ناقد بناء
معاون
طاقم الإدارة
معاون
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
- إنضم
- 17 ديسمبر 2021
- المشاركات
- 8,949
- مستوى التفاعل
- 2,922
- نقاط
- 18,490
- الجنس
- ذكر
- الدولة
- كندا
- توجه جنسي
- أنجذب للإناث
➤السابقة
الأول
"مفهوم يا رجالة؟!"
, _ مفهوم يا فندم..
, "تمام.. و دلوقتي هتتوزعوا ع الغرف اللي هنا واللي هتلاقوا فيها المدربين بتوعكم،
, نبدأ.. أوضة رقم واحد للمتدرب منذر و المُدرب بتاعك(٤ نقطة) ، أوضة رقم تنين ل٣٧ نقطة
, و أخيراً أوضة رقم 7 ل عُديّ الحكيم والمدرّب بتاعك تليد الراضي"
, تفرّق الرجال سريعاً تنفيداً للأوامر وتابع عدي طريقه لآخر الرواق الطويل، دخل غرفة رقم7 ليجدها فارغة إلا من طاولة مكتب أنيقة بلون الخشب الغامق أمامها مقعدين جلديين مريحين، أريكة فاخرة في زاويتها وخزانة تحوي بعض الأغراض و الملفات ..
, تلفّت حوله بضيق منتظراً قدوم قائده الجديد و مُدربه الخاص ذو الخمسين من عمره بشعر أبيض يغزو رأسه مع هيبة و قوة واضحة كما يتخيّله في عقله،
, سار نحو آلة إعداد القهوة الموضوعة فوق المكتب و وقف يتأملها مشتهياً فنجاناً ساخناً يُريح صداع رأسه ..
, فُتح الباب من خلفه، ليلتفت له سريعاً رامقاً الشاب الذي دخل من الأعلى إلى الأسفل باستنكار وهتف به بحدة: أنت مين ياض و داخل من غير إذن كده ليه أنت فاكرها زريبة بقر ؟!
, رفع الداخل حاجبيه بدهشة فيما استدار عدي يقوم بإملاء فنجان ورقي من القهوة في الآلة أمامه وتابع بصوت غليظ لا يُناسب عمره الصغير: أطلع برا حالاً الأوضة دي للتدريب و تليد بيه زمانه على وصول مش عايزينه يشوف حد غيري هنا ..
, بقي الآخر واقفاً مكانه يضع يديه في جيبيه بدهشة لم تُفارقه، فيما رفع عدي كوب القهوة لفمه يرتشف منه وعاد يلتفت له مجدداً ليجده متسمراً يتابعه بنظرات هادئة، زفر بغيظ و اقترب منه بغضب لطالما كان يحتلّه سريعاً: أنت يا كائن يا أطرش، أنت أطرش و لا مابتفهمش بقولك أطلع برا بدل ما أطلّع أنا شياطيني عليك، مش كفاية الهباب اللي أنا فيه ده ..
, فُتح الباب مجدداً ليدخل القائد الذي كان يُشرف عليه مع رفاقه قبل قليل، اقترب يقف بجانب الآخر ناظراً لعُدي الذي لم ينتبه بدخوله و عاد يحتسي قهوته، ليهتف: ها تعرفتوا !؟ ده بقا عدي المتدرب اللي هيبقى تحت إيدك يا تليد .. وأنت يا عدي عايزك تشد حيلك و تركز كويس تليد باشا هيفيدك جداً و أنت كده تُعتبر محظوظ أنك معاه ..
, توسعت عيني عدي مُتشرقاً بالقهوة التي تملأ فمه، لتتناثر قطراتها من فمه على وجهي تليد والقائد الآخر أمامه،
, جحظت عيناه أكثر حالما رآى مافعله، ليمد يديه نحوهم بتردد بغية مسحها و يعود ليُبعدها مكرراً حركاته تلك عدة مرات غير عالم ما الذي عليه فعله،
, ليرفع أخيراً يده مع كوب القهوة الورقي الفارغ و الذي مازال بين أصابعه يضعها بجانب رأسه مؤدياً التحية كما تعلّم، وصوته خرج صاخباً مع سعال لم يتوقف ضارباً الأرض أسفله بقوة: إحترامي يا فندممم ..!
,
, الفصل الأول
,
, يسير في طرقات حارته البسيطة بخطوات مُتعجلة مغتاظة بعدما تأخر في العودة من عمله،
, زفر ينظر لأحد الأطفال الذي قذف أمامه كرة كان يلعب بها مع عدد من ***** الحي الصغار، ليقف مُتخصراً مُكشراً في وجوههم يمنع نفسه بالقوة من ضربهم ..
, زفر بحدة متابعاً طريقه يتمتم بعدة شتائم مغتاظة: ولاد كلب، كلهم ولاد كلب دون إستثناء ..
, لطالما كره حيّهم ذاك، كره منزلهم..
, أو أنه يُحب منزلهم ولكن يكره الحي الذي يقبع به، و لطالما تخيل بأنه ينزع منزلهم من أساساته لينقله لحي آخر،
, مجرد أحلام و تخيلات لا تتحقق حتى لو كانت سهلة،
, صرخ بصدمة عندما اصطدمت الكرة بمؤخرة رأسه ليستدير مدلكاً مكان الضربة و وجهه احتقن غضباً ليعلو صوته صائحاً: يا ولاااد الكلللبب ياللي متربيتوووش..
, أجابه أحد الأولاد و الذي لم يتعد الثالثة عشر: غور من هنا يا عدوى مش ناقصينك بقولك إيه رأيك تدور على أبوك أصله يعيني ضايع كالعادة ..
, كانت عيون عدي تتوسع بصدمة يستمع لكلماته الوقحة و ذلك اللقب الذي أطلقوه أهل حارته عليه منذ زمن، و كان مُستعداً لضربه هو ومن معه حتى لو دخل بمشاكل و شجارات مع عائلاتهم كالعادة، إلا أن كلمات الصبي عن والده قد قبضت قلبه بقلق يهتف: قولت إييه أبويا فييين ؟!
, تجاهله الولد يعود للعب ليلتفت عدي راكضاً نحو منزله، يدفع الباب الذي وجده موارباً و دخل يصرخ بفزع: يااابااا يابا أنت فييين ؟!
, فتح جميع غرف منزله الصغير القديم و الشبه متهالك، إلا أنه يشعر به دافئاً حانياً لولا بعض الذكريات البشعة به،
, زاد قلقه الذي طغى على إرهاق وجهه وخرج من المنزل مجدداً يسير في أروقة الحي باحثاً عنه بعينيه بقلق يسأل من يراه أمامه حتى توقف أخيراً بتنهد حار حالما رآه من بعيد يجلس على كرسي خشبي في قهوة الحي الصغيرة ..
, أسرع نحوه يجذب ذراعه بلهفة: يابا إيه اللي خرجك من البيت بقالي مدة بدور عليك و أنت هنا قوم معايا نروح ..
, سحب والده ذراعه منه و هتف بصوت يظهر به تقدم العمر: مش همشي قبل ما أشرب شيشة قولهم يهاتولي شيشة ..
, زفر عدي ينظر حوله بضيق ليواجه نظرات الرجال قربهم بعضها ساخرة و بعضها مستنكرة، بادلهم نظرات سخط و غضب، وعاد ينظر لوالده: أنا جبتلك شيشة في البيت تعالا بس و أنا هشرب معاك هناك يلا بينا ..
, رمقه والده بتفكير ليومئ برأسه موافقاً جاعلاً عدي يزفر أنفاسه براحة، فلم يتعذب في إقناعه كالعادة،
, كاد يخرج ليوقفه هتاف صاحب القهوة من خلفه: أبوك شرب كوبايتين شاي و تلاتة قهوة هتدفع تمنهم إيمتى ياض يا عدي، ده غير الحساب اللي حضرتك مسجّله أنا مش هستنى صابر عليك كتير خلي بالك ..
