NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

مكتملة منقول عربية فصحى أين المفر (للكاتبة خولة حمدي) ـ اثنان وثلاثون جزء 5/11/2023

٢١


جلس فراس في سيارته الباسات البيضاء المتوقفة غير بعيد عن الساحل الصخري. لا يدري كيف وصل إلى هناك٣ نقطة لكنه خرج من المستشفى، و أخذ يقود السيارة بدون تركيز٣ نقطة ضرب بيده على مقود السيارة في حنق٣ نقطة لا شك أنها تعلم الآن! لماذا لم ينتظروا؟ لماذا لم يمهلوني حتى أحسم أمري؟ ضرب المقود بقبضته في عنف أكبر٣ نقطة أي موقف أنت فيه يا فراس!
,
, أسند رأسه على الكرسي المريح و أغمض عينيه في إعياء٣ نقطة زفر بقوة و أفكار كثيرة تتداخل في رأسه٣ نقطة يحتاج إلى بعض الهدوء والتركيز٣ نقطة يحتاج إلى وقفة جادة مع نفسه حتى يفهمها٣ نقطة
, استقام في جلسته من جديد، تناول الهاتف و كون رقما ما٣ نقطة انتظر لثوان قبل أن يصله الرد .
, ـ آنسة هند٣ نقطة أرجوك، ألغي جميع مواعيد اليوم و أغلقي العيادة٣ نقطة لا يمكنني المجيء اليوم٣ نقطة
, هل كل شيء على ما يرام دكتور فراس؟
, بعض الأمور العائلية فقط لا غير٣ نقطة سيكون كل شيء على ما يرام٣ نقطة
, أغلق الخط و سرح بتفكيره بعيدا٣ نقطة هل سيكون كل شيء على ما يرام حقا؟
, نزل من السيارة و تقدم في اتجاه الشاطئ٣ نقطة إلى ملاذ الحيارى٣ نقطة كم تحمل يا بحر بين أمواجك من حكايا٣ نقطة لفح النسيم العليل وجهه فأطفأ شيئا من النيران التي تحتدم داخله٣ نقطة راح يتمشى بخطوات تائهة، مطرقا، وكفاه مختبئان في جيوب سرواله٣ نقطة كيف كانت ردة فعلها يا ترى؟ هل تعيش حيرة مثل حيرته٣ نقطة أم تراها حسمت أمرها منذ الوهلة الأولى؟ تذكر مشهد الهاتف٣ نقطة و باقة الورود٣ نقطة هناك رجل ما في حياتها، هذا مؤكد! لماذا تتعب نفسك إذن؟ الأمر محسوم منذ البداية! لكن٣ نقطة لكن شيئا ما هناك٣ نقطة في صدره٣ نقطة يتحرك، يريد أن يعبر٣ نقطة ربما ينفجر قريبا٣ نقطة لكنه شيء مزعج، مزعج حقا٣ نقطة يفقده التركيز، يعبث بدقات قلبه، بألوان وجهه٣ نقطة شيء لم يعرفه من قبل٣ نقطة و لا يريد أن يعرفه! يرفضه بكل قوته٣ نقطة مثل جسم دخيل٣ نقطة يصارعه منذ أيام، دون أن ينتصر عليه٣ نقطة
, تنهد بعمق٣ نقطة أنت الخاسر الوحيد في هذه اللعبة! خاسر قبل أن تبدأ٣ نقطة و لم يعد بإمكانك أن تنسحب٣ نقطة
,
, ٩ العلامة النجمية
,
, ألقت ليلى نفسها على الفراش في إعياء٣ نقطة لبثت تحدق في السقف بنظرات جامدة٣ نقطة كأنها لم تستوعب الأمر بعد٣ نقطة فراس؟! غير معقول٣ نقطة مستحيل٣ نقطة لماذا فراس بالذات؟! ربما لو لم تكن قرأت مذكرات حنان لكان الأمر مختلفا٣ نقطة لكنها لا تستطيع تجاهل ما قرأته عنه، حتى لو كان رأي جميع المحيطين به مختلفا، فهناك ذرة من الشك٣ نقطة
, و عمر؟! عمر سيكون هنا غدا! أتى خصيصا للقاء والدها٣ نقطة ترك كل شيء وراءه و جاء من أجلها! لا يمكنها أن تخبره بكل بساطة بأنها خطبت لابن خالها الذي عرفته منذ أقل من أسبوعين! غطت وجهها بكفها و هي تحس بالضياع٣ نقطة يا إلهي، ألهمني الخيار الصواب٣ نقطة لا تريد أن تخالف والدها الذي سبق واتفق مع خالها٣ نقطة و لكن في نفس الوقت، لا يمكنها أن تتجاهل مشاعرها، و خاصة بعد أن أعطت عمر الأمل، و وعدته بمحادثة والدها٣ نقطة
, ترددت كثيرا قبل نزولها وقت العشاء. لا يمكنها أن تواجهه بهذه السهولة٣ نقطة لكنها تريد أن تبدو عادية، و غير متأثرة, ريثما تتوصل إلى حل للخروج من هذا المأزق. تقدمت في حذر و يدها على صدرها٣ نقطة أطلت من الباب. كان الجميع قد اتخذوا مقاعدهم حول المائدة، تقريبا٣ نقطة كرسيها و كرسي فراس كانا شاغرين. تنفست الصعداء و تقدمت بهدوء. حانت منها التفاتة إلى خالها٣ نقطة كان يطالعها وابتسامة صغيرة على شفتيه. خفضت عينيها بسرعة. لم يبد أن أحدا من أفراد العائلة قد علم بالموضوع، عدا المعنيين بالأمر. انتهت من عشائها بسرعة٣ نقطة لم تأكل شيئا تقريبا، تظاهرت بتحريك ملعقتها حتى لا ينتبه خالها، ثم صعدت إلى غرفتها .
, فراس لم يعد بعد٣ نقطة تذكرت ليلة البارحة. تلك اللحظات في الحديقة، كانت غريبة٣ نقطة أحست بقشعريرة تسري في جسدها حين تذكرت كلماته، نظراته، نبرة صوته٣ نقطة كل شيء فيه كان مختلفا٣ نقطة كان شخصا آخر٣ نقطة ليس هو نفسه، فراس الذي يصيبها بالرعب٣ نقطة كانت في حاجة إلى يد تطبطب عليها، و هو كان تلك اليد التي أعادت إليها الطمأنينة٣ نقطة تنهدت بعمق٣ نقطة أي سر عميق أنت يا فراس؟!
,
, ٩ العلامة النجمية
,
, وصلت إلى المستشفى بسيارتها٣ نقطة نزلت منها و هي تتأفف، ضلت طريقها و لبثت تقطع الطرقات جيئة و ذهابا حتى وجدت المستشفى أخيرا. و حركة المرور المزدحمة لم تكن ذات عون كبير لها. لكنها أصرت على الذهاب بمفردها، رغم محاولة أمين إقناعها باصطحابها٣ نقطة لا تريد أن تتحدث إلى أحد، لا تريد أن ترى أحدا٣ نقطة ولا تريد خاصة أن يسألها أحد عما بها٣ نقطة كانت تعبر الممر المؤدي إلى غرفة والدها حين رن هاتفها. تطلعت إلى الرقم المحلي المجهول في ارتياب. أجابت بصوت مرتعش و هي تتوجس خيفة :
, ـ السلام عليكم
, ـ و عليكم السلام و رحمة الله٣ نقطة
, غاص قلبها بين ضلوعها. إنه هو! لقد وصل!
, حمدا لله على سلامتك٣ نقطة
, كان صوته مفعما بالشوق، و الارتياح :
, ـ شكرا لك ليلى٣ نقطة وصلت منذ ساعتين فقط٣ نقطة
, ابتلعت لعابها بصعوبة. موقف صعب٣ نقطة رفعت عينيها فلمحت مأمون يخرج من غرفة والدها٣ نقطة
, ـ هل من سبيل إلى لقاء والدك اليوم؟
,
, كان مأمون يتقدم باتجاهها مبتسما٣ نقطة بادلته الابتسامة٣ نقطة عليها أن تنهي المكالمة بسرعة٣ نقطة
, ـ حسن٣ نقطة أعطيك العنوان٣ نقطة
, وقف مأمون ينتظرها ريثما أملت عنوان المستشفى على عمر. ثم أنهت المكالمة بسرعة٣ نقطة
, ـ تبدين مرهقة٣ نقطة
, لم تنم ليلة البارحة تقريبا٣ نقطة بضع ساعات بعد **** الفجر. بالكاد أراحت جسدها، قبل أن تستيقظ مجددا لتستقبل يوما جديدا، **** وحده يعلم كيف سينتهي! أجابت في لامبالاة :
, ـ بعض الأرق فقط٣ نقطة
, هز رأسه متفهما
, ـ إن احتجت إلى أي شيء، اتصلي بي على الفور٣ نقطة لا تنسي ذلك!
, ودعته بابتسامة امتنان و دخلت على والدها. لم يثر معها الموضوع من جديد٣ نقطة يمنحها الفرصة حتى تفكر بروية٣ نقطة ستقتنع بمفردها، هذا مؤكد٣ نقطة هكذا كان يفكر٣ نقطة أما هي فقد كانت تتطلع إلى هاتفها باستمرار في توتر ملحوظ٣ نقطة بعد نصف ساعة تقريبا، رن هاتفها من جديد٣ نقطة خرجت على الفور بعد أن استأذنت من والدها
, ـ أنتظرك في مقهى المستشفى٣ نقطة
, ذهبت إليه في خطوات متعثرة، تكاد دموعها تتساقط على خديها من ألمها. ماذا ستقول له؟
, رأته يقف مستندا على طاولة المشرب الدائرية، و قد ولى ظهره للمدخل، بقامته الفارعة و منكبيه العريضين، يرشف قهوته في سكينة٣ نقطة وجوده يطغى على كل شيء في المكان٣ نقطة إنه هو، فارسها٣ نقطة
, أخذت نفسا عميقا و تقدمت في اتجاهه٣ نقطة أحس بوقع خطواتها فالتفت إليها مبتسما٣ نقطة دون أن تشعر، ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيها استجابة إلى نداء التفاؤل الذي نطقت به ملامحه المنشرحة٣ نقطة
, ـ ليلى٣ نقطة كيف حالك٣ نقطة
, لم تكن قد رأته منذ ذاك اليوم٣ نقطة حين عبر للمرة الأولى عن رغبته في الارتباط بها٣ نقطة وها هو اللقاء يتكرر٣ نقطة في مكان غير ذاك المكان٣ نقطة و ظروف غير تلك الظروف٣ نقطة
,
, الحمد لله على كل حال٣ نقطة
, قالت ذلك و هي تتنهد٣ نقطة آه لو تعلم يا عمر كم يحمل هذا القلب الصغير من العذاب٣ نقطة لا يمكنها أن تسترسل في الحديث و تفضي إليه بمكنونات صدرها٣ نقطة
, ـ إذن والدك في المستشفى؟ عسى أن يكون بخير٣ نقطة
, هزت رأسها نافية، و سالت العبرات على وجنتيها في هدوء. قالت بصوت تخالطه الغصة :
, ـ أبي مريض٣ نقطة مريض جدا٣ نقطة
, أخذ يدعك جبينه بأصابعه في توتر. لم يكن يتوقع أن يجدها في مثل هذه الحال. ربما لم يكن الوقت مناسبا٣ نقطة هل استعجل المجيء؟ نظر إليها في عطف، و قال مترفقا :
, شفاه الله٣ نقطة أنا آسف حقا٣ نقطة يبدو أن توقيتي ليس مناسبا٣ نقطة لكنني أريد أن أكون إلى جانبكم في هذه الظروف٣ نقطة
, أضافت موضحة، لعله يفهم٣ نقطة أي توقيت آخر قد يعني فوات الأوان!
, ـ إنه يموت يا عمر! أصابه المرض الخبيث في رئتيه!
,
, نزل الخبر كالصاعقة عليه٣ نقطة ما الذي يمكنه أن يفعله من أجلها؟
, ـ أنا آسف حقا٣ نقطة
, بماذا يفيدها أسفك؟ كان مرتبكا، لا يجد الكلمات المناسبة ليخفف عنها٣ نقطة و هل هناك ما يخفف عنها في هذه الحال؟ فجأة رآها تترنح، تكاد تفقد توازنها٣ نقطة هب بسرعة ليدني منها المقعد القريب٣ نقطة ألقت بنفسها على المقعد في إعياء٣ نقطة لم تأكل شيئا منذ صباح الأمس، والبكاء و التفكير و السهاد٣ نقطة كل ذلك زاد من ضعفها. وقف عمر أمامها، يطالعها في قلق
, ـ ليلى أنت بخير؟
, هزت رأسها في صمت، لتطمئنه، ثم قالت بصوت هامس :
, ـ أحس ببعض الضعف٣ نقطة لم آكل جيدا٣ نقطة
, تناول على الفور فنجان القهوة الذي كان أمامه على طاولة المشرب.
, جلس على المقعد المجاور و قرب الفنجان من فمها. قال بصوت حنون :
, ـ اشربي هذا٣ نقطة القهوة الدافئة ستشعرك بتحسن٣ نقطة
, تناولت من يده الفنجان و ابتسمت في ذبول
, ـ شكرا لك٣ نقطة
,
, في تلك اللحظة حانت منها التفاتة إلى مدخل المقهى٣ نقطة تسمرت مكانها حين رأت الشخص الذي يقف عند المدخل دون أن يبدي حراكا، كأنه تمثال من الشمع. كان فراس يطالعهما بنظرة غريبة، لكنها واثقة بأن فراس الذي أمامها هو فراس المرعب الذي عرفته٣ نقطة لا يمت بصلة إلى فراس الذي ظهر للحظات في ظلمة تلك الليلة٣ نقطة
, كان فراس قد وصل إلى المستشفى منذ لحظات٣ نقطة إحساسه بواجبه تجاه السيد نجيب و معرفته الوثيقة بالطبيب المعالج جعلاه يعوده يوميا، ليطمئن على تطور حالته٣ نقطة خرج من مكتب الطبيب و هو يحس بألم شديد في رأسه. كلامه كان قاسيا و مخيفا٣ نقطة كان يفكر في ليلى و في مصيرها إن حصل مكروه لوالدها٣ نقطة أحس بحاجة إلى فنجان من القهوة، مع أنه ليس من مدمنيها٣ نقطة قدره ساقه إلى ذاك المكان، و في تلك اللحظات بالذات. ما إن خطا داخل المقهى، حتى أوقفته الصدمة في مكانه. رآها تجلس على أحد المقاعد، و شاب يجلس قبالتها، شاب آخر غير صاحب الباقة! يميل عليها و يدني فنجانه من شفتيها و هي تأخذه من يده مبتسمة! كان الموقف قاسيا٣ نقطة قاسيا جدا عليه٣ نقطة
, ليلى!! إنه لا يصدق ما تراه عيناه٣ نقطة ظننتك مختلفة٣ نقطة ظننتك طاهرة نقية٣ نقطة فتاة عفيفة، نادر وجودها في هذا الزمان! و لكن لا٣ نقطة تاه عنه أنها ابنة نجاة، و توأم حنان! مهما اختلفت المظاهر، فنفس الدم الفاسد يجري في عروقها! كان يجب يعلم أنها لا تختلف عنهن٣ نقطة كيف خدع فيها؟ كيف؟٣ علامة التعجب والدها على فراش الموت و هي تجلس إلى الرجال في المقاهي، تشرب من يد هذا، و تتلقى الورود من ذاك!
, لبث للحظات ينظر إليها في ذهول٣ نقطة لم يعد هناك أدنى شك٣ نقطة ذاك الشيء الذي في صدره، يجب أن يسكت إلى الأبد٣ نقطة إلى الأبد٣ نقطة تراجع بسرعة و غادر المكان لا يلوي على شيء٣ نقطة
, انتبهت ليلى على صوت عمر و هو يقول ثانية :
, ليلى٣ نقطة أنت على ما يرام؟
, هزت رأسها في ذهول٣ نقطة لكن عقلها سرح بعيدا٣ نقطة و عشرات من الأسئلة تتقاذفها٣ نقطة
 
٢٢


قادت سيارتها في اتجاه القصر، و هي تحس بتعب شديد. لم يتركها عمر حتى تناولت فطورا كاملا أمام عينيه أعاد إليها بعضا من القوة التي فقدتها، ثم غادرها على أمل العودة بعد يومين آخرين، ريثما تكون قد استعادت صحتها و فاتحت والدها في موضوعهما٣ نقطة
, بالكاد استطاعت التركيز على الطريق و قد أخذت الهواجس تتنازعها٣ نقطة والدها أعطى موافقته لخالها دون أن يسألها رأيها! وفراس فاجأها رفقة عمر في المقهى٣ نقطة ما الذي يظنه بها الآن؟ تنهدت بعمق و هي توقف سيارتها أمام المرآب٣ نقطة
, لأول مرة تغادر المستشفى خلال النهار٣ نقطة اعتذرت منه بسبب تعبها٣ نقطة متعبة، متعبة جدا٣ نقطة كم يقدر قلبها الصغير على التحمل! صعدت الدرج بخطوات واهنة في اتجاه غرفتها. تريد أن تلقي بنفسها على السرير وتنام٣ نقطة هذا كل ما تتمناه في هذه اللحظة٣ نقطة بعض الراحة. فوجئت حين رأت أمين يقف أمام غرفتها مستندا على الحائط و على وجهه علامات الغضب، كأنها ينتظرها منذ فترة. ما إن رآها قادمة من آخر الممر حتى هب للقائها في لهفة. اعترض طريقها و هو يهتف في عنف :
, ـ ليلى٣ نقطة أخبريني أنك رفضت! أرجوك٣ نقطة رفضت أليس كذلك؟
, نظرت إليه في برود. لم تعد تستطيع التعبير حتى، و قالت بصوت ضعيف :
, ـ أمين أرجوك٣ نقطة أنا متعبة، هلا أجلنا الحوار إلى ما بعد؟
, همت بتجاوزه في اتجاه غرفتها. لا تستطيع الكلام. متعبة، متعبة٣ نقطة ألا يفهم هذا! لكن أمين أمسكها من ذراعها بسرعة ليستوقفها و هو يهتف بقوة أكبر :
, ـ ليلى! لا تتجاهليني! لا تتجاهلي ألمي! يجب أن ترفضي فراس!
, نظرت إليه في قسوة و هي تقول في صوت هادئ و حازم في آن :
, ـ أبعد يدك عن ذراعي!
, أطلق ذراعها في استسلام، فابتعدت عنه دون أن تضيف كلمة واحدة.
, حين وصلت إلى الباب التفتت إليه و قالت في برود قاس :
, ـ أمين٣ نقطة ما الذي تريده بالضبط؟
, نظر إليها في تردد٣ نقطة كانت لهجتها مؤلمة و نظراتها مخيفة. قال أخيرا :
, ـ أريد حمايتك من فراس!
, سكت للحظات ليرى وقع كلماته عليها. لكنها بدت جامدة، كأنها تنتظر بقية الكلام. واصل بصوت مختلج من الانفعال :
, ـ ليلى٣ نقطة ألا تحسين بي؟ أنا٣ نقطة أنا٣ نقطة قاطعته و هي تقول في ضيق :
, ـ أمين٣ نقطة شكرا على عرضك حمايتي٣ نقطة لكنني لست في حاجتك، أستطيع الاهتمام بنفسي٣ نقطة و رفضي لفراس أو قبولي به سيكون قرارا شخصيا٣ نقطة و لا أريد أن يؤثر علي أحد٣ نقطة
, دلفت إلى الغرفة و أغلقت الباب وراءها، مخلفة أمين يضرب الهواء بقبضته في حنق٣ نقطة ارتمت على السرير و لبثت تحدق في السقف المنقوش في سهوم٣ نقطة آسفة أمين، كان يجب أن أكون قاسية معك٣ نقطة يجب أن تفهم أنني لست حنان، و لن أكون حنان٣ نقطة أغمضت عينيها تبحث عن النعاس، تستجديه أن يزور جفونها٣ نقطة ما لبث أن استجاب لرجائها، و غابت في نوم عميق٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, فتحت عينيها في فزع، و جلست على السرير و هي تلهث بشدة٣ نقطة بسم **** الرحمن الرحيم٣ نقطة مسحت على وجهها بكفها٣ نقطة كان كابوسا٣ نقطة
, تعالت الطرقات على بابها من جديد٣ نقطة نعم، لقد أيقظتها الطرقات من نومها. قامت في تثاقل و هي تستند إلى الكرسي٣ نقطة من تراه يكون؟ لا شك أن خبر تقدم فراس لها قد انتشر الآن، و ستصلها الزيارات بين مهنئ و معارض! ابتسمت في سخرية٣ نقطة كيف ستنتهي هذه المهزلة يا ترى؟
, فتحت الباب، فطالعها وجه لم تتصور أن تراه عند بابها. كانت رجاء!
, نظرت إليها في حذر و رفعت كفها لتلمس خدها بصفة تلقائية. كان الجرح قد التأم و لم تعد يظهر منه سوى خط رقيق مزعج. دفعت رجاء الباب في حدة و خطت إلى داخل الغرفة في جرأة. نظرت إلى ليلى التي لاتزال تطالعها إليها في ذهول، و هتفت :
, أغلقي الباب٣ نقطة أريد أن أحادثك في أمر هام!
, لم تكن ليلى مطمئنة إلى زائرتها، و ذكرياتها عن آخر لقاء لهما لم تكن مبشرة. لكنها أغلقت الباب كما طلبت و لبثت ترمقها في صمت.
, نظرت إليها رجاء في ثقة و قالت بصوت جاد :
, ـ لن آخذ من وقتك الكثير٣ نقطة لكنني أردت أن أنبهك إلى أمر هام٣ نقطة إن كنت تعتقدين أنك الرابحة في الصفقة، فاعلمي أن هناك من هو أدهى منك!
, عقدت ليلى حاجبيها و هي لا تفهم بعد إلام ترمي رجاء. فتحت رجاء حقيبتها على الفور و أخرجت رزمة من الأوراق ألقتها على سرير ليلى و هي تضيف :
, ـ تريدين أن تعرفي لماذا تزوج فراس من حنان؟ إليك التفسير!
, اقتربت ليلى من السرير و تناولت إحدى الورقات في اهتمام. قالت رجاء موضحة :
, ـ هذه نسخ من كشوف حسابات شركة خالك العزيز٣ نقطة قبل زواج حنان و فراس و بعده٣ نقطة التواريخ واضحة و جلية. الشركة كانت في أزمة مالية كبيرة٣ نقطة كانت موشكة على الإفلاس! و نجاة كانت تملك السيولة المالية الكافية لحل الإشكال و إنقاذ الشركة٣ نقطة نبيل كان في حاجة إلى ملايين أخته المكنوزة و كان يجب أن يتصرف! بزواج حنان من فراس أصبح فراس شريكا لحنان في كل ما تملك٣ نقطة و نجاة كانت قد كتبت كل ثروتها لابنتها٣ نقطة و بعد وفاة كليهما، عادت الأموال إلى فراس٣ نقطة هل تفهمين الآن؟
, كانت ليلى تقلب الأوراق بين يديها في ذهول٣ نقطة ما الذي يعنيه كل هذا؟ إنها لا تعي ما تقول! خالها٣ نقطة السيد نبيل٣ نقطة هو الذي خطط لكل هذا؟ و فراس٣ نقطة سايره في مخططاته و قام بما يلزم!! و وفاة نجاة، ثم حنان في فترة وجيزة بعد الزواج٣ نقطة ماذا يعني كل هذا؟! جلست ليلى على طرف السرير محاولة أن تستعيد هدوءها٣ نقطة كانت لا تزال تحملق في الأوراق بين يديها غير مصدقة .
, كانت رجاء تراقب انفعالاتها في اهتمام، فتابعت و هي ترى وقعا جيدا لكلماتها :
, ـ أمين كان متعلقا بحنان٣ نقطة لذلك لم يكن الشخص المناسب لتنفيذ الخطة٣ نقطة أما فراس، فهو ابن أبيه المدلل، و لا يرفض له طلبا! لا أعلم إن كان مشتركا في خطة التخلص من حنان و والدتها فيما بعد٣ نقطة لكن أشك في أنه حزن من أجل إحداهما!
, رفعت ليلى رأسها إلى رجاء و هي ترفض التصديق. قالت بصوت حاولت أن يكون هادئا :
, ـ لماذا تخبرينني بكل هذا الآن؟
,
, هزت رجاء كتفيها و هي تبتعد في اتجاه الباب و قالت مبتسمة :
, ـ كنت أخبئ تلك الأوراق إلى أن تحين اللحظة المناسبة٣ نقطة و أظنها قد حانت! لا يجب أن تتزوجي فراس!
, واصلت بحماس أكبر :
, ـ أؤكد لك بأن نفس المخطط يتكرر للمرة الثانية! لا أملك بعد الإثباتات الكافية، لكن اصبري قليلا، و سوف أحصل على المستندات التي تثبت صحة كلامي! خالك يقوم بفتح فرع جديد للشركة، و البنوك ترفض إقراضه بسبب المشاكل المتكررة التي تعرض لها في السنوات الأخيرة٣ نقطة المشروع في حاجة إلى تمويل، و ليس من السهل أن يجد من يشاركه٣ نقطة و فجأة يجد أمامه الحل المثالي! صديق عمره على فراش الموت، و ابنته الوحيدة في حاجة إلى من يقف إلى جانبها في محنتها٣ نقطة يقترح على صديقه أن يرسل ابنته لتقيم عنده، بما أنها ابنة أخته في نفس الوقت٣ نقطة ثم رويدا رويدا يحوك الشباك حوله لإقناعه بالمصاهرة و عقد شراكة٣ نقطة مصالح مشتركة٣ نقطة و فراس الذي شارك في تنفيذ الخطة الأولى هو الشخص المثالي للمشاركة في الثانية! هل فهمت الآن يا عزيزتي؟
, تمالكت ليلى نفسها و نظرت إليها في برود :
, ـ ظننت أنك تكنين بعض المشاعر إلى فراس!
,
, قلبت رجاء شفتيها في امتعاض و هي تقول في حقد :
, ـ يوما ما سيدرك أنني الأنسب إليه! لكن إلى أن يحصل ذلك، لن أقف مكتوفة اليدين٣ نقطة
, ـ هل تعلمين أنه قد يدخل السجن، إن ثبتت عليه التهم التي توجهينها إليه؟
, ابتسمت رجاء ابتسامة صفراء و قالت :
, ـ أفضل أن يدخل السجن، على أن يتزوج من أخرى للمرة الثانية! عندها، لن يجد غيري ليقف إلى جانبه، و حينها سيدرك قيمتي٣ نقطة
, وضعت يدها على المقبض و واصلت و هي تهم بالمغادرة :
, أترك الوثائق بين يديك٣ نقطة لتفكري على مهلك في مصيرك٣ نقطة لا تستعجلي القرار!
, ثم توارت عن أنظار ليلى التي ظلت جالسة على طرف السرير، تنظر في الأوراق التي بين يديها و هي غير قادرة على التفكير بوضوح٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, جمعت حاجياتها في سرعة. أخذت حقيبة صغيرة تضم بعض الملابس الكافية لثلاثة أيام أو أكثر٣ نقطة تحتاج إلى الابتعاد عن هذا المكان لبعض الوقت٣ نقطة إلى الابتعاد عن فراس و أمين٣ نقطة و رجاء أيضا٣ نقطة لم تعد تحتمل المزيد من الإرهاق العصبي. صحتها النفسية و الجسدية في تدهور يوما بعد يوم٣ نقطة تحتاج إلى قسط وفير من الراحة، بعيدا عن هنا٣ نقطة حتى تواجه الموقف٣ نقطة جمعت الأوراق التي أحضرتها رجاء أيضا. تريد مراجعتها لاحقا بأعصاب هادئة٣ نقطة تنهدت و هي تلقي نظرة أخيرة على الغرفة٣ نقطة أخذت كل ما تحتاج إليه في الأيام القادمة. نزلت في هدوء و هي تتلفت حولها. تتمنى أن لا تقابل أحدا في طريقها إلى الخارج. و لكن إلى أين ستذهب؟ ليس لديها خيارات كثيرة، فهي غريبة في هذه البلاد٣ نقطة و لا تعرف فيها الكثيرين.
, يمكنها البقاء في نزل مثلا. أو ربما الذهاب إلى المزرعة٣ نقطة يجب أن تقرر بسرعة٣ نقطة
, ـ ليلى٣ نقطة
,
, التفتت على حين غرة، حين وصلها صوت مألوف ينادي باسمها. كان ياسين يقف أسفل الدرج و يطالعها في اضطراب. بالتأكيد، منظر حقيبتها الصغيرة يثير استغرابه! ربما كان ياسين أكثر الأشخاص الذين وقفوا إلى جانبها من هذه العائلة، لكنها لا تريد من أحد أن يتدخل في شؤونها في هذه الظروف بالذات .
, ـ ليلى, هل من الممكن أن أتحدث إليك قليلا؟
, همت بالاعتذار٣ نقطة لكن أمام نظرة عينيه الملحة، تراجعت. هزت رأسها موافقة، في استسلام٣ نقطة فتح ياسين باب مكتب والده وسبقها إلى الداخل. تبعته في تردد، و هي على يقين بأنه يريد محادثتها بشأن هذا الزواج! دخلت، فأغلق ياسين الباب خلفها في هدوء. نظرت إليه في شك. ما الذي يفعله؟ همت بالاحتجاج، لكنه بادرها بصوت جاد :
, ـ ما سأخبرك به يجب أن يبقى بيننا٣ نقطة الأمر هام جدا و خطير!
, عقدت حاجبيها في اهتمام، في حين واصل ياسين قائلا :
, ـ عديني أولا بأنك لن تخبري أحدا٣ نقطة و لا حتى والدك!
, نظرت إليه في دهشة٣ نقطة يبدو أن الأمر خطير بالفعل! أجابت في ذهول :
,
, ـ أعدك٣ نقطة و لكن ما الأمر؟
, أخذ نفسا عميقا، ثم أردف في جدية :
, ـ ليلى٣ نقطة لا يجب أن تتزوجي من فراس!
, حملقت فيه و قد تزايدت دهشتها : حتى أنت يا ياسين!
, استطرد ياسين بصوت حزين، و قد تجمعت حبيبات من العرق على جبينه :
, ـ فراس أخي، و أحبه كثيرا٣ نقطة و لا أتمنى له إلا الخير٣ نقطة و لكنني خائف عليك منه٣ نقطة
, ـ خائف علي منه؟!
, هز رأسه مؤكدا و هو يواصل :
, ـ فراس شخص هادئ و طيب القلب جدا٣ نقطة لكنه أحيانا يصبح عنيفا و تصرفاته خارجة عن السيطرة!
, مرت بذهنها كلمات حنان في مذكراتها٣ نقطة فراس ممثل بارع٣ نقطة فراس ذو شخصية مزدوجة٣ نقطة فراس يعذب حنان و يعاملها بقسوة! و ها هو ياسين يؤكد لها ذلك!! لكن من أين يستقي ياسين معلوماته؟ تذكرت وريقات المذكرات التي وجدتها في خزانته٣ نقطة ماذا لو أنه٣ نقطة بادرته على الفور :
, ـ هل قرأت مذكرات حنان؟
, حان دوره ليرفع رأسه إليها في دهشة :
, ـ هل قرأتها أنت؟
, ـ قرأت جزءا يسيرا منها٣ نقطة بعد أن احترق معظمها!
, نظر إليها ياسين لوهلة و قد بدت على وجهه علامات الذهول. لكنه ما لبث أن أطلق ضحكة قصيرة ساخرة و هو يقول :
, ـ رغم كل ما فعلته لأتخلص منها، يبدو أنها وصلت إليك!
, ـ أنت؟ تتخلص منها؟!
, هز رأسه بهدوء و تابع قائلا :
, ـ جميعنا كنا نعلم أن حنان كانت تكتب مذكراتها٣ نقطة و بعد وفاتها، بحثنا عنها في كل مكان، علنا نجد فيها تفسيرا لما حصل لها، لكن دون جدوى٣ نقطة لكنني كنت أبحث عنها لأتخلص منها، لأنني كنت أشك بأن ما كتب فيها سيوجه أصابع الاتهام إلى فراس! الجميع ظن أنها تخلصت منها، لكنني اعتقدت أن فراس نفسه أخفاها عن العيون، أو تخلص منها بنفسه. ثم أتيت أنت و اكتشفت مكان المفكرة عند تغييرك لورق الجدران٣ نقطة منال أخبرتني بأنك لم ترغبي بقراءة ما فيها و قررت تسليمها لفراس٣ نقطة لذلك٣ نقطة راقبتك في ذلك اليوم٣ نقطة رأيتك و أنت تذهبين للقاء فراس، فاختبأت في الحديقة، في انتظار مرور فراس٣ نقطة كنت أعلم أنه سيرغب في قراءة ما جاء فيها، و أنه سينسحب من الحفلة على الفور٣ نقطة لذلك انتظرته هناك، و أخذت منه المفكرة. خفت أن ينتبه إليها أحد أو تقع في يد أي كان و لكن لم يكن لدي أفكار كثيرة للتخلص منها٣ نقطة فكرت في إحراقها٣ نقطة و رأيت المشواة غير بعيد عني٣ نقطة عدت أدراجي إلى هناك٣ نقطة اقترحت على هاشم أن أعوضه قليلا في شوي اللحم ريثما يحضر بعض المعدات من المطبخ٣ نقطة وافق على الفور و رحب بالمساعدة. و كانت فترة غيابه كافية حتى أردم المفكرة تحت الفحم. ظننت أن الأمر سينتهي عند ذاك الحد ، لكن يبدو أن هناك من انتبه إليها رغم كل شيء!
, نظرت إليه ليلى و هي لا تكاد تصدق ما يقول و قالت :
, ـ لكن، كيف اقتنع فراس بإعطائك المفكرة و قد كان منفعلا جدا حين أخذها مني!
,
, ـ أقنعته بأنه لا فائدة من قراءة ترهات حنان٣ نقطة و أنه من الأفضل إليه أن يتجاوز الماضي المؤلم الذي ستذكره فيه تلك المذكرات ٦ نقطة فيكفيه ما عاناه من بعد وفاتها٣ نقطة إنه لا يزال يتألم من تلك الذكريات الرهيبة، و ألمه جعله يستمع إلي، و يسلمني الكراس دون مقاومة كبيرة٣ نقطة
, لم تكن ليلى مقتنعة بما يرويه ياسين. هتفت في إصرار :
, ـ و لكن كيف يعطيك الكراس و هو يعلم أن فيها اتهامات موجهة إليه؟ ألم يخف أن تقرأها؟
, هز ياسين رأسه ببطء و هو يقول شارحا :
, ـ لم يكن لديه الكثير ليخفيه عني، بعد أن رأيته بنفسي في إحدى نوباته الانفعالية!
, ـ ماذا؟!!
, ـ نعم، كان ذلك قبل زواجهما بفترة قصيرة، رأيتهما في الحديقة٣ نقطة كان فراس منفعلا بصفة رهيبة٣ نقطة رأيته يضربها حتى سقطت أرضا! ركضت إليهما حتى أخلصها من قبضته٣ نقطة ففرت حنان بسرعة في اتجاه القصر في حين أخذت أهز فراس بقوة حتى عاد إليه هدوءه٣ نقطة و هل تدرين بم علل عنفه معها؟ بأنها عادت متأخرة من المدرسة و خرجت للتسكع! مع أنها تتسكع كل يوم، و تتأخر كل يوم، و ليس من عادة أحد أن يهتم٣ نقطة لم يكن انفعاله مفهوما! لذلك٣ نقطة لذلك فإنني أخاف عليك من انفعالاته المشابهة التي لا يسيطر عليها! فراس ليس سيئا، بل يكون هادئا في العادة٣ نقطة لكن تلك الانفعالات لا يسيطر عليها أبدا٣ نقطة
, كانت ليلى تستمع إليه في إطراق٣ نقطة إن كان كل ذلك حصل قبل الزواج، فلماذا تزوجته؟
, تابع ياسين في هدوء :
, ـ يومها، سقطت من حنان قلادتها٣ نقطة لم تكن تضعها كثيرا٣ نقطة لكن بعد أن انصرفا، وجدتها على الأرض٣ نقطة كان فيها بعض الاعوجاج، بسبب دوس فراس عليها٣ نقطة فأخذتها إلى الصائغ على أن أعيدها إليها لاحقا بعد إصلاحها٣ نقطة لكن ما حصل في الأيام الموالية جعلني أنسى أمرها تماما!
, ـ ما الذي حصل؟
, ـ تقدم فراس المفاجئ لخطبة حنان، و موافقتها الغريبة! أنا متأكد من أن أبي و نجاة ضغطا عليها من أجل هذا الزواج! لا يمكن أن تكون قد وافقت بإرادتها خاصة أنها كانت تحمل مشاعر لأمين! حاولت أن أثني فراس عن ذلك, لكنني وجدت منه أذنا صماء!
, راحت ليلى تفكر في صمت٣ نقطة هل يكون كل من أمها و خالها قد طمع في ثروة الآخر فأصرا على إتمام الزواج؟ أم أن بينهما اتفاقا من نوع آخر لا يعلمه غيرهما؟
, واصل ياسين روايته :
, ـ كنت قد نسيت أمر القلادة و لم أعد لاستلامها من عند الصائغ، وحنان نفسها لم تبحث عنها٣ نقطة و بعد وفاتها بأيام قليلة، تلقيت اتصالا من الصائغ يذكرني بها، بعد أم مرت شهور على إحضارها! لذلك، احتفظت بها عندي كل هذه المدة٣ نقطة لم أعلم ما الذي يجب أن أفعله بها٣ نقطة كانت شاهدا على تعاسة تلك الفتاة و معاناتها التي و لا شك تواصلت بعد زواجها، حتى أدت بها إلى الانتحار! ثم حين رأيت قلادتك التي تشبهها كثيرا الأسبوع الماضي، تذكرتها و أخرجتها حتى أسلمك إياها٣ نقطة لأنها من حقك٣ نقطة ذكرى وحيدة من أختك التوأم٣ نقطة
, تحسست ليلى القلادة التي تتدلى على صدرها في حزن٣ نقطة نعم ذكرى أخيرة!
,
, اقترب منها ياسين و هو يقول في عطف :
, ـ ليلى٣ نقطة أنا لم أكن قادرا على حماية حنان في الماضي٣ نقطة لكنني سأحاول حمايتك هذه المرة٣ نقطة لا تتزوجي فراس! إنه لا يناسبك٣ نقطة كما أنك لا تناسبينه٣ نقطة تذكرينه بالماضي و بآلام الماضي٣ نقطة كلاكما سيسبب ألما للآخر!
, نظرت إليه ليلى في حيرة و قالت :
, ـ و لكن أبي و خالي اتفقا دون استشارتنا! كيف السبيل إلى إبطال هذا الاتفاق؟
, هز ياسين رأسه في تفهم و قال :
, ـ اتركي الأمر لي٣ نقطة سأحاول التحدث إلى فراس٣ نقطة
, خرجت من المكتب و قد أصبحت رؤيتها ضبابية، بسبب ستار الدموع الذي غطى عينيها٣ نقطة حزينة حقا لما سمعته من ياسين٣ نقطة تحمل في حقيبتها أدلة رجاء٣ نقطة و في قلبها آلاما كثيرة٣ نقطة
 
