وكأنها كتاب مفتوح ، ولما لا وهي قد ترعرعت في كنفها تعرف أدنى ردات فعلها عن صغائر الأمور .
, بدت أسيف أكثر خجلاً عن ذي قبل ، وتحاشت النظر نحوها ، فأسبلت عيناها للأسفل.
,
, أدركت حنان أن حدسها كان صادقاً من خلال تعابير ابنتها الفاضحة لأمرها ، ورغم هذا لم تحاول الانفعال عليها دون داعي .. هي متأكدة من صدق نواياها وسجيتها الطيبة.
, هي فقط ترغب في رؤية عمتها التي لم تعرف بوجودها من قبل والتودد إليها لعلها تتقبلها ، لكن لن يحدث هذا دون ترتيب مسبق كي لا يتطور الأمر إلى ما لا يحمد عقباه أو تتعرض ابنتها لموقف مخزي يشعرها بالعار والإحتقار .. يكفيها ما مرت به من معاناة في الماضي ليجعلها تتجنب التعامل مع الجانب المضاد من عائلة الراحل زوجها ٤ نقطة
,
, زاد اضطراب أسيف أمامها بعد أن طال صمتها ، وخشيت أن تنزعج والدتها منها أكثر بسبب خطتها الفاشلة ..
, فركت كفيها بتوتر ، وظلت تفكر بروية باحثة عن وسيلة لبدء الحديث من جديد بعد أن هربت الكلمات من على شفتيها .
, راقبتها حنان بنظرات مطولة هادئة مدققة في كل إيماءة بريئة تصدر عنها ، ثم أخذت نفساً عميقاً ، وزفرته على مهل .
, رسمت هي على ثغرها ابتسامة لطيفة ، واستطردت حديثها قائلة :
, -أسيف ، احنا اتفقنا مش هانروح من غير ما نكون جاهزين لده ، فبلاش تستعجلي الأمور ، خلي كل حاجة في وقتها ، اتفقنا ؟
,
, عضت ابنتها على شفتها السفلى قائلة بصوت خافت ومستسلم :
, -حاضر !
,
, زادت ابتسامة والدتها إشراقاً لطاعتها لها ، وهتفت ممتنة :
, -تسلميلي يا بنتي ، دايماً مش مخيبة ظني فيكي !
,
, بادلتها أسيف ابتسامة ودودة ولم تنبس بكلمة أخرى ..
, مالت على أمها ، وقبلتها من أعلى جبينها ، ثم ربتت برفق شديد على كتفها ، وولجت إلى داخل الغرفة وهي محبطة من عدم إقدامها على مغامرة أخرى في حياتها .
, ٣٠ نقطة
,
, توجهت بسمة إلى مخفر الشرطة لتحرر محضراً ضد صاحب محل الجزارة تتهمه فيه بمحاولة التعدي عليها والتربص بها على الدوام من أجل إلحاق الأذى بها ، وبالطبع استعانت بإحدى معارفها من أولياء الأمور ذات الوظيفة المرموقة لتتوسط في تلك المسألة الحساسة ليتم التعامل معها بإهتمام ، وحصل ما تمنته ..
, أخذ الضابط الأمر بجدية بالغة ، وسجل أقوالها في المحضر وأضاف عليه بما راه ملائماً ليبدو متكاملاً ، ثم هتف مردداً بصرامة :
, -اطمني يا آنسة ، حقك محفوظ وهانجيبهولك ، ده انتي من طرف حبايبنا !
,
, التوت شفتيها بإبتسامة راضية وهي تردد :
, -**** يكرمك يا باشا !
,
, تابع قائلاً بجدية وهو يشير بيده :
, -اتفضلي حضرتك ، وفي قوة هتحصلك هتتصرف معاه !
,
, هزت بسمة رأسها بإيماءة خفيفة قائلة بإيجاز :
, -ماشي ، وشكراً ليك
,
, ثم انصرفت بعدها من المخفر وهي في قمة سعادتها لقيامها بتلك الخطوة الجريئة ، وتوقت بتلهف وحماسة كبيرة لنيل غرضها من ذلك الدنيء المتربص دوماً بها ، وها قد حانت اللحظة لتراه ذليلاً أمامها بقوة القــــانون الجبرية ٩ نقطة٣ علامة التعجب
 
١١
ترقبت على أحر من الجمر وصولهم ، فهي كانت تنتظر تلك اللحظة منذ وقت كبير للإحتفال بإنتصارها الثمين عليه وإذلاله مثلما فعل معها.
, ظلت بسمة تطالع الطريق المؤدي لمدخل منطقتها بتلهف كبير ، وفجـــأة ظهر على محياها ابتسامة عريضة وزاد لمعان بريق عينيها بشدة حينما دوت صافرة سيارات الشرطة وهي تلج إلى المنطقة الشعبية.
, راقبتهم عن كثب ، ثم ســارت على مهل وبحذر لتلحق بهم.
, تجمع أغلب المارة على إثر الصوت الصادح ليروا سبب تواجد تلك السيارات هنا ، فوجود أفراد وضباط الشرطة بالمكان يعد خطباً جللاً ..
,
, ترجل الضابط من السيارة صائحاً بصوت جهوري غليظ وصـــارم :
, -شوفولي صاحب البهايم السايبة دي ولموها !
,
, هب صاحب محل الجزارة واقفاً من على مقعده مُلقياً لأرجيلته التي كانت يستنشقها بشراهة على الأرضية وراكضاً بفزع نحو الضابط ليعرف السبب خاصة حينما رأى بصحبته رجلاً يرتدي معطفاً طبياً ، ولجنة من مباحث التموين .
, ردد متساءلاً بنبرة متوترة :
, -خير يا باشا ؟
,
, أجابه الضابط بصوت قاتم يحمل السخط وهو يشير بيده :
, -انت اللي عامل الزريبة دي ؟
,
, اعترض على جملته قائلاً بتوتر رهيب :
, -زريبة ايه بس يا باشا ، دول كام خروف كده لزوم مصلحة لزبون عندي وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعه الضابط قائلاً بغلظة :
, -تبقى صاحبها !
,
, ثم حدجه بنظرات أكثر إزدراءاً ، وتابع بصوت آمر :
, -هاتوه في البوكس !
,
, ارتسمت تعابير الإندهاش الممزوجة بالقلق على قسمات وجهه ، وهتف مستنكراً ما سمعه :
, -**** ! **** ! ليه بس يا باشا ؟ هو أنا عملت حاجة ؟ ده أنا حتى ماشي جمب الحيط وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه الضابط قائلاً بجفاء وهو ينظر له شزراً :
, -انت متقدم فيك بلاغ ، ومتوصي عليك جامد !
,
, فغر الجزار فمه مدهوشاً :
, -ايه بلاغ !
,
, ثم كز على أسنانه متساءلاً بغيظ :
, -ومين اللي اتجرأ وعمل ده فيا ؟ ده ..آآ.. ده أنا حتى في حالي وماليش دعوة بحد وكافي خيري شري ؟٣ علامة التعجب
,
, حدجه الضابط بنظرات مستخفة ، وصاح به بحدة :
, -انت هاتعرفني شغلي ، هاتوه ٣ علامة التعجب
,
, ابتلع الجزار ريقه وحاول الدفاع عن نفسه وتبرير موقفه قائلاً :
, -يا باشا بس أفهم ، مين عمل كده فيا ؟
,
, في تلك اللحظة تحديداً ظهرت بسمة أمامه ، والتوى ثغرها بإبتسامة مغترة وهي ترد عليه بثقة بالغة متعمدة النظر إليه بإحتقار :
, -أنا يا جزار البهايم !
,
, اتسعت مقلتيه مصدوماً من رؤيتها ، فلم يتوقع على الإطلاق أن تحرر ضده محضراً ، بل ويتم التعامل معه فوراً وبغلظة واضحة ..
, صــاح غير مصدق :
, -ايه انتي ؟
,
, وضعت بسمة يدها على منتصف خصرها ، وزادت نظراتها المزدرية نحوه تشفياً ، وردت عليه بغطرسة :
, -ايوه ، ووريني دلوقتي هاتعمل ايه مع الحكومة ! يا بتاع البهايم !
,
, استشاط غضباً من ردها المستفز له ، وتمتم من بين شفتيه بنبرة مغلولة :
, -بقى يا باشا تمسكني عشان واحدة زي دي !
,
, رد عليه الضابط بصرامة مهدداً إياه لاستشعاره إهانة ضمنية في جملته الأخيرة نحو صاحبة البلاغ الموصي عليها :
, -اتكلم عدل بدل ما أعرفك شغلك وأنفخك كويس !
,
, ازدرد ريقه قائلاً بحنق :
, -مقصدش ، بس أنا مالي بيها أصلاً ؟
,
, رد عليه الضابط بصرامة أشد :
, -انت مش هاتعرفني شغلي ، هــــاتوه !
,
, حاوطه عدد من أفراد الشرطة ليكبلوه ويقيدوا حركته ، فاحتج معترضاً :
, -يا باشا بس آآآ٣ نقطة
,
, هتف الضابط متجاهلاً إياه بصوت آمر :
, -خلوا لجنة الطب البيطري تشوف البهايم السايبة دي ، ومباحث التموين تفتش في محلاته كلها ، من الأخر عاوزه يتروق !
,
, قـــام أفراد الشرطة بسحبه نحو إحدى سيارتهم ، فحاول مقاومتهم رافضاً الإنصياع لأمره مردداً بتوسل :
, -يا باشا بس اتفاهم معاك وآآآ٣ نقطة
,
, تجاهله الضابط عمداً ، وترك رجاله يقتادوه نحو السيارة ..
, سلطت بسمة أنظارها الشامتة عليه ، وتقوس فمها بإبتسامة منتصرة وهي تراه مهاناً أمامها ، ثم هتفت بتشفي :
, -تستاهل ، ومش كل طير اللي يتاكل لحمه ٦ علامة التعجب
, ٣٧ نقطة
,
, ارتفع صوت الهرج بالخـــارج ، فأثار الأمر فضول ديــاب للسؤال عما يحدث خاصة أنه إشرأب بعنقه ليرى المارة في حالة مرج مريبة ..
, هتف بصوت مرتفع وهو يدون بعض الملحوظات في الأوراق الموضوعة على المكتب :
, -في ايه اللي بيحصل برا ؟
,
, أجابه أحد عماله المتواجدين معه بحماس :
, -بيقولوا بنت عواطف جابت البوليس للجزار !
,
, توقف عما يفعل ، وتجمد جسده إلى حد كبير عقب سماعه لتلك الجملة الأخيرة.
, اعتدل في وقفته ، والتفت برأسه نحوه ، ثم ســأله بصوت شبه حاد :
, -ايه ؟ مين فيهم ؟
,
, أجابه العامل بجدية وهو يشير بكف يده للخلف :
, -الأبلة اللي الجزار مدبئها ( مستقصدها ) في الراحة والجاية !
,
, احتدت نظرات دياب بعد معرفة هويتها ، وتجهم وجهه بدرجة ملحوظة ، ثم تابع متساءلاً بحنق :
, -هو عمل فيها ايه تاني ؟
,
, أجابه العامل بتوجس قليل بعد أن لاحظ تبدل حاله :
, -الناس بتقول ساب الخرفان والبقر عليها فبهدلوها
,
, كانت مجرد كلمات بسيطة ، لكنها أحدث انفجاراً مدوياً بداخل كيانه ، لا يعرف لماذا انفعلت دمائه فجــأة ، ووصلت إلى ذروة غليانها ..
, فجـــأة هدر دياب بصوت شبه مهتاج وقد استشاطت نظراته :
, -اتخبل في عقله ده ! ولا اتجنن ، هو مش عارف إنها و أمها تبعنا !
,
, لم يظل قابعاً في مكانه أكثر من هذا حيث اندفع للخارج كالطلقة ليتصرف فوراً مع ذلك الفظ الغليظ.
, حاول العامل اللحاق به مردداً بخوف قليل :
, -سي دياب !
,
, استدار دياب برأسه للخلف ، وأشـــار بإصبعه نحوه وهو يرمقه بنظرات نارية ، ثم هتف بصوت آمر يحمل الصرامة :
, -خليك هنا لحد ما أربي الحيوان ده !
,
, هز العامل رأسه بإيماءة قوية مردداً بخنوع :
, -أوامرك يا سي ديـــــاب !
, ٣٦ نقطة
,
, أســـــرع دياب في خطواته متجهاً نحو محل الجزارة الذي لم يكن على مسافة بعيدة منه ..
, وبالفعل رأى سيارات الشرطة وبعض الضباط والعساكر متواجدين حوله ..
, اقترب هو من الضابط المسئول مردداً بجدية شديدة :
, -خير يا بشوات ، اتفضلوا عندي في الوكالة !
,
, نظر له الضابط شزراً ، ورد عليه مستهزئاً منه :
, -وإنت مين بقى ؟
,
, اغتاظ دياب من استخفاف الضابط به ، لكنه تحامل على نفسه ، وسيطر على غضبه المتأجج .. ورغم هذا بدا وجهه مشدوداً ..
, أخذ نفساً عميقاً ، وزفره دفعة واحدة مجيباً إياه بإمتعاض :
, -دياب طه حرب !
,
, لوى الضابط فمه قائلاً بتهكم :
, -اها ، ابن الحاج طه
,
, رد عليه دياب بصعوبة وهو يكتم غضبه :
, -ايوه يا باشا !
,
, رمقه الضابط بنظرات أكثر استخفافاً ، وردد قائلاً بسخط :
, -تشرفنا يا سيدي
,
, ضغط دياب على شفتيه بقوة ، وتساءل بصوت شبه مكتوم :
, -هو ايه اللي حصل بالظبط ؟
,
, أجابه الضابط بإقتضاب وهو يوليه ظهره :
, -بلاغ وبنشوفه
,
, اغتاظ هو من تجاهله له ، وتحرك خطوة للأمام ليكون قبالته ، ثم أضاف قائلاً :
, -طب ليه تعبتوا نفسكم ، كنتوا بلغونا واحنا نتصرف
,
, التفت الضابط برأسه نحوه ، ورد عليه بحدة تحمل الاستهزاء :
, -ليه ؟ هو مافيش قانون ، ولا عينوك في الداخلية واحنا مش عارفين ؟٤ علامة التعجب
,
, برر دياب رده قائلاً على مضض وهو يبذل قصارى جهده كي لا ينفجر ثائراً في وجهه بسبب أسلوبه التهكمي المستفز :
, -لا يا باشا ، بس معروف عندنا إن مشاكلنا بنحلها على طريقتنا وآآ٤ نقطة
,
, قاطعه الضابط قائلاً بصرامة :
, -ده لما يكون الموضوع ودي ، وبينكم وبين بعض وقادرين تحلوه ، لكن طالما جه عندنا ، يبقى احنا نتصرف بأسلوبنا وبالقانون ، وصلت ٣ علامة التعجب
,
, هز دياب رأسه بإيماءة خفيفة رداً عليه بإقتضاب :
, -تمام !
,
, وضع الضابط يده على كتف دياب ، وربت عليه بقوة متابعاً بسخرية :
, -عن اذنك بقى يا .. يا كبير المنطقة !
,
, قبض ديـــــاب أصابع يده بقوة كاتماً غيظه ، وظل يحدجه بنظرات متأججة من مقلتيه ..
, انصرف الضابط من أمامه ، فتمتم هامساً بشراسة متوعداً صاحب المحل من بين أسنانه :
, -ماشي يا جزار الـ ١٣ نقطة ، الليلة بقت عندي أنا !
,
, ثم رفع أنظاره للأعلى ليحدق في البناية القاطنة فيها بسمة بنظرات حادة للغاية .. وأضاف بصوت محتقن :
, -بس الأول كلامي مع الجماعة اللي فوق ٣ علامة التعجب
, ٣٣ نقطة
,
, سردت جليلة على زوجها طــــه ما رأته في منزل عواطف ، وتعرض ابنتها الكبرى نيرمين لموقف محرج أمامها ، وتصرفها المنطقي في الأمر ..
, أصغى لها بإهتمام قليل ، فأكملت بثقة بعد فعلتها العقلانية :
, -ساعتها مكدبتش خبر ، خدت بعضي والبت ومشينا ، مالهاش لازمة الأعدة !
,
, رد عليها بضيق من أفعال طليقها الغير مسئولة :
, -رجالة ناقصة ، مايعرفوش يعني ايه جواز وحرمة يصرفوا عليها !
,
, تنهدت قائلة بأسف :
, -البت صعبانة عليا ، اتبهدلت ومعاها حتة لحمة حمرا على كتفها
,
, رد عليها زوجها بصوت خشن :
, -**** يعوضها خير !
,
, تبدلت نبرتها للحماسة وهي تكمل :
, -المهم عواطف هترد عليا بعد ما تفوق من اللبخة اللي هي فيها في موضوع بنتها الأبلة !
,
, هز رأسه متفهماً ، وأشار لها محذراً بجدية :
, -طيب ، وراضيها كويس يا جليلة ، العيال متعبين في مذاكرتهم!
,
, ابتسمت قائلة بود :
, -اطمن يا حاج طـــه ، هو أنا يفوتني الأصول برضوه !
, ٣٧ نقطة
,
, قصت ولاء على والدتها مســألة حملها الغير متوقعة من زوجها مازن ..
, بالطبع كانت شادية تعلم بأمر تلك الزيجة السرية ، لكنها لم تتخيل أن تحاول ابنتها التخلص بما تحمله في أحشائها بعد تأكد حملها .. لذا صرخت فيها بجنون :
, -انتي اتجننتي في عقلك ؟
,
, ردت عليها ولاء بنفاذ صبر :
, -خلاص يا ماما ، مش هاتقطمي فيا !
,
, استنكر شادية عدم اهتمامها بتوابع تفكيرها الأهوج ، وعنفتها قائلة بإستنكار :
, -ازاي مخدتيش احتياطاتك معاه ، مش كفاية إني وافقت على الجوازة الزفت دي ٦ علامة التعجب
,
, لوحت ولاء بيديها مرددة بإحباط :
, -وأنا هاعمل ايه ، أهوو اللي حصل
,
, رمقتها أمها بنظرات حادة ، وسألتها بضيق وهي تعقد ساعديها أمام صدرها :
, -والبيه هيتصرف ازاي ؟
,
, أجابتها بعد تنهيدة مطولة :
, -أنا .. انا اتفقت أشوف إن كان ينفع يعمل اجهاض !
,
, اصطبغ وجـــه شادية بحمرة مغتاظة من تلك الكارثة التي توشك ابنتها على فعلتها ، وصاحت بها معنفة إياها بحدة :
, -و**** ! ده بدل ما يعلن جوازكم ؟!
,
, ردت عليها ولاء بصوت مختنق :
, -ماهو لو الناس عرفت دياب كمان هايعرف وهيحرمني من يحيى وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها قائلة بصوت منفعل :
, -ده اللي همك ؟ ومش فارق معاكي الفضايح وكلام الناس !
,
, دفنت ولاء وجهها بين راحتي يدها محاولة السيطرة على نوبة بكاء توشك على الإنخراط فيها ..
,
, رأتها أمها على تلك الحالة فأشفقت عليها ، نفخت بصوت خافت ، ثم دنت منها ، وأبعدت كفيها عنوة عنها لتنظر لها.
, رمقتها شادية بنظرات حانية لكنها تحمل العتاب أيضاً ، واستطردت حديثها قائلة :
, -يا ولاء أنا أمك ومحدش هيخاف عليكي أدي !
,
, ترقرقت العبرات في مقلتي ابنتها ، واختنق صوتها نوعاً ما وهي ترد عليها بتوسل :
, -**** يخليكي يا ماما ، أنا محتاجاكي تقفي معايا مش تبهدليني ! أنا لوحدي ومش عارفة أتصرف !
,
, تحولت نظرات شادية للجدية حينما رأت حالة الضعف المسيطرة على ابنتها ، فهتفت قائلة غير مكترثة بها :
, -عشان انتي غبية ، ركبتي دماغك وعملتي اللي عاوزاه !
,
, أجهشت ولاء بالبكاء علها تستعطف أمها ، لكن على العكس تفاجئت بها أكثر قسوة وشدة معها وهي تكمل بنبرة عازمة :
, -بس أنا مش هاسيبك تتصرفي بغباء تاني !
,
, استشعرت ولاء تهديداً ضمنياً في نبرتها ، فسألتها بتوجس :
, -ناوية على ايه يا ماما ؟
,
, ردت شادية بجمود :
, -على الصح ! اللي كان لازم يتعمل من الأول !
,
, ثم أولتها ظهرها ، واتجهت نحو باب المنزل ..
, ركضت ولاء ناحيتها ، وأمسكت بها من ذراعها سائلة اياها بهلع :
, -استني بس رايحة فين ؟
,
, أجابتها شادية بصوت جاف وقاسي :
, -على أبوه ، إن كان هو مش راجل ومنفض دماغه ، فمهدي أبوه لازم يتصرف !
,
, ارتعدت نظراتها نوعاً ما ، وهتفت قائلة بتوسل
, -لأ يا ماما ، كده انتي هتبوظي الدنيا وهاتخربي عليا
,
, رمقتها أمها بنظرات متهكمة ، وصاحت فيها مغتاظة من ضعفها الغريب :
, -اجمدي يا ولاء ، ماتبقيش كده !
,
, توسلتها ابنتها برجاء أكثر :
, -عشان خاطري بس ، استني أشوف هاعمل ايه مع مازن وبعد كده اتصرفي براحتك
,
, صمتت شـــادية للحظة تفكر في رجاء ابنتها ، فاستغلت الأخيرة الفرصة لتضيف بعشم :
, -ها ماشي ؟ عشان خاطر بنتك بلاش تتهوري ، أنا اللي هاخسر !
,
, ردت عليها أمها بجدية :
, -طيب يا ولاء ، بس اعرفي إني مش هاصبر كتير !
,
, أومـــأت ولاء برأسها عدة مرات بحركات متتالية ومتكررة مرددة بصوت منتحب :
, -ماشي .. ماشي !
,
, ٣٦ نقطة
,
, عــــادت بسمة إلى منزلها وهي سعيدة بإنتصارها الساحق الذي ظفرت به على ذلك السمج المزعج ..
, كانت قد لمحت أثناء صعودها على الدرج وجود بعض الخشب المشابه في هيئته العامة لأثاث أختها الموضوع في المدخل .. لكنها لم تكترث للأمر ، وأكملت طريقها للأعلى ..
, وبعد أن ولجت إلى منزلها ، وعرفت من والدتها ما حدث بإختصار ، شهقت مصدومة ، وصاحت بإنفعال :
, -كل ده حصل ؟ طب وأنا كنت فين ؟ ومحدش اتصل بيا ليه ؟
,
, ردت عليها والدتها بقلة حيلة :
, -احنا كنا في ايه ولا ايه بس !
,
, أشـــارت بسمة بيدها مرددة بعصبية :
, -جوزها ده عاوز يتربى ، يا ريته كان وقع معايا !
,
, صححت لها عواطف جملتها الأخيرة قائلة بإستياء :
, -معدتش جوزها ، خلاص كل واحد راح في حاله !
,
, تابعت بسمة حديثها بنبرة مغلولة :
, -بس نيرمين غلطانة ، كانت رفضت تستسلم الحاجة وعملتله محضر تبديد عفش وجرجرته على قفاه هناك !
,
, استنكرت عواطف تفكير ابنتها الغير محسوب العواقب ، وردت بيأس :
, -هو احنا بتوع بهدلة في الأقسام ٣ علامة التعجب
,
, اغتاظت بسمة من أسلوبها الخائف المستهين بقوة القانون ، وبشخصيتها المتخاذلة التي دوماً تخاف من المخاطرة والدفاع بإستماتة عن حقوقهم المسلوبة .. فصاحت بحدة :
, -يا ماما ده حقها ، هي عبيطة ضيعته بتسرعها ! بطلوا تخافوا بقى !
,
, نهرتها عواطف قائلة بإمتعاض :
, -خلاص بقى بلاش تبكيت ، سبيها في اللي هي فيه !
,
, نفخت بسمة بصوت مسموع ، فوالدتها دوماً تحبطها حينما تفكر بصورة عقلانية ..
, ورغم ذلك أبدت اهتمامها بمصير أشيائها التي تكلفت الكثير .. وسألتها بعبوس :
, -اومال حاجتها عملتوا فيها ايه ؟
,
, أشارت عواطف بعينيها مجيبة إياها :
, -حطينا شوية خشب تحت في المدخل والباقي في الأوضة الفاضية اللي في السطح !
,
, تقوس فم بسمة بإبتسامة متهكمة ، وتساءلت بسخط :
, -أها الكومة اللي تحت دي ، طب مش خايفين تتسرق ؟
,
, ردت عليها أمها بتنهيدة مطولة تحمل الآسى :
, -هياخد الحرامي ايه يا حسرة ؟ دي شوية خشب على كام مولة بايظة !
,
, استنكرت بسمة ردها المتخاذل ، وهتفت معاتبة بقوة :
, -وأما هما كده وافقت ليه تمضي على القايمة دي من الأول ورضيت بعفش بايظ زي ده ؟
,
, استاءت عواطف من أسئلة ابنتها المتكررة التي لا تكف عن لومها فيها ، فصاحت بنفاذ صبر :
, -تاني هانعيده يا بسمة !
,
, رمقت هي أمها بنظرات منزعجة ، وردت غير مكترثة :
, -انتو أحرار ، اصطفلوا مع بعض !
,
, ثم تحركت في اتجاه غرفتها ، والتفتت برأسها للخلف لتتابع بصوت جاد ونظرات قوية :
, -أنا لو حد بس فكر يدوسلي على طرف هابهدله زي جزار الزرايب !
,
, بدا الاهتمام واضحاً على تعابير وجه عواطف بعد الجملة الأخيرة ، ورددت بريبة :
, -اه صحيح ، أنا سامعة الناس بتحكي عن البوليس اللي جه وخده وبهدلته وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها بسمة قائلة بتفاخر :
, -ماهو أنا اللي عملت فيه كده !
,
, شهقت عواطف في البداية بصدمة واضحة ، ولطمت على صدرها هاتفة بإستنكار :
, -يا نصيبني ، جبتيله البوليس ؟
,
, ردت عليها بسمة بتحد سافر وقد قست نظراتها :
, -ولو طولت أجيبله عشماوي كنت عملت !
,
, عاتبتها والدتها لتهورها مرددة :
, -ليه كده يا بنتي ، هو انتي ناقصة عداوة معاه ؟!
,
, أجابتها بسمة غير مهتمة :
, -هو خد اللي يستحقه ، ولو زود هابهدله أكتر !
,
, ثم تركتها لتلج إلى غرفتها ، وأوصدت الباب خلفها ..
, هزت عواطف رأسها بخوف متمتمة لنفسها :
, -سترك يا رب من اللي جاي ، هو أنا هلاحق على ايه ولا ايه ؟!
, ٣٥ نقطة
,
, بعد برهـــة ،،،
, سمعت عواطف دقات قوية على باب منزلها ، فهتفت صائحة وهي متواجدة بالمطبخ تطهو الطعام :
, -شوفي مين بيخبط يا بسمة !
,
, أتاها صوت ابنتها قائلاً بعدم اهتمام :
, -افتحي انتي يا ماما ، أنا داخلة أستحمى !
,
, جففت عواطف كفيها في جانبي قميصها المنزلي ، وهتفت بإرهاق وهي تخرج من مطبخها :
, -هو كل حاجة عليا ، اليوم شكله مابيخلصش !
,
, سارت بتثاقل نحوه ، ثم فتحته لتتفاجيء بوجود ابن الحاج طـــه واقفاً على عتبته ..
, رسمت سريعاً على محياها ابتسامة ودودة وهي تهتف قائلة :
, -سي دياب ! يا أهلاً وسهلاً !
,
, كانت تعابيره متجهمة للغاية ، ونظراته قاتمة إلى حد كبير ..
, لم يرد على تحيتها المرحبة به ، وتشدق قائلاً بعبوس :
, -هما كلمتين على السريع وخلاص !
,
, تنحت للجانب قليلاً لتفسح له المجال ليدخل قائلة بإصرار مجامل :
, -لا مايصحش ، اتفضل جوا !
,
, أشـــار لها بكفه مردداً بصوت جاف :
, -كده كويس !
,
, ظنت عواطف أنه قد جاء للحديث عن موضوع ( الدكان ) ، خاصة أنه كان منزعجاً وبشدة في الزيارة الماضية ، لذا بلا تفكير هتفت بنزق :
, -أنا .. أنا و**** كنت هاكلم مرات أخويا **** يرحمه على الدكان بس اتلبخنا في حاجة بنتي وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بصوت جاد :
, -بصي يا ست عواطف ، احنا كلنا بنعتبرك من العيلة ، صح ولا أنا غلطان ؟
,
, بدا حديثه غامضاً بالنسبة لها ، وردت بتوجس :
, -ايوه ، ده صحيح !
,
, تابع هو قائلاً بصوت متصلب وقد برزت عروقه المتشنجة من جانب عنقه :
, -يبقى لما يكون ليكي حق عند حق تجيلنا ، واحنا نتصرف ، غير كده انتي بتكسبي عدوتنا !
,
, لم تستطع أن تعي بوضوح المغزى من وراء تلك العبارات الغامضة ، فارتبكت وهي تسأله بحذر :
, -مش فهماك يا سي دياب ، هو .. هو صدر مني حاجة تزعل ؟
,
, أجابها بصوت محتد نسبياً لكنه هاديء :
, -مش منك ، من بنتك ، لما تعتبر إن كبار المكان مالهومش لازمة ، وتتصرف من دماغها ساعتها آآآ٣ نقطة
,
, بالطبع استطاعت أن تخمن سبب غضبه المبرر ، فموضوع ابنتها ومافعلته بصاحب محل الجزارة لن يخفى عليه ، ولن يمر مرور الكرام لتجاوزها الأعراف المعهود بها هنا ..
, حاولت أن تدافع عنها وتبرر موقفها قائلة بخوف :
, -و**** ما كنت أعرف ، أنا لسه مبهدلاها على الحكاية دي !
,
, رد عليها بقسوة مهدداً إياها بصراحة :
, -انتي حرة معاها ، بس خلي بالك ، لأن المرة الجاية الزعلة معانا احنا ! ومش هاكرر تحذيري مرتين !
,
, تفهمت تحذيره بخوف ، ورددت ممتثلة له :
, -حاضر يا سي دياب ، اللي تشوفه !
,
, رمقها بنظرات أخيرة ثم استدار عائداً من حيث أتى قائلاً بإقتضاب :
, -سلامو عليكم !
,
, تابعته عواطف بأنظارها وهو يتجه على الدرج مرددة بخفوت :
, -وعليكم السلام !
,
, ثم استدارت للداخل ، وأوصدت باب منزلها.
, سلطت عيناها على غرفة ابنتها وهي تتنهد بإنهاك وضاغطة على شفتيها بضيق كبير ..
, ربما طبيعة شخصيتها تختلف عنها ، فهي لا تهتم بما يظنه الأخرين فيها ، وتفعل ما يمليه عقلها عليها حتى لو كان خاطئاً ..
, هي صورة مصغرة من والدتها الراحلة في قوتها وعنفها وشراستها المخيفة التي لا تعبأ بردة فعل غيرها ..
, دوماً تنظر لها فترى انعكاساً جلياً فيها لشخص أمها في نظراتها وحركاتها ، وحتى تصرفاتها المتهورة والغير مدروسة ..
, تخشى أن تزج بنفسها في الهلاك بسبب ذلك ..
, تنهدت مجدداً بأسف ، ثم غمغمت مع نفسها بتحسر :
, -منك لله يا بسمة ، جيبالي الكلام مع كل الناس ، هو فاضل مين مش بيشتكي منك ٣ نقطة!!
, انتهى منذر من تسليم عدد من الطلبيات المؤجلة بعد أن امتلأ المستودع بالوارد الجديد من البضاعة الخاصة بوكالتهم.
, تمكن الإرهــاق منه ، فقرر العودة إلى منزله ليرتاح قليلاً ومن ثم يستأنف البقية ..
, رأته والدته وهو يلج إلى غرفته ، فهتفت متساءلة بإهتمام :
, -اجيبلك تاكل يا بني ؟
,
, هز رأسه نافياً وهو يجيبها بصوت منهك :
, -لأ ، أنا جعان نوم خالص !
,
, ابتسمت له بعاطفة أمومية حانية وهي ترد عليه :
, -طب يا منذر لما تصحى براحتك هاسخنلك الأكل !
,
, أومأ برأســـه بخفة مردداً بتثاؤب :
, -ماشي ، وأنا ساعة كده وهاصحى وأنزل الوكالة ، عندي شغل متلتل كتير !
,
, ظلت جليلة محتفظة بإبتسامتها الطيبة وهي تتابع حديثها :
, -ماشي يا حبيبي ! **** معاك !
,
, أغلق منذر الباب خلفه ، وبقيت أنظار والدته معلقة على بابه ..
, تنهدت بأسف مشفقة على وحدته التي طالت ، ثم تمتمت بصوت خفيض :
, -ياما نفسي أشوفك فرحان ومتهني وعيالك بيجروا حواليك ومالين عليك البيت !
,
, صمتت للحظات متذكرة كيف كانت حياته السابقة ، ثم أضــــاء عقلها فجـــأة بشيء ما جعل بريق عينيها يلمع بوهج عجيب ..
, مطت فمها للأمام متابعة حديث نفسها :
, -مممم .. طب وليه لأ ؟
,
, هزت حاجبيها للأعلى مرددة بحماس غريب :
, -**** يسهل بعدين أبقى اتكلم معاه في الحكاية دي ، وأشوف دماغه !
,
, اتسعت ابتسامتها وباتت أكثر اشراقاً وهي تتتجه نحو غرفتها لتفكر ملياً في تلك المســـألة الحيوية ٦ نقطة
,
, ٣١ نقطة
,
, عنفت عواطف ابنتها بسمة على فعلتها الحمقاء مع صاحب محل الجزارة وما تبعها من توبيخ وتهديد صريح من ديـــاب ..
, اغتاظت بسمة من أسلوبه الوقح المتعدي على حريتها الشخصية والتدخل في شئونها ، وهتفت مستنكرة بسخط :
, -هو بيتنطط على ايه ؟ مفكر نفسه فتوة الحارة ؟٥ علامة التعجب
,
, ردت عليها عواطف بتبرم من تصرفاتها :
, -يا بنتي بلاش تعادي الناس ، ارحمي نفسك !
,
, هزت رأسه محتجة ، ودافعت عما تقوم به قائلة بإستماتة :
, -لالالا .. كده كتير ، هو كل واحد هايعمل راجل عليا ، هي سايبة !
,
, ضربت أمها كفاً بالأخر مرددة بضجر :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، شوف أنا بتكلم في ايه وانتي بتقولي ايه ؟
,
, صاحت بسمة بنفاذ صبر وقد تشنج وجهها للغاية :
, -ماهو بصراحة الموضوع بقى أوفر ، وأنا اتخنقت ٣ علامة التعجب
,
, ثم زفرت بصوت مسموع لتظهر استياءها مما يحدث من تدخلات الغير في أمورها الخاصة ..
, لم توفق عواطف في انتقاء الوقت المناسب لمفاتحة ابنتها في مسألة الدرس الخصوصي المتعلق بحفيد عائلة حرب وابنتهما الصغرى .. فهتفت بنزق وبلا تفكير :
, -طب هاتعملي ايه في موضوع درس ابنه وأخته ؟
,
, انعقد حاجبي بسمة بإندهاش عجيب ، وسألتها بصوت متعصب وهي تسلط أنظارها المحتدة على والدتها :
, -نعم ؟ ده ايه ده كمان ؟
,
, أجابتها عواطف بحسن نية :
, -ما هو الحاجة جليلة جت عندنا تكلمني انك تدي درس لحفيدها يحيى وبنتها أروى !
,
, ردت عليها بسمة بنبرة متشنجة فاقدة للصبر :
, -وهو انتي شيفاني يا ماما فاضية أصلاً ، ما هو على يدك أنا بأطلع من هنا لهنا والحكاية مش جايبة همها على الأخر
,
, رمقتها عواطف بنظرات ذات مغزى وهي تحاول اقناعها بقبول عرض الدرس السخي :
, -ماهو عشان كده بأقولك إديهم ، وأهوو درس أبرك من عشرة !
,
, سئمت بسمة من طريقة أمها الساذجة في تقرير شأنها دون الرجوع إليها ، وإعطاء الأخرين وعوداً على حساب شخصها .. لذلك اعترضت بشراسة على القبول مرددة :
, -بس مش الجماعة دول !
,
, استغربت عواطف من رفض ابنتها القاطع ، وضيقت عيناها قائلة بإلحاح :
, -يا بت هو مش يا مكتره ، لأ يا محسنه ، جربي حصة ولا اتنين عندهم وبعد كده قرري
,
, تجهم وجـــه بسمة أكثر ، وأصرت على اعتراضها قائلة وهي تكتف ساعديها أمام صدرها :
, -طب وأروح ليه من الأول ، أنا مش عاوزة !
,
, بدت بسمة متشبثة برأيها حتى الرمق الأخير ، نعم هي تماثل جدتها الراحلة عزيزة في عنادها الصلب ..
, يئست أمها من اقناعها بسهولة .. لذا لجأت إلى ذلك الأسلوب الذي تجيده وهو استعطافها لعل قلبها يرق نحوها ..
, دنت منها ، ووضعت قبضتها على ذراعها قائلة بصوت شبه منكسر :
, -**** يكرمك يا بسمة بلاش تحرجيني مع الجماعة أكتر من كده !
,
, استشاطت بسمة من طريقتها في الحديث ، وصاحت بإنفعال وهي تنظر لها بغضب :
, -هما ماسكين عليكي ذلة ؟
,
, استشعرت الغضب في نبرة ابنتها ، فعمدت إلى تجميد تعابير وجهها مرددة بجدية قليلة :
, -لأ ، بس بينا مصالح وقرابة وحاجات كتير ، وأنا مش عاوزة أعادي حد !
,
, نفخت بسمة متذمرة ، ثم أشاحت بوجهها للجانب وهي تقول :
, -**** يسهل !
,
, سألتها عواطف بصراحة وهي مسلطة أنظارها عليها :
, -يعني أرد على الست جليلة أقولها ايه ؟
,
, ردت عليها بضيق :
, -قولتلك **** يسهل !
,
, أصرت عواطف على الحصول على إجابة نهائية منها حتى لا تتعرض للإحراج معها لاحقاً ، لذلك سألتها مجدداً بإلحاح شديد :
, -ما تريحني وتديني كلام واضح ! هاتروحي ولا لأ ؟
,
, أرخت بسمة ساعديها مستسلمة لذلك الاستجداء المتواصل ، وخطت ببطء عدة خطوات مبتعدة عن أمها وهي ترد بفتور :
, -هاشوف وقتي وبعد كده أقولك على ميعاد فاضية فيه !
,
, ثم شددت من نبرتها وهي تضيف :
, -بس لو معجبنيش الوضع مش هاكمل ، ماشي ؟
,
, ابتسمت عواطف لموافقة ابنتها مرددة بحماس :
, -طيب يا بسمة !
,
, تحركت بعدها ابنتها نحو غرفتها ، فلاحقتها والدتها بعينيها متمتمة بصوت خفيض :
, -**** يهديكي يا بنتي ويصلح حالك !
,
, وقعت أنظارها على الهاتف الأرضي ، فتذكرت أنها لم تهاتف زوجة أخيها الراحل لتتحدث معها بشـــأن بيع حصتها بالدكان كي تنتهي من تلك المسألة العالقة ، لذلك حدثت نفسها بجدية وهي تتجه نحوه :
, -أما أكلم بالمرة حنان ، بدل ما أتلبخ في مصيبة تانية وأنسى موضوعها ، كفاية القلق اللي عملهولي بسمة
,
, أمسكت بالسماعة ووضعتها على أذنها ، ثم بدأت في طلب الرقم الخاص بعائلة أخيها ..
, سمعت صوت رنين الهاتف على الطرف الأخر ، لكن للأسف لم يـأتيها أي رد ، فانتابها القلق وهي تتساءل مع نفسها بحيرة :
, -راحوا فين دول ؟!
,
, وضعت السماعة في مكانها بعد تكرارها للاتصال لعدة مرات قائلة بإستغراب :
, -محدش بيرد ! يكونش الخط بايظ !
,
, زمت شفتاها وهي تضيف :
, -خلاص هأطلبهم وقت تاني ، وأنا ورايا ايه غير كده !
, ٣٥ نقطة
,
, بعد مرور يومين ،،،
, توجهت أسيف بصحبة والدتها إلى أحد المراكز الطبية الحديثة المتخصصة في حالتها لتوقيع الكشف الطبي المبدأي عليها بعد أن حجزت لها موعداً مسبقاً فيه .
, انتظرت بالخـــارج ريثما ينتهي الطبيب من فحصه لها ..
, كانت أعصابها على أشدها ، فمن بالداخل هي أغلى ما في حياتها.
, مر الوقت بطيئاً عليها وهي تراقب الوافدين والخــارجين بنظرات شاردة ..
, لمحت إحدى الممرضات تتحرك على مقربة منها ، فهبت واقفة من مكانها لتسألها بتلهف :
, -لو سمحتي ! هو الدكتور قدامه كتير ؟
,
, أجابتها الممرضة بنبرة عملية :
, -لسه شوية ، اقعدي ولما هايخلص هناديلك
,
, هزت رأسها متفهمة وهي ترد بصوت حرج :
, -اوكي ، شكراً
,
, عاودت الجلوس على مقعدها المعدني بإسترخاء ، وتابعت المرضى وذويهم بنظرات فاترة ، فتفكيرها بالكامل منصب على ما يحدث بالداخل لأمها ٣ نقطة
, بعد وقت ولجت الممرضة مرة أخرى للخـــارج ، وتلك المرة اتجهت نحوها.
, انتفضت أسيف واقفة من مقعدها المعدني متساءلة بقلق :
, -ماما خلصت ؟
,
, أجابتها الممرضة بهدوء :
, -أيوه ، الدكتور هيقابلك في مكتبه !
,
, ثم أشارت لها بيدها لتتبعها قائلة بجدية :
, -تعالي ورايا من فضلك !
, -طيب
,
, تحركت الاثنتان في اتجاه غرفة الطبيب القابعة في نهاية الرواق الجانبي ..
, دقت الممرضة بخفة على الباب قبل أن تفتحه وتتنحى للجانب لتفسح المجال لأسيف لتمر أمامها ..
, ابتلعت الأخيرة ريقها بتوتر ، وحدقت في الطبيب بنظرات خجلة ..
, انتبهت لصوته يقول بجدية :
, -تعالي يا آنسة !
,
, رفعت انظارها نحو والدتها التي كانت تدفعها ممرضة أخرى من مقعدها لتقترب من مكتب الطبيب ..
, هتفت أسيف بتلهف وهي تركض ناحيتها :
, -عاملة ايه يا ماما ؟
,
, ثم انحنت عليها لتقبلها من أعلى رأسها.
, وضعت حنان يدها على وجه ابنتها ، ومسحت عليه برفق مجيبة إياها بخفوت :
, -بخير يا بنتي !
,
, أشــــار الطبيب بيده لأسيف لتجلس قبالته قائلاً بصرامة قليلة :
, -اتفضلي يا آنسة !
,
, أومـــأت برأسها إيجاباً ، وجلست على المقعد المواجه لمكتبه ، ثم وزعت أنظارها بينه وبين أمها وهي تتساءل بإهتمام :
, -خير ؟ ماما حالتها كويسة ؟ وآآ.. وهل ينفع يتعملها عملية ترجع تمشي على رجلها تاني ؟
,
, صمت الطبيب للحظة قبل أن يجيبها بهدوء مريب وهو يسلط أنظاره على السيدة المسنة الجالسة قبالته :
, -بالنسبة لسنها ووضعها الحالي ، فأنا شايف إن الحالة تعتبر إلى حد كبير مستقرة ، لكن أكيد محتاجة علاج عشان تتحسن !