, زفر عدي بحدة والتفت نحوه: معلش يا أبو سلمى يومين كده وهدفعلك حسابك كله وأخلص من قرفكم..
, قابله أبو سلمى بعدة شتائم تجاهلها عدي بصبر غريب وسحب والده معه حتى وصل لمنزلهم،
, صفع الباب خلفه بقوة يُطالع والده الذي سار بخطوات بطيئة يتجه لغرفة المعيشة الصغيرة،
, رجل في بداية الستين من عمره، بشعر شائب بدأ يتساقط مُظهراً صلعته، حواجب كثيفة بيضاء تُخبئ عينين صغيرتين بالكاد يرى بهما و يرفض بعناد وضع نظارة،
, ظهره منحني بشكل واضح و كأن ثقل الزمن جثى فوقه،
, هيئته تلك تجعل عدي يتألم، ألم غريب يشعر به كلما فكر به و بهيئته و بمعاناته التي أوصلته لما هو عليه!
, لم يكن عمره سبباً في تهالك جسده و عقله، بل أكوام المصائب التي حطّت عليه قد هدّته هداً، أنسته أغلب ذكرياته وغالباً مايذكرها بتشتت يزيد من ضياعه،
, كما أخبره طبيبه لعدة مرات، مرض الزهايمر الذي أصابه بغتة و بسرعة هو نفسه لم يستوعبها ولم ينتبه لها، كان كله بسبب سنين مُرة شاقة أنهكت قواه و صحته العقلية ..
, زفر بحدة محاولاً تجاهل أفكاره وذهب لغرفته يخلع ملابس العمل خاصته، ليعود ويجلس بجانب والده والذي ظهر عليه الهدوء و الوعي أخيراً ..
, تنهد عدي يبتسم ليُقبل رأسه: إزيك يابا وإزاي صحتك، ها قولي طبخت النهاردة إيه أنا هموت من الجوع ..
, رمقه والده بحب وهتف: و**** يابني ماطبخت حاجة، مش عارف ليه مع إني كنت ناوي أطبخ ..
, رمقه عدي بسخط: أصل القهوة والشاي كانوا مستنينك معلش ..
, والده: ياض أنت بتقول إيه ..؟
, عدي: ولا حاجة يابا ولا حاج ..
, والده: طيب قولي، أخبار شغلك إيه هتجبلنا فلوس إيمتى ؟!
, عدي: فلوس إيه ياباا أنا بتنفخ يابا أنا بمووت أنااا عايز أسيب كل حاجة ساعدني يا مسعد قولي أعمل إيه ؟!
, مسعد بغضب: تسيب إييه أنت مجنون ده أنا ماصدقت أنك دخلت شرطة وبقى ليك هيبة بدل ما أنت مهزئ طول عمرك زيي، أنا عايز الناس تعملك ألف حساب عايزك تهز بصوتك رجالة بشنبااات عايزهم يركعوا تحت رجلييك أماال ..
, عدي: ده أنا اللي بركع يابا مش هما..
, والده: يعني قولي هتجيب فلوس إيمتى ؟!
, عدي: يادي الفلوس وسيرتها، بقولك بتنفخخ، أنا بالتدريب يابااا ومرتبي زفت وهياخد التدريب كام شهر كده علشان يتأكدوا من كفائتي اللي مش موجودة، منه لله اللي قبلني في المخابرات و رشحني ليها منه لله كان عايز مني إييه هو مفيش غيري، ده أنا لو كان حلمي أخش مخابرات مكانش ده اتحقق، أنا عارفني أنا وحظي الهباب ..!
, تنهد مسعد يتمتم بحسرة: يابني هو أنا عايز في الدنيا دي إيه غير سعادتك؟! أنا عمري راح خلاص ومستني موتي في أي لحظة أنا بس عايز أتطمن عليك من بعدي، مش كفاية أخوك راح وخسرته، مش عايز أخسر حد تاني ..
, رمش عدي بعينيه بحسرة وتمتم: أخويا مين يابا **** يحفطك هو أنا كان ليا أخ ؟! ياريت و**** كان معايا أخ صغير، كبير، مكرسح، أعمى أي حاجة ع القليلة هلاقي حد جمبي بدل ما أنا لوحدي و الكل بيتكالبوا عليا أكمنهم شايفيني عضمة ده بفضلك يعني ..
, مسعد بحزن: عندك حق، أنا السبب بكل حاجة حصلت معانا أنا السبب ..
, عبس عدي بندم: لا يابا **** يطولي في عمرك أنا مليش غيرك و****، هما أهل حارتك الكللابب و إحنا بس طيبين زيادة،
, مسعد: بس برضو أنا السبب، أنت شقيت وتعبت معايا وسيبت دراستك واشتغلت علشان تعيلني ..
, ضرب عدي جبهته بحنق: دراسة إيه يابا اللي سبتها أنت هتعملني متخلّف وجاهل كمان !؟ مش هتبقى أنت و أهل حارتك عليا، أنا كملتها يابا بطلوع الروح.. بقولك نام نام وماتنساش تاخد علاجك، أنا هخش أوضتي أتخمد برضو ..
, اتجه سريعاً نحو باب المنزل، قفله و أخذ معه المفتاح خوفاً من استغلال والده فرصة نومه والخروج، يعلم بأن أهل الحارة لن يُفوتوا الفرصة للسخرية منه و الإستهزاء به حالما يجدوه وحيداً بلا حول ولا قوة لمواجهتهم ..
, ألقى بنفسه على السرير الصغير متجاهلاً أصوات بطنه الجائع، و هز رأسه متمتماً: يارب أعمل إيه ؟! ادونا مهلة الأسبوع ده علشان نتراجع ..
, التفت جانبه يُكلم نفسه: أتراجع عن دخول المخابرات ولا إيه؟! ماهو أنا لو تراجعت هبقى مسخرة وهرجع تاني لحياة الشقى والذل، أنا لازم أخش مخابرات ويبقى ليا هيبة زي ما مسعد بيقول، أنا هوري الكللابب كلها مين هو عدي مسعد ..
, عاد يستلقي على ظهره يحدق بالسقف: بس برضو لو فضلت في المخابرات أنا هتبهدل بهدلة عمري، ده أنا عيل فقري والنحس راكبني ومش بعيد إسرائيل تيجي تحتلنا بسببي ..
, قفز معتدلاً بجلسته ورفع رأسه يطالع النافذة بجانبه ينظر للسماء التي بدأت تظلم: يارب يارب ساعدني اديني إشارة واحدة.. إشارة واحدة بس علشان أعرف لو أكمل أو لأ .. إشارة واحدة بس يارب ..
, تنهد يعود للإستلقاء يرفع الغطاء على كامل جسده و يغوص سريعاً في النوم بعد يوم مُرهق ..
, يرى نفسه ببدلة رسمية، بنظارات شمسية تُخفي عينيه، يرى نفسه وسيماً جداً معقود الحاجبين،
, صفّين على كلا جانبيه من عساكر بعدد مهول، يسير هو بينهم برأس مرفوع شامخ، و الجميع يرفع يديه يؤدي التحية له مُرحبين به وهو كان يبتسم بجمود، و كأنه معتاد على ذلك الإحترام وتلك النظرات التي تخشى هيبته وقوته ..
, فتح أجفانه ليصطدم بالحائط القديم أمامه، بعدما تقشر دهانه وتهالك ليظهر الإسمنت من خلفه، بقي يحدق به للحظات بعيون تُحاول الإستيعاب ..