٢٣


وصلت إلى المزرعة و هي تحس بتعب شديد. ليست متعودة على شوارع المدينة بعد٣ نقطة أخطأت الطريق الزراعية في البداية، و اضطرت إلى العودة مجددا إلى مركز المدينة لتبحث عن المنفذ الجانبي المناسب!
, كادت تستسلم و تقرر النزول في أحد الفنادق، خاصة أن الشمس كانت قد بدأت تميل إلى الغروب٣ نقطة لكنها أخيرا تعرفت على المسار الذي سلكته سابقا بضع مرات٣ نقطة لكن الرحلة كانت أطول من العادة!
, نزلت من سيارتها و تناولت حقيبتها الصغيرة٣ نقطة كانت السماء شبه مظلمة. حمدت **** لأنها وصلت في الوقت المناسب٣ نقطة فهي لم تتعود السياقة في الليل! كان المنزل الريفي هادئا كالعادة، و ضوء خافت يصل من ناحية المطبخ. دلفت من الباب الأمامي الذي يؤدي مباشرة إلى قاعة الجلوس المفتوحة، و هتفت بصوت عال لتلفت انتباه ساكنة المنزل :
, ـ خالة مريم٣ نقطة أنت هنا؟٣ نقطة خالة مريم!
, أطلت المربية العجوز من باب المطبخ في نهاية الممر و قالت في همس :
,
, ـ ليلى٣ نقطة تعالي إلى هنا٣ نقطة لا تحدثي ضجة!
, نظرت إليها ليلى في استغراب، فأشارت مريم إلى أريكة في قاعة الجلوس. التفتت ليلى على الفور، للتسمر مكانها من المفاجأة٣ نقطة على الأريكة العريضة المقابلة يرقد آخر شخص كانت تتوقع أن تلقاه هنا و قد غاب في نوم عميق : فراس! لبثت تتأمله للحظات٣ نقطة كان يستلقي على ظهره و يضع ذراعيه خلف رأسه و وجهه إلى السقف٣ نقطة كان يعقد حاجبيه حتى و هو نائم! غريب أمر ذاك الرجل٣ نقطة
, لحقت بالخالة مريم إلى المطبخ. ما إن رأت حقيبتها حتى ابتسمت وقادتها إلى الطابق الأول ، قادتها إلى غرفة النوم التي استعملتها في زيارتها السابقة. وضعت حاجياتها و أدت **** المغرب قبل انقضاء وقتها، ثم جلست على طرف السرير و هي تفكر٣ نقطة ما الذي ستفعله الآن؟ أرادت الفرار من مواجهة فراس فإذا بها تجده هنا! لا تستطيع المغادرة الآن، فهي بالكاد وجدت الطريق في وضح النهار، فكيف بها بعد أن غابت الشمس؟ خاصة أنها تخاف السياقة ليلا٣ نقطة تنهدت في حيرة. يبدو أنها لا تملك خيارات كثيرة٣ نقطة لكن ربما كانت الفرصة مناسبة حقا٣ نقطة طالما أنها وجدت نفسها مع فراس في مكان واحد دون تخطيط منها، فربما كان في ذلك حكمة من الله٣ نقطة لم لا تتحدث إليه إذن؟ إنه معني بالأمر مثلها، و بغض النظر عن كل الكلام الذي سمعته اليوم، لا ضير من المحاولة!
, نزلت إلى المطبخ في هدوء و انضمت إلى المربية التي كانت تعد طعام العشاء٣ نقطة جلست إلى المائدة في إطراق و قد سرحت أفكارها بعيدا٣ نقطة
, لبثت صامتة لبضع دقائق، ترتب أفكارها و تستعد للمواجهة القريبة٣ نقطة أنهت مريم عملها و اقتربت منها. جلست قبالتها و قالت مبتسمة :
, ـ ما الذي يشغل صغيرتي؟
, تنهدت ليلى و هي تضع وجهها بين كفيها و تسند مرفقيها إلى المائدة، ثم قالت في ضجر :
, أخبرك عن موضوع الزواج، أليس كذلك؟
, هزت مريم رأسها موافقة :
, ـ نعم أخبرني٣ نقطة
, صمتت لبعض الوقت ثم أضافت و هي تطالع ليلى في دهاء :
, ـ لكنه أخبرني عن أشياء أخرى أيضا٣ نقطة
, التفتت إليها ليلى في استغراب :
,
, ـ أشياء أخرى؟
, تكلمت مريم ببطء و هي تصاحب كل كلمة بنظرات ذات معنى :
, ـ عن باقة الورود٣ نقطة و القهوة٣ نقطة
, حملقت فيها ليلى للحظات في دهشة، ثم ما لبثت أن عبست و هي تقول :
, غير معقول! باقة الورود و القهوة! ماذا بشأنها؟
, صمتت الخالة لبعض الوقت ثم أضافت :
, ـ المواقف التي رآها تثير نقاط استفهام كثيرة٣ نقطة
, هتفت ليلى في احتجاج :
, ـ نقاط استفهام؟ بخصوص ماذا؟ كيف وصل به الأمر إلى التشكيك في أخلاقي؟ ألم يكن بإمكانه أن يتأكد من الأمر قبل أن يحوك القصص و ينشرها؟
, ربتت مريم على كفها مهدئة و هي تقول :
, ـ هوني عليك يا صغيرتي٣ نقطة ليس الأمر كما تظنين، لكن أخبريني ما الذي حصل بالضبط؟
,
, هزت كتفيها في لا مبالاة وهي تقول :
, ـ مأمون، مساعد والدي أحضر له باقة ورود البارحة٣ نقطة لكن كان هناك ضيوف بالداخل فلم يرد أن يزعجهم، و كنت قد خرجت لبعض الأمور فالتقيته في الممر فطلب مني أن أوصل الباقة إليه مع تمنياته بالشفاء٣ نقطة هذا كل ما في الأمر! و قد فوجئت حقا حين رأيت فراس يخرج من غرفة والدي و ينظر إلي بتلك الطريقة الغريبة، كأنني ارتكبت بحقه جرما!!
, ـ حسن، و ماذا عن القهوة؟
, ابتسمت في سخرية و هي تقول :
, ـ مساعدة إنسانية! الرجل رآني أكاد أسقط على الأرض لأنني لم آكل شيئا لأكثر من أربع و عشرين ساعة، فأسعفني ببعض القهوة٣ نقطة فتحولت إنسانيته إلى تهمة ضدي و ضده! أمر لا يصدق!!
, اتسعت ابتسامة المربية و هي تقول في ارتياح :
, ـ رائع! حلت المشكلة الطرف الأول! و أنت، أخبريني الآن٣ نقطة ما الذي يزعجك في الزواج من فراس؟
,
, لم تفهم ليلى إلام ارمي مريم بملاحظتها، لكن سؤالها شدها، فنظرت إليها و قد اكتست ملامحها الاهتمام و الجدية و قالت :
, ـ في المرة الماضية، قلت أن لديك فكرة عن أسباب زواج حنان وفراس٣ نقطة أرجوك أخبريني عنها، أحتاج إلى أن أفهم طبيعة علاقتهما!
, همهمت المربية في تردد :
, و لكنني٣ نقطة لست متأكدة٣ نقطة
, ـ أنا سأخبرك بما تريدين!
, التفتتا في نفس الوقت إلى باب المطبخ حين وصلهما صوت رجالي هادئ٣ نقطة كان فراس يستند إلى الباب و قد عقد ذراعيه أمام صدره.
, أضاف و هو يتقدم ليجلس على أقرب مقعد :
, ـ اسألي ما شئت٣ نقطة سأجيبك عن كل شيء٣ نقطة
, كان فراس قد استيقظ منذ قليل و هو يحس بألم في رأسه٣ نقطة ذهب إلى العيادة في الفترة الصباحية، لكنه لم يستطع المكوث أكثر. آلام مفاجئة داهمته في رأسه و صدره لم يستطع مقاومتها٣ نقطة اعتذر من مرضاه لليوم الثاني على التوالي، و أجل مواعيده إلى الغد٣ نقطة يجب أن يرتاح لبعض الوقت، و يسيطر أكثر على انفعالاته. خيبة أمله كانت من النوع الثقيل. مع أنه تعود على الألم و الكتمان، إلا أن هذه المرة كانت أقسى من كل المرات السابقة. لم يكن يعلم أن الصورة التي رسمها لها في خياله غالية إلى تلك الدرجة٣ نقطة و تحطم الصورة بتلك السرعة و القسوة أثر فيه كثيرا٣ نقطة
, حين وصل إلى المزرعة، كان شبه منهار، لم يكن بإمكانه العودة إلى القصر و رؤيتها مجددا بعد أن تشوهت صورتها في عينيه٣ نقطة كان ذلك ليكون مؤلما جدا٣ نقطة و لم يستطع أن يكتم حزنه و ألمه عن الخالة مريم. كانت ملامحه تفضح ما في صدره، و كان في حاجة إلى المواساة٣ نقطة ما إن سألته، حتى وجد نفسه يقص عليها الحكاية منذ البداية٣ نقطة مختلف الأحاسيس التي راودته٣ نقطة من النفور إلى اللامبالاة إلى الاحترام إلى الإعجاب٣ نقطة إلى ذاك الشيء الغريب الذي يحسه في صدره منذ أيام٣ نقطة وصولا إلى الألم الشديد الذي أخذ يمزق أحشاؤه منذ هذا الصباح٣ نقطة كان يحس بالضعف و هو يلفظ أمامها مشاعره التي تعود كتمانها٣ نقطة يلفظها كشيء سخيف، يحتقره، و يسبب له الكثير من المعاناة٣ نقطة
,
, استسلم إلى النوم و دموعه على وجنتيه، مثل *** صغير. بكى من القهر٣ نقطة بكى من استيائه من نفسه، و من مشاعره. بكى ضعفه المفاجئ و ألمه الذي لم يقدر على السيطرة عليه. حين استيقظ، كان لا يزال يحس بصداع شديد٣ نقطة سمع صوت الخالة مريم و هي تحرك القدر في مطبخها٣ نقطة ظل مستلقيا في مكانه، يفكر بما ألم به٣ نقطة فجأة تناهى إليه صوت أقدام تنزل الدرج الخشبي المؤدي إلى الطابق الأول في حذر٣ نقطة
, تسمر في مكانه ينتظر في استغراب، من يكون الشخص الثالث الذي انضم إليهما؟ و ما لبث أن سمع صوتها و هي تتحدث إلى الخالة مريم في خفوت٣ نقطة كأنهما تخشيان إيقاظه٣ نقطة
, تسارعت دقات قلبه بجنون و قام على الفور من رقاده. ما الذي جاء بها إلى هنا؟ مسح وجهه بكفه في ضيق٣ نقطة اقترب من المطبخ بهدوء، يحاول أن يستمع إلى محادثتهما٣ نقطة وقف ينصت لبضع دقائق و كانت قسمات وجهه تتغير مع كل كلمة و ضربات قلبه على جدار صدره تعلو٣ نقطة إذن هذا كل ما في الأمر؟ إنها بريئة من كل ما اتهمها به! وإنه ليعجب الآن من نفسه، كيف وضعها في نفس المرتبة المتدنية مع حنان و نجاة! كيف تسرع في الحكم عليها مع ما يعلمه من نقاء سريرتها؟ استند إلى الحائط الفاصل بين قاعة الجلوس و المطبخ في إرهاق٣ نقطة يحس كأنه قطع مسافة طويلة من الجري دون توقف٣ نقطة العرق يملأ وجهه٣ نقطة لكن هناك، في صدره، كانت العضلة التي تسمى القلب تضخ الدماء إلى جسده بكرم لا مثيل له و تنشر معها ذاك الشيء الذي أزعجه في السويعات القليلة الماضية، و تمنى لو يخنقه٣ نقطة تبثه في جميع خلايا جسمه بسرعة رهيبة، فيسري خدر عجيب في أوصاله٣ نقطة مزيج من الارتياح و السعادة و الألم! ألغام تتفجر في صدره والموسيقى الداخلية التي تعزفها نبضاته تطغى على حواسه الخارجية كلها٣ نقطة لم يعد يقاوم٣ نقطة لم يعد يريد المقاومة٣ نقطة ربما كان في ذاك الشيء راحته بعد رحلة التعب الطويلة !
, لم يكن اتصاله بالعالم الخارجي قد انقطع بعد٣ نقطة سمعها و هي تسأل ذاك السؤال الذي أخفى إجابته عن الجميع طوال السنوات الماضية٣ نقطة
, تمالك نفسه و استقام في وقفته٣ نقطة عليه أن يريح قلبها، مثلما أراحت قلبه٣ نقطة هكذا فكر و هو يخطو باتجاه المطبخ، كأنه يخطو نحو مرحلة جديدة من حياته، ربما آن لها أن تبدأ٣ نقطة
, نظرت ليلى في دهشة إلى الشخص الذي تقدم نحوها في هدوء و جلس غير بعيد عنها، و في عينيه نظرة غريبة. ليست تلك النظرة التي تثير ذعرها و ارتيابها٣ نقطة و لكنها أشبه بتلك النظرة التي تربكها وتشعرها بصفاء و دفء الشخص الماثل أمامها٣ نقطة لم تستطع أن تحرك ساكنا أمام الذهول الذي اعتراها. أي الأشخاص أنت يا فراس؟ قطع عليها تأملاتها و هو يستطرد بصوت متعب :
, ـ لم أكن أنوي أن أتحدث إلى أي كان بما حصل، لكن أجدني في موقف حرج يجبرني على البوح بكل ما كتمته طوال السنوات الماضية٣ نقطة
, تعلقت عيناها بشفتيه و هو يتابع :
, ـ سأروي لك الحكاية كلها منذ البداية٣ نقطة و إن بقيت لديك تساؤلات بعدها فلا تترددي٣ نقطة
, هزت رأسها موافقة دون أن تتكلم. لا تكاد تصدق أنه هنا أمامها و مستعد ليشرح كل شيء بنفسه! إنه أقصى ما كانت تطمع فيه! تنهد فراس و هو يردف قائلا :
, ـ الحكاية، لست أدري كيف بدأت بالضبط٣ نقطة حكاية ضياع حنان٣ نقطة وانحراف عمتي٣ نقطة نجاة٣ نقطة لكن حكايتي مع حنان بدأت في يوم ما، منذ ثلاث سنوات و نصف تقريبا٣ نقطة يوما تلقيت اتصالا من مجهول، يعلمني بأن حنان موجودة في إحدى حانات الحي الشعبي، و يطلب مني أن أذهب لأخذها!
, هتفت ليلى في دهشة :
, ـ اتصال من مجهول؟ حانة؟
,
, هز رأسه مؤكدا ثم واصل قائلا :
, ـ لست أدري لماذا و كيف وصلني ذاك الاتصال٣ نقطة و إلي أنا بالذات٣ نقطة لكن منذ ذاك اليوم، أصبحت مسؤولا عن حنان بدون اختيار مني! ذهبت إلى العنوان الذي أملاه علي المتصل المجهول، وجدته بعد بحث طويل، فالأحياء الشعبية مليئة بالأزقة المتعرجة، و العنوان وحده لا يكفي للعثور على مكان ما٣ نقطة المهم، وصلت إلى المكان المقصود٣ نقطة دفعت الباب فطالعني مشهد مقرف٣ نقطة
, تغيرت ملامحه، كأنه يطالع المشهد من جديد، بعيني ذاكرته :
, ـ كان داخل المبنى مظلما تقريبا و الروائح العفنة تتصاعد منه، مختلطة مع روائح الخمور التي يتعاطاها رواد المكان٣ نقطة لم أصدق أن حنان قد ترتاد مكانا كهذا، و ظننت أن صاحب الاتصال قد أخطأ، لكن بعد أن تعودت عيناي على الظلام، أجلت بصري في الداخل، فلمحتها٣ نقطة في مشهد مخز٣ نقطة حنان شبه ثملة، تترنح بين ذراعي شاب ثمل هو الآخر، و ضحكاتها تملأ المكان! لم أصدق عيني، و لم أستطع أن أبعدهما عن المنظر المؤلم٣ نقطة لبثت مسمرا في مكاني لبعض الوقت، لا أقدر على الحراك من الصدمة، لكنني انتبهت إلى نظرات مريبة من بعض الأشخاص المحيطين بي من فاقدي العقول بصفة مؤقتة٣ نقطة فاندفعت إلى طاولتها بسرعة، جذبتها من ذراعها بشدة و قدتها أمامي إلى السيارة٣ نقطة
,
, تنهد بصوت مسموع قبل أن يستطرد :
, ـ لم أكن أعلم كيف أتصرف. دفعت إليها قارورة ماء كي تشرب و تغسل وجهها، علها تستيقظ و تدرك ما كانت تفعله. فتاة في السابعة عشر من عمرها، تدخل الحانات، و تتصرف بفجور! في الطريق ظللت صامتا، و هي كانت مطرقة. ظننت أنها نادمة. حين وصلنا إلى القصر نزلت و سبقتني إلى الداخل. لحقت بها في الحديقة و استوقفتها. أردت أن أتأكد من أنها واعية بخطئها و لن تعيد الكرة. لكنها نظرت إلي بوقاحة، و هتفت بأن ذلك ليس من شأني و أنها حرة في أفعالها ! لم أصدق ما أسمع، و لم أستطع تحمله٣ نقطة فار الدم في عروقي، و للمرة الأولى و الأخيرة في حياتي٣ نقطة ضربتها! كنت قاسيا عليها٣ نقطة ما هكذا يعامل المراهقون في عمرها٣ نقطة لكنني لم أكن أملك خبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف الحرجة، و هي استفزتني ببرودها و إصرارها على رأيها٣ نقطة
, قالت ليلى بصوت هادئ :
, ـ و حينها، رآكما ياسين٣ نقطة
, التفت إليها في دهشة :
, ـ كيف عرفت؟
,
, هزت كتفيها في استهانة و هي تقول :
, ـ ليس ذلك مهما، واصل أرجوك٣ نقطة
, ـ أقسم أنها كانت المرة الأخيرة التي وضعت فيها يدي عليها٣ نقطة لم ألمسها بعد ذلك اليوم بخير أو شر٣ نقطة
, طالعته ليلى في دهشة، ثم همست في اهتمام :
, ـ ما الذي حصل بعد ذلك؟
, تنهد مجددا، فالحديث الذي يحمله في صدره ذو شجون٣ نقطة
, ـ حاولت في الفترة الموالية أن أراقبها و أمنعها من التهور ثانية٣ نقطة لكن مشاغلي كانت كثيرة، خاصة مع تزايد الضغط في السنوات الأخيرة من الدراسة٣ نقطة لذلك لم يكن لدي الكثير من الوقت لأخصصه لرعاية المراهقة التي كانت، خاصة بعد أن تركت الدراسة و ملكت حريتها كاملة! عمتي كانت تعيش في عالم آخر٣ نقطة سهرات و رحلات و أعمال كثيرة٣ نقطة والدي لم يكن شخصا متفرغا ليهتم بأمر حنان، و ياسين مسؤول عن عائلته الصغيرة، بعد ولادة رانيا٣ نقطة لم أرد أن أزعجه بهذه المسؤولية الإضافية٣ نقطة أما أمين، فكان يجب أن يبقى خارج المسألة بأسرها، لأنه سريع التأثر بكل ما يخص حنان! خشيت أن تأخذه معها في طريقها٣ نقطة كما أنني من ناحية أخرى، أحسست بأن لوصول ذاك الاتصال إلي أنا بالذات حكمة ما٣ نقطة حكمة لا يعلمها إلا الله٣ نقطة لذلك قررت ستر أمرها، فربما تعود إلى الجادة قريبا٣ نقطة ربما٣ نقطة
, نظرت إليه ليلى بعينين مليئتين بالدموع. كم كان يبدو صادقا في كل
, كلمة قالها. كم بدا متعبا و هو يتحدث عن تلك الأحداث التي تحملها بمفرده في الماضي٣ نقطة لكن يبدو أن القصة لا تزال في بدايتها٣ نقطة
, ـ بعد أسابيع قليلة، تبين إلي أن أملي في هدايتها قبل أن يصيبها مكروه ذهب أدراج الرياح! فقد واصلت حماقاتها المتهورة، و لم يكن شيء ليردعها عن تحقيق ما في رأسها الصغيرة٣ نقطة في ذاك المساء، طرقت حنان باب غرفتي٣ نقطة دخلت و هي ترتعش بشدة، كورقة خريف تعصف بها الرياح بقوة٣ نقطة ألقت بنفسها عند قدمي و أخذت تبكي وتتوسل و تتحدث بكلمات مبهمة٣ نقطة في البداية، لم أفهم شيئا من كلامها٣ نقطة لكن رويدا رويدا بدأت العبارات تتضح و تتخذ معان في رأسي٣ نقطة معاني قاسية و محطمة! ما لم أكن أعلمه، هو أن ذاك النوع من الحانات، يهيئ لرواده غرفا خاصة في الطابق الأول للممارسة الرذيلة!! حنان، المراهقة ذات السبعة عشر عاما، سقطت في الفخ بسهولة٣ نقطة و بعد مغامرة من مغامراتها، وجدت نفسها حاملا! حاملا من شخص مجهول الهوية!
,
, شهقت ليلى بقوة و غطت فمها بكفها لتكتم صرخة كادت تنطلق من حلقها. حنان٣ نقطة شقيقتها التوأم٣ نقطة كانت حاملا قبل زواجها؟! في السابعة عشر من عمرها؟! أين مراقبة الأهل؟ أين مسؤوليتهم في رعايتها؟! يا للمأساة! يا للفضيحة!
, أطرق فراس و هو يقول في ألم :
, ـ للأسف، لم أكن في مستوى المسؤولية٣ نقطة لم أستطع أن أمنعها عن ذاك الطريق وها هي تصل إلى نقطة اللارجعة! جاءت إلي ترجوني أن أساعدها لتقوم بعملية٣ نقطة الإجهاض! بما أنني في المرحلة النهائية من دراسة الطب، و لأنني على علم سابق بجزء من سرها، فكنت الشخص المناسب الذي يمكنها اللجوء إليه! في اليوم الموالي، رافقتها إلى المستشفى للقيام بالإجهاض، لكن الطبيب قال أن بنيتها ضعيفة جدا، ولا يمكن التخلص من الجنين دون تعريض حياتها إلى خطر محقق! رجعنا خاليي الوفاض، و حنان أخيرا بدأت تدرك فظاعة ما صنعته بنفسها٣ نقطة
, في تلك الليلة، لم أستطع النوم٣ نقطة ظللت أفكر طوال الليل في جميع الحلول الممكنة٣ نقطة فكرت في العار الذي سيلحق العائلة كلها إن افتضح الأمر٣ نقطة والدي لم يكن ليتحمل المزيد، بعد انتحار أماني ٣ نقطةفكرت في أمين المتعلق بها إلى درجة غير معقولة٣ نقطة بإمكانها أن تقنعه بسهولة بالزواج و الهرب، أو أي شيء مجنون آخر، لحماية نفسها٣ نقطة و أمين لم يكن ليرفض! و فكرت في الصغير المسكين الذي لا ذنب له، كيف سيأتي إلى الحياة و هو مجهول النسب، فوالدته متعددة العلاقات! في تلك السن الصغيرة، تسمح لكل وحش بأن ينهش جسدها الغض ثم يرميها٣ نقطة و هي الخاسرة الوحيدة في نهاية المطاف!
, شقت عبرات ليلى طريقها على خدها في صمت. نظرت إلى فراس في إكبار و إشفاق و ندم، ثم همست في ألم :
, ـ لذلك قررت أن تتزوجها؟
, هز رأسه و هو يستطرد :
, ـ لم يكن أمامي الكثير من الحلول٣ نقطة كان ذاك هو الحل الذي يخرجنا من المشكلة بأخف الأضرار٣ نقطة ضمان مراقبة حنان، حفظ سمعة العائلة من الفضيحة، إبعاد حنان عن أمين، ضمان نسب للطفل القادم٣ نقطة حل مناسب على جميع المستويات!
, همهمت الخالة مريم في حزن و هي تمسك بكف فراس و تحتضنها بين كفيها :
, ـ يا بني٣ نقطة فكرت في كل شيء، كل شيء٣ نقطة لكنك لم تفكر في نفسك!
, ابتسم في مرارة و هو يواصل :
,
, ـ كنت أنوي أن يدوم زواجنا إلى حين ولادة الطفل، ثم أجد عذرا مناسبا للطلاق٣ نقطة لم أفكر جيدا في المرحلة الموالية، فقد كان كل همي هو الخروج من المأزق الحالي٣ نقطة لكنني لم أكن أعلم أن الأمور قد تتطور بتلك الطريقة، و تصل بها إلى تلك النهاية٣ نقطة
, تكلمت ليلى بصعوبة و هي تقاوم دموعها :
, ـ ثم٣ نقطة ما الذي حصل بعد ذلك؟
 
٢٤


تكلمت ليلى بصعوبة و هي تقاوم دموعها :
, ـ ثم٣ نقطة ما الذي حصل بعد ذلك؟
,
, تنهد فراس بعمق قبل أن يتابع :
, ـ في الغد، تحدثت إلى والدي و طلبت منه أن الزواج من حنان و بسرعة٣ نقطة لم يعارض و لم يلح في السؤال مثلما توقعت، بل وافق على الفور! و في أسابيع قليلة، وجدت كل الترتيبات تمضي على قدم وساق استعدادا للحفل المرتقب٣ نقطة في الأثناء، بدأت أحس بجسامة الأمر٣ نقطة كل شاب و كل فتاة له أحلام خاصة عن شريك الحياة المنتظر، و عن ليلة العمر و شهر العسل٣ نقطة لكنني أدركت حينها أنني وضعت كل أحلامي جانبا و تورطت في زواج لا أريده و لا أرضاه لنفسي! كدت أتراجع مرات عديدة و أنا أرى الموعد يقترب و أفكر في الحلول البديلة٣ نقطة لكنني في النهاية استسلمت لقدري و أنا أتمنى انقضاء أشهر الحمل بسرعة حتى أسترجع حريتي! و في المقابل، كنت أرى حزن أمين و صدمته بل و كراهيته لي٣ نقطة و أنا غير قادر على إخباره بحقيقتها. سبحان الله٣ نقطة كيف تكون فتاة أحلام أخي، كابوسا في حياتي! عمتي لم تعارض أبدا، و كأنها على علم بالأمر، و حنان كانت مستسلمة أيضا٣ نقطة فلم تكن لديها خيارات كثيرة لتداري فضيحتها!
, المهم، تم كل شيء و تزوجنا٣ نقطة لا أذكر شيئا عن حفل الزفاف، لأنني كنت في عالم آخر تماما٣ نقطة أشك أن كل المدعويين تفطنوا إلى سعادة العروسين الغائبة عن الحفل! ثم سافرنا في شهر العسل٣ نقطة والدي هو الذي أصر على ذلك، مع أنني حاولت الامتناع و التعلل بقرب اختبارات نهاية السنة٣ نقطة لكننا في النهاية سافرنا إلى لندن لمدة أسبوعين٣ نقطة
,
, كانا أسبوعين من الوحدة في غرفة النزل لحنان، و أسبوعين من التسكع في الشوارع بالنسبة إلي!
, ابتسم في تهكم و هو يقول ذلك، ثم أردف :
, ـ لم أكن أستطيع النظر في وجهها٣ نقطة كلما رأيتها أمامي تملكني الغضب! لو لم تكن حماقتها لما كنا وصلنا إلى هناك! حين تجلس بجانبي في مكان ما، الحافلة أو سيارة الأجرة أو الطائرة، أتمالك نفسي بصعوبة كي أحافظ على هدوئي٣ نقطة لكنني في المقابل، حاولت أن أحافظ على كرامتها أمام الجميع، حتى لا ينتبه أحد إلى مدى سوء العلاقة بيننا٣ نقطة أو فلنقل، غياب العلاقة النهائي بيننا! كانت زوجتي بصفة صورية، لم أقترب منها يوما، و إن حادثتها فلضرورة٣ نقطة أظنها كانت أشهرا طويلة من العذاب لي و لها! مع أنني كنت أشفق عليها بين الحين و الآخر، حين ألمح نظراتها الذابلة، و علامات الضعف و الندم التي تركت آثارها على جسدها٣ نقطة كان الحمل مرهقا بالنسبة إليها، و هي كانت أقرب إلى الهزال منها إلى متانة العود٣ نقطة إلا أنني مضيت في عقابي إلى النهاية٣ نقطة لم أكن أدرك أنها قد تضع حدا لحياتها بتلك الطريقة الشنيعة٣ نقطة
, أشاح بوجهه ليخفي دمعة التمعت في مقلتيه٣ نقطة سرحت ليلى مع كلماته و هي تتذكر كل ما كتبته حنان في مذكراتها٣ نقطة
,
, ٣ نقطة"لست مضطرا إلى تحمل أخطائي و لا إلى تحمل مسؤولية زلاتي٣ نقطة لكن معك حق، فشخص مثلي لا أمل له في الحياة٣ نقطة" "٣ نقطة أعلم أنك تحتقرني، بل تكرهني٣ نقطة و لا تحتمل حتى النظر في وجهي. لكنني لم أعد أحتمل إهاناتك المستمرة و نظراتك السامة التي تطالعني بها كلما صرنا بمفردنا"٣ نقطة
, الآن ترى الصورة بشكل أوضح. فراس كان يعاقب حنان بالفعل٣ نقطة و حنان كانت تتعذب٣ نقطة لكنها جنت على نفسها، فاستحقت العقاب٣ نقطة
, أسند فراس جبينه على كفه و هو يقول بصوت متعب :
, ـ أنا السبب٣ نقطة أنا السبب في انتحارها٣ نقطة لم أساعدها على التوبة، بل جعلت مشاعر الغضب و الحقد تعميني عن واجبي تجاهها بعد أن ارتبطت بها على سنة ا**** و رسوله٣ نقطة لم أقم بواجبي معها، و لم أرعها كما ظننت أنني سأفعل، بل قدتها إلى نهاية شنيعة٣ نقطة
, وقفت الخالة مريم و هي تهتف في حزم :
, ـ ليس الخطأ خطأك٣ نقطة هي أذنبت بحق نفسها و حق عائلتها، فاستحقت ما حصل لها٣ نقطة أما أنت فقد حاولت، لكنك حملت نفسك ما لا تطيق، فلا تلمها على ذلك!
,
, نظر إليها في ذهول، و قد بدا أنه يغالب دموعه٣ نقطة دموع القهر و تأنيب الضمير٣ نقطة
, أطرقت ليلى في تفكير و خجل من نفسها٣ نقطة خجلة من شكها فيه طوال الفترة الماضية و خوفها منه٣ نقطة لا تدري كيف يمكنها الاعتذار على ظنونها، و هو الذي دفع بنفسه إلى تلك المغامرة دون تفكير في العواقب٣ نقطة حنان هي الأخرى كانت صادقة في ما كتبت٣ نقطة كانت تشعر بالوحدة و العزلة، ربما ندمت و تابت، لكنها لم تجد تشجيعا ومساندة٣ نقطة من الملام؟ ليس فراس بالتأكيد، فلم يكن بوسعه أن يقدم أكثر٣ نقطة يكفي أنه أخرجها من محيطها الفاسد و أبعدها عن أسباب انحرافها٣ نقطة انتحارها لم يكن متوقعا٣ نقطة لكنها اتخذت قرارها!
, عادت الخالة مريم و هي تحمل صينية شاي مع بعض الكعك و قالت وعلى شفتيها ابتسامة واسعة :
, ـ مناسبة اليوم تستحق الاحتفال٣ نقطة بعد أن تصافت القلوب٣ نقطة
, احمر وجه ليلى حين تذكرت ما سهت عنه لفترة٣ نقطة عرض الزواج و اتفاق خالها و والدها! الوقت مناسب. رفعت رأسها، فلمحت شبح ابتسامة على شفتي فراس و هو يرفع كأس الشاي الساخن ليرتشف منه. ترددت٣ نقطة لكنها قالت أخيرا بلهجة جادة :
, ـ فراس٣ نقطة أحتاج إلى مساعدتك في أمر ما٣ نقطة
,
, أعاد كأسه إلى الصينية و التفت إليها في اهتمام :
, ـ طبعا٣ نقطة تفضلي٣ نقطة أنا في الخدمة٣ نقطة
, بلعت ليلى ريقها بصعوبة ثم قالت في حياء و هي تتجنب النظر إليه :
, ـ بالنسبة إلى موضوع٣ نقطة الزواج٣ نقطة يجب أن نفعل شيئا٣ نقطة
, تعلقت عيناه بشفتيها في لهفة و قد تسارعت ضربات قلبه. واصلت
, ليلى بصوت أكثر وضوحا و ثباتا :
, ـ إذا رفضنا أنا و أنت كل من جهته، فإن والدينا لن يجبرانا على زواج لا رغبة لنا فيه٣ نقطة
, اختفت الضربات فجأة، كأنه قلبه توقف٣ نقطة أو أن الضباب الذي لف عقله للحظات أخفاها عنه. لم يصدق ما سمعه. لبث يحدق فيها في ذهول٣ نقطة يرى شفتيها تتحركان، لكنه لم يستوعب شيئا بعد تلك الكلمات٣ نقطة إنها ترفضه! تقول له في وجهه لا أريد هذا الزواج!
, ارتعشت أصابعه على الطاولة. بحث عن شيء يتشبث به ليخفي توتره٣ نقطة شد على كأس الشاي بكفيه الاثنتين. لسعته الحرارة، فاستيقظت حواسه من جديد٣ نقطة مهلا، قد تكون رافضة لزواج مدبر و ليس لشخصه هو٣ نقطة ربما تظنه غير راغب فيها، يطيع والده فحسب! و لكن٣ نقطة هناك احتمال آخر٣ نقطة أن يكون أحد ما قد سبقه إليها، و احتل قلبها٣ نقطة تسارعت أنفاسه في اضطراب٣ نقطة يريد إنهاء معاناته بسرعة٣ نقطة
, كانت لا تزال تتكلم، عن حق الأبناء في تقرير مصيرهم، و اختيار شريك الحياة٣ نقطة حين قاطعها بصوت واهن :
, ـ هل هناك شخص آخر في حياتك؟
, نظرت إليه في دهشة، فقد فاجأها بسؤاله غير المتوقع٣ نقطة لكن سرعان ما تضرج وجهها و خفضت رأسها حياءا و هي تقول في خفر :
, ـ نعم٣ نقطة
, لبث يحدق فيها بعينين جامدتين٣ نقطة كم بدت سعيدة و بريئة و هي تطلق السهم الذي اخترق صدره٣ نقطة يحس له ألما حادا في معدته٣ نقطة كأنه هناك، عالق بين ضلوعه٣ نقطة يحس بذرات الهواء تتناقص تدريجيا٣ نقطة كأن شيئا ما يسحبها إلى خارج رئتيه٣ نقطة يحس بالاختناق٣ نقطة اشتد ارتعاش يديه حتى أوشك الكأس أن ينسكب لولا أنه أفلته في اللحظة المناسبة٣ نقطة و هي٣ نقطة كانت غارقة في أحلامها٣ نقطة لا تنتبه إليك٣ نقطة لا تشعر بك٣ نقطة لست شيئا في حياتها٣ نقطة مجرد وجه من الوجوه الكثيرة التي مرت بها٣ نقطة كان يجب أن تعلم أنه لا أمل!
,
, انتبهت الخالة مريم التي كانت تتابع حوارهما إلى تغير وجهه و سوء حالته، و هي العالمة بكل ما يجول بخاطره، فالتفتت إلى ليلى على الفور و هي تقول :
, ـ تعالي يا ابنتي٣ نقطة ساعديني في وضع مائدة العشاء٣ نقطة
, ـ حالا يا خالتي٣ نقطة
, وقفت ليلى و اتجهت إلى ركن الأواني٣ نقطة رنت مريم إلى فراس في إشفاق قبل أن تلتحق بها٣ نقطة
, لم يعد بإمكانه الجلوس هناك أكثر٣ نقطة يحتاج إلى الاختلاء بنفسه إلى بعض الوقت، ريثما يتعود على إحساسه الجديد٣ نقطة خرج من الباب الخلفي و وقف في الشرفة و قد خيم الظلام في الخارج٣ نقطة هبت ريح قوية، هزت قميصه و بعثرت خصلات شعره٣ نقطة تنهد في حرقة٣ نقطة ليتها تنتزع الألم الذي في صدره معها٣ نقطة لم يعد يستطيع الاحتمال٣ نقطة كل هذه الانفعالات القوية التي هزت قلبه الغر في يوم واحد! كل تلك الاهتزازات العنيفة التي تارة تطير به إلى السماء، و أخرى تهوي به إلى الحضيض٣ نقطة من أقصى حالات الارتياح إلى أقسى لحظات الألم٣ نقطة لم يكن قد عرف أيا منها من قبل٣ نقطة لذلك قلبت كيانه بشدة٣ نقطة لكن سعادته لم تدم سوى دقائق قليلة٣ نقطة و رحلة الألم قد تطول٣ نقطة
, لطالما اعتبر المشاعر ضعفا، فقاومها٣ نقطة حاول تحصين قلبه ضدها٣ نقطة لكنه في لحظة واحدة، ترك حصونه كلها تنهار٣ نقطة فتح لها أبوابه على مصراعيها و تركها تتغلغل في أعماقه، لكنه الآن يدرك فداحة خطئه٣ نقطة يدرك أنه ترك التيار يجرفه بعيدا٣ نقطة و رحلة العودة وعرة و شاقة٣ نقطة أسند رأسه إلى العمود الحجري٣ نقطة لم يعد يتحمل ثقلها٣ نقطة أغمض عينيه و استنشق الهواء بقوة٣ نقطة صدره يضيق و دمه يحتاج إلى كمية أكبر من الأكسيجين٣ نقطة
, ـ فراس٣ نقطة هل أنت بخير؟
, التفت في ذعر حين وصله صوتها. كانت تقف على عتبة الباب، تطالعه في قلق. اقتربت منه أكثر، فتسارعت أنفاسه أكثر٣ نقطة يحتاج إلى الهواء! خفضت رأسها في خجل وهي تقول :
, ـ أنا آسفة٣ نقطة لأنني ذكرتك بأحداث مؤلمة٣ نقطة لا شك أنها أثرت فيك كثيرا طوال السنوات الماضية٣ نقطة
, اجتهد كي يبتسم، و يهز رأسه في صمت٣ نقطة يخاف أن يخونه صوته إن هو تكلم. واصلت قائلة :
,
, ـ هناك شيء آخر أردت سؤالك عنه٣ نقطة
, نظر إليها في اهتمام، فمدت إليه يدها٣ نقطة تراجع في دهشة. لكنه سرعان ما انتبه إلى أنها تمد إليه أوراقا! يا لغبائك يا فراس٣ نقطة ما الذي كنت تتصوره! أخذ منها الأوراق في ارتباك٣ نقطة لا شك أنها لاحظت تصرفاتك الغريبة. لكنها تابعت و هي تشير إلى الأرقام التي على الأوراق :
, ـ رجاء زارتني اليوم و أحضرت إلي هذه الملفات٣ نقطة حسابات الشركة للفترة السابقة و الموالية لزواجك من حنان، ثم وفاتها٣ نقطة الملفات تثبت أن الشركة مرت بأزمة مالية، و أن الأزمة انفرجت مباشرة بعد وفاة حنان٣ نقطة رجاء قالت بأن خالي كان مستفيدا من وفاة حنان، و أن الأموال التي ورثتها عن نجاة أنقذت الشركة من الإفلاس٣ نقطة هل كنت على علم بذلك؟
, أمسك الأوراق و أخذ يحملق فيها بدون تركيز٣ نقطة لا تزال حواسه تائهة. رفع رأسه إليها في دهشة و همهم بذهن مشتت :
, ـ ماذا تقصدين؟ لم أكن أعلم شيئا عن هذا!
, تنهدت ليلى و هي تأخذ منه الأوراق من جديد و قالت :
, ـ لا بأس٣ نقطة ربما كانت كذبة ملفقة لا أساس لها من الصحة٣ نقطة
,
, خطت بعيدا عنه باتجاه المدخل٣ نقطة عادت إليه ذكريات مشوشة٣ نقطة هتف فجأة :
, ـ انتظري لحظة٣ نقطة
, التفتت إليه في انتباه٣ نقطة قال محاولا التركيز في كلامه:
, ـ بعد وفاة عمتي، أصبحت الوصي على حنان٣ نقطة لكن أبي اقترح علي أن أترك الوصاية له، و أنه سيستثمر أموالها و ينميها لها٣ نقطة فتنازلت له عنها عن طيب خاطر، فقد كان آخر ما أتمناه أن أكون مسؤولا عن مالها٣ نقطة لكن هل يعني ذلك شيئا؟
, حدقت ليلى للحظات في الفراغ٣ نقطة هل يعني ذلك شيئا؟
,
, ٩ العلامة النجمية
,
, لم تكن قد استسلمت إلى النوم بعد. أوت إلى غرفتها منذ ساعتين تقريبا، لكنها لم تعرف إلى النعاس طريقا لبثت مستلقية على ظهرها، تحدق في الفراغ و قد سرحت مع أفكارها٣ نقطة حديثها اليوم مع فراس فاق جميع تصوراتها. كانت خائفة من مواجهته، تهاب نظراته الحادة و سحنة وجهه القاسية٣ نقطة لكنها لم تكن تعلم كم من الألم يخفي خلف قناع التجهم و العبوس الذي يضعه على وجهه٣ نقطة تذكرت مشاهد الصفاء القليلة التي رأته عليها٣ نقطة حين اصطدمت به في الممر بعد حفلة الشواء٣ نقطة حين أراد الاعتناء بجرحها بعد عراكها مع رجاء٣ نقطة حين فاجأها على الأرجوحة بعد عودة والدها٣ نقطة كان ذاك هو فراس الحقيقي٣ نقطة فراس الكريم، ذو الإحساس المرهف و القلب الحنون٣ نقطة
, دمعت عيناها و تسللت العبرات على خديها في صمت٣ نقطة كانت تجربة قاسية عليه٣ نقطة مع الإحساس بالذنب الذي لازمه بعد انتحار حنان وأثر على حياته كلها٣ نقطة لكنه أخطأ أيضا، أخطأ في قراره ذاك٣ نقطة ما كان عليه أن ينسب الطفل لنفسه٣ نقطة كان ليشارك في الجريمة دون يدري٣ نقطة جريمة اختلاط الأنساب!
, تنهدت و هي تغير وضعيتها لتستلقي على جانبها الأيمن٣ نقطة ربما كان ما حصل أفضل له و للجنين٣ نقطة لكنه قطعا الأسوأ بالنسبة إلى حنان٣ نقطة سوء خاتمة والعياذ ب****! تململت في ضيق، تبحث عن وضعية مريحة٣ نقطة لكن عبثا، النعاس جافى جفونها٣ نقطة عادت بأفكارها إلى سهرة الليلة٣ نقطة فراس لم يكن طبيعيا. كان يتحاشى النظر إليها على مائدة العشاء، و يسرح كثيرا و إذا تحدثت إليه الخالة مريم رد في توتر٣ نقطة هل أعادت إليه الذكريات انزعاجه من الشبه الذي بينها وبين حنان؟ مسكين أنت يا فراس٣ نقطة
, تنهدت من جديد و هي تتقلب للمرة الألف٣ نقطة فجأة سمعت صوتا غريبا يأتي من الأسفل. صوت ضربات على باب المدخل الرئيسي٣ نقطة ليست طرقا، بل٣ نقطة بل كأن أحدهم يحاول خلع الباب بالقوة٣ نقطة استوت جالسة على سريرها و قد تسارعت دقات قلبها٣ نقطة من يكون هناك؟
, تعالى القرع أكثر فأكثر ثم سمع دوي مكتوم، كأن الباب استسلم و انفتح! وقفت على الفور و ارتدت ملابسها في ذعر و اضطراب٣ نقطة يجب أن توقظ فراس! فتحت باب غرفتها، فلمحت فراس قد سبقها إلى خارج غرفته٣ نقطة كأنه لم ينم بعد هو الآخر٣ نقطة أشار إليها أن تبقى في الخلف و تحافظ على الهدوء و تقدم في اتجاه السلم و أخذ ينزل درجاته في حذر٣ نقطة لم تستطع ليلى أن تقف متفرجة تنتظر، لحقت به بخطوات متعثرة تحاول استطلاع ما يحدث في الأسفل. التفت فوجدها تنزل على إثره، شد على أسنانه و أشار إليها بالبقاء في الخلف٣ نقطة كانت نظراته قوية و حازمة. وقفت في منتصف الطريق، في حين تابع هو النزول٣ نقطة حين وصل إلى الأسفل، رأى الباب مفتوحا على مصراعيه، ونسيم ليلي بارد يتسلل إلى الداخل٣ نقطة أجال بصره في المكان يبحث عن المقتحم٣ نقطة كان قد تسلح في طريقه بعصا المكنسة، فربما يحتاج إلى استخدامها٣ نقطة لكنه لم ير أحدا٣ نقطة فجأة سمع وقع أقدام خلفه، فاستدار بسرعة و رفع العصا متحفزا٣ نقطة غطت ليلى وجهها بذراعيها و أطلقت صرخة صغيرة من الذعر حين التفت إليها بتلك الهيئة. أبعد العصا وهو يتنهد في ارتياح، ثم نظر إليها مقطبا مؤنبا و هو يهمس :
, ـ ألم أطلب منك أن تبقي في غرفتك؟
, أبعدت ذراعيها عن وجهها و هي تبتسم في اعتذار :
, ـ ماذا وجدت؟
, ـ كنت أعلم أنني سأجدكما هنا!
, التفتا في نفس الوقت حين قطع عليهما حوارهما الهامس صوت رجالي قوي٣ نقطة حدقا في الظل الذي ظهر أمامها على حين غرة في دهشة. كان يقف أمام باب المطبخ مختبئا في الظلام٣ نقطة تقدم في اتجاههما، و ضغط على زر الإنارة، فظهر لهما وجهه و الشرر يتطاير من عينيه٣ نقطة هتفت ليلى في دهشة حقيقية :
, ـ أمين!
,
, هز رأسه و هو يقول في تهكم :
, ـ نعم، أمين المغفل! أمين الذي ظن قلقا عليك طوال الليل، يبحث عنك في كل مكان، و يتصل بالمستشفيات و مراكز الشرطة٣ نقطة و أنت هنا٣ نقطة تقضين الليلة مع حبيب القلب!
, قاطعه فراس في صرامة :
, ـ أمين٣ نقطة انتق ألفاظك، و احترم نفسك!
, استدار أمين لينظر إليه عن كثب و قال متضاحكا في استهزاء :
, ـ آه٣ نقطة أصبحت تتكلم أخيرا! مبارك! لكن لا تظن أنني سأسمح لك بالسخرية مني للمرة الثانية! ستدفع الثمن غاليا على كل شيء!!
, حدقت فيه ليلى في قلق و توجس و همست في توسل :
, ـ أمين٣ نقطة ليس الأمر كما تتخيل٣ نقطة اهدأ أرجوك و دعنا نتحدث٣ نقطة
, رنا إليها أمين و قد لانت نظراته فجأة، و التمعت العبرات في عينيه٣ نقطة كأنه يعاتبها في صمت٣ نقطة لكن سرعان ما توجهت عيناه مجددا إلى فراس و قد اشتعلت نظراته حقدا و هتف :
, ـ لا تحاولي ردعي٣ نقطة فقد آن أوان تصفية الحسابات٣ نقطة لن أسمح له بتحقيق مخططاته مهما كلفني ذلك!
, و في لحظة خاطفة، كان قد أدخل يده في جيبه و أخرج جسما معدنيا و أشهره في وجه أخيه٣ نقطة شهقت ليلى من الذعر٣ نقطة كان الخنجر٣ نقطة الخنجر المعقوف ذي المقبض الأزرق المنقوش٣ نقطة لا يمكنها أن تخطئ تلك الخناجر المميزة من مجموعة هاجر الأثرية٣ نقطة هتفت في استجداء و هي تندفع نحوه تحاول إبعاد الخنجر :
, ـ اعقل يا أمين٣ نقطة ما هكذا تسوى الأمور٣ نقطة
, أتاها صوت فراس هادئا حازما :
, ـ ليلى، ابتعدي أرجوك٣ نقطة
, ثم توجه إلى أمين قائلا بنفس الهدوء العجيب :
, ـ لو كنت تعلم أي جميل أسديته إليك بإبعادك عن حنان، لما حقدت علي كل هذه السنين٣ نقطة
, ضحك أمين في سخرية لاذعة ثم قال صرخ بصوت هادر :
, ـ أنت٣ نقطة لك فضل علي؟! أنت دمرت كل أحلامي، و ضحكت من مشاعري!
, التفت إلى ليلى و قد غلف الحزن نظراته :
, ـ و أنت أيضا٣ نقطة تجاهلتني، و ركضت إليه! لا تنكري هذه المرة!
, هزت ليلى رأسه نافية و قد سيطر عليها الذهول، و هتفت :
, ـ صدقني يا أمين، أنت تفهم كل شيء بشكل خاطئ٣ نقطة حين أتيت إلى المزرعة لم أكن أعلم أن فراس هنا٣ نقطة صدقني٣ نقطة
, ـ إذن٣ نقطة تهربين معي؟
, حدقت فيه في دهشة متزايدة، يبدو أنه فقد عقله! هتفت في اعتراض :
, ـ ما الذي تقوله٣ نقطة لا يمكنني الهرب إلى أي مكان ووالدي على فراش المرض!
, صر على أسنانه في حنق و هو يتمتم : كفاك تعلات سخيفة! أنت مثلها تماما٣ نقطة تسخرين مني٣ نقطة
, ثم تغيرت نبرة صوته إلى الانفعال و هو يتقدم باتجاه فراس :
, ـ واجهني إذن يا فراس! لن أتركك تسخر مني إلى الأبد!
,
, صرخت ليلى بقوة و هي تراه يرفع يده و يهوي بالخنجر نحو صدر فراس، و هو يزمجر من الغضب و الحقد الذين أعميا بصيرته٣ نقطة تحرك فراس في اللحظة المناسبة ليتفادى الطعنة و مال بجسده إلى اليمين٣ نقطة لكن ليس بما فيه الكفاية ليبتعد تماما عن مسارها٣ نقطة صرخ فراس مع انخراط ليلى في بكاء مرير٣ نقطة أما أمين فقد وقف مذهولا و كأن أصوات الصراخ و البكاء أيقظته من جنونه، و ترددت عيناه بين نصل خنجره الذي غطي بالدماء، و بين أخيه الذي سقط يتلوى على الأرض٣ نقطة كان الخنجر قد أصاب فراس في عضده٣ نقطة جرح عميق أخذ ينزف بشدة. انهارت ليلى على ركبتيها إلى جانب فراس الذي أمسك عضده و هو يعض على شفتيه من الألم٣ نقطة رفعت عينيها الباكيتين إلى أمين و صرخت فيه :
, ـ ماذا فعلت أيها المجنون!
, ثم قامت بسرعة إلى المطبخ، و هي تتعثر في ثوبها، تبحث في الأدراج في سرعة و جنون، تدور حول نفسها باحثة عما يمكن استعماله لوقف النزيف٣ نقطة عادت أخيرا و هي تحمل مناديل المطبخ، لم تجد غيرها٣ نقطة ساعدت فراس على لفها على منطقة الجرح بأصابع مرتعشة و هي تتألم لألمه٣ نقطة كل ما يحصل له بسببها٣ نقطة
, نزلت الخالة مريم أخيرا، بعد أن أفسد الصراخ نومها٣ نقطة نظرت إلى الجميع في حيرة و هي لا تكاد تفهم ما يحصل٣ نقطة هتفت ليلى و هي تسرع إلى الأعلى، لتحضر مفاتيح سيارتها :
, ـ خالتي، سنأخذ فراس إلى المستشفى، تعالي معي٣ نقطة
, تمتمت مريم و هي لا تفهم شيئا:
, مستشفى؟
, لكن ليلى كانت قد ارتقت الدرجات في وثبات رشيقة٣ نقطة صحيح أنها تخاف القيادة ليلا، لكن للضرورة أحكام٣ نقطة عليها أن تفعلها٣ نقطة نزلت من جديد، و خرجت رفقة فراس و المربية٣ نقطة في طريقها ألقت نظرة أخيرة على أمين، فيها شيء من الحزن و الشفقة٣ نقطة و الاحتقار. ..
, لبث أمين وحده في المنزل الريفي الذي عاد إليه الهدوء مجددا٣ نقطة
, ألقى خنجره على الأرض، ثم استند على الجدار ليمنع نفسه من السقوط وراءه٣ نقطة خارت قواه دفعة واحدة، فانهار على الأرض تسبقه دموعه٣ نقطة جملة واحدة ظلت تتردد في ذهنه بصدى مؤلم "ماذا فعلت أيها المجنون"!
 
