NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

مكتملة منقول أسطورتي (نوفيلا عمق) | السلسلة الخامسة | ـ عشرون جزء 17/10/2023

ناقد بناء

مشرف قسم التعارف
طاقم الإدارة
مشرف
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
إنضم
17 ديسمبر 2021
المشاركات
8,828
مستوى التفاعل
2,834
الإقامة
بلاد واسعة
نقاط
15,066
الجنس
ذكر
الدولة
كندا
توجه جنسي
أنجذب للإناث
➤السابقة




الأول


"مفهوم يا رجالة؟!"
, _ مفهوم يا فندم..
, "تمام.. و دلوقتي هتتوزعوا ع الغرف اللي هنا واللي هتلاقوا فيها المدربين بتوعكم،
, نبدأ.. أوضة رقم واحد للمتدرب منذر و المُدرب بتاعك(٤ نقطة) ، أوضة رقم تنين ل٣٧ نقطة
, و أخيراً أوضة رقم 7 ل عُديّ الحكيم والمدرّب بتاعك تليد الراضي"
, تفرّق الرجال سريعاً تنفيداً للأوامر وتابع عدي طريقه لآخر الرواق الطويل، دخل غرفة رقم7 ليجدها فارغة إلا من طاولة مكتب أنيقة بلون الخشب الغامق أمامها مقعدين جلديين مريحين، أريكة فاخرة في زاويتها وخزانة تحوي بعض الأغراض و الملفات ..
, تلفّت حوله بضيق منتظراً قدوم قائده الجديد و مُدربه الخاص ذو الخمسين من عمره بشعر أبيض يغزو رأسه مع هيبة و قوة واضحة كما يتخيّله في عقله،
, سار نحو آلة إعداد القهوة الموضوعة فوق المكتب و وقف يتأملها مشتهياً فنجاناً ساخناً يُريح صداع رأسه ..
, فُتح الباب من خلفه، ليلتفت له سريعاً رامقاً الشاب الذي دخل من الأعلى إلى الأسفل باستنكار وهتف به بحدة: أنت مين ياض و داخل من غير إذن كده ليه أنت فاكرها زريبة بقر ؟!
, رفع الداخل حاجبيه بدهشة فيما استدار عدي يقوم بإملاء فنجان ورقي من القهوة في الآلة أمامه وتابع بصوت غليظ لا يُناسب عمره الصغير: أطلع برا حالاً الأوضة دي للتدريب و تليد بيه زمانه على وصول مش عايزينه يشوف حد غيري هنا ..
, بقي الآخر واقفاً مكانه يضع يديه في جيبيه بدهشة لم تُفارقه، فيما رفع عدي كوب القهوة لفمه يرتشف منه وعاد يلتفت له مجدداً ليجده متسمراً يتابعه بنظرات هادئة، زفر بغيظ و اقترب منه بغضب لطالما كان يحتلّه سريعاً: أنت يا كائن يا أطرش، أنت أطرش و لا مابتفهمش بقولك أطلع برا بدل ما أطلّع أنا شياطيني عليك، مش كفاية الهباب اللي أنا فيه ده ..
, فُتح الباب مجدداً ليدخل القائد الذي كان يُشرف عليه مع رفاقه قبل قليل، اقترب يقف بجانب الآخر ناظراً لعُدي الذي لم ينتبه بدخوله و عاد يحتسي قهوته، ليهتف: ها تعرفتوا !؟ ده بقا عدي المتدرب اللي هيبقى تحت إيدك يا تليد .. وأنت يا عدي عايزك تشد حيلك و تركز كويس تليد باشا هيفيدك جداً و أنت كده تُعتبر محظوظ أنك معاه ..
, توسعت عيني عدي مُتشرقاً بالقهوة التي تملأ فمه، لتتناثر قطراتها من فمه على وجهي تليد والقائد الآخر أمامه،
, جحظت عيناه أكثر حالما رآى مافعله، ليمد يديه نحوهم بتردد بغية مسحها و يعود ليُبعدها مكرراً حركاته تلك عدة مرات غير عالم ما الذي عليه فعله،
, ليرفع أخيراً يده مع كوب القهوة الورقي الفارغ و الذي مازال بين أصابعه يضعها بجانب رأسه مؤدياً التحية كما تعلّم، وصوته خرج صاخباً مع سعال لم يتوقف ضارباً الأرض أسفله بقوة: إحترامي يا فندممم ..!
,
, الفصل الأول
,
, يسير في طرقات حارته البسيطة بخطوات مُتعجلة مغتاظة بعدما تأخر في العودة من عمله،
, زفر ينظر لأحد الأطفال الذي قذف أمامه كرة كان يلعب بها مع عدد من ***** الحي الصغار، ليقف مُتخصراً مُكشراً في وجوههم يمنع نفسه بالقوة من ضربهم ..
, زفر بحدة متابعاً طريقه يتمتم بعدة شتائم مغتاظة: ولاد كلب، كلهم ولاد كلب دون إستثناء ..
, لطالما كره حيّهم ذاك، كره منزلهم..
, أو أنه يُحب منزلهم ولكن يكره الحي الذي يقبع به، و لطالما تخيل بأنه ينزع منزلهم من أساساته لينقله لحي آخر،
, مجرد أحلام و تخيلات لا تتحقق حتى لو كانت سهلة،
, صرخ بصدمة عندما اصطدمت الكرة بمؤخرة رأسه ليستدير مدلكاً مكان الضربة و وجهه احتقن غضباً ليعلو صوته صائحاً: يا ولاااد الكلللبب ياللي متربيتوووش..
, أجابه أحد الأولاد و الذي لم يتعد الثالثة عشر: غور من هنا يا عدوى مش ناقصينك بقولك إيه رأيك تدور على أبوك أصله يعيني ضايع كالعادة ..
, كانت عيون عدي تتوسع بصدمة يستمع لكلماته الوقحة و ذلك اللقب الذي أطلقوه أهل حارته عليه منذ زمن، و كان مُستعداً لضربه هو ومن معه حتى لو دخل بمشاكل و شجارات مع عائلاتهم كالعادة، إلا أن كلمات الصبي عن والده قد قبضت قلبه بقلق يهتف: قولت إييه أبويا فييين ؟!
, تجاهله الولد يعود للعب ليلتفت عدي راكضاً نحو منزله، يدفع الباب الذي وجده موارباً و دخل يصرخ بفزع: يااابااا يابا أنت فييين ؟!
, فتح جميع غرف منزله الصغير القديم و الشبه متهالك، إلا أنه يشعر به دافئاً حانياً لولا بعض الذكريات البشعة به،
, زاد قلقه الذي طغى على إرهاق وجهه وخرج من المنزل مجدداً يسير في أروقة الحي باحثاً عنه بعينيه بقلق يسأل من يراه أمامه حتى توقف أخيراً بتنهد حار حالما رآه من بعيد يجلس على كرسي خشبي في قهوة الحي الصغيرة ..
, أسرع نحوه يجذب ذراعه بلهفة: يابا إيه اللي خرجك من البيت بقالي مدة بدور عليك و أنت هنا قوم معايا نروح ..
, سحب والده ذراعه منه و هتف بصوت يظهر به تقدم العمر: مش همشي قبل ما أشرب شيشة قولهم يهاتولي شيشة ..
, زفر عدي ينظر حوله بضيق ليواجه نظرات الرجال قربهم بعضها ساخرة و بعضها مستنكرة، بادلهم نظرات سخط و غضب، وعاد ينظر لوالده: أنا جبتلك شيشة في البيت تعالا بس و أنا هشرب معاك هناك يلا بينا ..
, رمقه والده بتفكير ليومئ برأسه موافقاً جاعلاً عدي يزفر أنفاسه براحة، فلم يتعذب في إقناعه كالعادة،
, كاد يخرج ليوقفه هتاف صاحب القهوة من خلفه: أبوك شرب كوبايتين شاي و تلاتة قهوة هتدفع تمنهم إيمتى ياض يا عدي، ده غير الحساب اللي حضرتك مسجّله أنا مش هستنى صابر عليك كتير خلي بالك ..
, زفر عدي بحدة والتفت نحوه: معلش يا أبو سلمى يومين كده وهدفعلك حسابك كله وأخلص من قرفكم..
, قابله أبو سلمى بعدة شتائم تجاهلها عدي بصبر غريب وسحب والده معه حتى وصل لمنزلهم،
, صفع الباب خلفه بقوة يُطالع والده الذي سار بخطوات بطيئة يتجه لغرفة المعيشة الصغيرة،
, رجل في بداية الستين من عمره، بشعر شائب بدأ يتساقط مُظهراً صلعته، حواجب كثيفة بيضاء تُخبئ عينين صغيرتين بالكاد يرى بهما و يرفض بعناد وضع نظارة،
, ظهره منحني بشكل واضح و كأن ثقل الزمن جثى فوقه،
, هيئته تلك تجعل عدي يتألم، ألم غريب يشعر به كلما فكر به و بهيئته و بمعاناته التي أوصلته لما هو عليه!
, لم يكن عمره سبباً في تهالك جسده و عقله، بل أكوام المصائب التي حطّت عليه قد هدّته هداً، أنسته أغلب ذكرياته وغالباً مايذكرها بتشتت يزيد من ضياعه،
, كما أخبره طبيبه لعدة مرات، مرض الزهايمر الذي أصابه بغتة و بسرعة هو نفسه لم يستوعبها ولم ينتبه لها، كان كله بسبب سنين مُرة شاقة أنهكت قواه و صحته العقلية ..
, زفر بحدة محاولاً تجاهل أفكاره وذهب لغرفته يخلع ملابس العمل خاصته، ليعود ويجلس بجانب والده والذي ظهر عليه الهدوء و الوعي أخيراً ..
, تنهد عدي يبتسم ليُقبل رأسه: إزيك يابا وإزاي صحتك، ها قولي طبخت النهاردة إيه أنا هموت من الجوع ..
, رمقه والده بحب وهتف: و**** يابني ماطبخت حاجة، مش عارف ليه مع إني كنت ناوي أطبخ ..
, رمقه عدي بسخط: أصل القهوة والشاي كانوا مستنينك معلش ..
, والده: ياض أنت بتقول إيه ..؟
, عدي: ولا حاجة يابا ولا حاج ..
, والده: طيب قولي، أخبار شغلك إيه هتجبلنا فلوس إيمتى ؟!
, عدي: فلوس إيه ياباا أنا بتنفخ يابا أنا بمووت أنااا عايز أسيب كل حاجة ساعدني يا مسعد قولي أعمل إيه ؟!
, مسعد بغضب: تسيب إييه أنت مجنون ده أنا ماصدقت أنك دخلت شرطة وبقى ليك هيبة بدل ما أنت مهزئ طول عمرك زيي، أنا عايز الناس تعملك ألف حساب عايزك تهز بصوتك رجالة بشنبااات عايزهم يركعوا تحت رجلييك أماال ..
, عدي: ده أنا اللي بركع يابا مش هما..
, والده: يعني قولي هتجيب فلوس إيمتى ؟!
, عدي: يادي الفلوس وسيرتها، بقولك بتنفخخ، أنا بالتدريب يابااا ومرتبي زفت وهياخد التدريب كام شهر كده علشان يتأكدوا من كفائتي اللي مش موجودة، منه لله اللي قبلني في المخابرات و رشحني ليها منه لله كان عايز مني إييه هو مفيش غيري، ده أنا لو كان حلمي أخش مخابرات مكانش ده اتحقق، أنا عارفني أنا وحظي الهباب ..!
, تنهد مسعد يتمتم بحسرة: يابني هو أنا عايز في الدنيا دي إيه غير سعادتك؟! أنا عمري راح خلاص ومستني موتي في أي لحظة أنا بس عايز أتطمن عليك من بعدي، مش كفاية أخوك راح وخسرته، مش عايز أخسر حد تاني ..
, رمش عدي بعينيه بحسرة وتمتم: أخويا مين يابا **** يحفطك هو أنا كان ليا أخ ؟! ياريت و**** كان معايا أخ صغير، كبير، مكرسح، أعمى أي حاجة ع القليلة هلاقي حد جمبي بدل ما أنا لوحدي و الكل بيتكالبوا عليا أكمنهم شايفيني عضمة ده بفضلك يعني ..
, مسعد بحزن: عندك حق، أنا السبب بكل حاجة حصلت معانا أنا السبب ..
, عبس عدي بندم: لا يابا **** يطولي في عمرك أنا مليش غيرك و****، هما أهل حارتك الكللابب و إحنا بس طيبين زيادة،
, مسعد: بس برضو أنا السبب، أنت شقيت وتعبت معايا وسيبت دراستك واشتغلت علشان تعيلني ..