,
, لم تفهم أسيف المراد من كلامه المنمق ، فسألته مباشرة :
, -يعني ماما هاتقدر تمشي زي زمان ؟
,
, ضغط على شفتيه قائلاً بحذر :
, -مخبيش عليكي ده صعب في حالتها لكن آآ٣ نقطة
,
, قاطعته حنان قائلة بنبرة محبطة :
, -أنا عارفة من الأول إنه زي قِلته ، وقولت مافيش داعي للسفر والبهدلة ، كله محصل بعضه !
,
, حلت الصدمة على قسمات وجـــه أسيف ، لم تتخيل صعوبة الحالة بتلك الدرجة ..
, عجزت لوهلة عن التفكير فقد كانت معلقة لآمال كثيرة على علاجها ومن ثم تماثلها للشفاء ، والآن بات كل هذا شبه مستحيل..
, تدارك الطبيب الموقف متفهماً أسلوب مريضته المحبط ، وهتف قائلاً بجدية :
, -يا حاجة مافيش حاجة مستحيلة ، الفكرة بس إن الموضوع هيحتاج وقت وصبر ، ومايمنعش إننا ممكن نوصل مرحلة متقدمة وآآآ٣ نقطة
,
, لم تدعه حنان يكمل جملته للنهاية حيث قاطعته مرة أخرى قائلة بحسم وقد تجهم وجهها للغاية :
, -مالوش لازمة يا بني ، كتر خيرك !
,
, ثم وضعت يديها على عجلتي مقعدها المتحرك لتدفعه مرددة بصوت آمر لكنه مختنق :
, -يالا يا أسيف !
,
, أفاقت أسيف من ذهولها المصدوم على صوتها الآمر ، واستدارت برأسها نحوها لتجدها تتحرك مبتعدة ، فنهضت سريعاً من مكانها قائلة برجاء ومحاولة إخفاء تأثرها :
, -يا ماما استني !
,
, لم تلتفت لها أمها ، وأكمل تحركها مرددة بصرامة :
, -يالا يا بنتي !
,
, أدارت أسيف رأسها في اتجاه الطبيب قائلة بحرج بائن :
, -أنا اسفة يا دكتور ، عن اذنك !
,
, لحقت هي بوالدتها في الخــــارج ، وقبل أن تفتح شفتيها لتنطق بجملة ما ، صاحت حنان بغلظة محذرة إياها :
, -أسيف ولا كلمة دلوقتي !
,
, احتجت أسيف على عنادها مرددة :
, -بس آآ٣ نقطة
,
, هتفت حنان مقاطعة إياها بحزم :
, -خلاص ، مش عاوزة أحكي في حاجة دلوقتي ، خلينا نرجع اللوكاندة !
,
, نكست أسيف رأسها بحزن ، وبدا الإحباط الممزوج باليأس واضحاً عليها ..
, تنهدت بعمق قائلة لنفسها بأسف :
, -ليه بس كده يا ماما ، ليه تفقدي الأمل واحنا لسه في أول مشوارنا ؟!
,
, ســـارت بتريث خلف والدتها وظلت أنظارها اللامعة التي تعكس حالتها المستاءة متجمدة على مقعدها المتحرك .. وقاومت بجهد كبير ذرف عبراتها وهي بصحبتها ، فلا داعي لأن تبدو بكل تلك الهشاشة وهي تحاول بث القوة إليها ..
, ٢٩ نقطة
,
, تمكنت زوجة صاحب محل الجزارة من إخراج زوجها من محبسه بكفالة مالية ، وأوصـــاه المحامي الخاص به بضرورة التصالح مع المدعية عليه وإجبارها على التنازل قبل أن يتطور الوضع ويتفاقم ..
, رفض الجزار الإنصات له ، وصاح بحدة متوعداً إياها :
, -يا مين يلايمني على رقبتها ، ده أنا أدبحها بساطور تلم !
,
, ردت عليه زوجته بضيق محاولة إثناءه عن تهوره :
, -وده وقته ! جاي تكلم قصاد القسم
,
, رد عليها بحنق كبير :
, -ده أنا شوفت بهدلة جوا !
,
, أردف المحامي الخاص به قائلاً بهدوء :
, -انت محتاج تراضي البت دي عشان القضية ماتكبرش
,
, احتج الجزار مردداً بغلظة عنيدة :
, -مش هايحصل ، يا أنا يا هي
,
, انزعجت زوجته من عناده المهلك قائلة بصوت مرتفع :
, -أوف ، ما تفضنا من سيرة البت دي ، أنا مصدقت أعرف أخرجك من المخروب ده ، هاتحطها في دماغك وتتسجن واحنا نتبهدل من بعدك !
,
, رد عليها بنبرة عدائية وقد أظلمت نظراته :
, -هو أنا هارتاح إلا لما أرميها الرامية السودة اللي كنت فيها !
,
, أصرت هي على موقفها قائلة :
, -سيبك منها ، وركز في مصالحك !
,
, تمتم الجزار بغيظ من بين أسنانه وهو يحك مؤخرة رأسه :
, -دي قادرة وفاجرة !
,
, ربتت زوجته على ظهره عدة مرات هاتفة بصوت جاد :
, -طب بينا على البيت تروح تستحمى وتغسل جتتك من البراغيت
,
, حك عنقه ، ومقدمة صدره بكفه الخشن قائلاً بإنهاك :
, -اه و**** ، ده غير ضهري اللي اتقطم من نومة البورش !
,
, ثم استدار بجسده ناحية المحامي ليضيف بجمود :
, -لا مؤاخذة يا أستاذنا ، انت شايف حالتي عاملة ازاي ، نتكلم في المحل أخر النهار
,
, رد عليه المحامي بإيجاز وهو يهز رأسه :
, -تمام !
, ٣٧ نقطة
,
, لاحقاً ،،
, عــــادت كلاً من حنان وأسيف إلى الفندق المتواضع ، وجلست الاثنتان سوياً بالغرفة رافضتان تناول الطعام ..
, حدقت أسيف في صحنها المليء بالطعام بنظرات حزينة شاردة ، فشاغلها الأكبر هو حالها أمها الصحية .. وبعنادها هذا هي تمنع أي فرصة للسعي وراء العلاج وطلب الشفاء ..
,
, رأت حنان العبوس واضحاً على ابنتها ، فاستطردت حديثها قائلة بجدية :
, -شوفي يا أسيف ، أنا سمعت كلامك وجيت هنا وأنا متأكدة إن مافيش علاج لحالتي ، كل ده قضا !
,
, انتبهت ابنتها لها ، وردت عليها بصوت مختنق نوعاً ما :
, -الطب اتقدم يا ماما ، وحاجات كتير اتغيرت عن زمان ، فليه تستسلمي على طول ؟
,
, أجابتها أمها بهدوء زرين :
, -أبوكي **** يرحمه عمل اللي عليه وقتها معايا ، وسافر بين هنا وهناك وفي كل حتة ، والنتيجة كانت واحدة ..!
,
, ثم صمتت لثوانٍ قبل أن تتابع بنبرة أكثر هدوءاً :
, -وأنا الحمد**** راضية بنصيبي واتعودت على كده !
,
, اقتربت أسيف من أمها ، وجثت على ركبتيها أمامها لتكون في مستوى نظراتها المنخفضة ، ثم همست لها برجاء :
, -عشان خاطري يا ماما خلينا نحاول تاني ، في أكتر من مركز كويس ، احنا لسه في البداية !
,
, ثم مدت يديها لتمسك بكفيها ، وضغطت عليهما بأصابعها وهي تتابع بإلحاح :
, -أنا قريت أنه مش لازم ناخد برأي أول دكتور وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها حنان قائلة بعدم اكتراث لحديثها :
, -المهم دلوقتي ، هانروح لعمتك امتى ؟
,
, اتسعت حدقتي أسيف في صدمة ، وإرتفع حاجبها للأعلى ، فقد كانت عبارتها الأخيرة مباغتة بدرجة كبيرة ..
,
, تملكها الإرتباك وتوترت نظراتها وهي محدقة بها.
, بدت متلعثمة وهي ترد :
, -هو آآ..
,
, أكملت حنان قائلة بنبرة متريثة تحمل الجدية :
, -مش ده السبب الأساسي اننا سيبنا بيتنا وجينا هنا ؟
,
, رمشت أسيف بعينيها في توتر أكبر .. فأمها دوماً تمتاز بالصراحة والوضوح في حديثها .. وبالتالي تعجز هي عن مجابهتها أو إخفاء أي شيء عنها ..
, اضطربت دقـــات قلبها ، وارتفعت نسبة الأدرينالين في دمائها .. وباتت أكثر حماسة عن ذي قبل ..
,
, راقبت حنان تبدل حالها بكثب ، ثم أضافت قائلة بجدية وهي تسحب كفيها من يدي ابنتها :
, -اعملي حسابك بكرة هانروح عندها
,
, أومـــأت الأخيرة برأسها بحركة خفيفة قائلة بصوت خفيض :
, -ماشي يا ماما !
,
, ثم استدارت بمقعدها المتحرك مبتعدة عنها وهي تغمغم بصوت منزعج لكنه خافت للغاية :
, -عدي اللي جاي على خير يا رب !
,
, عضت أسيف على شفتها السفلى بإرتباك ، ونهضت لتقف على قدميها .. ثم تنهدت بعمق محاولة ضبط انفعالاتها المتحمسة لذلك اللقاء المثير ٤ نقطة ٣ علامة التعجب
 
١٢
أرادت جليلة ألا تضيع الفرصة وتفاتح ابنها مجدداً في موضوع الارتباط والزواج ..
, هي وضعت عيناها على إحداهن ، وترى فيها الزوجة المناسبة له ، والأهم من هذا كله أنها تستطيع الانجاب لتضمن حصولها على أحفاد أصحاء في أقرب وقت ..
,
, -ممكن أدخل يا منذر ؟
, قالتها جليلة وهي تقف على عتبة باب غرفة ابنها البكري ومستندة بيدها على الحائط ..
, التفت منذر ناحيتها وهو يمشط شعره قائلاً بتعجب من طلبها للإذن :
, -اه طبعاً يا أمي ، هو انتي محتاجة تستأذني ؟
,
, ابتسمت له ابتسامة عريضة ، ودخلت إلى غرفته لتتأمله بفخر ..
, كان قد انتهى هو تقريباً من إرتداء ثيابه .. ولم يبقَ لديه إلا وضع حذائه في قدميه ..
, جلست هي على طرف الفراش ، وأمسكت بملابسه المنزلية تطويها ، ثم رددت قائلة بحذر :
, -كنت عاوزاك في موضوع كده !
,
, رد عليها بهدوء وهو يربط حذائه :
, -خير يا أمي !
,
, تنهدت مطولاً وهي تقول بعتاب خفي :
, -مش ناوي تفرحني بيك وتتجوز تاني !
,
, اعتدل في وقفته ، وضحك عالياً وهو يردد بإندهاش :
, -انتي عندك عروسة ليا ؟
,
, انتابها الفضول لمعرفة ما يفكر به خاصة بعد أن رأت ردة فعله العادية ، فهتفت بحماس :
, -بص هو يعني في كام حد ، بس انت مش في دماغك واحدة معينة ، صح ؟
,
, رد عليها بجمود وهو يضع مفاتيحه في جيبه :
, -و**** يا أمي أخر همي الموضوع ده !
,
, نهضت من على الفراش لتقف قبالته ، ثم ربتت على كتفه مرددة بحنو :
, -العمر بيجري يا حبيبي !
,
, ثم أخفضت نبرتها قليلاً لتظهر حزنها وهي تضيف :
, -وأنا نفسي أفرح بعوضك وبعيالك !
,
, زفر بضجر من تلميحها ، وهتف قائلاً بجدية :
, -ومين هترضى بواحد زيي ؟
,
, شهقت مذعورة من جملته الأخيرة لاطمة على صدرها ، وتبدلت تعابيرها للإنزعاج الكبير ، ثم هتفت مستنكرة :
, -**** أكبر ، هو انت فيك حاجة تتعيب ، ده انت سيد الرجالة كلهم ومتعلم ومعاك شهادة تجارة !
,
, التوى فمه بإبتسامة ساخرة وهو يرد عليها :
, -ياه يا أمي ، بقالي زمن ماسمعتش الكلام ده !
,
, هتفت جليلة مرددة بحماس وقد لمعت عيناها :
, -وافق انت بس وأنا أدورلك على واحدة تتجوزها
,
, رد عليها بفتور :
, -ربك يسهلها !
,
, ثم دنا برأسه عليها ليسألها بمكر :
, -بس قوليلي انتي بتفكري في مين ؟ شكلك عندك واحدة ليا ، ها مظبوط ؟
,
, ضحكت بسعادة ، ثم وضعت إصبعيها على طرف ذقنها لتقول بسجية :
, -هو أنا باينة أوي كده
,
, غمز لها منذر قائلاً بتسلية :
, -ده أنا عارفك يا أمي
,
, أخذت نفساً عميقاً ، وأخرجته دفعة واحدة من رئتيها ، ثم هتفت فجـــأة دون أي مقدمات :
, -عارف نيرمين ؟
,
, بدا الاسم مألوفاً نوعاً ما لديه ، لكنه لم يستطع أن يخمن هوية صاحبته بوضوح ، فتساءل مهتماً :
, -مين دي ؟
,
, ردت بثقة :
, -بنت عواطف ، البت الكبيرة !
,
, تذكرها منذر ، وأردف قائلاً بإستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيه بشدة :
, -بس اللي افتكره انها متجوزة !
,
, صححت له معلومته قائلة بتلهف :
, -لأ ، هي اطلقت من جوزها من كام يوم
,
, ضاقت نظراته إلى حد كبير ، وتجمدت تعابير وجهه ، ثم هتف مستنكراً تفكير والدته في تلك الزيجة :
, -وده أنا أعمل بيها ايه ؟ أروح أصالحهم مثلاً ؟!
,
, ردت عليه بحماس وهي تشير بعينيها :
, -لا خلاص معدتش ينفع ترجعله ، هو طلقها للمرة التالتة !
,
, فهم منذر سبب إشارة والدته لها تحديداً ، ورد بتهكم وهو يلوح بذراعه :
, -اها قولتيلي ، وانتي عاوزاني أكون لا مؤاخذة إريـــال ، وآآ٣ نقطة
,
, قاطعته قائلة فوراً قبل أن يسيء فهمها :
, -لالالا ، مش كده خالص !
,
, سألها بإقتضاب وقد بدا متأففاً :
, -أومال ؟
,
, أجابته بحذر :
, -البت كويسة وحلوة ولهلوبة وفوق ده كله مخلفة ، بطنها شغالة يعني .. فاهم قصدي !
,
, أرجع رأســـه للخلف ، ورد عليها بصوت آجش :
, -بقى الموضوع كده ! مخلفة عيال !
,
, بالطبع لما لا تلجأ والدته إليها لتتأكد من وجود من تصلح للإنجاب خاصة أنها تعرف معاناته السابقة مع زوجته الراحلة ..
,
, هزت جليلة رأسها بإيماءة قوية وهي تضيف :
, -بصراحة أه ، وكفاية إننا عارفينها ومضمونة ومتربية وسطنا ! يعني لا في يوم هاتقل أدبها ولا آآ٣ نقطة
,
, قاطعها منذر متساءلاً بجمود :
, -وتفتكري هي هترضى تتجوز تاني ؟
,
, أجابته مستنكرة تفكيره في احتمالية رفضها له :
, -وهي تستجري ترفض ، هي هتلاقي أحسن منك فين ؟
,
, أيقن منذر أن والدته قد وضعت تلك المطلقة ضمن مخططاتها للزواج ، وهو ليس به الرغبة للحديث في هذا الشأن حالياً ، فعلى عاتقه الكثير من الالتزامات والمسئوليات ، لذا رد عليه بحزم :
, -بصي يا أمي ، مش وقته الكلام في الموضوع ده ، إنتي بتقولي مطلقة من كام يوم ، يعني لسه في موال عدة ومشاكل وبلاوي مع طلقيها ، وأنا مش عاوز وجع دماغ !
,
, بررت له سبب تمسكها به قائلة :
, -ماهي مش هاتفضل على طول في القرف ده ، وافق انت بس وأنا هاتصرف بعدها !
,
, رد عليها بنبرة حاسمة وهو يتحرك صوب باب الغرفة :
, -أما يجي وقته !
,
, ابتسمت قائلة بود :
, -طب يا حبيبي ، على راحتك !
,
, ثم خرجت خلفه وهي تتابعه بنظرات متريثة .. لكنها كانت متحمسة لكون الفكرة قد لاقت استحساناً لديه .. وما عليها فقط إلا التريث والانتظار ريثما تنتهي عدة نيرمين لتفاتحها في الزواج من ابنها ٣ نقطة
, ٣٣ نقطة
,
, أغلقت شادية باب المنزل خلفها ، واتجهت صوب الصالة لتجلس على أقرب أريكة وعلى وجهها علامات جادة للغاية ..
, علقت أنظارها بإبنتها ولاء التي كانت تبحث عن هاتفها المحمول في حقيبة يدها ..
, وما إن وجدته حتى هاتفت زوجها مــــازن فبعد أن عادت من زيارة عيادة الطبيب النسائي كان حتماً عليها الاتصال به لتبلغه برأيه النهائي في مسألة التخلص من الجنين الذي ينمو في أحشائها ..
, سألها مازن مهتماً بعد أن رد على اتصالها :
, -ها عملتي ايه ؟
,
, أجابته بصوت قاتم :
, -الدكتور قالي صعب أعمل اجهاض
,
, رد مستنكراً صعوبة تنفيذ تلك العملية :
, -ليه يعني ؟ مافيش كام برشامة تاخديها وينزل مع نفسه ؟
,
, اغتاظت من استهوانه بالأمر ، وصاحت بصوت محتد :
, -هي بالبساطة دي عندك ؟
,
, لاحظ ارتفاع وتشنج نبرتها الصوتية ، فرد عليها بهدوء محاولاً السيطرةعلى نوبة عصبيتها قبل أن تنفجر فيه :
, -أنا مفكر يعني الموضوع سهل !
,
, هتفت قائلة بحدة :
, -لأ مش سهل خالص !
,
, ثم صمتت لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بصوت متردد :
, -وأنا ..آآ.. أنا مش عاوزة أجهض !
,
, توقع مــــازن أن تتفوه بهذا ، فحديثها السابق ما هو إلا مقدمات لنية مبيتة على التمسك بالجنين ..
, لذلك رد عليها بفتور :
, -براحتك ، شوفي اللي عاوزاه واعمليه !
,
, ثم زاد من قوة نبرته ليضيف محذراً :
, -بس افتكري كلامي لما آآ٣ نقطة
,
, قاطعته قبل أن يتم عبارته قائلة بصوت متشنج :
, -مازن ، أنا لو عملت اجهاض ممكن مخالفش تاني
,
, تعجب من كلامها ، وسألها مستغرباً :
, -نعم ، ليه إن شاء **** ؟
,
, أجابته بصوت محتد :
, -الدكتور قالي إنه فيه خطورة عليا ، وأنا مش مستعدة أخسر حياتي عشان حاجة زي دي !
,
, صمت مــــازن ولم يضف المزيد ، فهي بحديثها هذا تظن أنها وضعته في خانة اليك لتضغط عليه ، لكنه على العكس تماماً لم يكن مكترثاً بما تفعله ..
, ففي النهاية هو في تحدٍ مع غريمه ديـــاب ، ولن يعبأ إلا بما يكدره ويعكر صفو حياته حتى لو كان للأمر علاقة بولاء ..
,
, لاحظت هي صمته الذي طـــال ، فسألته بضيق :
, -سكت ليه ؟
,
, رد عليها بصوت جاف :
, -اللي انتي عاوزاه اعمليه يا ولاء !
,
, ســألته بتوجس وهي تستشعر الخطر :
, -طب ودياب ؟
,
, رد عليها بتساؤل موجز يحمل الضيق :
, -ماله ؟
,
, هتفت متساءلة بتوتر :
, -هانتصرف معاه ازاي ؟
,
, صمت للحظات تاركاً إياها تظن أنه يفكر في حل للمشكلة ، ولكنه صدمها بعد ذلك بالرد بجمود بارد :
, -بصي يا ولاء ، أنا عندي شغل دلوقتي ، هاكلمك بعدين نتفاهم !
,
, اغتاظت من رده الغير شافي ، وتمتمت بصوت محتقن :
, -ماشي ، براحتك !
,
, ثم أنهت المكالمة معه ، وألقت بهاتفها على أقرب أريكة ..
, نفخت بحنق وهي تدور بحيرة في أرجاء الغرفة مرددة من بين شفتيها بشراسة :
, -مش هتعرف تتهرب مني يا مازن ! احنا سوا في الليلة دي لحد الأخر !
,
, هزت شادية ساقها الموضوعة على الأخرى بحركة ثابتة وهي تتابع المكالمة الدائرة بين ابنتها وزوجها فقد أصرت على أن تجريها أمامها لتعرف بنفسها ردة فعل زوجها ..
, وصدق حدسها ..
, رمقت هي ابنتها بنظرات مزدرية قبل أن تقطع صمتها الإجباري قائلة بتوبيخ :
, -جالك كلامي ؟ مش قولتلك من الأول إنه ندل !
,
, زفرت ولاء بإحباط ، ودست أصابعها في فروة شعرها المتناثر لتنفضه بعصبية وهي تتساءل :
, -اتصرف ازاي دلوقتي ؟
,
, توقفت شادية عن تحريك ساقها ، ثم أخفضتها لتتمكن من النهوض ..
, أصبح وجهها خالياً من التعابير ، لكن نظراتها كانت مليئة بالوعيد ..
, ردت على ابنتها بثقة جادة :
, -مش انتي اللي هاتعملي حاجة ، ده دوري !
,
, سألتها ولاء بتوجس وهي تضم ذراعيها معاً أمام صدرها :
, -ناوية على ايه يا ماما ؟
,
, أجابتها شادية بغموض :
, -على الصح يا ولاء !
, ٣٧ نقطة
,
, لفت حنان الشـــال الحريري المغزول يدوياً حول عنقها ليعطيها بعض الدفء رغم اعتدال حرارة الجو .. لكنها كانت تشعر ببرودة خفيفة تضرب في جسدها المرهق ، ربما نتيجة السفر وتغير الجو فأصيبت بأعراض البرد ..
, لم ترغب في إثارة قلق ابنتها ، فعمدت إلى الوسائل القديمة والدائية في التدفئة من أجل التعرق وإخراج الحرارة الزائدة من الجسد ..
,
, أكملت بعد ذلك وضع حجابها على رأسها ، وأمسكت بحقيبتها لتتفقد ما بها من أموال ، ثم أسندتها على حجرها ..
, وقعت عيناها على حافظة نقودها الجلدية ، فمدت يدها لتسحبها للخارج لتنظر بها.
, كانت تضع في داخلها عدة صور مختلفة ، أخرجتهم بحذر لتتأملهم بنظرات مشتاقة.
, كانت الصورة الأولى تجمعها مع زوجها الراحل وابنتهما أسيف وهي في عمر مبكر ..
, ابتسمت بعفوية وهي ترى صغيرتها متشبثة بها بيد وجاذبة لياقة أبيها بقبضتها الأخرى ، ضحكتها كانت بريئة صافية تسلب الألباب وتآسر القلوب .
, تنهدت بعمق ، وأزاحت الصورة لتشاهد التالية الموجودة خلفها.
, كانت لأسيف وهي في المرحلة الثانوية بعد أن تحجبت.
, لازل وجهها يحتفظ بملامحها الصغيرة رغم بلوغها ..
, ابتسمت لها ، وأكملت تطلعها في الصورة الثالثة والتي التقطتها في استديو التصوير أثناء تقديم أوراقها للإلتحاق بكلية الزراعة ..
, تذكرت رغبتها آنذاك في الانضمام لتلك الكلية خصيصاً لتعاون أبيها في أعماله بأرضه على أسس علمية ، و بالطبع فرح ريــاض بتفكيرها وحماسها ، وساعدها في شرح بعض المواد التي كانت تتعذر عليها دراستها ، وبعد تخرجها رفض أن تشاركه ذلك العبء ، وأثر أن تظل إلى جوار والدتها ..
, أخرجت حنان تنهيدة حـــارة من صدرها وهي تتذكر شكل أسيف حينما منعت عن ممارسة ما تعلمته على أرض الواقع ، لكن والدها كان محقاً من وجهة نظره ، هو لم يرغب في إرهاقها وتحميلها مسئوليات ستؤرق ليلها وتكدر صفو نهارها .. بل ستقلب حياتها جحيماً ..
, نعم هو أكثر الناس دراية بطبيعة شخصية ابنته الهشة و الرقيقة ، والحياة تسحق بضراوة الغير قادر على مجابهتها ، لذا رفض بعناد أن يلبي رغبتها في العمل ، وبقيت في المنزل ترعى والدتها ..
,
, لم يمر الكثير على ذلك الأمر حتى مرض ريـــاض ، وساءت حالته ، وتطور الوضع سريعاً ليلقى ربه في نهاية المطــاف ..
, ترقرقت العبرات في عينيها حزناً عليه ، وقاومت بشدة رغبتها في البكاء.
, مدت أناملها لتمسح دمعاتها قبل أن تراها صغيرتها ، وتنفست بعمق لتضبط حالتها النفسية ..
,
, خرجت أسيف من المرحاض الملحق بالغرفة لتسأل والدتها بإهتمام :
, -جاهزة يا ماما ؟ أنا خلصت لبس !
,
, عمدت حنان إلى رسم ابتسامة صغيرة على ثغرها ، ثم رفعت أنظارها اللامعة في اتجاه ابنتها ..
, تأملتها بنظرات ممعنة لتتأكد من ملائمة ثيابها وحشمتها ..
, لم تكن أسيف بحاجة إلى هذا ، فهي دائماً تحبذ إرتداء الثياب الفضفاضة التي لا تبرز معالمها الأنثوية ..
, كان فستانها بسيطاً مزركشاً بألوان مبهجة تسر الناظرين ..
, وحجابها من اللون الأزرق الباهت يتماشى مع إحدى درجات ثوبها ..
, ابتسمت لها قائلة بنبرة لطيفة :
, -اه يا بنتي ، يالا بينا !
,
, هتفت أسيف بمرح وقد بدت نظراتها متفائلة :
, -أنا نفسي أشوف شكل عمتي دي أوي ، يا ترى شبه بابا ولا لأ ؟
,
, تلاشت ابتسامة حنان ، وحل الوجوم على وجهها .. نعم فهي تتذكر عواطف الصغيرة الواقفة إلى جوار أمها عزيزة ذات الوجه الصارم والنظرات الشرسة ، تلك السيدة الجبارة المتسلطة التي لا تعرف للرحمة أي معنى في حياتها ..
, تمتمت بخفوت حزين وهي تنفض عن عقلها صورتها المخيفة :
, -يا ريت تكون زيه مش زي أمها !
,
, لم تسمع أسيف جيداً ما رددته والدتها ، فسألتها بإهتمام :
, -بتقولي ايه يا ماما ؟
,
, حاولت حنان أن تتصنع الابتسام وهي تجيبها :
, -مافيش حاجة ! يالا يا بنتي
,
, حركت أسيف رأسها بإيماءة موافقة ، ثم اتجهت نحو والدتها لتقف خلفها ، وتملكها الحماس وهي تدفعها من مقعدها قائلة بإبتسامة سعيدة :
, -إن شاء **** هاتكون زيارة حلوة !
,
, لم تعقب عليها حنان .. فما مرت به مع عائلة زوجها لا يجعلها تستبشر خيراً مطلقاً ٣ نقطة
,
, ٣٦ نقطة
,
, استقبل الحاج مهدي السيدة شـــادية بداخل مكتبه الملحق بالمطعم ..
, وطلب لها مشروباً بارداً لتتناوله ، لكنها رفضت أخذ أي شيء قبل أن تتطرق إلى موضوعها الخطير..
, سألها هو بإهتمام وقد ظهر القلق على محياه :
, -خير يا شادية ، زيارتك دي وراها ايه ؟
,
, أجابته بغموض وهي تنظر له بتأفف :
, -ابنك مازن !
,
, تقوس فم مهدي للجانب مردداً على مضض :
, -ماله المحروس !
,
, أجابته بصوت قاتم ونظراتها إليه لم تتغير :
, -ابنك متجوز بنتي ، وعرفي !
,
, اتسعت حدقتي الحاج مهدي بصدمة جلية ، وفغر فمه مشدوهاً منها ، ثم صاح مستنكراً :
, -ايييييه ؟٤ علامة التعجب
,
, ردت عليه بهدوء مريب :
, -اللي سمعته يا مهدي !
,
, نهض واقفاً من مقعده ، وانحنى للأمام ليستند بمرفقيه على مكتبه ليحدق بها بنظرات مشتعلة .
, صـــاح متساءلاً بصوت غاضب وهو يضرب بكفيه على السطح الزجاجي :
, -انتي جبتي الكلام ده منين وازاي ؟
,
, نظرت له شادية شزراً ، وبدت أكثر بروداً وهي تجيبه بصوت قوي :
, -في ايه يا مهدي ، ولاء بنتي ومش بتخبي عني حاجة !
,
, زاد ذهوله من حديثها المشين ، وكأن الزواج السري أمر عادي ، فهتف مستنكراً برودها :
, -يعني انتي عارفة إنها متجوزاه في السر ؟
,
, أجابته بثقة وهي تتعمد الحفاظ على ثبات انفعالاتها :
, -اه ، من أول ما فكر في ده
,
, ضرب مجدداً بعنف على السطح الزجاجي للمكتب هاتفاً بغضب :
, -ووافقتي على المصيبة دي يا شادية ؟ طب ليه ؟
,
, أجابته بهدوء مستفز :
, -كانوا عاوزين بعض
,
, بدا الأمر وكأنه قد تم الترتيب له بالكامل .. وبالطبع كان هو أخر العالمين به ..
, تهدل كتفيه للأسفل ، وارتخى جسده وهو يجلس مصدوماً على مقعده :
, -ازاي يعمل كده ومايقوليش ؟
,
, انتصبت شادية في جلستها ، وأصبحت أكثر تحفزاً وهي تضيف :
, -مش مشكلتي إن ابنك مخبي عليك موضوع زي ده ، مشكلتي معاه انه عاوز يجهضها !
,
, انفرجت شفتاه بصدمة أغرب مما يسمع .. وتمتم مذهولاً :
, -ايه ؟ كمان !
,
, تابعت هي قائلة بجدية مهددة إياه :
, -ومن الأخر كده أنا مش هاسمح لبنتي تضر نفسها وابنك قاعد ولا على باله !
,
, ضرب الحاج مهدي كفاً على الأخر مستنكراً أفعال ابنه الغير موزونة ، وهتف بصوت متحشرج :
, -يخربيتك يا مازن ، إنت عملت ايه يا متخلف !
,
, كان مهدي يعلم جيداً أن فعلة كهذه إن وصلت إلى مسامع دياب فسوف تتسبب في إندلاع المشاجرات العنيفة من جديد بين العائلتين.
, كز على أسنانه بحدة حتى كاد يحطمهم من فرط غضبه ..
, وحاول التفكير بتعقل في حل لتلك الكارثة الفجائية التي ربما –كما يقال في الدارج - تحطم المعبد على من به مدمرة كل شيء في طريقها ..
,
, لم تعبأ شادية بحالة مهدي المصدومة ، واستأنفت حديثها قائلة بنبرة عدائية :
, -شوف لحد دلوقتي أنا هادية وبأتكلم بالعقل ، فبلاش تختبر صبري يا مهدي ، بنتي عملت كل اللي ابنك عاوزه ، وخَسَّرت ابن حرب الجلد والسقط ، لكن هي تخسر ولا تتأذى شعرة منها مش هاسكت ، وإنت عارفني كويس !
,
, ثم نهضت من مقعدها لترمقه بنظرات شرسة وهي تتابع بتهديد :
, -وأنا مش هاسيبها لوحدها !
,
, هب هو الأخر واقفاً ليرد بحذر :
, -طب اقعدي نتفاهم !
,
, ردت عليه بصرامة :
, -اللي عندي قولته ، ابنك يعلن جوازه من ولاء قصاد الناس وإلا أعمامها هيدخلوا فوراً !
,
, هو يفهم جيداً طبيعة عائلة شـــادية ، والتي لا تحبذ اللجوء إليهم إلا في الشدائد لعنف طبائعم الشرسة ..
, ابتلع ريقه قائلاً بتوجس :
, -ماشي ماشي ، اهدي بس وآآ٣ نقطة
,
, قاطعته قائلة بحزم :
, -ده أخر ما عندي يا حاج مهدي ، سلام !
,
, ثم أولته ظهرها دون أن تضيف المزيد ..
, علقت أنظاره بسرابها الذي تلاشى سريعاً ، وحاول أن يعي الموقف ويفكر بصورة عقلانية متريثة فيه .. لكنه إلى الآن لم يكن ملماً بكافة التفاصيل .. لذا عليه استدعاء ابنه المشاغب ليعرف منه كيف ارتكب أمراً كهذا دون استشارته ..
, فلو علم مسبقاً بنيته في الزواج من طليقة دياب لكان منعه على الفور .. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..
,
, أخرج هاتفه المحمول من جيب جلبابه ليهاتف ابنه ، وانتظر بفارغ الصبر رده عليه ..
, وما إن سمع صوته حتى صاح به بغلظة مهيناً إياه:
, -إنت يا زفت يا ٧ نقطة ٣ علامة التعجب
,
, صُددمم مازن من سباب والده له ، وسأله منزعجاً :
, -في ايه يا حاج ؟
,
, رد عليه بحدة :
, -اتنيل تعالى عندي تشوف الكارثة اللي عملتها !
,
, بدا كلامه غامضاً للغاية ، فسألها بعدم فهم :
, -كارثة ايه دي ؟
,
, أجابه أبيه بصوت شرس:
, -يعني مش عارف إنت مهبب إيه ؟ ولابخ الدنيا وموقعني مع ولية شر ؟٣ علامة التعجب
,
, سأله مازن مستفسراً :
, -قصدك ايه ؟
,
, صاح به مهدي بصوت هادر :
, -انجز وتعالى دلوقتي !
,
, رد عليه مازن بإمتعاض :
, -ماشي بس هاخلص مصلحة في ايدي و آآ٣ نقطة
,
, قاطعه الحاج مهدي بصرامة :
, -انت تسيب أي هباب وتجيلي على طول ، سامع !
,
, زفر مازن مردداً بإستسلام :
, -طيب !
,
, أغلق مهدي الخط في وجهه ، وغمغم بصوت محتقن متأفف وهو يجلس على مقعده :
, -يعني ضاقت بيك الدنيا وملاقتش إلا البت دي وتتجوزها ! خلاص الحريم خلصوا ٣ علامة التعجب
,
, نفخ بصوت مرتفع مردداً بضجر :
, -استغفر **** العظيم ! استرها يا رب على عبيدك ٩ نقطة٤ علامة التعجب
, وافقت بسمة على مضض بقبول ذلك العرض السخي وإعطاء حفيد وابنة عائلة حرب درساً خصوصياً ..
, كان هذا من الناحية الظاهرية ، لكنها في قرارة نفسها أرادت أن توصل رسالة شديدة اللهجة لدياب لكي لا يتدخل مجدداً في أمور حياتها .. هي ليست ضعيفة لتستعين بالغير للدفاع عنها أو حمايتها واستعادة حقها المسلوب ، فهي كفيلة بفعل هذا بمفردها وبكفاءة ..
, استعدت للذهاب إلى منزلهم القريب من بناية عائلتها ، وعمدت إلى إرتداء أبهى ما تمتلكه لتبدو أنيقة غير عابئة بالمال أو غيره ..
,
, رأتها والدتها قبل أن تخرج فهتفت بسعادة :
, -**** يكرمك يا بسمة ويصلح حالك ويحبب فيكي خلقه !
,
, التفتت برأسها نصف التفاتة لترد بجمود :
, -متشكرين على الدعوة !
,
, أضافت عواطف مشجعة إياها على بذل الجهد :
, -ارفعي راسنا يا حبيبتي ، شرفينا عند الجماعة !
,
, ضاقت نظرات بسمة ، وصارتا أكثر حدة ، ثم هتفت مستنكرة توصيتها تلك :
, -هي أول مرة أدي درس ، جرى ايه ؟!
,
, رفعت والدتها كفها أمام وجهها قائلة بحذر :
, -خلاص ، مش هانشد على بعض ، اتوكلي على **** وشوفي حالك
,
, تمتمت بسمة بخفوت وهي تلج للخــــارج :
, -يكون أحسن بردك !
,
, تنهدت عواطف بعدها بعنق ، واتجهت للمطبخ لتحضر أدوات التنظيف لترتيب المنزل وتنظفه ..
, ٣٦ نقطة
, في نفس الوقت بالداخل ،
, وضعت نيرمين يدها على جبهة رضيعتها ( رنا ) فوجدتها ملتهبة للغاية.
, جذع قلبها خوفاً عليها ، وتحسست باقي جسدها الصغير لتتأكد من ظنونها ..
, كانت الحرارة تبعثت منها بطريقة مقلقة للغاية ، فأسرعت بلفها بالغطاء الخاص بها ، وحملتها بين ذراعيها ، ثم هتفت بنبرة خائفة :
, -ماما ، الحقيني !
,
, ركضت إلى خـــارج الغرفة ضامة إياها إلى صدرها ومحنية عليها برأسها تقبلها بتلهف ..
, أقبلت عليها عواطف متساءلة بتوجس :
, -في ايه يا نيرمين ؟
,
, أجابتها نيرمين بفزع :
, -البت سخنة أوي ، وأنا مش عارفة أعمل ايه
,
, هتفت عواطف بتلهف وهي تدنو منها :
, -وريني كده
,
, ثم وضعت يدها على جبينها لتتحسسه ، واتسعت حدقتيها مصدومة حينما شعرت بتلك السخونية المنبعثة منها ، فهتفت بهلع هي الأخرى :
, -يا نصيبتي ، دي مولعة على الأخر ٤ علامة التعجب
,
, فزعت نيرمين أكثر ، وتساءلت بخوف :
, -طب والعمل ؟ أنا اديتها مخفض بس مش جايب نتيجة معاها
,
, رددت والدتها بجدية وهي تشير بيدها :
, -احنا نطلع بيها دلوقتي على الوحدة !
,
, وافقتها نيرمين الرأي قائلة :
, -أنا بأقول كده بردك ، الدكاترة يشوفوها ويكشفوا عليها ، ويعرفوا مالها !
,
, حركت عواطف رأسها بإيماءة قوية وهي تضيف بصوت آمر :
, -ايوه ، البسي عبايتك بسرعة وأنا هادخل أحط العباية والطرحة عليا وأحصلك !
,
, استدارت نيرمين بظهرها مرددة بتلهف :
, -ماشي
,
, ٣٩ نقطة
,
, لم تصدق ولاء أذنيها حينما أخبرتها أمها بما فعلته مع الحاج مهدي وما أجبرته على فعله من أي مصلحة ابنتها ..
, ارتفع حاجبها للأعلى في حماس كبير ، وهتفت مندهشة وقد تهللت أساريرها :
, -بجد يا ماما ؟ قولتي لأبوه مهدي ؟!
,
, أجابتها شادية بثقة وهي تبتسم لها بغطرسة :
, -طبعاً ، هو أنا رايحة أهزر معاه !
,
, سـألتها ولاء بتلهف وقد تمكن الفضول منها :
, -وهو قالك ايه ؟
,
, تنهدت شادية ببطء ، ونظرت إلى طلاء أظافرها بتفاخر ، ثم أجابتها بتريث :
, -هايجيب ابنه وهايعمل الصح !
,
, زادت ابتسامتها إشراقاً ، فقد أوشكت على تحقيق خطوة هامة في حياتها ، لكن سريعاً ما تلاشت تلك البسمة وحل بديلاً عنها القلق والوجوم وهي تردد بتلعثم :
, -بس .. بس دياب آآ٣ نقطة
,
, تجمدت تعابير وجـــه شادية للغاية ، وانعقد ما بين حاجبيها بوضوح ، ثم قاطعتها قائلة بجدية متحدية :
, -دياب أخره معاكي يرفع قضية ضم لابنه لو عرف بجوازك ، ومش هايعرف ياخده أصلاً ، لأني هاقف قصاده ، وفي الأخر الحضانة هاتروح ليا ، يعني القانون في صفنا يا ولاء !
,
, نظرت ولاء لأمها بإندهاش ، فلم تتوقع أن تحسب الأمور من منظور قانوني مختلف كان غائباً عنها ..
, عاتبت نفسها على تفكيرها محدود الأفق مرددة :
, -إزاي مافكرتش في الحكاية دي
,
, رمقتها والدتها بنظرات مستخفة وهي تجيبها بإهانة :
, -عشانك عبيطة ، باصة تحت رجلك وبس
,
, زمت ابنتها شفتيها ، وزفرت بضيق ، فرغم كل شيء أمها محقة ، هي دوماً تنظر للأمور من الناحية المادية فقد ، ولا تضع مخططات بعيدة المدى بما يخدمها في المستقبل ..
,
, أضاف شادية قائلة بمكر :
, -لازم تفكري كويس وتحسبيها صح وتستفيدي من الكل !
, -أها ..
,
, ثم تابعت بخبث لئيم وقد برقت عيناها بوميض شيطاني :
, -طول ما يحيى معانا انتي هاتقدري تاخدي اللي عاوزاه من دياب ، وفي نفس الوقت هاتضمني فلوس وأملاك مازن في جيبك وخصوصاً لما تجيبي عيل منه !
,
, كزت ولاء على أسنانها مرددة بغيظ :
, -ده أنا كنت غبية أوي ، خوفي من دياب عاميني عن حاجات كتير !
,
, لوت شادية ثغرها بإبتسامة عابثة وهي تضيف :
, -طبعاً ، اللي برا الحكاية غير اللي جواها !
,
, احتضنت ولاء أمها بقوة ، وشكرتها ممتنة لذكائها ودهائها :
, -**** يخليكي ليا يا ماما ، دايما في ضهري ومسنداني !
,
, ربتت شادية على ظهرت ابنتها برفق مرددة بجدية :
, -المهم انتي تركزي الأيام الجاية وتثبتي !
,
, ثم أبعدتها عنها لتحدق مباشرة في عينيها ، وأضافت محذرة :
, -اوعي تباني ضعيفة أو مهزوزة قصادهم ! فاهمة !
,
, هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول :
, -حاضر ، هاعمل كل اللي تقوليلي عليه بالحرف !
,
, ٣٧ نقطة
, استقبلت الحاجة جليلة بسمة التي حضرت إليها بترحاب كبير ..
, مسحت على ظهرها بنعومة مرددة بنبرة سعيدة ومهللة :
, -يا مرحب بالأبلة ، نورتي بيتنا يا حبيبتي
,
, ابتسمت لها بسمة بتصنع ، وولجت إلى الداخل وهي تجوب المكان من حولها بنظرات سريعة وعامة ..
, مجيئها إلى هذا المنزل كان تحت ضغط كبير ، لكنها مضطرة لهذا لغرض في نفسها ..
, ربتت جليلة على ظهرها وهي تتابع بحماس :
, -تعالي يا بنتي أوضة المذاكرة من هناك ، هما غاوين يذاكروا في السفرة على التربيذة ، واحنا بنسيبهالهم
,
, ردت عليها بسمة بجدية :
, -اوكي ، بس أنا هادي كل واحد لوحده ، المنهج مختلف عن بعض !