, و فجأة ابتسامة واسعة نمت على شفتيه، ليقفز جالساً مكانه بعدما طار النعاس من عينيه و نبض قلبه بحماس: معقول ؟!
, رمش بعينيه يلتفت للمرآة المعلّقة على دولابه القديم أمام السرير، نظر لنفسه بتمعن يحاول تذكر ملامحه المهيبة الوسيمة في ذلك الحلم،
, رفع كف يده يتحسس وجهه و هو يبتسم بذهول: ده أنا ؟! ده بجد ؟!
, ابتلع ريقه والتفت للنافذة يحدق بالسماء المظلمة: هي دي الإشارة يعني ؟!
, نبض قلبه ازداد ليهتف بحماس: معقول دي الإشارة علشان أكمل ؟!
, ابتلع ريقه مجدداً يتمتم: وافرض يا عدي مكانتش إشارة هتعمل إيه هتدبس نفسك ليه وأنت عارف نفسك وحظك ؟!
, زم شفتيه والتفت يطالع النافذة مجدداً: يااارب لو كانت دي إشارة ف اديني إشارة إن دي إشارة يارب علشان أنا مش فاهم معلش ..!
, ٨ علامة الإقحام
, بدلته مُرتبة، مكوية للمرة الأولى منذ بداية عمله و تدريباته، ابتسامة واسعة مغترة تشق وجهه مُسببة نظرات استنكار ممن حوله،
, يحاول تحقيق ذلك الحلم، علّ واحداً فقط من أحلامه الكثيرة يتحقق قبل أن يموت بحسرته،
, ساحة كبيرة يتجمعون بها، جميع المتدربين مثله و المُدربين خاصتهم، عينا عدي تحدق بأحدهم، و الآخر يطالعه بسخرية مستهزئة تُغيظه ..
, وائل، أبن حارته و عدوّه اللدود..!
, لا يدري ما الذي جمعه به هنا في نفس المكان، بل أنه يدري!
, فهذا كله بسبب حظه العاثر الذي جمعه بأكثر شخص يكرهه في حياته كلها!
, خرج صوت قائدهم حازماً: دي آخر فرصة ليكم، فرصة أنكم تتراجعوا و تسيبوا صفوف المخابرات،
, اللي هيفضل هنا هيلتزم بكل القوانين و الأنظمة و أي مخالفة هيتحاسب حساب شديد،
, معاكم خمس دقايق اللي مش عايز يكمل معانا يمشي حالاً ..
, بقي عدي ثابتاً مكانه، قلبه و عقله يحثانه على الإبتعاد، على الهرب، و لكنه يمنع نفسه بالقوة ..
, يُراقب بعينيه بعض الشباب من حوله يتركون أماكنهم منسحبين يتمنى أن يكون مكانهم، إلا أن نظرة واحدة من عدوه وائل جعلته يُقابلها بنظرة تحدي وغرور،
, لن يشمت أهل حارته به، لن يُعطيهم علكة جديدة ليلوكونها بين أسنانهم و ألسنتهم، سيعود إليهم قوياً مُخيفاً مهيباً، ويدعس على رقابهم جميعاً ..
, شمق برأسه للأعلى بأنف مُغتر متحدي يواجه وائل الذي اغتاظ من نظراته، وتمتم بحقد على أهل حارته جميعاً: كلهم كلاب كلهم دون استثنااء كلاب ..
, انتهت المهلة أخيراً، و بقي متسمراً مكانه ليُعلن صوت قائدهم الحازم بأنهم باتوا جزئاً من جهازهم، بلا قدرة على الإنسحاب بعد الآن ..!
, قائدهم: استراحة خمس دقايق وبعديها هنبدأ تمارين بدنية، أول تمرين هو الجري حتى نهاية الساحة وهنشوف سرعة و أداء كل واحد منكم ..
, تأفف عدي بضيق شاتماً: و لازمته الجري إيه مش إحنا مخابرات مايعلمونا نخبر طيب ..!
, تأفف مجدداً وتوقف مكانه بحدة عندما رأى اقتراب وائل منه ..
, وائل: إزيك يا أبن حارتي ؟!
, هتف عدي بغضب: هتمشي من وشي ولا أطلع شياطيني عليك أنت وكل حارتك ؟!
, ضحك وائل مستفزاً: متوقعتكش تفضل هنا، الجُبن بدمّك قدرت تصمد هنا إزاي ومتهربش ؟!
, رمقه عدي بحدة ليهتف وائل: عموماً مظنش أنك هتقدر تكمل، ده أنت هيخرجوك من هنا بفضيحة، مانتوا متعودين ع الفضايح أنت وأبوك..
, صرخ عدي بغضب: بقولك امشييي من هنااا ..
, ابتسم وائل مستهزئاً: همشي، سلام يا عدوى ..
, احتدت نظرات عدي أكثر، من ذلك اللقب الذي يمقته، و يمقت أكثر من أطلقه عليه لأول مرة،
, كان نفسه وائل عدوه اللدود، في بدايات مراهقته، أطلقه عليه لعدة مرات ليجد نفسه أخيراً يُنادى به باستفزاز من قبل أهل حارته جميعاً ..
, تسمر مكانه بتخشب حالما هتف وائل من خلفه: إبقى سلملي ع الست الوالدة قولها أنها واحشانا كل..
, لم يكمل كلامه فقد أخرسته لكمة قاسية وجّهها عدي لوجهه و أودع بها كل غضبه و حنقه مع احمرار وجهه الكبير ..
, جثى فوقه يُمسك ملابسه بشدة: هتخرس قولتلك تخررس وماتختبرش صبررري..
, حاول وائل إبعاده عنه: ابعد يابن٣ العلامة النجمية يا حراامي يا..
, قاطعته لكمة أخرى من عدي الذي وجد نفسه يُرفع من قِبل أيادي كثيرة حوله ويداه تتفلّت عن ياقة وائل بالقوة، ليصرخ مهتاجاً يركله بقدمه أينما طالت حتى نهض وائل بمساعدة البعض الآخر ..
, هدأت الأصوات قليلاً حالما تقدم قائدهم يهتف بحزم: إييه اللي بيحصل هناا من بدايتها خناقات ؟! أنتوا فاكرين نفسكم فيين يابهواات ؟!
, وائل بغضب: هو اللي تهجم عليا يافندم واهم كلهم شاهدين اسألهم ..
, تنفس عدي بقوة وحاول التخلص ممن يُكبلون حركته ليهتف وائل: اهو شوفت يافندم عايز يضربني تاني ..
, القائد: عدي.. اثبت مكانك أنت بتعمل إييه ؟!
, مين المسؤولين عنكم أنتوا التنين ..
, وائل: الظابط شادي العبد يا فندم ..
, اقترب المدعو شادي منهم بنظرات حادة يهتف: إيه اللي بيحصل هنا ..؟
, التفت القائد نحوه بحدة ليرى من خلفه اقتراب مُدرب آخر، كان المسؤول عن عدي و مدربه الخاص ..
, تليد الراضي، أحد أبرز الضباط من بينهم، ليس فقط لنفوذه و هيبته و مهماته التي تكللت جميعها بالنجاح، بل لأن لديه ظهراً متيناً يستند عليه منذ بداية دخوله لعالم المخابرات و حتى اللحظة ..
, جميع المتدربين تمنوا التدرّب على يديه هو تحديداً بعدما سمعوا عن قدراته و مكانته،
, فمن يكون معه سيحظى بمكانة سريعة بينهم جميعاً ويتلقى احتراماً بالغاً،
, يكفي فقط أن يكون له صلة بتليد الراضي ..
, و الجميع هنا ينظرون لعدي بعين الحسد و الحقد ل حظه الذي فلق الصخر، غير مُدرك هو نفسه بأن حظه العاثر قد خالف توقعاته هذه المرة !