, ضرب عدي جبهته بحنق: دراسة إيه يابا اللي سبتها أنت هتعملني متخلّف وجاهل كمان !؟ مش هتبقى أنت و أهل حارتك عليا، أنا كملتها يابا بطلوع الروح.. بقولك نام نام وماتنساش تاخد علاجك، أنا هخش أوضتي أتخمد برضو ..
, اتجه سريعاً نحو باب المنزل، قفله و أخذ معه المفتاح خوفاً من استغلال والده فرصة نومه والخروج، يعلم بأن أهل الحارة لن يُفوتوا الفرصة للسخرية منه و الإستهزاء به حالما يجدوه وحيداً بلا حول ولا قوة لمواجهتهم ..
, ألقى بنفسه على السرير الصغير متجاهلاً أصوات بطنه الجائع، و هز رأسه متمتماً: يارب أعمل إيه ؟! ادونا مهلة الأسبوع ده علشان نتراجع ..
, التفت جانبه يُكلم نفسه: أتراجع عن دخول المخابرات ولا إيه؟! ماهو أنا لو تراجعت هبقى مسخرة وهرجع تاني لحياة الشقى والذل، أنا لازم أخش مخابرات ويبقى ليا هيبة زي ما مسعد بيقول، أنا هوري الكللابب كلها مين هو عدي مسعد ..
, عاد يستلقي على ظهره يحدق بالسقف: بس برضو لو فضلت في المخابرات أنا هتبهدل بهدلة عمري، ده أنا عيل فقري والنحس راكبني ومش بعيد إسرائيل تيجي تحتلنا بسببي ..
, قفز معتدلاً بجلسته ورفع رأسه يطالع النافذة بجانبه ينظر للسماء التي بدأت تظلم: يارب يارب ساعدني اديني إشارة واحدة.. إشارة واحدة بس علشان أعرف لو أكمل أو لأ .. إشارة واحدة بس يارب ..
, تنهد يعود للإستلقاء يرفع الغطاء على كامل جسده و يغوص سريعاً في النوم بعد يوم مُرهق ..
, يرى نفسه ببدلة رسمية، بنظارات شمسية تُخفي عينيه، يرى نفسه وسيماً جداً معقود الحاجبين،
, صفّين على كلا جانبيه من عساكر بعدد مهول، يسير هو بينهم برأس مرفوع شامخ، و الجميع يرفع يديه يؤدي التحية له مُرحبين به وهو كان يبتسم بجمود، و كأنه معتاد على ذلك الإحترام وتلك النظرات التي تخشى هيبته وقوته ..
, فتح أجفانه ليصطدم بالحائط القديم أمامه، بعدما تقشر دهانه وتهالك ليظهر الإسمنت من خلفه، بقي يحدق به للحظات بعيون تُحاول الإستيعاب ..
, و فجأة ابتسامة واسعة نمت على شفتيه، ليقفز جالساً مكانه بعدما طار النعاس من عينيه و نبض قلبه بحماس: معقول ؟!
, رمش بعينيه يلتفت للمرآة المعلّقة على دولابه القديم أمام السرير، نظر لنفسه بتمعن يحاول تذكر ملامحه المهيبة الوسيمة في ذلك الحلم،
, رفع كف يده يتحسس وجهه و هو يبتسم بذهول: ده أنا ؟! ده بجد ؟!
, ابتلع ريقه والتفت للنافذة يحدق بالسماء المظلمة: هي دي الإشارة يعني ؟!
, نبض قلبه ازداد ليهتف بحماس: معقول دي الإشارة علشان أكمل ؟!
, ابتلع ريقه مجدداً يتمتم: وافرض يا عدي مكانتش إشارة هتعمل إيه هتدبس نفسك ليه وأنت عارف نفسك وحظك ؟!
, زم شفتيه والتفت يطالع النافذة مجدداً: يااارب لو كانت دي إشارة ف اديني إشارة إن دي إشارة يارب علشان أنا مش فاهم معلش ..!
, ٨ علامة الإقحام
, بدلته مُرتبة، مكوية للمرة الأولى منذ بداية عمله و تدريباته، ابتسامة واسعة مغترة تشق وجهه مُسببة نظرات استنكار ممن حوله،
, يحاول تحقيق ذلك الحلم، علّ واحداً فقط من أحلامه الكثيرة يتحقق قبل أن يموت بحسرته،
, ساحة كبيرة يتجمعون بها، جميع المتدربين مثله و المُدربين خاصتهم، عينا عدي تحدق بأحدهم، و الآخر يطالعه بسخرية مستهزئة تُغيظه ..
, وائل، أبن حارته و عدوّه اللدود..!
, لا يدري ما الذي جمعه به هنا في نفس المكان، بل أنه يدري!
, فهذا كله بسبب حظه العاثر الذي جمعه بأكثر شخص يكرهه في حياته كلها!
, خرج صوت قائدهم حازماً: دي آخر فرصة ليكم، فرصة أنكم تتراجعوا و تسيبوا صفوف المخابرات،
, اللي هيفضل هنا هيلتزم بكل القوانين و الأنظمة و أي مخالفة هيتحاسب حساب شديد،
, معاكم خمس دقايق اللي مش عايز يكمل معانا يمشي حالاً ..
, بقي عدي ثابتاً مكانه، قلبه و عقله يحثانه على الإبتعاد، على الهرب، و لكنه يمنع نفسه بالقوة ..
, يُراقب بعينيه بعض الشباب من حوله يتركون أماكنهم منسحبين يتمنى أن يكون مكانهم، إلا أن نظرة واحدة من عدوه وائل جعلته يُقابلها بنظرة تحدي وغرور،
, لن يشمت أهل حارته به، لن يُعطيهم علكة جديدة ليلوكونها بين أسنانهم و ألسنتهم، سيعود إليهم قوياً مُخيفاً مهيباً، ويدعس على رقابهم جميعاً ..
, شمق برأسه للأعلى بأنف مُغتر متحدي يواجه وائل الذي اغتاظ من نظراته، وتمتم بحقد على أهل حارته جميعاً: كلهم كلاب كلهم دون استثنااء كلاب ..
, انتهت المهلة أخيراً، و بقي متسمراً مكانه ليُعلن صوت قائدهم الحازم بأنهم باتوا جزئاً من جهازهم، بلا قدرة على الإنسحاب بعد الآن ..!
, قائدهم: استراحة خمس دقايق وبعديها هنبدأ تمارين بدنية، أول تمرين هو الجري حتى نهاية الساحة وهنشوف سرعة و أداء كل واحد منكم ..
, تأفف عدي بضيق شاتماً: و لازمته الجري إيه مش إحنا مخابرات مايعلمونا نخبر طيب ..!
, تأفف مجدداً وتوقف مكانه بحدة عندما رأى اقتراب وائل منه ..
, وائل: إزيك يا أبن حارتي ؟!
, هتف عدي بغضب: هتمشي من وشي ولا أطلع شياطيني عليك أنت وكل حارتك ؟!
, ضحك وائل مستفزاً: متوقعتكش تفضل هنا، الجُبن بدمّك قدرت تصمد هنا إزاي ومتهربش ؟!
, رمقه عدي بحدة ليهتف وائل: عموماً مظنش أنك هتقدر تكمل، ده أنت هيخرجوك من هنا بفضيحة، مانتوا متعودين ع الفضايح أنت وأبوك..
, صرخ عدي بغضب: بقولك امشييي من هنااا ..
, ابتسم وائل مستهزئاً: همشي، سلام يا عدوى ..
, احتدت نظرات عدي أكثر، من ذلك اللقب الذي يمقته، و يمقت أكثر من أطلقه عليه لأول مرة،
, كان نفسه وائل عدوه اللدود، في بدايات مراهقته، أطلقه عليه لعدة مرات ليجد نفسه أخيراً يُنادى به باستفزاز من قبل أهل حارته جميعاً ..
, تسمر مكانه بتخشب حالما هتف وائل من خلفه: إبقى سلملي ع الست الوالدة قولها أنها واحشانا كل..
, لم يكمل كلامه فقد أخرسته لكمة قاسية وجّهها عدي لوجهه و أودع بها كل غضبه و حنقه مع احمرار وجهه الكبير ..
, جثى فوقه يُمسك ملابسه بشدة: هتخرس قولتلك تخررس وماتختبرش صبررري..
, حاول وائل إبعاده عنه: ابعد يابن٣ العلامة النجمية يا حراامي يا..
, قاطعته لكمة أخرى من عدي الذي وجد نفسه يُرفع من قِبل أيادي كثيرة حوله ويداه تتفلّت عن ياقة وائل بالقوة، ليصرخ مهتاجاً يركله بقدمه أينما طالت حتى نهض وائل بمساعدة البعض الآخر ..
, هدأت الأصوات قليلاً حالما تقدم قائدهم يهتف بحزم: إييه اللي بيحصل هناا من بدايتها خناقات ؟! أنتوا فاكرين نفسكم فيين يابهواات ؟!
, وائل بغضب: هو اللي تهجم عليا يافندم واهم كلهم شاهدين اسألهم ..
, تنفس عدي بقوة وحاول التخلص ممن يُكبلون حركته ليهتف وائل: اهو شوفت يافندم عايز يضربني تاني ..
, القائد: عدي.. اثبت مكانك أنت بتعمل إييه ؟!
, مين المسؤولين عنكم أنتوا التنين ..
, وائل: الظابط شادي العبد يا فندم ..
, اقترب المدعو شادي منهم بنظرات حادة يهتف: إيه اللي بيحصل هنا ..؟
, التفت القائد نحوه بحدة ليرى من خلفه اقتراب مُدرب آخر، كان المسؤول عن عدي و مدربه الخاص ..
, تليد الراضي، أحد أبرز الضباط من بينهم، ليس فقط لنفوذه و هيبته و مهماته التي تكللت جميعها بالنجاح، بل لأن لديه ظهراً متيناً يستند عليه منذ بداية دخوله لعالم المخابرات و حتى اللحظة ..
, جميع المتدربين تمنوا التدرّب على يديه هو تحديداً بعدما سمعوا عن قدراته و مكانته،
, فمن يكون معه سيحظى بمكانة سريعة بينهم جميعاً ويتلقى احتراماً بالغاً،
, يكفي فقط أن يكون له صلة بتليد الراضي ..
, و الجميع هنا ينظرون لعدي بعين الحسد و الحقد ل حظه الذي فلق الصخر، غير مُدرك هو نفسه بأن حظه العاثر قد خالف توقعاته هذه المرة !
, خرج صوت القائد عالياً: دقايق الإستراحة هتخلص، الكل يجهز، وهنكرر لتاني و آخر مرة، أي شجارات أو إخلال بالقواعد هيبقى فيه عقاب قاسي احنا هنا بنصنع رجالة مش حيوانات ..
, تركهم وابتعد ليُكلم مدربيهم ببضع كلمات حادة ثم يرحل، ليلتفت شادي نحو وائل يهتف به: دي أول و آخر مرة أسمح بالتجاوزات دي أنت فاااهم أنا مش هسمح تتوجهلي كلمة بسبب حضرتك، اتفضل جهز نفسك ..
, رفع وائل يده بجانب رأسه بتوتر و غيظ داخلي: حاضر يافندم ..
, استدار يلقي نظرة حادة على عدي الذي قابله بعيون مازال الغضب يسكنها وتمتم: مصيرك هتقع تحت إيدي وساعتها مش هرحمك ..
, توقفت خطوات وائل والتفت نحوه: تهديدك ده هيوصل للقائد، و هيوصل للمدرب بتاعك اللي أنت متستاهلوش ..
, ابتسم عدي ساخراً بعصبية: أمال أنت اللي تستاهله؟! خده ياخويا أنا مش عايزه أنتوا علطول كده باصيلي في كل حاجة بعملها ..
, هتف وائل بحدة وحقد: هاخده وهتشوف، أنت ماتعرفش أن المُدربين يقدروا يغيّروا المتدربين بتوعهم، و أنا هعمل بكل جهدي اجي مكانك عشان أنت متستاهلش،
, ثم تابع بسخرية: و أنت أساساً مش هتاخد معاه كام يوم و هو يغيرك بنفسه، كفاية اللي حصل أول يوم معاه هنا، و أنت برضو ماحدش طايقك ولا في حارتك ولا في شغلك ..
, ضم عدي قبضتيه يقوة يجاهد لئلا يعود للكمه ليعتدل وائل بوقفته سريعاً بتلهف حالما لاحظ اقتراب تليد منهم حتى وقف بجوارهم ..
, نقل تليد نظراته الهادئة بين الإثنين، و يده امتدت لجيبه تُخرج سيجاراً فاخراً وضعه بين شفتيه و بدأ بإشعاله بصمت ليرفع نظره لوائل حالما هتف: اا.. تليد باشا هو حضرتك مش هتغيّر المتدرب بتاعك؟! أنا يا باشا ليا الشرف أبقى معاك واتدرب تحت إيدك ..