,
, اتسعت ابتسامة جليلة ، ورحبت بالأمر قائلة :
, -أه وماله ، الصح اعمليه ، وأنا معاكي فيه !
,
, تساءلت بسمة بإهتمام :
, -شكراً ، بس السفرة مقفولة ولا لأ٣ نقطة ؟!
,
, أجابتها جليلة بنبرة عادية وهي تشير بذراعها :
, -هو محدش بيقعد فيها إلا ساعة الغدا ، ولو في ضيوف ممكن تقعدي في أوضة من أوض العيال
, -طيب
,
, وفجـــأة صاحت جليلة عالياً وهي محدقة أمامها :
, -بت يا أروى ، تعالي الأبلة بتاعتك جت ، ونادي يحيى خليه يجي يسلم عليها !
,
, ثم التفتت برأسها نحو بسمة التي كانت مصدومة من تصرفاتها ، وتابعت قائلة بأريحية :
, -إن شاء **** هاتتبسطي معانا ، ده زي بيتك !
,
, مطت بسمة فمها لترد بإقتضاب :
, -إن شاء ****
,
, سألتها جليلة وهي تبتسم لها ابتسامة عريضة :
, -ها تحبي تشربي ايه ؟ ولا أقولك نجيب أكل الأول ؟
,
, هزت بسمة كلاً من يدها ورأسها نافية وهي تهتف معترضة بشدة على ما قالته :
, -لالالا .. أنا جاية أشتغل وبس ، مش عاوزة حاجة !
,
, استغربت جليلة من ردة فعلها المبالغة قائلة بعتاب خفيف :
, -عيب عليكي ، ده احنا بيت كرم ، ولا عاوزاني أزعل !
,
, ردت عليها بسمة بإصرار :
, -لأ ، شكراً ، أنا واكلة وشاربة كويس !
,
, يئست جليلة من إقناعها بتناول الطعام قبل الشروع في درسها ، وهتفت متساءلة بحذر :
, -طيب ، أعملك شوية شاي حلوين ؟ ها ايه رأيك ؟
,
, ردت عليها على مضض مستسلمة لعروضها الملحة :
, -ماشي !
,
, حافظت جليلة على ابتسامتها المرحبة وتابعت مشجعة إياها على التحرك :
, -طيب يا حبيبتي ، اتفضلي .. اتفضلي
,
, لم تتمكن بسمة من رؤية ديـــاب رغم محاولتها اختلاس النظرات ، فظنت أنه ربما يكون غير متواجد بالمنزل.
, نفضت مؤقتاً فكرة البحث عنه ، واتجهت نحو غرفة الطعام لتبدأ مهمتها في الاستذكار مع أبناء عائلة حرب ٣ نقطة
,
, ٣٩ نقطة
, وبخ الحاج مهدي ابنه مـــــازن بشدة لخروجه عن المألوف والمتبع وزواجه بطليقة ديـــاب سراً .. وظل يكيل له بالكلمات اللاذعة والإهانات الموجعة ..
, اغتاظ مازن من تحامل والده عليه ، وهتف محتجاً وقد اكفهرت قسماته :
, -جرى ايه يا حاج مهدي ، هو أنا أذنبت يعني ؟ انا راجل وقادر أتجوز
,
, صاح به مهدي بغضب :
, -ايوه بس في النور مش من ورانا كلنا
,
, رد عليه غير مكترث :
, -اللي حصل بقى !
,
, استشاط مهدي غضباً من برود ابنه المستفز ، وعدم اهتمامه بتبعات أفعاله التي دوماً تزج به في المصائب.
, هـــدر به بصوت محتقن :
, -تصدق انت معندكش ددمم !
,
, رد عليه مازن بنبرة جامدة :
, -انت مكبر الموضوع ليه يا حاج ، عادي يعني ، واحدة زي أي واحدة !
,
, انفجر فيه مهدي بصوت جهوري متشنج :
, -لأ مش زيهم ، ده كفاية أمها الفقر !
,
, نفخ مازن مردداً بنفاذ صبر وهو يشيح بذراعه في الهواء :
, -يووه ٣ علامة التعجب
,
, أضـــاف والده قائلاً بصرامة :
, -لازم تتصرف وتصلح الموضوع ده على طول ، ومن غير فضايح
,
, ضيق مازن نظراته نحوه ، ورد عليه بفتور :
, -مش فاهم يعني !
,
, أوضح له مقصده بجدية :
, -هاتجوزها رسمي ، ومافيش حد هايخد خبر بده !
,
, تقوس فم مازن بسخرية قائلاً بعدم مبالاة :
, -قصدك المحروس دياب
,
, رد عليه مهدي بصوت متصلب وقد اشتعلت نظراته :
, -أه هو ، أنا مش عاوز عداوة معاه ولا مع عيلته ، أنا مصدقت إننا خدنا هدنة واتصالحنا
,
, انزعج مـــازن من أسلوب والده المكبر للأمور ، فأردف قائلاً ببرود متعمداً الإساءة إليهم :
, -يا حاج انت عاملهم قيمة ، وهما مايجوش جزم في رجلنا !
,
, لكزه أباه في كتفه بقسوة محذراً :
, -خليك إنت كده بتفكر بمخك التخين ده لحد ما تخرب ، يا أهبل بص لقدام ، مصالحنا كلها معاهم !
,
, رد عليه غير مكترث وقد حل الوجوم عليه :
, -بناقص منها إن كانت من وشهم !
,
, ثم تابع قائلاً بشراسة :
, -ده بدل ما ناخد بتار مجد أخويا المحبوس ده !
,
, رد عليه والده بضيق :
, -بكرة اخوك يخرج من حبسه ، فمش لازم تحصله إنت كمان !
,
, صمت مازن وظل محدقاً أمامه في الفراغ بنظرات غامضة يفكر في شيء ما ..
, راقبه والده عن كثب ، ثم دار حوله ليقف قبالته ، وسأله بجدية :
, -ها ، هاتعمل ايه ؟
,
, رد بإمتعاض :
, -هاشوف
,
, صاح به أباه بجدية وهو يشير بسبابته محذراً إياه من التهاون في المسألة :
, -انجز في الليلة دي ، مش عاوز رطرطة كلام فيها ! سامعني !
,
, ضغط مازن على شفتيه قائلاً على مضض :
, -طيب !
, ٢٥ نقطة
,
, حمدت أسيف **** في نفسها أن المسافة من الفندق للمنطقة الشعبية لم تكن بعيدة .. وبالتالي لم تحتاج كلتاهما لإستئجار سيارة خاصة لتوصلهما إليها ..
, استمرت هي في دفع مقعد والدتها عبر الطرقات الجانبية حتى وصلت إلى المكان المنشود ..
, ومع أول خطوات وطأتها بداخله تسارعت دقات قلبها ، وزادت الحماسة بداخلها ..
, حاولت قدر المستطاع أن تختطف نظرات شمولية عن المكان من حولها لتحفرها في ذاكرتها ، فربما لن تتكرر الزيارة مرة أخــرى ..
, زادت حماستها ، وتشجعت لسؤال والدتها بتلهف :
, -هو ده المكان صح يا ماما ؟
,
, على عكسها تماماً كانت حنان تعيش في أجواء قلقة ممزوجة بالتوتر.
, خفق قلبها برهبة وهي تجوب بأنظارها المكان لترى انعكاس الماضي على جدران تلك البنايات القديمة ، واضطربت أنفاسها بدرجة ملحوظة مقاومة تدفق سيل الذكريات القاسية ..
, نعم فقد عانت الأمرين مع زوجها في صراعهما ضد زوجة الحاج خورشيد ، تلك السيدة التي كانت تعتبر التجسيد الحقيقي لمصطلح ( جبروت امرأة )
,
, أعادت أسيف تكرار سؤالها حينما تجاهلت أمها الرد عليها قائلة :
, -سمعاني يا ماما ، ده المكان اللي عايشة فيه عمتي ؟
,
, أجابتها حنان بحذر وهي تبتلع ريقها :
, -ايوه !
,
, ابتسمت عفوياً ، واستمتعت بإهتمام بالأجواء من حولها ..
, تساءلت مجدداً وهي تسلط أنظارها على المحال الشعبية المتجاورة :
, -أومال هي ساكنة فين ؟
,
, احتارت حنان في تحديد البناية التي كانت تقطن بها عزيزة زوجة الحاج خورشيد ، فقد مر زمن منذ أن حضرت إلى هنا ..
, بدت جميع البنايات متشابهة بدرجة كبيرة ، فزادت حيرتها أكثر وتخبطت أفكارها.
, هزت كتفيها قائلة بإستياء بعد أن عجزت عن تحديد وجهتها :
, -مش فاكرة يا بنتي
,
, تفهمت أسيف صعوبة الأمر على والدتها ، وأردفت قائلة برقة :
, -مش مشكلة يا ماما ، اللي يسأل مايتوهش ، هي اسمها عواطف خورشيد ، أكيد في حد هايعرفها هنا ، صح
,
, ردت عليها حنان بفتور :
, -جايز !
,
, وقعت عيناي أسيف على محل الجزارة ، فظنت أنه ربما يتمكن من مساعدتهما في الوصول إليها ، فعلى الأغلب هو يعرف معظم القاطنين بالمكان بسبب تعاملهم معه وشراءهم للحم من عنده ..
, أشارت بعينيها نحوه بعد أن مالت على والدتها مرددة بجدية :
, -أنا هاروح أسأل الجزار اللي هناك ده ، ممكن يكون عارف بيتها
,
, هتفت حنان قائلة بتأكيد :
, -احتمال كبير !
,
, أكملت أسيف دفعها لمقعد والدتها المتحرك حتى وقفت بها عند الرصيف ، ثم تركتها واتجهت نحو ذلك الرجل الجالس أمام محله ..
, أشاحت بيدها ذلك الذباب المتطاير أمام وجهها ، وابتسمت بود وهي تسأله بنبرة حرجة :
, -لو سمحت !
,
, انتبه لها الجزار الذي كان ينفث دخــان أرجيلته بشراهة ، ورمقها بنظرات مطولة جريئة أشعرتها بالحرج منه .
, تابع تأمله لها وهو يرد بصوت متحشرج :
, -خير يا أبلة ؟
,
, ضغطت على شفتيها لتقول بإرتباك قليل وبأدب واضح :
, -حضرتك متعرفش بيت الست عواطف خورشيد ؟
,
, تجهمت تعابير وجهه بدرجة ملحوظة ، وأخفض أرجيلته للأسفل ليسندها إلى جواره ..
, ثم نفخ بضجر ، وبدا النفور واضحاً على نظراته وفي نبرته وهو يجيبها بخشونة :
, -أعوذو ب**** من العيلة الفقر دي !
,
, انزعجت من أسلوبه الفظ والوقح في الإساءة إلى عمتها، وعفوياً كورت قبضة يدها وهي تهتف بإمتعاض :
, -أنا بسألك عن بيت عمتي ، عارف ولا لأ ؟
,
, رد عليها بتهكم أثار سخطها للغاية :
, -هي عمتك ، اتلم المتعوس على خايب الرجا !
,
, اصطبغ وجهها بحمرة قوية من إهانته الوقحة ، وضغطت على شفتيها محاولة كتم غيظها منه ..
, هي لم ترغب في إثارة القلق ، خاصة في وجود والدتها ، حتى لا تفسد الزيارة وتُلتغى قبل أن تبدأ.
, عمدت إلى الحفاظ على هدوء أعصابها وهي تعيد سؤاله بقوة زائفة :
, -عارف بيتها ولا لأ ؟
,
, أجابها بتأفف وهو يشير بإصبعيه نحو بناية ما :
, -البيت الكحيان اللي هناك ده ، هتلاقيهم ساكنين فيه !
,
, التفتت أسيف إلى حيث أشـــار فتجمدت نظراتها على تلك البناية القديمة للحظات .
, خفق قلبها بتوتر رهيب ، وإنتابتها أحاسيس كثيرة متحرقة فيها شوقاً لمقابلة فرد جديد اكتشفت وجوده مؤخراً من عائلتها ..
, أفاقت من جمودها المؤقت ، وعاودت النظر إلى الجزار بإشمئزاز ، ثم تركته وانصرفت دون حتى أن تشكره على تقديمه للعون ..
, رمقها هو بنظرات مستخفة ، وأمسك بأرجيلته ليدخنها بإنزعاج من تجاهلها له ، وتمتم بغيظ من بين أسنانه لاعناً إياها :
, -هي هاتجيبه من برا يعني ، كلهم عيلة ٥ نقطة في قلب بعض ٣ علامة التعجب
,
, رجعت أسيف عند والدتها وهي ترسم إبتسامة مصطنعة على وجهها ، ثم استطردت حديثها مرددة بهدوء :
, -خلاص يا ماما عرفت مكان البيت ، هو اللي هناك ده !
,
, حركت حنان مقعدها للأمام ، وتبعتها أسيف بخطوات متمهلة لكن روحها كانت في حالة حماسة رهيبة ..
, ٣٥ نقطة
,
, بعد عدة لحظات كانت كلتاهما تقف أمام مدخل البناية.
, بالطبع لم يخلو المكان من هؤلاء الصغار الذين يتراشقون الكرة وهم يلعبون بعنف وصراخ لعل أحدهم يحقق الفوز في مباراتهم الحيوية الهامة ..
, ابتسمت لهم أسيف بود ، ثم استدارت بأنظارها في اتجاه المدخل.
, حدقت فيه بنظرات مطولة مدققة في تفاصيل المكان ، فكل شيء كان يشير إلى قدمه ؛ الطلاء الباهت ، الألوان المطفية ، الدرج الخشبي العتيق ، والكراكيب المتراصة على الجانبين ..
, نعم تكاد تشم رائحة عبق الزمن وأن تطأ بقدمين المكان .
,
, اختلف إحساس حنان كلياً عن ابنتها ، هي زارت تلك البناية من قبل ، منذ سنوات طويلة مضت ..
, مرت الأيام وتكرر المشهد من جديد
, فقد كانت جالسة على مقعدها المتحرك عند هذا المدخل ، وتركها زوجها ريـــاض بمفردها هنا ليصعد إلى زوجة أبيه .. تلك القاسية الجاحدة التي لا تعرف أي شفقة ..
,
, انتاب قلبها الرعب حينما سمعت صراخهما المحتد ، وفزعت نظراتها وهي تراه مقبلاً عليها حاسماً أمره بعدم العودة إلى هنا مرة أخرى ..
,
, ازدردت ريقها بخوف ، وتمنت في قرارة نفسها ألا يتكرر الأمر مجدداً مع ابنتها ، فهي لا تزال قعيدة عاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها ، فماذا عن ابنتها ؟
,
, أخفضت أسيف نظراتها لتحدق في والدتها الشاردة ، وظنت أنها تفكر في طريقة للصعود للأعلى بمقعدها هذا ، والاثنتان بمفردهما، وبالتالي لن تتحمل هي عبء دفعها ..
, عضت على شفتها بحرج ، وتنهدت بعمق ، ثم مالت على أمها لتهمس لها :
, -أنا هاطلع أسأل حد من الجيران عن بيتهم ، وأعرف هما ساكنين في أنهو دور وأنزلك يا ماما
,
, هزت حنان رأسها إيجاباً وهي تقول بحذر :
, -طيب ، بس خلي بالك من نفسك
, -حاضر
, قالتها أسيف وهي تتجه نحو الدرابزون لتصعد بتريث عليه.
, تعلقت أنظار حنان بإبنتها ، وخفق قلبها بدقات متتالية ..
, دعت **** في نفسها بتيسير الأمور عليها ..
, ٣٠ نقطة
,
, وصلت هي بعد لحظات إلى الطابق الأول ، وسلطت أنظارها على أول باب وقعت عيناها عليه ..
, ابتلعت ريقها بتوتر بادي عليها ، واستجمعت شجاعتها لتقرع الجرس ..
, عاودت النظر للأسفل لتطمئن على والدتها القابعة عند المدخل ..
, فتحت إحدى الجارات الباب ، وتفرست في أسيف بنظرات حادة مدققة ، وسألتها بجمود :
, -ايوه ؟ عاوزة مين يا شابة ؟
,
, استدارت أسيف برأسها نحوها ، ورسمت ابتسامة مهذبة على شفتيها ساءلة إياها بحرج :
, -أومال الست عواطف خورشيد ساكنة في أنهو دور ؟
,
, أجابتها الجارة بجدية وهي تشير بعينيها للأعلى :
, -فوقينا بدورين ، الباب اللي زي ده
,
, ضغطت أسيف على شفتيها – مع احتفاظها بإبتسامتها الرقيقة – مرددة بإمتنان :
, -شكراً
,
, نزلت مسرعة على الدرج لتعود إلى والدتها ، ثم وقفت قبالتها ، وهتفت بصوت شبه لاهث ومتحمس :
, -خلاص عرفت البيت يا ماما ، أنا طالعة عندها ، وهاعرفها إنك تحت !
,
, مـــدت حنان يدها إلى ابنتها ، وأمسكت بكفها ، ثم رمقتها بنظرات جادة قبل أن تنطق محذرة :
, -متتأخريش فوق ، انزلي على طول ، ماشي يا أسيف
,
, أومــأت ابنتها برأسها مرددة بطاعة :
, -حاضر يا ماما ، اطمني !
,
, أولتها ظهرها ، واتجهت للدرج لتصعد إلى عمتها والحماس الممزوج بالتلهف والفضول يقتادها للأعلى ..
,
, ضمت حنان كفي يدها معاً ، وضغطت عليهما بقلق واضح رغم تعابير وجهها الجامدة ..
, هي تخشى ألا تصير المقابلة على ما يرام .. وتصدم ابنتها في عمتها الوحيدة.
, عاتبت نفسها على تركها بمفردها لتقوم بهذا الأمر دون وجودها لدعمها.
, أخذت تدعو **** في نفسها أن يمر اللقاء على الخير وتقابل بحفاوة وترحيب ..
, ٣٢ نقطة
, أسرعت أسيف في خطواتها لتصل إلى الطابق المنشـــود ..
, كانت متوترة بصورة بائنة ، ولما لا ؟ فتلك هي المرة الأولى التي سترى فيها عمتها الوحيدة ..
, قبضت بأصابعها على الدرابزون وهي تكمل صعودها ..
, شعرت أن حلقها قد جف من فرط التوتر أو الحماس ، لا تعرف أيهما تحديداً هو المتحكم بها الآن .. لكنها متشوقة لرؤيتها ..
,
, وقفت أمام باب منزلها ، وتلاحقت أنفاسها بصورة سريعة ..
, سحبت نفساً عميقاً وحبسته لثانية داخل صدرها لتضبط انفعالاتها ..
, تمتمت لنفسها بتشجيع :
, -اهدي يا أسيف ، واضربي الجرس ، إن شاء **** خير
,
, وبالفعل مدت يدها لتقرع الجرس ، وانتظرت بترقب فتح الباب لها ..
, كورت قبضتي يدها ورمشت بعينيها عدة مرات ..
, لا جديد يحدث ، الوضـــع كما هو .. الصمت هو سيد الموقف ..
, حدثت نفسها مبررة :
, -يمكن ماسمعتش الجرس !
,
, قرعت الجرس مجدداً ، وانتظرت بشغف أن تفتح عمتها الباب وتستقبلها ..
, طال انتظارها أمامه ..
, تملكها الإحباط سريعاً ، وتشكلت علامات اليأس على محياها ..
, خبا بريق عينيها ، وتهدل كتفيها بضيق ..
, عللت لنفسها عدم الرد عليها :
, -جايز .. جايز محدش موجود !
,
, زفرت بعمق ، واستدارت لتعود من حيث أتت ولكن بخطوات متخاذلة وبطيئة نسبياً وهي تتجه للدرج ..
,
, ٤٤ نقطة
,
, في نفس التوقيت ، وصلت عواطف ومعها ابنتها نيرمين ورضيعتها إلى مدخل المنطقة الشعبية بعد أن فحصها الطبيب وأعطاها الدواء المناسب لحالتها ..
, تهادت عواطف في خطواتها متمتمة بتعب :
, -كويس إنها جت على أد كده ، إحمدي ****
,
, ردت عليها بتنهيدة مطولة :
, -الحمد**** ، البت لسه بتسنن وزورها مقفول !
,
, أضافت عواطف قائلة بصوت هاديء :
, -خدي من ده كتير ، شوية تسخن وشوية حركتها تتقل ، يعني من هنا لحد ما سنانها كلها تطلع
,
, ردت عليها نيرمين بجدية :
, -**** يسهل ، أنا هاديها الدوا في مواعيده
,
, أكدت عليها عواطف أهمية ذلك الأمر محذرة :
, -اه لازم ، وربنا الشافي
, -يا رب
,
, ثم أكملتا سيرهما نحو البناية القريبة ..
, ٤٨ نقطة
,
, في نفس ذات الآن ،
,
, بقيت أنظــــار حنان المتوجسة معلقة بالدرج ، وشفتاها تتمتمان بكلمات خافتة للغاية ومبهمة.
, الفضول يقتلها لمعرفة نتائج المقابلة الأولى ..
, وفجـــأة التفتت برأسها للخلف على صوت صراخ أحد الصغار بحدة :
, -شوط يا عم ، مستني إيه !
,
, تجمدت عيناها على تلك الكرة التي قذفها الأخر بكل ما أوتي من قوة فتحولت لقذيفة موجهة ارتطمت بعنف بألواح الخشب وكراكيب الأثاث المتواجدة على مقربة منها ..
, اختل توازن تلك الأشياء بفعل الضربة القوية ، وبدأت في التهاوي ، ولكن عليها ..
,
, شخصت أبصارها بهلع كبير حينما رأت تلك الكومة الهائلة تتساقط عليها ، فرفعت كفيها أمام وجهها لتحميه ، وصدرت عنها – عفوياً – صرخــــة هائلة ومخيفة ٣ نقطة
, ٣١ نقطة
,
, قفز قلب أسيف برعب جلي في قدميها على إثر ذلك الصوت المألوف الذي تعرفه جيداً.
, تجمدت في مكانها لوهلة محاولة إستيعاب تلك الصدمة المباغتة.
, كما اتسعت حدقتيها بفزع وهي تستمع إلى صوت إرتطام متتالي ومدوي ..
, صاحت لا إرادياً بفزع :
, -ماما !
,
, أفاقت من حالة الشلل المؤقتة التي أصابتها ، وهبطت مسرعة على الدرجة محاولة الوصول إلى والدتها ..
, ٢٩ نقطة
,
, رأى الصغار ما حدث نتيجة لعبهم الطائش ، وصاحوا بخوف كبير بعد سقوط الألواح الخشبية والأثاث على تلك القعيدة محدثين فوضى بالمكان ..
, تحول المدخل إلى حالة من الهرج والمرج ، وواصل الصغار صياحهم المذعور ..
, تجمع بعض الجيران والمارة عند المدخل لتفقد الأمر ..
, ٤٠ نقطة
,
, وصلت أسيف إلى مقدمة الدرج فرأت تلك الكومة الهائلة تغطي أمها.
, وضعت يديها على فمها لتكتم شهقة على وشك الخروج منها.
, وجحظت عيناها أكثر وهي تلمح جزء من مقعد أمها المتحرك أسفل الأخشاب ..
, زاد خفقان قلبها ، وتلاحقت أنفاسها بصورة مخيفة ، ثم أخرجت صرخة هائلة من صدرها :
, -ماما .. مامـــــــــــــــــــــا !
,
, ركضت نحوها محاولة إزاحة تلك الأثقال عنها ، لكنها فشلت بمفردها ، وبقيت عالقة في مكانها ، عاجزة عن الوصول إليها ..
, وكأنها أصيب بحالة هيسترية فواصلت صراخها الهلع والمرعب ليزداد على إثره تجمع الجيران وأهالي المنطقة ..
, ٤٨ نقطة
,
, لمحت عواطف من على بعد تلك الحشود التي تقف على مقربة من بنايتهم وتسد المدخل ، فتساءلت بإستغراب :
, -هو الناس ملمومة هناك كده ليه ؟
,
, ردت عليها نيرمين بحيرة وهي تهدهد صغيرتها :
, -مش عارفة !
,
, ركض أحدهم في اتجاههما ، فسألته عواطف بسجية :
, -في ايه اللي بيحصل ؟
,
, أجابها الرجل بصوت لاهث وقلق :
, -بيقولوا العفش اللي كان في حوش العمارة وقع على واحدة ست !
,
, ارتعد قلب نيرمين ، وشهقت مصدومة :
, -يا ساتر يا رب !
,
, بينما غمغمت عواطف بفزع وقد اضطربت نبضات قلبها :
, -الطف بينا يا كريم !
, ٣٨ نقطة
,
, وقف منذر على عتبة باب وكالته يوقع على أحد أوراق توصيل إحدى الطلبيات العاجلة لأحد العملاء. ثم أعطى الإيصال إلى عامل لديه ، ووجه حديث للسائق الواقف قبالته مردداً بصوت آمر :
, -توصلهم عند المعرض على طول ، هما مستنين ، مش عاوز تأخير ، وخد بالك ، البضاعة فرز أول !
,
, هز السائق رأسه بالإيجاب :
, -تمام يا ريسنا !
,
, تابع منذر أوامره مردداً بصوت آجش :
, -وتاخد منهم إيصال الاستلام ، مفهوم !
, -اطمن يا ريس !
, هتف بتلك العبارة السائق ثم اتجه لشاحنته لينطلق بها ..
, لاحظ منذر حالة التوتر والإرتباك الحادثة في المنطقة ، فنظر بغرابة في أوجه الجميع الذين بدوا وكأنهم يسيرون نحو وجهة معينة ..
,
, تحرك عدة خطوات للأمام ، ودقق النظر أمامه ، ثم وضع كفي يده على منتصف خصره ، وتساءل بفضول مع نفسه :
, -هو في ايه ؟
,
, انتبه لصوت صراخ متتابع ، وصياحات عالية ، فزاد فضوله أكثر لمعرفة السبب ..
,
, ركض ناحيته أحد العمال التابعين للوكالة ، وهلل قائلاً بخوف :
, -ريس منذر ، يا ريس منذر
,
, سلط منذر أنظاره عليه ، وسأله بجمود وقد قست تعابير وجهه :
, -في ايه ؟
,
, أجابه العامل بصوت لاهث ومتقطع وهو يجاهد لإلتقاط أنفاسه :
, -عاوزين نطلب يا باشا الاسعاف ولا البوليس يجوا يغتونا !
,
, ضاقت نظرات منذر أكثر ، وسأله بجدية :
, -ليه ؟ في ايه ؟
,
, انحنى العامل للأمام ليلتقط أنفاسه ، وأجابه بصعوبة مشيراً بيده :
, -بيقولوا في عفش وقع على ولية كبيرة عند بيت خورشيد !
,
, تبدلت تعابير وجه منذر للقلق ، وردد بإندهاش وقد إرتخى أحد كفيه عن خصره :
, -عفش ! وحصل للست ايه ؟
,
, رد عليه العامل بصوت مرتبك :
, -مش عارفين إن كانت عايشة ولا ميتة ، الجدعان هناك بيشيلوا الخشب من عليها !
,
, أشار منذر بإصبعه للخلف مردداً بجدية :
, -طب خش اطلبهم من جوا ، وأنا هاروح أشوف بنفسي !
,
, حرك العامل رأسه بالإيجاب قائلاً :
, -ماشي يا ريسنا
,
, مرر منذر يده على رأسه ، وهتف لنفسه بصوت جاد لكنه منزعج :
, -**** يعديها على خير !
,
, ثم ســــار بخطوات متمهلة نحو البناية ليتابع هو الأخر ما يدور ..
, ٣٤ نقطة
,
, تسابق الرجال في حمل الكتل الخشبية لإنقاذ تلك السيدة ..
, وبالطبع صراخ أسيف جعل جميع الجيران يلتفون حولها – وخاصة الجارات – لمواستها والوقوف إلى جوارها ، ومنعها من التحرك ..
,
, هتفت إحداهن بتفاؤل :
, -إن شاء **** هيلحقوها
,
, وأضافت أخرى بضجر محملة اللوم على أصحاب الأثاث :
, -غلطانين انهم سايبن العفش كده من غير ما يربطوه ، ولا آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها ثالثة مرددة بجدية :
, -مش وقته ، خلونا في المصيبة دي !
,
, عاد إلى ذاكرة أسيف تلك اللحظات الموجعة و الحزينة - والتي لم تكن بعيدة عنها - حينما فقدت والدها الحبيب ..
, نفس الحشد ، نفس الأصوات المواسية ، نفس الوجوه العابسة ، مع اختلاف المشهد .. فمن تعاني الآن هي أغلى ما تبقى لديها ، هي والدتها ونبض فؤادها ٣ نقطة
, تراقصت العبرات في عينيها ، وتعالت شهقاتها مع تذكرها لمشهد وداع أبيها ..
, حاولت الافلات منهن للوصول إلى أمها والمساعدة في انقاذها ، لكنها لم تنجح ، فأياديهن كانت محكمة حولها.
,
, واصلت صراخها مرددة ببكاء حارق :
, -ماما ، سمعاني ، سيبوني ، عاوزة أنقذها ، مـــاما ، أنا هنا !
,
, أشفق الجميع على حالها ، فحياة أمها على المحك ، والكل يتسابق على انقاذها ..
,
, وصـــــل منذر إلى المدخل ، وبدأ في إختراق الجمع المرابط أمامه ليرى بوضوح ما يحدث ..
, أثار حواسه الصراخ المفجوع الصادر من الداخل ، وبحث بعينين مترقبتين عن صاحبته.
, تمكن من بلوغ المقدمة ، وأصبح قاب قوسين وأدنى من رؤية السيدة الملاقاة أسفل الأخشاب ..
, مال بجسده للجانب ليتفادى قطعة أثاث يتناقلها الرجال فيما بينهم ليخرجوها فيفسحوا المجال للمرور..
,
, سقطت أنظاره تلقائياً على ساق مكشوفة ترتعش بحركات عصبية متتالية ، فانتفض قلبه بخوف ..
, صرخة أخـــرى مكلومة أخرجتها أسيف من صدرها صائحة بهلع أكبر وجسد أمها المتهالك يتكشف من أسفل الحطام :
, -ماما ، مـــــاما !
,
, رفع منذر عيناه نحو صاحبة الصراخ ، فتجمدت نظراته عليها ، واتسعت حدقتيه في ذهـــــــول عجيب . كما انفرجت شفتاه بصدمة أكبر ..
, لقد كانت هي .. نعم لم يكن لينسى ذلك الوجه البائس للحظة ..
, و ٧ نقطة !!
 
١٣
حاولت عواطف وابنتها المرور بين جموع الأفراد المرابطين أمام مدخل البناية لرؤية الحادث ، لكن تعذر عليهم هذا بسبب الحشد الغفير الذي يسد المدخل ، فبقيت كلتاهما بالخلفية ..
,
, وصل إلى مسامعهما تفاصيل مختلفة عن ملابسات الحادث ، ولكن العامل الأساسي المشترك في كافة الروايات التي قيلت أن أثاث نيرمين الموجود بالمدخل كان السبب الرئيسي في إصابة تلك المسكينة تعيسة الحظ ..
, تأسفت عواطف على ما حدث لها ، ومصمصت شفتيها مرددة بحزن مصطنع :
, -قدرها الغلبانة دي ، **** ما يورينا مكروه في عيالنا
, تساءلت نيرمين بتوجس :
, -طب يا ترى مين اللي حصلها كده ؟
,
, ثم زاد توترها ، وضاقت نظراتها أكثر وهي تضيف بخوف :
, -لأحسن نكون هانروح في داهية ، ده .. ده العفش بتاعي !
,
, ردت عليها عواطف بقلق عقب جملتها تلك :
, -ربك يسترها ، واحنا ذنبنا ايه ، ده نصيبها ، مكتوبلها تشوف ده !
,
, هتفت نيرمين بصوت خفيض وهي توميء بعينيها :
, -لازم نتصرف ، الموضوع ممكن يقلب بنيابة وبوليس !
,
, صمتت عواطف لتفكر للحظة في شيء ما ..
, دار بخلدها حديث ديـــاب السابق عن كون عائلة حرب من كبار عائلات المنطقة ، وأنهم المتكفلون دوماً بحل أي مشكلات تواجه قاطنيها ، لذا رددت بلا تأخير :
, -مافيش غيره ، هو الحاج طه ، وعلى رأي المثل اللي مالوش كبير بيشتريله كبير !
,
, تعجبت نيرمين من تلك الحالة التي أصابت والدتها وجعلتها تحدث نفسها بكلمات ليست واضحة ، وما زاد من غرابتها أكثر هو هرولتها مبتعدة عن المدخل ، فلحقت بها هاتفة بتساؤل :
, -رايحة فين ؟
,
, أجابتها بغموض أثار ريبتها :
, -هاروح على كبيرنا !
, ٣٩ نقطة
,
, خفقان قوي شعرت به في قلبها حينما بدأ جسد والدتها في الظهور من أسفل تلك الحطام ..
, وخزات حادة طعنت صدرها بقساوة بالغة وهي تقف مكتوفة الأيدي عاجزة حتى عن إنقاذها ..
, استشعرت بحواسها كاملة أنينها المكتوم رغم صمتها أمامها ..
, صرخت بوجع أكبر مستغيثة بمن حولها لعلهم يلبون نداءها المفجوع :
, -ساعدوها ، هاتموت ، مـــاما ، سيبوني أنقذها
,
, لا إرادياً تحرك منذر نحو تلك الممددة بلا وعي محاولاً التدخل وإنقاذها ..
, جثى على ركبتيه ، وأزاح بكل قوته ما علق فوقها من أثقال خشبية.
, تكالب الرجال فوقه وجذبوا البقية بسرعة ودقة ..
, ظهرت بقعة من الدمـــاء كانت كافية لتزيد من صراخ أسيف الفزع عليها ، ولما لا تفعل ، فالمنظر مروع بكافة تفاصيله الحاضرة ..
, آزرها الجميع في ردة فعلها الطبيعية ،
, نعم فالمشهد مؤسف ومؤلم في ذات الآن ..
,
, كُشف أيضاً عن مقعدها المتحرك ، والذي تلقى صدمة كبيرة فطوي عنوة وانكسرت أجزائه ..
,
, تمكنت أسيف بصعوبة من التحرر من الأيادي المحيطة بها ، فهرولت نحو والدتها ، وألقت بجسدها على الأرضية لتجثو هي الأخرى أمام جسدها الذي برز بالكامل من أسفل الحطام ..
,
, حدق فيها منذر بنظرات مصدومة ، ولكن تلك المرة عن قرب شديد .. فقد كانت جاثية إلى جواره
, هي نفس التعابير المذعورة ، نفس النظرات المرتعدة ، ونفس شحوب الموتى المخيف البادي على وجهها ..
, تشكلت خيوط الدمـــاء الغزيرة حول وجـــه حنان فاصبغ كلياً بحمرة مقلقة .
, احتضنت أسيف جسد أمها ، ورفعته إلى صدرها صارخة ببكاء مختنق :
, -ماما ، ردي عليا ، مـــاما !
,
, ضمتها إليها أكثر ، وأزاحت بكفها المرتعش الدماء عن عينيها المغمضتين متابعة بصوت أكثر إنتحاباً :
, -أنا هنا يا ماما !
,
, انحنت على رأسها لتقبلها وهي تكمل بأنين يقطع نياط القلوب :
, -ماتسبنيش يا ماما ، ماليش حد إلا انتي !
,
, مسحت على وجنتها برفق ، وهمست بإستعطاف مختنق :
, -ماما ، سمعاني ! ردي عليا وقوليلي إنك كويسة ، ماما !
,
, راقبها منذر بصمت إجباري ، لم يكن ليتخيل أن يلتقي بها مجدداً في ظرف مؤلم كهذا ..
, تناسى سريعاً غضبه المبرر منها ، فحياة إحداهن على المحك ، وأي عتاب أو لوم في هذا التوقيت لن يكون لائقاً على الإطلاق ..
,
, أفــــاق من جموده الإجباري ، وانتبه أكثر لمن توشك على خسارة حياتها.
, استدار برأسه للخلف وهدر بصوت صــــارم :
, -اطلبوا الاسعاف بسرعة ، وفضوا السكة !
,
, رد عليه أحدهم من الخلف :
, -طلبناه من بدري يا ريس وقالوا جايين
,
, أضاف أحد أخر مردداً بتهكم :
, -هو في اسعاف بيجي في وقته أصلاً ؟!
,
, برزت عروق منــــذر المتشنجة نوعاً ما من عنقه ، وتصلب وجهه أكثر بعد تلك العبارة الأخيرة ، وحسم أمره قائلاً بصوت هادر :
, -وسعولي المكان ، أنا هاوديها بنفسي
,
, وبالفعل اندفع بجسده للأمام نحو أسيف وأمها ، حدقت هي فيه بنظرات زائغة ، فالعبرات قد شكلت غشاوة على عينيها فلم تتعرف إلى وجهه بوضوح ..
, دفعها عنوة للخلف محاولاً تخليص قبضتيها عن والدتها ليتمكن من حملها ..
, رفضت أسيف التخلي عن أمها ، وعلق بذهنها ما فعلوه بها حينما كان يوارى أبيها الراحل الثرى ، فصرخت وهي تتشبث بها أكثر :
, -مش هاسيبكم تاخدوها مني زي ما عملتوا مع بابا ، دي هي اللي فضلالي !
,
, وضمتها أكثر إلى صدرها دافعة بقبضتها المرتعشة يد منذر الممتدة نحوها ..
,
, حدق هو فيها بذهـــول كبير متعجباً من عنادها القوي ، ومن طريقة تمسكها بأمها ..
, تجهم وجهه بدرجة واضحة ، وصاح بها بصوت خشن وصـــارم :
, -سيبها ! خليني أعرف ألحقها
,
, وكأنها لم تكن ترى أو تسمع سوى صوت نفسها.
, سيطر على عقلها ذكرى صدى صوت نواح النساء فكاد يصم أذنيها ..
, أغمضت عيناها بقوة ، وواصلت صراخها المختنق ببكائها :
, -انتو كدابين ، ابعدوا عننا بقى !
,
, مالت عليها برأسها ، وألصقت ذقنها بجبين أمها الملطخ بالدماء مضيفة بأنين متوسل و موجع :
, -ماما فوقي وقوليلهم انك كويسة !
,
, ضــــاق منذر ذرعاً من تصرفاتها الهيسترية ، وحدجها بنظرات حادة للغاية. وقبل أن ينفذ صبره حاول قدر المستطاع ضبط أعصابه للسيطرة على نفسه في تلك المواقف ، لذا حسم أمره قائلاً بغلظة :
, -كده مش هانخلص النهاردة ! اوعي شوية !
,
, مـــد قبضتيه ليمسك برسغيها ، ثم أزاح بإصرار يديها عن أمها ، فإهتاجت أسيف أكثر ، وصرخت بجنون :
, -لأ !
,
, تلوت بمعصميها محاولة تحريرهما من قبضتيه المحكمتين حولهما ، وحدقت فيه بنظرات مظلمة :
, -ابعد عني ، سيبني !
,
, تجاهلها عمداً ، ووجه أنظاره للخلف ليصيح بصرامة :
, -انتو هتتفرجوا علينا ، حد ياخدها ويبعدها ، يالا !
,
, تحرك على إثر أمره عدداً من الجيران ليمسكوا بها ، وتمكنوا بالفعل من إبعادها عن والدتها.
, فزاد صراخها الهيستري ، وتحركت بجسدها بإهتياج في كل الاتجاهات محاولة التخلص منهم ٤ نقطة
, استطاع منذر أن يحمل حنان بين ذراعيه ، وعاونه اثنين من الرجــــال في رفع جسدها وتثبيته ..
,
, انتبه الجميع لصوت صافرة سيارة الإسعاف التي حضرت إلى المنطقة ، فأفسحوا لها المجال ، وتسابق البعض في إرشـــاد المسعفين ليصلوا إلى مدخل البناية ٣ نقطة
,
, كان منذر قد سبقهم بالخروج بالسيدة حنان ، فاقتربوا هم منه ومعهم الناقلة الطبية ..
, وبحذر شديد حملوها عنه ، وأسندوها عليها ..
, هتف أحدهم بنبرة جـــادة :
, -من فضلكم وسعوا خلونا نشوف شغلنا
,
, رد عليه منذر بصوت غاضب :
, -وهو احنا كنا بنلعب جوا ؟!
,
, هتف المسعف معللاً ببرود :
, -أي حركة غلط على المصابة ممكن تعرض حياتها للخطر
,
, هدر به منذر بعصبية وقد برزت شراسة نظراته :
, -هو انتو هترغوا ، ماتشوفوا شغلكم !
,
, رد عليه المسعف بسخط :
, -أومال احنا جايين هنا ليه ؟
,
, كان منذر على وشك الاشتباك مع ذلك المسعف بسبب أسلوبه المستفز ، لكنه تغاضى عن الأمر عمداً حينما انتبه لصوتها المهتاج ، فاستدار برأسه ناحيتها ، ورأى تلك البائسة وهي تركض صارخة بهياج نحو سيارة الإسعاف مرددة :
, -ماما .. أنا هنا يا ماما ، انتي رايحة فين ؟
,
, حاول أحدهم منعها من الصعود قائلاً :
, -يا آنسة ماينفعش !
,
, احتجت عليه قائلة بإنفعال باكي وعبراتها تنهمر بغزارة :
, -مش هاسيبها ، أنا هاركب معاها !
,
, أضـــاف أحد المسعفين قائلاً بجدية :
, -خلوها معاها ، محتاجين نعرف بيانات المصابة !
,
, نظر لها المسعف الأخر شزراً ، ثم أشار لها بيده لتصعد مردداً بإقتضاب :
, -اطلعي
,
, وبالفعل صعدت على متن السيارة ، وجلست ملتصقة بالناقلة الطبية.
, ضمت كفي والدتها بين راحتي يدها ، ومالت برأسها عليه لتقبله وهي تبكي بحرقة شديدة ..
,
, راقبها منذر بإهتمام ، لا يدري إن كان مخطئاً في سوء ظنه بها ، أم أن الموقف برمته أجبرها أن تظهر بتلك الطريقة الهوجاء ..
, لكن ما شغل باله حقاً هي تلك الصدفة الغريبة التي جمعته بها مرة أخـــرى ، وما أثار فضوله هو سبب مجيئها إلى منطقته ..
, ظل في مكانه متسمراً للحظات معلقاً أنظاره على الاثنتين بشرود.
, قطع تأمله نحوها صوت أحد عماله قائلاً بصوت لاهث :
, -العربية يا ريس !
,
, التفت برأسه نحوه ، وحدق فيه بنظرات غامضة ، فتعجب الرجل من نظراته إليه ، وأعاد جملته مردداً باستغراب :
, -مش انت يا ريس طلبتها ؟
,
, أخفض منذر نظراته ليحدق في سلسلة المفاتيح الخاصة به ، ثم رفع رأسه ليحدق في سيارة الاسعاف التي بدأت بالتحرك ..
, تردد للحظات في تقرير ما يريد فعله الآن .. وفي الأخير حسم أمره باللحاق بتلك البائسة ليعرف الإجابات الملحة التي تدور في عقله.
, جذب منه المفاتيح ، واتجه إلى سيارته ، ثم أدارها ، وانطلق مسرعاً خلف أثرهم .
, ٣٦ نقطة
,
, وصلت عواطف إلى الوكالة ، وولجت إلى الداخل وهي تجاهد لإلتقاط أنفاسها.
, جابت بعينيها المكان باحثة عن صاحبه ، وتساءلت بصوت لاهث وهي تقترب من أحد العمال :
, -الحاج طه فين ؟
,
, أجابها العامل بهدوء :
, -في الحمام !