٢٥


أوقفت ليلى السيارة أمام المستشفى الخاصة و هي تتنهد من الانفعال.
, كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة بعد منتصف الليل، و هي لم تتعود أبدا قيادة السيارة في مثل تلك الساعة المتأخرة٣ نقطة الظلام كان مخيما طوال الطريق الزراعية، ما عدا أعمدة إنارة قليلة و متباعدة، قبل أن تصل أخيرا على شوارع المدينة المضاءة بشكل جيد٣ نقطة لكنها كانت مقفرة تقريبا من السيارات٣ نقطة فتحت الباب الخلفي، و أفسحت المجال لفراس كي ينزل. كان يكتم أنينه بصعوبة طوال الرحلة، فالجرح العميق لم يتوقف عن النزيف٣ نقطة تركت الخالة مريم تساعده و سبقتهما إلى قسم الحالات المستعجلة٣ نقطة كانت القاعة فارغة، و لم يكن هناك أحد في الاستقبال٣ نقطة جرت في كل الاتجاهات و هي تهتف منادية على موظفي القسم. كانت متوترة و متعبة٣ نقطة و تخاف أن تزداد حال فراس خطورة إن تأخر الإسعاف٣ نقطة و أخيرا خرج ممرض من إحدى الغرف، تظهر آثار النعاس على وجهه، و هو يتثاقل في مشيه٣ نقطة
, ـ أخي أرجوك٣ نقطة معنا جريح يحتاج إلى تدخل عاجل٣ نقطة
, همهم الممرض و هو يحاول طرد النوم عن جفونه :
, ـ حسنا، أدخلوه إلى قاعة الكشف ريثما أستدعي الطبيب٣ نقطة
, ثم غاب ثانية في نهاية الممر٣ نقطة وصل فراس و الخالة مريم فقادتهما ليلى إلى قاعة الكشف المفتوحة٣ نقطة جلس فراس على طرف السرير وهو لا يزال يضغط على مكان جرحه بوهن. كان المنديل الذي يلف الجرح قد اصطبغ باللون الأحمر القاتم، بعد أن تشرب كمية كبيرة من الدماء. وقفت المربية إلى جانبه و هي تمسك بكفه في حنان، تشد أزره٣ نقطة أما ليلى فكانت تروح و تجيء، و في عينيها نظرة قلقة٣ نقطة لا تدري كيف يمكنها أن تستعجل الطبيب النائم!
,
, أخيرا ظهر الطبيب من آخر الممر و هو يتقدم بخطوات سريعة و مئزره الأبيض يرفرف حوله٣ نقطة اعتذر عن التأخير و شرع في العمل على الفور. عاين الجرح بسرعة، ثم طلب من الممرض إحضار السرير النقال لأخذ المصاب إلى غرفة العمليات حتى يقوم بتدخل سريع٣ نقطة وفي لحظات كانا ينطلقان به خارج الغرفة تحت أنظار المرافقتين القلقة٣ نقطة
, وقفت ليلى في قاعة الانتظار و هي في غاية التوتر٣ نقطة لم تكن تتخيل أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من التعقيد! أمين فقد عقله! يرفع السلاح في وجه أخيه و يطعنه بتلك الوحشية! انحصر تفكيرها في نقطة واحدة لم تعد ترى غيرها : يجب أن تبتعد عن هذا المكان٣ نقطة يجب أن تبتعد عن هذه العائلة٣ نقطة زواجها من فراس لا يمكن أن يتم! لن ينتج عنه سوى المزيد من الشقاق بين الإخوة و الألم للكثيرين٣ نقطة و هي أولهم! فراس وعد بمساعدتها٣ نقطة و سيفي بوعده.
, لا يجب أن يقفا مكتوفي الأيدي أمام قرار مصيري كهذا! تنهدت بصوت مسموع و هي تتذكر والدها. لم تمكث إلى جانبه كثيرا نهار البارحة. كانت متعبة، و هاهي الآن أشد تعبا!
,
, وجدت نفسها تخرج من قاعة الانتظار و تجوب أروقة المستشفى على غير وجهة٣ نقطة تحاول تخفيف توترها في انتظار انتهاء عملية تقطيب جرح فراس٣ نقطة تخشى أن يكون الجرح قد أصاب العصب، أو مزق الأربطة العضلية٣ نقطة فكيف لطبيب أن يمارس مهنته بذراع مصابة! كما أنه فقد الكثير من الدماء٣ نقطة كانت تتوقع أن يفقد وعيه بين لحظة وأخرى، لكنه ظل صامدا إلى حين وصول الطبيب٣ نقطة قادتها قدماها إلى جناح الغرف الخاصة، إلى حيث والدها٣ نقطة كانت أقسام المستشفى موصولة ببعضها البعض، لذلك تمكنت من المرور دون أن يستوقفها العسس٣ نقطة كان الوقت متأخرا، و هو بالتأكد يغط في نوم عميق٣ نقطة
, لكنها تود أن تلقي نظرة سريعة، علها تحس بالأمان لوجودها إلى جانبه٣ نقطة تشتاق إليه أكثر من أي وقت مضى٣ نقطة
, ما إن وصلت إلى الممر المقصود حتى لفت انتباهها باب الغرفة المفتوح٣ نقطة حثت الخطى في قلق و قد هاجمتها الهواجس٣ نقطة لا يمكنها أن تتحمل المزيد من المفاجآت المؤلمة. كانت الغرفة مضاءة و لكن سرير المريض كان خاليا! تلفتت حولها في شك٣ نقطة ربما يكون قد خرج إلى الحمام. لبثت تنتظر لعله يعود بين لحظة و أخرى٣ نقطة مرت الدقائق ثقيلة على قلبها و هو لا يظهر بعد. توجهت نحو غرفة الممرضات في نهاية الممر، و هي بالكاد تسيطر على نسق دقات قلبها، و تردد دعاء اللطف بوالدها بلسانها٣ نقطة
, ـ من فضلك أختي٣ نقطة هل تعلمين أين ذهب المريض في الغرفة الثانية في هذا الممر؟
, نظرت إليها الممرضة في دهشة، و لسان حالها يتساءل عن كيفية وصولها إلى هناك في مثل ذاك الوقت٣ نقطة لكنها قامت على إثرها إلى الغرفة٣ نقطة فكيف لمريض أن يختفي في مثل تلك الساعة المتأخرة٣ نقطة
, توجهت على الفور إلى اللوح المعلق إلى جانب السرير، و الذي يكتب فيه الطبيب المعالج ملاحظاته. قرأت ما فيه ثم نظرت إلى ليلى وقالت بعد تردد قصير :
, ـ المريض في٣ نقطة العناية المركزة!
, وقفت ليلى دون حراك و هي تحس بالضياع٣ نقطة لا يمكن أن تكون العناية المركزة بشير خير بأي حال من الأحوال! فرت الدموع إلى عينيها و إحساسها بالخطر يتزايد. أمسكت بذراع الممرضة في لهفة و هتفت بصوت فيه غصة :
,
, ـ أرجوك خذيني إلى هناك٣ نقطة
, هزت الممرضة رأسها في تعاطف و هي تقول :
, ـ لن يسمحوا لك بالدخول٣ نقطة لا فائدة من الذهاب إلى هناك٣ نقطة عودي إلى منزلك و استريحي الآن٣ نقطة
, تشبثت بها ليلى و قالت في صوت أقرب إلى البكاء :
, ـ أرجوك، أريد أن أكون إلى جانبه٣ نقطة
, كانت علامات الألم في ملامح وجهها الطفولي الباكية أقوى من أن تقاوم٣ نقطة رضخت الممرضة إلى طلبها و قادتها إلى قسم العناية المركزة٣ نقطة تبعتها ليلى بخطوات مضطربة و قد بلغ منها التشنج أقصى درجاته. كانت الغرفة مغلقة و لا سبيل إلى دخول أحد غير الممرضين و الأطباء. استندت على الباب في ضعف و سالت العبرات على وجنتيها٣ نقطة تحس بأنها تفقده٣ نقطة تفقد سندها الأخير في هذه الدنيا! إحساس فظيع٣ نقطة ضمت ذراعيها إلى جسدها و أخذتها الرعشة. ساعدتها الممرضة على الجلوس و قالت في ود قبل أن تختفي :
,
, ـ سأستدعي الطبيب٣ نقطة ربما يمكنه إفادتك بحال مريضك٣ نقطة
, بعد لحظات، عادت يرافقها الطبيب المعالج الذي رأته مرات عدة في غرفة والدها٣ نقطة ربما كان من حسن حظها أنه كان يناوب في تلك الليلة٣ نقطة وقفت من فورها و هبت إليه في لهفة :
, ـ أرجوك أخبرني٣ نقطة هل هو بخير؟
, كان الطبيب قد تعرف عليها بدوره. زم شفتيه و ظل صامتا للحظات٣ نقطة ثم ما لبث أن هز رأسه في أسف و هو يقول :
, ـ الأزمة كانت حادة هذه المرة٣ نقطة عليك بالدعاء٣ نقطة
, انهارت مجددا على المقعد أمام غرفة العناية، و أخذت تدعو **** بحرقة، تسأله أن يعيد والدها سليما معافى. مر أمام عينيها شريط ذكرياتها القديمة مع والدها٣ نقطة كان كل عائلتها و محور حياتها، تستمد منه قوتها٣ نقطة لكنه علمها أن تعتز بدينها و تؤمن بقدراتها٣ نقطة أن تثق بنفسها و تحافظ على حيائها و عفافها٣ نقطة أخذت تتذكر كلماته في مواقف كثيرة٣ نقطة تشجيعه و نقده٣ نقطة إرشاده ونصحه٣ نقطة فهل سيكون إلى جانبها مجددا بعد الآن؟ هل سيخرج من هذه الغرفة ليكون الوالد المحب لها و السند الذي يشعرها بالأمان؟ ضمت كفيها إلى صدرها وهي لا تتوقف عن الدعاء و التضرع٣ نقطة لم تدر كم مر عليها من الوقت و هي على تلك الحال٣ نقطة غائبة عن العالم الخارجي، غارقة في بحور ذكرياتها القريبة و البعيدة٣ نقطة كل لحظة حلوة مرت بها، شاركها إياها٣ نقطة و كل موقف صعب أرقها، كانت له يد في إخراجها منه٣ نقطة
, باختصار، لم تعش أبدا بدون أن تستشعر لمساته من حولها٣ نقطة إلا الأيام القليلة التي قضتها مع عائلة خالها٣ نقطة ربما كانت تلك بداية النهاية! نهاية الأيام الهانئة بقربه٣ نقطة
, اقتربت منها الممرضة التي ظلت تروح و تجيء، تطمئن على حالها. رمقتها بعطف و هي تقول :
, ـ لن يسمح لك برؤيته قبل الصباح٣ نقطة لا داعي للانتظار هنا، من الأفضل أن تستريحي٣ نقطة
, رفعت إليها ليلى عينين مغرورقتين بالدموع، كأنها ترجوها أن تفعل شيئا من أجلها٣ نقطة قد تكون هذه ساعاته الأخيرة! لكن الممرضة هزت رأسها في صمت، علامة قلة الحيلة٣ نقطة
,
, وقفت ليلى في تثاقل، و عادت أدراجها إلى قسم الحالات العاجلة٣ نقطة
, مرت أكثر من ساعة مذ تركت فراس و الخالة مريم هناك٣ نقطة يجب أن
, تطمئن على حال فراس أيضا٣ نقطة يا رب، إنها لليلة قاسية٣ نقطة ليتها تمر بأخف الأضرار٣ نقطة اللهم عافنا و اعف عنا! حين وصلت، لم تكن الخالة مريم في قاعة الانتظار و كان باب غرفة الكشف شبه مغلق٣ نقطة
, دفعته بهدوء و أطلت برأسها. كان فراس ممددا على السرير و قد بدا أنه لا يزال تحت تأثير المسكن٣ نقطة أما الخالة مريم، فقد كانت تجلس على أحد المقاعد و رأسها يميل على صدرها، و قد أخذتها سنة من النوم. ارتسمت على شفتيها شبه ابتسامة و هي تتأمل ملامحها المتعبة. اقتربت منها في هدوء و هزتها من كتفها في لطف. استفاقت المربية فزعة، و نظرت حولها في استغراب :
, بسم **** الرحمان الرحيم٣ نقطة أين أنا؟
, ربتت ليلى على ذراعها مهدئة و هي تقول :
, ـ نحن في المستشفى٣ نقطة فراس لا يزال نائما٣ نقطة لم لا تتمددين على السرير الشاغر هناك؟ خير لك من النوم على الكرسي٣ نقطة سأوقظك حين يستفيق فراس٣ نقطة
,
, لم تعارض الخالة مريم و استلقت على السرير المجاور لتريح جسدها العجوز٣ نقطة جلست ليلى على المقعد، و أخرجت مصحفها الذي تحتفظ به في حقيبتها على الدوام، و جلست تقرأ في سرها٣ نقطة تحاول شغل نفسها بالتلاوة، علها تنسى أو تتناسى مصاب والدها و لو لبعض الوقت٣ نقطة لكنها لم تستطع السيطرة على دموعها، فأخذت تسيل على خديها في هدوء٣ نقطة
, فتح فراس عينيه و هو يحس ببعض الدوار٣ نقطة عقد حاجبيه و هو ينظر حوله حاولا تذكر ما حصل. و ما لبثت الذكريات أن عادت إليه فتجلى العبوس على وجهه. حطت عيناه على عضده الملفوف بالضمادات البيضاء٣ نقطة لم يكن يحس بالألم، و من خبرته كطبيب أدرك أنه لا يزال تحت تأثير التخدير الموضعي٣ نقطة لم يكن قد تم تخديره بالكامل، لكن التخدير الموضعي القوي كان كافيا لبث الاسترخاء في جسده مما جعله يستسلم للنوم، كما أن كمية الدماء التي فقدها جعلت جسده يضعف٣ نقطة رفع رأسه بصعوبة، فوقع نظره على ليلى الجالسة غير بعيد عنه. ابتسم و هو يتذكر كل ما فعلته من أجله٣ نقطة دموعها و نظرات القلق في عينيها٣ نقطة رغم كل الألم الذي كان يعانيه إلا أن وجودها إلى جانبه كان يؤلمه أكثر٣ نقطة يؤلمه أنها بهذا القلب، و بهذا القرب٣ نقطة و لكن لا نصيب له فيها! آه يا ليلى، ماذا كنت ستفعلين لو حصل مكروه لمن تحبين؟ انتبه إلى العبرات في عينيها و على خدها٣ نقطة إنها تبكي مجددا. و هو لا يحتمل أن يراها تبكي٣ نقطة ليته يستطيع رسم الابتسامة على شفتيها للمرة الأخيرة، قبل أن يختفي من حياتها تماما٣ نقطة
, ـ ليلى٣ نقطة أنت بخير؟
, رفعت رأسها حين سمعت صوته، و ارتسمت ابتسامة ارتياح على شفتيها على الفور. أغلقت كتابها و اقتربت من السرير و هي تهمس :
, ـ كيف تشعر الآن؟
, تجاهل سؤالها و هو يقول في اهتمام :
, ـ امسحي دموعك٣ نقطة لا داعي للبكاء٣ نقطة
, أدهشته ردة فعلها العكسية، فقد قطبت جبينها و ارتعشت شفتاها منذرة بنوبة بكاء جديدة. أخفت وجهها بكفيها و هي تقاوم و لكن بلا فائدة.
, جاهد فراس ليستوي في جلسته و هو يهتف في قلق :
,
, ـ ليلى ماذا هناك؟ هل حصل شيء لا أعلمه؟ هل أقدم أمين على عمل أحمق جديد؟
, هزت ليلى رأسها نافية، فهتف مجددا و هو يحثها على الإفصاح :
, ـ ماذا إذن؟ أخبريني أرجوك؟
, انفجرت هذه المرة و هي تهتف بصوت مختنق من العبرات :
, إنه أبي٣ نقطة إنه يموت يا فراس٣ نقطة يموت٣ نقطة
, تسارعت دقات فلبه بشكل مؤلم. فهو يعلم أكثر منها مدى خطورة حاله٣ نقطة يعلم حقا أن نجيب ليس بعيدا عن المرحلة الأخيرة، و الأعمار بيد **** أولا و أخيرا٣ نقطة فكيف يمكنه أن يخفف عنها؟ يحسها كطفلة صغيرة، تحتاج إلى الرعاية و الحنان٣ نقطة ربما يمكنه أن يقدم لها شيئا أخيرا، ربما يمكنه أن يهدئ من روعها و يشعرها ببعض الأمان ولو للحظات٣ نقطة فربما تكون اللحظات الأخيرة بينهما قبل أن ينفذ ما قرره٣ نقطة
,
, همس بصوت دافئ حان :
, ـ ليلى، اسمعيني جيدا٣ نقطة أنت فتاة مؤمنة٣ نقطة و تعلمين بأن لله حكمة في كل شيء٣ نقطة و القدر لا مفر منه٣ نقطة ربما كان قدرنا أن نفارق من نحب، لكن يجب أن نفهم أن **** يحرمنا ليبتلينا، هل نصبر أم نيأس٣ نقطة فكيف نقابل هذا الابتلاء؟ أجيبيني؟
, تمتمت ليلى بصوت ضعيف :
, ـ نصبر٣ نقطة
, واصل و كأنه يكلم نفسه و يقنعها في نفس الوقت :
, ـ نعم نصبر٣ نقطة و ندعو و نسأل **** السلوى٣ نقطة
, هزت رأسها موافقة، فابتسم و هو يضيف :
, ـ إذن أريني كيف تصبرين٣ نقطة
,
, مسحت دموعها بكف مرتعشة، و هي بالكاد تسيطر على انفعالاتها، فواصل قائلا :
, ـ و لا تنسي أنك لست وحدك٣ نقطة لديك عائلة تحتضنك و تقف إلى جانبك٣ نقطة و٣ نقطة
, هم بأن يقول بأن هناك رجلا ينتظرها، و يمكنه أن يحميها في المستقبل و يعوضها فقيدها٣ نقطة لكنه لم يقدر٣ نقطة لا يزال جرحه طريا، ولا يتحمل المزيد من القسوة٣ نقطة أشاح بوجهه في استياء٣ نقطة من نفسه٣ نقطة يحاول إخفاء الدموع التي تداهمه٣ نقطة و لحسن حظه كانت ليلى منشغلة عنه بمصابها، سارحة في أفكارها٣ نقطة فلم تنتبه إلى التغير المفاجئ الذي انتابه٣ نقطة لكن الخالة مريم التي استيقظت على صوت حديثهما لمحته في لحظة الضعف تلك، فأطرقت في إشفاق على صغيرها الذي كتب عليه المزيد من الألم٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, وصلت إلى المستشفى و قد تجاوز الوقت الساعة السابعة بدقائق قليلة، بالكاد نامت ساعة واحدة بعد أن أوصلت فراس و الخالة مريم إلى القصر و عادت بسرعة لتطمئن على حال والدها. لولا إلحاح مرافقيها عليها لتنال قسطا من الراحة لما تركت المستشفى لحظة واحدة! عبرت الممر بخطى سريعة، و هي تكاد تسمع دقات قلبها العالية. توقفت حين رأت غرفة والدها مغلقة. بلعت ريقها بصعوبة وتقدمت في اضطراب واضح٣ نقطة طرقت على الباب بخفة ثم أدارت المقبض
, بكف مرتعش٣ نقطة أطلت لتلقي نظرة على الغرفة، و لم تكن تتوقع أن تجد أحدا٣ نقطة لكن و لدهشتها، كان والدها نائما على السرير في هدوء! دخلت بسرعة و اقتربت منه، أخذت تهزه برفق، كأنها تريد التأكد من كونه على قيد الحياة
, ـ أبي، أبي٣ نقطة أنا ليلى, هل تسمعني؟
, فتح نجيب عينيه و نظر إليها في استغراب :
, ـ ليلى؟ كم الساعة الآن؟
,
, كان يبدو على ملامحه التعب، ظهرت على وجهه علامات الهرم في الأيام القليلة الماضية٣ نقطة نظرت إليه في شوق و حب و هي تقول :
, ـ إنها السابعة٣ نقطة لكنني اشتقت إليك كثيرا، فأتيت مبكرة اليوم٣ نقطة
, لم ترد أن تخبره أنها تعلم بشأن الأزمة التي هاجمته في الليلة الماضية, ربما يريحه ذلك أكثر٣ نقطةحمدت **** في سرها كثيرا، لأنه استجاب إلى دعائها فتجاوز والدها مرحلة الخطر بسلام٣ نقطة حاولت أن تكون مبتسمة طوال الوقت و أن تبتعد عن موضوع المرض قدر الإمكان٣ نقطة و هو أيضا، لم يشأ أن يعلمها، حتى لا يعكر صفو اللحظات التي تجمعهما٣ نقطة فربما تكون الأخيرة٣ نقطة لكنها كانت تلمح في عينيه نظرة رجاء، كأنه يذكرها بالعرض الذي لم تعط قرارها بشأنه بعد٣ نقطة
, لم تكن مستعدة بعد للكلام. تنتظر أن يتعافى فراس أكثر و يتحدث إلى والده. لا يمكن أن ينسى٣ نقطة هو وعدها بالمساعدة!
, كانت متعبة جدا ذاك الصباح، فهي لم يغمض لها جفن إلا لساعة واحدة أو أقل. و الأحداث الأخيرة المضطربة لا تزال تؤثر على تركيزها.
, ذهبت إلى المزرعة بحثا عن الراحة، فلحقتها المتاعب إلى هناك٣ نقطة
, لكنها كتمت كل ذلك عن والدها و حاولت التصرف بصفة طبيعية. عند الساعة العاشرة، دخلت الممرضة إلى الغرفة مبتسمة و هي تحمل سلة طعام و باقة ورود كبيرة. تسلمتها منها ليلى في استغراب٣ نقطة أخبرتها الممرضة أن سائق عائلة القاسمي هو من أحضر السلة، فهي لم تملك الوقت الكافي لإعداد الطعام مع عم هاشم مثل كل صباح٣ نقطة لكن شخصا آخر قام بذلك عنها. ابتسمت في امتنان و هي تقرأ قصاصة الورق المصاحبة :
, "الطعام صحي مائة بالمائة، معد تحت إشراف متخصص٣ نقطة ليلى أيتها العنيدة، فكري بأخذ قسط أوفر من الراحة"٣ نقطة
, فراس كلف نفسه بالمهمة رغم إصابته الحديثة و إرهاقه٣ نقطة يا له من رجل حقا!
, انتقلت إلى الباقة ذات الورود الخلابة٣ نقطة تناولت بطاقة الإهداء و ما إن قرأت ما كتب عليها حتى اختلجت أصابعها و تسارعت دقات قلبها٣ نقطة
, "مع خالص تمنياتي بالشفاء العاجل٣ نقطة عمر"!
, استند نجيب إلى مرفقيه و استوى في جلسته و هو يقول :
, ـ ممن الهدايا؟
, تركت ما بين يديها و هي تغالب المشاعر التي راودتها في تلك اللحظة. اقتربت منه مبتسمة و قالت :
,
, ـ حين خرجت صباحا كنت مسرعة فلم أجهز سلة الطعام كالعادة٣ نقطة لكن فراس اهتم بذلك و أرسلها مع السائق٣ نقطة
, اتسعت ابتسامة نجيب في رضا و قد سره اهتمام فراس فأضاف :
, ـ و الباقة٣ نقطة هل هي منه أيضا؟
, بدا الارتباك على ليلى و هي تقول في تلعثم :
, ـ الباقة؟ لا٣ نقطة إنها٣ نقطة إنها من الدكتور عمر٣ نقطة أستاذي في جامعة باريس٣ نقطة
, مدت إليه البطاقة التي ظلت تحتضنها بين كفيها. هز نجيب رأسه و هو يعقد حاجبيه متفكرا. لم يكن الاسم غريبا عنه٣ نقطة كانت ليلى قد حدثته عنه مرات و مرات٣ نقطة عن تصرفاته و مواقفه و علاقته المتميزة مع طلبته و مكانته لديهم رغم صغر سنه. نظر إليها في شك و هو يسألها :
, جزاه **** خيرا٣ نقطة لكن كيف علم الدكتور بمرضي بهذه السرعة؟ وهل يرسل الورود إلى كل من يمرض من عائلات طلبته؟
,
, تزايد ارتباك ليلى و تجلى الاحمرار في وجنتيها بشكل يدعو إلى الريبة. لكنها أجابت محاولة التهرب :
, ـ الدكتور عمر هنا في المدينة لحضور بعض المؤتمرات العلمية٣ نقطة وقد علم عن مرضك عن طريقك سحر٣ نقطة فاتصل ليطمئن٣ نقطة
, لم يبد الاقتناع على نجيب الذي هز رأسه و هو يشجعها على المزيد من التوضيح. أحست ليلى بأنها واقعة في مأزق و لم يعد هناك فرصة للتراجع٣ نقطة بل ربما كانت تلك الفرصة المناسبة التي جاءتها دون تخطيط منها حتى تصارحه بشأن عمر٣ نقطة أخذت نفسا عميقا ثم قالت بهدوء :
, ـ أبي٣ نقطة هناك أمر ما كنت أود إخبارك عنه منذ زمن٣ نقطة قبل سفري إلى هنا٣ نقطة الدكتور عمر اتصل بي و طلب تحديد موعد معك٣ نقطة لأنه٣ نقطة لأنه يريد أن يتقدم لخطبتي٣ نقطة
, سكتت ليلى ريثما يستوعب والدها ما قيل. أما نجيب فقد نظر إليها في دهشة و هو يهتف :
, ـ لماذا لم تخبريني منذ البداية؟
,
, أجابت على الفور :
, ـ لأن الوقت لم يكن مناسبا لمثل هذه المواضيع٣ نقطة ففي اليوم نفسه فاجأتني بقرار السفر و كل ما تبعه من أحداث غريبة٣ نقطة ثم حين رجعت، لم تترك لي المجال و فاجأتني مجددا بمسألة الارتباط من فراس٣ نقطة
, سكت نجيب بدوره للحظات، ثم رفع رأسه إليها ثم نظر إلى الباقة و قال :
, ـ لم تخبريه بعد عن ارتباطك بابن خالك؟
, أطرقت في حيرة و اضطراب٣ نقطة لا يمكنها أن تصده بهذه البساطة، فهي لم تعط رأيها النهائي بعد! تابع نجيب و هو يقول بصوت واهن :
, ـ ليلى٣ نقطة أنا اتفقت مع خالك بشأن الزواج٣ نقطة حتى أننا عقدنا شراكة في الأموال أيضا، لأنني لن أجد أفضل من خالك ليهتم بالحفاظ على مالك، و لا من فراس ليحفظك و يصونك٣ نقطة
,
, هزت رأسها في تفهم٣ نقطة مع أنها لم تعد متأكدة من كون خالها الشخص المناسب بعد ما أخبرته به رجاء!
, تنهد و هو يرفع رأسها بكفه لينظر إلى عينيها و قال :
, ـ هلا أرحت قلب والدك يا حبيبتي و كفيته عناء التفكير في مستقبلك!
, جمعت أطراف شجاعتها بصعوبة، فليس من عادتها أن تعارض والدها، لكنها فرصتها الأخيرة ربما :
, ـ و لكن أبي٣ نقطة عمر تقدم إلي أولا، قبل أن أتعرف على فراس أصلا٣ نقطة و لولا ظروف السفر الغريبة لكان فاتحك في الموضوع منذ زمن٣ نقطة وقد جاء إلى هنا خصيصا ليتحدث إليك٣ نقطة أرجوك، أعطه فرصة٣ نقطة
, تأمل نجيب مطولا ملامحها التي اتضحت فيها علامات الرجاء٣ نقطة لم يعد لديه شك٣ نقطة سألها في هدوء :
, ـ أنت معجبة به؟
,
, أطرقت ليلى في حياء و قد تصاعدت الدماء إلى وجهها و ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة. تنهد والدها من جديد و ربت على كفها في حنان و هو يقول :
, ـ هل ترينه الشخص المناسب لك؟
, لم تتكلم، لكنها بعد تردد قصير هزت رأسها ببطء علامة الإيجاب، وأصابعها تلهو بطرف وشاحها في توتر. عقد نجيب حاجبيه و بدا عليه التفكير. رفعه عينيه إليها أخيرا و قال :
, ـ هل هو جاد في طلبه؟
, هزت رأسها مجددا و هي ترمقه في ترقب ثم أضافت :
, ـ إن وافقت على لقائه فسيكون عندك صباح الغد٣ نقطة
, ابتسم أخيرا و هو يقول مداعبا :
, ـ غدا صباحا! يبدو أنه مستعجل جدا٣ نقطة حسن إذن، فلننظر في أمر هذا العمر!
,
, ارتمت ليلى في حضنه و ضمته بقوة و هي تقول في حماس :
, ـ سأخبره بموافقتك على الفور٣ نقطة لقد كان هنا البارحة أيضا و رغب في لقائك٣ نقطة لكن الوقت لم يكن مناسبا٣ نقطة
, لكنها تذكرت شيئا آخر غاب عن ذهنها، فابتعدت عن حضنه قليلا وقالت في قلق :
, ـ و ماذا ستفعل مع خالي؟
, مسح على رأسها في حنو و قال مطمئنا :
, ـ اتركي الأمر علي٣ نقطة سأتحدث إليه٣ نقطة
, ابتسمت ابتسامة هادئة، لكن عقلها لم يهدأ أبدا٣ نقطة ما الذي سيحدُثُ في الأيام القادمة؟
 