, نفث تليد الدخان من بين شفتيه بهدوء أغاظ عُدي الذي يقف بجانبه يطالعه بحدة ينتظر إجابته، ليهتف تليد أخيراً محدقاً بوائل المتحمس: أنت أسمك إيه ؟؟
, وائل بفرح: وائل يا باشا ..
, تليد: و أنت شايفني مشلول؟! ولا مليش لسان أتكلم و أعبر عن رأيي وعايز مساعدتك ؟!
, فتح وائل فمه بتوتر: ل..لا يا باشا مش قصدي ..
, تليد: أنا لا عايزك تحت إيدي ولا تحت رجلي، شادي و كفاية عليك ..
, قطب وائل جبينه بشدة يطالعه بتوتر ليفزع على صوت صراخ مدربه شادي به، فيلتفت نحوه ويرى عيونه التي تشتعل وكأنه يراه يقف مع العدو ..
, سار باتجاهه سريعاً ليهتف شادي من بين أسنانه: اللي أسمه تليد ده مش عايز أشوفك جنبه تاني أنت ساامع؟!
, وائل: أانا يا باشا..
, شاذي: اشش ولا كلمة و اللي أقوله يتنفذ، أنت تحط في دماغك أنك هتكسب في التدريب و تجيب المركز الأول و تتقدم عليهم كلهم و خاصة المتدرب اللي معاه، يلا دقيقتين وهنبدأ ..
, أومأ وائل سريعاً بضيق والتفت لينضم لباقي المتدربين يقوم ببعض تمارين الإحماء وسط تعليمات شادي و إلقائه الأوامر فوق رأسه تماماً كما يفعل باقي المُدربين ..
, نقل عدي نظراته بين الجميع والتفت لمدربه الذي ينفث دخان سيجارته بهدوء ليهتف بغيظ: حضرتك مش هتديني كام معلومة أكسب بيها السباق ؟!
, التفت تليد نحوه رافعاً حاجبه: سباق إيه ده كله على بعضه تمرين لا هيقدم لا يأخر ..
, هتف عدي بعند خاصة بعد حنقه من وائل وسعيه للفوز عليه: ولو كان، أنا عايز أكسب، اديني أي حاجة أكسب بيها مش حضرتك شاطر و عندك قدرات وكلهم قارفينا بسيرتك وعمال يحسدوني عليك ..
, سحب تليد نفثاً قوياً من سيجاره و التفت ينفخه فجأة في وجه عدي الذي سعل يبعد وجهه عنه يلوح بيده مبعداً الدخان: في إييه أتت اتجننت يا تليد..أاا قصدي يا باشا ..
, تجاهله تليد هاتفاً: تعرف تجري ..؟!
, سهل عدي مجدداً واعتدل بوقفته: أيوه ..
, تليد: أوك .. يبقى تخيل أن قدامك عدوك اللدود ..
, ضيق عدي عيناه بقوة وتابع تليد: وهو عمال يجري هربان منك وأنت هتجري وراه عايز تقتله، ساعتها هتعمل إيه ؟!
, عدي بحدة: هعمل إيه طبعاً هفضل وراه لحد ما أمسكه الواطي ده ..
, تليد: بالظبط، أنت تخيل كده بس.. وأجري ..
, ضاقت عيني عدي بقوة ورفع رأسه للسماء بتفكير، حتى خرج صوت أحدهم يُنادي عليهم للإستعداد ..
, ليلتفت نحو تليد بتحفز قبل أن يذهب: هرفع راسك يا باشا وهتشوف بنفسك إني أستاهل أبقى معاك مش زي ماهما بيقولوا ..
, وقف عدي بقلب نابض بين الجميع، و عيونه لا إرادياً انتقلت نحو وائل،
, تمتم مضيقاً عينيه: عدوي اللدود !!؟
, جزّ على أسنانه يرتفع صدره بنفس قوي و قد علم غايته، ليُجهز نفسه سريعاً و ما إن بدأوا الركض حتى انطلق بأقصى سرعة ركضها في حياته كلها ..
, عيناه لا تحيدان عن وائل والذي كان قد سبقه، يطالع ظهره بعيون مشتعلة بغضب هائل،
, عدوه اللدود أمامه..!
, وائل كان سريعا، بمرونة جسدية واضحة حتى سبقهم جميعاً يسعى للفور، و لكن تخيلات عدي كانت تزيده سرعة هو الآخر،
, يزيد من سرعة جريه و المسافة بينهما تتقلص حتى بات على بعد عدة خطوات منه فقط ..!
, راقبه تليد بعينيه ينفث دخان سيجاره بهدوء، و ابتسامة جانبية لاحت على شفتيه بعدما أدرك قرب فوز عدي أخيراً بعدما كاد يتخطى وائل،
, إلا أن حاجباه قد ارتفعا فجأة ببطء مصدوم، ويده أبعدت السيجار من بين شفتيه المنفرجتين بصدمة مطالعاً عدي الذي بدل أن يُتابع جريه حتى نهاية الساحة، قد مد يده بكل طاقته وجذب ملابس وائل من الخلف بقوة طرحته أرضاً بعنف واضح ..
, صرخ وائل بألم مصدوم و أنفاسه شبه مقطوعة من ركضه الطويل فيما عدي يجثو فوقه بوجه مُخيف: أهاا يا عدوي اللدوووود ..!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih و pop44
الثاني


كاد يُجن جنونه و هو يستمع إليهم يحكمون عليه بسبب فعلته، عيونه انتقلت لمُدربه الهادئ بجانبه و كأنهم يحدثونه عن أحوال الطقس ليضم قبضتيه غيظاً و توعداً للجميع ..
, خرجا من غرفة المكتب ليسير تليد في الرواق متجاهلاً له، طالعه عدي بعيون حادة ليشهق فجأة متذكراً والده..
, كيف يتركه لثلاثة أيام بدون أن يطمئن عليه !؟
, هرول راكضاً خلف تليد ليهتف بفزع: تلت أياام حبس لييه يا باشا هو أنا تعديت على حرم الوزير ماهو كلب ولا يسوا..
, توقفت خطوات تليد ملتفتاً له ليهتف عدي برجاء نادراً ما يظهر في صوته: أبويا يا باشا لوحده مش هينفع أسيبه أقسم ب**** هياكلوه من غير ملح ..
, تليد: هما مين ؟!
, عدي بأمل: أهل حارتي يا باشا ما أنت ماتعرفهومش كلاب كلهم دون استثناء أرجوك يا باشا سبني أروح بالليل بس ..
, رفع تليد حاجبيه باستنكار و أمال رأسه هاتفاً: ما أنت هتتحبس بالليل أصل بالنهار هتقضيه كله تدريب ..
, هتف عدي بصدمة: يا باشا بقولك أبويااا.. بص سبني أروحله اللية بس وهرجع بدري أوعدك ومش هيعرف حد ..
, تليد: وأنا مالي حل مشاكلك بنفسك ..
, عدي: مالك إييه ياض أا.. قصدي يا باشا مش أنت المدرب بتاعي ..؟!
, رمقه تليد من الأعلى إلى الأسفل للحظات ليهتف بعدها: و أنا هغير رأيي قريباً ..
, استدار يبتعد عنه ليتسمر عدي مكانه يطالع ظهره بصدمة، ابتلع ريقه بصعوبة يسير خلفه مجدداً: يعني إايه يا باشا أنت هتسبني وتشمتهم فيا ؟!
, تجاهله تليد متابعاً طريقه لمكتبه ليتوقف عدي بغضب حالما ظهر وجه وائل أمامه، بعدما عاد من العيادة الخاصة بالمركز وجهه مليء بالكدمات و عينه متورمة إلا أن نظرات الحقد والحسد مازالت داخلها ..
, نسي عدي مشكلته وهتف ساخراً: يا لهووي مين اللي عامل فيك كده ياض يا وائل ..
, هتف وائل بحدة: هتندم قسماً ب**** هخليك تندم يابن٤ العلامة النجمية أنا هفضحك في كل مكااان هفضحك و زي ما حارتك كارهاك هخلي كل اللي هنا يكرهوك ويبعدوا عن أبن مش معروفله أهل زيك ..
, احمرت عيني عدي بقوة و مد يديه يجذبه من ياقته بعنف، أعاد رأسه للخلف و دفعه بعدها باتجاهه ليرتطم بأنف وجبهة وائل الذي صرخ متألماً وسقط أرضاً بعيون زائغة ..
, تتفس عدي يرمقه بقهر مخفي، ثم تركه يسرع بخطواته نحو مكتب تليد، فتح الباب بهمجية هاتفاً بحدة: أنا عايز أروح لأبويااا ..
, رفع تليد نظراته نحوه، يجلس خلف مكتبه باسترخاء و عيون هادئة ليهتف بهدوء: روح كُل، كمان شوية هنرجع للتدريب ..
, عدي: مش عاايز أطفح عايز أروح لأبويااا هياكلووه ..
, تليد: وهما أهل حارتك حيوانات، ياكلوا إيه اتظبط كده وحافظ على تلت أيام حبس بدل ما يبقوا عشرة ..
, تغيرت نظرات عدي مجدداً للرجاء: يا باشا خلي عندك ددمم أرجوك..!
, رفع تليد حاجبيه بدهشة لينفض عدي رأسه مقترباً منه: أوعدك أوعدك المرة دي بس عايز أتطمن عليه بس **** يخليلك أبوووك و مايحرمكش منه ..
, تليد: معنديش أب ..
, عدي برجاء: أمك، **** يخليهالك ويطول بعمرها ..
, تراجع تليد بظهره للخلف: ولا أم ..
, شهق عدي يرمقه بشفقة: ياعيني.. يتيم !؟
, أومأ تليد برأسه مدعياً الحزن ليهتف عدي: طب أي حد **** يخليلك أي حد..
, هتف تليد: ماعنديش أ..
, صاح عدي بنفاذ صبر: ماتقول عندك إيييه خليني أدعيلك ونخلص ..
, ابتسم تليد هاتفاً بهدوء: أخويا ..
, شهق عدي مجدداً: عندك أخ يابختك أنا معنديش ..
, تليد: قر و أحسد كمان ده هو اللي حيلتي..
, هز عدي رأسه وهتف: طب **** يخليهولك طيب ساعدني وغلاوته عندك ساعدني ورجعني لأبويا ..
, رفع تليد قدماً فوق الأخرى هاتفاً: خلاص مادام حلّفتني بالغالي يبقى موافق ..
, رمقه عدي بحدة: ما كان من الأول لازمة الشويتين اللي عملتهم دول إييه ؟!
, رمقه تليد بصمت للحظات ليتحمحم عدي رافعاً يده مؤدياً التحية باحترام: أسف يا باشا أنا خايف على أبويا بس و**** ..
, لوح تليد بيده: روح واستناني بالليل ..
, ابتسم عدي بفرح ليعود ويؤدي التحية خابطاً قدمه بالأرض بقوة، ويخرج بعدها من الكتب يصفع الباب خلفه بقوة أكبر ..
, ٨ علامة الإقحام
, يجلس في زنزانة منفردة، محدقاً بالحائط أمامه بضيق و قلق، نهض يدور في مساحتها الصغيرة شاتماً كل شيء،
, حتى فُتح الباب ببطء جعله يتحفز منتظراً بصبر، ليطل عليه أحد الرجال هامساً: من غير صوت، ورايا ..
, ابتسم عدي بلهفة و سار خلفه يتمسك بملابسه من الخلف بقوة ليرمقه الرجل بحدة: سيب هدومي و أمشي عدل ..
, عدي: خرجني الأول أنا مش ضامن حظي أن محدش هيلاحظ ..
, تأفف الرجل بضيق و سار يتفقد الطريق حوله بمساعدة عدد من الرجال، دقائق عديدة حتى وجد عدي نفسه خارج المركز حراً طليقاً ..
, استنشق الهواء بقوة صارخاً: و أخيراااا هوااء الحريييية ..
, تلقى ضربة من أحد الرجال الذي همس بحدة: تمشي من سكااات وترجع بكرا بدري قبل العصافير ما يصحوا فاااهم ده كلام تليد باشا ..
,
, أومأ عدي بابتسامة واسعة ثم التفت حوله: هو أنتوا مش هتكمّلوا معروفكم و توصلوني .. هلاقي مواصلات دلوقتي إزاي ؟!
, تجاهله الرجال يعودون لأماكنهم ليزفز عدي بضيق يسير في الطرقات المظلمة شاعراً بحرارة الجو من حوله ..