,
, تنفست بعمق وتابعت قائلة :
, -طب **** يكرمك بلغه إني عاوزة أكلمه ضروري
,
, رد عليها العامل وهو يوميء برأسه :
, -حاضر ، أول ما يخرج هاقوله
,
, ثم أشـــار بيده لتجلس على المقعد قائلاً :
, -اقعدي يا ست
, -متشكرة
, قالتها عواطف بصوت متقطع وهي تجلس على أقرب مقعد ..
, ولجت نيرمين هي الأخـــرى خلف والدتها ، وسألتها بصوت متقطع :
, -ها يا ماما ؟ عملتي ايه ؟
,
, أجابتها عواطف بإستنكار وهي ترمقها بنظرات حادة :
, -هو أنا لحقت ، ما أنا داخلة قدامك ، لسه أما أشوف الحاج طه وأتكلم معاه !
,
, هزت رأسها قائلة بخفوت :
, -طيب
,
, ضرب الحاج طــــه بعكازه الغليظ على الأرضية قائلاً بصوت خشن :
, -سلامو عليكم !
,
, انتبهت لصوته كلتاهما ، بينما أكمل متساءلاً مستغرباً تواجد الاثنتين في وكالته :
, -خير يا عواطف ؟ في حاجة ؟
,
, هبت واقفة من مكانها مرددة بصوت فزع ومشيرة بكفي يدها :
, -الحقنا يا حاج طه ، احنا واقعين في عرضك !
,
, نظر لها بغرابة أكبر ، وتحرك في اتجاهها متساءلاً بهدوء رزين :
, -يا ساتر يا رب ، في ايه اللي حصل ؟
,
, أجابته بصوت منزعج وقد بدت ملامحها متوترة للغاية :
, -مصيبة ، وربنا المعبود ما لينا يد فيها ٣ علامة التعجب
,
, انعقد ما بين حاجبيه مهتماً ، وسألها مستفسراً :
, -مصيبة ايه دي ؟
, ٣٩ نقطة
, لم تترك أسيف يد والدتها طوال الطريق ، وبقيت تبكيها حسرة وحزناً.
, مسحت بيدها على وجهها مزيحة تلك الدماء الملطخة له ، تهدج صدرها علواً وهبوطاً وهي تتوسلها بصوت مبحوح :
, -خليكي معايا ، اوعي تبعدي زي بابا ، معدتش عندي حد إلا انتي وبس !
,
, مالت عليها مجدداً لتسند بجبينها على كفها ، وأجهشت ببكاء أشد ..
,
, وصلت سيارة الإسعاف إلى أقرب مشفى حكومي ، والذي يبعد مسافة 10 دقائق بالسيارة ، ثم ترجل المسعفون منها ، واندفعوا على عجالة لينزلوا الناقلة الطبية للأسفل ..
, انتفضت في مكانها مذعورة حينما رأتهم يبعدوها عنوة ليجذبوا ناقلة أمها ..
, أفسحت لهم المجال ليقوموا بعملهم ، ونزلت خلفهم وجسدها يرتعش بشدة ..
, كانت كالتائهة لا تعرف ماذا تفعل بمفردها في تجربة أخرى قاسية من تجارب الحياة.
,
, تلوث فستانها ببقع الدماء لكنها لم تهتم سوى باللحاق بغاليتها ..
, ٣٤ نقطة
,
, راقب منذر الطريق بنظرات فارغة وهو يسير خلف سيارة الإسعاف ..
, حدق في كفي يده القابضين على مقود السيارة بإندهاش ..
, أخذ يقلبهما متعجباً ، كيف لم ينتبه لما بهما ..
, كانت أثار الدماء متجمدة على أصابعه ، توتر لوهلة وهو يستعيد صورة ذلك المشهد الدامي حينما رفعت الأنقاض الخشبية عن تلك المسنة القعيدة ..
, مازال أثر صــراخ البائسة يتردد في اذنيه ، نفخ بضيق وهو يضغط بعنف على المقود مردداً من بين أسنانه :
, -لو مكانش الظرف كده ، كنت اتصرفت معاكي !
,
, أكمل القيادة بصعوبة حتى وصل إلى المشفى ، فبحث عن مكان شاغر ليصف سيارته به ..
, ٣٤ نقطة
,
, أنهت بسمة درسها مع الطفلين ، وأعطت لكل منهما مهمة للاستذكار يؤديها على حسب عمره ، واستأذنت بالإنصراف ، لكن اعترضت جليلة قائلة بعد أن رأت أطباق الحلوى وكوب المشروب البارد كما هو بالإضافة إلى قدح الشاي ..
, هي لم تمس أي منهم :
, -ايه ده ؟ دي الحاجة زي ما هي ؟!
,
, ردت عليها بسمة بعزة نفس :
, -شكراً ، أنا مش عاوزة حاجة
,
, تعجبت جليلة من فعلتها ، وظنت أنها ربما تكون متقززة من تناول الطعام لديها ، لذا هتفت منزعجة :
, -اوعي تكوني قرفانة ولا حاجة ؟ ده أنا نضيفة ، وأكلنا زي الفل وآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها بسمة بجدية أكبر مبررة سبب رفضها :
, -لالالا مش كده و**** ، أنا ماليش نفس ومش متعودة أخد حاجة عند حد
,
, ردت عليها جليلة بعتاب وهي تحد من نظراتها :
, -هو احنا أي حد ، لالا ، انتي كده هتزعليني منك
,
, ابتسمت بسمة بتكلف ، وتابعت بهدوء :
, -معلش ، مرة تانية !
,
, مصمصت جليلة شفتيها مضيفة بضجر وهي تضرب كفها بالأخر :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، يا بنتي ده أنا محطتش حاجة !
,
, حافظت بسمة على ثبات ابتسامتها المصطنعة ، وردت بهدوء عقلاني :
, -شكراً ، عن اذنك عشان اتأخرت !
,
, ثم بدأت بالتحرك صوب الخــــارج ، فتبعتها جليلة مرددة بيأس :
, -ماشي براحتك ، أمري لله !
,
, ثم رفعت من نبرتها قليلاً لتقول بحزم وهي تشير بسبابتها :
, -بس المرة الجاية مش هتنزلي إلا لما تاكلي وتشربي
,
, أدارت بسمة مقبض الباب هاتفة بتهذيب :
, -**** ييسر ، سلامو عليكم
,
, ودعتها جليلة وأغلقت الباب من خلفها ، فتابعت بسمة هبوطها على الدرج مرددة بتبرم ساخط :
, -هو أنا جاية مطعم أكل وأشرب !
,
, لاحظت هي رباط حذائها الغير معقود ، فزفرت في ضيق متمتمة :
, -استغفر **** العظيم ، الرباط اللي عمال يتفك ده ، محتاجة أجيب كوتشي بدل ده !
,
, استدارت بجسدها ، ورفعت ساقها على الدرجة العلوية وأسندت إلى جوارها متعلقاتها الخاصة ، ثم انحنت للأسفل لتعقد الرباط بدقة ..
, لم تنتبه إلى ذلك الصاعد بتريث منهك إلى نفس الطابق ..
,
, فرك ديــــاب مؤخرة رأسه بإرهـــاق ، وأكمل اعتلائه لدرجات السلم ليصل إلى منزله ..
, تفاجيء برؤية شابة منحنية أمامه تسد عليه الطريق.
, أدار وجهه للجانب متحرجاً من وضعيتها تلك ، وضغط على شفتيه بضيق ..
,
, سمع صوتها تردد بتبرم :
, -دروس ايه دي اللي الواحد جاي يتخن فيها !
,
, التفت برأسه عفوياً نحوها ليحدق فيها بإندهاش كبير بعد أن خمن تقريباً هويتها.
, لقد عرفها على الفور ، ونسى دون قصد سبب تواجدها بمنزلهم ، هي تلك المشاغبة المتذمرة الناقمة على كل شيء.
,
, تناولت بسمة أشيائها ، ثم اعتدلت في وقفتها ، واستدارت لتنزل الدرج لكنها تسمرت مصدومة في مكانها حينما رأته أمامها محدقاً بها بغرابة ..
, حل الوجوم والتجهم على تعابيرها المشدودة ، ورمقته بنظرات نارية مغتاظة.
, اتخذت هي وضعية التأهب ، وباتت متحفزة للرد بقساوة عليه بعد أن أزعجتها نظراته نحوها.
, هتفت موبخة إياه وهي تشيح بيدها أمامه :
, -جرى ايه يا حضرت ، مش تعملك صوت ولا حس
,
, ضاقت نظرات دياب نحوها ، وحدجها بحدة وهو يرد بصوت غليظ :
, -نعم ؟ انتي بتكلميني أنا ؟
,
, هتفت غير مكترثة به متعمدة التقليل من شأنه :
, -اه انت ، ولا على راسك ريشة !
,
, اشتعل أكثر من ردها الوقح الذي يتنافي مع كونها معلمة – ومربية أجيال – تعلم الأدب والتهذيب ..
, كز على أسنانه بغيظ ، وصعد درجتين ليدنو منها.
, ظلت هي ثابتة في مكانها ، ولكن تشبثت أكثر بدفاترها وحقيبتها ، وتجمدت نظراتها عليه ..
, اقترب دياب منها أكثر حتى صـــار قابلتها ، ورمقها بنظرات مخيفة جعلت جسدها يجفل للحظة ، لكنها استجمعت شجاعتها قبل أن تهتز أمامه ، وأكملت ببرود متحدية إياه :
, -مش معنى إني لوحدي مش هاعرف أخد حقي من أي حد يتعرضلي لثانية ، لأ انت مش عارفني !
,
, قبض أصابعه بقوة ، ورد عليها بصوت متشنج من بين أسنانه وقد ضاقت نظراته للغاية :
, -أنا جاي ومخنوق وعلى أخري ، ومش ناقص واحدة زيك تقرفني على أخر اليوم ، كفاية نصايبك اللي فاتت !
,
, ثم ضرب بقبضته المتكورة بعنف على الحائط.
, انتفضت لضربته المباغتة ، وابتلعت ريقها قائلة بصدمة قليلة :
, -افندم ؟
,
, ثم استعادت رباطة جأشها ، وصاحت به بحدة متعمدة الهجوم عليه :
, -هو انا دوستلك على طرف ولا انت بتقول شكل للبيع ! عجايب و**** !
,
, هتف قائلاً بضيق ومحذراً وهو يضغط على شفتيه :
, -لسانك ده هيوديكي في داهية !
,
, ردت عليه بجمود :
, -يعني غلطان وبتكلم ، ده بدل ما تتنحنح كده وتقول يا رب يا ساتر ، دستور ! تعملك حس ولا حركة بدل ما تخضني !
,
, قست نظراته نحوها ، وهتف متهكماً :
, -لا و****
,
, تابعت قائلة بسخط وقد حل العبوس على وجهها :
, -اه ، هو أنا اللي هاعلمك الأصول !
,
, احتدت نظراته أكثر ، وقبل أن يفتح فمه لينطق هتفت مضيفة بتأفف :
, -وحاسب خليني أشوف اللي ورايا ، أنا مش فاضية !
,
, ثم تحركت للجانب لتتمكن من النزول ..
, تسمر دياب في مكانه مشدوهاً من تصرفاتها الفظة ، وهتف بصوت مرتفع علها تدرك خطئها :
, -يا ساتر يا رب ! أعوذو ب**** !
,
, التفتت بسمة برأسها نصف التفاتة ، ورمقته بنظرات مزدرية قبل أن تكمل بجمود :
, -اه وابقى قول لابنك يذاكر أكتر بدل ما يطلع زيك كده !
,
, أوقدت بكلماتها نيرانه الداخلية ، فهتف بصعوبة محاولاً السيطرة على نفسه :
, -إنتي آآ٤ نقطة
,
, قاطعته ببرود وهي تسرع في خطواتها لتهبط عن الدرج :
, -سلام يا معلم دياب !
,
, ضرب بكفه الدرابزون مردداً بذهول :
, -يا ربي ، دي ايه دي ، مش ممكن !
,
, أعاد تكوير قبضة يده متابعاً بتوعد خفي :
, -طيب ! ماشي ، هانروح من بعض فين يا بنت عواطف !!
, ٤٠ نقطة
,
, تعلقت أنظــــار أسيف بباب غرفة الطواريء الذي اختفت من خلفه والدتها.
, وضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة ، وظلت تأن بنواح متقطع.
, لمحت إحدى الممرضات وهي تلج للداخل فأسرعت خلفها ، ثم أمسكت بها من ذراعها وقبضت عليه مرددة بتوسل :
, -**** يخليكي طمنيني عليها
,
, أزاحت الممرضة يدها عنوة من عليها مرددة بإحتجاج :
, -ماينفعش اللي بتعمليه ده !
,
, استعطفتها أكثر قائلة برجاء وبنبرة مرتعشة بعد أن سحبت يدها :
, -أنا أسفة ، بس .. بس آآ.. طمنيني عليها **** يكرمك ، أنا .. أنا معنديش إلا هي !
,
, نظرت لها الممرضة بإشفاق ، وردت مستسلمة لبكائها :
, -حاضر ، هاشوفها واطمنك
,
, انتحبت أسيف وهي تقول ممتنة :
, -متشكرة ليكي أوي ، **** يباركلك !
,
, تحركت الممرضة للداخل وتبعتها أعين أسيف وقلبها وكل ذرة في كيانها ..
, ضمت كفيها معاً وقربتهما من فمها ، وتمتمت بتضرع :
, -يا رب نجيها ، يا رب احفظهالي يا رب !
, ٣٤ نقطة
,
, وصــــل منذر إلى الاستقبال ، وتهادى في خطواته وهو يبحث بتأني عن مكان البائسة وأمها ..
, حرك رأسه في كل الاتجاهات محدقاً بتفرس في أوجه المتواجدين .
, ثَبُتتْ أنظاره على طيفها البعيد ، وتجمدت عيناه على أثرها الغير واضح .
, تحرك للأمام بحذر ، وضيق نظراته أكثر ليتأملها بتفحص وهو يدنو منها ..
, كانت تقف ملتصقة بالحائط تبكي وترتجف وضامة ساعديها إلى صدرها ، منكسة رأسها بذل للأسفل .
, نفخ بضيق ، واتجه نحوها بخطى أسرع نسبياً.
,
, ظلت أسيف تبكي غير واعية لما يحدث من حولها ، يدور في رأسها فقط عدة سيناريوهات مخيفة إن حدث الأسوأ لوالدتها.
, تعالى صوت شهقاتها ، فلم تستطع كتمانها.
, وقف منذر قبالتها فاستمع بوضوح لنشيجها الحزين ..
, أغمض عيناه لثانية ، ثم أخذ نفساً عميقاً وزفره على مهل.
, أعاد فتح جفنيه ، ورمقها بنظرات جامدة قبل أن يقول بصوت خشن وهو يقلص المسافات بينهما :
, -لولا الظروف الحاصلة كان هايبقالي كلام تاني معاكي !
,
, رفعت رأسها ببطء لتحدق في ذلك الظل الذي غطاها ، فرأته أمامها بوضوح ..
, اتسعت حدقتيها في رعب .. وارتفع حاجبها للأعلى بصدمة مفزعة.
, لقد عرفته ، وجهه لم يكن بالغريب عنها. تلك الملامح المتجهمة الشرسة تذكرها جيداً.
, ومع كلماته القاسية المتوعدة زاد يقينها بحجم التهديد الذي باتت فيه.
, جفل جسدها منه ، وزادت رجفتها.
, هربت الكلمات من على شفتيها ، وشعرت بجفاف غريب في حلقها.
,
, تابع هو حديثه الجاف مردداً بتساؤل يحمل التهكم والإساءة :
, -وكنتم جايين تشحتوا من مين المرادي ؟ ولا جايين تحصدوا الغلة ، بس مجتش الليلة على هواكم ؟
, حدقت فيه بغرابة ، وتراقصت العبرات في عينيها.
, هي لم تفهم مغزاه من تلك العبارة الغامضة ، لكنها أدركت أنه يظن بها السوء.
, حاولت استنباط مقصده ، لكنها لم تكن في حالة ذهنية تمكنها من التفكير بصفاء ، وضف على هذا انعدام شجاعتها – مؤقتاً – لكي تجابهه أو حتى تردعه عنها .
,
, حاولت الفرار من أمامه ، لكنه كان يسد عليها الطريق بجسده ونظراته القاسية والخالية من الرأفة نحوها.
,
, أضــــاق منذر مردداً بقسوة :
, -حظك حلو إني بأفهم في الأصول وعارف الواجب كويس ، غير كده هنتحاسب على اللي فات ، ماهو مش منذر حرب اللي يضحك عليه !
,
, ارتعاشة قوية دبت في أوصالها خوفاً منه ..
, نظرت له بحيرة محاولة تفسير غرضه رغم إرتعادها منه ،
, لماذا تلك التهديدات الغير مفهومة لشخصها وهي لم ترتكب في حقه أي جرم
,
, رفع منذر ذراعه للأعلى ليسنده على الحائط الملتصقة به مكملاً بغلظة :
, -وحسابي مع اللي مسرحك إنتي وأمك !
,
, انتفضت خوفاً منه ، وانكمشت على نفسها أكثر
, انقذها من حصاره الوهمي صوت الممرضة وهي تصيح بنبرة عملية :
, -عاوزينك في الاستقبال تملي بيانات الست المصابة ؟ مش انتي معاها ؟
,
, تراجع منذر خطوة للخلف مبعداً ذراعه ، فتمكنت أسيف من الفرار منه ، وأسرعت بأرجل مرتجفة نحوها مرددة بصوت خائف لتنجو بنفسها :
, -أنا .. أنا جاية معاكي !
,
, سألتها الممرضة بجدية :
, - نكتب الاسم ايه ؟
,
, ظنت أسيف أنها تستفسر عن اسمها هي ، فأجابتها بسجية بصوت مبحوح متوتر :
, -أسيف رياض خورشيد !
,
, انتبه منــــذر لذلك الاسم جيداً الذي اخترق أذنيه بوضوح ، فتحركت عيناه بجمود على صاحبته ..
, تشكل محياه بتعابير مصدومة إلى حد ما ..
, فهو يعرف لقب ( خورشيد ) والذي يرتبط بالدكان العتيق موضع الخلاف ..
, وعلى حسب علمه فهو مملوك لعواطف وشقيقها الذي توفي مؤخراً ..
, فمن تكون تلك ؟
,
, تساءلت الممرضة مؤكدة :
, -ده اسم المصابة؟
,
, هزت أسيف رأسها نافية وهي تصحح قائلة :
, -لأ ده اسمي أنا ، ماما اسمها حنان آآ٥ نقطة
,
, زاد ذهـــــول منذر أكثر حينما عرف الهوية الحقيقية لتلك البائسة ..
, ورغم ابتعادها عنه ، واختفائها من أمام أنظاره إلا أنه ظل مثبتاً عيناه على ما تبقى من أثرها ..
, لقد تغير كل شيء الآن بظهور ابنة الوريث الأخر للدكان على الساحة ٦ نقطة٣ علامة التعجب
 
١٤
أسرعت أسيف في خطواتها لتسير إلى جوار الممرضة لكن قبل أن تنحرف للرواق الجانبي سمعت صوت إنزلاق الأبواب ، فأدارت رأسها في اتجاه مصدره
,
, رأت طبيب الطواريء وهو يلج من الغرفة ، فتوترت أنفاسها ، وتوقفت عن السير.
, لا إرادياً اندفعت نحوه متساءلة بتلهف :
, -طمني يا دكتور ! ماما عاملة ايه ؟
,
, ضغط الطبيب على شفتيه قائلاً بجدية :
, -خير .. هي الحالة مش سهلة ، بس ادعيلها
,
, كتمت شهقتها المرتعدة قبل أن تخرج من فمها بكفي يدها ، وحدقت فيه بهلع.
, تابع الطبيب مردداً بنبرة عقلانية :
, -إحنا بنعمل اللي علينا ، والباقي على **** ! ادعيلها !
,
, لم يضف المزيد ، وابتعد عنها تاركاً إياها في حالة صدمة.
, شعرت أسيف بالضياع والخطر.
, هي بمفردها في بلد غريب عنها ، في مشفى بارد ، حوائطه الكئيبة تكاد تطبق على أنفاسها.
, ووالدتها الغالية توشك على ترك تلك الحياة الفانية للأبد.
, ترنحت بجسدها بخوف ، وعجزت عن الوقوف بثبات ، فاستندت على أقرب حائط بكف يدها لتبكي بمرارة وآسى.
,
, حاول منذر اللحاق بها ، فرأها تتحدث إلى الطبيب ، فتوقف في مكانه ، وراقبها منذر بنظرات مشدوهة ..
, ظل باقياً في مكانه محافظاً على مسافة معقولة بينهما ..
,
, هو يحاول أن يستوعب كم الصدمات الغير منطقية التي تحدث أمامه خاصة ما يتعلق بتلك الطائشة البائسة.
, لا يعرف لماذا علق بذهنه وصفها بكونها بائسة ، هل لأنه هو انعكاساً لها ، فلم يصدف أن يراها سوى بالشحوب والحزن والأسف.
, ما أصابه بالريبة والحيرة هو تلك الحالة المنكسرة المسيطرة كلياً عليها.
, فإن كانت لا تخشى الفقد أو الخسارة ومعتادة على مواجهة الموت يومياً بألاعيبها التي تتقنها فكيف إذن تخاف من حادثة كهذه وترتجف من رأسها لأخمص قدميها وكأنها ترى لأول مرة الدماء والموت نصب عينيها.
,
, مزيج خليط من أفكار غير مرتبة عصفت بعقله جعلته متخبطاً في إصدار حكم صائب عليها.
, لكن الأعجب والمثير حقاً لفضوله هو كنيتها ( ابنة عائلة خورشيد ) ، وتلك معلومة هامة عليه أن يتأكد من صحتها.
,
, أخرج هاتفه المحمول من جيبه ، وسارع بمهاتفة أبيه.
, ٤٠ نقطة
,
, في نفس الأثناء ، سردت عواطف للحاج طـــه ملابسات الحادث المؤسف الذي وقع في مدخل بنايتها وتسبب في إيذاء إحدى السيدات.
, بالطبع كانت تهاب من المساءلة القانونية والتعرض لمشكلات هي في غنى عنها ، لذا لجأت إليه لمساعدته.
, حمدت **** في نفسها وجود منذر الابن البكري له ليشهد بنفسه على كونها غير مسئولة عن وقوع تلك الكارثة ، وأنها كانت قضاءاً وقدراً ..
, طمأنها الحاج طه قائلاً بهدوء عقلاني :
, -متقلقيش ، احنا معاكي يا عواطف ، ودي حاجة عادية ويا ماما بتحصل
,
, ردت عليه بتوتر رهيب وقد زاغت أنظارها :
, -أنا خايفة يجرونا على الأقسام ونتبهدل ، وربنا المعبود العفش كنا حاطينه مؤقتاً بس لحد ما نفضيله مكان !
,
, أردف قائلاً بثبات :
, -قضا **** ، أنا هاتصرف ، وهاتكلم مع منذر ولو في آآآ٣ نقطة
,
, لم يكمل جملته للأخير حيث قاطعه صوت رنين هاتفه المحمول ، فدس يده في جيب جلبابه ليخرجه ، ثم حدق في شاشته ، وردد بحماس :
, -أهوو .. ابن حلال بيتصل بيا
,
, تنهدت عواطف بإرتياح ، وهتفت بعدها بتلهف :
, -**** يكرمك وصيه عليا ، وقوله آآ٣ نقطة
,
, قاطعها طـــه مشيراً بكفه :
, -استني بس أرد عليه الأول
,
, هزت رأسها بإيماءة طائعة مرددة بخفوت :
, -اتفضل يا حاج !
,
, وضع طـــه الهاتف على أذنه متساءلاً بتريث :
, -أيوه يا منذر ، إنت فين ؟ لسه في المشتشفا ( مستشفى ) مع الست إياها ولا عملت ايه ؟
,
, أجابه الأخير بصوت قاتم :
, -أيوه أنا معاها في المستشفى !
,
, سأله طه بإهتمام وهو ينظر في اتجاه عواطف :
, -اخبارها ايه ؟
,
, رد عليه منذر بجدية:
, -حالتها متسرش ، بس لسه عايشة
,
, تنهد طــــه بعمق قائلاً :
, -الحمد**** ، **** يسترها معاها ، المهم أنا كنت عاوزك آآ٣ نقطة
,
, لم يدعه منذر يكمل عبارته للأخير حيث هاتف بصوت جاد للغاية :
, -معلش يا حاج لو هاقطعك ، بس في حاجة عرفتها ولازم أبلغك فيها
,
, اشتدت ملامح وجــه طــه، وتأهبت حواسه وهو يسأله بحذر :
, -حاجة ايه دي ؟
,
, انقبض قلب عواطف وهي تتابع بإهتمام تفاصيل تلك المكالمة الغامضة .. وأثار ريبتها وزاد من قلقها تبدل ملامح ونبرة الحاج طـــه ..
, ابتلعت ريقها بتوجس ، وتمتمت مع نفسها قائلة بخوف :
, -استرها يا رب علينا ، ده احنا ولايا ومالناش غيرك !
,
, مالت عليها نيرمين وهمست لها بصوت خفيض :
, -شكل الموضوع مش هايعدي على خير
,
, لكزتها عواطف بحذر في جانبها مرددة بخفوت :
, -اسكتي دلوقتي وخلينا نفهم في ايه !
,
, تابع الحاج طــــه مكالمته مع ابنه متساءلاً بإهتمام :
, -في ايه يا منذر ؟
,
, أجابه الأخير بحذر :
, -أنا عرفت تقريباً معلومات عن الست المرمية هنا في المستشفى !
,
, ضاقت نظرات طـــه وسأله مستفسراً :
, -طيب ودي فيها ايه ؟
,
, أجابه منذر بغموض أثار حفيظته :
, -فيها كتير يا حاج !
,
, سأله أبـــاه مجدداً بإهتمام أكبر وهو يضرب بعكازه الأرضية :
, -حد قريبنا يعني ؟
,
, رد عليه منذر بهدوء مريب :
, -اللي عرفته إن الست اسمها حنان ، وبنتها تبقى بنت ريــاض خورشيد
,
, كرر طـــه بلا وعي اسم الرجل الذي أثار اسمه انتباه جميع حواسه :
, -رياض خورشيد !
,
, اخترق الاسم مسامع عواطف وابنتها ، ونظرت كلاً منهما للأخرى بنظرات مصدومة ومذهولة ..
, عاودت عواطف التحديق في الحاج طـــه بخوف بائن على وجهها ، وهتفت بلا وعي وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها واستيعاب الصدمة :
, -هــــاه ، ر.. آآ.. ريـــاض ، قصدك أخويا ؟
,
, ســــأله طـــه مجدداً محاولاً التأكد من صحة تلك المعلومات التي أخبره بها بعد أن رأى تأثير عباراته على عواطف :
, -انت متأكد يا منذر ؟!
,
, أجابه ابنه وهو ينفخ في ضيق :
, -ده اللي سمعته منها !
,
, دنت عواطف من الحاج طـــه ، ورمشت بعينيها متساءلة بهلع :
, -مين يا حاج طــه ؟ قولي ؟
,
, هز رأسه بإيماءة واضحة مردداً بجدية :
, -استنى شوية يا منذر أما أعرف من عواطف ، هي واقفة قصادي
,
, أتاه صوت ابنه قائلاً بإيجاز عبر الطرف الأخر :
, -طيب !
,
, أبعد طــــه الهاتف عن أذنه ، ثم حدق في عواطف بنظرات عميقة متساءلاً بثبات :
, -انتي تعرفي واحدة اسمها حنان ؟
,
, خفق قلبها بقوة فور سماعها للإسم ، شكوكها باتت مؤكدة الآن ، وهتفت متمتمة بإرتباك كبير :
, -حنان !
,
, تابع طه متسءلاً بإهتمام :
, - أخوكي رياض عنده بنات ؟
,
, هزت رأسها بحركة قوية مرددة بلهفة :
, -ايوه ، بنته أسيف ، ومراته اسمها حنان
,
, وضع طـــه الهاتف على أذنه مجدداً ، وهتف بنبرة جادة وأنظاره مثبتة على عواطف المذعورة :
, -طلعت عارفاهم يا منذر ! اخوها عنده بت اسمها أسيف ، ودي مراته !
,
, تيقن منذر من صدق حدسه عقب تلك الجملة التأكيدية ، واستمع إلى صوت نواح وعويل عواطف المتواصل ..
,
, رد على أبيه متساءلاً بصوت جاد :
, -والمطلوب مني ايه ؟
,
, أجابه طــــه بصرامة :
, -ماتسيبهومش ، تقف جمبهم وتتصرف لو في أي حاجة !
, لطمت عواطف على صدرها مرددة بصدمة مفزوعة وهي تلتفت حول نفسها :
, -يا نصيبتي ؟ هي .. هي اللي في المستشفى تبقى .. آآ.. تبقى مرات المرحوم ، يا لهوي ، يا واقعة منيلة ، يا خرابي المستعجل ! أنا عاوزة أروحلهم دلوقتي ، وديني عندهم يا حاج
,
, أضـــاف طـــه قائلاً بنبرة شبه آمرة محذراً ابنه :
, -سامع يا منذر خليك معاهم لحد ما نجيلك ، واحنا مسافة السكة وهنكون عندك !
,
, رد عليه منذر بإقتضاب :
, -ماشي يا حاج !
,
, تابعت عواطف نواحها مرددة بتحسر :
, -يالهوي ، يبقوا كانوا جايين عشاني وعشان الدكان ، جت حنان لقضاها هنا ! أه لو كنت أعرف ، آآآه !
,
, حذرها طـــه قائلاً :
, -اهدي شوية يا عواطف ، مش كده !
,
, أكملت هي عويلها بآسى :
, - لا إله إلا **** ! لطفك بينا يا رب ، نجيها من عندك يا رب !
,
, انزعج طــــه من حالة التهويل الزائدة التي سيطرت عليها ، وهتف بحدة قليلة :
, -جرى ايه يا عواطف ، ماقولنا بلاش نواح ، خلينا نروح الأول المشتشفا ونشوف في ايه !
,
, حركت رأسها بالإيجاب مرددة بصوت مختنق أسف :
, -اه يا حاج ، وديني عندها ، حسرة قلبي عليها !
,
, هتفت نيرمين هي الأخرى وهي تهدهد صغيرتها برفق :
, -أنا جاية معاكو
,
, رد عليها طـــه بإيجاز وهو يشير بعكازه لها :
, -تعالي !
,
, ٣٠ نقطة
,
, اتجهت بسمــة إلى منزلها وهي تبرطم مع نفسها بكلمات متذمرة.
, لم يعبأ ببالها حالة الهرج الموجودة بالمنطقة ، فقد كانت تفكر فيما دار بينها وبين ديـــاب من مشادة أخرى كلامية.
, ابتسمت لنفسها بزهو لتمكنها من الرد عليه بجرأة فتمكنت من رد اعتبارها واستعادت كرامتها حينما جاء ليهددها في عقر دارها.
,
, تباطئت خطواتها حينما رأت سيارات الشرطة وأفرادها يحاصرون البناية ، فحدقت فيه بإندهاش.
, تساءلت مع نفسها متعجبة :
, -هما بيعملوا ايه عندنا ؟
,
, شهقت بقلق متمتمة لنفسها بعد ان طرأ ببالها اعتقاد ما :
, -لأحسن يكون البيت جايله إزالة وبيخلوه ، مش هايحصل ، مش هانسيب بيتنا !
,
, ولكن استبعدت تلك الفكرة تماماً عن اعتقادها حينما هدر الجزار عالياً بشماتة :
, -اللهم احفظنا ، عمارة سكانها فقر ، مصاحبين عزرائيل ، الداخل عندهم مفقود !
,
, التفتت نحوه وحدجته بنظرات مميتة ، ثم صاحت به بشراسة مهددة بذراعها :
, -جرى ايه يا جدع انت ! مش هاتلم نفسك ولا استحليت نومة البورش !
,
, نهض عن مقعده قائلاً بفظاظة :
, -النومة دي هاتطوليها قريب لما ياخدوكي كلابوش يا ست الأبلة مع أمك وأختك !
,
, ردت عليه بحدة قوية وهي ترمقه بنظرات نارية :
, -قطع لسانك الزفر ده !
,
, نظر لها شزراً ، وتابع ببرود مستفزاً إياها أكثر :
, -هو أنا جايبه من عندي ، صحيح تقتلوا القتيل وتمشوا في جنازته !
,
, حدجته بنظرات احتقارية ، وهمست لنفسها بضيق :
, -بيخطرف الراجل ده ولا باينه اتجنن ومخه اتلحس من الحبس !
,
, صــاحت فيه بقوة متعمدة إهانته:
, -أنا غلطانة اني بأعبر واحد زيك وبأتكلم معاه ! ده انت تشبهني بشكلك !
,
, اشتعل وجهه من ردها الغليظ ، وكور قبضته بغل ، وقبل أن ينبس بكلمة زائدة كانت هي قد انصرفت من أمامه ..
, تابعت سيرها حتى وصلت إلى تلك الحواجز الحديدية التي تسد الطريق المؤدي لمدخل البناية ..
, رأت عدداً من أفراد الشرطة يطوقون المكان ، ويمنعون كل من يقترب منهم ..
, وقفت قبالة أحدهم ، وسألته بجدية وهي تجوب بأنظارها المنطقة :
, -في ايه يا شاويش ، انت قافل السكة ليه ؟
,
, أشـــار لها العسكري بيده مردداً بحسم :
, -ممنوع يا ست !
,
, هتفت معترضة عن منعه إياها من المرور قائلة بإستغراب :
, -أنا داخلة بيتنا
,
, صاح بصرامة وهو جامد التعابير :
, -ممنوع ، أما البيه وكيل النيابة يؤمر !
,
, ســألته مندهشة :
, -**** ! ليه بس ؟
,
, أجابها بنبرة رسمية :
, -في حادثة حصلت جوا ، وبيعاينوا المكان كله !
,
, قطبت جبينها مندهشة مما سمعت ، ورددت متساءلة بغرابة :
, -حادثة ايه دي ؟
,
, ٣١ نقطة
,
, ولجت أسيف إلى داخل إحدى الغرف الجانبية خلف الممرضة التي أعطتها ورقة خاوية طالبة منها بجدية :
, -املي البيانات دي يا آنسة ، وشوية وهايجي الظابط ياخد أقوالك !
,
, حركت رأسها بإيماءة خفيفة مجيبة إياها بنبرة مرتعشة ومبحوحة :
, -حـ.. حاضر
,
, تابعت الممرضة مضيفة بجمود :
, -وبعدها تروحي الحسابات ، هاتحطي دفعة تحت حساب لحد ما نشوف هيحصل ايه بعد كده !
,
, ابتلعت أسيف ريقها بتوتر بعد جملتها الأخيرة ، فقد كانت لا تحمل من الأموال ما يكفي تغطية مصروفات المشفى ، فهي لم تتوقع وقوع هذا الحادث المأساوي لأمها.
, تنهدت بعمق وهمست بإرتباك :
, -ماشي ، بس أطمن على ماما الأول !
,
, ردت عليها الممرضة بجفاء قليل غير مكترثة بمشاعرها الحالية :
, -ده مالوش علاقة ، لازم تدفعي ، النظام هنا كده
,
, توسلتها أسيف بصوت خفيض :
, -طب ماينفعش نأجله شوية ، أنا معايا فلوس ، بس مش دلوقتي ، يعني في اللوكاندة وآآ..
,
, قاطعتها الممرضة بتأفف وهي عابسة الوجه :
, -يا آنسة لو عليا هاسيبها هنا وبلاش ، بس أنا بأوعيكي مدير المستشفى مش هايسيب أمك من غير ما تدفع دفعة تحت حساب !
,
, استنكرت أسيف تلك الإجراءات التعسفية المتبعة في هذا المشفى ، وعدم رأفة مديرها بالمرضى المتواجدين هنا وأصحاب الحالات الحرجة ، فهتفت معترضة :
, -ده انتو مستشفى حكومي ؟ مش خاص ولا آآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها الممرضة مصححة وهي تشير بسبابتها :
, -اه حكومي ، بس نضيف شوية وعندنا خدمة مميزة ، مش مجاني زي برا !
,
, حاولت قدر الإمكان إقناع الممرضة بتأجيل مسألة دفع النقود ريثما تتمكن من تدبير أمورها ، لكن أبت الأخيرة الانصياع لها ، فهي ملزمة بقوانين المكان الذي تعمل به ..
, في النهاية هتفت بإستسلام محبط :
, -ماشي ، هاتصرف
,
, ملأت البيانات بعقل شـــارد ، هي تفكر في وسيلة لإحضار المال ، ولكنها في نفس الوقت لا تستطيع ترك والدتها بمفردها دون أن تكون إلى جوارها في أصعب لحظاتها ..
,
, تابعتها الممرضة بنظرات غير مبالية بحالتها ، فهي ترى يومياً عشرات الحالات من أمثالها ، فإعتادت ألا تشفق على أحد ..
, وتعلمت أن الحياة بطبيعتها قاسية ، لا ترحم أحداً .. هي فقط تؤدي عملها ..
,
, -استني !
, صــاح بتلك الكلمة الآمرة منذر وهو يقف على عتبة مدخل الغرفة.
,
, استدارت أسيف في اتجاهه لتنظر نحو صاحب الصوت بعينين دامعتين فلم تلبث أن اكتسيتا بالدهشة ..
, انفرجت شفتيها الجافتين بتعجب من رؤيته بقسوته وغلظته يقترب منها ٣ نقطة
,
, تجاهل منذر أسيف ، وسلط أنظاره على الممرضة متابعاً بجمود جاد :
, -الكلام معايا أنا !
,
, ارتعدت قليلاً من حضوره القوي ، وهمست بصوت هامس شبه خائف :
, -آآ.. انت !
,
, تساءل منذر بصلابة وهو يبحث بجدية عن الأوراق الخاصة بالمصابة :
, -فين الحسابات بتاعتكو هنا ؟
,
, ثم ركز عيناه الحادتين على أسيف ليكمل بحزم :
, -أنا هادفع لأمها !
,
, أجابته الممرضة بإبتسامة متكلفة :
, -أول طرقة على شمالك يا حضرت ، الأوضة في الأخر
,
, صدمت أسيف مما قاله ، هي لم تتوقع أن يأتي ذلك الشخص تحديداً ويقدم لها العون في هذا الوقت العصيب ..
, نظرت له مذهولة ، وطالعته بغرابة عجيبة.
, رمقها منذر بغموض ، وتأمل تعبيراتها المصدومة بجمود أغرب ..
, كانت على وشك الحديث رافضة لعرضه لكنها تفاجئت به يتجاهلها ويوليها ظهره وكأنها نكرة.
, هي لا تحتاج للإحسان أو الشفقة من أحد ، وهو يتعمد معاملتها بتلك الطريقة الدونية كما لو كانت تتسول منه.
, استدار عائداً من حيث أتى ، فسارت بخطى سريعة خلفه مرددة بإرتباك :
, -لو سمحت .. آآ..
,
, أكمل سيره غير عابيء بها فتحولت طبيعتها المسالمة تدريجياً إلى الضيق.
, كانت تخطو بخطوات أقرب إلى الركض لتكون إلى جواره ، وأكملت قائلة بصوت متحشرج :
, -أنا بأكلمك يا أستاذ ، أنا مش بأشحت منك ولا عاوزة صدقة من حد !
,
, توقف عن السير فجــأة ، والتفت نحوها ليحدجها بنظرات قاتمة ، أتدعي عدم التسول وهي محترفة في تلك المهنة ( أو هكذا ظن ) .
, تجمدت في مكانها ، وابتلعت ريقها بصعوبة متابعة بنبرة مدافعة عن نفسها :
, -الحمد**** مستورة معانا ، وأنا آآ٤ نقطة
,
, رفع منـــذر كفه أمام وجهها ليجبرها على الصمت ، ثم هتف قائلاً بغلظة :
, -اللي بأعمله شيء يرجعلي ، أنا بس اللي أقرر آآ٣ نقطة
,
, قاطعته قائلة بإصرار :
, -لا يا حضرت ! ده موضوع يخصني
,
, حدث نفسه بإمتعاض وهو يرمقها بنظرات إحتقارية :
, -اعتبري اللي بيعمل خير بيكمله للأخر
,
, نظرت له بإنزعاج من طريقة نظراته المهينة لشخصها
, وتساءلت مع نفسها بحيرة دون أن تنطق :
, -انا مش فهماك بصراحة ، إنت ايه بالظبط ؟
, حدقت فيه بنظرات مطولة متعجبة ، فهو يجمع بين النقيضين .. القسوة والرحمة ، الشدة والعطف ، التهديد والأمان ..
,
, ولكن سريعاً ما تلاشى تحديقها المستغرب لتتبدل نظراتها للحدة والحنق حينما أردف قائلاً بشراسة :
, -بس اللي مستغربه إن واحدة من عيلة خورشيد تقبل تشتغل كده
,
, سألته بنبرة شبه غاضبة :
, -قصدك ايه ؟
,
, أجابها بجفاء وقد زاد عبوس وجهه :
, -ماتعمليش عبيطة انتي فاهمة كويس !!
,
, ثم تركها وتابع سيره دون إضافة المزيد ..
, لحقت به مرددة بتذمر من طريقته الفجة في الحديث :
, -استنى لو سمحت إنت بتكلم عن ايه ؟
,
, وفجــــأة ارتفع ضجيج شجـــار ما من على مسافة قريبة منهما.
, توقف الاثنان عن الحديث والتفتا نحو مصدره.
,
, وقف أحد الأشخاص في بداية الرواق ممسكاً بعصا غليظة في يد ، وسلاح حــــاد ( ما يشبه الساطور ) في اليد الأخرى ، وتجمع من خلفه عدداً من مؤيديه.
, تفرس منذر في وجه ذلك البلطجي بقلق واضح ، فهو يعرف تلك النوعية من الأفراد حادي الطباع حينما يأتون للمشفيات ، بالطبع يكون السبب وفاة أحدهم واعتقادهم أنه لم يتلقَ الرعاية الطبية المناسبة .
, تسمرت أسيف في مكانها مصدومة مما تراه ، فقد كانت سابقتها الأولى والتي ترى فيها على أرض الواقع شجار فعلي عنيف.
,
, صـــاح الشخص قائلاً بصوت جهوري :
, -هاتولي الضاكتور اللي هنا ، مش سايبه قبل ما أخلص عليه !
,
, لم يجرؤ أحد على إعتراض طريقه منذ إقتحامه وهو أفراد جماعته للمشفى ..
, فقد باغتوا الجميع بهجومهم الشرس على العاملين به ، وكالوا لهم بالضرب والركل والتدمير ما جعلهم يتراجعون فوراً ويفرون من أمامهم.
, حاول أفراد الأمن التدخل لكنهم لم يتمكنوا من صدهم ، فقد فاقوهم عدداً ..
,
, أكمل الشخص الغاضب صراخه المنفعل :
, -مش هامشي من هنا غير لما أخد روحه ، بقى ابني يموت في الـ ٨ نقطة دي وتقولولي قضا **** ! أومال أمه ولدته هنا ليه ؟ وحاطتوه في حضانة ليه ؟
,
, انتبه منـــذر لصوت ممرضة مرتجفة تقف على بعد خطوتين منهما مرددة لزميلتها بخوف :
, -مش ده الراجل اياه ، اللي ابنه مات في الحضانة امبارح !
,
, أجابتها بصوت مرتعد :
, -اه هو .. حلفان ليموت الدكتور ومدير المستشفى وكل واحد كان ليه علاقة بالموضوع !
,
, تابعت الممرضة الأولى قائلة بجدية :
, -بس ده نصيبه ، الولد أصلاً مولود قبل ميعاده بكتير ، وكان عنده مشاكل صحية كتير وحالته حرجة ، يعني كده كده كان هيموت !