٢٦


فتح عينيه ببطء و رفع رأسه بصعوبة٣ نقطة أجال بصره في المكان، يحاول التعرف عليه٣ نقطة كانت رؤيته ضبابية، لكن الأشكال بدت مألوفة٣ نقطة إنها سيارته! كان يجلس على مقعد القيادة، و رأسه مستند إلى المقود٣ نقطة أحس بألم في جبينه. رفع يده ليتحسس مكانه، فلمست أصابعه مادة لزجة متخثرة٣ نقطة إنها دماء! نظر إلى أصابعه المصبوغة باللون الأحمر في دهشة، عادت إليه حواسه رويدا رويدا، و تزايد إحساسه بالألم في أماكن مختلفة من جسده٣ نقطة و ما لبثت أن عادت إليه ذكريات الليلة الماضية٣ نقطة
, ليلى تركته و رحلت مع فراس! تلك الحقيقة الجارحة سيطرت على أفكاره حتى أنه لم يعد يرى شيئا عداها٣ نقطة عبثت به ذكرياته مع حنان في الطفولة و بداية الشباب٣ نقطة كانت حلمه في حياتها، و أصبحت هاجسه بعد مماتها٣ نقطة فراس حرمه منها مرتين٣ نقطة و هذه هي المرة الثالثة! حرمه منها حين تزوجها رغم ما يعلمه من مشاعره تجاهها٣ نقطة ثم حرمه من وجودها حوله حين قادها إلى نهايتها البشعة٣ نقطة والآن وقد عادت إليه بصورة لم يتوقعها أبدا٣ نقطة عادت أجمل و أبدع و أروع٣ نقطة يريد أن يحرمه منها مجددا!!
, انهار على الأرض و هو يحس بالضياع٣ نقطة لماذا يا فراس، لماذا؟ لماذا تجبرني على إيذائك؟ أنا لم أرد ذلك٣ نقطة لم أرد أن نصل إلى هذه الدرجة من الكراهية٣ نقطة لكنك لم تترك لي الفرصة٣ نقطة دمرت حياتي ووأدت أحلامي٣ نقطة حياتي لم يعد لها معنى٣ نقطة ضائع٣ نقطة ضائع بأتم معنى الكلمة٣ نقطة لقد حاولت أن أقتل أخي! ما الذي ألم بي حتى أفعل شيئا فظيعا كذلك؟ إنك حقا على حافة الجنون٣ نقطة على شفير هاوية سحيقة٣ نقطة نظر إلى يديه المرتعشتين في ذهول. ماذا فعلت بيديك هاتين؟ وقعت نظراته على بركة الدماء التي خلفها جرح فراس على الأرض٣ نقطة أنت فعلتها! صوت داخلي يصرخ في رأسه، يصم آذانه، يصيبه بجنون حقيقي٣ نقطة دارت نظراته في المكان، و قد أصابه الدوار٣ نقطة دوار فظيع٣ نقطة لمح الخنجر على الأرض فالتمعت في عينيه نظرة غريبة٣ نقطة زحف إليه على ركبتيه. تلطخ سرواله بدماء أخيه٣ نقطة
, أمسك الخنجر بين يديه اللتين لم تفارقهما الرعشة٣ نقطة حواسه كلها مضطربة. رفعه أمام عينيه و صور كثيرة تغلي في رأسه٣ نقطة أمسك بمقبضه الأزرق بإحكام، و قرب نصله الحاد المعقوف من معصمه الأيسر٣ نقطة الوريد٣ نقطة حنان قطعت وريدها وتركت دماءها تسيل على ملاءة السرير البيضاء٣ نقطة لا يزال يذكر المشهد كما لو أنه حصل بالأمس٣ نقطة وجهها هادئ و نظراتها خالية من الحياة٣ نقطة كأنها لم تشعر بالألم. هل الموت بتلك الطريقة خال من العذاب؟ كانت في سكينة عجيبة. اختارت طريقها. هل هي طريق مريحة؟ وضع حد النصل على معصمه و ضغط عليه برفق٣ نقطة تذكر وجه فراس حين رأى حنان مسجاة في تلك الوضعية. تذكر كل شيء٣ نقطة رآه و هو يركض نحو السرير في جزع و يهزها بعنف علها تستيقظ٣ نقطة ثم رآه و هو يسقط أرضا مغشيا عليه. فراس كان أكثر من تألم لوفاتها٣ نقطة مرض لفترة طويلة و نفسيته تأزمت. هو أيضا افتقدها٣ نقطة ربما أكثر مما كنت تتصور٣ نقطة أو أكثر مما تتحمل! حقدت عليه أكثر، لأنه لم يحافظ عليها و بعد فوات الأوان راح يبكيها!
, ضغط على النصل أكثر ليوقف الأفكار المؤلمة التي تحاصره٣ نقطة أفكار مشوشة مبعثرة متداخلة٣ نقطة لمح أولى نقاط الدم تتسلل إلى الخارج٣ نقطة ددمم أحمر قان٣ نقطة تأملها في ذهول٣ نقطة إنه لا يحس بالألم! معقول؟ هل يجد راحته في هذا؟ كان يهم بالضغط مجددا على الخنجر حين أحس بالألم يجتاحه٣ نقطة أليافه العصبية أخذت بعض الوقت قبل أن تنقل السيالة العصبية إلى المركز! إنه يحس بالألم الآن٣ نقطة توقف مترددا، ثم ما لبث أن رمى الخنجر على الأرض و قام من مكانه٣ نقطة هرول في اتجاه المطبخ. بحث عن منديل يلف به جرحه ليوقف النزيف. كان الجرح بسيطا، لا داعي للقلق٣ نقطة لف معصمه بخرقة ثم دخل إلى الحمام ليغسل يديه من آثار الدماء. نظر إلى صورته في المرآة، و ابتسم في تهكم٣ نقطة أنت جبان! نعم جبان٣ نقطة لم تقدر حتى على اللحاق بها!
, خرج و إحساسه بالسخط يسيطر عليه٣ نقطة سخط على نفسه، على حياته، على مشاعره، على ليلى و فراس! ركب سيارته و انطلق. كانت المزرعة غارقة في الظلام. لم ينبلج الصبح بعد٣ نقطة قاد السيارة بسرعة جنونية٣ نقطة إلى أين يذهب؟ لا يدري٣ نقطة ماذا يريد؟ لا إجابة٣ نقطة هل لحياتك معنى؟ ماذا تنتظر من أيامك القادمة؟ هل تستحق الحياة؟ ربما كانت النهاية٣ نقطة
, لم يشعر بنفسه إلا و هو يندفع في الظلام في طريق خالية٣ نقطة لا يرى شيئا تقريبا و حواسه شبه مفقودة٣ نقطة فجأة أحس بقوة كبيرة تهز جسده و تسحقه على المقود٣ نقطة ألم كبير هاجمه، يكاد يحطم ضلوعه٣ نقطة لم يستطع أن يصرخ، بل ربما لم يحاول٣ نقطة استسلم إلى الألم الذي ابتلع جسده المحطم٣ نقطة كأنه يهوي إلى فج عميق لا قرار له٣ نقطة و غاب عن الوجود٣ نقطة
, تحولت نظراته إلى معصمه. كان لا يزال ملفوفا في قطعة القماش، وكأن النزيف قد توقف٣ نقطة نزع المنديل عن معصمه و مسح به جبينه الذي كان يؤلمه أكثر٣ نقطة حاول استخراج جسده من المقعد. لكن بدا أن الكرسي قد ضغط بشدة إلى الأمام حتى علق جسده بينه و بين المقود!
, فتح باب السيارة الذي تحطم زجاجه تماما و أخذ يدفع بصدره إلى الخارج مستندا إلى كفه السليمة. جر نفسه بصعوبة و هو يقاوم آلامه التي لم يعد يدري مصدرها٣ نقطة وجد نفسه أخيرا ملقى على الأرض إلى جانب السيارة٣ نقطة الحمد لله تمكن من الخروج٣ نقطة رفع عينيه إلى سيارته فهاله المنظر : كانت مقدمة السيارة قد تحطمت بالكامل بعد أن ضغطت بقوة على شجرة ضخمة. لقد تعرض إلى حادث! كان ينظر حوله في ذهول و هو لا يصدق ما حصل معه. حاول الوقوف على قدميه، فأحس بألم فظيع في ساقه اليمنى٣ نقطة لا يستطيع الاستناد عليها٣ نقطة هل هو كسر؟ زحف مجددا باتجاه السيارة، بحث في الركام عن هاتفه الجوال٣ نقطة يجب أن يتصل بأحد ليخرجه من هنا! وجده أخيرا. جلس على الأرض في حيرة٣ نقطة بمن سيتصل؟ من ذا الذي سيهتم لأمره؟ من المؤكد أن الجميع متحلقون حول فراس الآن في المستشفى يطمئنون إلى سلامته٣ نقطة هل سيهمهم في شيء إن كنت على قيد الحياة أو غير ذلك؟ أنت حاولت قتل أخيك٣ نقطة لا تنس ذلك!
, نزلت دموعه على وجنتيه في صمت. ما فائدة البكاء الآن؟ أمرك منته!
, فجأة أخذ الهاتف في الرنين. التقطه في لهفة و دهشة ٣ نقطةشخص ما فكر فيه! نظر إلى الرقم في ذهول٣ نقطة رقم معروف لديه، مع أنه مر زمن طويل لم يره على شاشة هاتفه٣ نقطة غير معقول٣ نقطة لبث يحدق في الشاشة في غير تصديق، كأنه لم يعد يسمع الرنين٣ نقطة فراس! هل يرد عليه؟ كيف سيواجهه بعد فعلته تلك؟ شعر بغصة في حلقه، و انهمرت الدموع من عينيه بغزارة هذه المرة. حين انتبه من جديد، كان الهاتف قد توقف عن الرنين. وضعه إلى جانبه في أسى و غطى وجهه بكفيه.
, لا فائدة٣ نقطة لا يمكنه أن يتصل به. ستظل مرميا هنا في الخلاء حتى يعثر عليك بعض المارة٣ نقطة يمكنك أن تدعي فقدان الذاكرة، و ترحل بعيدا٣ نقطة لا فائدة من الرجوع إلى تلك العائلة. لا يهمها أمرك٣ نقطة فجأة انطلق الرنين مجددا. نفس الرقم ظهر على الشاشة٣ نقطة هذه المرة لم يستطع أن يقاوم. مد يده و أنفاسه المضطربة تتردد بسرعة في صدره٣ نقطة ضغط على زر الرد دون أن يتكلم. جاءه صوت فراس من الناحية الأخرى و هو يهتف في قلق :
, ـ أمين؟ أين أنت؟
, نظر حوله للمرة الأولى٣ نقطة كانت المراعي الشاسعة تمتد حوله بدون أي إشارة حياة٣ نقطة مكان مهجور تماما٣ نقطة لا يدري كيف وصل إليه، ولا كم مضى من الوقت منذ خروجه من المزرعة حين حصل له الحادث٣ نقطة إنه تائه حقا٣ نقطة تائه قلبا و قالبا٣ نقطة همهم بصوت شبه مسموع :
, ـ لست أدري٣ نقطة
,
, ٩ العلامة النجمية
,
, أوقفت ليلى سيارتها في المرآب و ترجلت في اتجاه الحديقة الأمامية. ارتسمت على شفتيها ابتسامة حين لمحت منال تجلس في الشرفة. لوحت لها من بعيد و هي تقترب من مكانها. مرت بضعة أيام على آخر جلسة هادئة بينهما٣ نقطة فما أصعب الأيام الماضية! حين أصبحت أمام السلم المؤدي إلى الشرفة، انتبهت إلى أن منال لم تكن تجلس بمفردها. كان فراس قد استرخى على الأريكة المقابلة و هو يضع رانيا على أحدى ركبتيه. إحساس غريب غامرها حين التقت نظراتهما. أحست بارتباكه٣ نقطة أشاح بوجهه عنها و عاد إلى ملاعبة رانيا. لكنها قالت متجاهلة ذاك الإحساس و هي تشير إلى ذراعه الموصولة إلى عنقه برباط عريض أبيض :
, ـ أنت طبيب، و مع ذلك تتجاهل توصيات طبيبك!
, ابتسم و هو يهز كتفيه في لامبالاة :
, ـ أنا بخير٣ نقطة الجرح بسيط و الطبيب يبالغ في الحذر٣ نقطة كما أن الجلوس مع حبيبتي رانيا أفضل من المكوث في السرير طوال اليوم٣ نقطة
,
, ثم أشار إليها و هو يقول بجدية :
, ـ لكن أنت من يتجاهل صحته بالكامل! تصلين الليل بالنهار و لا تفكرين بأخذ لحظة واحدة من الراحة٣ نقطة
, ارتمت على الأرجوحة القريبة في إعياء و هي تقول :
, ـ معك حق٣ نقطة إن غلبني النعاس و أنا جالسة هنا فلا يلومني أحد منكم٣ نقطة
, ثم أغمضت عينيها متظاهرة بالنوم٣ نقطة كانت منال تنقل بصرها بينهما في تعجب. بالأمس كان كل واحد منهما لا يوجه كلمة للآخر، و اليوم يتحدثان ببساطة٣ نقطة بل كأنهما صديقان قديمان! عقدت ذراعيها أمام صدرها و هي تهتف في احتجاج :
, ـ هناك شيء ما يتجاوز إدراكي المتواضع هنا٣ نقطة
, التفتت إليها ليلى في استغراب، في حين احمر وجه فراس فجأة و قال على الفور مغيرا الموضوع :
, ـ منال من فضلك٣ نقطة هلا أحضرت بعض الكعك٣ نقطة ابنتك تكاد تلتهم أصابعي من الجوع!
,
, نظرت إليه في خبث فتطلع إليها في استجداء٣ نقطة قامت في امتعاض و هي تقول :
, ـ ليلى٣ نقطة تعالي معي، أحتاج مساعدتك في إحضار العصير٣ نقطة
, تبعتها ليلى في استسلام، و ما إن وصلتا إلى المطبخ حتى بادرتها منال قائلة :
, ـ يبدو أن فكرة الزواج راقتك أخيرا!
, توردت وجنتا ليلى فجأة و لم تجب٣ نقطة لا شك أن فراس أعلمها بشأن عمر٣ نقطة هتفت منال و هي تحتضنها في فرح حقيقي :
, ـ كان يجب أن أعلم! واضح جدا من تغير ملامح فراس حال رؤيتك! كان مزاجه عكرا طوال النهار، و ما إن حضرت الأميرة حتى ظهرت الابتسامة على وجهه!
, حدقت فيها ليلى في دهشة :
, ـ منال٣ نقطة ما الذي تقولينه؟ الأمر ليس كذلك أبدا!
, غمزتها منال في خبث و هي تقول :
, ـ هل تحاولين المداراة؟ أنت أيضا تغيرت معاملتك تجاهه! أين الكلام الذي قلته عنه منذ أيام قليلة؟
,
, خفضت ليلى رأسها في خجل و هي تهمس :
, ـ أرجوك لا تذكريني في تلك السخافات٣ نقطة لست أدري كيف أعتذر منه على سوء ظني٣ نقطة
, ربتت منال على كتفها ضاحكة :
, ـ لا داعي للاعتذار الآن، صفحة جديدة بدأت٣ نقطة و حياتكما معا ستكون أفضل بالتأكيد٣ نقطة
, تنهدت ليلى و هي تقول :
, ـ منال أنت لا تفهمين٣ نقطة زواجي من فراس لن يحصل أبدا! لقد اتفقنا على رفض ذلك٣ نقطة
, عقدت منال حاجبيها في دهشة و هي تتمتم :
, ـ لم أعد أفهم شيئا٣ نقطة
, كانت ليلى قد انتهت من ملأ أكواب العصير فقالت و هي تحمل الصينية و تتوجه إلى الخارج :
, ـ ستفهمين قريبا يا عزيزتي٣ نقطة الآن هلا جهزت طبق الكعك و لحقت بي؟
,
, تابعتها منال و هي تخرج من المطبخ و في عينها نظرة غريبة٣ نقطة مستحيل، ما رأته في عيني فراس شيء آخر٣ نقطة شيء لا يمكن أن يخطئه حدسها الأنثوي ، فراس متغير منذ أيام٣ نقطة و ستعرف حتما ما وراء هذا التغيير٣ نقطة
, وضعت ليلى الصينية على الطاولة و هي لا تزال تفكر فيما قالته منال عن تغير فراس٣ نقطة نعم إنها تشعر بذلك أيضا، لكنها لم تعره اهتماما كبيرا٣ نقطة ربما لأن أشياء أخرى أهم حصلت في الأثناء٣ نقطة حين رفعت رأسها انتبهت إلى أنها و فراس كانا بمفردهما في الشرفة٣ نقطة نظرت إليه في ارتباك و هي تقول :
, ـ أين ذهبت رانيا؟
, لم يكن أقل منها ارتباكا و هو يهمهم :
, ـ ذهبت لإحضار كرتها٣ نقطة
, همت بالعودة إلى المطبخ لمساعدة منال، لكن فجأة تذكرت أمرا ما ووجدت أن الفرصة مناسبة لتسأل عنه. التفتت إليه في اهتمام وقالت وهي لا تزال واقفة :
, ـ فراس٣ نقطة أردت أن أستفسر عن أمر ما٣ نقطة في الليلة الأولى من إقامتي هنا، حصل أمر غريب٣ نقطة هل تذكر؟
, نظر إليها في انتباه و تساؤل، فواصلت :
, ـ سمعت صراخا أثناء الليل، و حين خرجت لأرى ما يحصل وجدت باب غرفتك مفتوحا و أمين يقف في الداخل٣ نقطة قال أنك ترى كوابيس عن حنان٣ نقطة لكن، لكن قبل ذلك كنت واقفة في الشرفة، و رأيت شخصا ما يتسلل إلى غرفتك عن طريق الشرفة٣ نقطة
, نظر إليها و قد بدت الدهشة على ملامحه، لكنه سرعان ما ابتسم في مرارة و هو يقول :
, ـ إذن رأيت ذلك!
, هتفت ليلى في لهفة و حماس :
, ـ إذن كان ذلك حقيقيا و ليس تهيؤات كما ادعى أمين!
, هز فراس رأسه موافقا و هو يقول :
, ـ نعم٣ نقطة كان ذلك أمين!
, ـ أمين!!
,
, ـ نعم٣ نقطة بعد وفاة حنان، كان يبحث عن مذكراتها المفقودة٣ نقطة كنا جميعا نعلم أنها تكتب مذكراتها في كراس صغيرة٣ نقطة و بحثنا عنها جميعا لأننا اعتقدنا بأنها قد تكون كتبت فيها عن أسرار انتحارها. أمين كان يعتقد أنني أخفيت المذكرات لأن فيها ما يثبت تورطي في قضية انتحارها٣ نقطة و لبث يطاردني باتهاماته طويلا دون أن ييأس٣ نقطة في ليلة قدومك إلى هنا، تعمد أن يذكر حنان و ماضيها أمامي حتى يستفزني. كان يعتقد أن استثارة ذكرياتي عنها سيجعلني أخرج المفكرة من مخبئها!! كان قد فتش غرفتي مرات قبل ذلك دون جدوى٣ نقطة وأعاد الكرة في تلك الليلة٣ نقطة كنت قد أويت إلى النوم، لكن نومي كان مضطربا بسبب٣ نقطة بسبب ظهور نسخة من حنان أمامي فجأة٣ نقطة
, قال ذلك و هو يبتسم في خجل، ثم واصل :
, ـ استيقظت أثناء الليل و تناولت منوما٣ نقطة فقد كنت أعاني السهاد منذ زمن، لكن بصفة متقطعة٣ نقطة حين فتحت عيني للمرة الثانية، رأيت شبحا يتجول في غرفتي بمصباح يدوي! حين انتبه إلى استيقاظي التفت إلي و أخذ يطالبني بإعطائه المذكرات٣ نقطة كان في حالة من الهيجان الشديد، في حين كنت نصف نائم، لذلك كانت موازين القوى مختلة! حين لم ير مني التجاوب المطلوب، دفعني بعنف٣ نقطة و كان مفعول المنوم قد أخذ بدأ يظهر في جسدي، فسقطت على السرير و فقدت وعيي على الفور٣ نقطة
,
, همهمت ليلى متفكرة :
, ـ هكذا إذن٣ نقطة
, ثم أضافت في تساؤل :
, ـ أمين كان ليفعل المستحيل حتى يحصل على المذكرات٣ نقطة و أنت؟ ألم يكن لديك فضول لمعرفة ما كتبت حنان في كراسها؟ كيف تخليت عنها بكل سهولة حين طلبها منك ياسين؟
, فاجأه سؤالها مجددا. نظر إليها بصمت للحظات، ثم أشاح بوجهه و هو يقول في حزن :
, ـ نعم٣ نقطة الجميع كانوا متشوقين لقراءة مذكراتها٣ نقطة لكن أنا٣ نقطة كنت خائفا٣ نقطة خائفا مما قد تكون كتبته عني٣ نقطة و عن حياتها بعد زواجنا٣ نقطة فقد تعذبت بما فيه الكفاية دون أن أقرأ شيئا٣ نقطة فكيف سيكون حالي إن قرأت ما يؤكد ذنبي تجاهها؟
, أطرقت ليلى في تأثر و هي تتذكر مجددا كلمات حنان٣ نقطة نعم، كانت كلماتها قاسية، و لا شك أنها كانت لتكون مدمرة بالنسبة إليه٣ نقطة
, قال فراس مغيرا الموضوع :
,
, ـ هل علمت أن أمين في المستشفى؟
, رفعت رأسها في اهتمام و استغراب٣ نقطة لم تكن قد سمعت عن أمين شيئا منذ حادثة الليلة الماضية :
, ـ أمين؟ ما الذي حصل؟
, ـ تعرض إلى حادثة الليلة الماضية٣ نقطة لم ينتبه إلى الطريق٣ نقطة و لا يعلم أين هو! ذهب ياسين مع العم صابر للبحث عنه٣ نقطة وجدوه في طريق مهجورة غير بعيدة عن المزرعة و نقلوه إلى المستشفى عند الظهر٣ نقطة أصيب بكسور في مستوى الضلوع و الساق اليمنى٣ نقطة سيكون بخير بعد بضعة أيام إن شاء الله٣ نقطة
, تنهدت ليلى في ارتياح٣ نقطة طالما لم تصب الأعضاء الحيوية بضرر فهو بخير إن شاء الله٣ نقطة ذاك الفتى المتهور٣ نقطة كانت ليلة صعبة على الجميع٣ نقطة إصابات عديدة٣ نقطة فراس و والدها، ثم أمين٣ نقطة لكنها مرت بسلام و الحمد لله٣ نقطة
, ارتفع رنين هاتف فراس الجوال. نظر إلى الرقم ثم قال مبتسما :
, ـ إنه الدكتور جمال٣ نقطة أحد أصدقائي في المستشفى٣ نقطة ربما يحمل أخبارا عن حالة أمين٣ نقطة مرحبا جمال٣ نقطة طمئنني، كيف الأحوال؟
,
, راقبته ليلى و هو يستمع إلى محدثه في اهتمام متزايد٣ نقطة رأت ابتسامته تتلاشى مع تدفق الكلمات إلى أذنيه، و علامات الانقباض تحتل ملامحه٣ نقطة لم ينطق بكلمة إضافية، بل أنهى المكالمة في هدوء، وسرحت نظراته الذاهلة للحظات٣ نقطة هتفت ليلى في قلق :
, ـ فراس٣ نقطة ماذا هناك؟
, كانت منال قد وصلت حاملة طبق الكعك، و ضعته على الطاولة و هتفت في مرح :
, ـ آسفة إن كنت تأخرت عليكم٣ نقطة
, لكنها بترت عبارتها و هي تلمح الوجوه الواجمة. جلست إلى جوار ليلى وهي تتساءل :
, ـ ماذا هناك؟
, ـ فراس٣ نقطة ما الأمر؟ أمين بخير؟
, كانت علامات التردد واضحة على وجهه، يبحث عن الكلمات المناسبة٣ نقطة
, نظر في عيني ليلى و قال و هو يحاول أن يكون هادئا :
, ـ ليلى٣ نقطة هل تذكرين حديثنا هذا الصباح؟
,
, حدقت فيه في دهشة و تساؤل، فأردف موضحا :
, ـ عن الصبر و الاحتساب عند الابتلاء٣ نقطة
, هزت رأسها ببطء و قد أخذت العبرات تتجمع في عينيها. واصل في صوت راح يتهدج :
, ـ و أنت مؤمنة و قوية٣ نقطة و ترضين بقضاء الله٣ نقطة أليس كذلك؟
, لم تكن تحتاج إلى المزيد من الكلمات كي تفهم قصده. سالت الدموع على وجنتيها في صمت. لم يقاوم دموعه هو الآخر فأشاح بوجهه ليخفي عبراته عنها و هو يتابع :
, ـ هاجمته نوبة حادة بعد خروجك بقليل٣ نقطة لكنه لم يصمد أمامها هذه المرة٣ نقطة الفريق الطبي فعل ما بوسعه، لكن لا راد لقضاء الله٣ نقطة
, نزل عليها الخبر كالصاعقة٣ نقطة انتهى كل شيء٣ نقطة انتهى! إنها الآن بدون عائلة٣ نقطة فقدت مصدر طاقتها الأخير و الوحيد٣ نقطة لا ليس الوحيد٣ نقطة هزت رأسها موافقة و تمتمت بشفتين مرتجفتين :
, إنا لله وإنا إليه راجعون٣ نقطة إنا لله وإنا إليه راجعون٣ نقطة
, أشار فراس إلى منال التي ظلت تراقبهما في ذهول و قد عقدت الصدمة لسانها، فاحتضنتها في حنان و تركتها تبكي على صدرها في هدوء٣ نقطة أما فراس فقد أطرق في حزن، و هو يحس بأن الموقف سيزداد تأزما٣ نقطة تذكر حواره مع والده منذ سويعات قليلة فاختلج قلبه في صدره٣ نقطة لكنه سيقف إلى جانبها و يساندها٣ نقطة مهما حصل٣ نقطة
, رفعت رأسها و قد تمالكت نفسها و قالت في هدوء عجيب :
, ـ أريد أن أراه٣ نقطة
, هز رأسه موافقا و هو يقوم لاستدعاء السائق٣ نقطة كان **** في عونك يا ليلى٣ نقطة
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
٢٧


أشرقت شمس يوم جديد على قصر آل القاسمي. تسللت أشعتها الدافئة لتداعب الجفون و الأجساد التي أنهكها السهر، لكنها لم تتجاوز حواجز الحزن ٣ نقطة التي غلفت القلوب و خلفت فيها آثار الصقيع
, لم تنم ليلى. فبعد زيارتها الأخيرة لوالدها في المستشفى و رؤيتها لجثته الباردة المسجاة بدون حراك، أدركت أن مرحلة جديدة من حياتها على وشك البدء. مرحلة البحث عن الاستقرار٣ نقطة و الأمان. كانت تثق بأن **** لن يهملها، بعد أن توكلت عليه بكل جوارحها٣ نقطة و عليها الآن أن تنظر في قراراتها المستقبلية و شؤون حياتها الخاصة بحكمة و صبر و تأن٣ نقطة لن تدع الحزن يعصف بها و يشغلها عن واجباتها٣ نقطة نعم واجباتها تجاه والدها، و تجاه نفسها٣ نقطة ألم تعده بأن تكون قوية و مسؤولة؟ و قد آن أوان البره ٣ نقطة ان
, لم ينم نبيل. مشاغل كثيرة تنتظره. يجب أن يعد لصهره و صديقه القديم جنازة مناسبة، تليق بمقام العائلة الرفيع و تترك أثرا في نفوس الناس٣ نقطة و خاصة في نفس ليلى. يجب أن يكسب ودها و رضاها، حتى تحس أنها محاطة بعائلة تحبها و تحميها. يجب أن يؤكد لها انتماءها إليهم٣ نقطة الآن، وفيما بعد! وفاة والدها ستؤخر زواجها من فراس، لكنها ستعمق في نفسها حاجتها إلى العائلة، و هو سيحرص على إعطائها ما تحتاجه. إنه أقل ما يمكنه فعله تجاه ابنة أخته اليتيمة٣ نقطة تذكر حنان٣ نقطة كان زواجها من فراس خطأ فادحا٣ نقطة كل شيء سار بشكل خاطئ٣ نقطة لكنه متأكد من سلامة الطريق هذه المرة
,
, لم ينم أمين أيضا٣ نقطة كان قد عاد إلى القصر في المساء، بعد أن عولجت جراحه و جبرت كسوره٣ نقطة لكن إحساسا بالذنب لم يفارقه. مكالمة فراس كانت حبل النجاة الذي أنقذه في الوقت المناسب. أنقذه من نفسه ومن الضياع الذي كان على مشارفه٣ نقطة أعاد إليه إحساسه بالانتماء إلى عائلة وجعله يعيد حساباته بخصوص علاقته مع أخيه، شقيقه الذي لا يكبره إلا بثلاث سنوات. رغم سوء علاقتهما وتراكم الخلافات بينهما، فراس قلق بشأنه٣ نقطة فكر فيه ولم يتردد في الاتصال للاطمئنان. كم مضى من الوقت لم يحس فيه بالاهتمام من أحد؟ لكن حين وجد نفسه في مأزق، جاءه الاهتمام من حيث لا يحتسب٣ نقطة
, ياسين اكتفى بتعنيفه على تهوره. لكنه أحس باهتمامه هو الآخر٣ نقطة لولا ذاك الاهتمام لما ترك أعماله و خرج للبحث عنه. ربما كان مخطئا في تقديره لمشاعر إخوته تجاهه. و ربما كانت الفرصة مناسبة لإضفاء بعض الدفء على العلاقات٣ نقطة لكن ما يحزنه، هو والده! حين فتح عينيه لم يجده أمامه في المستشفى، كما تعود أن يرى في الأفلام و المسلسلات! و حين عاد إلى القصر، لم يكن موجودا٣ نقطة ربما لم يلاحظ غيابه أصلا٣ نقطة مسؤولياته الكثيرة تأخذ الكثير من وقته٣ نقطة بل كل وقته! تناول عشاءه وحيدا في غرفته، فهو لم يكن قادرا على الحركة٣ نقطة علم من العم صابر بمأساة والد ليلى، لكنه لم يجد في نفسه الشجاعة لمواساتها. لا يزال خجلا من تصرفاته الصبيانية المتهورة في الليلة الماضية٣ نقطة ربما عليه أن ينزوي عنهم جميعا لبعض الوقت، ريثما يستعيد قدرته على ٣ نقطة المواجهة
, فراس لم ينم هو الآخر٣ نقطة لكن مشاعره كانت مختلفة٣ نقطة يعيش حالة من التمزق، بين حزنه على ليلى وخوفه من تصرفات والده المرتقبة٣ نقطة وبين خوفه عليها من مشاعرها واندفاعها نحو مستقبل مجهول٣ نقطة
, في لحظات، تغيرت نظرته إلى الأمور. البارحة، حين علم بتعلقها بشخص آخر، عاهد نفسه على مساعدتها برفض الزواج المفروض من والديهما. حين قرر ذلك، كان والدها لا يزال على قيد الحياة. كان لديها مصدر حماية، ينظر في المتقدم إليها بعين الحكمة و لا يدعها تتسرع في قرارها٣ نقطة تلجأ إليه إن حصلت خلافات بينها و بين زوجها في المستقبل و تجد في حضنه المواساة و الأمان٣ نقطة لكن الآن، كل شيء تغير! أصبحت الأمور أكثر تعقيدا٣ نقطة لم يعد واثقا من أن زواجها من ذاك الشخص المجهول هو القرار المناسب! لا يعلم عنه سوى أن مشاعرها متعلقة به. لكن قرارها هذا يعني سفرها إلى بلاد غريبة. حيث لا عائلة لها و لا سند٣ نقطة حيث لا يمكنها أن تشكو إلى أحد و لا تجد من يقف إلى جانبها إن دارت عليها الدوائر٣ نقطة لكن٣ نقطة إن بقيت هنا٣ نقطة معه هو، ستكون في أمان٣ نقطة سيحميها من الجميع، و من نفسها٣ نقطة هل تعتقد ذلك حقا يا فراس؟ لم يكن واثقا٣ نقطة لا أحد يعلم ما الذي تخفيه الأيام القادمة٣ نقطة لكن مشاعره لم ترض بالبقاء حبيسة صدره، و هاهي تعلن الثورة و تطالب بحقها في الوجود٣ نقطة
, خرج من غرفته بعد أن أراح جسده لسويعات قليلة بعد أذان الفجر. إنه يوم جديد٣ نقطة و بداية مرحلة جديدة في حياته٣ نقطة و حياتها. أمامه بعض الوقت حتى تنقضي أيام العزاء، ليرتب أفكاره و يحدد مساره.
, حيا العم صابر الذي اعترضه في الممر. رآه يتوقف عند باب ليلى. هم بالعودة ليطمئن على حالها، لكن حين رأى الباب يفتح حث خطواته بسرعة في اتجاه السلم٣ نقطة لا يريد أن يرى الحزن في عينيها، و هو لا يملك أن يفعل شيئا من أجلها٣ نقطة لذلك فضل الهروب! كان في اتجاهه نحو الشرفة حين سمع صوتا حازما يناديه:
, فراس٣ نقطة
, التفت ليجد والده يقف عند باب المكتب و يطالعه بنظرات صارمة:
, هلا تبعتني إلى المكتب؟ أحتاجك قليلا٣ نقطة
, تنهد و هو يعود أدراجه في اتجاه المكتب. لا تزال آثار المشادة الكلامية الأخيرة بينهما تحز في نفسه. و هو يعلم يقينا بأن الموضوع سيتكرر، و الحوار المتعب نفسه سيثقل كاهله أكثر من ذي قبل٣ نقطة لأن صراعا جديدا نشأ في نفسه، و يخاف أن تهتز ثقته و يطيع مشاعره التي توافق رغبات والده٣ نقطة
, وقف نبيل وراء المكتب و على وجهه علامات الاهتمام و الجدية. بعد صمت قصير قال:
, فراس٣ نقطة لا أريد أن أعيد عليك الكلام الذي قلته سابقا، لكن المسألة أصبحت أكثر دقة و خطورة٣ نقطة لذا سأكون أكثر وضوحا و شفافية٣ نقطة
, لم يعلق فراس الذي وقف واضعا كفه الطليقة في جيب سرواله متظاهرا باللا مبالاة. : تنهد نبيل و هو يواصل
, ـ ربما يجب أن أعلمك بكل ما يحصل٣ نقطة ثم يمكنك أن تتخذ قرارك بعد التفكير فيما سأقوله٣ نقطة ليلى الآن شابة ثرية٣ نقطة و من المؤكد أن الأطماع ستكثر حولها و يتقدم لخطبتها الكثيرون ممن يضعون أعينهم على ثروة والدها٣ نقطة و قد تفكر بالعودة إلى فرنسا٣ نقطة لكن أنا و المرحوم نجيب٣ نقطة كان بيننا عقد شراكة. و بوفاته، أصبحت ليلى شريكتي في نصف المعمل الجديد. العقود وقعت منذ فترة قصيرة، والعمل قد بدأ للتو. نجيب يمتلك السيولة الكافية للتجهيز، و أنا أمتلك الخبرة و البناية و اليد العاملة٣ نقطة و إن تزوجت ليلى من شخص غريب فقد يقنعها بفض الشراكة التي بيننا حتى يستثمر الأموال بعيدا عنا٣ نقطة أو ليسلبها إياها بدون أي وازع أو رقيب٣ نقطة ٣ نقطة فكر جيدا في الأمر
, نظر إليه فراس في حيرة. عادت إليه كلمات ليلى عما أخبرتها به رجاء. حسابات الشركة بعد زواجه من حنان. الوصاية. الأزمة المالية٣ نقطة و هاهو نبيل القاسمي أمامه، يؤكد أهمية المال في هذا الزواج٣ نقطة هل هو اعتراف ضمني بما ينسب إليه من اتهامات؟ هل هو حرص حقيقي على ثروة ليلى٣ نقطة أم طمع و استغلال؟
, سكت نبيل قليلا، ثم واصل بصوت أكثر لينا:
, ـ ليلى الآن أمانة في رقبتي٣ نقطة أنا مسؤول عنها بعد والدها و لا يمكن أن أترك للغرباء فرصة العبث بها٣ نقطة ليلى يجب أن تبقى بيننا و تستقر معنا٣ نقطة حتى نحميها و نحمي أموالها٣ نقطة أليس كذلك؟ فهل ستتخلى عن ابنة عمتك و هي في هذه الظروف الصعبة؟
, رفع فراس عينيه إلى والده في دهشة متزايدة٣ نقطة كأنه يذكره بما فعله مع حنان، و بتضحيته في ذاك الوقت! حينها لم يضغط عليه أحد. اختار طريقه بنفسه٣ نقطة مع أنه كان معاكسا لرغباته و مشاعره وطموحاته٣ نقطة ٣ نقطة أما الآن
, استطرد نبيل بصوت حان و هو يرى علامات التأثر على وجه ابنه:
, ـ صدقني، ليلى مختلفة جدا عن حنان٣ نقطة فتاة يتمناها كل شاب. ويتمناها كل والد لابنه٣ نقطة أنت ظلمت نفسك بزواجك من أختها. لكن تأكد من أنك تتخذ القرار الصحيح هذه المرة٣ نقطة
, واجهه فراس بنظرات جامدة، تخفي ما في صدره من انفعالات عنيفة، وقال في تحد:
, ـ إلى أي مدى يمكنك المضي من أجل الحفاظ على مصلحة الشركة؟
, عقد نبيل حاجبيه و هو يطالع فراس في شك و ريبة:
, ـ ما الذي تقصده؟
, نظر إليه فراس في قوة و قال:
, أليس الغرض الرئيسي من هذا الزواج مصلحة الشركة؟ و في السابق، ألم توافق على زواجي من حنان من أجل مصلحة الشركة؟ إن كنت مقتنعا بأنها لا تناسبني لماذا لم تنصحني؟ لماذا لم تمنعني؟ أم لأن مصلحة الشركة تقتضي ذلك؟!
, تجهم وجه نبيل و هو يقول مدافعا:
, ـ زواجك من حنان كان خطأ، خطأ فادحا٣ نقطة و جميعنا نتحمل مسؤوليته، و قد فعلنا بما فيه الكفاية٣ نقطة لكن زواجك من ليلى سيكون في مصلحة الجميع٣ نقطة مصلحة ليلى، و مصلحتك٣ نقطة و مصلحة العائلة٣ نقطة
, هز فراس رأسه في عدم اقتناع و قال:
, أنا آسف يا والدي٣ نقطة أعلم أن طاعتك علي واجبة٣ نقطة لكن ليس في أمر كهذا٣ نقطة لا يمكنني أن أوافقك على إجبارها على هذا الزواج٣ نقطة دعها تختار بنفسها، و لا تتدخل في قرارها٣ نقطة إنها عاقلة راشدة، وتعرف حقوقها جيدا٣ نقطة ٣ نقطة ليست في حاجة إلى وصاية من أحد
, و أضاف و هو يشيح بوجهه:
, يجب أن تعلم ليلى بكل شيء٣ نقطة و أن لا تجبرها على أي شيء٣ نقطة وإلا٣ نقطة فأنا سأظل رافضا!
, قال ذلك و اندفع في اتجاه الباب٣ نقطة كانت دموع قهر قد تجمعت في مقلتيه٣ نقطة صورة والده التي اهتزت في عينيه اليوم. هل أعمى بصيرته الطمع؟ لطالما كان بالنسبة إليه الأب الحاني و إن أخذته المشاغل بعيدا عن أولاده. لم يشك يوما في مشاعره تجاههم. لكنه الآن لم يعد يفهم٣ نقطة بل لا يريد أن يستسلم للأفكار الجديدة التي بدأت تتسلل إلى قلبه و عقله٣ نقطة ٣ نقطة فليترك له فرصة أخيرة ليثبت العكس
, فتح الباب بقوة، ففوجئ بها تقف خلفه. نظر إليها في دهشة. كانت علامات الإرهاق بادية على وجهها٣ نقطة ٣ نقطة سهاد و حزن و تعب
,
, ـ أنت بخير؟
, نظرت ليلى إلى وجهه المكفهر لبرهة ثم هزت رأسها ببطء و هي تقول في ارتباك:
, هل خالي بمفرده في المكتب؟ طلب مجيئي منذ قليل٣ نقطة
, أفسح لها المجال لتمر إلى الداخل و تغلق الباب خلفها. وقف في مكانه و علامات التوتر تكسو ملامحه٣ نقطة منذ متى تقف أمام الباب؟ هل سمعت جزءا من حوارهما؟ كان صوت صراخه عاليا٣ نقطة لم يتحكم جيدا في أعصابه. تنهد في ألم٣ نقطة لم يعد ذلك مهما الآن، فمن المؤكد أن والده قد استدعاها إلى المكتب ليتحدث إليها في الموضوع! ألا يمكن أن ينتظر بعض الوقت؟ الرجل لم يوارى الثرى البعد! تنهد مجددا و هو يهز رأسه في أسف٣ نقطة ربما يكون مخطئا٣ نقطة ربما ليس والده بذاك السوء٣ نقطة مهما بلغ به الحرص على مصلحة الشركة فلن يتحدث إلي ليلى الآن٣ نقطة يا رب٣ نقطة لا يزال هناك بصيص أمل ٣ نقطة و إن كان ضئيلا٣ نقطة
, توجه إلى الشرفة بخطى متثاقلة. جلس على الأرجوحة، مكانها المفضل. أغمض عينيه و ترك جسده يتهادى مع نسق الأرجوحة البطيء٣ نقطة متعب٣ نقطة متعب جدا من كل ما يحصل معه و حوله في هذه الفترة٣ نقطة كانت حياته هادئة، و إن لم تكن سعيدة٣ نقطة لكنها كانت رتيبة و مستقرة. من أين له بالاستقرار الآن؟
,
, فتح عينيه فجأة، لم يدر كم مر عليه من الوقت هناك٣ نقطة ربما كان قد غفا! كان ما أيقظه رنين هاتف قريب٣ نقطة تلفت حوله باحثا عن مصدره. لم يكن هاتفه٣ نقطة كان الصوت قادما من تحت الأرجوحة. انحنى ليلتقط مصدر الإزعاج٣ نقطة أمسكه بين يديه في دهشة، إنه هاتفها! لم يكن ليخطئ لونه الوردي الأنثوي! و بسرعة عاد إلى ذاكرته مشهد وقوفها في ممر المستشفى، و هي تحتضن الهاتف في شاعرية. اعتصر الألم قلبه٣ نقطة و سرح للحظات مع أحلامه الموءودة في المهد٣ نقطة لكنه سرعان ما انتبه إلى أن الهاتف لا يزال يرن في يده. وقف و خطا إلى الداخل في اتجاه البهو، ليعيد إليها هاتفها. توقف فجأة٣ نقطة هل تراها انتهت من لقاء المكتب؟ كان الباب مغلقا. ربما كانت في الداخل٣ نقطة و ربما عادت إلى غرفتها. الهاتف لا يزال يرن، لكنه قد يتوقف في أية لحظة٣ نقطة شيء ما جعله يعود أدراجه. راوده إحساس بأنه يعرف من المتصل رغم أن الرقم لم يكن مسجلا على الهاتف. ربما كانت فرصته٣ نقطة فرصته ليتعرف على حبيبها و يختبر كفاءته! نعم، لا يمكنه أن يوافقها على قرارها بسهولة قبل أن يتأكد من أن الآخر يستحقها! هكذا فكر٣ نقطة و دون تردد، ضغط على زر الرد و قال بصوت واثق:
, مرحبا٣ نقطة
, أحس بارتباك مخاطبه الذي قال بصوت مضطرب:
, السلام عليكم٣ نقطة
, و عليكم السلام و رحمة الله٣ نقطة
,
, يحاول تحليل نبرات صوته و أسلوبه٣ نقطة لا شك أنه هو٣ نقطة غريمه
, ـ أليس هذا هاتف الآنسة ليلى كامل؟
, ـ نعم هذا صحيح٣ نقطة لكن ليلى لا يمكنها الرد في الوقت الحالي. هل من رسالة تريد أن أوصلها إليها؟
, يحس بتفوقه مع كل كلمة. إنها ابنة عمته هو، و تقيم في مكان واحد معه هو، و هاتفها بين يديه هو! أما أنت أيها الغريب، فمن تكون وما مدى علاقتك بها؟ اختنقت ثقته فجأة و هو يصل بتفكيره إلى نقطة الضعف٣ نقطة ربما تفوقت عليه في كل هذا٣ نقطة لكنه هو ملك قلبها! و أنت خسرته!
, عاد إلى مخاطبه و هو يحس ببعض المرارة٣ نقطة سمعه و هو يقول في توتر: ـ في الحقيقة، كنت على موعد معها٣ نقطة أقصد مع والدها، اليوم٣ نقطة لكنه لم يكن في الموعد٣ نقطة ٣ نقطة أرجو أن يكون المانع خيرا
, قال فراس بأسى واضح، على حالها٣ نقطة : و حاله
, ـ عمي نجيب توفي مساء البارحة٣ نقطة ٣ نقطة البقاء لله
, ظهرت علامات الدهشة في صوت المتكلم و هو يقول في صدمة جلية:
,
, السيد نجيب كامل؟ لا إله إلا الله٣ نقطة ٣ نقطة إنا لله وإنا إليه راجعون
, : بادره فراس و هو يقول
, ستقام الجنازة اليوم بعد العصر٣ نقطة ٣ نقطة يمكنك المجيء إن أردت
, نعم طبعا٣ نقطة
, أملى عليه فراس العنوان، ثم قال على الفور:
, إن وجدت صعوبة في إيجاد المكان أستاذ٣ نقطة
, عمر!
, ـ تشرفنا أستاذ عمر٣ نقطة إن وجدت صعوبة في الوصول، يمكنك الاتصال بي على هاتفي الخاص، سأكون في استقبالك٣ نقطة
, ـ عذرا، لكن من المتكلم؟
, : أجاب بثقة
, فراس القاسمي٣ نقطة ٣ نقطة ابن خالها
, أخذ عمر منه الرقم شاكرا، ثم أنهى المكالمة. تنهد فراس و هو يجلس على الأرجوحة من جديد. ربما لم يكن من حقه أن يرد على مكالماتها الخاصة، لكنه مسؤول عنها الآن٣ نقطة و هو من اختار هذه المسؤولية! ومسؤوليته تفرض عليه أن يتأكد من كون الرجل الذي اختارته مناسبا لها٣ نقطة تنهد مجددا و هو يتأمل الهاتف في كفه. أصبحت التنهيدات تتردد في صدره أكثر من الأنفاس هذه الأيام٣ نقطة يخاف أن تكون مشاعره هي التي تقوده في تلك الطريق٣ نقطة لكنه لم يعد قادرا على التراجع٣ نقطة
, أيقظه صوت منال من أفكاره، و هي تهتف:
, والآن؟
, رفع رأسه ليجدها تقف أمامه عاقدة ذراعيها أمام صدرها، فقال في استغراب:
, ـ ماذا الآن؟
, قالت وهي تضيق عينيها كمن يحاول سبر أغوار نفسه:
, ـ لا تحاول أن تقنعني بأنك لم تكن تفكر في صاحبة الهاتف! والآن، ماذا ستفعل؟
, نظر إليها في حيرة و قال:
, ماذا سأفعل بشأن ماذا؟
, هتفت في حزم:
, ـ بشأن الزواج طبعا! ليلى أخبرتني أنكما اتفقتما على الرفض٣ نقطة لكن ما أراه يوحي إلي بأشياء أخرى!
,
, امتقع وجهه و هو يردد في ارتباك:
, ـ أشياء أخرى؟
, ـ إلى متى ستظل تردد كلماتي؟ نعم أشياء أخرى! و ما وجهك الملون هذا إلا دليل واضح عليها!
, خفضت صوتها لتقول بعطف أكبر:
, ـ هل ستظل تخفي مشاعرك عنها طويلا؟ إنها في حاجة إليك الآن٣ نقطة وأنت أيضا في حاجة إليها!
, أطرق و لم يعلق. لم تكن تنقصه سوى تحليلات منال حتى يفقد ذرات المقاومة القليلة المتبقية! : تابعت منال في حماس
, ـ لا يجب أن تقف متفرجا! ! تقرب منها حتى تحس بك
, أشاح بوجهه في ألم و قال:
, ـ أنت لا تعلمين شيئا يا منال٣ نقطة ٣ نقطة الأمر ليس بتلك البساطة
, أجابت في عناد:
, ـما أعلمه هو أنكما مناسبان لبعضكما البعض جدا٣ نقطة و هناك مشاعر من الطرف الأول٣ نقطة و ليس من الصعب أن تتولد مشاعر من الطرف
, الثاني، طالما كان هناك قبول، و محاولات من الطرف الأول٣ نقطة
,
, ابتسم في سخرية و هو يقول:
, و ماذا لو كان الطرف الثاني غير مستعد لتقب ل تلك المحاولات؟
, !نتسلل إلى قلبه رويدا رويدا!
, رفع رأسه و هو يقول في استسلام:
, لا يا منال٣ نقطة لا يمكنني أن أفرض نفسي عليها٣ نقطة لا أريد أن أشكل ضغطا إضافيا٣ نقطة
, لم تجبه منال و لكنها هتفت فجأة و هي تنظر باتجاه المدخل:
, ليلى٣ نقطة كيف حالك يا حبيبتي؟
, تسارعت دقات قلب فراس و هو يراها تقترب. هل سمعت شيئا؟ ما الذي دهاه حتى يساير منال في كلامها! بهذه الطريقة سيورط نفسه عاجلا أم آجلا! لم تكن ملامحها أقل إجهادا مما كانت عليه حين رآها أمام المكتب٣ نقطة أي حديث تراه كان بينها و بين والده منذ قليل؟
, توجهت منال نحوها و احتضنتها في ود. في حين بقي فراس ساكنا، والتوتر يحرق أعصابه التالفة. ابتسمت ليلى ابتسامة شاحبة تعبيرا عن امتنانها، ثم نظرت إلى فراس و هي تقول في صوت هادئ:
, ـ كنت أبحث عن هاتفي٣ نقطة ٣ نقطة يبدو أنني نسيته هنا ليلة البارحة
, نظر فراس إلى حيث تشير، فانتبه إلى أنه كان لا يزال يلهو بهاتفها بين أصابعه٣ نقطة : مده إليها في ارتباك و هو يقول
,
, وجدته تحت الأرجوحة٣ نقطة ٣ نقطة كنت سأعيده إليك
, ابتسمت و هي تأخذه شاكرة٣ نقطة ثم انصرفت دون أن تضيف كلمة واحدة. تابعها بنظراته في صمت حتى اختفت في الداخل. ربما كان عليه أن يخبرها عن الاتصال. لكنه لم يفعل! نظرت إليه منال في عتاب، و قالت:
, ألم يكن بوسعك أن تكون أكثر حرارة؟ البنت فقدت والدها البارحة! حاول أن تشعرها بوجودك إلى جانبها بأية طريقة!!
, هز كتفيه في استهانة، و استرخى على الأرجوحة٣ نقطة بعد ساعات قليلة سيتوافد المعزون على القصر و سيمتلئ المكان بالخلق، ممن عرف
, المُتَوَفَّى و من لم يعرفه٣ نقطة أغمض عينيه مجددا و سرح بعيدا٣ نقطة يفكر في لقائه المنتظر٣ نقطة ٣ نقطة بعد العصر
 