, وصل لحارته بعدما كاد يقطع نفسه، و دخل منزله سريعاً: ياباا أنت فين يا مسعد !؟
, أسرع لغرفة والده ليتنهد بقوة وراحة عندما وجده ينام على سريره، ابتسم يقترب منه يطمئن عليه والتفت يبحث عن أدويته في الدرج الجانبي ..
, ضيق عيناه عندما وجدها كما تركها له ليزفر بحدة صارخاً: فووق ياباا يا مسعد ..
, فتح مسعد عيناه ليشهق بلهفة: عدي يابني أنت جيت تأخرت عليا لييه يا عاق ..
, هتف عدي: غصباً عني يابا كلهم بيكرهوني هنا وهناك ..
, عانقه مسعد نافياً: محدش بيكرهك هما بيغيروا منك بس، و أنت هتكسر عينهم كلهم أنا واثق في أبني حبيبي ..
, هتف عدي يبتعد عنه ليهتف بجدية: بقولك يابا أنا مضطر أغيب عنك يومين غصباً عني يابا بس هرجعلك و أجبلك معايا حاجات حلوة ..
, ابتسم مسعد يضرب كتفه: مادام كده هاتلي معاك سندويشة شاورما نفسي فيها من زماان ياض ياعدي و أنت عاق مش بتجبلي ..
, رمقه عدي بصمت و تغيرت نظراته للجمود للحظة مع همّ ثقيل، ليبتسم بعدها يومئ برأسه: حاضر ياباا هجبلك اللي أنت عايزه بس تسمع الكلام وتفضل في البيت أنا مش عايز أهل حارتك يأذوك ..
, مسعد بفخر: عيب عليك هو أنت ماتعرفش أبوك ولا إيه ده أنا سبع أبن سبع ..
, عدي: وهما ضباع يابا أرجوك اسمع الكلام واتلم في البيت مش عايز أقلق عليك و أنا هناك ..
, مسعد: خلاص يابني اتكل أنت على **** ومتقلقش ..
, تنهد عدي براحة ثم رمقه بتهديد: علاجك ماخدتوش ليييه يا مسعد ؟!
, نظر مسعد للدرج بجانبه ليهتف: يابني أنا مش عايز أنا حاسس نفسي كويس جداً متقلقش ..
, عدي: ياباا الدكتور قالك تاخده بانتظام أرجووك متغلبنيش معاك، خد يلا ادي المية خد علاجك قدامي حالاً ..
, رمقه مسعد بتردد ناظراً لظرف الدواء الذي كاد ينتهي، ليأخذ الحبة رغماً عنه بتحسر،
, فيعلم بأن ولده لا يملك نقوداً ليشتري علاجه بعد انتهائه و هو كان يُوفر عليه بذلك ..
, ابتسم عدي يقبل رأسه: نام يابا أنا كمان هرتاح شوية لازم أصحى قبل العصافير ..
, مسعد: ماتتأخرش عليا تاني يابني ..
, تنهد عدي يراقبه و هو يعود للنوم وسار إلى غرفته ليخلع ملابسه ويبقى فقط بملابسه الداخلية يُلقي بنفسه فوق السرير غاطاً في النوم ..
, ٩ علامة الإقحام
, يضع قدما فوق الأخرى يهزها بملل وحنق، يراقب المتدربين الذين بدأوا بالتوافد منذ دقائق قليلة و هو ينتظر هنا وحده منذ أكثر من ساعة ونصف ..
, لمح عن بعد دخول تليد مع عدد من رجاله ليُسرع نحوه بهرولة: بقا كده يا باشااا تعمل فيا كده أجي من قبل ما العصافير تصحى و أنتوا لسا واصلين ؟!
, توقفت خطوات تليد فجأة، والتفت نحوه بعيون متمعنة: جيت قبل إيه ؟!
, عدي: قبل ما العصافير تصحى يا باشا و**** أنا عندي عشة فراخ جنب بيتنا وشوفتهم لسا نايمين ينفع كده يا باشا ؟!
, رمش تليد بعينيه ناقلاً نظراته بين رجاله للحظات قبل أن يهز رأسه هاتفاً بهدوء: أنا عايز أسألكم سؤال ..
, هتف الجميع بسرعة: أتفضل يا باشا ..
, تليد: هو أنا رجالتي ليه دايماً كاسفيني ؟!
, صمت الرجال يخفضون رؤوسهم بتوتر ليلتفت تليد يتابع خطواته بعيداً عنهم فيما وقف عدي يحدق بالرجال: بقا كده يا تور منك له تكسفوا الباشا ليييه ؟!
, رمقه الرجال باستنكار وانفضوا بعيداً عنه ليرمقهم عدي بغيظ و يتجه لينضم لباقي المتدربين سريعاً ..
, ٩ علامة الإقحام
, انتهت الثلاثة أيام كاملة و التي قضاها عدي بين الحبس ليلاً و التدريب نهاراً،
, يرى نظرات وائل المهددة له عن بعد، حتى بدأ يرى في عينيه ابتسامة شامتة لا يفهم سببها إلا أنه قرر تجاهله كما أخبره مدربه تليد ..
, انتهى يوم تدريبهم الشاق، وخرج عدي منهك الجسد يشتم كل شيء كعادته، ليحدق بالشارع أمامه وعرق يتصبّب من جبينه إثر حرارة الطقس حولهم ..
, عدي: هلاقي تاكسي إزاي ولا هدفعله إزاي معيش فلوس..
, قطع كلامه فجأة بعيون متوسعة متذكراً سندويشة الشاورما التي وعد والده بها، ابتلع ريقه ينبش جيوبه بقلق و تثاقل الهم في قلبه أكثر ناظراً حوله بتيه ..
, لمح عن بعد خطوات تليد باتجاه مجموعة سيارات فاخرة مركونة قريباً من المبنى، ليهرول نحوه سريعاً بلا شعور: تلييد باشا أستنااا يا باشا ..
, توقفت خطوات تليد بجانب سيارته يرمقه بصمت ليزفر عدي هاتفاً: وصلني في طريقك واكسب ثواب ..
, طالعه تليد بنظرات هادئة ثم تجاهله يدخل سيارته ليُغلق الباب خلفه بصمت ليغتاظ عدي ضارباً سطح السيارة: لو مش عايز قول اتكلم ماتفضلش ساكت و كأني هوا بكلمك ..
, تليد: الهوا مش بيتكلم ..
, ضم عدي قبضتيه بغيظ يودّ لو يستطيع لكمه، ليتذكر والده مجدداً وترتخي عيناه: يا باشا تعبان يا باشا مانتوا مش سايبينا في حالنا أعمال شاقة كل يوم و لحد دلوقتي مشوفتش من مرتبي ولا مليم أعيش أنا إزاي طول الشهر ده ها قولي ..!؟
, زفر تليد يدير محرك سيارته بغية الذهاب ليتفاجأ بوقوف عدي أمامها فاتحاً ذراعيه على كلا جانبيه: مش هتمشي من غيري إلا على جثتي ..
, بقي تليد يحدق به بصمت ليبتسم عدي رافعاً رأسه بتحدي وفخر بنفسه بعدما أدرك بأنه حاصر تليد حصاراً ماكناً ..
, رمش بعينيه فجأة وتراخت يديه بجانبي جسده ملاحقاً بنظراته سيارة تليد التي تتراجع للخلف بكل سلاسة و تستدير منطلقة بعيداً عنه تماماً وبعيداً عن جثته ..!
, وقف مكانه للحظات بحنق و قهر داخله ليشتم زافراً بضيق مقرراً البحث عن أي وسيلة مواصلات تحنو عليه و توصله مجاناً ..
, سار مسافة لا بأس بها رافعاً يده بتنهد حار يمسح حبات العرق عن كامل وجهه المحمر، حتى استشعر توقف سيارة سوداء بجانبه ليلتفت نحوها سريعاً بجبين مقطب ..
, ارتخت ملامحه لرؤيته تليد الذي رمقه بهدوء: صعبت عليا.. أطلع ..
, توسعت ابتسامته بإشراق رغم تعبه وفتح الباب ليصعد سريعاً بجانبه و يُغلقه خلفه بقوة كادت تكسره ..
, التفت حوله ينقل نظراته في أرجاء السيارة التي تضج فخامة، رفع حاجبيه بإعجاب و مد يده مُتلمّساً كل شيء طالته حتى تلمّس بلا شعور وجه تليد بجانبه ليرمقه الآخر بنظرات صامتة جعلته يُبعد يده سريعاً بتنبه ..
, هز عدي رأسه: يا بختك عربيتك حلوة أوي، جبتها بكام ؟!
, تجاهله تليد و لم يجيه ليتمتم عدي وهو يربت على زجاج السيارة الأمامي بقوة: ماشاء **** بص فخمة إزاي، يا بختك يا باشا ..
, تجاهل تليد بصبر حركاته و تصرفاته الهمجية و سار منطلقاً بالسيارة ليهتف: العنوان ..
, كاد عدي يخبره العنوان إلا أنه أطبق شفتيه فجأة يلتفت له بطرف عينه: أا معلش يا باشا لو ينفع يعني اا..
, رمقه تليد بدهشة: نسيت عنوانك ؟!
, نفى عدي ولوح بيديه: لا خاالص بس يعني هو..
, رفع تليد حاجبيه بدهشة متوارية، فقليلاً ما كان عدي يتردد في أي شيء يطلبه منه بل أنه كان يُشعره بأنه هو مدربه و ليس العكس، من نبرته الحادة و طلباته التي يلقيها بلهجة آمرة ..
, حك عدي مؤخرة رأسه لا يعرف كيف يطلب منه ذلك، رغم ما يلاقيه من ذل و إهانة و لكنه لم يسبق له أن أذل نفسه ومد يده لأحد،
, و لكنه والده.. نقطة ضعفه وقوته في نفس الوقت،
, والده الذي مهما فعل له يجد نفسه مُقصراً،
, يحز في قلبه اشتهاء والده لشيء و لا يقدر على إحضاره له،
, رغم علمه بأنه يتدلّل عليه أحيان كثيرة ويُغرقه بطلباته العجيبة إلا أنه يعلم جيداً بأنه أيضاً يحاول مساعدته بما يملكه،
, يُخبئ له أحياناً بعض الأموال التي يتركها بحوزته في حال احتاج لشيء بغيابه، و لكن مسعد لا يطاوعه قلبه على صرفها،
, يقتصر في دوائه رغم حاجته له، فقط لعلمه بغلاء ثمنه و صعوبة شرائه على ولده الوحيد،
, عدي يعلم ذلك جيداً فكيف يحرمه الآن من طعام وعده به ؟!
, خرج صوته أخيراً بتردد: عايز أجيب لأبويا شاورما ..
, بقي تليد صامتاً ليهتف عدي بخجل: أا.. خدني محل شاورما ده بعد إذنك يعني ..
, أومأ الآخر بصمت ليزفر عدي بضيق ويلتفت محدقاً بالسماء عبر النافذة: ماكنت قوله بالمرة أنك عايز فلوس، هتعمل إيه دلوقتي يا موكوس ..
, بقي يرمق تليد بطرف عينه يؤلف سيناريوهات كثيرة في عقله إلا أن جميعها كانت غير مُقنعة له و لكرامته التي لا يريد جرحها ..
, توقفت سيارة تليد أمام مطعم للشاورما ليبقى الإثنان في السيارة، تليد ينتظر عدي أن ينزل، و الآخر ينتظر لسانه ليتكلم طالباً ثمن سندويشة واحدة لوالده ..
, عيناه ترمقان المطعم من الخارج باشتهاء واضح، ليتحمحم بحرج حالما خرجت أصوات بطنه الجائع تطغى على صمت السيارة حولهم ..
, فتح فمه أخيراً مقرراً قول كل شيء دفعة واحدة ليقطع كلامه حالما شاهد تحرك تليد من جانبه، فتحه الباب و الإبتعاد عن السيارة متوجهاً لداخل المحل ..
, زفر بضيق هاتفاً: لسانك راح فييين أكله الكلب؟! منك لله يا أنا ..
, هز قدماه بتوتر و خلع قميصه بضيق يمسح به حبات الغرق عن جسده ليبقى بقميصه الداخلي أسفله ..
, دقائق قليلة وعاد تليد يحمل بين يديه كيساً يحتوي على سندويشات ساخنة أسالت لعاب عدي الذي يراقبها بعيون جائعة ..
, وضع تليد الكيس أمامه و أدار محرك السيارة بصمت منطلقاً بها ليهتف عدي بلهفة: يا باشا أنا ماجبتش سندويشة لأبويااا..
, أشار تليد برأسه للكيس: خد دول ليك ..
, صمت عدي يرمش بعينيه محدقاً بالكيس أمامه، و يداه امتدتا سريعاً تنبش به ليجدها أربع سندويشات كبيرة ساخنة وتتسلل رائحتها الشهية لأنفه تدغدغه بتلذذ ..