, خرج صوت القائد عالياً: دقايق الإستراحة هتخلص، الكل يجهز، وهنكرر لتاني و آخر مرة، أي شجارات أو إخلال بالقواعد هيبقى فيه عقاب قاسي احنا هنا بنصنع رجالة مش حيوانات ..
, تركهم وابتعد ليُكلم مدربيهم ببضع كلمات حادة ثم يرحل، ليلتفت شادي نحو وائل يهتف به: دي أول و آخر مرة أسمح بالتجاوزات دي أنت فاااهم أنا مش هسمح تتوجهلي كلمة بسبب حضرتك، اتفضل جهز نفسك ..
, رفع وائل يده بجانب رأسه بتوتر و غيظ داخلي: حاضر يافندم ..
, استدار يلقي نظرة حادة على عدي الذي قابله بعيون مازال الغضب يسكنها وتمتم: مصيرك هتقع تحت إيدي وساعتها مش هرحمك ..
, توقفت خطوات وائل والتفت نحوه: تهديدك ده هيوصل للقائد، و هيوصل للمدرب بتاعك اللي أنت متستاهلوش ..
, ابتسم عدي ساخراً بعصبية: أمال أنت اللي تستاهله؟! خده ياخويا أنا مش عايزه أنتوا علطول كده باصيلي في كل حاجة بعملها ..
, هتف وائل بحدة وحقد: هاخده وهتشوف، أنت ماتعرفش أن المُدربين يقدروا يغيّروا المتدربين بتوعهم، و أنا هعمل بكل جهدي اجي مكانك عشان أنت متستاهلش،
, ثم تابع بسخرية: و أنت أساساً مش هتاخد معاه كام يوم و هو يغيرك بنفسه، كفاية اللي حصل أول يوم معاه هنا، و أنت برضو ماحدش طايقك ولا في حارتك ولا في شغلك ..
, ضم عدي قبضتيه يقوة يجاهد لئلا يعود للكمه ليعتدل وائل بوقفته سريعاً بتلهف حالما لاحظ اقتراب تليد منهم حتى وقف بجوارهم ..
, نقل تليد نظراته الهادئة بين الإثنين، و يده امتدت لجيبه تُخرج سيجاراً فاخراً وضعه بين شفتيه و بدأ بإشعاله بصمت ليرفع نظره لوائل حالما هتف: اا.. تليد باشا هو حضرتك مش هتغيّر المتدرب بتاعك؟! أنا يا باشا ليا الشرف أبقى معاك واتدرب تحت إيدك ..
, نفث تليد الدخان من بين شفتيه بهدوء أغاظ عُدي الذي يقف بجانبه يطالعه بحدة ينتظر إجابته، ليهتف تليد أخيراً محدقاً بوائل المتحمس: أنت أسمك إيه ؟؟
, وائل بفرح: وائل يا باشا ..
, تليد: و أنت شايفني مشلول؟! ولا مليش لسان أتكلم و أعبر عن رأيي وعايز مساعدتك ؟!
, فتح وائل فمه بتوتر: ل..لا يا باشا مش قصدي ..
, تليد: أنا لا عايزك تحت إيدي ولا تحت رجلي، شادي و كفاية عليك ..
, قطب وائل جبينه بشدة يطالعه بتوتر ليفزع على صوت صراخ مدربه شادي به، فيلتفت نحوه ويرى عيونه التي تشتعل وكأنه يراه يقف مع العدو ..
, سار باتجاهه سريعاً ليهتف شادي من بين أسنانه: اللي أسمه تليد ده مش عايز أشوفك جنبه تاني أنت ساامع؟!
, وائل: أانا يا باشا..
, شاذي: اشش ولا كلمة و اللي أقوله يتنفذ، أنت تحط في دماغك أنك هتكسب في التدريب و تجيب المركز الأول و تتقدم عليهم كلهم و خاصة المتدرب اللي معاه، يلا دقيقتين وهنبدأ ..
, أومأ وائل سريعاً بضيق والتفت لينضم لباقي المتدربين يقوم ببعض تمارين الإحماء وسط تعليمات شادي و إلقائه الأوامر فوق رأسه تماماً كما يفعل باقي المُدربين ..
, نقل عدي نظراته بين الجميع والتفت لمدربه الذي ينفث دخان سيجارته بهدوء ليهتف بغيظ: حضرتك مش هتديني كام معلومة أكسب بيها السباق ؟!
, التفت تليد نحوه رافعاً حاجبه: سباق إيه ده كله على بعضه تمرين لا هيقدم لا يأخر ..
, هتف عدي بعند خاصة بعد حنقه من وائل وسعيه للفوز عليه: ولو كان، أنا عايز أكسب، اديني أي حاجة أكسب بيها مش حضرتك شاطر و عندك قدرات وكلهم قارفينا بسيرتك وعمال يحسدوني عليك ..
, سحب تليد نفثاً قوياً من سيجاره و التفت ينفخه فجأة في وجه عدي الذي سعل يبعد وجهه عنه يلوح بيده مبعداً الدخان: في إييه أتت اتجننت يا تليد..أاا قصدي يا باشا ..
, تجاهله تليد هاتفاً: تعرف تجري ..؟!
, سهل عدي مجدداً واعتدل بوقفته: أيوه ..
, تليد: أوك .. يبقى تخيل أن قدامك عدوك اللدود ..
, ضيق عدي عيناه بقوة وتابع تليد: وهو عمال يجري هربان منك وأنت هتجري وراه عايز تقتله، ساعتها هتعمل إيه ؟!
, عدي بحدة: هعمل إيه طبعاً هفضل وراه لحد ما أمسكه الواطي ده ..
, تليد: بالظبط، أنت تخيل كده بس.. وأجري ..
, ضاقت عيني عدي بقوة ورفع رأسه للسماء بتفكير، حتى خرج صوت أحدهم يُنادي عليهم للإستعداد ..
, ليلتفت نحو تليد بتحفز قبل أن يذهب: هرفع راسك يا باشا وهتشوف بنفسك إني أستاهل أبقى معاك مش زي ماهما بيقولوا ..
, وقف عدي بقلب نابض بين الجميع، و عيونه لا إرادياً انتقلت نحو وائل،
, تمتم مضيقاً عينيه: عدوي اللدود !!؟
, جزّ على أسنانه يرتفع صدره بنفس قوي و قد علم غايته، ليُجهز نفسه سريعاً و ما إن بدأوا الركض حتى انطلق بأقصى سرعة ركضها في حياته كلها ..
, عيناه لا تحيدان عن وائل والذي كان قد سبقه، يطالع ظهره بعيون مشتعلة بغضب هائل،
, عدوه اللدود أمامه..!
, وائل كان سريعا، بمرونة جسدية واضحة حتى سبقهم جميعاً يسعى للفور، و لكن تخيلات عدي كانت تزيده سرعة هو الآخر،
, يزيد من سرعة جريه و المسافة بينهما تتقلص حتى بات على بعد عدة خطوات منه فقط ..!
, راقبه تليد بعينيه ينفث دخان سيجاره بهدوء، و ابتسامة جانبية لاحت على شفتيه بعدما أدرك قرب فوز عدي أخيراً بعدما كاد يتخطى وائل،
, إلا أن حاجباه قد ارتفعا فجأة ببطء مصدوم، ويده أبعدت السيجار من بين شفتيه المنفرجتين بصدمة مطالعاً عدي الذي بدل أن يُتابع جريه حتى نهاية الساحة، قد مد يده بكل طاقته وجذب ملابس وائل من الخلف بقوة طرحته أرضاً بعنف واضح ..