,
, إرتعاشة قوية دبت في أوصــــال أسيف وهي تتابع ذلك المشهد العنيف بخوف أكبر.
,
, لم يطل البلطجي في صياحه المهدد ، بل إندفع كالثور الهائج – وبلا وجهة محددة – لينقض على من تطاله يده ويعتدي عليه بشراسة .
, تبعه أفراد جماعته وأكملوا اعتدائهم الوحشي محطمين في طريقهم محتويات المشفى من مقاعد وأدوات وسلات مهملات .
,
, استدار منذر برأسه نحو أسيف ليحدق بها بقلق كبير ، هو يعلم أن هجوم كهذا لن يمر على خير وسيخلف ورائه مصابين وجرحى و٤ نقطة !!
 
١٥
أنهت ولاء مكالمة هاتفية موجــــــزة مع مــــازن أخبرها فيها بأنه سيعقد قرانه عليها رسمياً الليلة ليتزوجا فعلياً وليس بعقد عرفي.
, قفز قلبها من السعادة ، وركضت ناحية والدتها مرددة بفرح :
, -حصل يا ماما ، حصل خلاص !
,
, سألتها شادية بإستغراب وهي عاقدة ما بين حاجبيها :
, -هو ايه ؟
,
, أجابتها بتلهف وهي تضم قبضتي يدها إلى صدرها :
, -مازن هيتجوزني رسمي النهاردة
,
, ابتسمت أمها بزهو ، ورددت بتفاخر :
, -مش قولتلك !
,
, لوحت ولاء بكف يدها في الهواء مرددة بحماس :
, -محتاجة أحضر حاجات كتير وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعتها والدتها بجمود جاد :
, -مالهاش لازمة ، أهم حاجة يبقى معاكي ورقة رسمي تضمن حقوقك !
,
, تساءلت ولاء بقلق خفيف :
, -طب ويحيى ؟
,
, أجابتها شــــادية بهدوء وثقة :
, -من بكرة هاكلم المحامي وأخليه يشوف ايه المطلوب من اجراءات لنقل الحضانة ليا ، وأهو نبقى مأمنين نفسنا !
,
, اتسعت ابتسامتها السعيدة هاتفة :
, -كده صح يا ماما
,
, ثم ضـــاقت نظراتها ، واشتدت تعابير وجهها نوعاً ما . قالت هي من بين أسنانها بغيظ قليل :
, -ياما نفسي أشوف شكل دياب لما يعرف ده
,
, حذرتها والدتها قائلة بنبرة عقلانية :
, -اهدي وماتستعجليش ، استني لما نعمل كل حاجة في الدرى ، وبعدها يعرف براحته
,
, أومـــأت برأسها إيجاباً وهي تردد :
, -تمام ، هاصبر واستنى !
, ٣٥ نقطة
,
, تأججت الصدامات العنيفة بين العاملين بالمشفى الحكومي والبلطجي الغاضب.
, لم يرتدع أفراد جماعته من التهديدات المحذرة بالقبض والحبس بل استمروا في التخريب.
, تلفت منذر حوله بنظرات سريعة محاولاً البحث عن مكان لتخبئة تعيسة الحظ قبل أن يتفاقم الوضع ويتجهوا للإشتباك معهم ، فهم لا يفرقون بين أحد ..
, تفاجئت أسيف بذلك الغريب يقبض على ذراعها بيده القوية ، فحدجته بنظرات حادة للغاية مستنكرة فعلته ، وقبل أن تنفرج شفتيها لتخرج كلماتها الغاضبة الرافضة لحركته الجرئية وجدته يجذبها خلفه مردداً بصوت صارم للغاية :
, -تعالي معايا
,
, قاومته مرددة بصوت متحشرج مصدوم :
, -إنت .. لو سمحت !
,
, وقعت عيناه مصادفة على إحدى اللافتات ، فقرأ لافتة ( غرفة الممرضــــات ) معلقة على حائط حجرة قريبة ، فطرأ بباله الاختباء بها واصطحاب ابنة خورشيد معه لحمايتها.
,
, تساءلت أسيف مجدداً بخوف وهي تحاول تخليص ذراعها من قبضته الغليظة :
, -إنت واخدني على فين ؟
,
, دفعها بقوة للأمام نحو باب الغرفة ، ثم أجابها بغموض آمر :
, -خشي جوا !
,
, ما كان منها إلا إتباع أمره رغم اعتراضها لكنها كانت ترى الوضع المتأزم بالخـــارج.
, مشادات كلامية حادة ، واشتباكات بالأسلحة البيضاء والعصي ، إذن الأسلم لها الابتعاد تواً.
, تناست – رغماً عنها - مؤقتاً قلقها المفزوع على صحة والدتها نتيجة للصدمة المفاجأة المهددة بإهدار حياتها .
, ولج منذر للداخل خلف أسيف ، وأغلق الباب ، فاعترضت الممرضات المختبئات بالغرفة على تواجد الاثنين معهما.
, هتفت إحداهن قائلة بعصبية رغم خوفها :
, -ممنوع تيجوا هنا ! اتفضلوا برا !
,
, رد عليها منذر بإنفعال وهو يشيح بيده :
, -انتي مش شايفة اللي بيحصل برا ؟!
,
, هتفت قائلة بنبرة مرتفعة :
, -دي اوضة التمريض ، للعاملين بس هنا ، مش لـ آآ٣ نقطة
,
, قاطعها منذر مردداً بصرامة :
, -ششش ! اسكتي ، احنا هنفضل هنا غصب عنكم
,
, ثم سلط أنظاره على أسيف وتابع بحسم غير قابل للنقاش :
, -وخصوصاً هي !
,
, توترت بشدة عقب جملته الأخيرة ، ونظرت له مدهوشة من صرامته الغريبة نحوها وكأنه يمتلك زمام أمرها.
,
, لم تفق أسيف بعد من إندهاشها الصادم إلا على صوت دفعة قوية للباب الذي ضرب ظهر منذر بقسوة فإندفع نحوها كردة فعل طبيعية ليرتطم بها دون قصد ..
, ضرب صدره جسدها فشهقت مذعورة ، وتلون وجهها بحمرة كبيرة
, اضطربت بصدمة مما حدث ، وحدقت فيه بتوتر رهيب ..
, تمالك منذر نفسه سريعاً وتراجع مبتعداً عنها للخلف شاعراً بالحرج منها .
, هو يعلم أن الأمر غير مقصود ، لكنه لا يحبذ أن يكون في مثل تلك الأوضاع الحرجة.
,
, لم تتخيل أسيف نفسها أن تكون في موقف كهذا أبداً ، بل لم تجرؤ على التفكير في حدوث ذلك في أحلامها الوردية .
, ابتعدت بخجل شديد عنه لتدنو من الممرضات لكنها باتت مكشوفة لأحد البلطجية الذين اقتحموا الغرفة وأعينه تطلق شرراً مستطراً .
, اختفى ذلك الإحساس المنزعج من اقترابه الغير مقصود منها فوراً ليحل بديلاً عنه شعوراً بالغضب والشراسة حينما رأى البلطجي يصيح بنبرة مهددة :
, -هاجيب رقابتكم !
,
, تجمدت أنظار البلطجي على أسيف ، خاصة وأن ثيابها كانت ملطخة بالدماء ، فظن أنها واحدة من طاقم التمريض التابع للمشفى. وبالتالي الإعتداء عليها سيكون كأخذ للثأر ونيل رضـــا رب عمله الذي أتى به إلى هنا.
,
, قرأت أسيف في عينيه الشرستين توعدات عدائية مهلكة ، فقفز قلبها في قدميها هلعاً منه ، وانكمشت على نفسها أكثر.
, تراجعت ببطء للخلف ، ورغم ذلك لم تبعد عيناها المذعورتين عنه.
,
, تحرك البلطجي للداخل بوجـــــه قاتم مكفهر للغاية.
, استدار منذر ليواجهه ، وسد بجسده الطريق عليه مانعاً إياه من المضي قدماً ، وهاتفاً بتحدٍ سافر وهو يحدجه بنظرات مظلمة مخيفة:
, -خطوة واحدة كمان لجوا ، ورقبتك هاتكون تحت رجلي !
,
, رد عليه البلطجي ساخراً منه :
, -ومين المحروس اللي بيتكلم ؟
,
, رد عليه منذر بوعيد صريح وهو يشمر عن ساعديه :
, -المحروس ده هايعرفك بنفسه هو مين !
, ٤٤ نقطة
,
, في نفس التوقيت ، وصل الحاج طـــه وبصحبته عواطف وابنتها والرضيعة إلى المشفى .
, تفاجيء هو بحالة الهرج السائدة بالخـــارج والصراخ الصادر من أروقة المبنى ، فتساءل متعجباً وهو يتلفت حوله :
, -هو ايه اللي بيحصل هنا ؟ في ايه يا ناس ؟
,
, أجابه أحدهم بصوت لاهث :
, -بلطجية هجموا على المستشفى !
,
, شهقت عواطف بفزع وهي تلطم على صدرها :
, -ايه ، يا لهوي بالي ! عشان تبقى كملت !
,
, جحظ الحاج طـــه بعينيه مرتعداً على ابنه المحبوس بالداخل ، خشى من حدوث الأسوأ له . وبلا تردد في التفكير أسرع بإخراج هاتفه المحمول من جيب جلبابه ، وهاتف ابنه دياب قائلاً بصياح :
, -انت فين يا دياب
,
, أتاه صوته على الطرف الأخر مردداً بهدوء :
, -في البيت يا أبا ، خير في حاجة ؟
,
, أجابه طــه بصوت حاد ومزعوج :
, -لم الرجالة وتعالى بسرعة على مشتشفا (( ٣ نقطة)) ، أخوك بيضارب هناك !
,
, صـــاح دياب مذهولاً وبحزم :
, -منذر ، جايلك طوالي أنا والرجالة !
,
, وبالفعل لم يكذب دياب خبراً حيث بدل ثيابه المنزلية بأخــرى وهو يركض بلهفة نحو الخارج وهاتفاً أحد رجال وكالتهم ليأمره بجمع أكبر قدر من رجاله عند المشفى الحكومي.
, ٣٤ نقطة
,
, صرخت الممرضات بفزع كبير حينما رأين ذلك البلطجي يقتحم الغرفة مهدداً بقتلهن.
, تصدى له منذر ، وجابهه قائلاً بصوت محتد :
, -وربنا لأندمك على كلامك !
,
, رد عليه البلطجي بنبرة عنيفة :
, -ده أنا هاشقك نصين !
,
, ثم رفــــع سلاحه الأبيض عالياً مهدداً بضربه به ، لكن كان منذر الأسرع في الإمساك برسغه ليثبته قبل أن يتهاوى به عليه.
, صاحت أسيف والممرضات عالياً بصراخ مرعوب حينما رأين ذلك العنف المفرط نصب أعينهن.
,
, لكز البلطجي منـــذر في جانبه بركبته القوية بعنف رهيب ، فتأوه الأخير متألماً بشدة من إثر الضربة وانحنى للأمام بجذعه لكنه لم يفلت يده عن معصمه ، وظل قابضاً عليها بكل قوته.
,
, وضعت أسيف يدها على فمها لتكتم صوت شهقاتها المرتعدة ، وتراجعت مع البقية لأقصى زاوية بالغرفة راهبة ذلك المشهد المخيف .
,
, جاهد البلطجي لإفلات يده الممسكة بالسلاح الأبيض لكنه عجز عن هذا فقد كانت مشبثة بإحكام ، ومع هذا التوى ثغره بإبتسامة متشفية وهو يرى أثر ضربه على ذلك الجريء الغامض.
, وتابع اعتدائه على منذر ، لكن الأخير استغل فرصة اقترابه الشديد منه ، وسدد له برأسه ضربة قوية مباغتة في مقدمة جبينه جعلت توازنه يختل ويترنح .
, عاود تكرار الضربة بشراسة أكبر وكأنه استجمع كل قواه الغاضبة وركزها في تلك التسديدة العنيفة . وأعقبها بلكمة عنيفة من يده نحو فكه.
, زاد ترنح البلطجي وتراخى ذراعه ، وبدا في حالة غير متزنة.
, جذب منذر إحدى المزهريات المعدنية القريبة منه ، وانهال بها أولاً على رأسه ، ثم على كتفه ، وجانبه ، وذراعه الأخر بضربات متلاحقة ومتتالية ليفقده قواه بالكامل ..
, في أقل من ثوانٍ معدودة كان مسيطراً كلياً عليه.
,
, تنفست الممرضات الصعداء لوجوده معهن ، فقد تمكن من حمايتهن قبل أن تطالهن أيدي ذلك البربري المتوحش.
,
, لـــوى منذر ذراع البلطجي خلف ظهره، وأسقطه عنوة على الأرضية ممدداً جسده عليها ، وجثى فوقه مثبتاً إياه بركبته القوية.
, ضربه بعنف شرس في ظهره قائلاً بعصبية :
, -هاعرفك منذر حرب هايعمل ايه ؟
,
, صرخ البلطجي بصعوبة من بين شفتيه الملتصقتين بالأرضية :
, -أنا ماليش دعوة ، أنا جاي مع سيدنا ناخد بتار ابنه !
,
, رد عليه منذر بصوت متوعد وهو يضغط أكثر على فقرات ظهره مسبباً له الآلم الموجع :
, -غلطت لما جيت تاخده مني ومن اللي يخصني !
,
, ( يخصني ) أثارت تلك الكلمة حفيظة أسيف ، هي ليست تابعة له ، ولا علاقة لها به من قريب أو بعيد ليردد هذا بثقة . لذا من أين اكتسب هذا اليقين ؟
, مجرد صدف متتالية جمعتهما سوياً ، ومواقف عصيبة فُرضت عليهما ليكونا معاً ، فكيف يجزم أمراً كهذا وكأنه يعرفها منذ زمن وهناك روابط وصلات عميقة بينهما.
, ٤٥ نقطة
,
, على الجانب الأخر ، وقفت عواطف إلى جوار ابنتها في الخلفية لاعنة الحظ العثر الذي يلحق بعائلتها ، والنحس الملازم لها ، فلم تكد تخرج من مصيبة حتى تلحق بها الأخرى.
, هتفت نيرمين بجزع :
, -شكلها هتولع على الأخر لو ابن الحاج طه جراله حاجة جوا
,
, ردت عليها بتذمر :
, -كنا ناقصين ده كمان ، مش كفاية مرات المرحوم وبنته اللي مش عارفين عنهم حاجة !
,
, حركت نيرمين فمها للجانبين قائلة بتخوف :
, -**** يسترها معاهم كلهم
, -يا رب أمين !
,
, كذلك تجمع العشرات من رجال الحاج طـــه ومحبيه حول المشفى محملين بالعصي الغليظة والجنازير والأسلحة البيضاء – وعلى رأسهم دياب - من أجل التدخل والاشتباك مع عُصبة ذلك البلطجي.
,
, صـــاح دياب بصوت جهوري في رجاله :
, -لو شعرة واحدة اتمست من أخويا هتتحاسبوا انتو !
,
, رد عليه أحدهم بجدية :
, -اطمن يا سي دياب ، الريس منذر هيطلع منها بخير
,
, وأضاف أخر بصوت مرتفع ومتحمس :
, -وراك رجالة يا حاج طـــه
,
, استنفر الجميع ، وتأهبوا للهجوم فوراً على المشفى ..
, وقبل أن ينطلقوا نحو مدخل المشفى كانت سيارات الشرطة تطوق المكان.
, ترجل أحد الضباط من إحدى السيارات صائحاً بصوت آمر :
, -ايه اللي بيحصل هنا ؟ هي مش فوضى !
,
, رد عليه دياب بغلظة :
, -أنا مش هاستنى لما ألاقي أخويا مقتول جوا وأنا واقف برا بتفرج عليه
,
, نهره الضابط مردداً بحزم صـــارم :
, -احنا هنتصرف بالقانون ، اتفضل خد رجالتك وابعد وإلا هاقبض عليكم كلكم !
,
, هنا تدخل الحـــاج طـــه مانعاً ابنه من التهور قائلاً بحذر :
, -استنى يا دياب نشوف البيه هايعمل ايه
,
, اعترض دياب قائلاً بصوت مهتاج :
, -يا أبا آآ٣ نقطة
,
, حدجه بنظرات حادة للغاية تحمل الصرامة وهو يردد مقاطعاً إياه بإيجاز حاسم :
, -ديـــــاب ! هي كلمة !
,
, على مضض كبير ، وبصعوبة بالغة اضطر دياب أن يرضخ لأمر أبيه ، وتراجع عدة خطوات للخلف ليبقى إلى جوار رجـــاله.
, واصلت عواطف دعواتها الخفية لعل **** يستجيب لها ولا يحدث الأسوأ.
,
, ٢٨ نقطة
,
, تنهدت الممرضات بإرتياح وتنفسن الصعداء لتمكن منـــذر من تقييد حركة ذلك المعتدي وفرض سيطرته الكاملة عليه.
, وبالطبع لم يتوقف هو عن ركله ولكزه وإيلامه كنوع من التعنيف القاسي لتجرأه على شخصه.
, هتفت إحداهن ممتنة :
, -كتر خيرك على اللي عملته ، امسكه كويس بس !
,
, بينما أضافت أخرى بتوتر وهي تشير بيدها :
, -اه ، احنا هنبلغ الأمن
,
, وعلقت ثالثة بصوت متلهف شبه خائف :
, -ايوه ، بسرعة يالا !
,
, وزع منذر أنظاره عليهم مردداً بثقة مغترة :
, -ماشي نادوا أي حد لو برا ، أنا مكتفه كويس !
,
, ثم سلط أنظاره متعمداً على أسيف ليضيف بتباهي :
, -المفروض متخافوش ، إنتو معاكو منذر حرب !
,
, رمقته أسيف بنظرات غامضة ، ولم تعلق مثل الأخريات عليه ، فقد استشعرت غروره الواضح وتفاخره الزائد أمامها ، واكتفت بالتنحي في أقصى الزاوية بالغرفة .
,
, لمحت هي بطرف عينها وجود باب جانبي موارب قليلاً يطل على غرفة ما ، فإشرأبت بعنقها لترى ما بداخله بحذر. اكتشفت أنه المرحــاض ، فأسرعت نحوه لتختبيء به ، وأوصدت الباب خلفها.
, كان ملاذها الوحيد لتبقى آمنة من أي خطر خارجي أو داخلي يهددها ، هكذا ظنت في نفسها .
, وقفت أمام المرآة تطالع هيئتها المزرية ، فأخرجت من صدرها زفيراً منهكاً.
, لم تتوقع أن تمر بكل تلك الظروف العصيبة في وقت قصير.
, أن تكون والدتها بين الحياة والموت ، وأن تصبح هي على شفا حفرة من الموت.
, بكت عفوياً متأثرة بكل شيء.
, هي " أسيف " مثلما أطلق عليها أبيها ( رقيقة القلب سريعة البكاء )
, مدت يدها لتفتح الصنبور ونثرت المياه على وجهها ، ثم سحبت بعض المناشف الورقية لتجففه به.
, حاولت أن تضبط أعصابها لتفكر بروية في فيما ستفعله.
, رتبت أفكارها بتأنٍ ؛ هي عليها أن تخرج من محبسها لتطمئن على حال أمها ، وبعدها تحضر الأموال المطلوبة لسداد قيمة فاتورة المشفى من الفندق ، ثم تبقى إلى جوار والدتها حتى تتماثل للشفاء.
, ٣٣ نقطة
,
, رتب ضباط وأفراد الشرطة خطة سريعة وعاجلة لإقتحام المشفى وانقاذ من به ..
, وبالفعل بدأوا التنفيذ .. ودخلت مجموعات منظمة للإستقبال ، وتدريجياً سيطروا على الوضـــع الراهن وأمسكوا بمن تطاله أيديهم .
, فلم تكن تلك العصبة بمحترفي الإجرام ، وإنما مجموعة منوعة ما بين الخارجين عن القانون أو المجاملين للبلطجي الغاضب. فاستطاعوا بحرفية إلقاء القبض على عدد كبير منهم.
, وفي الأخير استسلم قائده يائساً بعد تنفيسه عن غضبه المشتعل ، وتم تكبيله بالقيود المعدنية واقتياده للخـــارج .
,
, ٣٥ نقطة
, طــــال تفكير أسيف بداخل المرحاض حتى لم تعد شاعرة بالوقت ، لكنها انتفضت فزعة في مكانها حينما سمعت تلك الدقات القوية على الباب مصحوبة بصوت حاد وآجش :
, -مش هاتفضلي حابسة نفسك جوا كتير ، اطلعي ، معدتش في حاجة تخوف !
,
, انزعجت من ظنه أنها تهابه ، لن تنكر أنها شعرت بهذا في البداية ، لكن مع الصدمات التي يمر بها الإنسان يتعود تدريجياً أن يكون أقوى ، ويتعلم كيفية البقاء وسط غابة الأشراس.
,
, دق بعنف أكبر على الباب مردداً بصوت صـــارم :
, -يالا يا بنت خورشيد !
,
, أغضبتها طريقته المستفزة ، فاتجهت نحو باب المرحاض لتفتحه بحدة.
, وجدته واقفاً أمامها يحدجها بنظرات قاتمة ، فهتف فيها بضجر وهو عابس الوجه :
, -المولد اتفض !
,
, دققت النظر بعينيها للخـــارج فلم ترَ أي أحد بالغرفة. فتساءلت بإستغراب متقطع :
, -اومال آآ.. اللي كان آآ٣ نقطة
,
, أجابها بنفاذ صبر :
, -زمانت البوليس بيروق عليه !
,
, تذكرت حال والدتها فجـــأة ، وأنها تناستها أكثر من اللازم ،فاتسعت عيناها بشدة ، ووضعت يدها على فمها كاتمة شهقتها ومرددة بصوت غير واضح :
, -ماما !
,
, اندفعت للخـــارج دافعة منذر من كتفه بأقصى قوتها فحدجها بنظرات غريبة متعجبة من تبدل حالها في ثوانٍ معدودة.
,
, هرولت في الرواق باحثة عن أمها وهي تلوم وتوبخ نفسها بشدة لتقاعصها عن متابعتها.
, شعرت أنها خذلتها لمجرد تفكيرها في نفسها.
, نزلت إلى الاستقبال تفتش عمن يرشدها عنها .
, تفاجئت بوجود حشد من رجال الشرطة بالمبنى.
, وقعت عيناها على الممرضة التي أبلغتها بمليء الأوراق ، فركضت نحوها ، واقتربت منها ، ثم هتفت بصوت لاهث :
, -لوسمحتي !
,
, التفتت الممرضة نحوها ، ووقفت قبالتها متأملة إياها بنظرات منزعجة.
, سألتها أسيف بتلهف :
, -ماما ، متعرفيش حصلها ايه ، الحاجة حنان اللي كانت في الطواريء وآآ٤ نقطة
,
, تذكرتها الممرضة على الفور فردت عليها بإقتضاب :
, -ايوه عارفاها
,
, سألتها أسيف مجدداً بتخوف :
, -هي عاملة ايه طمنيني **** يكرمك ، انا اتلبخت في الراجل اللي هجم علينا وآآ٣ نقطة
,
, ردت عليها الممرضة مقاطعة بجمود :
, -اه فاهمة ، هي عموماً اتنقلت العناية المركزة ، وممنوعة من الزيارة بأوامر الدكتور
,
, تنفست أسيف الصعداء لعدم تدهور حالة والدتها ، وسألتها بإستعطاف :
, -طب مش هاعرف أشوفها ؟ عاوزة أطمن عليها **** يكرمك !
, ردت عليها الممرضة بجفاء :
, -ده اللي أعرفه عنها !
,
, ثم أشارت بذراعيها في الهواء متابعة بضجر :
, -وأكيد إنتي شايفة الوضع دلوقتي عامل ازاي ، كلنا بنحاول نشوف الأضرار اللي عملها البلطجي ده !
,
, هزت رأسها بتفهم ، وقبل أن تنطق مجدداً تركتها الممرضة وانصرفت.
, وقفت أسيف في مكانها عاجزة عن التفكير بذهن صافي. فبالها أصبح مشغول كلياً برؤية أمها.
, هي اطمأنت على حالها إلى حد ما ، لكنها تتوق إلى رؤيتها بعينيها ليهدأ قلبها الملتاع عليها.
,
, تبعها منــــذر بخطوات متريثة لكنه لم يبعد عيناه الثاقبتين عنها ، أوقفه أحد أفراد الشرطة ليستجوبه بعد أن دلت عليه إحدى الممرضات المحتجزات بالداخل وأبلغتهم بأنه ساعدهم في منع مجرم ما من الإعتداء عليها وعلى زميلاتها.
, ٣٥ نقطة
,
, لم يمضِ الكثير حتى ولج دياب وباقي رجـــاله للداخل لتفقد حال منــذر بعد أن نفذ صبره.
,
, لحق به والده وعواطف وابنتها كل يبحث عمن يخصه.
,
, صـــاح دياب بصوت متحشرج :
, -حصلك حاجة يا منذر ؟ قولي !
,
, ثم دقق النظر فيه متفرساً تفاصيله ليتأكد من عدم إصابته بمكروه متابعاً بحدة عصبية :
, -انت كويس ؟ فيك حاجة ؟ حد اتعرضلك ؟ وربنا أعمل معاه الصح وادفنه هنا
,
, رمقه الضابط بإزدراء قائلاً بتحذير :
, -هي مش فتونة يا اسمك ايه انت !
,
, رد عليه دياب غير مكترث به :
, -لا يا باشا ، ده أخويا ، يعني لحمي ودمي !
,
, هتف منـــذر بصوت هاديء عقلاني :
, -خلاص يا دياب ، متفردش دراعاتك على الحكومة ، الموضوع مش مستاهل !
,
, ضغط ديــــاب عى شفتيه بقوة ، وحدج الضابط بنظرات محتقنة للغاية ولم ينطق بالمزيد.
,
, بحثت عواطف عن ابنة أخيها وسط الحضور ، تلك الصغيرة التي لم ترها من قبل ، ظلت تتخيل شكلها ، ومن تشبه ، لكنها لم تتوقع أن تلقاها في ظرف كهذا.
,
, اقتربت من منـــذر وسألته بصوت متلهف وعيناها تدوران بحيرة وخوف في أرجاء المكان :
, -فين بنت أخويا ؟ هي .. هي مش كانت معاك ؟
,
, التفت هو نحوها ، ونظر لها بوجهٍ خالٍ من التعابير مجيباً إياها بإقتضاب ومشيراً بعينين جامدتين :
, -أعدة هناك !
,
, استدارت بجسدها إلى حيث أشـــار ، فاضطربت أنفاسها ، وتوترت دقات قلبها أكثر وهي تمعن النظر في تلك الجالسة على المقعد المعدني المنزوي.
,
, توقفت نيرمين في مكانها مترددة فيما تفعله وفضلت أن تتابع المشهد من بعيد ، وألا تتدخل فيه ، وراقبت بفضول ردة فعل والدتها مع ابنة خالها.
, شعرت عواطف بالإرتباك والخوف وهي تقترب منها رويداً رويداً ..
, حاولت أن تتفرس في وجهها لترى ملامحها بوضوح.
, رأت تلك اللمحات الحزينة الطافية على قسمات وجهها المجهد ، وذلك العبوس الجلي المعبر عن حالها.
,
, ظلت تدنو منها بتمهل دارسة لكل شيء فيها.
, تمنت لو كانت تجمع سمات أبيها الراحل فتعوض عن غيابه بوجودها حية معها وفي وسطهم.
,
, وقفت قبالتها ، وعمقت نظراتها إليها.
, هتفت بلا وعي وبصوت يمزج بين الفرح والبكاء :
, -آ.. أسيف !
,
, كانت الأخيرة شــــاردة في عالم أخـــر خاص بها ، لم تستطع الانصراف دون رؤية والدتها أولاً ، فأثرت البقاء حتى تطمئن عليها بنفسها.
, لم تشعر بنفسها وهي تبكي في صمت متحسرة عليها.
, ظلت تدعو **** بتضرع بقلبها لعله يهون عليها وينجيها مما هي فيه.
, انتبهت إلى صوت تلك السيدة المنادية بإسمها ، فرفعت رأسها في اتجاهها ، ونظرت نحوها بغرابة بأعينها الدامعة.
,
, أكملت عواطف قائلة بصوت خفيض وحاني وهي تطالعها بنظراتها الدافئة :
, -أنا عمتك عواطف يا بنت أخويا الغالي ٥ نقطة!!
 
١٦
ضجرت بسمة من الانتظــــار أمام الحاجز المعدني ، وتلفتت حولها بإستياء محاولة التفكير في وسيلة تمكنها من الصعود لمنزلها.
, كان الأمر شبه مستحيل بسبب الحصار الأمني حول البناية بسبب حادث إصابة تلك السيدة مجهولة الهوية ، في الأخير اضطرت أن تذهب إلى حديقة قريبة من منطقتهم الشعبية لتمكث بها.
, وطوال تلك المدة حاولت مهاتفة أمها وأختها ، ولكن دون جدوى ، رنين متواصل ، ولا إجابة على الإطلاق .
, زفرت لأكثر من مرة مرددة بيأس لنفسها :
, -عيلة مامنهاش أمل خالص ، كل ما أعوز حد فيهم يختفوا ، هافضل أنا كده مقضياها في الشـــارع !
,
, نفخت بصوت مسموع متابعة حديث نفسها وهي تدور بعينيها ببطء على ما حولها :
, -استغفر **** العظيم ، كله بسبب أر الجزار الفقر ده ! عينه مش رحماني !
,
, لمحت أحد الباعة الجائلين المتخصصين في بيع الحلوى منزلية الصنع ، فنهضت من مقعدها ، وهتفت فيه بصوت مرتفع :
, -انت يا عم ! استنى !
,
, توجهت نحوه ، وتفقدت بنظرات ثاقبة متفحصة ما معه لتشتري المناسب لها لتسد جوع معدتها الخاوية.
, عاودت الجلوس على مقعدها ، وقضمت قطعة كبيرة من الحلوى متناولة إياها بشراهة ، ولم تتوقف عن محاولة الاتصال بعائلتها.
, ٣٨ نقطة
,
, وصلت أخبار الحادثة الغريبة إلى مسامع الحاج مهدي وابنه ، لكن لم يهتم الأخير كثيراً بمعرفة التفاصيل.
, مجرد أحاديث عابرة من المارة ورواد المطعم جذبت انتباهه فردد مستنكراً :
, :
, -أل يعني المشرحة ناقصة قتلى عشان الشرطة تيجي وتعملها حكاية
,
, رد عليه أبيه بتذمر من أسلوبه الغير مكترث :
, -خليك في نصيبتك انت !
,
, نظر مـــازن نحوه بطرف عينه قائلاً :
, -مش خلاص هنحلها
,
, أسند مهدي كفيه على سطح مكتبه مردداً بتوجس :
, -ربك بس يسترها ومنعلقش مع دياب !
,
, رد عليه مــــازن غير مبالٍ بتبعات ما سيحدث :
, -ولو علقنا ، ايه يعني ؟!
,
, نظر له والده شزراً ، وهتف متبرماً من استخفافه بالأمور :
, -هاتفضل طول عمرك متسرع ومتخلف وباصص تحت رجلك !
,
, نفخ مــــازن قائلاً بنفاذ صبر :
, -ما كفاية تهزيق يا حاج
,
, رد عليه مهدي معللاً :
, -ماهو أنا مبؤوء ( مزعوج ) منك ومن عمايلك !
,
, نهض مــــازن من على مقعده قائلاً بإقتضاب وهو عابس الوجه :
, -أنا ماشي
,
, رد عليه والده بإزدراء :
, -يكون أحسن ، وماتتأخرش عن مشوار بالليل
,
, لم يعلق عليه مـــازن ، بل اكتفى بالتحديق المنزعج نحوه ، ثم انصـــرف من أمامه وهو يبرطم بكلمات غير مفهومة.
,
, ٣٨ نقطة
,
, بعد برهــــــة كانت بسمة قد ملت من جلستها الغير مفيدة تلك ، فقررت العودة إلى منزلها.
, وبالفعل وجدت أفراد الشرطة يجمعون أشيائهم ، فهتفت بإرتياح :
, -أخيراً هاطلع بيتنا ، كانت شورة مهببة إني أفضل كده !
,
, انتظرتهم حتى أفسحوا الطريق للجيران للولوج والخروج ، فخطت إلى داخل بنايتها .
, قابلتها أثناء صعودها على الدرج إحدى الجارات متساءلة بإهتمام :
, -أخبار قريبتكم ايه ؟
,
, نظرت لها بسمة بغرابة قاطبة جبينها ، ومرددة بعدم فهم :
, -قريبة مين دي ؟
,
, وضعت الجارة إصبعيها على طرف ذقنها قائلة بإستنكار :
, -هو انتي مش دريانة باللي حصل ولا ايه ؟
,
, هزت رأسها نافية وأجابتها ببلاهة قليلة :
, -لأ ، هو أنا عايشة في كوكب تاني ولا حاجة ؟!
,
, أمسكت بها الجارة من ذراعها جاذبة إياها لداخل منزلها مرددة بجدية :
, -طب تعالي جوا أما أقولك بدل وقفتنا على السلم !
, -طيب
, قالتها بسمة وهي تلج معها لصالة منزلها ، فالفضول يدفعها لمعرفة تفاصيل الأمر كله.
, ٣٥ نقطة
,
, ضاقت نظرات ذلك الشخص ذو ملامح الوجـــه السمراء و الحادة للغاية - والذي لم تتضح أغلب تفاصيل وجهه بسبب قلة الضوء في تلك الحجرة المظلمة - وهمس متساءلاً بجدية :
, -انت متأكد من الكلام ده ؟
,
, رد عليه الشخص الأخر مؤكداً بثقة :
, -ايوه ، الصول لسه مبلغني ، فيه عفو لشوية مننا ، ده قرار من وزير الداخلية ، ناقص بس يتصدق عليه !
,
, تحرك مجد قليلاً نحو شعاع الضوء المنبعث من القضبان المعدنية ليردد بتمني :
, -يا سلام لو اسمي يكون ضمن المفروج عنهم !
,
, تنهد زميله السجين بعمق ليضيف بمكر :
, -يا مسهل ، أنا هاغمز الصول ، ولو عرف حاجة هاخليه يبلغنا على طول !
,
, التفت مجد نحوه ، وتابع متمنياً وقد ارتخت تعابير وجهه نوعاً ما :
, -يا ريت ، ويبقاله الحلاوة !
,
, تساءل زميله بخبث وهو محدق به:
, -هو بس ؟!
,
, ربت مجد على كتفه بقوة قائلاً بإبتسامة باهتة :
, -إنت قبله ، هخليك تتروق على الأخر !
,
, ثم زادت نظراته ضيقاً ، وتابع بصوت واثق متغطرس :
, -خدها مني كلمة ، مجد أبو النجا لما بيوعد بيوفي
,
, هتف المسجون صائحاً بحماس :
, -**** عليك يا عمنا !
, ٣٨ نقطة
,
, -هانعمل ايه ؟
, قالتها إحدى الممرضـــات متساءلة بتوجس وهي تنظر إلى زميلتها المتواجدة معها بغرفة العناية المركزة
,
, ردت عليها الأخرى بصوت خفيض :
, -مالناش دعوة ، احنا ماشوفناش حاجة ، اللي حصل حصل ، ده قضا **** ، عمرها وخلص !
,
, همست لها الممرضة بنبرة مرتعدة :
, -بس دي غلطة الدكتور آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها الأخرى محذرة بجدية صارمة :
, -ششش.. كلي عيش ، زيها زي أي حد جه ومات ، عندها نزيف في المخ ، سامعة !
,
, ابتلعت الممرضة ريقها بتوجس ، بينما أكملت زميلتها ببؤس :
, -احنا غلابة ومش حمل رفد ولا بهدلة ولا حتى نقل لمستشفى في أخر الدنيا ، وكده كده مكانتش هتطول كتير !
,
, اضطرت الأخيرة أن ترضخ لتحذيراتها المهددة ، فهما بالطبع أفقر من تحمل تبعات فضح مســألة ذلك الخطأ الطبي المتعمد من قبل الطبيب ، لذلك رددت مستسلمة :
, -طيب !
,
, تحركت ممرضة ثالثة في اتجاه الطبيب الذي كان يدون تاريخ الوفاة متساءلة بنبرة رسمية :
, -ايه المطلوب مننا يا دكتور ؟
,
, نظر في اتجاهها متساءلاً بجمود :
, -في حد جه مع المصابة ؟ حد من أهلها يعني ؟!
,
, أومــأت برأسها إيجاباً مرددة :
, -ايوه ، تقريباً !
,
, تابع مكملاً بهدوء بارد اعتاد عليه :
, -طيب اعرفيلي هما فين ، وأنا بنفسي هانزل أبلغهم !
,
, حركت رأسها بإيماءة خفيفة متمتمة :
, -حاضر
, ٤٢ نقطة
,
, حدقت عواطف في ابنة أخيها بنظرات حانية للغاية ، وهتفت من بين شفتيها بصوت شبه باكي :
, -أنا عمتك يا ضنايا ؟ ايه مش عرفاني !
,
, رمقتها أسيف بنظرات مصدومة نوعاً ما ..
, لم تتوقع أن تقابلها في المشفى ، بل لم يخطر ببالها أن تعرف مكانها وتحضر إليها.
, أفاقت من ذهولها المؤقت عليها وهي تميل عليها لتحتضنها بعاطفة جياشة مرددة بتلهف :
, -حمدلله على سلامتك يا بنتي ، أنا مش عارفة أقولك ايه !
,
, تراجعت للخلف لترى وجهها عن كثب ، وأكملت حديثها بصوتها المتأثر :
, -و**** لو أعرف إنكم جايين مكونتش نزلت من البيت خالص ! لولا بس تعب البت رنا كنا آآ٣ نقطة
,
, تجمدت نظرات أسيف فجـــأة ، ونظرت لها شزراً ، ثم هتفت بقسوة مشحونة مقاطعة إياها :
, -ماما في حالة خطرة بسببكم !
,
, جزعت عواطف من هجومها الغير متوقع عليها واتهامها الصريح لها بالتسبب في حادثة أمها، وحدقت فيها بذهول تام ٤ نقطة
, أضافت أسيف قائلة بمرارة :
, -احنا لو مكوناش سيبنا البلد وجينا هنا كانت ماما فضلت زي ما هي !
,
, صدمت عمتها مما تفوهت به ، وعجزت عن الرد عليها.
,
, ارتفعت نبرة صوت أسيف أكثر وهي تكمل بقسوة غريبة لا تعرف من أين جاءتها وهي تشير بسبابتها :
, -إنتي السبب ! ايوه إنتي السبب !
,
, انتبه الجميع إلى صوت صياحها الذي تحول إلى صـــراخ حـــاد وهي تستأنف اتهاماتها القاسية :
, -لو ماما جرالها حاجة أنا مش هاسمحك أبداً ، مش هاسمحك !
,
, استغرب منـــذر من الصدام الدائر بين الاثنتين. فقد خالف الأمر توقعاته تماماً ، وتابع بإهتمام كبير ما يحدث.
, بالطبع كان يعتقد أنها بائسة متسولة ألقاها القدر في طريقه ، وأجزم أن مهنتها التي تؤدي بحرفية هي استجداء عطف الأخير والتسبب في صنع الحوادث ، لكن بدأت شكوكه تتزعزع حينما عرف هويتها ورغم إنكاره لذلك ورفضه تصديقه في البداية إلا أنه تيقن من خطأ إعتقاده وسوء ظنه بها حينما تابعت بحدة عنيفة :
, -أول مرة أنا وماما ننزل عندكم بعد سنين ، اتبهدلنا واتهزأنا واتمرمطنا واحنا معملناش حاجة ، كل ده بس عشان قولتلها عاوزة أشوف عمتي ، زي ما يكون قلبها كان حاسس ، مكانتش عاوزاني أختلط بيكم ، كانت عارفة إنه هيجرالها حاجة ، وأنا صممت ، صممت أجيبها لقدرها !
,
, ابتلعت عواطف غصة عالقة في حلقها ، وحاولت امتصاص غضبها مرددة برجاء :
, -اهدي يا ضنايا ، ده .. ده نصيبها ، ومحدش بيمنع القدر ، إدعي **** ، وآآآ٣ نقطة وإن شاء **** هاتبقى كويسة !
,
, ثم مدت يدها لتربت على كتفها محاولة التهوين عليها.
, أزاحته أسيف بعنف ، ثم رددت بعصبية :
, -بس متحطيش ايدك عليا !
,
, استشاطت نيرمين غضباً من حركتها تلك ، واستنكرت بشدة أسلوبها الحاد مع والدتها ، لذا تحركت نحوها بعصبية بائنة ، وهتفت قائلة بنبرة مغلولة :
, -انتي بتتكلمي كده ليه ، دي أمي يا بت انتي ؟ في ايه مالك ؟ هو حد داسلك على طرف ٤ علامة التعجب
,
, تدخل الحــــاج طـــه في الحوار محاولاً تلطيف حدة الأجواء قائلاً بتريث :
, -صلوا على النبي يا جماعة ، مايصحش كده !
,
, صرخت فيهم أسيف بصوت جهوري منفعل وهي تمرر نظراتها بينهم :
, -محدش ليه دعوة بيا ، امشوا كلكم من هنا ! دي أمي وحالتها تخصني أنا وبس !
,
, رد عليها طــــه بنبرة هادئة وهو يشير بعكازه :
, -احنا جايين نطمن عليها ، نعمل الواجب بحكم آآ٤ نقطة
,
, قاطعته قائلة بتشنج هـــادر :
, -مش عاوزة حاجة منكم ، ابعدوا عننا !
,
, إغتاظ ديــــاب هو الأخر من أسلوبها العنيف في الحديث ، فاقترب منها مهدداً بالهجوم عليها.
, هتف صائحاً بصوت خشن وملوحاً بذراعه في وجهها :
, -ما تحترمي نفسك ، مش عاجبك الراجل الكبير اللي واقف قصادك ، ده آآ٣ نقطة
,
, وضع طـــه قبضة يده على ذراع ابنه ليمنعه من التهور الطائش ، وشدد عليه قائلاً بصرامة :
, -بس يا ديــــاب ، اسكت انت دلوقتي !
,
, التفت ديــــاب نحوه برأسه ، ورد عليه بغلظة متعمداً رمق أسيف بنظرات احتقارية :
, -يا أبا مش شايف طريقتها !
,
, حذره أباه مجدداً قائلاً بصلابة :
, -شششش.. ملكش دعوة !
,
, ظل منذر صامتاً متابعاً نوبتها الغاضبة بأعصاب فولاذية ، لكنه كان يغلي من داخله ، بركان غضبه على وشك أن يثور في وجهها ، لكنه برع تلك المرة في التحكم في أعصابه منتظراً بترقب نهاية ما تقوم به.
, التفتت هي نحوه لترمقه بنظرات فارغة ، وهدرت فيه بصوت متشنج يحمل الكبرياء :
, -واللي انت دفعته يا حضرت ، أنا هاجيبهولك ، أنا مش شحاتة ولا بأقبل صدقة من حد !
,
, سلط أنظاره المحتقنة عليها ، ولم يعقب ، تحركت نحوه حتى باتت على مسافة قريبة جداً منه ، لا تتجاوز الخطوتين ، ثم أكملت بنبرة مترفعة محاولة رد جزء قليل من كرامتها المهدورة :
, -أنا بنت المرحوم رياض خورشيد ، الراجل اللي انت متعرفوش أصلاً ، واللي مات وهو رافع راسه لفوق ، لا كان مديون ، ولا عمره كان هيطاطي لحد !