٢٨


جلست ليلى على طرف السرير في شرود. لم تستطع منع نفسها من التفكير في كل ما سمعته هذا الصباح. خالها كان حانيا و متلطفا معها حين ناداها للقائه في المكتب. أعلمها بكل الإجراءات التي اتخذها لتكريم والدها و نقله إلى مثواه الأخير٣ نقطة لكنها لم تستطع أن تصدق علامات التأثر البادية على وجهه بعد ما سمعته٣ نقطة لم تقصد التجسس على حديثه مع فراس. لكنها كانت هناك، أمام الباب، تهم بطرقه و الدخول. تسمرت في مكانها و هي تسمع هتاف فراس المختنق : "أليس الغرض الرئيسي من هذا الزواج مصلحة الشركة؟" تراجعت و قد جفلت أوصالها٣ نقطة لم يكن الصوت واضحا جدا خلف الباب المغلق و كلمات خالها الهادئة غابت عن مسامعها تماما. لكنها ميزت بضع كلمات أخرى حين ارتفع صوت فراس من جديد : "يجب أن تعلم ليلى بكل شيء٣ نقطة وأن لا تجبرها على أي شيء٣ نقطة و إلا فأنا سأظل رافضا!". رنت تلك الكلمات في أذنيها من جديد فابتسمت في حزن٣ نقطة فراس يقف إلى جانبها و يحاول مساعدتها حتى لو اضطر إلى الوقوف في وجه والده! لا تملك سوى أن تكبر موقفه النبيل٣ نقطة
, تذكرت ملامحه الممتقعة منذ قليل. كان مرتبكا و هو يمد يده إليها بالهاتف. تصرفاته بدت غريبة في الفترة الأخيرة٣ نقطة لا يمكنها أن تنكر أن فراس كان غريبا على الدوام، منذ عرفته! تحس بأنه لم يتماثل بعد إلى الشفاء بعد صدمة وفاة حنان المؤلمة و الأزمة التي عرفها بعدها٣ نقطة ثلاث سنوات كاملة لم تكن كافية لاستعادته التوازن الكامل٣ نقطة
, سرعان ما نسيت أمر فراس و تذكرت مشكلتها العويصة التي عليها مواجهتها بكل رباطة جأش٣ نقطة تناولت هاتفها و هي تحس برغبة ملحة في الارتماء على صدر حنون يمنحها بعض العزاء. لم يكن أمامها سوى سحر، صديقتها الوحيدة٣ نقطة كونت رقمها بأصابع مرتجفة و ما إن وصلها صوتها الدافئ مرحبا حتى هتفت بصوت مرتجف :
, ـ سحر٣ نقطة أنا في حاجة إليك٣ نقطة
, استمر حديثها مع سحر لبعض الوقت. لم تقل الشيء الكثير، بل تركت لدموعها التي كبتتها طويلا العنان لتسيل على وجنتيها في هدوء واستسلام٣ نقطة استكانت على صوت سحر الهادئ و هي تواسيها في رقة وعطف٣ نقطة لم تشأ أن تحدثها عن أمر خالها و شكوكها المتزايدة. ربما خشيت أن يزيد خيال سحر الخصب الأمور تعقيدا بالنسبة إليها٣ نقطة وهي جد مكتفية بما يؤرقها حتى الساعة! أنهت المكالمة و قد استعادت بعض الهدوء . كان ذلك ما تحتاجه٣ نقطة بعض المواساة من قلب تثق في صفائه و حبه تجاهها، و هو ما تفتقده بشدة في هذا المكان الموحش و بين أصحابه الغرباء٣ نقطة
, سرحت للحظات٣ نقطة العزاء سيكون بعد ظهر هذا اليوم. تعلم أن القصر سيعج بالناس٣ نقطة لكن من ذا الذي سيشاركها حزنا صادقا على فقدان المُتَوَفَّى؟ ربما لا أحد!! أحست بالاختناق لذاك الخاطر. والدها غريب في بلده. مضت سنوات طويلة على رحيله عنها و لم تعد له فيها عائلة تذكره أو تهتم لأمره. وهي، ربما لن يكون شأنها مختلفا جدا عنه٣ نقطة غريبة ابنة غريب٣ نقطة
, أمسكت بهاتفها و أخذت تلهو بأزراره في عصبية٣ نقطة تحاول شغل نفسها بأي شيء٣ نقطة فتحت قائمة الاتصالات المتلقاة. ابتسمت في حزن حين وقع بصرها على الرقم الأخير. لم يكن يحمل اسما، لكنها تعرفت عليه بسهولة. الرقم المحلي الوحيد الذي لا يحمل اسما٣ نقطة فجأة تذكرت الموعد! نعم، كان يجب أن يلتقي والدها هذا الصباح!! لكنها في غمرة حزنها و ارتباكها نسيت الموعد تماما٣ نقطة لا شك أنه انتظر طويلا ثم رحل بعد أن يئس من قدومها٣ نقطة همت بالاتصال بالرقم. من واجبها أن تعلمه بما جد من أحداث. كانت تضع إبهامها على زر الاتصال حين انتبهت فجأة إلى تاريخ الاتصال الأخير. عمر اتصل بها منذ أكثر من ساعة، و وقع الرد على المكالمة! لكن الأكيد هو أن من أجاب على الاتصال لم يكن هي! فهي كانت قد فقدت هاتفها منذ البارحة دون أن تنتبه إلى ذلك٣ نقطة ثم وجدته مع فراس٣ نقطة فراس الذي كان في غاية الارتباك و هو يسلمها إياه٣ نقطة توقفت أفكارها عند تلك النقطة و قد سيطرت عليها الدهشة. حتى أنت يا فراس! كيف سولت لك نفسك مثل هذا التصرف؟ رمت الهاتف عنها في حزن٣ نقطة أنت وحيدة الآن بالفعل٣ نقطة
, لم يعد أحد في صفك هنا٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, لم ترد أن تنزل إلى البهو. العم صابر طرق بابها مرات عدة ليخبرها بأن خالها يطلب نزولها لاستقبال أفواج المعزين. لكنها لم تتحرك من سريرها. ظلت مكورة على نفسها، متشبثة بوسادتها و الحزن يعتصر قلبها أكثر من أي وقت مضى. تحس بالوحدة أكثر من أي وقت مضى٣ نقطة كلهم جاؤوا لنعي السفير السابق و رجل الأعمال المرموق نجيب كامل، أو لتملق صهره صاحب النفوذ و الشركات المعروفة نبيل القاسمي٣ نقطة لكن منْ من كل هؤلاء جاء ينعى نجيب الصديق، نجيب الأخ، نجيب القريب؟ لا أحد! لا أحد يشاركها حزنها٣ نقطة كانت تعلم ذلك جيدا منذ أمد بعيد، منذ وعت على هذه الدنيا و أيقنت بأن والدها هو كل عائلتها. لكنها لم تحسب حساب هذه اللحظة٣ نقطة و حتى إن حسبت حسابها، فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئا!! تعالت الطرقات على بابها من جديد. لم يعد بإمكانها الاحتمال أكثر. صرخت بصوت مختنق دون أن ترفع رأسها عن الوسادة التي ابتلت بدموعها :
, ـ لا أريد أن أرى أحدا٣ نقطة
, مضت لحظات من الصمت قبل أن تسمع صرير الباب و هو يفتح. انكمشت على نفسها أكثر في مقاومة مستميتة للدخيل الذي يحاول اقتحام عالم حزنها. تناهى إليها صوت أنثوي هادئ ينادي في رقة :
, ـ ليلى٣ نقطة
, لم تتعرف على الصوت مباشرة. لكن قبضتيها ارتختا و انبسطتا على سطح الوسادة و هدأت أنفاسها المضطربة. تحاول التعرف على الشخص الغريب الذي تردد صوته مرارا في أعماق ذكرياتها .
, ـ ليلى٣ نقطة هل تذكرينني؟
, رفعت رأسها هذه المرة و استدارت في رفق لتطالع وجه مخاطبتها.
, ألفت نفسها أمام سيدة قد تجاوزت الثلاثين من عمرها ببضع سنوات. تضع وشاحا محكما يظهر استدارة وجهها البرونزي الممتلئ. كانت ابتسامتها الرقيقة و نظراتها الحانية مألوفة جدا بالنسبة إليها٣ نقطة لكن ذاكرتها أخذت بعض الوقت حتى تستعيد الصورة التي خبأتها في أعماقها، أو ربما لم يستوعب عقلها المشوش الأمر بالسرعة الكافية لأنه بكل بساطة لم يكن متوقعا مطلقا. و سرعان ما تهللت أساريرها و استيقظت جوارحها و هي تهتف في استبشار :
, ـ هالة!!
, تقدمت هالة ناحيتها و قد اتسعت ابتسامتها و هي تقول :
, ـ نعم هالة يا حبيبتي٣ نقطة خفت أن تكوني قد نسيتني٣ نقطة
, عانقتها ليلى في عنفوان، و دفنت رأسها في صدرها٣ نقطة كأن **** قد استجاب إلى أمنيتها و أرسل إليها الصدر الحنون الذي تحتاجه، و القلب الصادق الذي يشاركها مشاعرها. تركتها هالة تبكي على صدرها ولبثت تمسح على رأسها في حنان. لم تكونا قد التقتا منذ بضع سنوات. فمنذ زواج هالة و عودتها إلى البلاد مع زوجها لم تجمعهما سوى مناسبات معدودة. لكنها و شقيقها مأمون كانا بمثابة الأخوين في طفولتها و بداية شبابها إبان إقامتها في بريطانيا٣ نقطة الأخوين الأكبر سنا الذين يراجعان معها دروسها و يصطحبانها في نزهات قصيرة في حدائق لندن الخلابة٣ نقطة و والدها كان في مكانة الأب لهما بعد وفاة والدهما. كانا صديقين مقربين، و إن كانت المستويات الاجتماعية متباينة. لكن ذلك لم يمنع العائلتين من الاحتكاك و التآلف٣ نقطة
, مضت بضع دقائق قبل أن ترفع ليلى رأسها و تتساءل في حيرة :
,
, ـ كيف وصلت إلى هنا؟
, ابتسمت و هي تغمز بعينها في مرح :
, ـ بطرقي الخاصة!
, ثم أضافت موضحة حين عقدت ليلى حاجبيها في استغراب :
, ـ رجاء ساعدتني٣ نقطة
, ـ رجاء؟!!
, ـ نعم٣ نقطة تلك قصة طويلة يطول شرحها٣ نقطة لكن الآن، يجب أن نتحرك بسرعة٣ نقطة
, ـ نتحرك؟
, قالت هالة في لهجة جادة أحست معها ليلى بنبضاتها تتسارع :
, ـ ليلى٣ نقطة هل تثقين في أخي مأمون؟
, هزت رأسها على الفور و هي تجيب :
, ـ نعم٣ نقطة بالتأكيد٣ نقطة
,
, ـ إذن، يجب أن نخرج من هنا٣ نقطة و على الفور!
, حملقت ليلى فيها في دهشة و عدم استيعاب، لكن هالة أضافت في تأكيد :
, ـ ستنتقلين للسكن معي٣ نقطة لا يمكن أن نتركك هنا بعد الآن٣ نقطة
, ـ ما الذي حصل؟
, ـ مأمون سيحدثك بالتفاصيل٣ نقطة إنه ينتظرنا قرب البوابة الخلفية٣ نقطة و رجاء ستساعدنا على التسلل إلى الخارج. جهزي حقيبة صغيرة بسرعة٣ نقطة سنغادر بعد قليل٣ نقطة
, وقفت ليلى في اضطراب و أوصالها ترتجف من الإثارة. إنها تثق في مأمون و هالة كثيرا٣ نقطة أكثر بكثير مما تثق في خالها و عائلته! حتى فراس خيب أملها فيه. أباح لنفسه الرد على مكالماتها و التدخل في خصوصياتها و هي التي كانت تعتقد برغبته الصادقة في مساعدتها٣ نقطة
, وضعت بضع ملابس و حاجيات ضرورية في حقيبتها الصغيرة و سوت خصلات شعرها النافرة تحت وشاحها و رتبت مظهرها قبل أن تقول بلهجة حازمة :
,
, ـ أنا جاهزة٣ نقطة
, تأملتها هالة للحظات قبل أن تقول :
, ـ انتظري٣ نقطة
, نزعت عنها عباءتها السوداء الفضفاضة و وضعتها على كتفي ليلى ثم غطت رأسها بوشاح طويل أسود كذلك حتى لم يعد يظهر من ملابسها شيء. ابتسمت و هي تقول :
, ـ هكذا لن يتعرف عليك أحد إن لمحك خارجة من القصر٣ نقطة
, أخرجت من حقيبتها وشاحا عريضا آخر وضعته على كتفيها و هي تضيف :
, ـ أنا جاهزة أيضا الآن٣ نقطة
, في تلك اللحظة، تعالت دقات على باب الغرفة من جديد. أجفلت ليلى و امتقع وجهها و قد أيقنت بفشل الخطة. لكن هالة أشارت عليها بالهدوء و اقتربت من الباب بخفة لا يوحي بها جسدها الممتلئ و همست في صوت خافت :
, ـ من هناك؟
,
, جاءها صوت هامس من الجانب الآخر تعرفت عليه ليلى على الفور :
, ـ أنتما جاهزتان؟
, فتحت هالة الباب بسرعة و دخلت رجاء. تبادلت مع ليلى نظرة طويلة فيها الكثير من التساؤلات من طرف ليلى و المعاني المبهمة من طرف رجاء. و أخيرا قالت رجاء في لهجتها الجافة المعتادة :
, ـ آسفة حقا لوفاة والدك قبل اكتشاف الحقيقة كاملة٣ نقطة لكنني على وعدي، و الوقت لم يفت بعد لاتخاذ القرار المناسب٣ نقطة
, نظرت إليها ليلى في أسف حقيقي٣ نقطة ربما كانت رجاء محقة، و ربما كانت مساعدتها ثمينة بالنسبة إليها٣ نقطة لكنها تأسف لمشاعر الحقد العميقة التي تحركها. أيقظها صوت هالة و هي تسأل رجاء في اهتمام :
, ـ هل الطريق آمنة؟
, تحولت رجاء عن ليلى و هي تجيب :
, ـ نعم، البوابة الخلفية مفتوحة، و المدخل الخلفي أيضا٣ نقطة اطمأننت إلى انشغال الخدم في البهو الرئيسي و الحديقة الأمامية مع الضيوف٣ نقطة كما أرسلت صابر كبير الخدم في مهمة ستشغله لبعض الوقت٣ نقطة يمكنكما الخروج الآن٣ نقطة
,
, تقدمت هالة في اتجاه الممر في حذر و تبعتها ليلى و مشاعر متداخلة تنتابها. توقفت للحظات أمام رجاء و قالت بصوت هادئ حزين :
, ـ كان بودي أن نكون أصدقاء٣ نقطة لكن الظروف التي جمعتنا لم تكن ملائمة٣ نقطة شكرا لك على أية حال٣ نقطة
, رمتها رجاء بنظرة ساخرة و هي تقول :
, ـ لا أنتظر منك العرفان على ما أفعله، فمصالحنا مشتركة. ..
, ثم أضافت و هي تدفعها في اتجاه الباب في رفق :
, ـ أرجو أن لا أراك ثانية يا عزيزتي!
, لم تملك ليلى أن تعلق بكلمة واحدة، بل استجابت لنداء هالة التي كانت تستعجلها، و تبعتها بخطى مضطربة عبر الطريق الخلفية٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
,
, كان فراس يذرع الشرفة جيئة و ذهابا في صبر نافد. الحديقة الأمامية تغص بالخلق، من رجال الأعمال و السفراء و موظفي الوزارات و الشخصيات الكبيرة المعروفة في البلاد٣ نقطة فمثل هذه المناسبات تعد فرصة ملائمة لتجديد العلاقات التي قد تكون فترت بطول المدة و استعادة المعاملات إلى سابق عهدها أو إنشاء علاقات جديدة٣ نقطة كان السيد نبيل يتصدر البهو و يستقبل جموع المعزين في وقار و رصانة يحسد عليهما. علامات الحزن كانت جلية على ملامحه و لا يطغى عليها إلا تهلله لزيارة صديق قديم أو عميل معتبر يهمه أمره .
, ارتفع رنين هاتف فراس فجأة. تأمل الرقم الغريب للحظات قبل أن يرد في اهتمام باد :
, ـ نعم، تفضل٣ نقطة أنا قادم لاستقبالك عند البوابة٣ نقطة
, شق طريقه بين الضيوف في اتجاه البوابة الرئيسية و عيناه تعملان بدقة و سرعة، تتصفح الوجوه و تبحث عن الضيف المنشود. فجأة، توقفت نظراته على وجه بدا له مألوفا. بل لم يمض على لقائه به أيام معدودة٣ نقطة تذكر على الفور مشهد المقهى٣ نقطة فنجان القهوة بين يدي ليلى و الرجل المنحني بالقرب منها. تصاعد الدم إلى وجهه بسرعة. إحساسه بأن ليلى استغفلته و سخرت منه كاد يسيطر عليه. لكن في تلك اللحظة التقت نظراته بنظرات الرجل الذي تقدم منه بخطى واثقة و قال و هو يبسط يده إليه ليصافحه :
, ـ دكتور فراس؟
, صافحه فراس في برود ظاهر و هو بالكاد يكتم انفعالاته و قال وهو يقوده إلى ممر جانبي بالحديقة :
, ـ تفضل دكتور عمر٣ نقطة
, تبعه عمر عبر الممر بخطى بطيئة و هو يجول بناظريه في المكان في انبهار واضح. رغم معرفته بثراء عائلة ليلى، إلا أنه لم يزر سابقا قصرا بمثل تلك الفخامة و لم ير تجمعا كبيرا كذلك من رجال الأعمال و أفراد المجتمعات الراقية. التف فراس حول الحديقة و هو يقود ضيفه في اتجاه الحديقة الخلفية، حيث يمكنه أن ينفرد به و يتحدث إليه في هدوء بعيدا عن العيون. و لم تفت عمر نية مضيفه و هو يراه يبتعد عن الجموع و يتخذ مسارا جانبيا٣ نقطة تبعه في توجس و تساؤلات كثيرة تعتمل في رأسه. توقف فراس عند طرف الحديقة قرب زاوية المبنى على بعد بضعة أمتار من المدخل الخلفي. التفت إلى عمر و قد تمالك نفسه و عاد إليه الهدوء. تفحص وجهه بشيء من الفضول و سرعان ما أيقن بأنه أمام منافس قوي. كان عمر مديد القامة بصورة ملفتة في حين كان فراس ذا قامة متوسطة، بل هو أقصر أخويه٣ نقطة كما أن بنيته لم تكن قوية٣ نقطة لكنه لم يشك من ذلك قط و لم يبد له قصر القامة عيبا٣ نقطة قبل أن يلتقي عمر في ذاك اليوم! فقد أحس بضآلته و هو يقف أمام الرجل و يرفع رأسه لينظر في عينيه. تنحنح ليجلو صوته قبل أن يقول :
, ـ شكرا لمجيئك٣ نقطة هذا لطف منك٣ نقطة
, هز عمر رأسه دون أن ينطق و لبث يطالع مخاطبه في ترقب. بادره فراس و هو يشد قامته و يضع كفيه في جيبي سرواله :
, ـ وددت أن أستفسر منك عن موعدك مع عمي نجيب٣ نقطة رحمه الله٣ نقطةفربما أمكنني أن أخدمك بشيء٣ نقطة
, ارتبك عمر و بدا عليه التردد. مع أنه كان يتوقع الأغرب بعد أن رد فراس على هاتف ليلى، إلا أنه لم يكن ينتظر دخولا مباشرا في الموضوع. لكنه لم يجد من الحكمة أن يحدثه في شأن الخطبة في مثل تلك الظروف. خاصة بعد أن دخل القصر و رأى علامات الغنى الفاحش، وجد في نفسه بعض الاضطراب٣ نقطة ربما لن يستقبله خال ليلى و عائلتها بمثل الحفاوة التي تريدها و يتمناها. لذلك آثر المراوغة و التأجيل ريثما تتجاوز ليلى أزمتها و يتحدث إليها مباشرة و يستوثق من موافقتها فيقوى موقفه٣ نقطة أجاب محاولا مداراة ارتباكه و هو يحك ذقنه في عصبية ظاهرة :
,
, ـ في الحقيقة٣ نقطة أنا أستاذ ليلى في كلية الحقوق بباريس٣ نقطة و ليلى كانت من أنجب طلابي و أنا أتنبأ لها بمستقبل باهر في القضاء٣ نقطة لكنها تحتاج إلى إشراف نخبة من الدكاترة المتميزين كأولئك المشرفين على الجامعة في باريس٣ نقطة لذلك اغتنمت فرصة تواجدي هنا في المدينة بمناسبة مؤتمر علمي٣ نقطة و أردت الحديث إلى السيد نجيب كامل حتى يسمح لها بمواصلة المرحلة الثالثة من دراستها معنا٣ نقطة في الكلية٣ نقطة لكن يبدو أنني وصلت في وقت غير مناسب٣ نقطة
, هز فراس رأسه متفهما و هو يداري ابتسامة ساخرة كادت تطفو على شفتيه٣ نقطة هكذا إذن أيها الدكتور٣ نقطة لا تملك الشجاعة للمواجهة. هل تراك تراجعت حين أصبح الأمر جادا؟ تكلم أخيرا متظاهرا بالاهتمام :
, ـ نعم٣ نقطة مستقبل ليلى يهمنا جميعا٣ نقطة لكن كما ترى، لا أظن الظروف ملائمة في الوقت الحالي٣ نقطة و لا أظن من المناسب أن تعود إلى فرنسا بمفردها بعد الآن٣ نقطة
, سكت للحظات ليلاحظ تأثير كلماته على وجه عمر، ثم أضاف في هدوء غريب :
, ـ كما أنها بعد زواجنا ستستقر هنا بصفة نهائية٣ نقطة و قد سجلت في الجامعة لمواصلة بحوثها٣ نقطة
,
, لم ينجح عمر في إخفاء علامات الصدمة التي ارتسمت على وجهه أمام الخبر غير المنتظر الذي فاجأه به فراس و التمعت حبيبات العرق على جبينه واشية بمدى تأثره، و انفرجت شفتاه لينطق٣ نقطة و لكن قبل أن تند عنه أدنى كلمة، كان فراس يردف مستمتعا بانتصاره :
, ـ لكنها ستكون ممتنة حتما بالمحافظة على اتصالاتها بأساتذتها في فرنسا و الاستفادة من خبراتهم على الدوام٣ نقطة
, في تلك اللحظة، حانت منه التفاتة إلى الجانب الآخر حين سمع صرير الباب الخافت و هو يفتح. ظهرت سيدتان غريبتان عند المدخل.
, التفتت إليه إحداهما للحظة، ثم حثتا الخطى في اتجاه البوابة الخلفية.
, تابعهما في دهشة و استغراب و قد نسي لوهلة وجود عمر على قيد خطوات منه٣ نقطة لم يكن على سابق معرفة بهما خاصة و هما تخفيان جزءا كبيرا من وجهيهما وراء أوشحة سميكة. لكن ما أثاره هو تسللهما المريب من الباب الخلفي٣ نقطة فهو قليل الاستعمال من قبل أهل الدار، فما بالك بالزوار٣ نقطة ظل يتابعهما و هما تتقدمان في خطوات متعجلة، كأنهما تفران من شيء ما دون أن تلتفتا إلى الخلف٣ نقطة بدا شكل إحداهما مألوفة بالنسبة إليه، و إن كانت عباءتها السوداء التي تلف جسدها بالكامل تزيد من شكوكه. فجأة، توقفت عيناه عند حقيبتها الصغيرة التي تتأرجح في عصبية مع حركتها المطردة السريعة. كانت الحقيبة معروفة بالنسبة إليه. معرفة جدا٣ نقطة سبق و رآها مع صاحبتها.
,
, اتضحت الصورة في رأسه دفعة واحدة و لمعت كلمة واحدة أمام عينيه. و في نفس اللحظة التي قفزت فيها السيدتان في سيارة رمادية كانت تنتظرهما أمام البوابة الخلفية، هتف فراس بتلك الكلمة التي توقفت عند شفتيه في صوت مكتوم :
, ـ ليلى٣ نقطة
 