, ابتلع ريقه ينظر له بطرف عينه: أا يا باشا أانا كنت عايز واحدة بس..
, بقي الآخر صامتاً ليزفر عدي بضيق: شكراً يا باشا هاخد واحدة بس وخد أنت الباقي ليك ..
, حافظ الآخر على صمته ليهتف عدي بنفاذ صبر: معيش تمنهم كلهم يا باشا أنا هاخد واحدة بس وهديك تمنها ..
, خرج تليد أخيراً عن صمته هاتفاً: أنا جبتهم كلهم ليك، مش عايز تمنهم ..
, رفع عدي حاجبيه بدهشة وعاد يحدق بالكيس بابتسامة بدأت بالظهور بتوسع ليتحمحم هاتفاً يثقة: مادام كده ف أنا معيش تمن ولا نص واحدة حتى ..
, التفت تليد نحوه لينظر عدي له بابتسامة بلهاء: قصدي حالياً.. حالياً مش معايا بس إن شاء **** لما حضرتك تكلمهم عشان يدوني مرتبي بدري شوية هديك تمنهم كلهم ..
, رفع تليد حاحبيه باستنكار ليقطب جبينه ناظراً لهيئته: إيه اللي أنت لابسه ده؟!
, نظر عدي لجسده ليهتف: معلش يا باشا أصلي حران أوي و قلعت القميص شوية مانت الحق عليك مش مشغل تكييف ..
, تنهد تليد مشيحاً بوجهه عنه وهتف: عنوانك ..
, ابتسم عدي هاتفاً بلهفة يخبره العنوان بثقة هذه المرة، و جذب الكيس سريعاً ليتربع في جلسته و يضعه في حضنه يُخرج أحد السندويشات بلهفة واضحة ليبدأ في أكلها بسرعة وشراهة ملوثاً فمه وقميصه الداخلي و المقعد من أسفله ..!
, وصل تليد بسيارته حيث تلك الحارة وتمتمم: البيت فين ولا أنزلك هنا ..
, وعى عدي على نفسه واعتدل بجلسته سريعاً ماسحاً فمه بظهر يده عدة مرات ليهتف بسرعة: لا لا يا باشا وصلني بس امشي براحة عايز الكل يشوفوا العربية بتاعتك ..
, رمقه تليد بنظرة صامتة وتابع سيره في طرقات الحارة فيما عدي فتح النافذة بجانبه ليظهر وجهه مع ابتسامته الواسعة ..
, نقل تليد عيناه حوله يرى أوجه الجميع وعيونهم التي تحدق بسيارته الغريبة على حي كهذا، فيما كان يقابلهم عدي بابتسامة وعيون متحدية شامخة ..
, عدي: وقف هنا يا باشااا هو ده بيتي اهو ..
, توقفت السيارة سريعاً ومد عدي يده يكاد ينزل قبل أن يلمح بعض صبية الحارة يلعبون أمام منزله، فيما أخوة وائل التوأم يقفان أمام بوابة منزلهم القريب يُطالعونه بدهشة وحقد ..
, ابتسم بشماتة والتفت لتليد: ينفع يا باشا تنزل تفتحلي الباب ..؟!
, رفع تليد حاجبيه وهتف: ما أشيلك على ضهري كمان و بالمرة أخش أنيمك في سريرك ؟!
, زفر عدي ينظر حوله والتفت يحدق به برجاء: لو سمحت يا باشا هردهالك بالأفراح ان شاء **** هما دول بيكرهوني جداً ومش طايقيني لا أنا ولا أبويا ولا أنا بطيقهم أصلا ..
, بقي تليد يحدق به لعدة لحظات صامتة حتى مد يده يفتح الباب بجانبه ويترجل من السيارة ببدلته الرسمية الأنيقة وهيئته المهيبة التي فاجأت الجميع و جعلت عيونهم تتوسع ..
, استدار نحو باب عدي الذي لم يُصدق نفسه، ليمد يده يفتح الباب بهدوء وابتسامة رسمية أبدع في صنعها، ليتحمحم عدي مترجلاً من السيارة برأس مرفوع ونظرات امتلأت تحدياً ..
, طالعه تليد بطرف عينه يُغلق الباب خلفه وسار عدي يمسك كيس السندويشات بين يديه بحرص، مُبطئاً خطواته عمداً ليراه أكبر عدد ممكن من الجيران ..
, توقف بدهشة حالما هتف تليد من خلفه: عدي باشا تؤمرني بحاجة تانية ولا أمشي ..؟
, ابتلع ريقه بقلق لا يدري هل الآخر يتماشى معه في تمثيله أم أنه يسخر منه متوعداً، ليستدير نحوه محاولاً إخفاء قلقه إلا أنه لم يجد سوى نظرات هادئة من تليد وانتظاره إجابته بصبر ..
, ابتسم متحمحماً يلوح بيده يهتف بصوت عالي: لا امشي وبكرا متجيش هنا أنا هاجي لوحدي ..
, أومأ تليد: تحت أمرك ..
, بقي عدي مكانه يراقب عودة تليد لسيارته وانطلاقه بها سريعاً متخطياً بعض جموع الناس الذين سمعوا ما يحدث، و عن دخول عدي الحارة بسيارة فارهة ..
, هتف أحد التوأم أخوة وائل: إيه ده يا عدوى منين العربية دي !؟
, ابتسم عدي بتحدي ليهتف التوأم الآخر و الذي لم يتعد عمره الخامسة عشر: تلاقيها مامته جابتهاله ماهي لازم تكون جمعت ثروه قد كده ..
, ضحك عدد من المتواجدين حولهم فيما تجمد عدي مكانه يضم الكيس بين أصابعه بقوة، ليهتف أحد آخر: الواد السواق ده جاامد هااا أبقى اسألها لو عجبها ما هي أكيد مش هتفوت لهطة القشطة ده ..
, تعالت ضحكات الجميع على كلمات الرجل واحتقن وجه عدي بقوة مع احمرار عينيه الحاد،
, إلا أنه بقي متسمراً مكانه،
, لا يستطيع الحراك، قلبه يكاد يُخرج دخان حرائقه، كيف يُسكتهم و كل ما يقولونه صدقاً ؟!
, كيف يسد أفواههم عن حديثهم عن والدته وهي من فعلت بهم هكذا، تركته و والده عرضة لأنيابهم بعدما فعلت كل شيء يجعل رؤوسهم مُنكسة طوال العمر ..
, أغمض عينيه محاولاً تمالك نفسه ليجد الباب يفتح أمامه وصوت مسعد الغاضب يصرخ: أمشوا من هناا غوروا يا ولاد٤ العلامة النجمية إبعدوا عن ابني يا ولاد الوسخة ..
, قابله عدد منهم بنفس شتائمه ليتنفس عدي بقوة يمسك ذراع والده يجره للداخل بسرعة و يغلق الباب خلفهم ..
, اتكأ عليه مغمضاً عيناه بقوة ليقف مسعد أمامه يحدق به بعيون تمتلئ بحزن وهمّ عميق،
, ابتلع عدي ريقه ليبتسم ببهوت، يرفع يده بالكيس محاولاً المرح: شاورما يا مسعد ليا و ليك تعالا يلا ..
, تركه يذهب للغرفة القريبة ليتنهد مسعد بكسرة يسير حوله بخطوات بطيئة متعبة لامحاً لمعة عيون ولده بالدموع المقهورة ..
, ٧ علامة الإقحام
, بحث عدي في جيوبه بنظرات هلعة، و أمسك حقيبته ينفضها بقوة باحثاً بانهماك إلا أنه لم يجد مبتغاه ..
, رفع رأسه و خرج سريعاً يطالع المتدربين زملائه و قد أخذوا استراحة بعد تدريب جسدي شاق، ليتنفس هو بقوة ماسحاً عرق جبينه بقلق و لم يجد أحد يلجأ إليه سوى شخص واحد!
, فتح باب المكتب بهمجية وهتف بعجلة: إلحق يا باشاااا ..
, رفع تليد نظراته نحوه ليقترب عدي منه بسرعة يتكئ بيديه على طاولة المكتب: يا باشا إلحق، سلاحي.. سلاحي ضااع مني اختفى ..
, بقي تليد يطالعه بصمت، حتى رفع حاجبيه ببطء ونهض عن كرسيه هاتفاً: إيه اللي ضاع ؟!
, عدي: يا باشا ركز معايا سلاحي اللي أدوهولنا هنا ضاع مش لاقيه ..
, دار تليد حوله المكتب يعدل ملابسه و وجهه الهادئ لا يظهر عليه انفعال داخله، ليهتف عدي بقلق: هو ده فيه مسؤولية يا باشا ؟!
, ابتسم تليد بجانبية نافياً: أبداً مسؤلية إيه؟! هما اما يسمعوا هيقفوا يسقفولك .. زيي كده أهو ..
, رفع يديه يصفق بهما ومط شفتيه مصفراً بسخرية وصلت للآخر الذي هتف بحذر: هيعملوا فينا إيه يا باشا ؟!
, لاحظ تليد ذكره ل~نا~ الجماعة في كلامه ليهز رأسه هاتفاً بإعجاب: بيعجبني فيك يا واد يا عدي أنك وقت المشاكل بتفتكرني معاك و وقت الرخاء اللهم أسألك نفسي ..
, عبس عدي بحنق: بقا أنا كده يا تليد.. أا قصدي يا باشا٣ نقطة هو كله جاي عليا أنا ليه أنا راجل بمشي الحيط الحيط ومش طالب غير الستر بس دي كمان مش طايلها ..
, تنهد تليد ينظر له بتمعن: دورت عليه كويس ؟!
, أومأ عدي برأسه: أيوه يا باشا بس و**** أنا فاكر إني خدته معايا مبارح بالليل وبنيمة جمبي و**** بحافظ عليه زي رموش عينيا ..
, نظر تليد لرموش عيني عدي التي تكاد تختفي ليرفع حاجبيه يهز رأسه: واضح واضح ..
, عدي: هنعمل إيه يا باشا اتصررف ٣ نقطة
, بقي تليد صامتاً يحدق أمامه بتفكير، قبل أن ينظر لعدي هاتفاً: هو أنا قولتلك أن أنت عملي الأسود في الحياة ؟!
, عبست ملامح عدي و نفى برأسه: لا يا باشا ..
, هز تليد رأسه: أوك.. اديني بقولك أهو أنت يا عدي عملي الأسود في الحياة!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الثالث


سار القائد أمامهم في مكتبه الفاخر يهتف بانفعال: و دي مش أول مرة، من ساعة ما عدي بيه انضم لينا وكل يوم بتجيلي شكاوي عليه و في ختامهاا إيييه سلاحه يضيع ..
, رمقه عدي الواقف بقلق و التفت بطرف عينه نحو تليد و الذي يجلس بهدوء على كرسي جلدي أمام طاولة المكتب، ليهتف بتردد: ي.. يا فندم و**** أانا معرفش راح فين أنا بحافظ عليه زي رموش عينيا و**** و دورت عليه كويس بس فص ملح وداااب ..
, ضرب كفاً بالآخر دليلاً على قلة حيلته ليهتف القائد بحدة: لما أنت مش قادر تحافظ على حتة سلاح أمانة عندك هتحافظ على بلد بحاله إزاااي، البلد اللي هيبقى أمانة في راقبتك ..
, توتر عدي من جدية الآخر وهتف: ما هو يافندم مش هيبقى في رقبتي لوحدي ..
, القائد ببلاهة: هو مين ؟!
, عدي: البلد يا فندم يعني لو أنا محافظتش عليه مش هيضيع اصل فيه غيري كتير ..
, رفع تليد حاجبيه يرمقه بنظرات يُحاول بها إسكاته إلا أن عدي ظن سكوت قائده بأنه أفحمه بكلامه ليهتف متابعاً: بس صدقني يا فندم أنا راجل مُخلص و وفيّ أنا بحب المخابرات أوي ده أنا الأخبار بدمي حضرتك ..
, رمقه القائد بنظرات غير مفهومة، و كأنه يحاول استيعاب ما علاقة الأخبار بالمخابرات، ليأخذ نفساً حاداً و يلتفت نحو تليد الصامت وهتف: أنت موافق على كلامه ولا شايف أنه استهتار ، مش حضرتك المسؤول عنه !؟
, نظر عدي لتليد برجاء ليهتف الآخر: خلينا يا فندم نعتبرها أول شكوى عليه و نعدي الموضوع ..
, ابتسم عدي يومئ برأسه بقوة ليهتف القائد بحدة: بس أنا بقا مش هعديها، و لو مخدش أقسى العقوبات مش هيبقى أسمي هاني ..
, عدي: هو حضرتك أسمك هاني عاشت الأسامي يا فندم و**** ..