,
, ضغطت على شفتيها أكثر لتردد بعزة نفس وهي تبتلع غصة مريرة عالقة بحلقها :
, -ومكانش هايقبل إنه أو بنته تتذل وتمد إيدها لحد تطلب منه الإحسان !
,
, مــــال دياب على أباه سألاً إياه بفضول متعجب :
, -هو ايه اللي حصل ؟ هي بتكلم عن ايه ؟
,
, أجابه طـــه بعدم فهم وهو يتابع حوارهما بإهتمام :
, -مش عارف يا دياب
,
, تساءلت نيرمين بغرابة وهي تسأل أمها :
, -البت دي بتقول ايه ؟
,
, هزت عواطف كتفيها نافية و مرددة بحيرة :
, -وأنا هاعرف منين ؟ ما أنا زيك لسه شيفاها دلوقتي !
,
, قست نظرات منـــذر أكثر نحوها ، ورغم هذا لم تهابه ، كان غضبها وثورتها تفوق بكثير احساسها بالرعب والخوف.
,
, كــــور هو قبضة يده ، وضغط على أصابعه بشدة حتى استشعر أبيه أنه سيقدم على فعلة حمقاء.
, لذا هتف فجـــأة بنبرة صارمة محذرة :
, -مــــنذر !
,
, تجمـــد الأخير في مكانه لم يصدر عنه أي إشارة أو حركة ، لكن تعابير وجهه ، عروقه المشدودة ، احتقان عيناه ، تشنجات تصرفاته توحي بقرب انفجاره.
,
, وقبل أن تضيف أسيف كلمة أخرى انتبه الجميع لصوت مرتفع لممرضة ما وهي تقول ومشيرة نحوها :
, -هي دي يا دكتور !
,
, التفتت أسيف نحو صاحبة الصوت ، وبالطبع عرفتها ، فقد كانت تسألها عن أحوال والدتها طوال الوقت.
, انتفضت حواسها بالكامل حينما رأتها بصحبة الطبيب الذي تساءل بنبرة جافة وهو يجوب بأنظاره أوجه الحاضرين :
, -انتو أهل المصابة ؟
,
, ردت عليه أسيف بتلهف وهي تتجه نحوه :
, -أنا بـــس بنتها !
,
, أطرق الطبيب رأســـه للأسفل ، واستطرد حديثه قائلاً بحذر :
, -للأسف المصابة لما جاتلنا كانت في وضعية حرجة ، واحنا حاولنا نعمل اللي علينا ، لكن الحالة ساءت ، ونزيف المخ كان صعب السيطرة عليه وآآآ٥ نقطة
,
, هربت الدمــــاء من وجـــه أسيف ، وأصبحت أكثر شحوباً وهي تتابع بفزع كلماته الغامضة.
, قلبها ينبؤها بالأسوأ ، لكن عقلها يرفض إلى الآن التصديق.
, اضطربت دقات قلبها ، وشعرت بوخزات مؤلمة في صدرها ، ومع ذلك حافظت على صلابتها حتى ينتهي من تفسير ما يريد قوله.
,
, أضــاف الطبيب موضحاً بنبرة متأسفة اعتاد اللجوء إليها حينما يبلغ أحدهم بخبر مفجع :
, -بس دي مشيئة **** ، فادعيلها بالرحمة
,
, لم تستوعب بعد مقصده ، فسألته بصدمة واضحة :
, -يعني انت تقصد انها مش هاتمشي تاني خالص ؟!
,
, بدا على وجه الطبيب الاستغراب ، فهي تتحدث في شــأن أخر ، لذا ردد بوضوح جاد :
, -البقاء لله ، المصابة توفت !
,
, شهقت عواطف بهلع كبير ، وشخصت أبصارها مصدومة وهاتفة بأنين لاطمة على صدرها:
, -يا لهوي ، حنان ماتت !
, ضمت نيرمين رضيعتها إلى صدرها أكثر محاولة كتم صدمتها هي الأخرى.
,
, تبادل ديــــاب وطــــه نظرات غريبة تحمل الصدمة أيضاً ولا تقل في تأثيرها عن عواطف وابنتها.
, هتف طــــه مواسياً وهو يضرب بكفيه على رأس عكازه :
, -إنا لله وإنا إليه راجعون !
,
, تحركت أنظــــار منــــذر تلقائياً على أسيف وتجمدت عليها.
, لا يعرف لماذا شعر بوخزة عميقة في صدره نحوها ، ربما إحساسه بالشفقة والأسف لفقدانها أمها في تلك الظروف القاسية أجبرته على الـتأثر بحالها.
,
, بدت كالمغيبة وهي محدقة في الطبيب بنظرات خاوية من الحياة.
, كأن عقلها رفض تصديق كلماته الصريحة ، فصاحت فيه بصوت هـــادر مستنكر :
, -إنت كداب !
,
, نظر لها الطبيب بغرابة ، وهتف منزعجاً :
, -أفندم ؟
,
, توجس الجميع خيفة مما هو مقبل ، فقد تبدلت أسيف كثيراً وتحولت لشخص أخــــر غاضب بضراوة.
, مدت كلتا يديها نحو الطبيب لتقبض على ياقته ، وصرخت فيه بإهتياج مفاجيء :
, -انت كداب ، سامعني كداب !
,
, شددت من أصابعها عليه ، وواصلت صياحها المختنق مستنكرة وفاة أمها :
, -ماما كويسة ؟ انت ليه بتقول كده ؟ حرام عليك ، عاوز تحرمني منها ليه ؟
,
, حاول الطبيب تخليض قبضتيها منه قائلاً بضيق :
, -ماينفعش اللي بتعمليه ده !
,
, تمسكت أكثر بتلابيبه ، وهزته بعنف مكملة صراخها المجنون :
, -أنا مش هاسيبكم تاخدوها مني ، ماما عايشة ومش هاتموت !
,
, قاوم الطبيب إنفلات أعصابها مردداً بضجر :
, -ده قضاء **** !
,
, تلقائياً تحرك منــــذر نحوها ووقف حائلاً بينهما محاولاً التفريق بينهما.
, قام بجذب قبضتيها من على الطبيب وتخليصه منها ، لكنها كانت في فورة قوتها الغاضبة .. تلك القوة المستنكرة الغاضبة والتي تحرك جسدها كلياً بإنفعال غير مسبوق.
, ظلت متشبثة بالطبيب صارخة فيه بجنون :
, -فين ماما ؟ مش هاسيبكم تاخدوها مني !
,
, وضع الطبيب يديه على رسغيها مبعداً إياهما عنه ، وقائلاً بإنزعاج أكبر مما يحدث منها :
, -اهدي يا أستاذة ، ماينفعش كده !
,
, لف منذر ذراعيه حول أسيف ، واستغل فارق القوة في تحرير الطبيب من براثنها الشرسة. وقبض على معصميها معاً وضمهما إلى صدرها ليتمكن من تكتيفها.
,
, بكت عواطف متأثرة للموقف برمته ، وهتفت قائلة بصوت مختنق :
, -يا عيني يا ضنايا ، كبدي عليكي !
,
, دفـــع طــــه ابنه دياب من كتفه قائلاً بحزن :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، خش مع أخوك يا دياب ، بلاش فضايح !
,
, هز الأخير رأسه موافقاً وهو يتحرك نحوهما :
, -طيب !
,
, قيد منـــذر حركتها ، ومال على رأسها قائلاً من بين ضفتيه المضغوطتين بقسوة:
, -اهدي شوية !
,
, تلوت بنفسها كلياً محاولة التحرر من ذلك القيد الإجباري المفروض عليها صارخة بإهتياج أكبر :
, -انتو كدابين ، ماما عايشة ، سامعيني ! ماما مامتتش !
,
, تعالى صراخها الممزوج بشهقاتها المستنكرة لما حدث ، فضمها منـــذر أكثر إليه ، وهتف من بين أسنانه بصعوبة :
, -شششششش !
,
, لم يجد ديــــاب ما يفعله معها ، فقد كان أخاه مسيطراً على زمامها بالكامل. لذا وقف مجاوراً لهما ، ومتأهباً للتحرك في أي لحظة.
, واصلت أسيف صراخها المهتاج مرددة بنبرة متشنجة وباكية :
, -ما تسبنيش يا ماما ، لألألألأ !
,
, ارتفع نداء عواطف المتوسل بعد أن رأت ما آلت إليه حالة ابنة أخيها قائلة برجاء :
, -حوشها يا بني بدل ما تأذي نفسها !
,
, هتف الطبيب في ممرضته مردداً بحدة :
, -ناديلي حد من فوق !
,
, ردت عليه بجدية :
, -حاضر يا دكتور !
,
, بدأت قواها تخور تدريجياً بفعل تأثير الصدمة ، وانخفض صوت شهقاتها المنهارة لفراقها الأليم.
, أشفق منذر عليها كثيراً ، وظل ممسكاً بها ومحاوطها بذراعيه مانعاً إياها من السقوط وهامساً لها بصوت عميق محاولاً طمأنتها :
, -ششش ، اهدي !
,
, أغمضت عيناها قهراً ، وبكت بحرقة كبيرة وهي تنادي والدتها بمرارة شديدة بصوت شبه متقطع :
, -مـا..آآ٣ نقطة ماما !
,
, تكرر المشهد من جديد ، وزادت خسارتها بفقدان عزيز أخير .
, نعم هي عاشت تلك المعاناة القاسية حتى النخاع ولكن بصورة أشد آلماً ووجعاً.
, استشعر مــــنذر وهو يحاوطها رغماً عنها ضعفها الإجباري نتيجة تأثير الصدمة. فتمسك بها أكثر.
, استسلمت هي لذلك الخدر القهري الذي تسرب إلى خلايا كيانها. فرضخت بلا وعي لبقائها الحتمي في أحضانه لتغيب بدون إرادتها عن واقع أخر موجع سيترك انعكاسه على حياتها القادمة ٥ نقطة٣ علامة التعجب
 
١٧
وخزات حـــادة أصابتها في معدتها وهي تجلس إلى جوار جارتها.
, قاومت على قدر المستطاع ذلك الوجع ، لكنها لم تتحمل اكثر من هذا شدة الآلم ، فتأوهت بسمة بأنين صادر من بين شفتيها المضغوطتين :
, -مش قادرة ، آآآه !
,
, تساءلت الجارة بتوجس وهي محدقة بها :
, -مالك يا بسمة ؟ فيكي حاجة ؟
,
, ردت عليها بصعوبة وهي تتأوه من وجع معدتها :
, -ألم رهيب في بطني ،مش عارفة من ايه !
,
, سألتها مجدداً مستفهمة :
, -من ايه طيب ؟
,
, صرخت متآلمة وهي تجيبها بصوت مكتوم :
, -آآآه ، باينه من حاجة البياع الزفت !
,
, قطبت الجارة جبينها ، واقتربت منها لتضع يدها على كتفها متساءلة بإهتمام أكبر :
, -بياع ايه ده
,
, لم تستطع بسمة تحمل الآلم أكثر من هذا ، فتكورت على نفسها صارخة بحدة :
, -لالالا ! هاموت !
,
, فزعت الجارة لرؤيتها على تلك الحالة المقلقة فرددت بخوف :
, -بسمة !!
,
, واصلت بسمة صراخها الموجع مرددة بصوت مختنق :
, -آآآآه ، اطلبيلي الإسعاف ، آآآه ، بسرعة ، آآ.. هاموت !
,
, ثم انهارت على الأرضية وهي تكمل صراخها الفزع ، فانتفضت الجارة من مكانها مذعورة هاتفة بهلع أكبر :
, -يا لهوي !
, ٣٣ نقطة
,
, انزوعت نيرمين إلى جوار والدتها في أحد أركان المشفى بعيداً عن غرف المرضي ، ثم مالت عليها متساءلة بحيرة وهي متعمدة خفض نبرة صوتها :
, -هانتصرف دلوقتي ازاي ؟
,
, أجابتها عواطف بقلة حيلة وهي منكسة لرأسها :
, -مش عارفة يا بنتي ، أنا دماغي مشلولة ، هو اللي حصل قليل !
,
, ثم تمتمت متحسرة ماسحة لعبراتها العالقة في أهدابها :
, -المصايب مابتجيش لوحدها أبداً !
,
, بدت نيرمين غير متأثرة بما يحدث مع ابنة خالها على الإطلاق ، ربما لأنها لا تعرفها ، وليس بينهما أي علاقة وطيدة أو صلات ودية فكانت جامدة عن والدتها التي كانت حزينة للغاية.
,
, دفعها فضولها فقط للسؤال عن أحوالها مرددة بهدوء :
, -هو الدكتور قال عندها ايه ؟
,
, أخرجت عواطف تنهيدة مطولة من صدرها تحمل الكثير من الآسى والضيق ، وأجابتها بصوت منتحب :
, -اسألي سي منذر هو اللي كان واقف معاه وبيكلمه
,
, تابعت نيرمين قائلة بتبرم :
, -و**** لولا موت أمها كنت رديت على وقاحتها وقلة أدبها
,
, حدجتها عواطف بنظرات قوية منزعجة ، وهتفت فيها بحدة :
, -اسكتي يا نيرمين ، هي مش في وعيها ، أمها ماتت وانتي جاية تقولي آآ٣ نقطة
,
, قاطعتها نيرمين متذمرة وهي تشير بكف يدها :
, -خلاص يا ماما ، يعني ما اتفكش معاكي بكلمتين !
,
, ردت عليها عواطف بصوت جاف وغليظ :
, -سيبني لحالي ، مش عاوزة أسمع حاجة تنرفزني !
,
, ثم شردت بأنظارها للأمام ، وتابعت بصوت نادم :
, -خليني أشوف الغلبانة اليتيمة دي هاتعمل ايه في اللي جاي ٣ علامة التعجب
,
, ثم ســــاد الصمت بينهما لبعض الوقت قبل أن تقطعه نيرمين هاتفة بصورة فجائية :
, -ماما احنا نسينا بسمة خالص
,
, شعرت عواطف بالقلق بعد تلك العبارة ، فهي بالفعل لم تهاتف ابنتها طوال اليوم ، ولم تعرف عنها أي شيء ، وبالطبع الأخيرة ليس لديها أي علم بالمستجدات الطارئة على الساحة.
, لذلك رددت بنزق :
, -يا لهو بالي ! اتلبخنا في المصايب اللي نازلة تهف على دماغنا !
,
, ثم بحثت في حافظة نقودها العريضة عن هاتفها النقال ، لكنها للأسف لم تجده بالداخل ، فارتسمت تعابير الضيق على وجهها ، وهتفت بعبوس :
, -شوفتي الحظ الفقر أنا نسيت موبايلي !
,
, أضافت نيرمين هي الأخرى قائلة بإمتعاض :
, -وأنا كمان ، كان في الشاحن !
,
, لوت عواطف ثغرها متساءلة بحيرة بائنة وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها :
, -طب والعمل ؟ ده زمانتها هتتهبل ؟
,
, مطت شفتاها بضيق أكبر ، ونفخت بصوت مسموع مرددة بضجر :
, -أوصلها ازاي ؟
,
, طـــرأ ببال نيرمين فكرة ما حينما وقعت عيناها على الحاج طــه وابنه .. فبرقت حدقتيها ، وهتفت مقترحة :
, -ما تطلبي من الحاج طـــه موبايله نتصل عليها منه ؟
,
, انتبهت لها والدتها وبدت مهتمة بإقتراحها ، فتابعت ابنتها مشجعة إياها على تنفيذه :
, -هو راجل طيب ومش هيرفض لو طلبتي ده منه !
,
, تساءلت عواطف بتوجس خفيف :
, -اه و**** ، بس تفتكري هيرضى ؟
,
, ردت عليها نيرمين بتذمر :
, -دي دقيقة مش حاجة يعني ، ولو حكمت ندفعله
,
, استنكرت عواطف تفكير ابنتها قائلة :
, -مش للدرجادي ، انتي كده هتركبيني العيب !
, -طيب ، قومي اطلبي منه ، وشوفي هايقول ايه
, همست بها نيرمين بإلحاح عليها ، فاستجابت الأخيرة لها ، ونهضت بتثاقل من مكانها لتتجه إليه ..
,
, جــــاب ديـــاب بأنظاره المكان من حوله ، وغمغم متساءلاً بضجر :
, -وبعدين يا أبا ؟ هانسيب الولية كده في المشرحة ولا هندفنها ؟
,
, رد عليه طـــه بصوت متحشرج :
, -ادينا مستنين نشوف ايه الإجراءات ونعملها!
,
, تساءل دياب بإمتعاض وهو يوميء بعينيه :
, -طب وبنتها ؟
,
, أجابه أباه بإنزعــــاج:
, -ماهو على يدك ، البت غايبة عن الدنيا ومش مالكة نفسها
,
, سأله دياب بجدية وهو يمسح طرف أنفه بإصبعه :
, -هي مالهاش قرايب ؟
,
, رد عليه طه نافياً :
, -ولا أعرف ، المفروض عواطف تكون أدرى مننا بده ، ممكن تسألها !
,
, هتف ديـــاب مستنكراً اقتراحه الغير مُجدي :
, -يا أبا دي مقطعاهم من زمن ، يعني شكلها متعرفش
,
, وافقه طـــه الرأي مردداً :
, -على رأيك ، دي معرفتش بموت أخوها إلا صدفة
,
, هز ديـــاب رأسه بالإيجاب مضيفاً :
, -بالظبط ، يعني زي قلتها !
,
, ثم أخـــر زفيراً عميقاً من صدره وهو يتابع :
, -عموما يا أبا أنا هسأل عن المطلوب وأخلص كل الإجراءات والتصاريح بنفسي !
,
, ربت أباه على كتفه قائلاً بإمتنان :
, -**** يباركلك ، هي بردك ولية لوحدها
, -ايوه !
,
, ترددت عواطف في مقاطعة حديثهما ، لكن لم يكن أمامها وسيلة أخرى سوى استخدام الهاتف النقال الخاص بالحاج طــه للإطمئنان على ابنتها.
, وبإرتباك واضح وحزن يكسو تعابير وجهها المرهقة هتفت بصوت مبحوح :
, -معلش يا حاج طــه إن مكانش فيها إساءة أدب ممكن طلب !
,
, التفت الاثنان نحوها ، ورد عليها طه قائلاً بجدية :
, -أؤمري يا عواطف
,
, ابتلعت ريقها وهي تجيبه بحرج قليل :
, -آآ.. أنا نسيت التلافون بتاعي في البيت ، وزمانت بنتي بسمة رجعت وتلاقيها يا حبة عيني مخها واكلها ومش عارفة حاجة عننا ولا إحنا فين ولا حتى بالمصيبة اللي حصلت !
,
, هــــز الحاج طــه رأسه متفهماً ، فأكملت متشجعة :
, -فإن مكانش فيها مانع أخد تلافونك أكلمها !
,
, رد عليها بجدية وهو يدس يده في جيب جلبابه :
, -أه وماله
,
, أشــــار دياب لأبيه بكف يده قائلاً بجمود :
, -استنى يا أبا ، أنا معايا رصيد كفاية !
,
, وجهت عواطف أنظارها إليه ، وابتسمت قائلة بحرج شديد :
, -مافيش داعي تتعب نفسك يا دياب يا بني ، الموضوع مش مستاهل !
,
, أخـــرج طـــه يده من جيبه خاوية الوفاض ، واستند بها على كفه الأخر الموضوع على رأس عكازه ، بينما تابع دياب بجدية وهو يضغط على أزرار هاتفه :
, -ولا تعب ولا حاجة ، مليني الرقم وكلميها !
,
, هتفت عواطف ممتنة :
, -كتر خيرك يا بني
,
, ثم اقتربت أكثر منه لتضيف بهدوء :
, -رقمها هو (( ٥ نقطة))
,
, هز رأسه بإيماءة خفيفة قائلاً :
, -ماشي !
,
, ثم ضغط على الأزرار طالباً إياها ، ومن ثم أعطى الهاتف لأمها لتحدثها.
, انتظرت الأخيرة للحظات منتظرة أن يأتيها رد ابنتها عليها ، لكن لم يحدث.
, حدقت في دياب قائلة بريبة :
, -البت مش بترد !
,
, رد عليها دياب بجمود :
, -حاولي تاني ، جايز ماسمعتش !
, -ماشي !
, ٣٨ نقطة
,
, على الجانب الأخر ، في إحدى غرف المرضى المشتركة ، وقف منـــذر إلى جوار الطبيب يتحدث معه عن الحالة الصحية لأسيف والتي ساءت كثيراً بعد تلقيها خبر وفاة والدتها.
, كان يوزع أنظاره بينه وبين تلك الفاقدة للوعي.
, بدت أكثر ضعفاً عن ذي قبل ، بل تحتاج إلى الإشفاق والدعم لتجاوز تلك المرحلة العصيبة من حياتها.
,
, استمر الطبيب في وصف حالة أسيف طبياً ، لكن كانت عباراته غامضة لمنذر .. استصعب فهمها بسهولة ، لذلك ســأله بإنزعاج وهو يحك مؤخرة رأسه :
, -مش فاهم ! ده خطر يعني ؟
,
, أجابه الطبيب بجدية موضحاً :
, -اكيد ، هي عندها انهيار عصبي ونصيحتي تفضل تحت الملاحظة على الأقل لـ 3 أيام !
,
, ضاقت نظرات منذر مردداً بإستغراب :
, -للدرجادي ؟٤ علامة التعجب
,
, رد عليه الطبيب مستنكراً جهله بتقدير وضعها الصحي والنفسي :
, -انت مكونتش شايف حالتها عاملة ازاي ؟
,
, أضاف منذر قائلاً بوجه عابس :
, -لأ شوفت ، بس متوقعتش إنها خطيرة !
,
, رد عليه الطبيب بإستياء :
, -يا حضرت النوعية دي من الحالات محتاجة اهتمام أكبر ، كمان لازم يكون في آآآ٤ نقطة
,
, وقبل أن يكمل جملته للنهاية قاطعتهما ممرضة ما هاتفة بنبرة رسمية :
, -بعد اذنك ، انت من قرايب المرحومة حنان ؟
,
, التفت منذر نحوها ، واحتار للحظة في الإجابة على سؤالها ، فهو لا يعد من أقاربها المباشرين بالمعنى التقليدي ، ولكن بحكم ما استنبطه مما حدث فليس لأسيف أو أمها الراحلة أقارب هنا ، وبالتالي إن لم يتدخل فربما تضيع أشيائها ، وحالتها كما استشف من الطبيب ليست بخير.
, نظر لها بحدة ، ثم رد بحذر :
, -يعني ، حاجة زي كده !
,
, أكملت الممرضة قائلة بنبرة جافة :
, -عاوزين حد يمضي إنه استلم متعلقاتها الشخصية ، هي في الأمانات !
,
, تفاجئ منذر بما قالته ، ومع ذلك حافظ على جمود تعابير وجهه ، ورد بإقتضاب :
, -طيب
,
, تابعت الممرضة قائلة بإلحاح محاولة إخلاء مسئوليتها :
, -يا ريت ضروري ، إن أمكن دلوقتي !
,
, استغل الطبيب الفرصة لإنهاء الحديث الممل مع منذر الذي حاصره بأسئلة كثيرة مزعجة عن حالة تلك المريضة ،فهتف بنزق :
, -هستأذنك عندي حالات عاوز أتابعها !
,
, استدار الأخير نحوه مردداً بتجهم :
, -ماشي يا دكتور ، متشكرين
, ثم تابعه للحظة وهو ينصرف من أمامه ، ولم ينتبه للممرضة التي بدأت تتحرك.
, تدارك الموقف سريعاً ، وأسرع في أثرها قائلاً بصوت شبه مرتفع :
, -استني يا ست الحكيمة ، أنا جاي معاكي !
,
, نظرت له من طرف عينها قائلة :
, -اتفضل !
,
, ٣٨ نقطة
, رافقت الجــــارة بسمة في سيارة الإسعاف وظلت ملازمة لها حتى بعد أن نقلها إلى مشفى قريب. فلم يكن معها أي أحد ، ورفضت هي أن تتركها بمفردها في ذلك الوضع العصيب.
,
, تم الكشف عليها وتأكد إصابتها بتسمم غذائي ، فأسرع الأطباء بإجراء غسيل معدة لها لتنظيفها مما بها من ملوثات غذائية.
,
, انتظرتها الجارة بالإستقبال حتى وضعت في غرفة طبية. فولجت إليها هاتفة بتلهف :
, -الف سلامة يا ست بسمة ، الحمد**** إنها جت على أد كده !
,
, ردت عليها بسمة بصوت متآلم ومرهق وقد بدا التعب واضحاً عليها :
, -**** يسلمك !
,
, أضافت الجارة قائلة بإنزعاج :
, -لو اعرف بس أوصل لأمك ولا أختك كنت بلغتهم !
,
, ردت عليها بسمة بصعوبة :
, -اها.. ماهما مش بيردوا على موبايلاتهم من بدري !
,
, بررت لها الجارة سبب انشغالهما قائلة :
, -تلاقيهم ملبوخين مع قريبتكم ! **** يكون في العون ، انتو يا عيني اتنشتوا عين
,
, وافقتها بسمة الرأي مرددة بصوت خفيض :
, -أها ، أنا عارفة عين مين !
,
, شعرت الجارة بإهتزازة ما في تلك الحقيبة التي تحملها في يدها ، فنظرت لها بإهتمام.
, هي كانت ممسكة بحقيبة بسمة وأخذتها معها ، فهتفت قائلة :
, -ده تليفونك بيرن !
,
, أشــارت لها بسمة بسبابتها مرددة بخفوت :
, -شوفي مين !
,
, فتحت الجارة الحقيبة على عجالة لتعبث بمحتوياتها ، وبحثت عن الهاتف النقال بداخلها.
, أمسكت به بيدها مرددة بإندهاش وهي تحدق في شاشته :
, -رقم غريب ، أرد عليه يا ست بسمة ؟
,
, لم تتمكن الأخيرة من الإجابة عليها بسبب اقتحام الغرفة للطبيب وممرضته ، فهتف بحدة :
, -بعد اذنك شوية ، عاوزين نفحص المريضة تاني
,
, تراجعت خطوة للخلف قائلة بإمتعاض :
, -حاضر
,
, التفت الطبيب ناحية مريضته وسألها بإهتمام :
, -أخبارك ايه دلوقتي ؟
,
, أجابته بصعوبة :
, -أحسن شوية الحمد****
,
, هتفت الممرضة بنبرة صـــارمة للجارة وهي تشير بعينيها:
, -من فضلك ، الدكتور عاوز يشوف شغله ، استني برا شوية !
,
, ردت عليه بضجر محدجة إياها بنظرات منزعجة :
, -طيب.. طيب !
,
, ثم ولجت إلى خــارج الغرفة وهي تتمتم بكلمات غير واضحة ..
, ٣٠ نقطة
,
, جلست عواطف على المقعد المعدني بجوار ابنتها ، وهمست بقلق :
, -البت مش بترد ! قلبي واكلني عليها !
,
, عللت لها نيرمين عدم ردها قائلة :
, -تلاقيها نايمة ولا يمكن بتستحمى ، ما انتي عارفة بنتك !
,
, بدا وجه عواطف غريباً وهي تعترض بخوف :
, -لأ .. قلبي متوغوش
,
, انزعجت نيرمين من قلقها الزائد ، فنهرتها بحذر :
, -خلاص يا ماما ، مافيش داعي تقلقينا على الفاضي ، خلينا في الهم اللي احنا فيه
,
, وافقتها عواطف الرأي قائلة :
, -اه و**** ، هم من كل حتة ، مش ملاحقين !
,
, حدق ديـــاب في شاشة هاتفه مرة أخــرى ، وقرر معاودة الإتصـــال ببسمة قبل أن يعطيه لأمها.
, ســــار عدة خطوات مبتعداً عن أبيه ليكون على راحته أكثر ، وترقب سماع صوتها.
, استند بظهره على الحائط ، وتابع حركة الممرضين بنظرات شاردة. فتفكيره منصب على هدف واحد حالياً .
, ٣٨ نقطة
, بقيت الجارة خــــارج غرفة بسمة متابعة بفضول ما يفعله الطبيب بها.
, شعرت بإهتزاز الهاتف مجدداً في الحقيبة، فإلتقطته مرددة لنفسها بحيرة :
, -أعمل ايه في اللي بيتصل تاني ده ؟
,
, في الأخير حسمت أمرها بالإجابة عليه.
, وضعت الهاتف على أذنها ، وصاحت متساءلة بحذر :
, -ألوو ، مين معايا
,
, استمعت إلى صوت ذكوري عبر الطرف الأخر متساءلاً بجمود :
, -بسمة ؟
,
, ردت عليه نافية والفضول يدفعها لمعرفة هوية المتصل الغامض :
, -لأ ، بس ده تليفونها ، مين عاوزها ؟
,
, رد عليها دياب متساءلاً :
, -انتي مين ؟
,
, أجابته دون تريث :
, -أنا جارتها ، هي أصلها في المستشفى عندها تسمم وبيعالجوها دلوقتي
,
, تفاجيء ديـــاب بما قالته ، وصـــاح مصدوماً :
, -اييييه ، تسمم ! ازاي ؟
,
, تابعت الجارة موضحة بتحسر :
, -اه ، يا نضري ماستحملتش الأكل البايظ ، بس أنا نقلتها وواقفة معاها لحد ما تقوم بالسلامة ، ألا انت مين صحيح ؟
,
, رد على تساؤلها بسؤال حازم :
, -انتو في مستشفى ايه ؟
,
, أجابته بتأني :
, -في (( ٥ نقطة )) ، بس مقولتليش مين انت وآآ٣ نقطة
,
, قطمت عبارتها جبراً لأن المكالمة انتهت فجــأة ، فهتفت بنزق وهي تبعد الهاتف عن اذنها لتنظر في شاشته بإندهاش :
, -ألو .. الوو .. هو الخط فصل ولا ايه ؟!
, ٤١ نقطة
,
, وقـــــع مــــنذر على عدة أوراق رسمية استلم فيها جميع المتعلقات الشخصية بالحالة المتوفية ، ودونت الموظفة المسئولة بياناته الموجودة في بطاقة هويته.
, بعدها أعطته أشيائها الخاصة وهي تعزيه قائلة :
, -**** يصبركم !
,
, رد عليها بإقتصاب :
, -متشكر !
, اتجه نحو الخارج وهو ممسك بكيس بلاستيكي وضعت فيه متعلقات الفقيدة من حقيبة يد ، وحلي مصطنعة وذهبية ، وساعة يد جلدية ، وكذلك أوراق الهوية.
,
, لم يتوقف عقله عن التفكير في الخطوة القادمة المطلوب عملها.
, هو تحمل مسئولية لا تخصه ، وعليه أن يتمها دون نقص.
,
, تفاجيء بأخيه دياب يسلمه تقرير الطبيب الشرعي للحصول على تصريح الدفن مردداً بتلهف :
, -معلش يا منذر كمل انت اللي ناقص لأن عندي مشوار مهم
,
, سأله منذر مستغرباً :
, -مشوار ايه ده ؟
,
, أجابه أخيه على عجالة وهو يضغط على شفتيه :
, -بص ، هو بإختصار بنت عواطف التانية محجوزة في المستشفى !
,
, ارتفع حاجباه للأعلى في استنكار مردداً بذهول :
, -ايه ؟
,
, حذره دياب قائلاً بضيق :
, -أمها متعرفش ، وأنا رايح أشوف في ايه
,
, سأله منذر بجدية بعد أن ارتخت ملامح وجهه المشدودة نسبياً :
, -عرفت عندها ايه ؟
,
, رد عليه دياب بتوجس :
, -تسمم ، شكلها رمرمت حاجة من الشارع
,
, أشـــار منذر بحاجبه متساءلاً بتأكيد :
, -يعني مش هاتقول لأمها ؟
,
, هز رأسه نافياً وهو يرد :
, -مش دلوقتي ، هاشوف الدنيا ماشية ازاي هناك والوضع عامل ايه وبعد كده أعرفها ، كفاية أوي البلاوي اللي هنا
,
, حرك منـــذر رأسه متفهماً ، فالحال هنا ليس بالجيد مطلقاً ، فهناك عدة مسائل لم تحل بعد.
, رد عليه بتنهيدة متعبة :
, -أها ، عندك حق ، عندنا كوارث وكلها متخصناش !
,
, أضــاف دياب بعفوية :
, -قدرنا نشبك مع العيلة دي !
,
, ابتسم منذر بتهكم وهو يرد :
, -باين كده
,
, ضرب دياب ذراع أخيه بكفه متابعاً بنبرة عازمة :
, -هاتوكل أنا ، وعلى تليفون !
,
, رد أخاه عليه قائلاً بإيجاز :
, -طيب !
,
, لم يعرف أحدهما بالخطأ الطبي الذي حدث أثناء محاولة إسعاف المريضة. وبالتالي لم يشك أي منهما في صحة ذلك التقرير ، وبقي فقط اكمــال باقي الإجراءات ٣ نقطة
, تساءل طـــه بإهتمام وهو يرى ابنه البكري حائراً في مكانه :
, -ماله دياب ؟
,
, أجابه منذر بغموض موجز :
, -موضوع كده بيخلصه
,
, ســـأله والده مستفهماً وهو يرمقه بنظرات ذات مغزى :
, -طب وانت ؟ دماغك فيها ايه ؟
,
, رد عليه ابنه بتذمر :
, -المصيبة اللي اتوحلنا فيها
,
, مــــد طـــه يده ليربت على ذراعه قائلاً بتشجيع :
, -معلش ، هما ولايا ومعهومش حد !
, -ايوه
,
, دقق طـــه النظر في ذلك الكيس البلاستيكي الذي يحمله في يده ، وسأله بجدية :
, -دي حاجة المرحومة ؟
,
, حدق منذر فيما معه ، وارتفع بأنظاره نحو أبيه ليجيبه :
, -أه هي ، أنا استلمتها
,
, أضــاف والده قائلاً بإهتمام وهو يشير بعينيه نحو أشيائها :
, -طب ما تشوف كده إن كان فيها حاجة تفيدنا ، ليهم قرايب ولا معارف ، أي حد مانكونش عارفينه
, -ماشي
, قالها منذر وهو يفتح الكيس البلاستيكي لينظر بدقة في محتوياته.
, ٣٩ نقطة
,
, استمعت لصوت دقـــات خافتة على باب غرفتها ، فهمست بصوت مجروح :
, -ايوه ، خـش !
,
, فتح الباب بحرص ، ثم أطل برأسه أولاً ليتفقدها قبل أن يدفعه للأمام ليلج كلياً للداخل.
, استدارت ببطء في اتجاه الطارق ، واتسعت عيناها مصدومة حينما رأته بشحمه أمامها.
, رمشت بعينيها غير مصدقة أنه متواجد معها بالغرفة.
, هتفت بنزق مصدوم وقد ارتسم على وجهها علامات الضيق :
, -انت !
,
, مرر دياب أنظاره على وجهها ثم رسغها المغروز به إبرة طبية ، وجسدها المغطى بالملاءة مجيباً إياها بهدوء بارد :
, -لوشتي ايه بالظبط ؟
,
, حاولت النهوض من رقدتها لترد عليه بحدة رغم تعبها :
, -ايه اللي جابك هنا ؟ وعرفت منين ؟
,
, أجابها بجمود وهو يعمق نظراته نحوها :
, -اللي جابني رجلي ! أما عرفت منين فدي مش صعبة يعني !
,
, تأوهت بصوت خفيض لضغطها على كفها الموصول بالإبرة الطبية ، ثم ارتخت مجدداً على الوسادة هاتفة بإنهاك وضجر :
, -طب اتفضل من غير مطرود ، أنا آآ٣ نقطة
,
, وضع ديـــاب يده على طرف ذقنه ليفركه بحركة ثابتة مقاطعاً إياها بصرامة :
, -انتي تسكتي خالص ، وتسمعي كلامي للأخر
,
, احتدت نظراتها نحوه ، وكانت على وشك الانفجار فيه ، لكنه بادر قائلاً :
, -الموضوع مش مستاهل خناقات وأفورة ، في مصايب أكبر من اللي انتي فيه
,
, صاحت فيه بصوت متحشرج منفعل وهي مسلطة أنظارها عليه :
, -وانت ايش دخلك فيا ، أنا مش فاهمة أصلاً انت جاي هنا ليه !
,
, سكتت للحظة لتلتقط أنفاسها ، ومن ثم واصلت صراخها مرددة :
, - وبعدين حد طلب مساعدتك ولا آآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بصوت متصلب وهو يدنو من فراشها :
, -مش محتاج أطلب ، انتي ملزمة مني لحد ما أمك تعرف !
,
, ضاقت نظراتها أكثر ، وردت عليه مستنكرة محاولته فرض نفسه عليها بالإجبار :
, -بصفة ايه ان شاء **** ؟
,
, أجابها بجمود متحدياً عِنادها :
, -من غير صفة ، هو كده قوة وإقتدار ..!
, ٤١ نقطة
,
, فتش منذر في معظم محتويات الكيس البلاستيكي باحثاً عن أي شيء يمكن أن يفيده.
, تساءل طه بإهتمام وهو يجوب ببصره عليهم :
, -لاقيت حاجة يا بني ؟
,
, أجابه ابنه بضجر وهو يلقي بعدم مبالاة بالأشياء :
, -موبايل قديم ، وكارت لوكاندة ، ومحفظة ، وحاجات مالهاش لازمة !
,
, تناول الحاج طـــه البطاقة الخاصة بالفندق ، وأمعن النظر فيها جيداً ليعرف اسمه وعنوانه. ثم هتف قائلاً :
, -أدينا عرفنا المكان اللي كانوا أعدين فيه !
,
, هز منذر رأسه دون أن ينبس بكلمة ، بينما تابع والده مكملاً بنبرة مهتمة وهو يشير بإصبعه :
, -شوفلنا في الموبايل ده رقم حد من قرايبها !
,
, حدق منذر في وجه أبيه مردداً بغرابة من طلبه :
, -وأنا هاعرفهم ازاي ؟
,
, رد عليه أبيه بجدية :
, -أكيد هيبان يعني يا منذر ، مش محتاجة فقاقة !
,
, ضغط ابنه على شفتيه قائلاً بإقتضاب :
, -طيب !
,
, زفــــر بصوت مسموع ، وتابع البحث في قائمة الأسماء الموجودة بالهاتف والذي لم يكن على درجة من الصعوبة للتعامل معه.
, لم يجد به الكثير من الأسماء ، فقط قلة قليلة.
, لفت أنظاره اسم " الحاج فتحي " ، وظن أنه ربما يكون على صلة قريبة بالعائلة ، فقرر أن يهاتفه أولاً ، ثم يحاول مع شخص أخر.
, وبالفعل ضغط على زر الاتصال به ، وانتظر بترقب رده عليه ٣ نقطة !!
 
  • عجبني
التفاعلات: salemsoly
١٨
لوح بعصــــاه الخشبية في الهواء آمراً رجاله بإكمــال عملهم في أرضه الزراعية ، فقد اقترب موسم الحصاد ، وهو يحتاج للتأكد من جودة المحصول وخلوه من الآفات.
,
, رن هاتفه لعدة مرات لكنه لم ينتبه لرنينه المتواصل بسبب صوت الضجيج من حوله.
,
, لاحظ هو تقاعص البعض منهم ، فهتف بصوت مرتفع محمساً إياهم :
, -لو خلصتوا على قبل العصرية هتاخدوا يومية زيادة !
,
, اجتهد الرجال أكثر بعد تحفيزهم مادياً ..
,
, دنا منه أحد الفلاحين مردداً بنبرة خشنة :
, -يا حاج فتحي ، الواد خَلَف بتاع المواشي بيقولك يودي الجاموسة عند الحاج اسماعيل !
,
, استدار ناحيته ورمقه بنظرات جادة قائلاً بإستنكار :
, -هو لسه مودهاش ؟ انت عاوز الحاج يزعل مننا ؟
,
, رد عليه الرجل معللاً :
, -لأ بس مكنش في مواصلة وآآآ٣ نقطة
,
, قاطعه الحاج فتحي بغلظة وهو يضرب الأرض بعصاه بعصبية :
, -تتصرف على طول ، هو كل حاجة لازم أعملها بنفسي ؟!
,
, أومــأ الرجل برأسة قائلاً بإرتباك :
, -حاضر يا حاج ، اعتبرها راحت عنده
,
, لكزه الحاج فتحي في كتفه بقوة قائلاً :
, -مش بالكلام يا فالح !
, -ماشي يا حاج !
, قالها الرجل وركض عائداً لينهي مهمته الناقصة.
,
, اتجه الحـــاج فتحي بعدها ناحية الشجرة الموضوع أسفلها ذلك الشرشف النظيف ليجلس بإسترخاء عليه.
,
, تأوه بإنهاك وهو يمدد ساقيه للأمام. وتمتم مع نفسه مردداً بإزدراء :
, -شغال مع بهايم ، محدش فيهم بيفكر خالص !
,
, استشعر تلك الإهتزازة الخفيفة المنبعثة في جانبه ، فمد يده ليخرج هاتفه المحمول.
, ضيق نظراته ليرى اسم المتصل لكنه لم يتبينه جيداً ، فقد حجب الضوء الرؤية في الشاشة بوضــوح.
, غطا جزءاً منه بكف يده فبرز اسم حنان عليه.
, لوى فمه للجانب محدثاً نفسه بإمتعاض :
, -ودي عاوزة ايه ؟
,
, أجاب على اتصالها قائلاً بصوت آجش :
, -سلامو عليكم ! أيوه يا حنان ! ايه الأخبار ؟
,
, رد عليه صوت ذكوري غريب على مسامعه :
, -انت الحاج فتحي ؟
,
, انتصب الأخير في جلسته متساءلاً بجمود :
, -ايوه ، مين معايا ؟ مش ده تلافون حنان ، هو وصلك إزاي ، وآآآ٤ نقطة
,
, رد عليه منذر بهدوء حذر مانعاً إياه من الاسترسال في أسئلته :
, -بالراحة عليا كده يا حاج فتحي في الأسئلة ! اصبر وأنا هاجاوبك
,
, انفعل عليه الأخير قائلاً بنفاذ صبر :
, -إنت مين ؟ ما تكلم ؟!
,
, أجابه منذر بحذر :
, -أنا هافهمك ، بس الأول لازم تعرف إن صاحبة التليفون ده آآ٣ نقطة
,
, صمت لثانية قبل أن يتابع موضحاً بجمود :
, -ماتت !
,
, جحظت عيني فتحي بذهول كبير ، وصــــاح مصدوماً :
, -بتقول ايه ؟ حنان ماتت ٦ علامة التعجب
, ٤٦ نقطة
,
, استشاطت نظرات بسمة للغاية نتيجة أسلوب ديـــاب الجاف والمتسلط عليها.
, حاولت ردعه وايقافه عند حده لكنها كانت منهكة بدرجة كبيرة ، كذلك استنفذت قواها في تكرار الكشف عليها للتأكد من عدم تطور الأمر معها.
,
, سأل دياب الطبيب بجدية وهو يسحبه خارج الغرفة :
, -هي هتبقى كويسة ؟
,
, هز الطبيب رأسه بالإيجاب قائلاً :
, -اه ، بالكتير على بكرة هاتكون في بيتها
,
, ابتسم دياب بإرتياح :
, -تمام ، طمنتني !
,
, ثم سكت للحظات ليتساءل بعدها بفضول وهو يرى إحدى الممرضات تحسب عينه أخرى من دمائها :
, -طب ليه الكشوفات الكتير دي وآآ٣ نقطة
,
, أجابه الطبيب بإنزعاج قليل :
, -أصلها مش أول حالة تسمم تجيلنا
,
, ارتفع حاجباه للأعلى في اندهاش ، وهتف متعجباً :
, -نعم ؟ هو في غيرها ؟
,
, رد عليه الطبيب بنبرة جادة :
, -أيوه ، كذا حالة جت ، وتقريباً كلهم من نفس المكان ، فبنجمع عينات عشان التقرير !