٢٩


انطلقت السيارة بسرعة و هي تقل الراكبتين الجديدتين. التفتت ليلى إلى الخلف في توجس فلمحت عبر البلور الخلفي المظلل فراس الذي خرج راكضا قد وقف يلهث أمام البوابة الخلفية و هو يرى السيارة تبتعد عن القصر و تنحرف في شارع ضيق دون أن يقدر على اللحاق بها٣ نقطة و في لحظات كانت قد اختفت عن ناظريه دون أدنى أثر. تنهدت في إعياء و هي تزيح عنها الوشاح الأسود الذي كان يغطي معظم وجهها و يخفي ملامحها، في حين ربتت هالة على كفها مطمئنة و هي تبادلها ابتسامتها العذبة المريحة. طالعها مأمون من خلال المرآة العاكسة و قال و على شفتيه ابتسامة هادئة:
, ستكونين بخير٣ نقطة
, ترددت نظراتها بين وجهي هالة و مأمون كأنها تبحث عن إجابة فيهما. لكن لم يبد أن أحدهما كان ينوي الكلام في تلك الآونة تاركين إياها تبحر في حيرتها. بعد دقائق قليلة كانت السيارة تخرج من مركز المدينة و تأخذ طريقا سريعة. طوت العجلات الأرض طيا في اتجاه الضاحية الجنوبية و خيم الصمت على الركاب الثلاثة طوال الرحلة.
, سرحت ليلى و هي تتأمل المناظر الطبيعية التي تحف الطريق السيارة من الجانبين، لكن أفكارا كثيرة كانت تشغلها و تمنعها من الاستمتاع بالمناظر الخلابة٣ نقطة هاهي قد فرت من منزل خالها. فهل كان ذلك القرار الصواب؟
, انتبهت من تخيلاتها حين هدأت سرعة السيارة بدخولها إلى حي سكني. رغم كون المباني المحيطة كانت في حال جيدة، إلا أنه لم يخف عنها أن المكان لا يقارن بالحي الفاخر الذي يقع فيه قصر عائلة خالها، حيث كل الممتلكات من صنف القصور و تحيط بها حدائق شاسعة تخفي واجهات المباني التي تتوسط المساحة. أما هنا، فالمنازل الصغيرة البيضاء تتلاصق فيما بينها في حميمية و الحدائق الصغيرة التي تتقدم بعض الديار تتميز برونقها البديع و تصميمها الجذاب٣ نقطة استأنست نفسها بالمكان و بجماله البسيط و نظافة شوارعه الضيقة التي كانت السيارة تتقدم خلالها ببطء٣ نقطة
,
, أخيرا توقفت أمام أحد المنازل. سبقتها هالة بالنزول و أخذت عنها حقيبتها الصغيرة. ما إن خرجت من السيارة حتى استنشقت هواءا رطبا ذا عبق مميز٣ نقطة لا شك أن البحر قريب! قادتها مضيفتها عبر ممر ضيق تحفه من الجانبين حديقة متواضعة، لكنها بدت في غاية الترتيب و التنسيق. تبعتها و هي تجيل عينيها في المكان في حياء في حين تأخر مأمون في الخارج ريثما يركن السيارة في وضع مناسب، فلم يكن هناك مرآب إضافي. : ابتسمت هالة و هي تدخلها إلى قاعة الجلوس و قالت
, ـ أهلا بك في منزلي٣ نقطة صحيح أنه لا يشبه في شيء قصر آل القاسمي، لكنني سعيدة فيه٣ نقطة ٣ نقطة و آمل أن تجدي بيننا راحتك
, ابتسمت ليلى في امتنان و خجل و هي تتخذ مجلسها على أريكة قريبة.
, نادت هالة بصوت عال:
, ـ فرح، هشام٣ نقطة ٣ نقطة تعاليا لتسلما على الخالة ليلى
, ثم التفتت إلى ليلى وهي تغمز بعينها قبل أن يظهر الأطفال:
, ـ أحمد زوجي مسافر في رحلة عمل لبضعة أيام و لن يعود قبل نهاية الأسبوع٣ نقطة ٣ نقطة خذي راحتك تماما
, و ما هي إلا لحظات حتى كان الصغيران يقفزان أمامها و يقفان في احترام و هما يرددان بصوت طفولي مضحك كأنه وقع تلقينهما ما يجب قوله بصفة مسبقة:
, مرحبا خالة ليلى٣ نقطة
,
, كانت فرح تقترب من السادسة أما هشام فهو لا يتجاوز الرابعة. كانا طفلين جميلين موفوري الصحة، يشبهان أمهما كثيرا. قبلت ليلى وجناتهما في حنو، ثم اتخذ كلاهما مجلسه على أحد جانبيها و لبثا يتأملانها في فضول طفولي بريء٣ نقطة جلست هالة قبالتها و هي تقول في عتاب رقيق:
, كان يجب أن تزوريني منذ زمن٣ نقطة
, هزت ليلى رأسها و هي تعبث بأناملها في خجل بخصلات هشام القصيرة و قالت:
, أعلم أنني مقصرة، لكنني انشغلت في الفترة الماضية بحياتي الجديدة مع عائلة خالي و لم يخطر ببالي أن أتصل بك٣ نقطة كان يجب أن أفعل٣ نقطة
, في تلك اللحظة، دخل مأمون القاعة. التفتت إليه هالة و قالت و هي تقوم من فورها:
, سأعد لكما الشاي حالا٣ نقطة
, ثم التفتت إلى الصغيرين محذرة قبل أن تبتعد في اتجاه المطبخ:
, ـ و أنتما٣ نقطة ! اجلسا هادئين
, جلس مأمون في ارتباك على الأريكة المقابلة و لبث مطرقا لبضع ثوان قبل أن يرفع رأسه و علامات الحزن واضحة على محياه:
, عظم **** أجرك ٣ نقطة في الوالد٣ نقطة
,
, تجمعت الدموع في عيني ليلى و هي تهمس في صوت ضعيف:
, و أجرك٣ نقطة ٣ نقطة كان والدك مثلما كان والدي
, هز رأسه ببطء و تنهد في ألم و هو يضيف مداريا دموعه:
, فقدت والدي مرتين٣ نقطة مرة بوالدي الحقيقي٣ نقطة و مرة بعمي نجيب٣ نقطة رحمهما الله٣ نقطة
, خيم عليهما صمت حزين للحظات قبل أن يستطرد مأمون و هو يرفع رأسه:
, كنت عنده البارحة٣ نقطة ٣ نقطة وصلت بعد دقائق من رحيلك
, نظرت إليه في اهتمام و هي تسأل في لهفة:
, ـ هل شهدت لحظاته الأخيرة؟
, هز رأسه علامة الإيجاب وعض على شفته السفلى و هو يسترجع ذكريات الأمس القريب:
, كان يحس بدنو أجله، لذلك استبقاني إلى جانبه لبعض الوقت حتى يوصيني عليك٣ نقطة لكنني لم أستطع أن أبلغك الخبر بنفسي بعد رحيله، فلم تكن نفسيتي مناسبة أبدا٣ نقطة لذلك طلبت من الطبيب أن يتصل بالعائلة٣ نقطة
, تنهد من جديد، ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يواصل بصوت جاد:
,
, ـ لعلك تتساءلين عن سبب إحضارك إلى هنا و عن وصية والدك في لحظاته الأخيرة٣ نقطة لكن قبل أن أحدثك عن ذلك، يجب أن أقص عليك كل شيء بالتفصيل، منذ اتخاذ عمي نجيب قرار سفرك للإقامة عند خالك٣ نقطة
, ضمت ليلى كفيها المرتجفتين في حجرها و رنت إليه في انتباه شديد مصغية بكل جوارحها. : عقد مأمون حاجبيه و هو يستطرد
, كل شيء بدأ منذ ثلاث سنوات تقريبا، بعد وفاة حنان بفترة وجيزة.
, لم يكن عمي نجيب قد حضر جنازتها، و تألم كثيرا لاتصال السيد نبيل المتأخر. فهو و إن كان قد ابتعد عنها منذ سنوات طويلة إلا أنه يظل والدها و من حقه توديعها٣ نقطة لبث حزينا لفترة طويلة، كأنه يراجع نفسه ويلومها على ما فرط فيه من تخل عن حنان حتى ألقت بنفسها إلى الانتحار٣ نقطة لكنه سرعان ما استعاد هدوءه و عاد إلى حياته العادية٣ نقطة بعد بضعة أسابيع تلقى اتصالا من مجهول٣ نقطة يخبره بأشياء غريبة عن ابنته الراحلة٣ نقطة
, هتفت ليلى على الفور في دهشة:
, اتصال من مجهول؟
, استرجعت بسرعة ما رواه فراس عن الاتصال الذي ورده من شخص مجهول الهوية يدعوه إلى اللحاق بحنان في الحانة الشعبية. تعلقت نظراتها بشفتي مأمون حاثة إياه على المواصلة٣ نقطة أصبحت تنتظر مفاجآت أكبر من حديثه.
,
, ـ المتصل لم يرض أن يكشف عن شخصيته الحقيقية، و كان من الواضح أنه يستعمل أداة لتغيير الصوت إمعانا في الحيطة و الحذر٣ نقطة كان يتحدث عن مؤامرات و جرائم قتل و أشياء أخرى لم يفهمها عمي نجيب منه جيدا، لكن ما شده في كلامه هو ادعاؤه أن حنان لم تنتحر بل كانت ضحية جريمة قتل مدبرة للخلاص منها٣ نقطة بل أن المتصل اتهم أشخاصا بعينهم٣ نقطة
, انخفض صوت مأمون ليصبح أقرب إلى الهمس و هو يقول:
, من العائلة٣ نقطة
, تسارعت أنفاس ليلى في توتر و هي تذكر تحليلات سحر وتحذيراتها٣ نقطة ٢ علامة التعجب رباه، هل تكون محقة؟
, واصل مأمون بوضوح أكبر و هو يعقد حاجبيه في تركيز محاولا تذكر كل التفاصيل:
, ـ عمي نجيب لم يرد تصديق الكلام الذي سمعه مع أنه كان مثيرا للشكوك ـ خاصة مع التفاصيل الدقيقة التي ذكرها المتصل و التي ليس من الممكن أن يعرفها إلا شخص قريب جدا من حنان و من العائلة ـ لكن تعوده على الاتصالات السخيفة المشاغبة إضافة إلى أن علاقته بالعائلة كانت شبه مقطوعة بعد طلاقه، جعلاه يخمن أن شخصا ما يحاول استغلال وفاة ابنته لإدخال بعض البلبلة على حياته٣ نقطة و سرعان ما نسي أمر الاتصال برمته مع انشغاله بأعماله الكثيرة٣ نقطة و مضت فترة طويلة بعد ذلك دون أن يفكر في الموضوع مجددا أو يذكره لأحد، و لم يسمع عن تلك القصة شيئا جديدا٣ نقطة و منذ قرابة ستة أشهر، وصلته دعوة من شركة أجنبية تمتلك فرعا هنا في بلادنا و تعرض عليه صفقة ما٣ نقطة فسافر إلى هنا لبضعة أيام.
, هزت ليلى رأسها موافقة و هي تقول:
, نعم، أذكر جيدا تلك السفرة٣ نقطة
, في اليوم الأخير من إقامته في المدينة، خطر بباله أن يعيد العلاقات و يتصل بالسيد نبيل. كان بينهما لقاء وجيز، حضرته معهما٣ نقطة بدا فاترا في البداية لكن سرعان ما اتصل بينهما الحديث و تحدثا في أمور المال و الأعمال و عن إمكانية التعامل بينهما٣ نقطة و في سياق الحوار، تحدث عمي نجيب عنك. فبهت السيد نبيل الذي لم يكن يعلم حتى تلك الساعة بوجود ابنة ثانية لشقيقته المتوفاة و أبدى رغبته في التعرف عليك و توثيق العلاقات العائلية من جديد٣ نقطة و بقي الحديث معلقا دون أن يعد عمي نجيب بشيء٣ نقطة
, سرحت بنظراتها و هي تذكر كلام الخالة مريم عن والدتها٣ نقطة كانت حريصة على نسيان كل ما يتعلق بها، حتى أنها أخفت حقيقة وجودها عن الجميع. ! لم تكن تعني شيئا بالنسبة إليها
, ـ كان من المقرر أن نسافر إلى فرنسا في مساء ذاك اليوم. قبل مغادرة الطائرة ببضع ساعات، تلقى عمي نجيب اتصالا جديدا على رقمه الدولي من الشخص المجهول عينه و أعاد على مسامعه نفس الكلمات٣ نقطة هذه المرة كان عمي نجيب أكثر انتباها و قد بدأت تساوره الشكوك، فأعلمه بوجوده في المدينة و برغبته في لقائه في نفس اليوم قبل موعد الطائرة حتى يستمع إلى روايته و يبرهن على صدق كلامه٣ نقطة كان الموعد في صالة استقبال الفندق الذي أقمنا فيه طيلة فترة الزيارة للبلاد. لم يكن عمي نجيب قد أخبرني بشيء من تفاصيل الحكاية إلى ذلك الحين، فنزل بمفرده إلى البهو و لبث ينتظر وصول الزائر المجهول٣ نقطة لكن الوقت مر بسرعة و اقترب موعد الطائرة دون أن يظهر أحد. و حين كنا نسلم مفاتيح الغرف إلى موظف الاستقبال، أخرج من الدرج مظروفا و أخبر عمي نجيب بأن شخصا ما طلب منه تسليمه إياه حين مغادرته٣ نقطة فض عمي نجيب المظروف على الفور فوجد بداخله بضعة أوراق ممزقة ألقى عليها نظرة سريعة ثم أخفاها عني و لم يقل شيئا عنها حتى عودتنا إلى فرنسا٣ نقطة
, قاطعته ليلى : في اهتمام
, ـ ألم يطلعك على ما في تلك الأوراق؟ أو عن الشخص المتهم في جريمة القتل؟
, هز مأمون رأسه نافيا و هو يضيف:
, ـ كان حتى تلك اللحظة يعتزم الاحتفاظ بالأمر لنفسه و أخفى شكوكه عن الجميع٣ نقطة لكن ظهور المتصل المجهول في ذلك اليوم بالذات جعله يشك في علاقته بالعائلة٣ نقطة فهو بلا شك قد علم بلقائه بالسيد نبيل واتصل به على الفور ليذكره بالقصة القديمة٣ نقطة و بعد عودته إلى فرنسا ظلت الحكاية تؤرقه لفترة طويلة و شكوكه تزداد يوما عن يوم٣ نقطة ثم حصل أن أخذت صحته تتدهور، و بدأت مخاوف جديدة تشغله٣ نقطة مخاوف بشأن مستقبلك و حياتك من بعده٣ نقطة و كان في الأثناء قد تبادل بضعة اتصالات مع السيد نبيل و في كل مرة كان خالك يسأل عنك و يطلب منه اصطحابك في زيارة مقبلة٣ نقطة و كان اليوم حاسم حين ذهب للقيام بالكشف الصحي بعد أن ازداد سعاله و هاجمته آلام في الصدر٣ نقطة في ذاك اليوم عاد إلى الشركة متعبا و أغلق على نفسه المكتب لساعات طويلة ملغيا جميع ارتباطاته و مانعا أي نوع من الاتصال٣ نقطة ظللت في مكتبي لوقت متأخر، فلم أكن أستطيع المغادرة و أتركه على تلك الحال، لأنه لم يتعود أن يخفي عني شيئا من أمور العمل٣ نقطة و كأنه قد علم بتواجدي في الشركة رغم تأخر الوقت، طلبني إلى مكتبه و أغلق الباب من جديد٣ نقطة و بصوت حزين و حازم أطلعني على مشروعه الجديد٣ نقطة
, تابعته ليلى في ترقب و نفاد صبر، فتابع:
, أخرج من مكتبه المظروف الذي استلمه من موظف الاستقبال منذ أشهر و وضع الورقة الممزقة أمام عيني٣ نقطة كانت ملطخة ببقع متناثرة من الدماء و قد كتبت عليها بضع كلمات مبعثرة٣ نقطة بخط مرتجف غير ثابت٣ نقطة
, ـأية كلمات؟
,
, رفع مأمون عينيه إلى وجهها المتشنج و ملامحها المضطربة في تردد،
, ثم قال بعد صمت قصير:
, ـ بعض الأسماء٣ نقطة لكنها ليست واضحة كفاية٣ نقطة الظرف موجود٣ نقطة يمكنك الاطلاع عليه حين نذهب لاستلام حاجيات عمي من المستشفى
, عقد ذراعيه أمام صدره وهو يواصل:
, كان الأمر محيرا بالفعل، و لم يكن هناك دليل على أن حنان كتبت الورقة قبل وفاتها و لا على أنها كتبت اسم قاتلها٣ نقطة لكن بدا أن صاحب الاتصال أراد إقناع عمي نجيب بذلك. بل المثير للشك هو أنه لم يسلم "الدليل" إلى الشرطة و احتفظ به كل تلك السنين حتى يرسله إلى والد الضحية التي لم يكن له علاقة بها يوما٣ نقطة كان كل ذلك مريبا. لكن عمي نجيب كان متأثرا بما حصل لابنته، و بدأ يقتنع بأن انتقامه لها و كشف حقيقة ما حصل معها سيكفر عن ذنبه تجاهها و يخفف عنه عذاب الضمير٣ نقطة و مع إحساسه بقرب أجله فقد أصبح شغله الشاغل هو اكتشاف الحقيقة٣ نقطة لذلك انقاد بسهولة إلى تلك الأفكار و طلب مساعدتي في تنفيذ المخطط الذي وضع خطوطه العريضة بنفسه٣ نقطة
, أطرقت ليلى و همست في خفوت:
, و أنا كنت جزءا من مخطط الانتقام٣ نقطة
, هز مأمون رأسه بشدة علامة النفي و :هو يضيف
, لم تكوني كذلك في البداية٣ نقطة كانت الخطة تقتضي أن يتظاهر عمي نجيب باهتمامه بمشروع شراكة مع صهره ثم يرسلك للإقامة عند خالك٣ نقطة كان يريد توجيهك للبحث عن المعلومات التي يريدها دون أن ترتابي في شيء٣ نقطة لكن عوامل أخرى تدخلت لتسير الأمور بشكل مختلف٣ نقطة السيد نبيل فاتح عمي نجيب في موضوع المصاهرة٣ نقطة و وقع اختياره على فراس! لم يكن يريد تعريضك للخطر٣ نقطة لكنه كان يثق في ذكائك و نباهتك٣ نقطة و اعتقد أنك ستتمكنين من اكتشاف أشياء كثيرة بوجودك داخل العائلة٣ نقطة و قد وجد أن زواجك من فراس سيكون الطريقة المثلى لتحقيق الهدف٣ نقطة
, قاطعته ليلى في احتجاج و قد لمعت الدموع في عينيها من جديد:
, ـ لكن كيف٣ نقطة كيف يفكر في تزويجي من فراس و هو يشك في تورط أحد أفراد العائلة في قتل حنان؟ كان يجب أن يحدثني بكل شيء! كان يجب أن يوضح الأمر لي أكثر! ٢ علامة التعجب كيف يضعني في موقف كهذا؟
, أطرق مأمون وهو يجيب في هدوء:
, ـ زواجك من فراس كان سيجعلك أقرب إلى العائلة٣ نقطة و الأهم، أقرب من فراس الذي كان زوج حنان و أعلم أفراد العائلة بحالها٣ نقطة و ربما كان فراس أكثر من يثق فيه عمي نجيب من بين أفراد العائلة، لذلك لم يجد ضررا في زواجك منه ـ رغم كل المخاطر التي قد تنتج عن هذا الارتباط ـ و ربما لم يكن في نيته أن يمضي إلى نهاية المطاف و الارتباط الرسمي، بل ربما كان ليطلب منك الانسحاب حالما يتوصل إلى النتيجة المبتغاة٣ نقطة كما أنه كان ينوي إطلاعك على كل شيء في مرحلة متقدمة من تحقيقه٣ نقطة ٣ نقطة حين يحتاج مساعدة حقيقية من داخل القصر
,
, رفع عينيه و أضاف في حرارة:
, ـ صدقيني يا ليلى٣ نقطة لم أكن موافقا على كل هذا٣ نقطة لكنني لم أملك أن أقف في وجهه و أنا أرى كل ذلك التصميم منه٣ نقطة و قررت أن أقوم بتحقيقي الخاص و بطريقتي الخاصة٣ نقطة ٣ نقطة حتى تكوني في أمان
, هتفت ليلى مجددا و هي لا تزال تحت وقع الصدمة
, ـ لكن كان يجب أن يعلمني بكل شيء! كيف يخفي عني أمرا هاما كهذا؟ كيف يتركني أتخبط وسط شكوك غامضة و هو يمسك ببعض خيوط الحقيقة؟!
, رفع مأمون صوته و هو يقول مؤكدا:
, لم يرد أن يعلمك بشأن الاتهامات التي وصلته عن طريق المتصل المجهول لأنه لم يكن يثق في صحتها٣ نقطة و كان من الممكن أن توجهك توجيها خاطئا٣ نقطة كما أنه لم يرد إرباكك قبل أن تتعرفي على أفراد العائلة و تتقربي منهم٣ نقطة كان واثقا من أنك لن تمانعي في التضحية إن علمت بالهدف من وراء ذلك٣ نقطة فقد كانت رغبته الصادقة في التكفير عما جناه في حق حنان مسيطرة على تفكيره٣ نقطة
, غطت وجهها بكفيها تخفي العبرات التي سالت على وجنتيها في سخاء، و هي تردد بصوت متقطع:
, لماذا فعلت ذلك يا أبي؟ لماذا؟
,
, : في تلك اللحظة، دخلت هالة و هي تعلن بصوتها الدافئ المبحوح
, الشاي حضر٣ نقطة
, لكن سرعان ما تقلصت ابتسامتها و هي ترى حال ليلى المؤثرة. وضعت الطبق على المائدة القريبة و سارعت بالجلوس بقربها. احتضنتها في حب و هي تهتف:
, ما بال صغيرتي؟ هوني عليك يا حبيبتي٣ نقطة
, ثم رفعت رأسها إلى مأمون و هتفت في استياء:
, ـ مأمون! بم أزعجتها؟
, وقف مأمون في ارتباك و هم بالانصراف دون أن يعلق. كان قد تجاوز باب قاعة الجلوس حين استوقفته ليلى و هي تهتف بصوت مختنق:
, انتظر٣ نقطة
, استدار ليواجهها في صمت، فأضافت و هي تشير إليه بالجلوس:
, ـ أرجوك، أخبرني بكل شيء٣ نقطة ٣ نقطة و لا تخف عني شيئا واحدا
, أومأ برأسه موافقا و هو يعود أدراجه إلى الأريكة. جلس في هدوء ولبث صامتا ينتظر أن تتمالك نفسها و تستعيد سكينتها٣ نقطة ثم قال:
, ـ ما حصل هو أنه أرسلني إلى هنا قبل مجيئك بأيام قليلة، حتى أقوم ببعض التحقيقات عن الشركة٣ نقطة و عن العائلة٣ نقطة عرفت بسهولة أن الشركة رغم نجاحها تمر بين الحين و الآخر باضطرابات مالية، والسيد نبيل يبحث باستمرار عن مساهمين جدد و مصادر تمويل. لذلك فقد كان عرض عمي نجيب مغريا جدا بالنسبة إليه. و استوثقت من أن عرض المصاهرة لم يكن إلا لضمان ديمومة العلاقة و استمرارها٣ نقطة
, هزت ليلى رأسها في أسى تسأله المتابعة فقال:
, لكنني لم أتوقف عند ذلك الحد، بل استغللت زياراتي المتكررة إلى الشركة حتى أبحث عن أسباب هذه الاضطرابات المتكررة، مع أن السوق تعتبر مستقرة نسبيا و الأسعار في ارتفاع مستمر٣ نقطة لم تكن عملية البحث سهلة، لذلك كان علي الاستعانة بأشخاص من داخل الشركة٣ نقطة أو ممن يمكنه التجوال بين جميع مكاتبها دون رقابة٣ نقطة و هنا التقيت رجاء عبد الفتاح٣ نقطة رجاء هي ابنة شقيقة زوجة السيد نبيل الثانية. و هي كثيرة التردد على الشركات و لها علاقات متشعبة مع جميع الموظفين. كانت هي من لاحظني في البداية، فأثار اهتمامها تواجدي هناك مع أن الشراكة الفعلية لم تبدأ بعد٣ نقطة و بعد بضعة محادثات قصيرة اكتشفنا أننا نبحث عن نفس الشيء . لكن الفرق هو أن رجاء كانت تبحث بعشوائية و دون خطة مسبقة، في حين كنت في حاجة إلى معلومات معينة٣ نقطة و هي كانت قادرة على إيجاد تلك المعلومات! لا أعلم أي الأساليب اتبعت٣ نقطة لكنه كان سريعا و مجديا! و خلال الأسابيع القليلة الماضية اكتشفنا أشياء رهيبة٢ علامة التعجب
, انحنى إلى الأمام وهو يقول بحدة:
, ـ فساد كبير و صفقات مشبوهة و تبييض أموال و أشياء كثيرة أخرى!
, حدقت فيه ليلى مصدومة، فتابع مؤكدا:
, ـ القضية معقدة جدا، و الشبكة كبيرة٣ نقطة و لولا مهارة رجاء لما وصلنا إلى الخيط الذي قادنا إلى كل هذا٣ نقطة لم أكن قد حصلت على الأدلة إلا مساء البارحة، فذهبت إلى المستشفى لإعلام عمي نجيب بكل ما حصل٣ نقطة وجدته في حالة سيئة جدا٣ نقطة و رغم ألمه فقد أصر على قراءة التقرير كاملا٣ نقطة بعد ذلك، رفع رأسه مبتسما و أخبرني بأنك كنت على حق حين رفضت الزواج من فراس٣ نقطة و من ألطاف **** أن عقد الشراكة لم يوقع بعد، مع أن الإجراءات قد قطعت شوطا هاما٣ نقطة لذلك لا يزال بإمكاننا أن ننسحب دون أضرار. خالك سيصر على إتمام العقد على أنها رغبة الوالد و لم يكن بإمكاني أن أتحدث إليك وأنت بينهم، و ربما كنت ستوافقين على إمضاء العقد و المضي في الإجراءات دون دراية بالحقيقة٣ نقطة لذلك كان يجب أن أخرجك من هناك٣ نقطة
, ابتسم ابتسامة باهتة و هو يضيف:
, ـ كانت مخاطرة حقيقية، لكنك الآن في أمان٣ نقطة إن شاء الله٣ نقطة
, فاجأته ليلى بسؤالها:
, و ماذا عن قاتل حنان؟
, التمعت في عينيه نظرة واثقة و اتسعت ابتسامته و هو يقول مطمئنا:
, ـ سنصل إليه٣ نقطة ٣ نقطة قريبا إن شاء **** , خارج القائمة
 
٣٠


اندفعت منال خارجة من الغرفة الزرقاء و قد امتقع وجهها و ظهرت على ملامحها علامات التوتر. ركضت عبر الممر ثم نزلت إلى البهو في خطوات مضطربة و نادت على العم صابر و هي تلهث:
, عم صابر٣ نقطة هل رأيت ليلى؟
, هز الرجل العجوز رأسه نافيا و في عينيه علامات الاستغراب. كان منشغلا طوال المساء باستقبال القادمين في البهو و توزيع المشروبات على جموع المعزين كما أوصته رجاء. بعد محاولاته المتكررة لحملها على النزول و تقبل التعازي بنفسها، و بعد ما رآه منها من امتناع، انصرف إلى عمله و لم يعد إلى إزعاجها٣ نقطة
, ابتعدت منال مجددا في اتجاه المطبخ و أعادت طرح السؤال نفسه على العم هاشم و بقية الخدم و حتى السائق٣ نقطة لكن لم تجد الجواب الشافي. لم تكن قد رأتها منذ وقت الغداء. كانت قد حملت إليها
, وجبتها إلى غرفتها فهي لم تذق الطعام منذ مساء البارحة بعد سماعها بالخبر المفجع، و لم تكن شهيتها للطعام مفتوحة في الصباح كذلك. لذلك حملته إليها و حاولت أن تتودد إليها و تطعمها بيديها. لكنها لم تنجح إلا في ابتلاع لقيمات صغيرة تسد بها جوعها٣ نقطة ثم انصرفت هي الأخرى إلى استقبال المعزيات من نساء المجتمع الراقي و العائلات المرموقة . فكونها المرأة الوحيدة في العائلة جعلها تتحمل تلك المسؤولية عوضا عن ليلى، و إن كان ذلك لا يغير في الأمر شيئا فلم يكن من بين المعزيات واحدة تعرف ليلى شخصيا أو تعرف والدها المتوفى إلا بالسمعة٣ نقطة و لم يكن بإمكانها أن تنكر أنها أحبت لعب دور المرأة الهامة و الممثلة الرسمية لعائلة القاسمي. و أحست بالفخر و هي تتصدر المجلس و تشد على يد هذه و تتبادل عبارات مجاملة مع تلك، و لعلها لم تلق فرصة مماثلة منذ زواجها من ياسين٣ نقطة
, عادت إلى البهو بعد أن قامت بجولة شاملة على جميع غرف القصر، لكن دون أن تجد أثرا لليلى! راودها خاطر فجأة، فركضت إلى الهاتف في ركن الصالة العلوية و كونت رقم المزرعة. تبادلت بضع كلمات مع الخالة مريم قبل أن تضع السماعة من جديد و على وجهها علامات الخيبة٣ نقطة أين اختفت ليلى؟! كان موعد العشاء قد اقترب، و جموع المعزين قد انصرفت منذ أكثر من ساعة٣ نقطة كان السيد نبيل قد أغلق على نفسه غرفة المكتب منذ ذاك الوقت، و هو ما أصبح يفعله كثيرا في الأيام الماضية. أما ياسين فقد ذهب لإحضار رانيا من منزل جدتها بعد أن أخذتها منال بنفسها إلى هناك مساء البارحة، فقد آثرت إبعادها عن أجواء الحزن المخيمة.
,
, لبثت تذرع البهو جيئة و ذهابا في توتر و تنظر في ساعتها باستمرار، تنتظر ظهور أحد ما يخفف عنها قلقها و يحمل إليها خبرا عن ليلى المختفية٣ نقطة فراس هو الآخر لم تره منذ بضع ساعات٣ نقطة أين يكون هو الآخر؟ مر ببالها خاطر غريب، لكنها سرعان ما طردته عن ذهنها٣ نقطة لا، لا غير معقول٣ نقطة لا يمكن أن يكون ذلك. سمعت صوتا قادما من الطابق الأول فالتفتت بكل جوارحها لترقب من القادم.
, تعرفت بعد لحظات على صوت العكاز البلاستيكي حين يرتكز بقوة على الأرضية المجلزة. و ما لبث أمين أن ظهر عند أعلى الدرج و هو يتوكأ بكلتا ذراعيه على عكازيه. نظر إليها في صمت للحظات قبل أن يقول بصوت هادئ:
, ليلى ليست هنا٣ نقطة
, لم تعلق منال بل عقدت حاجبيها في حيرة فأضاف موضحا:
, ليلى رحلت٣ نقطة ٣ نقطة و ربما لن تعود
, هتفت منال في استغراب:
, ـ ما الذي تقوله؟
, رأيتها تذهب٣ نقطة ٣ نقطة هناك من جاء لأخذها
, تقدمت منال لتقبض على جانب السلم في عصبية و هي تصرخ:
, أخذها؟ !من؟ إلى أين؟
,
, تجاهل أمين سؤالها و هو يقول في برود:
, ـ ربما كان ذلك أفضل٣ نقطة ستكون في أحسن حال بعيدا عن هذه العائلة٣ نقطة
, ثم أخذ ينزل الدرجات واحدة تلو الأخرى في صعوبة بالغة و ساقه المكسورة تتدلى معيقة حركته. تقدمت منال نحوه و قد انتبهت إلى ألمه و معاناته. : مدت ذراعها لتساعده و هي تقول في شفقة
, كان يجب أن تلازم الفراش لبضعة أيام حتى تطيب جراحك٣ نقطة
, صدها بذراعه و نظرة صارمة تطل من عينيه، فتراجعت في دهشة وتركته يواصل نزوله بخطوات بطيئة و يتقدم في اتجاه المدخل وصولا إلى الشرفة الأمامية. تابعته بنظرات قلقة. أزعجتها لا مبالاته التي لم تتعود عليها٣ نقطة ٣ نقطة ربما لا يزال متأثرا بحادثته
, جالت من جديد في أرجاء القصر الذي خلا تقريبا من سكانه٣ نقطة تحس بفراغ غريب يخيم على المكان. ستجلس إلى جوار أمين في انتظار عودة زوجها٣ نقطة
, راقبتها عيون متيقظة و هي تحث الخطى باتجاه الحديقة بدورها. وحين اطمأن إلى انصرافها، توجه العم صابر إلى الهاتف في طرف البهو و أخرج في حذر شديد ورقة نقل منها رقم هاتف بأنامل مرتجفة. انتظر الرد في صبر نافد، و ما إن وصله صوت مخاطبه حتى هتف بصوت منخفض مبحوح من فرط الانفعال:
, أستاذ مأمون٣ نقطة الآنسة ليلى اختفت
,
, ثم ما لبثت علامات الارتياح أن ارتسمت على محياه و هو يهمهم بكلمات الحمد و الشكر. أعاد السماعة إلى مكانها في هدوء، ثم انصرف إلى عمله من جديد٣ نقطة
, و خيم على المكان هدوء عجيب٣ نقطة ربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, جلس في قاعة الانتظار و هو يعبث بهاتفه الجوال في توتر٣ نقطة للمرة الألف، أعاد تكوين رقمها و انتظر الإجابة في يأس، و لم يلبث أن جاءه الرد المعتاد الذي حفظه عن ظهر قلب٣ نقطة "شكرا لاستخدامكم شبكتنا٣ نقطة الهاتف المطلوب مغلق في الوقت الحاضر٣ نقطة يرجى الاتصال لاحقا٣ نقطة" أغلق الخط و هو يتنهد في مرارة. لم يعد لديه شك في أنها تتهرب من الحديث معه. هاتفها مغلق طوال الأيام الماضية٣ نقطة
, نسيت أمر الموعد ثم طلبت من ابن خالها الرد على مكالمته! بل لعلها دبرت لقاءهما يوم العزاء لتفهمه بأنها حسمت أمرها و قررت البقاء مع عائلتها هنا و الارتباط بابن خالها.
, لكنه لم يرد أن يستسلم بسهولة. أراد أن يستمع إلى توضيحاتها٣ نقطة ماذا لو كان خالها قد خطط لزواجها من ابنه للحفاظ عليها بعد وفاة والدها؟ لكنها لم تكبد نفسها عناء الاتصال للاعتذار عن الموعد و توضيح الأمر له! كابر طويلا و هو يقنع نفسه بأنه لا ذنب لها فيما حصل، و أنها لم تسخر منه أو تتلاعب بمشاعره٣ نقطة لكنه الآن لا يجد تفسيرا آخر! هاتفها المغلق و انعدام أية وسيلة للاتصال بها يثبت له أن كل شيء قد انتهى٣ نقطة ٣ نقطة ربما يجب أن ينسى أنه عرفها يوما
, تعالى النداء الأخير في القاعة : الرجاء من المسافرين على متن الرحلة رقم 3372 في اتجاه باريس التوجه إلى قاعة الرحيل.
, قام في تثاقل و تناول حقيبة سفره الصغيرة. إقامته طالت هنا بدون طائل، و لم يعد بإمكانه إهمال عمله و مسؤولياته أكثر من ذلك. لم يعد لديه ما يفعله هنا٣ نقطة ألقى نظرة وداع أخيرة على بهو المطار الفسيح. تأمل أفواج المسافرين و المودعين الذين لا تهدأ حركتهم في جميع الاتجاهات. تصفح الوجوه لبرهة. لم يكن في انتظار رفيق سفر أو مودع٣ نقطة لكن أملا ضئيلا راوده في اللحظات الأخيرة٣ نقطة و ما لبث أن استدار في اتجاه بوابة الرحيل٣ نقطة
,
, ١٢ العلامة النجمية
,
, وضعت نظاراتها السوداء العريضة على عينيها و نزلت من السيارة وهي تقاوم الرجفة التي سرت في أوصالها. استوقفها صوت مأمون و هو
, يقول٣ نقطة
, سأنتظرك هنا٣ نقطة من الأفضل أن تذهبي بمفردك تحسبا للظروف٣ نقطة لا تتأخري٣ نقطة
, هزت رأسها في تفهم ثم استدارت لتصعد الدرجات القليلة المؤدية إلى بوابة المستشفى. تقدمت في هدوء و ثقة في اتجاه مكتب الاستقبال.
, تبادلت بضع كلمات مع الموظفة، ثم أخرجت من محفظتها أوراق هويتها٣ نقطة بعد التثبت، طلبت منها الموظفة أن توقع في دفتر المستشفى لاستلامها حاجيات والدها و غابت في الداخل لتحضر الحقيبة٣ نقطة
, ليلى
, كانت منحنية على المكتب تهم بالتوقيع في الدفتر، حين سمعت الصوت ينادي باسمها. رفعت رأسها على الفور و التفتت إلى الوراء. امتقع وجهها حين وجدت فراس يقف على قيد خطوات منها و هو يتأملها في هدوء حزين. تسمرت في مكانها و لم تنبس بكلمة. لم تتصور أن تراه هنا، خاصة بعد مضي أكثر من أسبوع على وفاة والدها. اقترب منها حتى أصبح يقف : قبالتها مباشرة، و قال و على شفتيه ابتسامة متعبة
, كنت أعلم أنك ستأتين٣ نقطة
, نظرت إليه في دهشة. هل كان ينتظر قدومها؟ تابع بنفس هدوئه : العجيب:
, ـ تبدين في حال جيدة٣ نقطة ٣ نقطة يبدو أنهم يعتنون بك جيدا هناك
, هل يعلم أين كانت و مع من تقيم؟ مستحيل، و إلا لما كان انتظرها طوال الأيام الماضية في المستشفى! لكن ماذا يريد الآن؟ أتاها رده على الفور:
, ـ قلقنا عليك كثيرا٣ نقطة ما كان يجب أن ترحلي بهذه الطريقة٣ نقطة أعلم أن الإقامة معنا لم تكن مريحة، و الضغوطات كانت كثيرة٣ نقطة لكننا جميعا تعلقنا بك٣ نقطة أصبحت واحدة منا٣ نقطة ! نحن عائلتك الآن
, تعلقت عيناها بوجهه الشاحب و .حاولت أن تستوعب كلماته و تفسرها وعينيه الغائرتين. كانت علامات الإعياء جلية على محياه. تعرف جيدا تلك الخطوط العميقة حول العينين و في وسط الجبين التي تصاحب الأرق٣ نقطة و للمرة الأولى تصيب في تأويل نظراته المرتبكة و حركاته المضطربة! للمرة الأولى تنتبه إلى مشاعره التي ترك لها العنان٣ نقطة لكن الموقف لم يكن مناسبا أبدا لمثل هذا الاكتشاف الذي بعثر كل أوراقها. : أشاحت بوجهها في أسى و هي تقول
, فراس٣ نقطة أشياء كثيرة حصلت منذ غادرتكم٣ نقطة لم يعد بإمكاني العودة الآن٣ نقطة
, أطرق بدوره في ألم و قال في ارتباك، لم يعد لديه ما يخفيه:
, ـ أنا آسف٣ نقطة أعلم أنني تصرفت بتهور في ذاك اليوم٣ نقطة لكنني٣ نقطة لكنني لم أرد أن أخسرك بسهولة
,
, من الواضح أنه لم يفهم قصدها. ربما كانت قد تجاوزت عن تطاوله بالرد على هاتفها، لكن هناك مستجدات أخرى أقوى و أخطر٣ نقطة غاص قلبها بين ضلوعها في حزن و هي ترى انكساره أمام عينيها. لكنها تجاهلت ذلك و وضعت قناعا جادا على وجهها و هي تسأله بصوت بارد، يخفي انفعالاتها و اهتمامها:
, ما الذي حصل بينك و بين عمر؟
, كان السؤال يراودها بين الفينة و الأخرى، منذ رأتهما يقفان معا في الحديقة الخلفية ساعة هروبها٣ نقطة لكنها لم تبذل جهدا لتحصل على الإجابة بعد أن سيطرت القضية الجديدة على تفكيرها و شغلتها عن كل ما عداها٣ نقطة و لعلها توصيات مأمون الصارمة بقطع كل اتصالاتها بالعالم الخارجي و غلق هاتفها حتى لا يصل إليها خالها و ينتهي هو من تحقيقاته٣ نقطة
, ارتسمت على شفتيه ابتسامة واهنة و هو يقول في سخرية خفيفة:
, ـ ألم يخبرك الدكتور عمر؟
, هزت رأسها نافية و قد تزايد اهتمامها. تجهم وجهه و هو يحدق فيها و قد قرأ الصدق في عينيها. لم يشك لحظة واحدة في أن الحوار الذي دار بينه و بين عمر قد وصل إلى مسامعها. بل أنه تخيل التفاصيل و سمع كلماتها الغاضبة ترن كثيرا في رأسه بشتى الاتهامات بعد أن تكون قد اكتشفت محاولته اليائسة لإبعادها عن حبيبها، فيتزايد ألمه و حسرته٣ نقطة فقد كان تخيل أن أول ما ستفعله بعد فرارها هو الاتصال به و التخطيط للهرب بعيدا و الزواج٣ نقطة و ظن أنه لن يراها بعد ذلك، خاصة بعد أن أصبحت تحتقره و تحقد عليه! لكن إحساسا خفيا كان يؤكد له أنها ستأتي للمستشفى لاستعادة حاجات والدها. لذلك لازم قاعة الانتظار طوال الأيام الماضية، لا يكاد يبرحها. ينتظر قدومها في صبر لا يخلو من يأس. يريد أن يعتذر منها على الأقل بعد أن عود نفسه على أن فقدانها أصبح أمرا واقعا٣ نقطة لكنه لا يحتمل أن يكون كل ما تحمله تجاهه من مشاعر كراهية و احتقارا. يا ا****، كل تلك الكوابيس التي عاش معها طيلة الأسبوع المنصرم كانت مجرد وهم! : نظر إليها في ذهول و قال
, إذن أنت لا تعلمين؟!
, ظهرت الموظفة من الباب الداخلي و هي تحمل الحقيبة٣ نقطة
, تفضلي آنستي٣ نقطة
, لم تتحرك ليلى من مكانها و هي تقول مخاطبة فراس في إلحاح:
, ـ أعلم بماذا؟
, مسح وجهه بكفه في حركة عصبية، ثم أخرج هاتفه في اضطراب٣ نقطة ربما لازال بإمكانه أن يتدارك الموقف قبل فوات الأوان. أخذ يبحث في ذاكرة الهاتف عن رقم معين و هو يردد بصوت متعب منهار
, أنا آسف٣ نقطة أنا آسف حقا٣ نقطة ٣ نقطة أرجوك سامحيني
, أخيرا عثر على الرقم المنشود، فقال مبتسما في مرارة:
, سأصلح كل شيء الآن٣ نقطة ٣ نقطة لا تقلقي
, راقبته في حيرة و وجل و هو ينتظر الإجابة على اتصاله الغريب. لكن انتظارها طال و هي تراه يغلق الخط ثم يعيد محاولة الاتصال مرات عدة و قد علا وجهه الهم٣ نقطة و بعد بضعة محاولات تهاوت ذراعه إلى جانبه و نظر إليها و قد أوشكت عيناه أن تدمع، و تمتم:
, هاتفه مغلق٣ نقطة لعله سافر٣ نقطة هل من وسيلة للاتصال به في فرنسا؟
, آنستي٣ نقطة الحقيبة! هلا وقعت الدفتر؟
, التفتت ليلى إلى الموظفة معتذرة عن شرودها. وقعت الدفتر بسرعة و أخذت الحقيبة. توقفت للحظات أمام فراس الذي كان في غاية الاضطراب، ثم توجهت بهدوء في اتجاه البوابة مغادرة المستشفى. لحق بها في محاولة يائسة و هو يهتف:
, ـ ليلى، أرجوك٣ نقطة ٣ نقطة أعطني فرصة أخيرة
, التفتت إليه و قالت في برود:
, لا تشغل بالك٣ نقطة ٣ نقطة سأنظر في الأمر بنفسي
, ثم أضافت في حزم:
, و أرجوك، لا تتبعني٣ نقطة و من الأفضل أن تنسى أنك عرفت يوما فتاة تدعى ليلى كامل٣ نقطة
, ثم استدارت لتنطلق بخطوات سريعة إلى الخارج تاركة فراس في أقصى حالات الذهول٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, ركبت إلى جانب هالة التي انتظرتها مع مأمون أمام المستشفى، بعد أن وضعت الحقيبة في صندوق السيارة. خيم الصمت على ثلاثتهم فترة طويلة في طريقهم إلى منزل هالة. كانت ليلى مرتبكة. فلقاؤها غير المتوقع مع فراس أحدث في نفسها تأثيرا غريبا. لذلك آثرت الفرار من أمامه بأسرع ما يمكن. أيا كانت الحماقة التي ارتكبها و أيا كان الكلام الذي قاله لعمر، فذاك لم يعد مهما الآن. فالمسافات التي تفصلها عن عمر الآن أكبر بكثير من تلك التي تفصل مدينتها عن باريس! وفاة والدها و المعلومات الجديدة التي ظهرت عن عائلتها و مصائب خالها و أعماله، و جريمة قتل شقيقتها٣ نقطة كل ذلك يجعل حياتها أكثر تعقيدا و خطرا من حياة الفتاة الجامعية الهادئة التي عرفها في باريس! ربما ليس من المنصف أن تورطه في تلك المتاهة التي لم يحسب لها حسابا يوم تقدم لطلب يدها٣ نقطة كما أن الزواج والاستقرار هو آخر ما يمكنها التفكير فيه في وضعها الراهن٣ نقطة
, لكن فراس! ذاك الشخص الذي يثبت لها في كل مرة أنه أكثر غرابة مما توقعت. رأته اليوم مثلما لم تره من قبل. و تلك عادته، أن يفاجئها في كل لقاء بوجه جديد٣ نقطة فيترك في نفسها انطباعات جديدة. للحظة وصلتها مشاعره التي نطقت بها عيناه دون مواربة. فارتعبت و اضطربت و ارتبكت نبضات قلبها. لكنها تظاهرت باللامبالاة و البرود، لأن اكتشافها لن يغير من الأمر شيئا٣ نقطة فإن كانت المسافات بينها و بين عمر كبيرة٣ نقطة فإن المسافة بينها و بين فراس أكبر من أن يقدرها قلبها الصغير٣ نقطة
, أيقظها صوت مأمون و هو يقول في هدوء مريب:
, هناك أمر آخر حدثني عنه عمي رحمه **** ٣ نقطة في لقائنا الأخير٣ نقطة
, رفعت عينيها لتنظر إليه في المرآة العاكسة، و هي لا تزال تغطي وجهها بالنظارات الشمسية، فتابع و في صوته بعض الارتباك
, كان قد حدثني عن أستاذك في الجامعة الذي تقدم لخطبتك، و طلب مني أن أتعرف عليه و أستوثق من أمره جيدا٣ نقطة لكن الظروف لم تكن مناسبة في الفترة الماضية٣ نقطة سأحاول الالتقاء به قريبا٣ نقطة إن شئت٣ نقطة
, أشاحت ليلى بوجهها في اتجاه النافذة و هي تجيب في برود شديد اكتسبته من تجربتها القاسية حتى أصبح يطغى على معاملاتها:
, انس أمره٣ نقطة ٣ نقطة لم يعد ذلك مهما
,
, سرحت لبعض الوقت و هي تتأمل الشوارع المزدحمة، و لم تنتبه إلى الابتسامة الخفيفة التي علت شفتي هالة٣ نقطة , خارج القائمة
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٣١