, صرخ وائل بألم مصدوم و أنفاسه شبه مقطوعة من ركضه الطويل فيما عدي يجثو فوقه بوجه مُخيف: أهاا يا عدوي اللدوووود ..!
الأول
"مفهوم يا رجالة؟!"
, _ مفهوم يا فندم..
, "تمام.. و دلوقتي هتتوزعوا ع الغرف اللي هنا واللي هتلاقوا فيها المدربين بتوعكم،
, نبدأ.. أوضة رقم واحد للمتدرب منذر و المُدرب بتاعك(٤ نقطة) ، أوضة رقم تنين ل٣٧ نقطة
, و أخيراً أوضة رقم 7 ل عُديّ الحكيم والمدرّب بتاعك تليد الراضي"
, تفرّق الرجال سريعاً تنفيداً للأوامر وتابع عدي طريقه لآخر الرواق الطويل، دخل غرفة رقم7 ليجدها فارغة إلا من طاولة مكتب أنيقة بلون الخشب الغامق أمامها مقعدين جلديين مريحين، أريكة فاخرة في زاويتها وخزانة تحوي بعض الأغراض و الملفات ..
, تلفّت حوله بضيق منتظراً قدوم قائده الجديد و مُدربه الخاص ذو الخمسين من عمره بشعر أبيض يغزو رأسه مع هيبة و قوة واضحة كما يتخيّله في عقله،
, سار نحو آلة إعداد القهوة الموضوعة فوق المكتب و وقف يتأملها مشتهياً فنجاناً ساخناً يُريح صداع رأسه ..
, فُتح الباب من خلفه، ليلتفت له سريعاً رامقاً الشاب الذي دخل من الأعلى إلى الأسفل باستنكار وهتف به بحدة: أنت مين ياض و داخل من غير إذن كده ليه أنت فاكرها زريبة بقر ؟!
, رفع الداخل حاجبيه بدهشة فيما استدار عدي يقوم بإملاء فنجان ورقي من القهوة في الآلة أمامه وتابع بصوت غليظ لا يُناسب عمره الصغير: أطلع برا حالاً الأوضة دي للتدريب و تليد بيه زمانه على وصول مش عايزينه يشوف حد غيري هنا ..
, بقي الآخر واقفاً مكانه يضع يديه في جيبيه بدهشة لم تُفارقه، فيما رفع عدي كوب القهوة لفمه يرتشف منه وعاد يلتفت له مجدداً ليجده متسمراً يتابعه بنظرات هادئة، زفر بغيظ و اقترب منه بغضب لطالما كان يحتلّه سريعاً: أنت يا كائن يا أطرش، أنت أطرش و لا مابتفهمش بقولك أطلع برا بدل ما أطلّع أنا شياطيني عليك، مش كفاية الهباب اللي أنا فيه ده ..
, فُتح الباب مجدداً ليدخل القائد الذي كان يُشرف عليه مع رفاقه قبل قليل، اقترب يقف بجانب الآخر ناظراً لعُدي الذي لم ينتبه بدخوله و عاد يحتسي قهوته، ليهتف: ها تعرفتوا !؟ ده بقا عدي المتدرب اللي هيبقى تحت إيدك يا تليد .. وأنت يا عدي عايزك تشد حيلك و تركز كويس تليد باشا هيفيدك جداً و أنت كده تُعتبر محظوظ أنك معاه ..
, توسعت عيني عدي مُتشرقاً بالقهوة التي تملأ فمه، لتتناثر قطراتها من فمه على وجهي تليد والقائد الآخر أمامه،
, جحظت عيناه أكثر حالما رآى مافعله، ليمد يديه نحوهم بتردد بغية مسحها و يعود ليُبعدها مكرراً حركاته تلك عدة مرات غير عالم ما الذي عليه فعله،
, ليرفع أخيراً يده مع كوب القهوة الورقي الفارغ و الذي مازال بين أصابعه يضعها بجانب رأسه مؤدياً التحية كما تعلّم، وصوته خرج صاخباً مع سعال لم يتوقف ضارباً الأرض أسفله بقوة: إحترامي يا فندممم ..!
,
, الفصل الأول
,
, يسير في طرقات حارته البسيطة بخطوات مُتعجلة مغتاظة بعدما تأخر في العودة من عمله،
, زفر ينظر لأحد الأطفال الذي قذف أمامه كرة كان يلعب بها مع عدد من ***** الحي الصغار، ليقف مُتخصراً مُكشراً في وجوههم يمنع نفسه بالقوة من ضربهم ..
, زفر بحدة متابعاً طريقه يتمتم بعدة شتائم مغتاظة: ولاد كلب، كلهم ولاد كلب دون إستثناء ..
, لطالما كره حيّهم ذاك، كره منزلهم..
, أو أنه يُحب منزلهم ولكن يكره الحي الذي يقبع به، و لطالما تخيل بأنه ينزع منزلهم من أساساته لينقله لحي آخر،
, مجرد أحلام و تخيلات لا تتحقق حتى لو كانت سهلة،
, صرخ بصدمة عندما اصطدمت الكرة بمؤخرة رأسه ليستدير مدلكاً مكان الضربة و وجهه احتقن غضباً ليعلو صوته صائحاً: يا ولاااد الكلللبب ياللي متربيتوووش..
, أجابه أحد الأولاد و الذي لم يتعد الثالثة عشر: غور من هنا يا عدوى مش ناقصينك بقولك إيه رأيك تدور على أبوك أصله يعيني ضايع كالعادة ..
, كانت عيون عدي تتوسع بصدمة يستمع لكلماته الوقحة و ذلك اللقب الذي أطلقوه أهل حارته عليه منذ زمن، و كان مُستعداً لضربه هو ومن معه حتى لو دخل بمشاكل و شجارات مع عائلاتهم كالعادة، إلا أن كلمات الصبي عن والده قد قبضت قلبه بقلق يهتف: قولت إييه أبويا فييين ؟!
, تجاهله الولد يعود للعب ليلتفت عدي راكضاً نحو منزله، يدفع الباب الذي وجده موارباً و دخل يصرخ بفزع: يااابااا يابا أنت فييين ؟!
, فتح جميع غرف منزله الصغير القديم و الشبه متهالك، إلا أنه يشعر به دافئاً حانياً لولا بعض الذكريات البشعة به،
, زاد قلقه الذي طغى على إرهاق وجهه وخرج من المنزل مجدداً يسير في أروقة الحي باحثاً عنه بعينيه بقلق يسأل من يراه أمامه حتى توقف أخيراً بتنهد حار حالما رآه من بعيد يجلس على كرسي خشبي في قهوة الحي الصغيرة ..
, أسرع نحوه يجذب ذراعه بلهفة: يابا إيه اللي خرجك من البيت بقالي مدة بدور عليك و أنت هنا قوم معايا نروح ..
, سحب والده ذراعه منه و هتف بصوت يظهر به تقدم العمر: مش همشي قبل ما أشرب شيشة قولهم يهاتولي شيشة ..
, زفر عدي ينظر حوله بضيق ليواجه نظرات الرجال قربهم بعضها ساخرة و بعضها مستنكرة، بادلهم نظرات سخط و غضب، وعاد ينظر لوالده: أنا جبتلك شيشة في البيت تعالا بس و أنا هشرب معاك هناك يلا بينا ..
, رمقه والده بتفكير ليومئ برأسه موافقاً جاعلاً عدي يزفر أنفاسه براحة، فلم يتعذب في إقناعه كالعادة،
, كاد يخرج ليوقفه هتاف صاحب القهوة من خلفه: أبوك شرب كوبايتين شاي و تلاتة قهوة هتدفع تمنهم إيمتى ياض يا عدي، ده غير الحساب اللي حضرتك مسجّله أنا مش هستنى صابر عليك كتير خلي بالك ..