, رفع تليد حاجبيه بدهشة لتحتد عيون القائد بغضب: اتفضلوا برا لحد ما أجتمع بالإدارة ونشوف جزاءه اللي يستحقه ..
, نهض تليد مقترباً منه: هاني باشا خ..
, قاطعه هاني رافعاً يده بوجهه: تليد.. المرة دي ممنوع تدخل خالص لو فعلاً عايزه تدربه كويس ويبقى زيك يبقى لازم يتعلم يتحمل مسؤولية غلطه، أقبل باللي هيحصل وإلا دي هتتحط نقطة سوده في ملفك وأنت اللي هتبقى مسؤول قصادنا ..
, رمقه تليد بصمت ثم التفت يتجه لباب المكتب ليلحقه عدي بسرعة هاتفاً وهو يسير خلفه: يا باشا هيعملوا فينا إيه ؟!
, توقفت خطوات تليد يحدق أمامه بصمت، ليُخرج بعدها من جيبه سيجاراً يشعله ويبدأ بنفث الدخان بحدة ..
, بقي عدي صامتاً لثواني ليقترب بعدها ويقف أمامه: هو حضرتك زعلان مني يا باشا وهتسبني وتجيب وائل مكاني صح، أرجوك يا باشا لو هتغيرني بلاش واائل هات أي حد إن شاء **** يكون قرد بس بلاش وائل والنبي ..
, رمقه تليد بنظرت صامتاً، لينفخ فجأة الدخان بوجهه مُسبباً سعال الآخر وابتعاده عنه ..
, بقى تليد صامتاً، و اتخذ لنفسه مقعداً في الرواق الطويل، فيما بقي عدي يرمقه بقلق و فشلت كل محاولاته لإخراج الآخر عن صمته ..
, ٨ علامة الإقحام
, وقف عدي مصدوماً تكاد عيناه تخرج دمعها غضباً وقهراً، تجمد بمكانه للحظات قبل أن يلتفت لتليد الصامت ويهتف به: ي..يعني إيه يا باشا .. يعني إيه لاما حبس وخصم مرتب وتدريب زيادة لأما فصل نهائي هو أنا عملت إيه لكل ده ..
, رمقه تليد بصمت و الذي كان قد خرج للتو من غرفة المكتب، حيث اجتمع قائدهم مع عدد من المسؤولين معه ليتخذوا قراراً يراه عدي مُجحفاً بحقه .. و فشلت هذه المرة محاولات تليد بتخفيفه ..
, رفع عدي يده يمسح عرق جبينه و كل ما يأتي أمامه هو صورة والده، شهق فجأة نافياً: هياكلوه يا باشا خد.. خدوا مرتبي كل الشهور اللي جاية بس بلاش حبس أرجووك ..
, بقي تليد يطالعه بصمت ليُمسك عدي ذراعه: أنت هتسبني يا باشا؟! أانا عارف إني غلطان بس و**** سلاحي ضاع معرفش إزاي مش أنا مش ذنبي ..
, ترك ذراع تليد فجأة حالما ظهر صوت وائل من خلفه، صوتاً وصله شامتاً لدرجة قاهرة: من أولها سلاحك يضيع، أمال بعدين هتعمل إيه هتضيّع البلد، شايف يا تليد باشا بدل ما يرفعلك راسك ده هيوطيه ..
, ضمّ عدي يديه بقوة وكاد يرد عليه لولا أن هتف تليد بهدوء: و أنت شايف راسي واطي ؟!
, هتف وائل سريعاً: لا يا باشا العفو مش قصدي، بس أنا شايف أنه ميستاهلش يكون معك وهو كل يوم بمشكلة وآخره هيتفصل خالص ..
, نظر تليد لشادي الذي يقترب منهم ليبتسم بجانبية هاتفاً: و أنت بقا اللي هترفعلي راسي صح ؟!
, ابتسم وائل بلهفة فيما احتدت عيني عدي رغم القهر داخله، ليهتف تليد مميلاً رأسه: أمال أنا شايف راس شادي واطي كده ليه ده شوية كمان و هيبقى في الأرض ..
, رفع شادي رأسه نحوهم بغضب اشتعل في عينيه و هتف بحدة: وائل ..
, فزع وائل من صرخته وتراجع مبتعداً عنهم باتجاهه ليهتف شادي بحدة: تليد باشا يا ريت المتدربين بتوعي حضرتك ملكاش دعوة بيهم نهائي ..
, تليد: يا ريت المتدربين بتوعك ملهومش دعوة لا بيا ولا باللي يخصني ..
, رمقه شادي مستهزئاً: ومين اللي يخصك؟! ده ؟!
, أشار باستصغار على عدي وتابع: اللي كل يوم بمصيبة شكل، واللي هيخليك تخرج من هنا بملف كله أسود بسببه ؟!
, رفع تليد حاجبيه رافعاً سيجاره لشفتيه ينفث الدخان بتمهّل أغاظ الآخر ليهتف أخيراً: هو حد اشتكالك ؟!
, بقي شادي صامتاً ليهتف تليد: أنا ليه شايفك واكل همي يا شادي !؟
, شادي: أناا؟! أنت فاكر نفسك ميين أصلا؟!
, تليد: ماهو يا حاجة من تنين لاما أنت بتحبني أوي و واكل همي وزعلان عليا، لاما بتكرهني وشمتان ..
, شادي: الأخيرة ..
, ابتسم تليد هاتفاً: مانا بقول كده برضو، وعشان كده متقربش مني و خليك اشمت من بعيد أفضل لينا إحنا الأربعة ..
, استدار يدير ظهره لهم هاتفاً لعدي: تعالا ..
, زفر عدي بقوة وغضب كبير وسار خلفه ليتوقف تليد بعد عدة خطوات يلتفت لشادي: إبقى روح لفيروز ليها سنين بتدور عليك و مش لقياك ..
, توسعت نظرات شادي بصدمة وتعالت ضحكات عدي يضرب بلا شعور كتف تليد: **** عليك يا باشا ده أن..
, قطع كلامه ملاحظاً نظرات تليد ليده التي مازالت تضرب ظهره ليبعدها سريعاً بقلق، ويستدير تليد متابعاً طريقه بعيداً عنهم ..
, لاحقه عدي سريعاً يراه يتجه لخارج المركز وهتف: يا باشا أنا هعمل إيه ؟!
, التفت تليد نحوه بصمت ليهتف عدي: هتدرب زيادة مفيش مشكلة ومرتبي هستغنى عنه بس بلاش حبس أبويا ملوش غيري أرجوك ساعدني، مش كفاية بيشمتوا فيا وأنا مليش ذنب ..
, بقي تليد يرمقه للحظات قبل أن يهتف: لو مشكلتك دي اتحلت.. هتجبلي مصيبة إيه المرة الجاية ؟
, نفى عدي برأسه بأمل: أقسم ب**** يا باشا مش بإيدي أنا مليش دعوة ده حظي، أانا حاسس إن سلاحي اتسرق أصلاً .. خلاص يا باشا أوعدك المرة دي آخر مرة بس ساعدني أرجوك ..
, تنهد تليد ينظر حوله ليعود ويحدق بعدي الذي يطالعه برجاء وعيون متعبة، ليهتف: تعالا معايا ..
, ابتسم عدي بلهفة يسير خلفه سريعاً خارجين من المكان بدون أن يراهم أحد ..
, ٩ علامة الإقحام
, قصر كبير شامخ لاح لهم عبر زجاج السيارة الأمامي، شهق عدي يكاد يقفز من مكانه وقرّب رأسه حتى كاد يلتصق وجهه بالزجاج بعيون متوسعة تُطالع القصر الذي يقتربون منه ..
, توقفت سيارة تليد للحظات يضغط على بوقها عدة مرات، حتى فُتحت البوابة الكبيرة أمامهم وظهرت من خلفها ساحة القصر الواسعة،
, تابعت السيارة طريقها بين عدد كبير من رجال الحراسة ببدلاتهم الخاصة الأنيقة، و عيون عدي تكاد تجحظان مما يراه للمرة الأولى على أرض الواقع ..
, دارت السيارة حول نافورة ضخمة، المياه تتناثر منها بعذوبة ومنظر بديع، و ترجل تليد من سيارته يدعوه للنزول معه،
, نزل عدي سريعاً يهرول نحو النافورة ومد جسده قليلاً أسفلها علها تمدّه بقليل من برودتها في ذلك الجو الحار ..
, تابعه تليد بعينيه بهدوء، ربما يترك له مجالاً لاستيعاب ما حوله، فمن عيني عدي لاحظ بأنه لم يعتد و لم يرَ سابقاً ما يراه الآن ..
, دار عدي حول نفسه ملاحظاً الحديقة وحوض السباحة و.. و.. وهو يهتف بانبهار: بسم **** ماشاء **** يا بختهم هو في حد عايش هنا ؟! إحنا فين يا باشا أنا حاسس إني موتت وروحت الجنة ..
, تليد: وهو أنت ضامن نفسك تروح الجنة ؟!
, عدي: أمااال يا باشا **** غفور رحيم ده إحنا رغم بلاوينا بيبعتلنا حد يساعدنا زيك كده، مش هيساعدنا في الآخرة كمان ..
, ابتسم تليد رافعاً حاجبه وهتف: لما ندخل تقف بانتظام تأدي التحية باحترام ومتتكلمش غير لما أقولك أو حد يطرح عليك سؤال مفهوم ..
, توتر عدي من لهجة الآخر وتعليماته واقترب منه بقلق: يا باشا هو٣ نقطة القصر ده لرئيس الجمهورية ؟!
, رفع تليد حاجبيه و كاد يضحك من فكرة الآخر ليهز رأسه نافياً: لا حاجة أتقل ..
, شهق عدي: وهو في أتقل من رئيس الجمهورية يا باشا ؟!
, تنهد تليد يسير باتجاه البوابة الداخلية الفاخرة ليُهرول عدي لاحقاً به سريعاً، ويفتح الباب أمامهم من قبل أحد الرجال هاتفاً: الباشا مستنيكم في مكتبه ..
, أومأ تليد له بصمت ورمق عدي الرجل يمط شفتيه بإعجاب، و سار خلف تليد لتعود شهقاته تملأ المكان مجدداً ..
, دخلا الصالة الواسعة و التي تضج فخامة و رقي، و عدي يدور في المكان بعيون بدأت تزيغ،
, أعطاه تليد قليلاً من الوقت مجدداً لاستيعاب ما يراه، ليهتف عدي متلمّساً كل شيء: بص يا باشا بص يا بختهم ..
, مد يده يرفع فازة فارغة ذهبية اللون بمنظر أنيق موضوعة في إحدى زوايا الصالة: بص دي، بيجيبوها ليه مادام مش هيستخدموها ..
, تليد: سيبها من إيدك، دي حاجات أنت مبتفهمش بيها ..
, هز عدي رأسه يتأملها: بس و**** حلوة ها بص ..
, تليد: سيبها يلا وجهز نفسك، أوعي هتتكسر ..
, عدي: وماله دي حتة قزازة ..
, تليد: قزاز تمنه ملايين ..
, شهق عدي يرمقه بصدمة وأفلت بلا شعور الفازة من بين يديه لتسقط أسفل قدميه متكسرة لأشلاء بصوت صاخب ..
, أخفض عدي رأسه محدقاً بأشلائها بصدمة، ورفعه مجدداً يُطالع تليد الذي أخفض عيناه يراقب القطعة المتكسرة ورفعها مجدداً هو الآخر لعدي الذي يبادله النظرات بصمت مصدوم ..
, ليفتح باب المكتب الفاخر في تلك اللحظات، و يظهر من خلفه رجل طويل القامة بأناقة و وسامة ظاهرة، جبينه مقطب بنظرات حادة غاضبة يطالع تليد بصمت مخيف، فيما بادله تليد النظرات بابتسامة هادئة ..!
, ٩ علامة الإقحام
, تراجع جواد بظهره للخلف، بجبين مقطب يرمق الإثنان أمامه بنظرات حادة، فيما وقف عدي أمامه و مازال حتى اللحظة لا يستطيع إنزال عيناه عنه،
, جواد السلطان، و الذي سمع أسمه لمرة واحدة فقط في حياته، و لم يكن يحلم ولو حتى حلم بأن يُقابله شخصياً وفي قلب قصره الخاص ..!
, هتف جواد ناظراً لتليد: و أنت بقا لا عايز حبس ولا عايز خصم وعايزنا نطلعله سلاح جديد ولا من شاف ولا من دري ..