دخل إلى الجناح و هو يجر قدميه في إرهاق. أغلق الباب في هدوء ونزع سترته الخفيفة ثم ألقاها على المنضدة المجاورة قبل أن يرتميعلى المقعد القريب بكل ثقله. أغمض عينيه للحظات يبحث عن الهدوء والراحة٣ نقطة لكن من أين له بالراحة. منذ عشرة أيام و هو يعيش حالة من الاضطراب الشديد لا يجد له منها متنفسا. منذ اختفاء ليلى و أشياء كثيرة تشغل باله و تعكر مزاجه. أحس بكف دافئة تحس على كتفه في حنان.
, أنت بخير؟
, فتح عينيه فألفى منال تطالعه بابتسامة حانية. هز رأسه ببطء دون أن يبادلها ابتسامتها و سألها في تهرب:
, ـ أين رانيا؟
,
, ـ نامت منذ قليل٣ نقطة ما الذي أخرك إلى الآن؟ منذ أيام لم تعد تلتزم بموعد العشاء!
, وقف على الفور و قد أزعجه الحديث و توجه إلى الحمام وهو يغمغم :
, ألا يمكنني أن أجد الراحة في أي مكان؟
, وضع رأسه تحت الحنفية و ترك الماء البارد يتدفق على شعره ووجهه٣ نقطة ربما أطفأت المياه الغزيرة حرارة الأفكار الملتهبة التي تحرق دماغه ليل نهار. رأسه تكاد تنفجر من التفكير، و مصيبته أنه غير قادر على اتخاذ القرار المناسب! والده كاد يجن بعد اختفاء ليلى و طلب منه أن يشرف بنفسه على عملية البحث عنها في كل مكان٣ نقطة لكنه غير قادر على التركيز. أو ربما كان يفضل اختفاء ليلى خاصة بعد وفاة والدها. كل شيء تغير الآن٣ نقطة وفاة نجيب كامل قلبت الأمور رأسا على عقب. و بقاء ليلى في القصر لن يجلب لها سوى التعاسة و الألم، لذلك فبقاؤها بعيدا خير لها، أينما كانت قد ذهبت! لكن نبيل القاسمي لن يقتنع بأنه فشل في إيجادها٣ نقطة لا شك أنه يرتاب في جدية البحث و لعله سيقصيه قريبا من المهمة و يتولاها بنفسه.
, خسارته ستكون فادحة بعد اختفائها، خاصة أنه لم يحصل على توقيع والدها على أوراق العقد النهائية٣ نقطة لن يقبل بانهيار المشروع بهذه السهولة.
, خرج من الحمام و هو يشعر بتحسن طفيف. حانت منه التفاتة إلى زوجته التي جلست على طرف السرير في استكانة و هي تحتضن كفيها في حجرها. يعلم طيبتها و سلامة طويتها. لكنه لا يريد أن يشغلها و يدخلها في مسائل لا طاقة لها بها٣ نقطة عليه تصفية حساباته القديمة٣ نقطة والخاصة بنفسه٣ نقطة دون أن يدخلها دوامة الألم. جلس إلى جانبها و وأحاط كتفيها بذراعه، كأنه يطلب الصفح على معاملته الجافة منذ حين، و همس في هدوء:
, ـ أنا آسف٣ نقطة لكنني متعب، و كثرة السؤال و العتاب تتعبني أكثر٣ نقطة تحمليني قليلا في هذه الفترة٣ نقطة وإن شاء **** تفرج الأمور خلال أيام قليلة٣ نقطة
, سرعان ما استجابت و عادت الابتسامة لتزين شفتيها و هي تقول في اهتمام:
, لكنني لا أريد أن أراك مهموما و لا أفعل شيئا حيال ذلك٣ نقطة
, ارتسمت ابتسامة باهتة على وجهه وهو يقول:
, للأسف لا يمكنك مساعدتي بشيء٣ نقطة ٣ نقطة دعيني أتولى أموري بنفسي
, ثم وقف دون أن يدع لها مجالا للاعتراض، و تناول سترته التي نزعها للتو و توجه نحو باب الجناح. : طاردته منال في دهشة
, إلى أين؟
, ـ هناك بعض الأوراق التي علي مراجعتها، سأجلس قليلا في غرفة المكتبة٣ نقطة
,
, قال ذلك دون أن يلتفت إليها وحث الخطى مغادرا٣ نقطة وقفت على الباب الجناح تودعه و في عينيها نظرة منكسرة٣ نقطة تمتمت في صوت خفيض
, لم يصل إلى مسامع ياسين الذي كان قد شرع في نزول الدرج:
, ـ لم تعد تحب مراجعة الملفات في السرير٣ نقطة أم أنك تتهرب مني؟
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, لم يدخل ياسين إلى قاعة المكتبة مثلما ادعى أمام منال، بل قادته خطاه إلى الحديقة. كانت الساعة قد تأخرت، والهدوء قد سيطر على المكان. أخذ يتمشى في الممر الممهد الذي تحفه المشاتل من الجانبين.
, سرح بخياله بعيدا٣ نقطة بعيدا جدا. أخذته أفكاره إلى ذكريات قديمة أليمة، ظلت تعيش في عقله و قلبه و لم تغب عنه يوما٣ نقطة ذكريات ظلت تؤرقه يوما بعد يوم و تعكر صفو حياته٣ نقطة بل لعلها انتزعت الصفاء من حياته إلى الأبد، فلم يعرف له طعما منذ زمن٣ نقطة أو لعله لم يعرفه يوما٢ علامة التعجب لطالما كانت حياته مختلفة عن حياة أخويه. بل لعله لم يحاول أن يقارن بينه و بينهما في يوم من الأيام. لأنه يدرك مسبقا مدى شساعة الفرق!
, عادت به الذاكرة إلى الماضي٣ نقطة ثلاثين عاما إلى الوراء. لم يكن قد تجاوز الثامنة من العمر٣ نقطة لكنه كان قد بدأ يدرك طبيعة العلاقة بين والديه. في تلك السن الصغيرة، كان يسترق السمع إلى مشاجرتهما المتكررة في توجس و حذر. و عقله البريء يسجل كميات من البرمجة السلبية. هل عرف الصفاء في تلك السن؟ لعله لم يعش طفولة عادية، كأنه خلق كهلا٣ نقطة يفكر في مصير عائلته باستمرار و يبحث عن الأسباب والحلول٣ نقطة وسرعان ما اكتشف الأسباب، حين اختارت أمه الحل بنفسها دون أن تمهله٣ نقطة الحل الذي بدا الأنسب، و الأيسر بالنسبة إليها٣ نقطة حل الهروب، بلا رجعة!
, يذكر ذاك اليوم جيدا، رغم السنوات التي مرت، و رغم غضاضة سنه في تلك الآونة. لكن ما حدث ترك بصمة واضحة في أعماق نفسه لم و لن يمحوها تعاقب السنون٣ نقطة كانت السيدة هاجر تعتكف في الغرفة الزرقاء منذ أيام، إثر خلاف حاد مع زوجها. فقد كانت الخلافات تزداد عمقا مرة بعد مرة، و قد بات كل منهما لا يطيق الآخر. في تلك الليلة سمع ياسين أنينا مكتوما قادما من الغرفة الزرقاء. كان والده قد تأخر في العودة كما صارت عادته في الفترة الأخيرة، و معظم الخدم قد أووا إلى النوم، و ربما صرفتهم والدته في وقت مبكر٣ نقطة فتح الباب في هدوء و فضول شديد يدفعه.
, رآها تستلقي على السرير و هي تشد على الملاءة في ألم و تصدر أنينا مزعجا. اقترب منها في قلق و اهتمام، فرأى ذراعها اليسرى التي تتمدد إلى جانبها في استسلام. كان الجرح العميق واضحا في معصمها المقطوع. الدماء ملأت المكان! : صرخ من الفزع
, مامــــــــا٣ علامة التعجب
, فتحت عينيها حين تناهى إليها صوته فتمتمت في ضعف:
, ـ ياسين٣ نقطة ٣ نقطة تعال اجلس إلى جانبي
,
, لم يكن يدرك ما عليه فعله في تلك اللحظات، لكنه هتف في رعب:
, ـ ماما٣ نقطة ما كل هذه الدماء؟ ! هناك جرح في يدك
, نظرت إلى معصمها في غير اكتراث، كأنها تجهل وجود الجرح، ثم قالت و قد خارت قواها تماما:
, ـ ماما ستودعك بعد حين٣ نقطة لكنها تعلم أنك رجل و يمكنك أن تهتم بنفسك جيدا٣ نقطة ٣ نقطة ماما لن تقلق عليك
, ـ لكن لماذا ترحلين؟ لماذا تريدين أن تتركيني؟
, كانت دموعه المتحجرة تأبى النزول حتى في تلك اللحظات القاسية, حتى إن تهدج صوته و شحب وجهه الصغير٣ نقطة فالدموع جافته، و ظلت على جفائها منذ تلك اللحظة.
, ـ بابا هو السبب يا صغيري٣ نقطة أبوك يقتلني في اليوم مائة مرة٣ نقطة سأريحه مني إلى الأبد٣ نقطة
, فجأة، تشنجت ملامحها لوهلة قصيرة، قبل أن يتهاوى رأسها على صدرها و يسري الاستسلام في أوصالها. لم يستطع أن يتحرك من مكانه. لبث يتأمل ملامحها المكفهرة التي تجمدت بلفظها آخر أنفاسها.
, كانت كلماتها الأخيرة تتردد في رأسه في قسوة "بابا هو السبب يا صغيري"٣ نقطة و لم يكن من الممكن بعد تلك اللحظة أن تعود علاقته بوالده إلى سابق عهدها!
,
, انسحب من الغرفة بهدوء و جلس تحت الدرج طوال الليل. لم يزر النعاس جفنيه في تلك الليلة. و كيف له أن ينام أو يرتاح و هو يحس بوحشة و رهبة بعد المشهد القاسي الذي شهده. صحيح أن طفولته لم تكن طبيعية منذ زمن، لكن تلك الحادثة زادت الأمر سوءا٣ نقطة علاقته بوالده أصبح يحكمها الخوف٣ نقطة و الحقد! هو السبب! هو الذي قاد والدته إلى الموت٣ نقطة لكنه لم يستطع على مواجهته بما سمعه منها. كتم ذلك في صدره، و ترك مشاعره الحبيسة تنمو في هدوء و تزداد تمكنا من قلبه٣ نقطة
, عادت إليه تلك الصورة بحذافيرها حين قرأ مذكرات حنان للمرة الأولى٣ نقطة كان قد لاحظ تنقلها المستمر صحبة دفترها الصغير الأسود. تجلس لساعات طويلة في الشرفة الخلفية تكتب و تكتب٣ نقطة و في إحدى الأمسيات، خرجت للتسوق و نسيت دفترها على المقعد. عثر عليه بالصدفة و لم يستطع السيطرة على فضوله فتصفح بضعة وريقات.
, جحظت عيناه و انسحبت الدماء من وجهه و هو يقرأ كلماتها. كان قد مر على وفاة أماني بضع سنوات، و بدأ يعود نفسه على الأمر. لكنه لم يكن قد شهد وفاتها و لا سأل عن كيفية انتحارها. فقد كان الخبر في حد ذاته كافيا ليصيبه بانهيار عصبي دام بضعة أسابيع. لكن و هو يقرأ وصف حنان للحادثة، عاد إليه مشهد السيدة هاجر في لحظاتها الأخيرة. لم يستطع تحمل الألم الذي داهمه، و بكى٣ نقطة بكى والدته للمرة الأولى منذ وفاتها٣ نقطة بكى أماني التي ذهبت و هي في ريعان شبابها٣ نقطة و بكى نفسه من بعدهما. لكن أحاسيس غريبة انتابته٣ نقطة أمر ما كان يقلقه بخصوص انتحار أماني. المشهدان كانا متقاربين جدا٣ نقطة لكن نقطة واحدة ظلت تشغله و تلح عليه٣ نقطة فقد بدا له موتها هادئا، هادئا جدا. بصفة تتعارض مع الأنين الذي كانت تصدره هاجر في لحظاتها الأخيرة٣ نقطة أنين يقطع نياط القلب. ملامحها الهادئة لا تشبه ملامح هاجر المتشنجة و لا تقلصاتها المؤلمة٣ نقطة و جاءه الجواب على سؤاله متأخرا٣ نقطة ٣ نقطة متأخرا جدا
, منذ فترة كان قد بدأ يهتم بحنان، تلك الفتاة المراهقة التي تذكره كثيرا بنفسه٣ نقطة لكن كلا منهما تعايش مع ظروفه بصفة مختلفة. هو فقد والدته و هو في سن الثامنة و أهمله والده قبل ذلك بوقت طويل٣ نقطة و هي فارقت والدها في سن الخامسة، و والدتها لم تمارس دور الأمومة! كلاهما عاش الوحدة و الفراغ و الضياع٣ نقطة
, لكن هو اختار أن يكتم آلامه في صدره، و هي اختارت أن تنفجر في وجه العالم٣ نقطة تصرفاتها اللا مبالية و حياتها العبثية المنحلة لطالما أوحت إليه بتمردها على حياتها و واقعها٣ نقطة و كان يحس بالمرارة وهو يراها تكبر و تمردها يكبر في داخلها و يزداد ضراوة. لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا حيال ذلك٣ نقطة فهو أصلا لم يفعل شيئا لينتشل نفسه من اليأس الذي أحاط به من كل جانب٣ نقطة و لم يكن يزعجه أن يعترف بغرقه في السلبية! حتى حين اختار زوجته التي لم توافق مزاج والده، كان خياره الانسحاب٣ نقطة لأنه لا يزال يخافه، و يزداد حقدا عليه يوما بعد يوم. حقد جبان لا ينفس عنه إلا بينه و بين نفسه٣ نقطة أخواه فراس و أمين كانا يتيمي الأم أيضا، لكن وضعهما لم يكن يحرك فيه المشاعر التي يحركها وضع حنان ف. المربية كانت معهما على الدوام، و والده أيضا أحبهما لحبه لأمهما الراحلة٣ نقطة لذلك لم يكن قلقا على مصيرهما٣ نقطة و لم يكن يسمح لنفسه بالتدخل في شؤونهما من قريب أو من بعيد٣ نقطة
, تزايد اهتمامه بحنان حين بدأ يلاحظ خروجها المستمر بمفردها. داخل نفسه الارتياب بشأنها، فاستجوب السائق. لكنه لم يعلم الكثير٣ نقطة فهو كان يوصلها إلى منزل صديقتها ثم يعود لاصطحابها إن استدعته، و في أحيان كثيرة يوصلها أهل هذه الصديقة. لذلك قرر أن يتحرى عن الأمر بنفسه. فتبعها و انتظر لبرهة أمام المنزل، و لم يخب ظنه إذ لمحها تخرج بعد حين و تطلب سيارة أجرة. لم يصدق عينيه حين رأى السيارة تدخل ذاك الحي الشعبي و تتوقف أمام حانة قذرة٣ نقطة لكنه لم يفعل شيئا! غادر المكان و هو يحس بالعجز٣ نقطة و لطالما لازمه ذاك الإحساس و هو يرى أشياء كثيرة تحصل أمام عينيه دون أن يكون قادرا على فعل شيء حيالها. لكن المشهد تكرر، و لبث يراقبها بضع مرات في صمت٣ نقطة إلى أن اهتدى إلى حل! نعم، إن كان هو عاجزا عن التصرف، فليترك الأمور بين يدي شخص آخر ربما يقدر على فعل شيء ما٣ نقطة و هكذا قرر أن يقحم فراس في المسألة٢ علامة التعجب لم يكن اختياره لفراس عبثا، فهو يعرف أخاه جيدا و يعلم أنه سيكون مهتما و متعاونا. كما أنه سيحسن التصرف بالتأكيد، و ما تفوقه في دراسة الطب و حياته الاجتماعية الزاخرة إلا علامة على نجاحه في كل ما يفعل٣ نقطة
, على كل حال إنه مختلف عن الطالب البليد الذي كان، مما حدا به إلى ترك مقاعد الدراسة قبل نيل الشهادة الثانوية. و لم يكن هناك مفر من التحاقه بالعمل في شركة والده، لتتنامى في نفسه تلك المشاعر البغيضة يوما بعد يوم٣ نقطة المهم، فراس كان شخصا مناسبا للمهمة، و سيكون بذلك قد أزاح الثقل عن كاهله و ارتاح من عناء التفكير
, لكن الأمور بعد ذلك تطورت بشكل لم يتصوره و خرجت تماما عن سيطرته٣ نقطة لم يكن يعتقد أن اتصاله الهاتفي المقنع بفراس سيجعله يتورط إلى تلك الدرجة، فقد فوجئ مثل الجميع حين أعلن فراس رغبته في الارتباط بحنان! و فوجئ أكثر بترحيب والده الغريب، وعلم أن وراء موافقته تلك مخططا ما٣ نقطة و لم يخب ظنه أبدا. لكنه اكتشف كل شيئا متأخرا، كالعادة٣ نقطة بعد أن فات الأوان و رحلت حنان!
, لم يستطع أن يفعل شيئا حيال ذلك٣ نقطة اتضحت الحقائق أمام عينيه و مع ذلك لم يتحرك. جبان! عذبه إحساسه بالضعف و رد فعله السلبي أمام فظاعة الموقف٣ نقطة لم يستطع أن يفعل شيئا بنفسه٣ نقطة كان أضعف من أن يواجه أحدا أو يوجه أصابع الاتهام إلى أحد. لذلك فضل أن يلقي بالمسؤولية على شخص آخر مجددا! لكن فراس لم يعد الشخص المناسب، لم يعد مناسبا أبدا٢ علامة التعجب و لم يكن هناك أفضل من السيد نجيب كامل، والد الضحية٣ نقطة لكنه لم يتجاوب مع اتصاله بالقدر الذي توقعه. فأسقط في يده٣ نقطة و استسلم للعجز و الخذلان رغم القلق النفسي الذي لازمه. و مضت السنوات رتيبة خاوية في انتظار أمل جديد يحركه٣ نقطة و ظهر الأمل بعد لأي مع زيارة نجيب كامل المفاجئة! رآه و هو يدخل الشركة فلم يصدق عينيه، و بسرعة عادت إليه الذكريات القديمة و ما تحمله من مشاعر قاسية٣ نقطة لم يتردد و اتصل به مجددا، فوجد منه هذه المرة أذنا صاغية. و لم يدم انتظاره ٤ نقطةطويلا قبل أن يقدم نجيب على الخطوة الموالية
,
, لكن ظهور ليلى كان مفاجئة حقيقية٣ نقطة مفاجأة لم تخطر له على بال!
, خمن أنها ستكون الطرف الذي يكشف الستار عن الحقائق المخفية.
, لكنها أثارت إعجابه حقا حين وصلت إلى المذكرات التي ظلت تائهة عن الجميع لسنوات٣ نقطة و لم يكن يتصور أنها ستتوصل إلى معرفة تفاصيل الحوادث التي شهدها القصر رغم توصيات والده الصارمة بعدم إثارة الماضي المرير٣ نقطة
, تابع تحركاتها و لقاءاتها مع أفراد العائلة و لم يستطع أن يقاوم رغبة ملحة في حمايتها. ربما لم يقم بدوره كما يجب مع شقيقتها واستيقظ بعد فوات الأوان. لذلك بات يخشى أن تتكرر المأساة أمام عينيه و لا يقدر على فعل شيء حيالها. كان يرى في وجودها في القصر في حد ذاته خطرا عليك، ناهيك عن زواجها من فراس! لذلك حاول تحذيرها و إبعادها عنه٣ نقطة سهل على رجاء مهمة الوصول إلى الملفات التي تثبت النوايا الخفية وراء ارتباط حنان و فراس٣ نقطة
, تركها تصل إلى القلادة و إلى الوريقات المتبقية من مذكرات حنان٣ نقطة الوريقات القليلة التي أنقذها من الحرق لأنها ستكون دليل الإدانة على الجريمة التي صارت تفاصيلها واضحة في رأسه٣ نقطة لكن كل ذلك لم يكن كافيا و الأمور سارت بمنحى مختلف عما رسم له و خطط. نجيب القاسمي توفي قبل الوصول إلى نتيجة! لم يعد هناك من ينهض بالعبء من بعده٣ نقطة ! و عدنا إلى نقطة الصفر
, كانت هذه الهواجس تؤرقه منذ أيام٣ نقطة ربما كان اختفاء ليلى أفضل من بقائها٣ نقطة فهي ستكون بأمان حيث هي. لكن الحقيقة لم تعد بأمان٣ نقطة الحقيقة التي لم تعد تحتمل الاختفاء أكثر من ذلك٣ نقطة ربما عليه أن يتصرف بنفسه لمرة٣ نقطة ربما عليه أن يتخذ خطوة صارمة ليفك قيود الماضي التي كبلته و قيدت حريته٣ نقطة إلى متى ستظل سلبيا خاضعا مستسلما يا ياسين؟ خبرني إلى متى؟
,
, ١١ العلامة النجمية
,
, جلست ليلى في الشرفة و هي تمسك بكوب القهوة بين كفيها وقد سرحت نظراتها تجاه البحر. كان المشهد الذي تطل عليه من أروع المشاهد و أكثرها راحة للأعصاب٣ نقطة وضعت الكوب على المائدة و عادت إلى الجريدة المحلية التي تصفحتها مرات و مرات هذا الصباح. وفي كل مرة كانت تتوقف عند العنوان الذي ملأ الصفحة الأولى و صفحات كثيرة بعدها٣ نقطة عنوان الملف الأسبوعي الذي لاكته الجرائد على مدى الأسابيع الماضية (القبض على رجل الأعمال نبيل القاسمي بتهمة الفساد و القتل عمدا) و لم يكن تأثيره على نفسها يقل من مرة إلى أخرى٣ نقطة لم تحضر تفاصيل المحاكمة التي لا تزال تتدارسها المحكمة الجنائية و التي طالت جلساتها و مداولاتها بحضور هيئة من المحامين للدفاع عن رجل الأعمال المعروف٣ نقطة
, سمعت الباب يفتح و وقع خطوات موقعة على جليز الفناء٣ نقطة لا شك أن مأمون قد عاد. إنه لا يدخر جهدا في هذه القضية٣ نقطة و رغم أنه فعل كل ما بوسعه لكشف الحقيقة إلا أنه لا يزال يصر على متابعة الجلسات باستمرار و يمدها بتفاصيل المحاكمة أولا بأول٣ نقطة ابتسمت و هي
, تطوي الجريدة و تلقي بها على المقعد المجاور. لم تعد بحاجة إليها، فمراسلها الصحفي قد وصل! لبثت تعبث بالقلادة التي تتدلى على صدرها و تحرك الملعقة في فنجانها في انتظار وصوله٣ نقطة لكن مأمون تأخر هذه المرة٣ نقطة يعلم أنها تجلس في الشرفة تنتظر منه الأخبار اليومية٣ نقطة
, فجأة سمعت حفيفا خلفها، التفتت لتجد فرح الصغيرة، ابنة هالة ذات السنوات الست، تقف عند مدخل الشرفة في تردد. ابتسمت ليلى و هي تمد إليها ذراعها تشجعها على الاقتراب:
, تعالي يا فرح٣ نقطة لماذا تقفين هناك؟
, تقدمت الفتاة على استحياء حتى جلست في حضن ليلى دون أن تتكلم٣ نقطة فهي كانت قد تعودت على وجودها بينهم بعد الشهور الثلاثة التي قضتها في منزلهم الشاطئي الصغير٣ نقطة وبعد صمت قصير رأسها وهي تقول في حزن:
, هل صحيح أنك لست من مستوانا الاجتماعي؟
, رفعت ليلى حاجبيها في دهشة و هي تقول في حيرة:
, من الذي قال هذا؟
,
, خالي مأمون قال أنه لا يمكنه أن يتزوجك لأنك لست من مستوانا الاجتماعي!
, تسارعت دقات قلبها في ارتباك و شردت نظراتها للحظات٣ نقطة حتى أنها لم تنتبه حين قفزت الفتاة من على ركبتيها و ركضت مبتعدة٣ نقطة لم تكن قد فكرت أبدا في اختلاف المستويات أو في الفوارق المادية، فوالدها رباها على ترك تلك الاعتبارات جانبا حين يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية٣ نقطة و وقوف مأمون و هالة معها في محنتها كان أكثر من إنساني٣ نقطة لكنها كانت قد رمت مسألة الزواج هذه وراء ظهرها، و إن كانت تتساءل باستمرار عن مستقبل حياتها. فلم يكن من الملائم أن تستمر إقامتها عند هالة أكثر من ذلك. المنزل صغير، و زوجها أحمد يجد نفسه مضطرا إلى قضاء السهرات خارج المنزل حتى لا يضايقها أو يحرجها٣ نقطة لكن لطفهم معها و تفانيهم في الحفاظ على راحتها يحرجها بالفعل٣ نقطة
, ـ كيف حالك اليوم؟
, رفعت رأسها حين وصلها صوت مأمون و هو يدلف إلى الشرفة تتبعه هالة في صمت، و على وجهها علامات الاستياء٣ نقطة يبدو أن نقاشا ساخنا جمعهما منذ حين في المطبخ! اجتهدت ليلى حتى ترسم ابتسامة على
, شفتيها و تداري الأفكار التي كانت تشغلها منذ حين. رنت إليه في اهتمام وهي تسأل :
, خبرني٣ نقطة ما الجديد؟
,
, تنهد و هو يتخذ مجلسه على مقعد غير بعيد عنها و يضع مظروفا كبيرا على الطاولة المنخفضة أمامه. في حين أسندت هالة جذعها إلى باب الشرفة و عقدت ذراعيها أمام صدرها. قال مأمون و هو يعبث بسلسلة مفاتيحه التي لا تزال بين أصابعه وقد كان توتره واضحا:
, ربما سقطت عنه تهمة القتل٣ نقطة فالأدلة غير كافية، و لا تعدو أن تكون مجرد شكوك٣ نقطة و المرجح أن الحوادث ستظل عمليات انتحار في نظر المحكمة، ما لم تظهر أدلة جديدة٣ نقطة لكن ذلك يبدو مستبعدا نظرا للبعد الزمني٣ نقطة كما أن ياسين يخضع لعلاج نفسي الآن٣ نقطة ترسبات الحوادث التي عاشها أثرت في توازنه٣ نقطة و من المؤسف أنه لم يعالج في وقت مبكر٣ نقطة ٣ نقطة لا أحد كان يعلم بأنه شهد حادثة انتحار والدته
, هزت ليلى رأسها في أسف، فقد أثرت فيها كثيرا المصائب التي طالت عائلة خالها في الشهور الماضية حتى شغلتها عن التفكير في همومها الشخصية٣ نقطة لا شك أن الجميع الآن في حاجة إلى علاج نفسي٢ علامة التعجب تابع مأمون موضحا:
, ـ لكن تهمة الفساد ثابتة لا محالة٣ نقطة فالوثائق التي قدمها ياسين إلى المحكمة لا تدع مجالا للشك٣ نقطة و هذه القضية وحدها كفيلة بالقضاء على مستقبل السيد نبيل المهني واستنزاف السنوات المتبقية من حياته
, أطرقت مجددا في تفكر٣ نقطة ربما من واجبها أن تزور عائلة خالها و تقف إلى جانبهم في هذه المحنة٣ نقطة من المؤكد أن منال تجد نفسها وحيدة خاصة و زوجها يوجه إصبع الاتهام إلى والده٣ نقطة لا يمكنها أن تتخيل موقف كل من أمين ٣ نقطة و فراس
,
, تنحنح مأمون و هو يدفع الظرف الذي كان يستقر على الطاولة في اتجاهها. رددت نظراتها بين الظرف و بين عينيه في تساؤل. فابتسم وهو يقول في طمأنة:
, ـ هذه أوراق ثبوت ملكيتك لكل إرث عمي نجيب رحمه االله٣ نقطة كل العقود أصبحت موثقة باسمك الآن٣ نقطة إضافة إلى أرقام حساباتك الجديدة وكشوفها الدقيقة٣ نقطة أنهيت المعاملات مع المحامي اليوم٣ نقطة كل شيء أصبح قانونيا و منظما٣ نقطة
, تناولت الظرف بأنامل مرتجفة. تصفحت بضعة وريقات في عدم تركيز وهي تقاوم إحساسا غريبا انتابها. لكنها تجاسرت أخيرا و سألته و هي تحاول إخفاء اهتمامها:
, و أنت؟ ماذا ستفعل الآن؟
, ابتسم في ارتباك و هو يقول متظاهرا باللا مبالاة
, سأبحث عن عمل جديد٣ نقطة
, كان والدها قد صفى جميع أعماله استعدادا للشراكة الجديدة والاستقرار في البلاد٣ نقطة و مأمون ظل مرافقا له ليواصل معه المشوار.
, لكن بانتهاء الأعمال و بطلان العقود لم يعد هناك عمل يديره أو يشرف عليه٣ نقطة : أردف مأمون في دعابة شابتها مرارة لم تخف عليها:
, لكنني ربما أحتاج إلى رسالة تزكية من مستخدمتي السابقة٣ نقطة
,
, لم تستطع أن تبتسم على دعابته الثقيلة على قلبها٣ نقطة فهي لم تعتبره يوما موظفا عند والدها بقدر ما كان فردا من العائلة و قد ساءها أن يستعمل كلمة "مستخدمتي" كأنه يؤكد على العلاقة العمودية التي بينهما و التي تصنع حواجز سخيفة في نظرها٣ نقطة انتبهت إلى حركة هالة العصبية و هي تترك وضعيتها و تنطلق في خطوات سريعة عائدة إلى المطبخ. تابعتها ليلى بنظرات ملؤها الدهشة. لم تكن قد رأت هالة غاضبة من قبل٣ نقطة تذكرت كلمات الصغيرة فرح، هل لذلك علاقة بموضوع الزواج؟
, وقف مأمون و قد هم بالانصراف بدوره قبل أن يفتضح اضطرابه، لكنها استوقفته حين وصل إلى المدخل و هي تقول في صوت مختنق من العبرات:
, ـ لست أدري كيف أشكركم على كل ما فعلتموه معي في الفترة الماضية٣ نقطة ٣ نقطة أنا مدينة لكم بالكثير
, لم يلتفت إليها، لكنه همس في تأثر:
, ـ كان ذلك واجبنا تجاه عمي نجيب٣ نقطة و عائلته٣ نقطة و إلا لكننا ناكرين للجميل٣ نقطة
, أصغت إلى وقع خطواته التي ابتعدت إلى الداخل٣ نقطة احتضنت الظرف و ضمته إلى صدرها٣ نقطة كان آخر ما تبقى لها من حياة والدها . لكن هل ستصنع هذه الأموال و الممتلكات سعادتها؟ ربما كانت في حاجة إلى أكثر من ذلك٣ نقطة ٣ نقطة إلى عائلة حقيقية , خارج القائمة
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٣٢
الأخير