,
, فرك دياب صدغيه بحركة ثابتة ، وأردف قائلاً بتبرم :
, -أها ، طيب !
,
, كان الطبيب على وشك الانصراف ، فاعترض دياب طريقه قائلاً بنبرة متلهفة :
, -استنى يا دكتور
,
, توقف الأخير عن الحركة مردداً بإيجاز :
, -خير
,
, تنحنح دياب بحرج قليل :
, -احم ، أنا كنت بس عاوز أشكرك على تعبك ، وآآ.. ومش هوصيك عليها !
,
, ابتسم له الطبيب بتكلف وهو يضيف :
, -اطمن ، كلنا بنراعي المرضى هنا !
,
, رد عليه دياب بنبرة جادة :
, -أنا عارف ، بس دي اهتم بيها شوية زيادة ، سامع ، خد بالك منها !
,
, بادله الطبيب ابتسامة سخيفة مصطنعة وهو يقول :
, -ماشي ، وربنا يخليهالك !
,
, نظر له دياب شزراً ، وتمتم ساخراً :
, -بأقوله اهتم بيها شوية ، مش مراتي يعني عشان يقولي **** يخليهالك !
, ٣٠ نقطة
,
, بعد مرور يوم ،،،،
, استقل الحاج فتحي القطــــار ليصل إلى وجهته مجبراً ، فبعد أن تلقى خبر وفاة حنان من منذر ، اضطر أن يوقف جميع أعماله ، و أصبح لازماً عليه الحضور للوقوف إلى جوار ابنتها وتولي شئونها ريثما تستعيد عافيتها خاصة بعد أن عرف بعلتها .
, فهو يعد نفسه بمثابة خالها ، وقريبها الوحيد المعروف لدى أهل قريتهم.
, وعلى مضض كبير سافر إليها لاعناً طوال الطريق تلك الظروف التي أجبرته على تعطيل أعماله نتيجة وفاتها.
, تلقى التعازي من أغلب رجال القرية ، وكذلك التوصيات على تلك اليتيمة حتى لا يتركها بلا ظهر أو سند.
,
, لكن هذا لا يقارن بخسارته المادية لتوقف العمل.
, حدث نفسه بإستياء كبير وهو يطالع الطريق الزراعي من نافذته المجاورة :
, -هي ناقصة خسارة ! كل ما ألمها من حتة تفرك من الحتة التانية !
,
, زفر بضجر متابعاً حديث نفسه :
, -ولسه موال البت أسيف ، مش معقول هاسيبها لوحدها كده في بلد غريبة !
,
, هز رأسه بحركة ثابتة وهو يردد لنفسه بنبرة عازمة :
, -هي هترجع معايا وبعد كده أشوفلها حد معرفة يتجوزها وأسترها وأرتاح من همها ! جوزها يشيل عني ! أنا مش ناقص !
, ٣٧ نقطة
,
, -حمدلله على سلامتك يا ضنايا
, قالتها عواطف وهي تلف ذراعها حول خصر ابنتها لتسندها أثناء خروجهما من باب المشفى الأمامي
,
, لم تعقب عليها بسمة ، وواصلت سيرها بتمهل شديد وهي منكسة لرأسها للأسفل .
, مسحت عواطف بيدها الأخرى على وجه ابنتها قائلة بتلهف خائف :
, -وربنا كان هيجرالي حاجة لما عرفت من دياب إنك هنا !
,
, اشتدت تعابير وجهها بعد سماعها لإسمه ، وتحولت نظراتها للإنزعاج
,
, أكملت أمها قائلة بإمتنان :
, -كتر خيره جدع ابن أصول قام بالواجب وزيادة !
,
, ردت عليها بسمة بصعوبة بنفاذ صبر :
, -كفاية بقى يا ماما ، دماغي صدعت من سيرته ، هو اعمل ايه يعني ؟
,
, -ها ايه الأخبار ؟
, هتف بها دياب متساءلاً وهو يقف قبالة بسمة مسلطاً أنظاره عليها.
, رفعت وجهها فجـــأة للأعلى لتحدق فيه بصدمة مزعوجة.
, هللت عواطف قائلة بسعادة :
, -سي دياب ، لسه كنت بأشكر فيك وآآ٣ نقطة
,
, التفتت بسمة إلى والدتها ناظرة نحوها بضيق كبير ، وهتفت مقاطعة من بين شفتيها على مضض :
, -خلاص يا ماما بقى !
,
, نظر لها دياب بقوة وهو يقول بإبتسامة باهتة :
, -واضح كده إن الأبلة لسه تعبانة !
,
, ردت عليه بسمة بحدة :
, -لأ ، أنا بقيت كويسة !
,
, همست لها عواطف محذرة من أسلوبها الفظ :
, -كتر خيرك يا بني ، هي بفضل **** بقت أحسن وهناخد تاكسي من هنا
,
, اعترضت على ما قالته مردداً بإصرار :
, -ليه تاكسي ؟ ما العربية معايا ، تعالوا أوصلكم في سكتي
,
, احتجت بسمة مرددة بضيق :
, -لأ ، مش عاوزين
,
, كزت عواطف على أسنانها قائلة بصوت خفيض وهي تميل برأسها على ابنتها :
, -يا بت خليكي كويسة مع الناس ، دي شكراً بتاعتك ، هو أنا اللي هافهمك بردك !
,
, اعترضت بسمة على تخاذل والدتها الغير مبرر أمام تلك العائلة مرددة :
, -**** !
,
, تابع دياب قائلاً بجدية وهو يشير بكفي يده :
, -يالا يا أبلة ، المرور واقف ، كده هناخد مخالفة !
,
, هتفت عواطف بنبرة متشجعة :
, -حاضر يا بني ، احنا جايين أهوو !
,
, تحرك ثلاثتهم بخطى بطيئة نحو سيارته المصفوفة بجوار الرصيف.
, مدت عواطف يدها لتفتح الباب الخلفي لتجلس ابنتها بأريحية على المقعد بمفردها دون مضايقة من أي شخص. ثم انحنت لتعدل من وضعية حذائها الذي انتزع من قدمها.
,
, انتبهت لصوت ممرضة ما تصيب عالياً :
, -يا حاجة ، يا مدام !
,
, تساءلت عواطف بإستغراب وقد تشكل على ثغرها علامات القلق :
, -ايوه يا بنتي ؟ في حاجة ؟
,
, أجابتها الممرضة بصوت لاهث :
, -اه ، انتوا خرجتوا من غير ما توقعوا على اذن الخروج
,
, ضربت عواطف بكف يدها مقدمة رأسها مرددة بإعتذار :
, -معلش يا بنتي ، اتلبخنا بقى ، هاتي أما أمضيلك على الاذن ده !
,
, ناولتها إياه الممرضة وهي تقول :
, -اتفضلي
,
, ركب دياب سيارته سريعاً ، وضبط وضعية المرآة ليظهر انعكاس وجه بسمة به.
, تعمد النظر إليها وهو يقول بمزاح :
, -تعرفي حتى ابني يحيى سألني عليكي ، وزعل أوي لما عرف إنك في المستشفى ، ده صدمني لما سألني هي الأبلة ماتت ولا لسه !
,
, اتسعت حدقتيها بغيظ كبير لكنه تابع بجدية زائفة :
, -بس أنا زعقتله وبهدلته ، قولتله دي مش طريقة تتكلم بيها مع الأبلة بتاعتك ، صح ولا أنا غلطان ؟!
,
, رمقته بنظرات نــــارية مستشاطة ، ونفخت بصوت مسموع وهي تشيح بوجهها للجانب مكتفية بتجاهله حتى لا تعطيه أكبر من حجمه.
,
, ظل هو محدقاً بها ، وعلى ثغره ابتسامة متسعة ، ثم لوح بهاتف ما محمول بيده متابعاً ببرود :
, -صحيح ، موبايلك معايا ، مش ناوية تاخديه ؟
,
, التفتت سريعاً نحوه بوجهها العابس ، وحدجته بنظرات محتدة للغاية ، ثم مدت يدها لتلتقط منه هاتفها ، لكنه قبض عليه وأبعده قائلاً بتسلية :
, -يعني لولا البتاع ده مكونتيش عبرتيني ؟
,
, ردت عليه بسمة بفظاظة :
, -يا ريت تبطل سخافة لأن دمك تقيل ، وأنا جبت أخري !
,
, تجمدت نظراته عليها ، واشتدت ملامحه نوعاً ما ، ثم هتف بقساوة غريبة وهو يقذف بالهاتف خلف ظهره :
, -بجد ! خدي
,
, انزعجت من تصرفه الوقح معه ، ولكنها ردت عليه غير مكترثة به قائلة بإقتضاب متجهم :
, -هات !
, استقلت عواطف هي الأخرى السيارة هاتفة بإبتسامة عريضة :
, -**** يباركلك يا رب ويكفيك شر المستخبي ! الواحد بصراحة مش عارف يقولك ايه على كرم أخلاقك
,
, رد عليها بجفاء :
, -عادي ، مش حاجة يعني !
,
, لاحظت هي تبدل تعابيره ، فظنت أنها ربما تكون هي وابنتها عبئاً ثقيلاً عليه ، فأثرت الصمت في الوقت الراهن.
, قـــاد ديــاب السيارة عائداً بهما إلى منطقتهم الشعبية ليكمل بعدها طريقه إلى الوكالة.
, ٣٥ نقطة
, هــــز رأسه للجانبين مستنكراً إلحاح والده بضرورة البقاء مع تلك اليتيمة وعدم تركها بمفردها في المشفى .
, انزعج من إصراره الغير مبررا محتجاً بضجر :
, -يا حاج ورانا شغل ، مش هانعطل مصالحنا يعني عشان واحدة زيها !
,
, أضــاف طه قائلاً بنبرة عقلانية محاولاً اقناعه :
, -ده انت دايما بتسعى للخير !
,
, رد عليه منذر بحدة وهو يضرب بقبضتيه على سطح المكتب :
, -وعملت اللي عليا وزيادة ، مطلوب مني ايه تاني ؟
,
, علل والده سبب إصراره مردداً :
, -ما هي مالهاش حد آآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر بصوت غليظ وقد ضاقت نظراته :
, -اومال عواطف دي تبقى ايه ؟ خيال مآتة مثلاً ؟!
,
, برر طـــه قائلاً بصوت رزين :
, -ولية زيها بتغرق في شبر مياه ، انت كمان ناسي مشكلة بنتها ورقدتها في المشتشفا ، يعني هتلاحق على ايه ولا ايه ؟
,
, رد عليه منـــذر بتبرم ملوحاً بذراعه :
, -ودياب عمل اللي عليه معاهم ، يعني مقصرناش !
,
, تابع طـــه قائلاً محاولاً اثناءه عن تشبثه برأيه الرافض :
, -أنا عارف بس آآ٣ نقطة
,
, نهض منذر عن مقعده ، ودفعه للخلف بقدمه ، ثم دار حول مكتبه مقاطعاً إياه بصوت جاد للغاية :
, -بص يا حاج ، احنا عندنا طلبات وأوردرات عاوزة تسلم ، وكل ده بيقف علينا بخسارة ، ودياب مش فاضي ، وإنت يا حاج وراك شغل هنا بتنجزه ، مين بقى اللي هيودي طلبات العملاء ؟ ده حتى المال السايب بيعلم السرقة !
,
, حرك طـــه رأسه مستنكراً عِنده ، وضرب بكفيه على رأس عكازه الخشبي :
, -مش عارف أقولك ايه !
,
, استأنف منذر حديثه الجامد قائلاً بتهكم :
, -وبعدين يعني هي مش في الشارع ، هي في مستشفى ومعاها ممرضات ودكاترة بيتابعوها !
,
, جلس منذر قبالة والده ، وسلط أنظاره الحادة عليه وهو يميل بجذعه نحوه ، ثم تابع بصوت آجش صـــارم :
, -احنا مهمتنا خلصت لحد ما خلصنا الإجراءات وكلمنا قريبها ، وهو بقى يتصرف معاها !
,
, رمقه طـــه بنظرات معاتبة هاتفاً :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** ، ده أنا بأقول عليك قلبك طيب !
,
, زفــــر منذر بعمق وهو يعيد ظهره للخلف ، وأشــاح بوجهه بعيداً مضيفاً بنفاذ صبر :
, -يا حاج ماتحسسنيش بالذنب !
,
, مـــال طـــه عليه قائلاً برجاء خفي :
, -روح بس بص عليها ، وشوف إن كان ناقصهاحاجة ، دي يتيمة يا بني !
,
, صـــاح به منذر بتذمر ساخط :
, -هو أنا خلفتها ونسيتها !
,
, حدجه أباه بنظرات منزعجة ، ونهض فجأة عن مقعده مردداً بإمتعاض ضارباً بعكازه الأرضية الصلبة :
, -خلاص يا منذر ، هاروح أنا طالما مش عاوز !
,
, هب ابنه البكري هو الأخر واقفاً من مكانه ، ولحق به قائلاً بضجر :
, -استنى يا حاج !
,
, أشـــــار له طه بيده هاتفاً بصرامة وإصرار :
, -لا مش هاستنى ، أنا متعودتش أسيب ولية لوحدها من غير راجل ! وإن مكونتش فاضي تروحلها ، فأنا لسه معدمتش صحتي
,
, وفع منذر يده ومررها على رأسه عدة مرات بحركات سريعة متتالية تشير إلى عصبيته ، ثم أردف قائلاً بحذر :
, -استغفر **** العظيم ، خلاص يا حاج ، اقعد انت وأنا رايح أشوفها
,
, التفت طـــه ناحيته نصف التفاتة ، ورمقه بطرف عينه بإنزعاج وهو يقول بعبوس :
, -لا خليك في الطلبات وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر بصوت شبه نادم :
, -خلاص يا حاج بقى ، خليك في الوكالة وأنا رايح مكانك
,
, ثم انحنى على كتفه ليقبله بحنو قائلاً بإعتذار :
, -حقك عليا يا حاج !
,
, ربت طـــه على ذراع ابنه هاتفاً بهدوء :
, -ماشي يا منذر ، ماشي !
,
, ثم اتجه بعدها للمكتب ليسحب سلسلة مفاتيحه من على سطحه ، وتمتم مع نفسه قائلاً بتبرم متهكم :
, -أل كنت ناقصها هي كمان !
,
, ســـار بعدها بخطى متعجلة نحو الخـــارج وهو يسب ويسخط بإنزعـــاج أكبر بسبب ذلك المشوار الثقيل.
, ٣٧ نقطة
,
, تمكن الحــــاج فتحي من الوصـــول إلى المشفى الحكومي المتواجد به جثمان الراحلة حنان ، وكذلك أسيف.
, ولج إلى داخل الاستقبال وهو يصيح بصوت جهوري منفعل :
, -هي فين بنت المرحوم ؟
,
, نظر له الجميع بغرابة ، فأكمل صياحه الهادر :
, -فين عرضي وشرفي ؟
,
, اقتربت منه إحدى الممرضات معنفة إياه على أسلوبه الهمجي في الصراخ في مكان كهذا قائلة :
, -جرى يا بلديتنا انت داخل وكالة من غير بواب
,
, نظر لها شزراً ، ورد عليها بعصبية :
, -أنا جاي أسأل على بنت أخويا وعلى أمها اللي ماتت هنا ، هما فين ؟
,
, سألته الممرضة مستفهمة :
, -تقصد مين بالظبط ؟
,
, أجابها بنبرة مكفهرة :
, -أسيف رياض خورشيد وأمها حنان !
,
, أشــارت له بكفها قائلة بنبرة رسمية :
, -مافيش داعي للشوشرة ، حضرتك اسأل في الاستعلامات وهيدلوك على اللي انت عاوزهم !
,
, صاح متبرماً :
, -انتو هتدوخوني وراكم
,
, ردت عليه بريقة مهنية وهي تحاول الحفاظ على ثباتها الانفعالي أمامه :
, -معلش ، ده النظام هنا يا حاج ، اتفضل معايا !
,
, هتف من بين أسنانه بصعوبة :
, -صبرنا يا رب على الهم ده
,
, وبالفعل تبعها مجبراً ليتجه نحو الاستقبال ليستفسر أكثر عما يخص أسيف وأمها المتوفية.
, ٣٥ نقطة
,
, [[ ناولتها قطعة من الخبز الذي أعدته لها ، فابتسمت لها بإشراق وهي تقطم قطعة كبيرة منه.
, التهمتها على عجالة ، فحذرتها حنان قائلة :
, -بالراحة يا أسيف ، كده غلط
,
, كركرت ضاحكة وهي تقفز بمرح على الأرضية الزراعية ، فانزعجت والدتها قليلاً من عبثها الطفولي. وخشيت أن تتصرف برعونة فتؤذي نفسها؟
, رد عليها زوجها ريـــاض بنبرة حانية :
, -سِبيها يا حنان تعمل اللي هي عاوزاه !
,
, التفت ناحيته قائلة بقلق :
, -أنا خايفة عليها يا رياض !
,
, ابتسم قائلاً بثقة وهو يمد يده ليمسك بكفها ويحتضنه بين راحتيه :
, -لا اطمني ، بنتك قوية !
,
, نظرت إليهما صغيرتهما بسعادة كبيرة وهي تهتف بتلهف :
, -أنا بأحبكم أوي ، عاوزة أفضل على طول معاكو ! مش عاوزة اكبر خالص !
,
, ردت عليها والدتها بإبتسامة ودودة :
, -يعني مش عاوزة تكوني عروسة ويبقالك بيت وآآ..
,
, هزت رأسها نافية وهي تقول بإصرار :
, -لأ ، أنا عاوزة أفضل صغنونة كده وألعب هنا في الأرض وأكل من إيدك يا ماما ، لأ ، أنا هاتعلم أطبخ زيك عشان أبقى شطورة أوي ، وكمان هاذاكر كتير وأبقى ذكية زي بابا وأزرع الأرض ، وألم المحصول وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها أباها قائلاً بضحكة مرحة :
, -كل ده ! واحدة واحدة يا أسيف
,
, اتجهت ناحية والدها ، وجذبته من كف يده قائلة بحماس :
, -طب تعالى نلعب شوية يا بابا ، ايه رأيك في الاستغماية ؟
,
, رد عليها مبتسماً :
, -ماشي ، بس قبلها نطير طيارتك الورق !
,
, أشرقت عيناها بحماس أكبر ، فسألها مهتماً :
, -ها إنتي جبتيها ولا آآ٣ نقطة ؟
,
, صفقت بيدها قائلة بتأكيد :
, -اه
,
, نهض ببطء من رقدته المسترخية على الأرضية الزراعية قائلاً بعزم :
, -طب بينا يالا !
,
, أمسكت هي بطائرتها الورقية ، وبدأت تركض بأقصى سرعتها في اتجاه تلك البقعة الواسعة في أرضهم الزراعية. ثم أطلقتها في الهواء لتحلق عالياً بفعل النسمات القوية.
, حاول أباها اللحاق بها قائلاً بصوت شبه لاهث :
, -استني يا أسيف ، متجريش !
,
, لم تستطع التحكم في رباط طائرتها ففلتت من قبضتها الصغيرة ، وبدأت في التحليق عالياً ، فزادت من سرعتها محاولة الإمساك بها وهي ترد بقلق :
, -عاوزة أمسك الطيارة قبل ما تضيع مننا !
,
, هتف والدها بصوت قد بدأ يخبو نسبياً :
, -استنينا يا بنتي !
,
, لم تستدر نحوه ، وردت عليه بصعوبة وهي تقفز للأعلى محاولة إمساك رباط الطائرة :
, -أنا قربت أمسكها
,
, نجحت بعد عدة محاولات في استعادتها ، فابتسمت بإنتصار ، ثم التفتت للخلف باحثة بأعينها عن والديها.
, كان المكان خاوياً من أثرهما ، فانقبض قلبها خوفاً ..
, تلفتت حولها بهلع واضح وصاحت متساءلة بتوجس كبير:
, -بابا ! ماما ! انتو روحتوا فين ؟
,
, ركضت عائدة في نفس الإتجاه الذي جاءت منه لكن لم يكن لهم أي أثر ، فأكملت صراخها المذعور :
, -بابــــا ! مـــــــــــاما ! انتو فين ؟؟
,
, تسارعت دقات قلبها ، وزاد خوفها وهي تصيح بفزع :
, -خلاص مش هابعد عنكم تاني ، انتو مستخبين فين ؟
,
, اختفت من يدها تلك الطائرة الورقية التي كانت ممسكة بها ، وأصبحت فجـــأة في مكان مظلم بمفردها ، لا يحيطها أي شيء سوى فضاء شاسع.
, زادت رجفتها ، واختنق صوتها وهي تتوسلهما قائلة :
, -ماتسبونيش لوحدي !
,
, وجدت نفسها تبكي بلا توقف ، عبراتها تنهمر بغزارة مغرقة وجهها بالكامل. استشعرت بعدها تلك الحقيقة المريرة ، وهي فقدان عائلتها وخسارتهما للأبد.
, تهدج صدرها ، وزاد عويلها ونحيبها المتآلم.
,
, أطلقت بعدها صرخة موجعة من أعمق المناطق بفؤادها متأثرة لرحيلهما وتركها تقاسي وتعاني بلا شفقة أو رحمة من الأخرين ]]
,
, أفاقت أسيف من كابوسها المؤلم مرددة بصوت مختنق دون أن تفتح عينيها :
, -آآآه .. بابا ، ليه سبتني وخدت ماما معاك ؟
,
, لاحظت الممرضة المتواجدة معها بالغرفة استعادتها لوعيها ، فاقتربت منها لتطمئن عليها أكثر وتفهم ما تقوله.
, ٣٥ نقطة
,
, في نفس التوقيت ، صعد الحاج فتحي إلى الطابق المتواجد به غرفة أسيف المشتركة.
, جاب بأنظاره أرقـــام الغرف حتى يصل إلى رقم غرفتها الصحيح ، وما إن وجده حتى نفخ بضيق مردداً :
, -دوختيني وراكي !
,
, لم يتردد كثيراً ، حيث اقتحم الغرفة ، وسلط أنظاره على تلك الراقدة قائلاً بنفاذ صبر :
, -الحمد**** ، أديني وصلتلك !
,
, انتفضت الممرضة فزعة من طريقته في اقتحام الغرفة دون أي مراعاة لخصوصية المرضى ، فصاحت به بحدة :
, -رايح فين يا حضرت ؟
,
, أجابها بقساوة وهو يحدجها بنظرات غير مبالية :
, -داخل أخد بنتي !
,
, اعترضت طريقه قائلة بجدية :
, -ماينفعش كده !
,
, دفعها من ذراعها للجانب صائحاً بضيق :
, -هو ايه اللي ماينفعش ، عاوزاني أسيب لحمي وعرضي كده لوحدها ، قالولكم عني مش راجل !
,
, ردت عليه موضحة بنبرة شبه صارمة :
, -يا حاج ، يا حضرت ، دي مستشفى محترم وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بعدم اهتمام وهو مُصر على إصطحابها معه عنوة :
, -بلاهة الكلام الفارغ ده ، احنا لحمنا مش بنسيبوه !
,
, دنا الحاج فتحي من فراشها الطبي ، وأزاح عنها الملاءة التي تغطي جسدها ، ثم انتزع جبراً تلك الإبرة الطبية الموصولة برسغها فسببت لها الآلم.
, تأوهت بأنين خفيض وهي غير واعية بالقدر الكافي لتستوعب ما يدور حولها.
,
, هتفت الممرضة قائلة بتوجس وهي تحاول منعه :
, -يا حاج مايصحش كده ، المريضة مش في حالتها
,
, نظر فتحي للممرضة بسخط ، ولم يعبأ بصياحها المتواصل.
, وضع قبضته على أسيف ، وأجبرها على النهوض من رقدتها قائلاً بجمود :
, -تعالي يا بنت الغاليين !
,
, ترنح جسد أسيف بسبب انعدام اتزانها ، وكادت تسقط على وجهها ، فأسرعت الممرضة بإسنادها قائلة بتوجس كبير :
, -لو سمحت حالتها ماتسمحش ، دي عندها انهيار عصبي ولازم تفضل هنا !
,
, دفع الحاج فتحي الممرضة من كتفها بقبضته ، وأمسك بأسيف باليد الأخرى مردداً بتجهم غاضب :
, -انتو هتخافوا عليها أكتر مني !
,
, لم تترك المريضة تفلت من يدها ، وأصرت على اعتراضه ومنعه من أخذها بالقوة وهي تقول :
, -لأ ، بس دي أوامر الدكتور !
,
, جذبها بعنف ناحيته ، وضمها بذراعه إلى صدره هاتفاً بإزدراء :
, -أنا أدرى منكم ، ومش هاسيبها هنا
,
, ردت عليه الممرضة محذرة وهي تشير بسبابتها :
, -انت كده بتعرضها للخطر
,
, أفاق عقل أسيف نوعاً ما بسبب تلك الحركات الإهتزازية العنيفة ، واستعادت جزءاً مما حدث ، وربطته مع حلمها الموجع الذي ظل عالقاً بذاكرتها القريبة.
, كم ودت أن تظل باقية في حلمها الذي جمعهما بالأقرب و الأغلى إلى قلبها ، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
,
, همست بأنين منتحب وقد تراقصت العبرات في عينيها شبه المفتوحتين :
, -ماما .. ماتسبنيش !
,
, نظر لها فتحي بقسوة ونهرها قائلاً بغلظة :
, -اسكتي يا بت ، وتعالي معايا !
,
, حاولت بضعف الابتعاد عنه ، لكنها لم تقوَ ، فقاومت على قدر استطاعتها قائلة بنبرة مختنقة :
, -لأ .. أنا عاوزة ماما !
,
, زدات مقاومتها تدريجياً وهي تقول بإصرار :
, -ودوني عندها ، ماتخدوهاش مني !
,
, شدد فتحي من قبضته على ذراعها ، وضمه أكثر إلى صدره قائلاً بحدة :
, -اخرسي وبلاش فضايح !
,
, دفعته أسيف من صدره بكف يدها المرتعش محاولة التخلص منه وهي تصرخ ببكاء:
, -ماما ، ليه بتحرموني منها ؟
,
, ردت عليها الممرضة بتوجس بعد أن رأت تردي حالتها النفسية :
, -اهدي لو سمحتي !
,
, كان الحاج فتحي على وشك صب جم غضبه عليها بسبب تصرفاتها الهوجاء ، والتي تعد من وجهة نظرة خارجة عن قواعد الأصول والتربية السليمة ، فكز على أسنانه قائلاً بتوعد شرس :
, -باين أمك مربتكيش ، بس أما نرجع البلد لينا كلام تاني !
,
, تابعت صراخها الموجوع مرددة :
, -آآآآه ، ماما !
,
, فـــاض به الكيل ، فوضع يده على فمه ليكتم صراخاتها قائلاً بتهديد صريح :
, -اتلمي واكتمي حسك ده بدل ما أقطع نفسك
,
, ثم بيده الأخرى ضغط على رأسها بقوة لينكسها للأسفل بطريقة مهينة.
,
, شهقت الممرضة مصدومة من فعلته ، واحتجت قائلة :
, -يا حاج ماينفعش كده !
,
, حاولت التدخل لأكثر من مرة ومنعه من التصرف بعنف معها ، لكنه كان يدفعها بقوة بعيداً عنهما.
, قبض هو على رسغي أسيف بيده ، وظل مكمماً لشفتيها مانعاً إياها من الصراخ والاستغاثة.
,
, في تلك اللحظة تحديداً وصل منـــــذر إلى الرواق المؤدي إلى غرفتها ، وسمع صوت الصراخات المنبعثة منها ، فأسرع في خطواته نحوها.
, وقف على عتبتها ، وشهد بأعينه ما يحدث فصاح مستنكراً بصوت قاتم :
, -في ايه اللي بيحصل هنا ؟
,
, ظل الحاج فتحي مقيداً أسيف ، والتفت نحوها متساءلاً بنفاذ صبر :
, -انت مين ؟
,
, دنا منه منـــذر ، ونظر له بشراسة وهو يرى مدى عجز تلك الضعيفة وهي واقعة في أسر ذلك الرجل الغليظ ، وصاح به بصوت متشنج ونظراته تكاد تفتك به :
, -أنا اللي بسألك إنت مين ؟
,
, وزع الحاج فتحي نظراته بين ذلك الغريب والممرضة قائلاً بتحدٍ غير عابيء بهما :
, -بأقولكم ايه ، أنا مش هاسيب بنت أخويا هنا !
,
, تلوت أسيف بجسدها محاولة التحرر من حصار ابن خالة أمها ، كما حاولت الحديث لكنها وجدت صعوبة في هذا بسبب تكميمه لفمها ..
, انزعج منذر اكثر لرؤيتها على تلك الحالة ، وهتف بسخط وهو يقف قبالته :
, -انت الحاج فتحي بقى !
,
, رد عليه الأخير بإقتضاب :
, -ايوه !
,
, هتف منذر قائلاً بعبوس كبير وقد أظلمت نظراته :
, -طب سيبها عشان نتفاهم !
,
, رد عليه فتحي بغلظة :
, -وانت مالك أصلاً ؟
,
, استشاطت نظرات منــــذر ، وأصبحت مهددة بخطر وشيك.
, فاستشعر الحاج فتحي ذلك. وقبل أن ينطق بحرف كان هو واضعاً يده على كفه الممسك بمعصميها مخلصاً أسيف منه.
, ثم هتف قائلاً بصوت مخيف :
, -لأ مالي ونص ، لأن أنا اللي مكلمك !
,
, تملكه الضيق بسبب تلك الحركة المباغتة من ذلك الغريب ، ورد عليه بصوت متشنج وهو يحاول عدم إفلات أعصابه :
, -قولتلي ، بقى انت الجدع اياه !
,
, أنزل منـــذر قبضة الحاج فتحي إلى جانبه ، وتابع هاتفاً بنبرة حذرة :
, -اه أنا !
,
, ثم نزع الأخرى عن فم أسيف لتسعل هي من اختناقها المؤقت.
, تراجعت هي للخلف لتجلس على طرف الفراش ، وعاونتها الممرضة في ضبط أنفاسها اللاهثة .
, قدمت لها كوباً من الماء لترتشف منه القليل ، وظلت تمسح على ظهرها برفق محاولة تهدئتها ومساعدتها على التغلب على صدمتها.
, نظر لها منذر بإشفاق ، وبصعوبة بالغة جاهد ليحافظ على هدوءه.
, ثم ضيق من نظراته لتصبح أكثر إحتداداً ، وتساءل مستنكراً وموجهاً حديثه للحاج فتحي :
, -ايه اللي انت بتعمله ده ، معلش كده أفهم !
,
, رد عليه الأخير بجمود مستفز :
, -زي ما أنت شايف ، هاخد بنت المرحوم معايا !
,
, رفعت أسيف عيناها الدامعتين نحوه ، وهزت رأسها نافية وهي تهمس بصوت مبحوح ومتحشرج :
, -لأ ، آآ.. أنا آآ٣ نقطةمش هاسيب ماما !
,
, استدار الحاج فتحي بجسده للخلف ليرمقها بنظرات متوعدة ، ثم تحرك نحوها ، وجذبها من ذراعها قائلاً بشراسة آمرة :
, -قومي يا بت ، اقفي على حيلك وتعالي معايا !
,
, تحرك منذر في إثره ، ونزع قبضته عنها قائلاً بحدة وهو يحدجه بنظرات مهددة :
, -انت مش شايف شكلها !
,
, وضع الحاج فتحي يده على كتفه ليضربه بحركات قوية نسبياً محذراً إياه ببرود :
, -ملكش فيه ، لحمي مش هاسيبه هنا !
,
, قست نظرات منذر ، وأصبحت نبرته أكثر قتامة وهو يقول :
, -لحمك ! فهمني انت مين بالظبط ؟
,
, رد عليه الأخير بتأفف وهو يرمق منذر بإزدراء :
, -أنا ابقى ابن خالة أمها ، وفي مقام خالها ، وأظنهم بيقولوا إن الخال والد !
,
, أرجع منذر رأسه للخلف مردداً بتهكم صريح :
, -أه ، ده لما تبقى خالها بحق وحقيق !
,
, اغتاظ الحاج فتحه من رده المستفز ، وانتفخ صدره غضباً ، فرمقه بنظرات نارية مستنكرة ، وصاح بصوت جهوري منفعل :
, -أنا واقف بأتكلم معاك أصلاً ليه !
,
, التفت ناحية أسيف ، ثم غرز أظافره في ذراعها ليؤلمها أكثر مردداً بعنف :
, -قومي يا بت !
,
, صرخت متآلمة وهي تبكي بحرقة :
, -آآه .. !
,
, اعترض منذر طريقه نازعاً قبضته عنها قائلاً بتحدٍ سافر :
, -لأ مش هاتقوم ولا هتمشي من هنا !
,
, استشاط الحاج فتحي غضباً ، وهدر بجموح ملوحاً بذراعه :
, -بأقولك ايه يا جدع ، انت مش عارفني لسه ، أنا مش هارمي لحمي كده للديابة ياكلوه ، أنا المسئول عنها هنا وكلمتي هاتمشي لو فيها قطع رقاب وآآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر قائلاً بإندفاع :
, -لأ إنت اللي مش عارفني يا حاج ، عاوز تاخد قريبتك على عيني وعلى راسي ، وبالأصول ! بس مش بالهمجية دي !
,
, ثم زاد من قوة نبرته وهو يضيف :
, -ثانياً بقى وده الأهم ، مين قالك إن انت بس المسئول عنها ؟
,
, اتسعت حدقتي الحاج فتحي بغيظ ، وضغط على شفتيه قائلاً بغل بعد أن شعر بالتقليل من شأنه وتحقير دوره العائلي :
, -اه أنا ، مالهاش حد غيري !
,
, التوى ثغر منذر بتهكم وهو يقول بثقة :
, -لأ غلطان ، عمتها عواطف موجودة !
,
, انفرجت شفتي الحاج فتحي قائلاً بإستنكار :
, -نعم !
,
, تابع منذر بجمود مثير للأعصاب :
, -عواطف خورشيد أخت أبوها المرحوم رياض ، ولا دي كمان مش عارفها
,
, تقوس فم الحاج فتحي ليرد عليه بسخط :
, -دلوقتي ظهرت ، كانت فين أصلاً من زمان !
,
, هتف منذر ساخراً منه وهو يرمقه بنظرات مزدرية :
, -موجودة ، بس واضح انك مش عايش في الدنيا !
,
, كور الحاج فتحي قبضته بضيق وضغط على أصابعه بشدة.
,
, أمــــال منذر رأسه عليه ليهمس له محذراً :
, -وخد بقى التقيلة ، عواطف دي قريبة عيلة الحاج طه حرب ، ونصيحتي ليك ماتعدناش وخصوصاً أنا !
,
, صاحت أسيف فجــأة بصوت مهتاج :
, -أنا عاوزة ماما ، ودوني عندها
,
, استدار كلاً من منذر والحاج فتحي ناحيتها ونظرا إليها بنظرات منوعة ما بين التوعد والإشفاق.
,
, ردت عليها الممرضة بهدوء محاولة السيطرة على غضبها وامتصاص انفعالاتها الغير محسوبة العواقب :
, -حاضر ، اهدي بس !
,
, كان الحاج فتحي على وشك الصراخ بها وتعنيفها لكن ألجمه صوت منذر القائل بصرامة :
, -من الأخر كده يا حاج ، البت دي مش هاتمشي من هنا !
,
, التفت الأخير نحوه مغتاظاً من عنجهيته ، وتحديه إياه بجرأة.
, حدجه بأعين أقرب للجمرات من شدة احتقانها ، وهتف مستنكراً :
, -انت بتتحداني ؟
,
, رد عليه منذر ببرود :
, -حاشا لله ، بس لو عاوز الأمور تمشي ، يبقى بالأصول يا حاج !
,
, صـــر الأخير على أسنانه بشدة ، وهتف بغلظة وقد تجهم وجهه كثيراً :
, -ماشي ! طب الأصول بتقول إكرام الميت دفنه !
,
, رد عليه منذر بهدوء :
, -عداك العيب ، واحنا ملزمين بدفنه !
,
, صرخت فيهما أسيف بإهتياج مستنكرة وفاة والدتها :
, -ماما مامتتش ، ماما لسه عايشة ، انتو كدابين ، كدابين !
,
, فلتت زمـــام الأمور لدى الحاج فتحي بعد عبارتها الأخيرة ، وشعر فيها بالمهانة وقلة القيمة ، فأراد رد اعتباره ، واستعادة مكانته كقريبها الصارم ، لذت رفع يده في الهواء ليباغتها بصفعة قوية جابراً إياها على الصمت قائلاً بنفاذ صبر :
, -فوقي يا بت ريـــاض ، كفاية فضايح وقلة أدب !
,
, نظرت له أسيف بفزع ، وارتجف جسدها بشدة.
, وضعت يدها على وجنتها عفوياً مذهولة من ضربه لها. وتجمدت العبرات المتراقصة في مقلتيها.
, صُـــــدم منذر مما فعله معها ، واتسعت حدقتيه على أشدهما عقب تلك الصفعة المفاجئة واستقوائه عليها ، وهدر بصراخ مخيف وقد انتفضت كافة حواسه وتأهبت للإنقضــــاض عليه :
, -حـــــــــــــــاج فتحي ٣ نقطة ٧ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: salemsoly
١٩
فتحت عيناها الناعستين بتثاقل ، ثم قامت بفركهما بإصبعيها بحركة خفيفة ثابتة متثاءبة بصوت خفيض.
, تمطت بذراعيها لتزيح عنهما ذلك التيبس ، ومن ثم استدارت برأسها نحوه.
, التوى ثغره بإبتسامة عابثة وهي تراه ممدداً إلى جوارها. فقد ظفرت بما أرادت ، وعُقد قرانها عليه رسمياً وأصبحت زوجته.
, مـــدت يدها لتمسح على صدره العاري برفق ودلال ، ثم ارتفعت بجسدها عن الفراش قليلاً لتتأمل وجهه بنظرات مطولة قبل أن تهمس له بدلال :
, -حبيبي ، مش هاتصحى بقى ،احنا بقينا العصر
,
, أولاها ظهره وهو يستدير للجانب قائلاً بصوت متثاقل ومتحشرج:
, -وايه يعني ؟
,
, سألته مهتمة وهي تعبث بخصلات شعره القصيرة :
, -مش هاتنزل شغلك النهاردة ؟
,
, أزاح يدها بعيداً عنه ورد قائلاً بتأفف ودون أن يفتح جفنيه :
, -لأ ، عاوز أنام !
,
, عبس وجهها وهي تضيف بضيق :
, -اوكي يا حبيبي براحتك ، أنا هاقوم أجهزلك الغدا وآآ..
,
, قاطعها قائلاً على مضض :
, -مش عاوز أكل ، أنا هنام وبس !
,
, ضغطت على شفتيها مرددة :
, -ماشي
,
, ثم نهضت من جواره ساحبة روبها الحريري لترتديه على قميص نومها الشفاف ، والتفتت لتنظر له بعمق محدثة نفسها بضجر :
, -براحتك يا مازن ، اتقل عليا ، المهم إن حصل اللي كان نفسي فيه وخلاص !
,
, سارت إلى خــارج الغرفة ومعها هاتفها المحمول. وأغلقت الباب ورائها لتضمن عدم استماعه لمكالمتها مع والدتها.
,
, ألقت بثقل جسدها على الأريكة لتتمدد بإسترخاء ، ولفت حول إصبعها خصلات شعرها.
, أجابت أمها عليها قائلة بمزاح :
, -ناموسيتك كحلي يا عروسة
,
, ردت عليها ولاء بسخط :
, -يا ماما أنا عديت المرحلة دي من زمان !
,
, هتفت شادية قائلة بتفاخر :
, -لأ عروسة ونص ، وكله بالورق الرسمي !
,
, تقوس فمها بإبتسامة باهتة وهي تضيف :
, -أها ، طمنيني بس عملتي ايه ؟
,
, أجابتها والدتها بثقة :
, -أنا لسه راجعة من عند المحامي ، وخلاص هانظبط قضية نقل الحضانة ليا ! اطمني
,
, سألتها بتوجس وهي تعتدل في جلستها :
, -ودياب ؟
,
, أجابتها بهدوء متريث :
, -أكيد مش هايعرف دلوقتي ! أما يوصله الإعلام !
,
, حدقت ولاء في أظافرها متابعة بتوتر قليل :
, -**** يستر بقى
,
, صاحت بها شادية بجدية :
, -انسيه وركزي مع اللي في ايدك ، مش عاوزين غلطات
,
, ردت عليها ابنتها على مضض :
, -ماشي !
,
, ثم تابعت الاثنتان ثرثرتهما المعتادة حول بعض الأمور الغير هامة.
, ٣٣ نقطة
, خرجت الممرضة من الغرفة لتستدعي أفراد الأمن للتدخل قبل تأزم الوضع في غرفة المريضة.
,
, تحفـــــز منذر للغاية وتشنجت عروقه بوضوح وبدا على وشك قتل أحدهم بعد تفاجئه بالصفعة العنيفة من قبل الحاج فتحي على تلك المكلومة الضعيفة.
, ما أثار غيظه حقاً هو أنها لم تخطيء هي مازالت في حالة صدمة. لم تستفق بعد من غيبوبتها المؤقتة وتستوعب تلك الفاجعة المتمثلة في خسارة والدتها.
, أظلمت نظراته للغاية ، وهدر بصوت خشن مخيف يحمل الغل :
, -حــــــــــــــــــاج فتحي !
, لم يهتم به الأخير، وظلت أنظاره المحتدة مسلطة على أسيف التي هتفت بصوت باكي متخاذل وهي تذرف العبرات المريرة بغزارة :
, -بابا لو كان عايش كان آآ٤ نقطة
,
, قاطعها الحاج فتحي صائحاً بنبرة عدائية وهو يشير بإصبعه مهدداً :
, -لو بؤك اتفتح تاني هـ.. آآآ٣ نقطة
,
, قبض منذر على إصبعه المهدد شادداً قبضته عليه متعمداً إيلامه.
, ثم مقاطعه بنبرة قاتمة وقد بلغ ذروة غضبه :
, -انت بتستقوى على حرمة ؟ لأ وقصادي كمان !
,
, غاب عقل الحاج فتحي تماماً ، وهدر فيه بنبرة متهورة :
, -دي شرفي ، أعمل معاها اللي عاوزه ، يعني لو غلطت أكسرلها ضلوعها كلها ! وأدبحها كمان !
,
, شكل منـــذر بجسده حاجزاً منيعاً أمامه ليسد عليه أي فرصة للإقتراب منها والتهديد بإيذائها ، ورد عليه بصوت قوي محذر :
, -ده لو أنا مش موجود !
,
, فوجيء الحاج فتحي بما يفعله ، وردد مستنكراً :
, -افندم
,
, تابع منذر قائلاً بشراسة وهو يتعمد تسليط أنظاره القاتمة عليه :
, -مش هاسمحلك تمد ايدك عليها تاني !
,
, ثم تحرك بجسده للأمام نحوه جابراً إياه على التراجع للخلف وهو يضيف بإزدراء مهدد :
, -ولولا العيبة إنه يتقال مديت ايدي على راجل كبير زيك كنت خدت حقها وقتي منك !
,
, صــــاح الحاج فتحي بعصبية شديد وقد تشنجت عروق عنقه :
, -انت اتجننت ، بتهددني كده عيني عينك ؟
,
, كز منذر على أسنانه بقوة ليرد بجموح :
, -منذر حرب مابيهددش ، أنا بأخد حقي بدراعي على طول !