, أومأ تليد برأسه و كأنه يطلب منه طلباً عادياً، ليضرب جواد سطح المكتب بغضب: و هو أنا خلفته ونسيته ؟! أنت اتجننت عايزني أنااا أعمل كده و أدافع عن مهمل زيه !؟ أنت عارف عملته دي يعني إييه ؟! يضيّع سلاحه اللي هو أمانة عنده بسهولة كده ومش عايزه يتعاقب ؟
, هتف عدي بسرعة: يا باشا أنا مضيعتوش أنا و**** بحافظ ع..
, رمقه جواد بغضب حاد: أنت أخرررس ..
, توسعت عيني عدي متراجعاً للخلف بفزع فيما نهض جواد عن كرسيه يهتف بحدة: عايزني أساعده بعد اللي عمله ؟ وكأن اللي عمله حاجة تشرّف، لا ده أنا هسقفله كمان علشانك اهو ..
, رفع يداه مُصفقاً بهما بحدة ليبتسم تليد بهدوء ناظراً لعدي: شوفت مش قولتلك هيسقفولك ..؟
, ضحك عدي بتوتر وقطع ضحكته سريعاً حالما اصطدمت عيناه بنظرات جواد الحادة، لينهض تليد مشيراً لعدي: استنى برا ..
, ابتلع عدي ريقه بأمل و رجاء والتفت سريعاً بقلق يخرج مغلقاً الباب خلفه بتوتر ..
, لحظات قليلة ليخرج تليد من المكتب ويهرول عدي نحوه: ها يا باشاااا طمني أرجوك ..
, سار تليد نحو البوابة ليلحقه عدي بسرعة: يا باشا قولي لو فشلت المرة دي كمان مش هزعل و**** ..
, تليد: على أساس أنا يهمني زعلك ..
, زم عدي شفتيه وتمتم: عارف يا باشا عارف و**** بس..
, تليد: خلاص مشكلتك هتتحل، وبكرا هيدوك سلاح جديد ..
, توسعت عيون عدي بصدمة و اندفع نحوه: بجد يا باشا ولا.. اا.. طيب و المرتب يا باشا ..؟
, تليد: مرتبك بس هيتخصم شهرين قدام..
, ارتخت ملامح عدي بخيبة ليهز رأسه بعدها: المهم بلاش الحبس ..
, رمقه تليد بصمت، ليلتفت بعدها متابعاً طريقه نحو سيارته يستقلها منتظراً الآخر الذي يقترب منه بخطوات بطيئة يظهر على وجهه الهمّ و التفكير ..
, ٩ علامة الإقحام
, رش مسعد القليل من العطر من العلبة الصغيرة الشبه فارغة و التي كان قد ملأها بقليل من الماء لتكفيه هو و ولده، بدأ يرش منها على عدي المبتسم بتوسع وهتف: يلا يابني بلاش تتأخر ..
, عدي: يابا هتأخر على إيه أنا بس هروح للمعلم صبحي و أشوف لو وافقوا، وفي المرة الجاية إن شاء **** هاخدك معايا تطلبهالي .. دي رابع بنت أطلبها خايف أترفض يابا ..
, مسعد: و هما هيرفضوك لييه لا يابني ده أنت زينة الرجالة وما هيلاقوا زيك، المعلم صبحي راجل كويس ومش من الحارة دي يعني اتطمن مش هيبقى بيكرهك ويكرهني ويرفض زيهم ..
, ابتسم عدي بأمل وهز رأسه يقبل يد مسعد: ادعيلي يابا ادعيلي أووي ..
, مسعد: حاضر يابني بدعيلك من قلبي و**** ومن غير ما تقولي هو أنا ليا غيرك، **** يصلح حالك ويوقفك ولاد الحلال يارب و أفرح بيك يابني ..
, ابتسم عدي بقوة، وخرج من المنزل ناظراً للشمس التي بدأت تغيب، زفر بقوة يستعد للسير على أقدامه باتجاه حيّ قريب منهم، يسكن به من يُدعى المعلم صبحي صاحب بقالة صغيرة،
, و والد لابنة في العشرين من عمرها كان قد رآها مرة تزور إحدى صديقاتها في حارتهم ..
, حارتهم التي طلب منها ثلاثة بنات وقوبل بالرفض مع شتائم و إهانات كثيرة،
, و حتى هذه اللحظة لا يدري لما مازال يُحاول،
, هل ليُثبت لهم بأنه قادر على الزواج مهما فعلوا به، أم ليُثبت لنفسه بأن هناك من سيقبل به رغم علّاته..!
, أم لحاجته لبناء عائلة كبيرة، أولاد كُثر يتراكضون حوله، يحمونه في نهايات عمره و يسندون بعضهم البعض كما لطالما تمنى أن يكون له سنداً ..!
, دقائق من شروده الواضح كان غافلاً عن نظرات السخرية من أهل حارته لهيئته الشبه مرتبة، حتى وصل لوجهته أخيراً، وقف عن بُعد يراقب الرجل المتوسط في عمره و الذي يعمل في بقالته، ليرفع رأسه للسماء برجاء: يااارب، أرجوك ساعدني مليش غيرك، يارب يوافق عايز أتجوز يارب و أجيب عيال ..
, تنهد بقوة واقترب من الرجل: إزيك يا معلم صبحي عامل إييه ياحاج !؟
, التفت صبحي نحوه واقترب منه: أهلاً يابني ياعدي اتفضل ..
, سحب عدي كرسياً صغيراً: يزيد فضلك يا راجل يا طيب، أخبارك إيه يا حاج طمني عليك ..
, صبحي: الحمد**** والشكر، تشرب إيه يابني ؟
, عدي: لا ولا حاجة يا عمي، أنا بس جيت أعرف جوابكم على طلبي ..
, بقي صبحي صامتاً متشاغلاً في ترتيب الخضرة أمامه ليقطب عدي جبينه ويهتف بتحفز: ها يا عمي إيه رأيكم ؟!
, تنهد الرجل واقترب منه بتردد جعل عدي يضم قبضتيه و قد فهم جوابه ليهتف الرجل: و**** يابني٤ نقطة ملكاش نصيب عندنا ..
, نهض عدي عن جلسته: و ده ليه إن شاء **** ؟! مشبهش ولا مشبهش، ده أنا حتى ظابط قد الدنيا ..
, رمقه الرجل بتردد: صراحة يابني.. إحنا سألنا عليك.. وسمعنا عنك كلام مش ولابد يعني.. ده كله أنا ميهمنيش المهم عندي الأخلاق اللي٣ نقطة بصراحة سمعت كمان أنك واد بتاع مشاكل و بجح كده وكلامك دبش و وقح وماعندكش احترام لا لكبير ولا لصغير ..
, توسعت عيون عدي بصدمة وهتف بغضب: وأنتوا زي الحمير علطول بتصدقوا اللي بيتقالكم ؟!
, هتف الرجل بحدة: واااد أنت احترم نفسك و**** و طلع الكلام اللي اتقال عليك صح أما أنك واد بجح ..
, عدي بغضب: صح ولا لأ، أنا خلاص بطلت أتجوز وخلي بنتكم عندكم سبهالكم ..
, صبحي: يكون أحسن أنا مش هجوزها لعيل قليل أدب مش متربي زيك ..
, عدي: حوش يا حاج التربية اللي بتنقط منك، أنا غاير في داهية وإبقى خلي مراتك تركن بنتك على الرف عندها ..
, اتجه بغضب بعيداً عن الدكان وقهر عميق في قلبه لا يعلم كيف يُخرجه إلا بالغضب والشتائم ليستدير نحوه مجدداً هاتفاً: أه ومتنساش تقولها تمسح الغبار من عليها كل فترة أصلها إن شاء **** هتعنس ومش هتلاقي مين ياخدها، وأنااا لو طوّبتلي الدنيا كلها بأسمي مش هقبل أرجعلها تاني ..
, صرخ الرجل يكاد يهجم عليه بغضب: أمشي ياااض من هنا أطلع برااا ناقصنا قرف و عيال ملهاش أصل زيك، إمشي من هنا بنات للجواز معندناش ..
, احتدت عيني عدي من كلمات الرجل و التي تُلمح لسمعته في حارته الناتجة عن سمعة وفعائل والدته ليهتف بسخرية عصبية: بنات ايه يا حاج ده أنا لما كنت أبصلها كنت أفتكرها واحد صاحبي لا مؤاخذة ..
, صرخ الرجل يهجم عليه ويدفعه: أطللع برااا بدل ما ألم أهل الحارة عليك يا بن٣ العلامة النجمية ..
, دفعه عدي بعيداً عنه وصرخ فجأة بقهر: أنتوااا ال٤ العلامة النجمية كلكم كده وسع كده اوعي إيدك ..
, تراجع الرجل إثر دفعته ليستدير عدي سريعاً ويبتعد عنه، بخطوات شبه راكضة، يُخرج بها غضبه الذي يكاد ينفجر به وعيونه الدامعة بقهر فاق حده ..
, ٩ علامة الإقحام
, دخل لغرفة والده بخطوات بطيئة أشبه بخطوات والده العادية، خطوات كسيرة مُثقلة، ليأتيه صوته والده يهتف بدعاء: يارب أبعتله الواد اللي نفسه فيه، أنا عايز أشوف أحفادي قبل ما أموت يارب مش عايز أسيبه لوحده في الحياة دي يارب أرزقه بذرية صالحة كتيرة أوي يملوا عليه البيت من بعدي ..
, ابتسم عدي رغم ألمه وتمتم: مش لما أتجوز الأول يا مسعد، أبنك هيعنس ..
, التفت مسعد نحوه بصدمة ونهض سريعاً و كأنه وعى على نفسه، تلمّس وجه ولده بقلق: مالك يا ضنايا فيك إييه رفضوك تاني ؟!
, ضحك عدي باستهزاء: قول رابع يا مسعد ..
, مسعد: مش مهم هما الخسرانين هما اللي خسروا راجل زيك .. تعالا يا حبيب أبوك تعالا ..
, اقترب عدي حتى جلس على سرير والده و الآخر يمسح على رأسه بحنان ليهمس عدي: تعبت يابا.. تعبت يا مسعد ..
, رفع يده يضرب صدره بخفة: جوايا قهر سنين يابا.. كلهم بيكرهوني كلهم مستنيين أقع عشان يشمتوا وأنا هقع يابا أصلي تعبت ..
, خرجت دموع مسعد يقب ل رأسه: لا متعبتش عدي أبني هيفضل يحارب تاني وتالت وعاشر ..
, عدي: أحارب ليه ومين، دول ضباع نهشوا في لحمك ولحمي أنا حاسس أننا بقينا عضام بجد يابا ..
, صمت مسعد بألم ليلتفت عدي نحوه: عايزني أحارب لحد إيمتى، لحد ما أفقد عقلي وأتعب زيك ..؟
, رمقه مسعد بتفاجؤ فنادراً ما يُذكره عدي بمرضه بشكل مباشر ولهجة حادة، أما عدي فقد كانت عيناه مليئة بالقهر، و رأسه يعج بمئات الشتائم و الكلمات التي لطالما ارتطمت بأذنيه منذ طفولته وحتى اليوم،
, حتى دخوله للشرطة لم يُساعده في فرض هيبته عليهم علّ كلماتهم المُسممة تكف عن اختراق قلبه وعقله ..
, تمتم بشرود: كل الحق عليك يابا أنت السبب، **** أمرك تختار زوجة صالحة عشانك وعشان عيالك وأنت عملت إيه يابا أنت اخترت واحدة ب٣ نقطة
, زفر بحدة ودموع في عينيه: دمرتني يابا كسرت ضهري وضهرك، أنا بمشي في الحارة ونظراتهم ليا بتدبحني، بسمعهم كل يوم بسمع كلامهم اللي مش بيخلص.. تعبت و**** يابا تعبت بجد ..
, خرجت دموعه بقهر: حتى أنت مابقتش جمبي، ساعة تصحى وساعة تنسى كل حاجة، معنديش حتى أخ يقف جنبي ويسندني، أهو وائل عنده أخواته رغم أنهم لسا صغيرين بس.. بس كل مرة بيدبحوني بكلامهم يابا كل مرة مقدرش أرد عليهم، بيدافعوا عن أخوهم زي مايكون هو الصح وأنا الغلطان، أنا لو عندي حتة أخ زيه مكانش كل ده حصلي مكنتش بحارب لوحدي، كان زماني قوي ومسنود، ده حتى محدش قِبل يصاحبني ولا في مدرسة ولا في كلية ولا حتى في شغلي.. ليه يابا لييه هو أنا وباء !؟ ليه الكل بيهرب مني و بيكرهني و**** أنا مش وحش و**** ..
, تعالى صوت بكاء والده بقوة ليختلط بدموع عدي المقهورة، و الذي حتى لم يستطع تهدأة والده فغضب وقهر داخله كان أكبر ..
, وخرجت في تلك اللحظات أصوات طرق صاخب على باب المنزل القديم و الذي يكاد يُكسر أسفل أيديهم ..