أبعدت الهاتف عن أذنها حين دوت صرخة ثائرة من سحر و هي ترد على اتصالها :
, ليلـــــــى٣ نقطة أين اختفيت كل هذا الوقت٢ علامة التعجب قلقت عليك جـــــــــــــدا٣ علامة التعجب
, ابتسمت ليلى في حزن و هي تقول مهدئة :
, ـ تلك قصة طويلة جدا٣ نقطة أمهليني حتى أخبرك بكل التفاصيل٣ نقطة
, قاطعتها سحر على الفور و هي تهتف :
, ـ أخبريني أولا٣ نقطة ماهي قصة زواجك؟٢ علامة التعجب
, ـ زواجي؟ عم تتحدثين؟٢ علامة التعجب
,
, ـ نعم زواجك من ابن خالك٣ نقطة و الدكتور عمر يرسل إليك تهانيه٢ علامة التعجب لم أصدق أذني حين قال ذلك حين رأيته بعد رجوعه بأيام قليلة٣ نقطة حسبته ذهب خاطبا فوجد نفسه معزيا، و إذا به يعود مهنئا! و الأدهى هو أنه ظن أنني قد أكون على علم بالمستجدات، لكنني صدمت للغاية٣ نقطةأخبريني ما القصة؟
, سكتت ليلى و لم تنطق بكلمة٣ نقطة هكذا إذن يا فراس٣ نقطة
, لبثت مطرقة في أسى، لقد عاشت الحلم لأسابيع قليلة٣ نقطة حلم كل فتاة في سنها، أن تلتقي فراس أحلامها و يطير بها على ظهر جواد أبيض٣ نقطة لكنها تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن الحلم٣ نقطة ستوليه ظهرها قبل أن تهنأ به. بات من المحتم عليها أن تنسى عمر و تستعد لمواجهة صعوبات حياتها الجديدة. لا يمكنه أن تطلب منه ترك حياته المستقرة الهادئة و خوض الأمواج المتلاطمة من أجلها٣ نقطة صحيح أنها لا تشك في شهامته و أخلاقه، لكن ما يجمعهما لا يعدو أن يكون إعجابا بين طالبة و أستاذها٣ نقطة و ذلك لا يجبره على التضحية بكل شيء لأن ظروفها لم تعد ملائمة!
, صرخت فيها سحر مجددا :
, ـ أخبريني بكل شيء٣ نقطة و بالتفصيل الممل٢ علامة التعجب
,
, قصت عليها ليلى الأحداث الأخيرة المفجعة و ما صاحبها من ألم و قلق و معاناة٣ نقطة و ما إن فرغت من روايتها و أطلقت تنهيدة عميقة، حتى هتفت سحر في تأثر :
, يا ****! كل هذا يحصل في عائلة خالك! لا حول و لا قوة إلا بالله٣ نقطة
, رسمت ليلى على شفتيها ابتسامة ساخرة و هي تقول :
, ـ أغرب من الأشرطة العالمية!
, صمتت سحر لبرهة قبل أن تستطرد مغيرة الموضوع، كأنها تذكرها بما تحاول تناسيه :
, ـ الدكتور عمر تغير كثيرا في الفترة الأخيرة يا ليلى٣ نقطة أصبح أكثر تحفظا مع الطالبات و لم يعد منطلقا و مرحا كما كان٣ نقطة بدا لي متأثرا جدا٣ نقطة رغم أنه يحاول استعادة نسق حياته و الانغماس في العمل٣ نقطة و يحز في نفسي أنه خدع بتلك الطريقة٣ نقطة يجب أن يعلم بكل شيء الآن٣ نقطة
, تمتمت ليلى و هي تحس بمرارة في حلقها :
, ـ لن يغير ذلك من الأمر شيئا٣ نقطة الظروف لم تعد نفسها٣ نقطة ربما من الأفضل أن ينسى٣ نقطة أنا متأكدة أنه سينسى مع مرور الوقت٣ نقطة
,
, هتفت سحر في اعتراض :
, ـ لكن لماذا؟ مازال بالإمكان إصلاح كل شيء!
, بلعت ريقها في صعوبة و هي ترد بصوت خافت :
, ـ لم يعد من الممكن أن أعود إلى فرنسا يا سحر٣ نقطة أظنني سأستقر هنا٣ نقطة في بلدي٣ نقطة
, ظهرت آثار الصدمة في صوت سحر و هي تقول :
, ـ كيف تتركين عالمك بهذه السهولة؟ و دراستك؟ و تتركينني وحيدة؟ لقد اشتقت إليك كثيرا٣ نقطة
, تنهدت ليلى و هي تداري دموعها التي توشك على التسلل و قالت مهدئة :
, ـ لا تقلقي٣ نقطة سنظل على اتصال باستمرار، و سأزورك كلما سنحت الفرصة٣ نقطة كما أنني سجلت في الجامعة هنا، و سأهتم بدراستي جيدا٣ نقطة
, ـ لكن لماذا؟ ليس هناك ما يربطك بتلك البلاد!
, ردت ليلى في حزم :
,
, ـ بلى يا سحر٣ نقطة بلى٣ نقطة لدي الكثير لأفعله هنا٣ نقطة
,
, ١٢ العلامة النجمية
,
, نزلت من السيارة و ضمت سترتها الخفيفة إلى جسدها بأوصال مرتجفة. ألقت نظرة على البوابة العملاقة الموصدة في توجس و خطت في اتجاهها٣ نقطة
, ـ هل تريدين أن أعود لأخذك؟
, التفتت إلى مأمون الذي يطل برأسه من نافذة السيارة و قالت بسرعة :
, لا تزعج نفسك٣ نقطة سأعود بسيارتي التي تركتها هنا٣ نقطة
, ثم ابتسمت و هي تقول في مرح محاولة السيطرة على اضطرابها :
, ـ اهتم جيدا بالأطفال في غيابي٣ نقطة هشام أخبرني إن لم يعطك خالك الحلوى التي وعدك بها!
,
, أطل هشام بدوره و هو يهتف :
, ـ حاضر خالة ليلى٣ نقطة
, ثم ألقى على مأمون نظرة انتصار٣ نقطة فما دامت ليلى في صفه فهو
, سيحصل على الحلوى بالتأكيد. و سرعان ما ابتعدت السيارة و الطفلان يلوحان لها عبر الزجاج الخلفي٣ نقطة قبل أن تختفي في أحد الشوارع الجانبية. تنهدت ليلى و هي تتقدم في اتجاه مبنى القصر. أجالت بصرها في المكان كأنها تدخله للمرة الأولى. ابتسمت في حزن و هي تتذكر المرة الأولى التي قدمت فيها إلى هنا٣ نقطة كان ذلك منذ شهور أربعة تقريبا! كم كانت قاسية و حامية. هل كانت تتصور ما ينتظرها
, حين عبرت البوابة للمرة الأولى؟ ولا مثقال ذرة! وصلت إلى الشرفة دون أن يعترضها أحد. بدا كأن القصر مهجور٣ نقطة لم تر الحارس و لا أحدا من الخدم٣ نقطة أين ذهب الجميع؟
, صعدت الدرجات المؤدية إلى البهو في بطء و حذر، ثم دفعت باب المدخل في هدوء٣ نقطة لمحت ظل امرأة متشحة بالسواد، تضع على رأسها حجابا و تهتم بتنظيف الأثاث في حركة بطيئة تنم عن الملل والفتور. تأملتها في استغراب و فضول ثم تنحنحت لتلفت انتباهها.
, استدارت المرأة في ذعر، و حدقت في ليلى للحظات و على وجهها علامات عدم الاستيعاب، ثم هتفت في فرح حقيقي و هي تهب نحوها
, مرحبة :
, ـ ليلى حبيبتي٣ نقطة أخيرا عدت!
, عانقتها ليلى في دفء و مودة و التمعت الدموع في عينيها و هي ترى آثار الهموم على وجهها :
, ـ منال كيف حالك٣ نقطة و كيف حال رانيا؟
, مسحت منال دموعها بظاهر كفها و هي تهز رأسها و تبتسم :
, الحمد لله٣ نقطة الحمد لله على كل حال٣ نقطة
, عادت ليلى لتعانقها بقوة أكبر و هي تهمس في أذنها :
, ـ مبارك٣ نقطة
, ضمتها منال بدورها و هي تجيب في صوت مختنق :
, ـ كان يجب أن أفعلها منذ زمن٣ نقطة الحمد لله الذي هدانا إلى هذا٣ نقطة وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله٣ نقطة
, ابتعدت ليلى عنها قليلا و نظرت إلى الخرقة التي بين يديها و قالت في تساؤل :
,
, ـ أين الجميع؟ أين الخدم و الحارس و السائق؟ لماذا تنظفين بنفسك؟
, تنهدت و هي تدعوها إلى الجلوس و قالت في مرارة :
, ـ لقد تغير الحال يا عزيزتي٣ نقطة صرفنا الخدم و الحشم٣ نقطة و عن قريب سنضطر إلى مغادرة هذا المكان أيضا و نبحث عن شقة صغيرة تناسب الوضع الجديد٣ نقطة
, حدقت فيها ليلى في دهشة، فتابعت منال موضحة :
, ـ ستتم مصادرة جميع ممتلكات عمي نبيل٣ نقطة لتسديد الغرامة المالية الضخمة التي حكمت بها المحكمة٣ نقطة تم طلب الاستئناف، لكن الأمل ضئيل٣ نقطة إنها مسألة وقت فحسب قبل أن تهجم علينا القوى العامة و تطالبنا بإخلاء القصر و المزرعة٣ نقطة فضلا عن تسليم الشركة٣ نقطة حتى تعرض كلها في مزاد علني!
, قبل أن تعلق ليلى، فتح الباب المطبخ و ظهرت الخالة مريم و هي تردي منديل الطبخ٣ نقطة و ما إن وقعت عيناها على ليلى حتى اتسعت عيناها دهشة و اندفعت نحوها مرحبة هي الأخرى٣ نقطة و بعد العناق و تبادل عبارات المواساة، كانت النساء الثلاثة يجلسن في البهو و قد خيم عليهن صمت ثقيل٣ نقطة لم يخف على ليلى جو التوتر السائد بين منال و المربية٣ نقطة ربما كان المصاب واحدا، لكن ياسين وشى بوالده واتهمه في العلن، و لا شك أن الخلافات بين الولد و أبيه ستطول زوجة الولد و بقية أفراد العائلة٣ نقطة
, تكلمت ليلى أخيرا لتسأل في حذر :
, ـ كيف حال أمين٣ نقطة و فراس؟
, ابتسمت منال في حزن و هي تقول و في عينيها نظرة ساهمة :
, ـ رجال٣ نقطة رجال يعتمد عليهم حقا٣ نقطة أمين في العمل. قرر أن يعمل بالتوازي مع دراسته٣ نقطة و لعل ما حصل سيجعله يجتهد أكثر كي يحصل على شهادته هذه السنة. لم يعد هناك مجال للتكاسل و الدلال٣ نقطة
, نظرت إليها في مزيج من الدهشة و الإعجاب :
, ـ أمين يعمل؟!
, الفكرة التي أخذتها عنه هي أنه شاب مدلل و محاط بجميع أسباب الرفاهية. لا يفكر. لا يعمل. و يحصل على كل ما يريد بأيسر السبل. و لم تكن تتوقع أنه سيتغير و يقف على قدميه بمثل هذه السرعة. بل لعلها كانت قلقة عليه أكثر من بقية أفراد الأسرة٣ نقطة فمنال امرأة مكافحة، من أصل ريفي. اجتهدت حتى تنجح في عملها و تصل إلى ما وصلت إليه قبل زواجها من ياسين٣ نقطة و فراس فتح عيادته الشخصية ويملك مورد رزق، لذلك لم تكن لتقلق على أحدهما. أما أمين الطفل الكبير، فإنها كانت تراه الأكثر قابلية للانهيار في ظروف مماثلة .
, واصلت منال مؤكدة و هي تبتسم في مرح يتنافى مع الحزن الذي كان يكسو وجهها منذ لحظات :
, ـ حصل على وظيفة في مكتب تسويق٣ نقطة و لا أظنه يجد صعوبة في البيع و الشراء و هو الذي تعود على اللقاءات الاجتماعية و يجيد فن التودد و الإقناع! كلها شهور قليلة قبل أن يحصل على شهادة الهندسة و يشتغل في المنصب الذي يناسب طموحاته٣ نقطة
, هزت ليلى رأسها و هي تبتسم بدورها . كانت سعيدة للغاية من أجله٣ نقطة
, في تلك اللحظة، فتح باب المدخل، و ظهر فراس و هو يحمل بعض المشتريات. التفت إلى الخالة مريم و بدا أنه لم يلاحظ وجود ليلى، وقال و هو يهم بالتوجه إلى المطبخ :
, ـ سأضع هذه الحاجيات في المطبخ٣ نقطة هل الغداء جاهز؟
, لكنه توقف فجأة و عاد ليدقق النظر في الجالسات في البهو، بعد أن التقط دماغه صورة غير مألوفة٣ نقطة أو لعلها لم تعد مألوفة بعد كل الأحداث الرهيبة التي توالت بعد لقائهما الأخير. حدق فيها في دهشة و كادت الأكياس تقع من بين يديه، لولا أن منال وقفت على الفور لتأخذها عنه. وقفت ليلى بدورها و اقتربت منه في هدوء و على شفتيها ابتسامة خفيفة :
, ـ كيف حالك فراس؟
, تمهل بعض ثوان قبل أن يرد بصوت هادئ خال من التعابير :
, الحمد لله٣ نقطة
, لم تكن تشك في أن الشهور الماضية التي تلت وفاة والدها تركت آثارا في عيون الجميع. لكن الانكسار الذي رأته في عيني فراس في تلك اللحظة جعلها تدرك أنها كانت مخطئة في تقديرها٣ نقطة إنها تدرك الآن أن فراس كان أكثر المتأثرين بالأحداث الأخيرة. فقد وجد نفسه في وضع يحتم عليه تحمل مسؤولية العائلة كاملة٣ نقطة لم يكن بإمكانه التهاون في متابعة قضية والده و الاتصال المستمر بالمحامين، فهو يبقى والده رغم كل شيء٣ نقطة و كان في نفس الوقت يشرف على علاج أخيه الأكبر مع مجموعة من أصدقائه المتخصصين، لتجاوز الصدمة بأخف الأضرار. كما أن منال و ابنتها و الخالة مريم و أمين٣ نقطة كلهم يعقدون الأمل عليه، لأنه رجل البيت الآن! بدا كأن الوقت و الجهد الذين يقدمهما لعائلته بكل سخاء يقتطعان الشيء الكثير من صحته٣ نقطة فظهرت علامات الذبول في ثنايا وجهه، و ازداد جسمه نحافة بشكل ملحوظ في أشهر معدودة٣ نقطة
, طالعته ليلى في أسف و هي تقاوم الدموع التي تجمعت في عينيها. إنه لا يزال صامدا رغم كل شيء، و يتقبل قدره برحابة صدر يحسد عليها. رجل يا فراس٣ نقطة رجل أنت! تكلم أخيرا ليقول في شيء من المرارة :
, ـ أرجو أن حياتك تسير بحال أفضل مما هي عليه هنا٣ نقطة
, أطرقت برأسها و قالت في ضيق :
, ـ أنت تعلم أنني لا يمكن أن أشمت في خالي و عائلته مهما حصل٣ نقطة حتى و إن كنت أعلم أنه كان يطمع في ثروة والدي! إنما جئت لأزوركم و أطمئن إلى حالكم٣ نقطة فإن كان وجودي غير مرغوب فيه، فإنني سأغادر على الفور٣ نقطة
, استوقفها بسرعة و هو يحاول تدارك موقفه، و قال في ارتباك :
, ـ ليس ذلك ما قصدته٣ نقطة أنت فرد من العائلة، و ستظلين كذلك٣ نقطة لكن ما حصل لم يترك لي ذرة تركيز٣ نقطة الظروف تغيرت يا ليلى، تغيرت كثيرا٣ نقطة
, ابتسمت و هي ترفع عينيها و تقول في دفء :
,
, ـ أنتم عائلتي التي لن أتخلى عنها بعد إذ وجدتها٣ نقطة اعتبرني أختك الصغيرة، و ستجدني دائما إلى جانبك٣ نقطة
,
, ١١ العلامة النجمية
,
, أوقفت السيارة في حدة و قفزت منها على عجل٣ نقطة لبثت تفكر طوال رحلة العودة إلى الضاحية الجنوبية، و وجدت نفسها في غاية الحماس للفكرة الجديدة التي راودتها. لم تستطع الانتظار أكثر قبل البدء في تنفيذ الخطوات التي قررتها٣ نقطة دخلت إلى المنزل و هي تلهث من فرط الانفعال و الركض. حين دلفت إلى غرفة الجلوس ألفت هالة و طفليها جالسين أمام التلفاز، تلفتت حولها كأنها تبحث عن شيء مفقود ثم هتفت :
, ـ أين مأمون؟
, فتح باب الحمام و خرج مأمون على الفور ،بعد أن سمع هتاف ليلى و وقع خطواتها المستعجلة، و هو لا يزال يمسح يديه في المنشفة و اقترب منها في قلق :
,
, ـ أنا هنا٣ نقطة ما الأمر؟
, ألقت حقيبتها الصغيرة على الأريكة و جلست و هي تأخذ نفسا عميقا، ثم قالت و نظراتها تشع حماسا و تفاؤلا :
, ـ أين وصلت في بحثك عن عمل؟
, بدا عليه الارتباك و هو يجيب :
, ـ أجريت بعض مقابلات٣ نقطة هناك بعض العروض المغرية٣ نقطة لكنني لم أحسم أمري بعد٣ نقطة
, انحنت إلى الأمام و هي تقول و على شفتيها ابتسامة واثقة :
, ـ لدي عرض أكثر إغراءا من كل العروض الموجودة في السوق!
, حدق فيها في دهشة و تساؤل فواصلت موضحة :
, ـ تعلم أن شركة خالي و جميع ممتلكاته ستعرض قريبا للبيع في مزاد علني٣ نقطة أريدك أن تلتقي بالمحامين و المشرفين القانونيين عن عملية البيع، و تحاول بأي ثمن أن تحصل على الصفقة!
, التمعت في عينيه نظرة انتصار و هو يقول مؤيدا :
, ـ لا شك أنك ستحصلين عليها بثمن زهيد لا يقارن بقيمتها الحقيقية! وأشك في وجود الكثيرين ممن يهتمون بالشراء و يملكون السيولة الكافية للدفع الفوري٣ نقطة إنها صفقة ممتازة بالفعل! كما أنه أصبح من الصعب في أيامنا إيجاد قصر في مثل فخامة قصر آل القاسمي و جمال موقعه٣ نقطة
, ابتسمت ليلى في عتاب و هي تقول :
, ـ لا يا مأمون٣ نقطة أنا لست في حاجة إلى القصر لأسكن فيه٣ نقطة لم أتعود حياة القصور و لا أريد أن أتعودها٣ نقطة لكنني أريد لأهله أن يظلوا فيه٣ نقطة يكفيهم ما رأوه من المصائب، و لا أريد لهم أن يتشردوا بعد عيشة العز و الرفاهية٣ نقطة
, أطرق مأمون في خجل من نفسه٣ نقطة و إكبارا لموقفها الكريم، لكنه ما لبث أن قال في تساؤل :
, ـ لكن هذه المهمة ستشغلني لأسابيع معدودة٣ نقطة و يمكنني الاهتمام بها في نفس الوقت مع عملي الجديد٣ نقطة
, لوحت ليلى بسبابتها نافية و هي تبتسم في سرور :
, ـ ليست هذه إلا مرحلة الاستعداد للعمل الحقيقي٣ نقطة يا حضرة المدير!
, عقد حاجبيه في عدم استيعاب، فأردفت موضحة :
,
, ـ الشركة التي سنشتريها، ليس هناك من هو في مثل كفاءتك و خبرتك ممن يمكنني أن أثق فيهم لتولي إدارتها٣ نقطة و أنا كما تعلم، يجب أن أهتم بتعليمي و شهادة الدكتوراه٣ نقطة لذلك ستكون لك السلطة الكاملة على الشركة٣ نقطة
, عقدت الدهشة لسان مأمون الذي لبث يحدق في الفراغ لوهلة و هو يحبس بصعوبة دمعة تأثر استقرت عند طرف عينه٣ نقطة أما هالة التي كانت تستمع إلى حديثهما في صمت لم تتمالك نفسها أن أطلقت زغرودة تردد صداها في البناية. و لم يضيع هشام و فرح الفرصة، فأخذا في الهتاف و القفز على الأرائك في مرح و حبور٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, جلس مأمون أمام مقود سيارته المتوقفة قبالة سكن الطالبات و أخذ ينقر بأصابعه على عجلة القيادة في توتر و قلق٣ نقطة ليس يدري كيف طاوع هالة و جاء إلى هنا في هذا اليوم رغم أنه كان يعارض الموضوع بشدة في البداية٣ نقطة لكن أمورا كثيرة تغيرت و جعلته يغير رأيه، حتى أنه لم يقاوم كثيرا حين فاتحته هالة في الأمر من جديد٣ نقطة
, مضت أكثر من سنة على توليه إدارة شركة عائلة القاسمي، التي أصبحت ملكا للوريثة الوحيدة لعائلة كامل٣ نقطة صحيح أنه لاقى بعض الصعوبات في البداية حتى يعيد الشركة إلى الطريق القويم. فقد كانت هناك تصفية كبيرة في صفوف الموظفين ليتخلص من الفساد الإداري و المالي، و كان ياسين خير عون له في تلك المهمة، بعد أن تماثل للشفاء و استعاد بعض توازنه، نظرا لمعرفته الوثيقة بتفاصيل العمل في العهد السابق و صلته بجميع طبقات العاملين تحت لواء والده. ثم كانت رحلة طويلة لتوظيف مسؤولين جدد و عدد كبير من المقابلات والاختبارات٣ نقطة كأن الشركة تفتح أبوابها للمرة الأولى! لكن الحظ حالفه حقا و نجح في انتقاء المساعدين المناسبين في فترة وجيزة . والآن و قد مرت سنة كاملة على إعادة الأمور إلى نصابها فإنه ينظر بعين الرضا إلى مردود الشركة و حساباتها التي تمضي في تحسن مستمر٣ نقطة
, ليلى اختارت أن تهتم بدراستها و تركت له كافة مسؤوليات الشركة، حتى أنها لم تكن تهتم بالمراجعة المستمرة للحسابات. و مع ذلك فإنه كان يلح عليها في كل مرة حتى تحضر اجتماعات مجلس الإدارة الشهرية و تتابع بنفسها التقدم الذي تحرزه الأعمال٣ نقطة فهي تظل المالكة الفعلية و إن لم تباشر العمل بنفسها. و عدا تلك اللقاءات المتعلقة بالعمل، لم يعد يراها كثيرا، خاصة منذ مغادرتها منزل هالة و انتقالها إلى سكن الطالبات. كان ذلك الخيار الأفضل بالنسبة إليها، حتى لا تحس بالضيق في وجود أحمد زوج هالة و لا تشعر أنها تشكل عبءا على العائلة، و في نفس الوقت تتجنب السكن بمفردها في شقة مستقلة نظرا لإصرارها على عدم العودة للسكن مع عائلة خالها٣ نقطة على الأقل يمكنها أن تشعر ببعض الأمان وسط فتيات في مثل سنها، و في سكن محمي و مراقب من قبل الوزارة٣ نقطة
, رفع بصره للمرة المائة في نصف الساعة التي مرت على انتظاره أمام المبنى، لينظر إلى نافذة الغرفة التي يعلم أنها تسكنها، فقد اهتم مع هالة بتهيئة جميع الظروف المناسبة لإقامتها٣ نقطة من المؤكد أنها لم تكن في حاجة إلى المال حتى تقتني لنفسها ما يلزمها لمسكنها الجديد، لكنها كانت تفتقد حب الحياة. فبعد وفاة والدها أصبحت تحس بفراغ كبير و ثقيل٣ نقطة لم تعد تجد في نفسها الرغبة في الاهتمام بنفسها و النظر في شؤون حياتها. إحساسها بالوحدة و الضياع لازماها لبضعة شهور٣ نقطة لكن الحمد لله، قرارها بمواصلة الدراسة نفسه يعد خطوة جيدة إلى الأمام٣ نقطة و لا شك أنها ستتعود رويدا رويدا على نسق حياتها الجديدة٣ نقطة على حياة بدون أب، الأب الذي كان كل عائلتها٣ نقطة
,
, حين حادثته هالة في الموضوع للمرة الأولى، رفض بشدة و لم يرغب في مناقشة الأمر أصلا٣ نقطة كان يحس أنه مسؤول عن ليلى بعد رحيل والدها، و واجبه يملي عليه أن يكون إلى جانبها وفاءا لذكرى الوالد المحب الذي كانه نجيب٣ نقطة لكنه لم يقبل أن يعرض عليها عرضا كهذا و هو يعلم مقدار حاجتها إلى رجل في حياتها و مدى إحساسها بالوحشة. و لم يكن ليرضى بأي حال من الأحوال أن يبني زواجه على استغلال حاجتها تلك. يعلم أنها لم تكن لترفض٣ نقطة فلم تكن أمامها خيارات كثيرة! فهي كانت تقيم عند أخته، و هو كان يهتم بإدارة مصالحها. وبدون وجوده هو و هالة إلى جانبها لكانت وجدت نفسها وحيدة، أو ربما كان خالها تمكن من الاستيلاء على أموالها دون أن تملك فعل شيء يذكر٣ نقطة لذلك فهي كانت في موقف ضعف، و ضعفها ذاك كان ليجعلها تقدم تنازلات كثيرة. ربما كانت تثق فيه، و ربما كانت تتقبل شخصه٣ نقطة لكن كبرياءه لم تسمح له بالإقدام على تلك الخطوة. فهي ربما تقبل به في تلك الظروف الخاصة، و لكن بعض الشك سيبقى في نفسه بأن إجابتها قد تكون مغايرة، في ظروف مغايرة٣ نقطة
, لا ينكر أن اقتراح هالة وافق هواه، و يكذب على نفسه وعلى العالم إن قال أنه لم يرمقها بنظرات إعجاب خفي منذ أن بدأ يلاحظ نضجها ودخولها مرحلة الشباب٣ نقطة لكنه لم يجرؤ على فعل شيء في حياة والدها. كان يخشى من عواقب تلك الخطوة المتهورة. السيد نجيب كان يحبه مثل ولده، ويهتم لأمره كثيرا٣ نقطة قربه منه ومن عائلته رغم الفوارق الاجتماعية، وخصه بمركز هام في شركته حتى خيل إليه في مرات عدة أنه يعده لخلافته في أعماله! لكنه لم يشأ أن يستسلم لتلك الأحلام. أو ربما استكثر على نفسه كل تلك النعم التي لم يحسب لها حسابا! إدارة شركة كبرى وزوجة شابة، ملتزمة ولامعة٣ نقطة كان يفيق من أحلامه في كل مرة فيصطدم بواقع عائلته وحياته.
, صحيح أنه كان يعمل باجتهاد ويثبت جدارته وكفاءته باستمرار، لكنه يبقى موظفا عند والدها٣ نقطة وتبقى هي ابنة السفير السابق ورجل الأعمال المعروف! فيكتشف في مرارة أنه لا يوجد سبب وجيه يجعله يحضى بتلك العطية دونا عن أبناء السفراء ورجال الأعمال الذين سيكونون دون شك أقرب إلى مواصفات رجل الأحلام الذي تحلم به فتاة في مثل مركزها! ولم يجد بدا من التسليم والعودة إلى رشده، خشية أن يقع في عواقب وخيمة لتهوره. فلم يكن يتخيل للحظة أن يهد تلك الصداقة العميقة و الأخوة الصادقة التي تربط العائلتين بطلب أرعن يتجاوز به الحدود المسموح بها٣ نقطة و كانت ثقة السيد نجيب، والده الثاني، أغلى عنده من أن يهدرها بتلك السهولة لهثا وراء السراب٣ نقطة
, و بقي على تلك الحال سنوات عديدة، لا يكاد يفكر في الزواج رغم ملاحقة أمه و أخته له مذكرتين إياه بقرب إتمامه العقد الثالث من عمره. لكنه لم يكن يهتم٣ نقطة أو لعل حلمه الوردي لم يشأ أن يتخلى عنه تماما، طالما كان هناك بصيص من الأمل٣ نقطة يظهر حينا و يختفي حينا آخر٣ نقطة و هاهو اليوم، و بعد طول لأي يقف ذلك الموقف العصيب الذي تخيل نفسه يقفه مرات و مرات٣ نقطة ينتظر الحكم الذي قد يكون إعداما! ماذا لو رفضته؟ كيف يمكنه أن ينظر في وجهها أو يخاطبها في المستقبل؟ يعلم أنها تعتبره أخا. و قد كان لها كذلك لزمن طويل. فكيف يسمح لنفسه بتشويه تلك العلاقة البريئة الطاهرة؟ لن تعود علاقتهما مثل السابق أبدا٣ نقطة فقد اكتشفت أن نياته تجاهها تشوبها شائبة! غطى وجهه بكفيه في ألم. لا يمكنه أن يتخيل النتائج٣ نقطة
, لكن إقدامه على هذه الخطوة جاء بعد تفكير طويل٣ نقطة فهو إن لم يعرض عليها الزواج، فلن يصله جواب أبدا! و ربما يندم فيما بعد إن تقدم إليها أحد الطامعين في ثروتها و استغل وحدتها و حاجتها وهو لا يستحقها٣ نقطة حينئذ لن ينفعه الندم بعد فوات الأوان. كما أنه الآن أصبح مديرا لشركة، و دخله ممتاز٣ نقطة صحيح أنه يتقاضى راتبه من أموالها، لكنه على الأقل لن يضطر إلى لمس مليم واحد من ثروتها حتى يضمن لها ظروف عيش قريبة من ظروف حياتها السابقة. لا يشك لحظة واحدة في أنها ستجرحه يوما لكونه من مستوى أدنى من مستواها، فهي لم تفعلها مرة واحدة منذ عرفها طفلة، و لا يظنها تفكر مطلقا بتلك الطريقة. لكن كبرياءه تأبى عليه ذلك. ٢ نقطة
, تنهد مجددا و هو يطالع ساعته التي كانت عقاربها تتلكأ و تتباطأ كأنها تسخر من انتظاره البليد٣ نقطة مضت ساعة كاملة على غياب هالة داخل المبنى. فيم تراهما تتحدثان كل هذا الوقت؟ ألم يكن بوسعها أن تدخل في الموضوع مباشرة و تعود بالجواب؟ ألا تدري أنه يحترق في الخارج من حرارة الطقس و حرارة الانتظار٢ علامة التعجب
, أخيرا، لمحها تخرج و تسير بخطوات وئيدة في اتجاه السيارة. تعلقت عيناه بوجهها يبحث فيه عن إجابة شافية. لكن ملامحها كانت خالية من أي تعبير. رمت بنفسها على الكرسي المجاور له دون أن تنطق. و حين أحست بجموده التفتت إليه في هدوء و هي تقول متسائلة :
, ـ ألن تنطلق؟
, كان آخر قطرات الصبر التي حافظ عليها إلى تلك اللحظة قد نفدت، فهتف في لهفة مخلوطة بغضب خفيف لبرودها ولا مبالاتها :
, ـ أخبريني٣ نقطة ماذا قالت؟
, رمقته هالة بطرف عينها في دهاء و هي تقول في لهجة ساخرة :
, ـ كنت أظنك غير راغب في الموضوع٣ نقطة و ما جئت اليوم إلا استجابة لإلحاحي!
, زفر مأمون في غيظ و هتف في توسل :
, ـ انطقي أرجوك و كفاك لعبا بأعصابي!
, عندئذ ارتسمت ابتسامة على وجهها و هي تقول في طمأنة :
, ـ طلبت وقتا للتفكير٣ نقطة فليس من المعقول أن تقرر في لحظات٣ نقطة إنه زواج و مستقبل كما تعلم٣ نقطة
, تنهد في ضيق و هو يدير محرك السيارة استعدادا للانطلاق٣ نقطة يجب أن ينتظر بضعة أيام أخرى قبل أن يصدر الحكم. صبر جميل و **** المستعان. رنت إليه هالة من جديد و هي تقول هامسة :
, ـ لا تقلق٣ نقطة بدت لي أقرب إلى الموافقة منها إلى الرفض٣ نقطة
,
, ١١ العلامة النجمية
,
, جلس على حافة البحر، الصديق الوفي الذي تعود إلى الشكوى إليه دون غيره٣ نقطة فهو يحمل كل أسراره و لا يفشيها أبدا٣ نقطة و استند بمرفقه إلى ركبته و هو يضع كفه على خده في استسلام. لم يعد أمامه سوى الاستسلام٣ نقطة بل لعل هذا الطبع لازمه منذ زمن بعيد، حتى ألف البكاء على الأطلال و التحسر بعد فوات الأوان٣ نقطة
, اليوم زفافها! اليوم تصبح حليلة رجل غيره٣ نقطة
, لماذا يؤلمه ذلك؟ ألم يعود نفسه على نسيانها منذ شهور طويلة؟ كان يعلم أن أمله قد اندثر منذ غادرت القصر هاربة و اختارت اللجوء إلى رجل آخر ليحميها. و هو بالفعل كان قادرا على حمايتها٣ نقطة على حمايتها من نفسه قبل كل شيء! في حين أنه هو لم يقدر على المحافظة على ثقتها التي وضعتها فيه. و تصرف بقلبه قبل أن يحكم عقله. و ذاك عيبه الدائم الذي كان و لا يزال يكلفه الكثير٣ نقطة
, تنهد بعمق و هو يبعثر بأصابعه ذرات الرمال المبللة على الشاطئ٣ نقطة
, ترك أصابعه تغوص في الأرض و التقط حفنة من الرمال و تركها تتناثر ببطء حتى أضحت راحته يده فارغة. هكذا تفر منه دقائق حياته في رتابة و هدوء و هو غير قادر على اللحاق بها قبل أن تضيع. إلى متى ستعيش هكذا يا فراس؟ إلى متى تترك الظروف تتغلب عليك، فتضحي بأحلامك و آمالك في كل مرة لتضحي من أجل غيرك؟ من أجل العائلة٣ نقطة من أجل الشركة٣ نقطة من أجل الإنسانية٢ علامة التعجب و أنت، متى تعيش حياتك و تصنع مستقبلك؟ إلى متى ستتحكم فيك حساسيتك المفرطة و عاطفيتك الزائدة عن الحاجة؟ ربما آن الأوان لتبدأ بداية جديدة. بداية حقيقية يكون فيها نصيب لنفسك٣ نقطة على أسس سليمة لا تسيطر عليها المشاعر٣ نقطة
, التقط حصاة صغيرة و رمى بها في اتجاه البحر لتبتلعها الأمواج في شراهة، كأنه يتخلص من بقايا التخاذل التي في نفسه. ثم هب واقفا على قدميه و قد امتلأ قلبه غضبا و ثورة٣ نقطة أنت قادر على بناء حياتك من جديد، و لن يثنيك شيء عن عزمك٣ نقطة
, ارتفع رنين هاتفه بلحن مزعج ليقطع عليه حبل أفكاره. نظر إلى الرقم المتصل ثم عقد حاجبيه في استياء. رد على الاتصال، فجاءه صوتها متكسرا مائعا كالعادة و هي تسأله أين يكون. أجاب في حزم قاطع لم يعهد في نفسه :
, ـ رجاء٣ نقطة أرجوك، حاولي أن تفهميني هذه المرة٣ نقطة لا أمل في مستقبل يجمعنا٣ نقطة إن كنت تريدين أن نحافظ على علاقة عائلية محترمة، فانسي هذا الرقم!
, كانت علاقته بها إلى تلك الآونة يشوبها الكثير من التردد. يخشى أن يجرح مشاعرها أو يصدها بطريقة عنيفة تؤلمها٣ نقطة و ذاك ما جعلها تتمادى طوال السنين الماضية. ربما كانت تلك خطوة أولى في بناء شخصيته الجديدة. وداعا لفراس العاطفي المستسلم!
, تلعثمت رجاء و قد صدمتها لهجته، حاولت أن تقول شيئا، لكنه عاجلها بقوله :
, إن لم يكن لديك أمر يستحق، فإنني مضطر إلى قطع الاتصال!
, أنهى المكالمة٣ نقطة ثم تنهد في ارتياح. أنت على الطريق الصحيح٣ نقطة
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, وقفت أمام قبر والدها و أخذت تملأ الإناء الذي يعلو سطح القبر بالماء٣ نقطة راقبت العصافير و هي تقترب لترتوي من الإناء و تلتقط حبات القمح التي نثرتها على الحجارة، و علت شفتيها ابتسامة هادئة٣ نقطة لعل أجر سقاية الماء يخفف عن والدها و يرزقه الرحمة٣ نقطة
, مضت سنتان كاملتان على رحيله عن هذه الدنيا. كانت تظن أن حياتها من بعده ستكون بلا معنى٣ نقطة لكنها توقن الآن أن الحياة لا تتوقف برحيل الأحبة، وأن **** عوضها عن والدها خير تعويض٣ نقطة زوج عطوف، يحنو عليها و يحسن رعايتها، تحس بالسعادة بقربه كل يوم أكثر من اليوم السابق .
, رنت بعينيها إلى القبر، كأنها تحاول اختراق الحدود المادية لتصل إلى روح الراقد تحت الثرى، و خاطبته بقلبها٣ نقطة أبي، أعلم أنك سعيد من أجلي الآن. و أعلم أنك لو كنت على قيد الحياة لكنت باركت اختياري و أقررتني عليه. مأمون شخص ممتاز يا أبي. ليس في العمل و الإدارة و حسب، بل في كل صفاته و طباعه. هل تعلم٣ نقطة كنت في حيرة من أمري حين تقدم إلي. ليس لعيب أجد فيه، فأنا لم أر إلا الخير سواء منه أو من عائلته٣ نقطة لكنني لم أكن مستعدة لتلك النقلة في حياتي، و كنت أرفض فكرة الزواج٣ نقطة لكنني استخرت **** كما علمتني، وسألته أن يهديني الخيار الصواب٣ نقطة فوجدت في نفسي ارتياحا و انشراحا عجيبين و سارت الأمور بسهولة لم أتصورها٣ نقطة
, أبي٣ نقطة أنا اخترت أن أظل في وطني و أستثمر أموالك في مشاريع محلية، تعود بالفائدة على البلاد و أهلها. أعلم أنها كانت رغبتك منذ زمن٣ نقطة لكن ظروف الحياة أخذتك و شغلتك. و ها أنا أحقق رغبتك ولو بعد رحيلك. مؤسف أن تضيع جهود أبنائنا و خيرة شبابنا و أموال مستثمرينا و رجال أعمالنا لخدمة بلاد غير بلادنا٣ نقطة لكنني لم أفهم ذلك إلا بعد أن عدت إلى هنا. بعد أن عرفت معنى العائلة٣ نقطة و معنى الوطن. أنا التي عاشت طوال حياتها دون وطن٣ نقطة لست ألومك الآن. فقد علمتني الدين و سقيتني المبادئ منذ نعومة أظفاري٣ نقطة لكن فاقد الشيء لا يعطيه. و أنت كنت تفتقد العائلة، و الوطن٣ نقطة
, تحسست بطنها الذي كان آخذا في التكور و الانتفاخ٣ نقطة لن أحرم طفلي من هذه المعاني. و أملي أن يعرف حنان الوالدين و الاستقرار الذين لم أعرفهما٣ نقطة أسأل **** أن يوفقني٣ نقطة دعواتي لك بالرحمة٣ نقطة
, ـ ليلى٣ نقطة يجب أن نذهب الآن٣ نقطة هالة اتصلت تستعجلنا٣ نقطة
, التفتت إلى مأمون الذي كان يقف غير بعيد عنها ليمنحها خلوة قصيرة مع نفسها، تناجي روح والدها و تدعو له٣ نقطة طالعها بابتسامة عذبة و هو يقول هامسا :
, ـ هيا بنا يا حبيبتي٣ نقطة
, التقط كفها الصغيرة و دفأها بين كفيه و هما يسيران نحو السيارة، كأي زوجين محبين ينتظران طفلهما الأول، و قد علت وجهيهما علامات التفاؤل و الانسجام٣ نقطة
,
,
, ١٠ العلامة النجمية
,
, أدار العم صابر باب المخزن و دفع بالعربة التي تحمل كميات من أوراق الملفات و الجرائد إلى الداخل. كان في الغرفة السفلية رفوف طويلة كدست عليها أكوام هائلة من الورق القديم الذي لا قيمة له، لكن جرت العادة منذ أيام السيد نبيل بالاحتفاظ بها فترة من الزمن، ربما تطول لبضعة سنوات، قبل أن يرسل الكمية إلى معامل رسكلة الورق٣ نقطة ربما لم يكن الربح المادي الناتج عن تلك المبادلة هاما، لكنها عادة سار عليها و لم يجد داعيا للتخلي عنها!
, أخذ يحمل أكداس الورق و يرتبها على أحد الرفوف الخالية و هو يتأفف من الغبار الذي يتناثر حوله من ألواح الخشب المتسخة. فجأة سقطت كومة من الورق كانت على الرف العلوي بسبب ارتجاج الخزانة. فانحنى ليجمعها في صبر و أناة.
, كان قد حافظ على عمله في القصر بعد أن اشترته السيدة ليلى. أقنعت ياسين بأن القصر ماهو إلا تعويض عن الخسائر التي طالت العائلة كلها دون أن يكون لها ذنب في ما اقترفه السيد نبيل٣ نقطة و بما أنها اشترت القصر و الشركة و المزرعة بما يعادل ثمن الشركة وحدها في الظروف العادية، فإنها تركت للعائلة حرية التصرف في القصر و المزرعة، طالما أنها لم تكن تحتاجها. و رغم عدم اقتناع فراس و أمين، إلا أن منال ضغطت على ياسين حتى يقتنع بالعرض٣ نقطة و سارت الأمور كما أرادت!
, تنهد و هو يتذكر تلك الأيام العصيبة٣ نقطة السيدة ليلى و السيد مأمون كانا في غاية اللطف والكرم وكانا يسعده أن حسده لم يخب في تقديره لأخلاق السيد مأمون حين لقيه للمرة الأولى. كانت ليلى قد قدمت حديثا للسكن في القصر، و مأمون كان يشرف على بعض المعاملات الخاصة بالسيد نجيب في الشركة. و بحكم تنقله المتكرر من الشركة و إليها ليحمل بعض الحاجيات التي يوصيه عليها السيد نبيل من القصر، فإنه كان يصادفه مرارا٣ نقطة و شيئا فشيئا نشأ بينهما حوار لطيف. ولم يكن مأمون يطلبه منه شيئا سوى أن يطمئنه على أحوال ليلى وظروف إقامتها عند خالها٣ نقطة فهو كان يعرفها منذ زمن طويل، وعلاقته بوالدها وطيدة للغاية٣ نقطة و لم يقصر العم صابر في نقل أخبارها إليه و كل ما أمكنه ملاحظته عن حياتها الجديدة٣ نقطة و سره أن يتضح إليه فيما بعد أنه كان ذا نفع في حماية ليلى من بطش خالها و طمعه٣ نقطة
, فجأة انتبه حين وقعت عيناه على جريدة قديمة، تتصدر صفحتها الأولى صورة كل من السيد نبيل و ياسين إبان المحاكمة الشهيرة التي واجه فيها الولد أباه. ابتسم العم صابر في مرارة وهو يتخذ مجلسه على كرسي قديم يستخدمه لتنظيم الورق على الرفوف العلوية و أخذ يقرأ المقال كأنه يسترجع الماضي المر الذي بالكاد تجاوزته العائلة٣ نقطة توقفت عيناه عند المقطع الذي يصف التهم التي وجهها ياسين إلى والده، و من بينها تهمة القتل٣ نقطة قرأ الفقرة و علامات الدهشة ترتسم على وجهه بقوة متزايدة٣ نقطة لم يكن قد تابع تفاصيل المحاكمة في تلك الفترة، فكل ما شغله هو ضياع العمل و تشرد عائلته التي كان عائلها الوحيد. لذلك فإنه لم يركز على دقائق الأمور و الأدلة، بقدر ما همه الحكم النهائي و مصير القصر و سكانه٣ نقطة تمهل وهو يعيد القراءة في تمعن. كان ياسين يستند في اتهامه على دليلين٣ نقطة
, الدليل الأول هو مذكرات حنان التي تصف فيها هيئة أماني ساعة وفاتها. فقد بدت هادئة و مرتاحة مقارنة بالوضع المؤلم الذي كانت عليه. و الدليل الثاني هي علبة حبوب مخدرة، فارغة، عثر عليها بعد وفاة حنان نفسها٣ نقطة و ذلك ما جعله يستنتج أن "القتيلتين" وقع تخديرهما بالحبوب ثم وقع قتلهما بخنجريهما بطريقة تشبه طريقة انتحار السيدة هاجر٢ علامة التعجب لكن أقوال ياسين المتداخلة و غياب أدلة قاطعة تورط السيد نبيل في الجريمتين جعلا المحكمة تسقط التهمة، وتكتفي بالنظر في التهم الباقية التي كانت تستند إلى أدلة حقيقية٣ نقطة
, سقطت الجريدة من بين يدي العم صابر و أخذ يحدق في الفراغ في ذهول٣ نقطة إنه يذكر الآن جيدا، أن السيد نبيل كان قد طلب منه في مناسبتين يذكرهما جيدا أن يشتري له علبة حبوب مخدرة! كان يدعي أن أرقا يصيبه بين الفترة و الأخرى، فيحتاج إلى تلك الحبوب لتهدئة أعصابه. و رغم صعوبة الحصول عليها بدون وصفة طبية، إلا أنه كان يتدبر أمره في كل مرة. و السيد نبيل لم يكن يتوانى في دفع المبالغ اللازمة٣ نقطة لكن و لعجيب الصدف، فإن المناسبتين كانتا تسبقان انتحار كل من أماني و حنان بأيام قليلة٢ علامة التعجب لم يكن في تلك الآونة ليربط الأحداث ببعضها بأي شكل من الأشكال. لكن الآن، و هو يقرأ اتهامات ياسين، بدأت أمور كثيرة تتضح في رأسه٣ نقطة لبث للحظات ساهما لا يكاد يأتي بحركة. لكنه في النهاية وقف و هو يمسح وجهه بكفه في توتر. لم يعد ينفع الآن أن يتوجه إلى المحكمة و يطلب الشهادة. و على أية حال، فإن شهادته لن تغير من الأمر شيئا٣ نقطة فالحكم الصادر بشأن السيد نبيل يكفي ليقضي بقية أيام حياته وراء القضبان٣ نقطة
, عاد إلى عمله في شيء من الفتور٣ نقطة و مسحة من الحزن تغطي وجهه٣ نقطة
, ٣ العلامة النجميةتمت بحمد االله٣ العلامة النجمية , خارج القائمة
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%