, زفر عدي بحدة والتفت نحوه: معلش يا أبو سلمى يومين كده وهدفعلك حسابك كله وأخلص من قرفكم..
, قابله أبو سلمى بعدة شتائم تجاهلها عدي بصبر غريب وسحب والده معه حتى وصل لمنزلهم،
, صفع الباب خلفه بقوة يُطالع والده الذي سار بخطوات بطيئة يتجه لغرفة المعيشة الصغيرة،
, رجل في بداية الستين من عمره، بشعر شائب بدأ يتساقط مُظهراً صلعته، حواجب كثيفة بيضاء تُخبئ عينين صغيرتين بالكاد يرى بهما و يرفض بعناد وضع نظارة،
, ظهره منحني بشكل واضح و كأن ثقل الزمن جثى فوقه،
, هيئته تلك تجعل عدي يتألم، ألم غريب يشعر به كلما فكر به و بهيئته و بمعاناته التي أوصلته لما هو عليه!
, لم يكن عمره سبباً في تهالك جسده و عقله، بل أكوام المصائب التي حطّت عليه قد هدّته هداً، أنسته أغلب ذكرياته وغالباً مايذكرها بتشتت يزيد من ضياعه،
, كما أخبره طبيبه لعدة مرات، مرض الزهايمر الذي أصابه بغتة و بسرعة هو نفسه لم يستوعبها ولم ينتبه لها، كان كله بسبب سنين مُرة شاقة أنهكت قواه و صحته العقلية ..
, زفر بحدة محاولاً تجاهل أفكاره وذهب لغرفته يخلع ملابس العمل خاصته، ليعود ويجلس بجانب والده والذي ظهر عليه الهدوء و الوعي أخيراً ..
, تنهد عدي يبتسم ليُقبل رأسه: إزيك يابا وإزاي صحتك، ها قولي طبخت النهاردة إيه أنا هموت من الجوع ..
, رمقه والده بحب وهتف: و**** يابني ماطبخت حاجة، مش عارف ليه مع إني كنت ناوي أطبخ ..
, رمقه عدي بسخط: أصل القهوة والشاي كانوا مستنينك معلش ..
, والده: ياض أنت بتقول إيه ..؟
, عدي: ولا حاجة يابا ولا حاج ..
, والده: طيب قولي، أخبار شغلك إيه هتجبلنا فلوس إيمتى ؟!
, عدي: فلوس إيه ياباا أنا بتنفخ يابا أنا بمووت أنااا عايز أسيب كل حاجة ساعدني يا مسعد قولي أعمل إيه ؟!
, مسعد بغضب: تسيب إييه أنت مجنون ده أنا ماصدقت أنك دخلت شرطة وبقى ليك هيبة بدل ما أنت مهزئ طول عمرك زيي، أنا عايز الناس تعملك ألف حساب عايزك تهز بصوتك رجالة بشنبااات عايزهم يركعوا تحت رجلييك أماال ..
, عدي: ده أنا اللي بركع يابا مش هما..
, والده: يعني قولي هتجيب فلوس إيمتى ؟!
, عدي: يادي الفلوس وسيرتها، بقولك بتنفخخ، أنا بالتدريب يابااا ومرتبي زفت وهياخد التدريب كام شهر كده علشان يتأكدوا من كفائتي اللي مش موجودة، منه لله اللي قبلني في المخابرات و رشحني ليها منه لله كان عايز مني إييه هو مفيش غيري، ده أنا لو كان حلمي أخش مخابرات مكانش ده اتحقق، أنا عارفني أنا وحظي الهباب ..!
, تنهد مسعد يتمتم بحسرة: يابني هو أنا عايز في الدنيا دي إيه غير سعادتك؟! أنا عمري راح خلاص ومستني موتي في أي لحظة أنا بس عايز أتطمن عليك من بعدي، مش كفاية أخوك راح وخسرته، مش عايز أخسر حد تاني ..
, رمش عدي بعينيه بحسرة وتمتم: أخويا مين يابا **** يحفطك هو أنا كان ليا أخ ؟! ياريت و**** كان معايا أخ صغير، كبير، مكرسح، أعمى أي حاجة ع القليلة هلاقي حد جمبي بدل ما أنا لوحدي و الكل بيتكالبوا عليا أكمنهم شايفيني عضمة ده بفضلك يعني ..
, مسعد بحزن: عندك حق، أنا السبب بكل حاجة حصلت معانا أنا السبب ..
, عبس عدي بندم: لا يابا **** يطولي في عمرك أنا مليش غيرك و****، هما أهل حارتك الكللابب و إحنا بس طيبين زيادة،
, مسعد: بس برضو أنا السبب، أنت شقيت وتعبت معايا وسيبت دراستك واشتغلت علشان تعيلني ..
, ضرب عدي جبهته بحنق: دراسة إيه يابا اللي سبتها أنت هتعملني متخلّف وجاهل كمان !؟ مش هتبقى أنت و أهل حارتك عليا، أنا كملتها يابا بطلوع الروح.. بقولك نام نام وماتنساش تاخد علاجك، أنا هخش أوضتي أتخمد برضو ..
, اتجه سريعاً نحو باب المنزل، قفله و أخذ معه المفتاح خوفاً من استغلال والده فرصة نومه والخروج، يعلم بأن أهل الحارة لن يُفوتوا الفرصة للسخرية منه و الإستهزاء به حالما يجدوه وحيداً بلا حول ولا قوة لمواجهتهم ..
, ألقى بنفسه على السرير الصغير متجاهلاً أصوات بطنه الجائع، و هز رأسه متمتماً: يارب أعمل إيه ؟! ادونا مهلة الأسبوع ده علشان نتراجع ..
, التفت جانبه يُكلم نفسه: أتراجع عن دخول المخابرات ولا إيه؟! ماهو أنا لو تراجعت هبقى مسخرة وهرجع تاني لحياة الشقى والذل، أنا لازم أخش مخابرات ويبقى ليا هيبة زي ما مسعد بيقول، أنا هوري الكللابب كلها مين هو عدي مسعد ..
, عاد يستلقي على ظهره يحدق بالسقف: بس برضو لو فضلت في المخابرات أنا هتبهدل بهدلة عمري، ده أنا عيل فقري والنحس راكبني ومش بعيد إسرائيل تيجي تحتلنا بسببي ..
, قفز معتدلاً بجلسته ورفع رأسه يطالع النافذة بجانبه ينظر للسماء التي بدأت تظلم: يارب يارب ساعدني اديني إشارة واحدة.. إشارة واحدة بس علشان أعرف لو أكمل أو لأ .. إشارة واحدة بس يارب ..
, تنهد يعود للإستلقاء يرفع الغطاء على كامل جسده و يغوص سريعاً في النوم بعد يوم مُرهق ..
, يرى نفسه ببدلة رسمية، بنظارات شمسية تُخفي عينيه، يرى نفسه وسيماً جداً معقود الحاجبين،
, صفّين على كلا جانبيه من عساكر بعدد مهول، يسير هو بينهم برأس مرفوع شامخ، و الجميع يرفع يديه يؤدي التحية له مُرحبين به وهو كان يبتسم بجمود، و كأنه معتاد على ذلك الإحترام وتلك النظرات التي تخشى هيبته وقوته ..
, فتح أجفانه ليصطدم بالحائط القديم أمامه، بعدما تقشر دهانه وتهالك ليظهر الإسمنت من خلفه، بقي يحدق به للحظات بعيون تُحاول الإستيعاب ..
, و فجأة ابتسامة واسعة نمت على شفتيه، ليقفز جالساً مكانه بعدما طار النعاس من عينيه و نبض قلبه بحماس: معقول ؟!