,
, دفعه الحاج فتحي من كتفه بأقصى طاقته ليفسح المجال أمامه للمرور قائلاً بإنفعال :
, -ابعد عن طريقي !
,
, جمــــد الأخير من جسده ، وثبت أقدامه في الأرض ليبدو كالصخرة الثقيلة الصعب إزاحتها من مكانها ، فلم يستطع هو تحريكه إلا مسافة لا تتجاوز السنتيمرات.
,
, تابع الحاج فتحي صياحه الغاضب قائلاً :
, -أنا ماليش اتكلم مع واحد زيك مالوش صلة بينا ، أنا هاخد البت وأمشي من هنا !
,
, ظل منذر معترضاً طريقه وهو يرد بشراسة :
, -مش هايحصل ، مش هاسيبهالك تستفرد بيها !
,
, صاح به الأخير بعد أن شعر بإنكسار هيبته أمامه :
, -إنت هاتمنعني ؟
,
, هز منذر رأسه بالإيجاب مردداً بثقة :
, -اه ، بالقوة ! بالعافية ! أو بقلة الأدب ! شوف إنت و اختار اللي عاوزاه ، بس هي مش هاتمشي معاك !
,
, كور الحاج فتحي قبضة يده ، ولكمه في صدره بعنف بعد عبارته الأخيرة وهتف مغتاظاً :
, -لأ بقــــى ! انت كده اتخطيت حدودك معايا ، وأنا مش هاسكتلك
,
, أمسك منذر بقبضته وضغط عليها بعنف أكبر مسبباً الآلم له ، وهتف مردداً بنبرة عدائية :
, -أعلى ما في خيلك اركبه ، واللي عندك أعمله وزود عليه كمان !
,
, اضطر الحاج فتحي أن يسحب كفه منه رغماً عنه ، وحدجه بنظرات نارية.
, أدرك هو فارق القوى الجسمانية بينهما ، لكنه لم يكن ليتركه ينتصر عليه.
, فكر سريعاً في طريقة للتخلص منه ، وأوهمه أنه سيتراجع للخلف ، لكنه كان يبحث عن ثغرة تمكنه من المرور والوصول إلى أسيف .
,
, استدار منذر عفوياً ليحدق فيها بضيق.
, كانت تبكي متحسرة ، مازالت واضعة يدها على وجنتها.
, صدرها يعلو ويهبط من فرط الخوف.
, شعر بوخز في قلبه نحوها. فالموقف أكبر منها.
, وزفر بإنزعاج كبير.
,
, لم ينتبه هو للحاج فتحي الذي دار من حوله ليمسك بأسيف
, هاتفاً بغضب :
, -قومي يا بت !
,
, أفاق من تحديقه سريعاً مردداً بغضب :
, -انت بتعلم ايه ؟
,
, صرخت أسيف بفزع على إثر قبضته ، وقاومته رغم ضعفها قائلة :
, -آآآه ، أنا مش هامشـآآ٣ نقطة
,
, هزها بعنف وهو يسحبها قسراً ليوبخها بقسوة متوعدة :
, -لينا كلام تاني يا بنت حنان !
, -آآآآه
, تأوهت بآلم شديد وهي تحاول الخلاص منه.
,
, تدخل منذر ليبعده عنها صائحاً بعصبية :
, -مش قولتلك مش هتاخدها
,
, دفعه الحاج فتحي من كتفه بقبضته الأخرى مردداً بصوت متحشرج :
, -ابعد ياض انت !
,
, رمقه منذر بنظرات محتقنة للغاية مردداً بحدة :
, -ياض ٥ علامة التعجب
,
, كان الحاج فتحي على وشك صفع أسيف مجدداً وهو يقول :
, -عاجبك الفضايح دي !
,
, وقبل أن تطال كفه وجنتها كان منذر قابضاً على رسغه ضاغطاً عليه بقوة رهيبة ، وهدر فيه بنبرة مخيفة :
, -ابعد ايدك عنها
,
, اشتعلت نظرات الحاج فتحي ، وهدر متشنجاً :
, -سيب دراعي بدل ما آآآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر قائلاً بنفاذ صبر ، وقد أوشك على الانفجـــار فيه :
, -شوف أنا فاض بيا منك ، وهي كلمة ، إنت مش هتاخدها ، وده أخر ما عندي !
,
, استجمع بعدها قوته ليدفع الحاج فتحي بعصبية للخلف بيد واحدة ، وباليد الأخرى قبض على رسغ أسيف وجذبها منه قائلاً بصوت آمر :
, -تعالي
,
, كاد الأخير أن يفقد إتزانه على إثر الدفعة ، ولكنه استند بمرفقه على طرف الفراش.
, لم تبدِ أسيف أي مقاومة معه ، فقد استنفذت قواها بالكامل. وسارت مستسلمة معه فقط لتنجو من بدنها من شراسة الأقرب إليها.
,
, اعتدل الحاج فتحي سريعاً في وقفته ، وعدل من هيئته التي لم تعد مهندمة ، ثم حاول اللحاق بمنذر وأسيف مردداً بصوت متحشرج :
, -واخد البت على فين ؟
,
, لم يلتفت نحوه منذر بل إستمر في جر أسيف خلفه ، ورد عليه بصوت حاسم وبقتامة نافذة في نفس الوقت :
, -على بيت عمتها ، وهناك بقى تتكلم معاها ومع كبار حتتنا !
,
, أسرع الحاج فتحي في خطاه ، وقبض على ذراع أسيف فصرخت متأوهة من أظافره المغروزة فيها.
, توقف منذر عن السير ، واستدار ناحيته ووجهه يعكس الكثير عما بداخله من نيران مستعرة.
, شد أسيف ناحيته أكثر ، ووضع قبضته على يد الحاج فتحي ليزيحها عن ذراعها.
, حدج الأخير منذر بنظرات ساخطة ، وهتف فيه بتوعد :
, -فكرك إنت هاتعرف تهرب مني ، لأ انت مش عارف مين الحاج فتحي ، ولا قرايب الحاج فتحي ! إنت وقعت معايا ، وأنا هاخدها غصبن عنك !
,
, تمكن منذر من تخليصها منه ، ورد عليه بجموح مخيف :
, -وماله ، والعنوان أهوو عندك ، مايتوهش !
,
, ثم لف ذراعه حول كتفي أسيف ليحاوطها وانطلق بها مبتعداً عنه.
, تابعه الحاج فتحي بنظرات مميتة ، ورفع من نبرة صوته قائلاً وهو يلوح بيده :
, -ماشي يا ابن الـ ٧ نقطة ! مش الحاج فتحي اللي يتهزأ على كبر ومايخدش بتاره !
,
, أخفض رأسه ليبحث بلا تركيز عن هاتفه المحمول في جيبي جلبابه ، ثم أخرجه ليهاتف أحد الأشخاص.
, ظل يذرع الرواق ذهاباً وإياباً وهو يقول بنبرة محتدة :
, -أيوه يا حاج اسماعيل ، عاوزك في موضوع مهم جداً ، لأ ، مايستناش ! اسمعني للأخر !
, ٣١ نقطة
,
, ابتعد منـــــذر بأسيف عن الطابق المتواجد به قريبها الشرس.
, كانت هي مزعوجة من محاوطته لها ، فتملصت بضيق من ذراعه.
, أرخى هو يده عنها ، وحاول طمأنتها قائلاً بهدوء متريث :
, -متخافيش محدش هايعمل حاجة !
,
, فركت ذراعها المتآلم بكف يدها مرددة بإصرار :
, -أنا عاوزة ماما ، وديني عندها !
,
, نظر إليها ولم يعقب. وضغط على شفتيه بقوة محاولاً التفكير في طريقة لإقناعها أن والدتها قد قضت نحبها.
, بادلته نظرات متعجبة من صمته المؤقت ، فزفر بضيق من تلك النظرات.
, زاد حنقه حينما وجد أثار تلك الأصابع محفورة على وجنتها.
, أبعد عيناه عنها ، ووضع إصبعيه على طرف ذقنه ليفركه بحيرة.
, يئست من مساعدته لها ، فتحركت مبتعدة عنه سائرة بلا وجهة محددة لتبحث عنها.
, لحق بها منذر وأمسك بها من معصمها ليجبرها على التوقف.
,
, التفتت ناحيته ، ورمقته بنظرات حادة مرددة بصوت مبحوح :
, -أنا مش عاوزة مساعدة منك ، أنا هادور عليها بنفسي
,
, ثم دفعت بقسوة يده عنها.
, رأى في نظراتها إصراراً عجيباً يتنافى تماماً مع ذلك الضعف الذي كان أمامه قبل لحظات.
, لم يجد بداً من مصارحتها بالحقيقة ، لذا أمسك بذراعيها بكفيه ، ووقف قبالتها صائحاً بصوت آمر :
, -عاوزك تسمعيني كويس وتفهمي الكلام !
,
, انتفضت من لمسه لها ، وجاهدت لتبعدهما عنها.
, لم يهتم بما تصدره من مقاومة ، وتابع قائلاً بقسوة وقد أظلمت نظراته :
, -أمك معدتش عايشة وسطنا ، راحت مع اللي راحوا !
,
, اضطربت أنفاسها ، وبرقت عيناها بشدة وهي تهتف محتجة ومستنكرة حديثه :
, -لأ ، ماما مامتتش ، إنتو ليه مصممين آآ٤ نقطة
,
, قاطعها قائلاً بصوت قاتم وهو يهزها بعنف :
, -مش وقت جنان ، أمك ماتت فعلاً ، والمفروض هتدفن وده متأجل عشان خاطرك !
,
, نهج صدرها ، وتهدجت أنفاسها بصورة ملحوظة.
, تقطع صوتها واختنق بصورة كبيرة وهي تهز رأسها نافية :
, -لألألأ ، كدب .. كله كدب ، هي تعبانة بس شوية !
,
, شدد من قبضتيه عليها ليضيف محذراً بجمود :
, -شوفي أنا لو سبتك للراجل المفتري اللي جوا ده مش هايرحمك !
,
, لم تتمكن من منع عبراتها ، فآلم صفعته مازالت أثاره باقية في نفسها ، لذا ردت بصياح باكي :
, -هو جاي ليه أصلاً ؟ ما خد الأرض مننا ، عاوز ايه تاني ، مش هاسيبه ياخد أمي !
,
, أغمض منذر عينيه للحظة يائساً من محاولة إقناعها بالعكس.
, ثم تنفس بعمق ، وعاود فتح جفنيه ليقول بهدوء مصطنع :
, -ركزي معايا ، أمك ماتت
,
, تصلبت تعابير وجهها ، واصطبغ بحمرة غاضبة ، وهتفت مستنكرة بعناد أكبر رغم اختناق حروف كلماتها :
, -لأ ، ماما لسه عايشة !
,
, وصل منذر إلى قمة يأسه معها ، فهتف بنزق :
, -مابدهاش بقى ، تعالي معايا !
,
, أرخى قبضته عن ذراعها الأيمن ، وشدد من الأخرى على الأيسر ليجذبها خلفه.
, حاولت التحرر منه وهي تسأله بصوت متحشرج :
, -واخدني على فين ؟
,
, أجابها بنبرة جافة للغاية وقد قست نظراته :
, -هخليكي تصدقي !
,
, ابتلعت ريقها بخوف شديد ، وزاد خفقان قلبها وهي تتبعه رغماً عنها.
, لم يكن أمام منذر أي وسيلة أخرى لإقناعها سوى اللجوء لتلك الطريقة القاسية والخالية من العطف.
, إن لم تستفق من غيبوبتها وتدرك ما يحدث حولها بطريقة عقلانية ستتيح الفرصة للطامعين بها لإستغلالها والإساءة إليها.
, أحياناً تجبرنا بعض المواقف على تجاوز ماهو معقول للوصول لغرض ما.
, وهذا ما فعله .
,
, اتجه بها نحو المشرحة ، ذلك المكان البارد الخالي من الحياة.
, لم تعرف وجهتها بالضبط ، لكن استشعر قلبها من تلك الرائحة الغريبة التي تغلف المكان أنها مقبلة على أمر سيء.
,
, ولج الإثنان إلى ممر ما جانبي نائي عن باقي المشفى.
, كان طويلاً نسبياً وشبه مظلم ، وتضم جدرانه برودة قارصة رغم اعتدال الجو بالخارج .
,
, جف حلقها بدرجة كبيرة ، ودبت إرتجافة قوية في أوصالها وهي تطأ أرضيته القاتمة.
, نعم شعور قوي بالرهبة سيطر عليها.
,
, كانت تحاول قراءة ما دون على اللافتات الجانبية ، لكن نظراتها كانت مشوشة ، فعجزت عن القراءة بوضوح.
,
, وقعت عيناي منذر على أحد الأشخاص الجالسين قرب نهاية الممر ، فاتجه بها نحوه.
, هب الرجل واقفاً من مكانه متساءلاً بخشونة :
, -رايح فين يا أخ ؟
,
, أرخى منذر قبضته عن أسيف ، وتحرك نحو الرجل ليجذبه معه بعيداً عنها هامساً :
, -ممكن كلمتين على جنب كده ؟
,
, وزع الرجل أنظاره بينهما ، وهتف بجفاء :
, -كلمتين ايه دول ؟ ممنوع أصلاً تيجوا هنا
,
, بناءاً على عهده بالعاملين بذلك القسم المخيف بالمشفى ، هو يعلم بتقبل أغلبه للرشــاوي وتقاضي الأموال مقابل القيام ببعض الأمور المخالفة ، طالما أنها لا تسبب له الأذى أو المشاكل ، وبالتالي تعامل مع الموقف بحرفية معتادة.
, لذا دس يده في جيبه ، وأخر حفنة من النقود ، وطواها في راحته ، ثم قربها بحذر من كف الرجل ، وأعطاه ما بها عنوة وهو يرد بخفوت :
, -معلش !
,
, أخفض الرجل نظراته نحو كفه ، وادعى عدم إهتمامه بما يفعله قائلاً بإعتراض :
, -مش مسموح يا حضرت تبقوا آآ٣ نقطة
,
, قاطعه منذر بنبرة ذات مغزى وهو يغمز له :
, -احنا عاوزين نشوف أمها قبل ما تدفن ، وآآ..
,
, أصر الرجل على رفضه مقاطعاً بتأفف :
, -لالالا ، كده أنا هاقع في مشكلة يا حضرت !
,
, تابعتهما أسيف بنظرات حائرة، هي لم تفهم بعد ما الذي تفعله هنا في ذلك المكان البـــــارد. وجابت بعينيها حوائطه بنظرات سريعة خاطفة.
,
, التقط منذر كف الرجل بأصابعه ، ودس فيهم النقود قائلاً بلؤم :
, -كل مشكلة وليها حل !
,
, قبض الرجل على النقود ، وخبأها في جيب معطفه المتهدل قائلاً بإحتجاج زائف :
, -بس آآ٤ نقطة
,
, غمز لها منذر بنظرات ذات مغزى وهو يهمس بإلحاح :
, -ده معروف ، هتاخد فيها ثواب !
,
, ابتلع الرجل ريقه قائلاً بتوجس :
, -طب بسرعة **** يكرمك ، أنا مش ناقص مشاكل !
,
, التوى ثغر منذر بإبتسامة عابثة وهو يقول :
, -على طول ، دقيقتين !
,
, عــــاد منذر إلى أسيف ، ودفعها للأمام دون أن ينبس بكلمة.
, سألته برجفة واضحة في نبرتها :
, -هو .. هو انت واخدني على فين ؟
,
, أجابها بغموض :
, -مش عاوزة تشوفي أمك ؟
,
, سألته بتوجس وقد تسارعت دقات قلبها :
, -هي بتعمل ايه هنا ؟
,
, وقف أمام اللافتة ، وأشـــار بعينيه الحادتين نحوها قائلاً بجمود :
, -أمك موجودة هنا ، بالمشرحة !
,
, شحب وجهها بشدة ، واتسعت عيناها مصدومة وهي تهتف بصراخ :
, -لأ !
,
, عفوياً وضع منذر قبضته على فم أسيف ليكتم صراختها ، ولف يده الأخرى خلف رأسها.
,
, توجس الرجل خيفة من افتضاح أمره ، واكتشاف سماحه لبعض الغرباء بالولوج إلى داخل المشرحة دون تصريح رسمي ، فهتف مستنكراً :
, -شششش ، ايه يا جدع ، انت كده هتفضحنا ؟
,
, ظل منذر مكمماً لفم أسيف ولم يتركها ، والتفت فقط برأسه نحو الرجل قائلاً بإمتعاض خافت:
, -لا مؤاخذة !
,
, حاولت أسيف ابعاد قبضته عن فمها لكنه فشلت ، وتحركت مجبرة معه نحو الداخل.
, أغلق الرجل الباب خلفهما وبقي بالخـــارج ليراقب الطريق.
,
, تنفست أسيف بصعوبة ، وتعلقت أبصارها المرعوبة بوجه منذر.
, أردف هو قائلاً بتحذير :
, -هاشيل ايدي ومش هاتصوتي ، سامعة ؟
,
, هزت رأسها بالإيجاب ممتثلة لأمره ، فأزاح يده ببطء عنها.
, هتفت فيه فجـــأة بصوت منفعل وهي تتراجع للخلف مبتعدة عنه :
, -انت كداب ٤ علامة التعجب
,
, رد عليها بجمود وهو يتحرك صوبها بخطى ثابتة :
, -ماشي ، أنا كداب ، تعالي وصدقي بعينيكي !
,
, جذبها من ذراعها نحو أحد الأَسِرَّة ليقرأ ما دون على طرفها من أسماء تخص جثامين المتوفين.
, كانت ترتجف بشدة ، ورغم ذلك صمدت واستجمعت شجاعتها حتى تصل للحقيقة.
, كانت على يقين تام أنه كاذب ، وأن والدتها بخير وستتماثل للشفاء.
, لكن تلاشى كل شيء فجـــأة حينما أوقفها أمام الفراش المنزوي.
, حدقت بأعين متجمدة في تلك الورقة البيضاء المكتوب عليها بالقلم الحبري " المرحومة حنان "
,
, اهتزت نظراتها ، وقفز قلبها في قدميها من أثر الصدمة.
, أوشكت على الإنهيار ، لكن ما مرت به لا يقارن بتلك اللحظة القاسية التي كشف فيها منذر عن وجه أمها المتوفية.
,
, هتف بنبرة خالية من الحياة وهو يشير إليها :
, -هي دي أمك ؟
,
, خفق قلبها بقوة أكبر ، وتجمدت أنظارها على وجهها الأزرق.
, شخصت أبصارها هلعاً ، وارتفع حاجباها للأعلى برعب كبير.
, جف حلقها تماماً ، وتجمدت الكلمات على شفتيها فعجزت عن النطق.
, إنها حقاً والدتها ، لكنها في وضع غريب ومريب .
, جرجرت ساقيها لتقترب أكثر منها.
,
, رأى منذر في نظراتها وتعابير وجهها المخيف أثر الحقيقة المريرة عليها.
, هو ندم على تلك الخطوة الجريئة ، لكنها كانت بالنسبة له الخط الفاصل بين الواقع والجنون.
,
, مدت أسيف كفها المرتعش نحو جسد والدتها المسجي على الفراش لتتلمسه ، وترقرقت العبرات بمقلتيها وهي تهمس لها بصوت هامس متقطع مصدوم :
, -مــ..ماما !
,
, لم تجبها ، ولم تتحرك على إثر لمساتها الرقيقة المعتادة.
, كانت باردة للغاية ، صامتة ، خالية من الحياة.
,
, زاد نهجان صدرها. وتسابقت نبضات قلبها حتى كادت تصم أذنيها من فرط سرعتها.
, بكت بغزارة غير مسبوقة ، وهزت رأسها للجانبين بإيماءات متتالية مستنكرة قساوة الحياة معها.
, اضطربت أنفاسها بجموح وهي تحاول إخراج تلك الشهقة الصارخة بآلم والتي تحمل الكثير من أعماق فؤادها المفجوع :
, -لأ ، ماما ٧ نقطة٣ علامة التعجب
 
  • عجبني
التفاعلات: salemsoly
٢٠
أطفأت عواطف الإنارة بغرفة ابنتها بسمة بعد أن غفت على فراشها. رمقتها بنظرات أخيرة قبل أن تلج للخارج وتغلق الباب خلفها بهدوء حذر.
,
, سألتها نيرمين بنبرة عادية وهي تجمع صحون الطعام المتسخة :
, -نامت ؟
, أجابتها عواطف بإيماءة واضحة من رأسها :
, -اه يا حبة عيني ، زي ما تكون بقالها سنة ماشافتش طعم النوم
,
, أضافت نيرمين قائلة بجدية :
, -ده أحسنلها عشان جسمها يفوق من تاني
,
, وافقتها عواطف الرأي وتابعت قائلة بصوت جاد :
, -بدي أروح أشوف بنت أخويا هي كمان وأطمن عليها !
,
, رمقتها نيرمين بنظرات شبه حادة ، وردت بإمتعاض :
, -ما هي في المستشفى وحواليها دكاترة أد كده هايكون ناقصها ايه !
,
, انزعجت عواطف من ردها القاسي ، واحتجت قائلة بعتاب :
, -مايصحش يا نيرمين ، أنا مقصرة جامد في حقها ، وحتى دفنة أمها مش عارفين هاتعمل فيها ايه لحد دلوقتي !
,
, تقوس فم نيرمين للجانب لتضيف بتهكم :
, -يا ماما عادي ، هي مش أول واحدة يموتلها حد ! وبعدين احنا منعرفهاش أد كده
,
, أغاظها ذلك الجحود البادي عليها ، فصاحت معنفة إياها :
, -انتي عاوزة تركبينا الغلط ، يعني ايه منعرفهاش ، دي بنت أخويا **** يرحمه
,
, حاولت نيرمين أن تتدارك الموقف قبل أن تثور عليها والدتها ، فقد أخطــأت في عبارتها الأخيرة ، وهتفت مصححة :
, -مقصدش ، بس احنا برضوه عندنا مشاكلنا وزيادة !
,
, ثم دنت منها لتضيف بنبرة ذات مغزى :
, -ده غير انها مش في وعيها ، يعني مروحتك ليها لا هتقدم ولا هتأخر !
,
, نكست عواطف رأسها قائلة بخزي :
, -قلبي مش جايبني أسيبها لوحدها !
,
, وضعت نيرمين يديها على كتفي أمها ، وضغطت عليهما قليلاً وهي تقول بمكر :
, -هي مش لوحدها ، ما أنا قولتلك من شوية هي معاها دكاترة وممرضين ، وناس فاهمة شغلها كويس ، ده غير انها أعدة في مستشفى ، وفي مواعيد للزيارة ، يعني ممكن ميرضوش يخلوكي تشوفيها !
,
, ارتفع حاجب عواطف للأعلى في استغراب واضح ، وهتفت متعجبة :
, -هما ممكن يعملوا كده ؟
,
, حركت نيرمين رأسها بالإيجاب بتضيف بثقة :
, -اه طبعاً
,
, أخرجت عواطف من صدرها تنهيدة مزعوجة وهي تقول :
, -لا حول ولا قوة إلا ب**** !
,
, ابتسمت نيرمين لنفسها بغرور لنجاحها بدون أي مجهود في إثناء والدتها عن القيام بتلك الزيارة الغير مجدية ، وتابعت بحذر :
, -شوفي انتي بس بنتك العيانة دلوقتي ، واحنا أخر النهار هنعدي نبص عليها !
,
, ردت عليها مستسلمة بيأس :
, -أمري لله
, ٣٩ نقطة
,
, هاتف الحاج فتحي أغلب كبار قريتهم ليتأكد من حضورهم إليه في أقرب وقت لمساندته واستعادة ابنه الغالي كما يدعي.
, عاود الاتصال به الحاج اسماعيل ليعرف التطورات منه ، فأبلغه الأخير قائلاً بعناد :
, -أنا خلاص كبرت في دماغي ، ويانا يا الواد ده ! البت هترجع معايا غصبن عنهم كلهم
,
, رد عليه الحاج اسماعيل بنبرة متريثة هادئة :
, -عندك حق يا حاج فتحي ، واحنا كلنا معاك !
,
, تابع الحاج فتحي مردداً بنبرة مكفهرة :
, -أنا هاحجز في لوكاندة قريبة ، وهابلغك بمكانها عشان تيجولي على هناك ، بس بلاش تتأخروا عليا ، عاوز أنهي الليلة دي النهاردة
,
, رد عليه بجدية :
, -أني ظبطت الماكروباصات وشوية وهتحمل بالرجالة وهتلاقينا عندك
, -على بركة **** ، ماتحرمش !
, قالها الحاج فتحي بنبرة قاتمة توحي بشر مستطر منهياً مكالمته معه .
, ٤٠ نقطة
,
, استمعت الحاجة جليلة إلى دقــــات عنيفة على باب منزلها حتى شعرت أنها ستخلعه.
, انتفضت في مكانها ، وتركت ما بيدها لتسرع في خطواتها تجاهه لتفتحه وهي تصيح بقلق :
, -أيوه يا اللي بتخبط ! هي الدنيا اتهدت !
,
, أدارت المقبض ، وأطلت برأسها لترى الطارق فشهقت مصدومة وهي تضع يدها على فمها.
, صـــاح بها منذر بصوت منزعج وهو يشير برأسها :
, -افتحي الباب يا ماما ، وإديني سكة
,
, زادت صدمتها المتفاجئة حينما دققت النظر فيه ، و رأته حاملاً فتاة ما غريبة غائبة عن الوعي بين ذراعيه.
,
, أفاقت من ذهولها على صوته الآمر :
, -يالا يا ماما ، مش هافضل واقف كده كتير
,
, هزت رأسها بتوتر وهي تجيبه :
, -حاضر يا بني !
,
, فتحت الباب على مصرعيه ، وأفسحت له المجال ليمر بها للداخل.
, ظلت أنظارها متعلقة به ، وقد اقتحم عقلها عشرات من الأسئلة.
,
, ســـارت خلفه متساءلة بإندفاع وهي تضع يدها على طرف ذقنها :
, -مين دي يا منذر ؟ وحصلها ايه ؟ وجاي بيها هنا ليه أصلاً ؟
,
, لم يستدر نحوها ، ورد عليها بصيغة آمرة :
, -طلعي أروى من أوضتها !
,
, انزعجت من تجاهله لها قائلة بحدة قليلة :
, -ما ترد عليا يا بني ، دي مين ؟
,
, التفت كلياً نحوها ، ورد عليها بعبوس :
, -هاقولك بس أنيمها جوا !
,
, مررت أنظارها سريعاً على الفتاة فوجدت حالتها مزرية للغاية ، ثوبها ملطخ بآثار الدماء الجافة ، وجهها شبه شاحب وفاقد لحيويته ، تكاد تكون في وضع غير مبشر على الإطلاق.
,
, كان منذر على وشك فقد صبره بسبب بطء استجابة والدته له ، فهدر قائلاً بعصبية :
, -يالا يا حاجة !
,
, حركت رأسها بإيماءات متتالية ، والتفتت تركض وهي تصيح بصوت متعصب :
, -بت يا أروى ، إنتي يا بت ! سيبي أوضتك وتعالي
,
, جاءها صوت ابنتها الصغرى من الداخل قائلة :
, -أيوه يا ماما !
,
, سدت عليها جليلة الطريق بجسدها لكي لا ترى تلك الفتاة الفاقدة لوعيها ، ودفعتها بقوة من كتفيها لتستدير عنوة في الإتجاه العكسي قائلة بجمود :
, -روحي عند يحيى!
,
, لمحت أروى بطرف عينها الشابة ، فتساءلت بفضول وهي تختلس النظرات إليها :
, -مين دي ؟ هي تعبانة يا ماما ؟
,
, نهرتها أمها لتدخلها في شئون لا تخصها صائحة بغلظة :
, -مالكيش دعوة ، روحي يالا عند يحيى !
,
, عبست أروى بوجهها قائلة بضيق :
, -طيب ، أوف !
,
, تأكدت جليلة من ابتعاد ابنتها ودخولها إلى غرفة يحيى فاستدارت عائدة إلى ابنها قائلة بصوت مزعوج :
, -ما تفهمني يا منذر مين البت دي ؟ وجايبها مسورأة ( فاقدة للوعي ) ليه هنا عندنا ؟
,
, رد عليها بغموض مقتضب :
, -مش وقته يا ماما !
,
, شدد هو من قبضتيه على أسيف ليضمها إليه ، واتجه حاملاً إياها نحو غرفة أخته الصغرى.
, تبعته جليلة إلى الغرفة ، وأزاحت الغطاء ليتمكن هو من إسنادها برفق عليه.
, عاونته جليلة في تغطية جسدها ، ووضع الوسادة خلف رأسها.
, أمعن منذر النظر إليها مطولاً ، ورفع يده على رأسه ليمررها في خصلات شعره ، ثم حكها بحيرة وأخذ ينفخ بصوت مسموع.
, رمقته والدته بنظرات ذات مغزى ، ثم سحبته من ذراعه قائلة بخفوت :
, -تعالى نتكلم برا !
,
, رد عليها بتجهم :
, -خليكي جمبها دلوقتي يا ماما وهنتكلم بعيد !
,
, هتفت معترضة بإصرار وقد تشنجت تعابير وجهها :
, -لأ دلوقتي ، سامع يا منذر !
,
, وزادت من صرامة نبرتها وهي تضيف :
, -أنا مش هاعمل حاجة إلا لما أفهم بالظبط مين دي وايه اللي حصل ؟٣ علامة التعجب
,
, تنهد بإرهـــاق وهو يجيبها مستسلماً :
, -ماشي هاقولك كل حاجة !
, ٤١ نقطة
,
, قبل وقت قليل ،،،،
, شحوب ممزوج بالهلع سيطر عليها حينما رأت جثمان والدتها أمامها.
, ظنت في البداية أن الأمر مجرد وهم وأكذوبة يحاولون تلفيقها، لكنها أفاقت على تلك الحقيقة المرة.
, هي خسرتها وللأبد ، ورحلت عنها مثلما رحل أباها من قبل.
, كتمت بصعوبة شهقاتها الموجوعة لفراقها.
, انحنت على رأسها لتقبلها ببكاء حارق قائلة :
, -لأ ، ماما ماتموتيش وتسبيني !
,
, اغرقت عبراتها الساخنة جبين والدتها المتوفاة وهي تهز برفق قائلة بإختناق :
, -ليه عملتي كده فيا ؟ أنا ماليش غيرك !
,
, عجز منذر عن مساعدتها ، فهو يعلم أن الصدمة أقوى من الإحتمال ، لكنه كان مضطراً لفعل هذا لتدرك الواقع وتفق من تلك الأوهـــام.
, أشاح بوجهه للجانب وهو ينفخ بصوت مسموع لعدة مرات.
, واصلت أسيف عويلها عليها ، وأجهشت ببكاء أشد تدمع له القلوب.
, إنهارت قدماها ، وصرخت بآلم كبير وهي تجثو على ركبتيها.
,
, التفت منذر ناحيتها ، وانحنى للأسفل نحوها هاتفاً بقلق :
, -ادعيلها بالرحمة ، هي محتاجة لده !
,
, لم يعد لديها الرغبة في الحياة ، فأقدمت على ضرب رأسها بالحامل المعدني للفراش بعنف كبير بطريقة هيسترية.
, توجس منذر خيفة أن تؤذي نفسها ، فثبت رأسها بأحد قبضتيه بالإجبار ، ووضع الأخرى أمام جبينها لتشكل حائلاً إن كررت المحاولة ، ثم عنفها بضجر :
, -اللي بتعمليه ده غلط ، انتي بتضري نفسك !
,
, صرخت فيه بإهتياج وهي تحاول تكرار الأمر :
, -محدش ليه دعوة بيه ، سيبوني أموت وأحصلها ، سيبوني !
,
, تعالت شهقاتها الصارخة أكثر وهي تتابع بآسى :
, -مش هاسيبك يا ماما !
,
, اضطر منذر أن يخفض ذراعه نحو عنقها ليطوقها من كتفيها ، ثم لف الأخر حول ذراعها ليتمكن من سحبها بعيداً عن الفراش متسخدماً قوته.
,
, ركلت الأرضية الباردة بقدميها وهي تقاومه ، وواصلت صراخها المكلوم ، فلم يكن أمامه أي وسيلة أخرى سوى كتم صراخاتها العالية بتكميم فمها براحة يده حتى لا يفتضح أمرهما .
,
, تلوت بجسدها بشراسة محاولة الخلاص منه ، لكنه كان مسيطراً كلياً عليها.
, شعرت بضعفها ، بوحدتها ، بيتمها ، بتلك الغربة الموحشة التي أصبحت بمفردها فيها.
, ارتجف كيانها من ذلك التفكير القاسي ، وتلفتت بعينيها حولها بذعر ، فاضطربت أنفاسها أكثر ، ووجدت صعوبة في التنفس لذا وضعت قبضتها على يد منذر محاولة انتزاعها عنها.
, ظن هو أنها ترغب في تحرير نفسها لمواصلة صراخها ، ولم يطرأ بباله أنها تختنق. انزعج مما تفعله ، فأحكم قبضتيه عليها ، ثم تشدق قائلاً بصرامة :
, -اهدي ، مش هاينفع كده !
,
, تحرك جسدها بصورة هيسترية متشنجة أربكته ، فأرخى قبضته عنها ليمددها على الأرضية. فتفاجيء أنها تشهق محاولة التنفس.
, التف حولها ، وجثى أمامها ، ثم رفع وجهها وأسنده على ذراعه قائلاً بتخوف مما يحدث لها :
, -خدي نفسك !
,
, بدت كمن يلهث وحدقت في الفراغ بنظرات خاوية مخيفة.
, رمقها بنظرات مرتعدة ، وضرب برفق على وجنتيها محاولاً إفاقتها :
, -ركزي معايا ، فوقي واسمعيني !
,
, لم تنظر نحوه ، بل شعرت بالظلام يغلف عيناها وأن الأرض تميد بها ، وتدريجياً خبى عنف حركتها وتشنجات جسدها حتى سكنت تماماً.
, حدق فيها منذر بذهـــول حينما تراخى جسدها أمامه ، وأيقن أنها فقدت الوعي.
, ضغط على شفتيه قائلاً بضجر :
, -عشان تبقى كملت !
,
, أخفض ذراعه ليلف خصرها به ، ثم مرر الأخر أسفل ركبتيها ليحملها وهو يتمتم بكلمات مبهمة لكنها تشير إلى ضيقه.
,
, خرج من المشرحة حاملاً إياها فحدق فيه الرجل المنتظر بالخارج بأعين متسعة ، وهتف بخوف :
, -مالها ؟
,
, رد عليه منذر بإقتضاب وهو ينظر له بحدة :
, -فرفرت ، ماستحملتش المنظر !
,
, لوى الرجل فمه قائلاً بإرتباك وهو يحك فروة رأسه :
, -هي ناقصة !
,
, حدجه منذر بنظرات قاسية فقد كان في وضع يحسد عليه ، وربما يتعرض لمشكلة ما إن عُرف ما فعله واختراقه للقوانين ، فصاح بجمود :
, -قولي أتصرف ازاي !
,
, توجس الرجل خيفة أن يراهما غيره على تلك الحالة فيتعرض للمشاكل والمساءلة القانونية . لذا هتف بنزق وهو يشير بيده :
, -طب اطلع بيها من الطرقة اللي هناك دي ، هتوديك على سلم جانبي بتاع الطواريء ، انزل منه لتحت ماشي ، هتلاقي نفسك في الشارع بس من ورا ! واتصرف بقى انت من هناك !
,
, رد عليه منذر بإيجاز :
, -متشكر
, -بسرعة بس **** يكرمك ، مش عاوز حد يشوفك هنا
, -حاضر
, اتجه بعدها منذر بخطى سريعة نحو الرواق لينفذ ما قاله الأخير.
, ٣٣ نقطة
,
, بعد لحظــــات كان منذر خـــارج المشفى من بوابتها الخلفية.
, راقب الطريق جيداً ليتأكد من خلوه من المارة ، ثم هرول بأسيف نحو سيارته التي كانت مصفوفة على الجانب.
, حمد **** في نفسه أنه ركنها في المكان المناسب حتى لا يثير الشبهات حوله ، فهو في غنى عن أي مشاكل حالية.
, ثم تلفت حوله بنظرات خاطفة وشمولية فتأكد من هدوء الأجواء.
, وبحرص متأني أنزل أسيف لتقف على قدميها دون أن يرخي ذراعه عنها وضمها إليه بقوة حتى لا تفلت منه.
, مالت هي برأسها على صدره ، وشدد هو من قبضته عليها حتى يتمكن من فتح باب السيارة باليد الأخرى .
,
, تحرك خطوة للخلف ، ثم فتح الباب على أشده ، ووضعها برفق على المقعد الأمامي. انحنى للأسفل ليضم ساقيها معاً بداخلها .
, أخرج زفيراً قوياً من صدره وهو يعتدل في وقفته ، وصفق الباب بقوة متمتماً مع نفسه بتبرم :
, -كملها معانا بالستر !
,
, دار سريعاً حول السيارة ليركب إلى جوارها ، وقبل أن ينطلق بها بحث عن نظارته الشمسية ليضعها على وجهها حتى إذا توقف في إشارة مرورية ما لا يرى أحد ما بها.
,
, ٤٨ نقطة
, ولــــج ديـــاب إلى الوكالة وهو ينهي مكالمة هاتفية مع أحد العملاء.
, نظر في اتجاه والده ، ولوح له قائلاً بإبتسامة باهتة :
, -سلامو عليكم يا حاج
,
, رد عليه أباه بعبوس :
, -وعليكم السلام
,
, تفرس دياب في ملامحه ، وسأله بفضول مريب :
, -في ايه يا حاج ؟ في حاجة مضيقاك ؟
,
, أجابه طـــه بتجهم :
, -مستني أشوف أخوك منذر عمل ايه مع قريبة عواطف !
,
, هز رأسه قائلاً بعدم اكتراث :
, -أها ، طيب
,
, تابع والده مردداً بتوجس ملحوظ :
, -اتأخر ومكالمنيش لحد دلوقتي !
,
, جلس ديــــاب على المقعد ، وأشعل سيجارته لينفث دخانها في الهواء ثم رد عليه ببرود :
, -طب ما تطلبه !
,
, ضغط طـــه على شفتيه متمتماً بمضض :
, -مش عاوز أزهقه ، هو رايح عندها بالعافية !
,
, تابع ديـــاب حديثه بنبرة فاترة ، وهو ينفض بقايا السيجارة المشتعلة بسبابته :
, -اسأله يا أبا ، عادي يعني !
, -شوية كده ، وهاكلمه
,
, ثم انتبه لرنين هاتفه المحمول المسنود على سطح المكتب ، فالتقطه سريعاً ليهتف بحماس وهو يدقق النظر في اسم المتصل الظاهر على الشاشة :
, -الحمد**** هو بيتصل !
,
, ابتسم له دياب ، وأومأ بعينيه ليجيب عليه.
, لم يتردد والده في الرد ، فهتف متساءلاً بإهتمام :
,
, -ايوه يا منذر انت فين ؟
,
, رد عليه ابنه بصوت متحشرج :
, -في مصيبة حصلت يا حاج
,
, انتصب طــــه في جلسته ، وتساءل بقلق :
, -يا ساتر يا رب ، البت جرالها حاجة ؟
,
, أجابه منذر بتجهم :
, -لأ ، بس كان هيجرالها لولا وجودي
,
, هتف فيه أباه بقلق وقد تجمدت أنظاره :
, -لأ احكيلي بالراحة حصل ايه !
,
, تابع ديـــاب الحوار الدائر بينهما بإهتمام رغم عدم فهمه لمعظمه ، خاصة أنه لاحظ تبدل تعابير وجهه المجهد إلى الشدة والضيق.
,
, أضـــاف منذر بضجر :
, -المشكلة دلوقتي انها معايا في العربية وآآ٣ نقطة وغميانة !
,
, هتف أباه بنزق وقد هب واقفاً :
, -معاك ؟ وغميت ليه ؟
,
, أجابه منذر بتجهم :
, -هاوضحلك بالتفصيل ، بس أنا محتاج أبعد بيها عن المستشفى ، لو فضلت فيها قريبهم المجنون هياخدها !
,
, رد عليه طـــه بحيرة وقد ضاقت نظراته :
, -أنا مش فاهم حاجة ، تعالى على الوكالة !
,
, صاح به منذر بنفاذ صبر :
, -بأقولك يا حاج هي معايا ومش في وعيها !
,
, رد عليه طـــه بعجالة :
, -طب اطلع على بيت عمتها
,
, اعترض منذر قائلاً بجدية :
, -بمنظرها ده مش هاينفع !!
,
, صمت والده ليفكر سريعاً في حل مناسب للتعامل مع ذلك الموقف.
, طرأ بباله شيء ما ، فهتف فجــأة دون تردد :
, -أقولك ، اطلع على أمك ، وأنا هاجيبك هناك !
, -ماشي
, قالها منذر وأنهى معه المكالمة فقد بدا مقتنعاً بذلك الاقتراح المؤقت.
,
, تساءل دياب بنبرة مهتمة :
, -في ايه يا أبا ؟
,
, أجابه طـــه بغموض وهو يلملم أشيائه :
, -باين مشكلة كبيرة مع أخوك وأنا رايح أشوفها !
,
, رد عليه دياب بجدية :
, -طب طمني !
,
, أشـــار له والده بعكازه قائلاً بصرامة :
, -ماشي ، خليك بس في الوكالة
,
, رد عليه دياب بفتور :
, -أنا قاعد ، هاروح فين يعني !
,
, اندفع بعدها الحاج طـــه إلى خـــارج الوكالة وهو يفكر فيما أبلغه به ابنه ليتعامل مع المسألة بحكمة وروية .
, ٤٠ نقطة
,
, عودة للوقت الحالي ،،،،
, لطمت جليلة على صدرها بعد أن سمعت ما سرده ابنها منذ وصوله للمشفى حتى اللحظة الحالية.
, اتسعت مقلتيها ، وهتفت مصدومة وهي ترمقه بنظرات غير مريحة :
, -يا نصيبتي ! وهو احنا ناقصين بلاوي يا ابني !
,
, نظر نحوها هاتفاً بقلة حيلة :
, -يعني كنت هاعمل ايه ؟
,
, صاحت فيه متوجسة :
, -عاوز الناس تقول عننا ايه يا منذر وهو شايفينك داخل البيت بواحدة غريبة ومش دريانة بالدنيا ؟!
,
, رد عليها بحدة غير عابيء بأقاويل الأخرين وهو يلوح بيده :
, -اللي يقول يقول ، ميهمنيش حد !
,
, استنكرت عدم اكتراثه ، واستدارت بجسدها لاطمة برفق على صدغيها ومغمغة بقلق :
, -يا خوفي من كلام الناس ، دول ما هيصدقوا ، اه هيفضول يجيبوا في سيرتنا ويبوظوا سمعتنا وآآ٣ نقطة
,
, قاطعها منذر هادراً فيها بإنفعال بعد جملتها الأخيرة التي استفزته :
, -هو أنا جايبها شقة مفروشة ! ده بيت عيلة ، في ايه يا أماه ؟!
,
, ضغطت جليلة على شفتيها قائلة بإزدراء خافت:
, -هو بيفهموا كده ! الناس مالهاش إلا الظاهر !
,
, تحرك منذر مبتعداً عنها فقد اكتفى بما مر به خلال ذلك اليوم العصيب.
, سلطت هي أنظارها عليه ، وهتفت متضرعة وهي ترفع كفيها للسماء :
, -استرها يا رب معانا وعديها على خير ، واكفينا شر المستخبي ٥ نقطة !!
 
  • عجبني
التفاعلات: ابوروي و salemsoly

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%