, رمش بعينيه يلتفت للمرآة المعلّقة على دولابه القديم أمام السرير، نظر لنفسه بتمعن يحاول تذكر ملامحه المهيبة الوسيمة في ذلك الحلم،
, رفع كف يده يتحسس وجهه و هو يبتسم بذهول: ده أنا ؟! ده بجد ؟!
, ابتلع ريقه والتفت للنافذة يحدق بالسماء المظلمة: هي دي الإشارة يعني ؟!
, نبض قلبه ازداد ليهتف بحماس: معقول دي الإشارة علشان أكمل ؟!
, ابتلع ريقه مجدداً يتمتم: وافرض يا عدي مكانتش إشارة هتعمل إيه هتدبس نفسك ليه وأنت عارف نفسك وحظك ؟!
, زم شفتيه والتفت يطالع النافذة مجدداً: يااارب لو كانت دي إشارة ف اديني إشارة إن دي إشارة يارب علشان أنا مش فاهم معلش ..!
, ٨ علامة الإقحام
, بدلته مُرتبة، مكوية للمرة الأولى منذ بداية عمله و تدريباته، ابتسامة واسعة مغترة تشق وجهه مُسببة نظرات استنكار ممن حوله،
, يحاول تحقيق ذلك الحلم، علّ واحداً فقط من أحلامه الكثيرة يتحقق قبل أن يموت بحسرته،
, ساحة كبيرة يتجمعون بها، جميع المتدربين مثله و المُدربين خاصتهم، عينا عدي تحدق بأحدهم، و الآخر يطالعه بسخرية مستهزئة تُغيظه ..
, وائل، أبن حارته و عدوّه اللدود..!
, لا يدري ما الذي جمعه به هنا في نفس المكان، بل أنه يدري!
, فهذا كله بسبب حظه العاثر الذي جمعه بأكثر شخص يكرهه في حياته كلها!
, خرج صوت قائدهم حازماً: دي آخر فرصة ليكم، فرصة أنكم تتراجعوا و تسيبوا صفوف المخابرات،
, اللي هيفضل هنا هيلتزم بكل القوانين و الأنظمة و أي مخالفة هيتحاسب حساب شديد،
, معاكم خمس دقايق اللي مش عايز يكمل معانا يمشي حالاً ..
, بقي عدي ثابتاً مكانه، قلبه و عقله يحثانه على الإبتعاد، على الهرب، و لكنه يمنع نفسه بالقوة ..
, يُراقب بعينيه بعض الشباب من حوله يتركون أماكنهم منسحبين يتمنى أن يكون مكانهم، إلا أن نظرة واحدة من عدوه وائل جعلته يُقابلها بنظرة تحدي وغرور،
, لن يشمت أهل حارته به، لن يُعطيهم علكة جديدة ليلوكونها بين أسنانهم و ألسنتهم، سيعود إليهم قوياً مُخيفاً مهيباً، ويدعس على رقابهم جميعاً ..
, شمق برأسه للأعلى بأنف مُغتر متحدي يواجه وائل الذي اغتاظ من نظراته، وتمتم بحقد على أهل حارته جميعاً: كلهم كلاب كلهم دون استثنااء كلاب ..
, انتهت المهلة أخيراً، و بقي متسمراً مكانه ليُعلن صوت قائدهم الحازم بأنهم باتوا جزئاً من جهازهم، بلا قدرة على الإنسحاب بعد الآن ..!
, قائدهم: استراحة خمس دقايق وبعديها هنبدأ تمارين بدنية، أول تمرين هو الجري حتى نهاية الساحة وهنشوف سرعة و أداء كل واحد منكم ..
, تأفف عدي بضيق شاتماً: و لازمته الجري إيه مش إحنا مخابرات مايعلمونا نخبر طيب ..!
, تأفف مجدداً وتوقف مكانه بحدة عندما رأى اقتراب وائل منه ..
, وائل: إزيك يا أبن حارتي ؟!
, هتف عدي بغضب: هتمشي من وشي ولا أطلع شياطيني عليك أنت وكل حارتك ؟!
, ضحك وائل مستفزاً: متوقعتكش تفضل هنا، الجُبن بدمّك قدرت تصمد هنا إزاي ومتهربش ؟!
, رمقه عدي بحدة ليهتف وائل: عموماً مظنش أنك هتقدر تكمل، ده أنت هيخرجوك من هنا بفضيحة، مانتوا متعودين ع الفضايح أنت وأبوك..
, صرخ عدي بغضب: بقولك امشييي من هنااا ..
, ابتسم وائل مستهزئاً: همشي، سلام يا عدوى ..
, احتدت نظرات عدي أكثر، من ذلك اللقب الذي يمقته، و يمقت أكثر من أطلقه عليه لأول مرة،
, كان نفسه وائل عدوه اللدود، في بدايات مراهقته، أطلقه عليه لعدة مرات ليجد نفسه أخيراً يُنادى به باستفزاز من قبل أهل حارته جميعاً ..
, تسمر مكانه بتخشب حالما هتف وائل من خلفه: إبقى سلملي ع الست الوالدة قولها أنها واحشانا كل..
, لم يكمل كلامه فقد أخرسته لكمة قاسية وجّهها عدي لوجهه و أودع بها كل غضبه و حنقه مع احمرار وجهه الكبير ..
, جثى فوقه يُمسك ملابسه بشدة: هتخرس قولتلك تخررس وماتختبرش صبررري..
, حاول وائل إبعاده عنه: ابعد يابن٣ العلامة النجمية يا حراامي يا..
, قاطعته لكمة أخرى من عدي الذي وجد نفسه يُرفع من قِبل أيادي كثيرة حوله ويداه تتفلّت عن ياقة وائل بالقوة، ليصرخ مهتاجاً يركله بقدمه أينما طالت حتى نهض وائل بمساعدة البعض الآخر ..
, هدأت الأصوات قليلاً حالما تقدم قائدهم يهتف بحزم: إييه اللي بيحصل هناا من بدايتها خناقات ؟! أنتوا فاكرين نفسكم فيين يابهواات ؟!
, وائل بغضب: هو اللي تهجم عليا يافندم واهم كلهم شاهدين اسألهم ..
, تنفس عدي بقوة وحاول التخلص ممن يُكبلون حركته ليهتف وائل: اهو شوفت يافندم عايز يضربني تاني ..
, القائد: عدي.. اثبت مكانك أنت بتعمل إييه ؟!
, مين المسؤولين عنكم أنتوا التنين ..
, وائل: الظابط شادي العبد يا فندم ..
, اقترب المدعو شادي منهم بنظرات حادة يهتف: إيه اللي بيحصل هنا ..؟
, التفت القائد نحوه بحدة ليرى من خلفه اقتراب مُدرب آخر، كان المسؤول عن عدي و مدربه الخاص ..
, تليد الراضي، أحد أبرز الضباط من بينهم، ليس فقط لنفوذه و هيبته و مهماته التي تكللت جميعها بالنجاح، بل لأن لديه ظهراً متيناً يستند عليه منذ بداية دخوله لعالم المخابرات و حتى اللحظة ..
, جميع المتدربين تمنوا التدرّب على يديه هو تحديداً بعدما سمعوا عن قدراته و مكانته،
, فمن يكون معه سيحظى بمكانة سريعة بينهم جميعاً ويتلقى احتراماً بالغاً،
, يكفي فقط أن يكون له صلة بتليد الراضي ..
, و الجميع هنا ينظرون لعدي بعين الحسد و الحقد ل حظه الذي فلق الصخر، غير مُدرك هو نفسه بأن حظه العاثر قد خالف توقعاته هذه المرة !
, خرج صوت القائد عالياً: دقايق الإستراحة هتخلص، الكل يجهز، وهنكرر لتاني و آخر مرة، أي شجارات أو إخلال بالقواعد هيبقى فيه عقاب قاسي احنا هنا بنصنع رجالة مش حيوانات ..
, تركهم وابتعد ليُكلم مدربيهم ببضع كلمات حادة ثم يرحل، ليلتفت شادي نحو وائل يهتف به: دي أول و آخر مرة أسمح بالتجاوزات دي أنت فاااهم أنا مش هسمح تتوجهلي كلمة بسبب حضرتك، اتفضل جهز نفسك ..
, رفع وائل يده بجانب رأسه بتوتر و غيظ داخلي: حاضر يافندم ..
, استدار يلقي نظرة حادة على عدي الذي قابله بعيون مازال الغضب يسكنها وتمتم: مصيرك هتقع تحت إيدي وساعتها مش هرحمك ..
, توقفت خطوات وائل والتفت نحوه: تهديدك ده هيوصل للقائد، و هيوصل للمدرب بتاعك اللي أنت متستاهلوش ..
, ابتسم عدي ساخراً بعصبية: أمال أنت اللي تستاهله؟! خده ياخويا أنا مش عايزه أنتوا علطول كده باصيلي في كل حاجة بعملها ..
, هتف وائل بحدة وحقد: هاخده وهتشوف، أنت ماتعرفش أن المُدربين يقدروا يغيّروا المتدربين بتوعهم، و أنا هعمل بكل جهدي اجي مكانك عشان أنت متستاهلش،
, ثم تابع بسخرية: و أنت أساساً مش هتاخد معاه كام يوم و هو يغيرك بنفسه، كفاية اللي حصل أول يوم معاه هنا، و أنت برضو ماحدش طايقك ولا في حارتك ولا في شغلك ..
, ضم عدي قبضتيه يقوة يجاهد لئلا يعود للكمه ليعتدل وائل بوقفته سريعاً بتلهف حالما لاحظ اقتراب تليد منهم حتى وقف بجوارهم ..
, نقل تليد نظراته الهادئة بين الإثنين، و يده امتدت لجيبه تُخرج سيجاراً فاخراً وضعه بين شفتيه و بدأ بإشعاله بصمت ليرفع نظره لوائل حالما هتف: اا.. تليد باشا هو حضرتك مش هتغيّر المتدرب بتاعك؟! أنا يا باشا ليا الشرف أبقى معاك واتدرب تحت إيدك ..
, نفث تليد الدخان من بين شفتيه بهدوء أغاظ عُدي الذي يقف بجانبه يطالعه بحدة ينتظر إجابته، ليهتف تليد أخيراً محدقاً بوائل المتحمس: أنت أسمك إيه ؟؟
, وائل بفرح: وائل يا باشا ..
, تليد: و أنت شايفني مشلول؟! ولا مليش لسان أتكلم و أعبر عن رأيي وعايز مساعدتك ؟!
, فتح وائل فمه بتوتر: ل..لا يا باشا مش قصدي ..
, تليد: أنا لا عايزك تحت إيدي ولا تحت رجلي، شادي و كفاية عليك ..
, قطب وائل جبينه بشدة يطالعه بتوتر ليفزع على صوت صراخ مدربه شادي به، فيلتفت نحوه ويرى عيونه التي تشتعل وكأنه يراه يقف مع العدو ..
, سار باتجاهه سريعاً ليهتف شادي من بين أسنانه: اللي أسمه تليد ده مش عايز أشوفك جنبه تاني أنت ساامع؟!
, وائل: أانا يا باشا..
, شاذي: اشش ولا كلمة و اللي أقوله يتنفذ، أنت تحط في دماغك أنك هتكسب في التدريب و تجيب المركز الأول و تتقدم عليهم كلهم و خاصة المتدرب اللي معاه، يلا دقيقتين وهنبدأ ..
, أومأ وائل سريعاً بضيق والتفت لينضم لباقي المتدربين يقوم ببعض تمارين الإحماء وسط تعليمات شادي و إلقائه الأوامر فوق رأسه تماماً كما يفعل باقي المُدربين ..
, نقل عدي نظراته بين الجميع والتفت لمدربه الذي ينفث دخان سيجارته بهدوء ليهتف بغيظ: حضرتك مش هتديني كام معلومة أكسب بيها السباق ؟!
, التفت تليد نحوه رافعاً حاجبه: سباق إيه ده كله على بعضه تمرين لا هيقدم لا يأخر ..
, هتف عدي بعند خاصة بعد حنقه من وائل وسعيه للفوز عليه: ولو كان، أنا عايز أكسب، اديني أي حاجة أكسب بيها مش حضرتك شاطر و عندك قدرات وكلهم قارفينا بسيرتك وعمال يحسدوني عليك ..
, سحب تليد نفثاً قوياً من سيجاره و التفت ينفخه فجأة في وجه عدي الذي سعل يبعد وجهه عنه يلوح بيده مبعداً الدخان: في إييه أتت اتجننت يا تليد..أاا قصدي يا باشا ..
, تجاهله تليد هاتفاً: تعرف تجري ..؟!
, سهل عدي مجدداً واعتدل بوقفته: أيوه ..
, تليد: أوك .. يبقى تخيل أن قدامك عدوك اللدود ..
, ضيق عدي عيناه بقوة وتابع تليد: وهو عمال يجري هربان منك وأنت هتجري وراه عايز تقتله، ساعتها هتعمل إيه ؟!
, عدي بحدة: هعمل إيه طبعاً هفضل وراه لحد ما أمسكه الواطي ده ..
, تليد: بالظبط، أنت تخيل كده بس.. وأجري ..
, ضاقت عيني عدي بقوة ورفع رأسه للسماء بتفكير، حتى خرج صوت أحدهم يُنادي عليهم للإستعداد ..
, ليلتفت نحو تليد بتحفز قبل أن يذهب: هرفع راسك يا باشا وهتشوف بنفسك إني أستاهل أبقى معاك مش زي ماهما بيقولوا ..
, وقف عدي بقلب نابض بين الجميع، و عيونه لا إرادياً انتقلت نحو وائل،
, تمتم مضيقاً عينيه: عدوي اللدود !!؟
, جزّ على أسنانه يرتفع صدره بنفس قوي و قد علم غايته، ليُجهز نفسه سريعاً و ما إن بدأوا الركض حتى انطلق بأقصى سرعة ركضها في حياته كلها ..
, عيناه لا تحيدان عن وائل والذي كان قد سبقه، يطالع ظهره بعيون مشتعلة بغضب هائل،
, عدوه اللدود أمامه..!
, وائل كان سريعا، بمرونة جسدية واضحة حتى سبقهم جميعاً يسعى للفور، و لكن تخيلات عدي كانت تزيده سرعة هو الآخر،
, يزيد من سرعة جريه و المسافة بينهما تتقلص حتى بات على بعد عدة خطوات منه فقط ..!
, راقبه تليد بعينيه ينفث دخان سيجاره بهدوء، و ابتسامة جانبية لاحت على شفتيه بعدما أدرك قرب فوز عدي أخيراً بعدما كاد يتخطى وائل،
, إلا أن حاجباه قد ارتفعا فجأة ببطء مصدوم، ويده أبعدت السيجار من بين شفتيه المنفرجتين بصدمة مطالعاً عدي الذي بدل أن يُتابع جريه حتى نهاية الساحة، قد مد يده بكل طاقته وجذب ملابس وائل من الخلف بقوة طرحته أرضاً بعنف واضح ..
, صرخ وائل بألم مصدوم و أنفاسه شبه مقطوعة من ركضه الطويل فيما عدي يجثو فوقه بوجه مُخيف: أهاا يا عدوي اللدوووود ..!