, ليمسح عدي دموعه بحدة مستعداً للشجار مع أي أحد حتى يُفرغ غضبه وقهره بهم، توجه نحو الباب وفتحه بغضب يكاد يصرخ، إلا أن هيئة من أمامه سمرته مكانه يطالعهم بملابسهم العسكرية و التي لطالما حلم بارتدائها عل من حوله يهابونه بسببها ..
, هتف الشرطي أمامه: عدي مسعد الحكيم ؟!
, اومأ عدي برأسه و مازالت بقايا دموع في عينيه ليهتف الآخر: اتفضل معانا مطلوب القبص عليك ..
, توسعت عيني عدي بصدمة: أنت بتقول إييه ليه ؟!
, أمسكه شرطيين آخرين رغماً عنه يُكبلون حركته ليهتف الشرطي: هناك هتعرف كل حاجة هاتوه ..
, هتف والده من خلفه: أنتوا عايزين فيه إييييه رجعولي أبني.. يا عددي ..
, صرخ عدي محاولاً الإبتعاد عنهم: أنتوا عايزين إيه أنا معملتش حاااجة ياباا خليك في البيت متخرجش ..
, صرخ مسعد باسمه بقلق وبكاء و تجمع عدد من أهل الحارة حولهم لتبدأ وصلة كلماتهم السامة مابين أنه يستحق ذلك، و أن مشاكله لن تنتهي أبداً، و بعض الأقاويل بدأت تتهمه بأكثر من اتهام باطل ..
, ليدخل عدي معهم سيارة الشرطة بعدما كبلوا أيديه بأصفاد ثقيلة وعيونه معلقة بوالده يهتف به: خليك في البيت يابا أنا معملتش حاجة و هرجعلك و**** ..
, راقبه مسعد بألم ورفع رأسه للسماء: يارب مليش غيرك رجعلي أبني يارب رجعهولي ..
, التفت يحدق بأهل الحارة وبعض الصبية الذين يجرون وراء سيارة الشرطة و التي ابتعدت عنه آخذه ولد وفلذة كبده بلا حول منه ولا قوة ..!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الرابع


وقف عدي أمام طاولة المكتب، بعيون متوسعة صدمة و غضباً، يداه مُكبلتان بأصفاد أمامه يضغط عليها بحدة وهو يهتف بغضب: جريمة إييييه يا فندم اللي بتقول عليها و قتل إييه أنتوا أتجننتوا هتلبسوني قضية و أنا بريء ..
, رمقه الضابط خلف مكتبه بنظرات حادة: احترم نفسك و صوتك ميعلاااش أنت فاكر نفسك فيين تتكتم خالص و تجاوب على قد السؤال بدل ما القضية الواحدة تبقى عشرة ..
, جز عدي على أسنانه بشدة وهتف: أنا ماعملتش حاااجة أنتوا بتتبلوا عليا بس..
, هتف الضابط بغضب: و السلاح ده بتاع ميين؟! ده باسمك أنت و موجود في مكان الجريمة و أكتر من حد شافه معاك، ده غير البصمات اللي عليه واللي لسا هنتأكد لو كانت ليك أو لأ ..
, التفت للعسكري بجانبه: أخدتوا بصماته؟!
, العسكري: أيوه يافندم بس النتيجة هتتأخر شويتين ..
, الضابط: مش مهم، هو هيشرفنا هنا لحد ما تطلع و نتأكد ..
, عدي: أنا سلاحي ضايع يافندم من مدة ومش لاقيه و تقدر تتأكد بنفسك من الموضوع ده ..
, الضايط: ضايع؟! دي حجة قديمة لو فعلاً كان ضايع ماكنتش سكتت، ده سلاح دولة ومرخص باسمك استحالة تعدي الحكاية كده من غير بلاغ أو حتى تحاول تدور عليه هما مش هيسمحولك و هتتحاسب على إهمالك ده، وكن باين أنك استخدمته لأغراض شخصية ..
, هتف عدي بقلق: لا و**** هي عدت وخلاص وأنا معايا سلاح تاني بص، أاا قصدي هاخدك البيت و أوريهولك و..
, قاطعه الضابط: أنت هتحكيلي قصة حياتك؟! خدوه لتحت و أما تطلع النتيجة هاتوه ..
, عدي بحدة: تحت إيييه يافندم أنا مش هفضل هناا ثانية واحدة وماعملتش حاجة ..
, رمقه الضابط بصرامة: أنت هتفضل هنا 4 أيام على ذمة التحقيق، وبكرا أما تظهر النتيجة هطلّع منك اعتراف بالعافية بالغصب بالرضى المهم هتعترف يعني هتعترف، خدووه ..
, رمقه عدي بعيون متوسعة شاعراً بأحد يسحب ذراعه ليهتف بغضب مبتعداً عنه: أنا مش رايح في حتة ولا هفضل هنا أنا ماعملتش حاجة٣ نقطة يافندم أبويا لوحده في البيت هسيبه إزاي ع..
, قاطع الضابط كلامه صارخاً بمن جانبه: بقولك خدووه وأنت تخرس خالص قبل ما أخليهم يعملولك تحت إستقبال هيعجبك أووي، قال أبوه قال ده على أساس أنه بيبي مش عارف يخش الحمام لوحده، خدووه يلااا..
, حاول عدي الإبتعاد عن مرمى أيديهم فيما أمسكه شرطيين من كلا جانبيه متجاهلان حركة جسده الحادة واعتراضه بصراخ و شتائم بدأت تخرج منه رغماً عنه،
, زادت عيناه احمراراً، وتجمعت فيها الدموع مجدداً و كأن بكائه في الدقائق السابقة لم يشفي نيران قلبه المحترق،
, ليُلقى في زنزانة منفردة، بفراش أرضي قاسي و نافذة صغيرة تُظهر ظلام الخارج،
, تنفس بقوة يلتفت للباب الحديدي الذي أغلق عليه ليصرخ: أنتوا يا٤ العلامة النجمية أنا ماعملتش حااجة خرجوني من هناا..
, زادت دموع عينيه غضباً يستند على الباب ضارباً جبهته به عدة مرات: و**** ماعملتش حاجة، مش هفضل هناا و أبويا لوحده٣ نقطة لوحده..
, رفع رأسه محدقاً بالحائط أمامه، بعيون واسعة باكية، و رعب بدأ يتسلل لداخله بشراسة، رعب من مصير مجهول ينتظره، بجريمة قتل أُلصقت به عنوة، و أب مريض تركه خلفه لأهل حارة حاقدين لن يُصدقوا أن يجدوا فرصة لتدميره!
, رفع يده يمسح عيناه المحمرة، وتراجع ليجلس أرضاً بإهمال، حرارة كبيرة بدأت تغزو جسده ليخلع قميصه محاولاً إمداد نفسه بقليل من بروده الجدار خلفه و الأرضية أسفله،
, إن بقي هنا وحده لمئات السنين، لن يذكره أحد، و إن تم الحقيق مع أي أحد من أهل حارته لن ينصره أحد حتى لو بالحق،
, لن يتوانوا عن تلفيق التهم الكاذبة عليه، عن تشويه صورته وسمعته حتى يتم التأكد من جريمته و التي لم يفعلها!
, و والده.. عجوز ضعيف بعقل ضائع، سينهشونه بلا رحمة، كما نهشوه منذ زمن، كما حاولوا نهبه كل ما يملك!
, تلك القهوة الوحيدة في حارتهم الكريهة، كانت له!
, ورثها والده عن جده، و قد أمضى هو طفولته بها يعمل و يُساعد والده الطيب، حتى توالت الصدمات عليهم، توال الخداع و الكذب و القسوة، لتدور الدنيا بهم، و يخسر والده القهوة بلا مقابل!
, و الآن، يحاولون أخذ منزله، و حتى تهديده بولده الوحيد!
, دمعت عيناه بقوة، فيما أحاديث كثيرة سمعها من أهل حارته تدور في ذهنه،
, أحاديث كانت تّدمي قلبه، تُثير داخله الحقد و الكره، و المهانة!
, لطالما استمع لصوت جارهم أبو وائل و هو يهتف ساخراً بوالده مسعد: أبقى اتأكد يا مسعد أن عدوى يبقى أبنك، ما إحنا مانعرفش جه منين و إزاي..
, ليُجيبه آخر بضحكات مرتفعة: أنا لازم أعمل تحليل كمان مش ممكن يطلع أبني أنا في الآخر.. بس براحتك خليه عندك أنا مش عايزه و هتنازلك عنه..!
, ويأتيهم صوت ثالث و رابع و عاشر بنفس الضجكات القذرة: عندك حق إحنا نحلل كلنا بالمرة، ماهي مش عاتقة حد وإحنا بشر والمغريات بتضعفنا..!!
, زادت دموع عدي بقوة يرفع يديه ليغطي وجهه المحمر، حرجاً، و خيبة و رعباً،
, فيما غضب مستعر في قلبه لن يفيده بشيء، كما لم يفده سابقاً حتى و إن كان الحق معه!
, ١٠ علامة الإقحام
, اجتمع جميع المتدربين في الساحة الواسعة، لأداء عدة تمارين جسدية قبل البدء بتمارين أقسى بإشراف مدربيهم ..
, فيما وقف تليد متكئاً على جدار بجانبه، يُخرج سيجاره الفاخر من جيبه، و ضعه بين شفتيه و أشعله، ليرفع رأسه نافثاً الدخان أمامه ناقلاً نظراته بين الجميع بهدوء و لامبالاة ..
, جائه بعد لحظات صوت القائد الذي يقف قريباً منه، يعد أسماء المتدربين متفقداً وجودهم،
, حتى توقف على أسم عدي، ليُعيده عدة مرات بلا إجابه!
, ليهتف وائل أخيراً مع عدد من المتدربين: مجاش النهاردة يافندم ..
, نقل القائد نظراته نحو تليد ليهتف: المتدرب بتاعك فين يا تليد باشا؟!
, التفت تليد نحوه، ليعتدل بوقفته نافثاً الدخان بهدوء يرفع كتفيه بخفة: مجاش النهاردة ..
, رمقه القائد بغيظ و نظرات حادة: ومجاش ليه بقا هو فاكرنا بنعلب هنا ولا فاتحينها فندق ؟!
, تليد: و**** مش عارف، أما يجي هبقى أسأله ..
, اقترب القائد منه هاتفاً بحدة: الواد ده بيستهبل فاكرنا هنفضل ساكتيله كتير ونعديله أغلاطه، بس لااا الحال ده ميمشيش معايا، ده لأما يتعدل لأما هيتفصل ..
, هتف شادي من جانبهم: هو ده الكلام الصح، يافندم المفروض المدرب بتاعه هو اللي يبقى مسؤول عنه و يفهمه إيه اللي ينفع يعمله هنا وإيه الممنوع يعمله ..
, رمقه تليد بنظرات هادئة ليهتف بعدها مشيراً لوائل: حلو.. يبقى أنا عايزك تفهّم وائل المتدرب بتاعك يبطل يحشر مناخيره في عدي المتدرب بتاعي، أصل عدي حمش ودمه حامي شويتين ومش بعيد يقطعهاله ..
, قطب شادي جبينه بغضب: أنت إيه اللي بتقوله ده؟! سامع يافندم بيكلمني إزاي ولا عنده إحترام حتى ..
, تليد: الحق عليا خايف على مناخيره ..
, شادي: على فكرة كلامك ده فيه تهديد و لو حصل أي حاجة هيبقى عدي هو المُلام و أنت هتتحاسب معاه عشان بتشجّعه ..
, رفع تليد حاجبيه و ابتسم بجانبية: حاجة زي إيه مثلاً؟! يتقطعوا مناخير وائل ؟!
, زاد غضب شادي الذي هتف حانقاً: أنت زودتها أووي وأ..
, قاطعه القائد بحدة: أنتوا مش عاملين حساب لوجودي؟! و**** عال إحنا هنا يا بهوات بندرب رجالة عشان يحموا البلد و يأمنوه، ومادام المُدربين كده يبقى لا عتب ع الرجالة اللي هتخلفوهم وراكم ..
, شادي بحنق: مش شايفه يافندم بيقول إيه؟!
, القائد: أرجع يا شادي على شغلك دلوقتي ..
, رمقهم شادي بغضب و التفت يبتعد عنهم ليلتفت القائد نحو تليد: على فكرة شادي معاه حق، و أنت زودتها ..
, رمقه تليد بهدوء: هو اللي بيتدخّل في اللي ملوش فيه ..
, القائد: و أنت ماشاء **** بريء جداا، بقولك إييه استهتارك ده مع المتدرب بتاعك هيسببلك مشاكل كتير، و إحنا هنبدأ في الجد وتبدأوا تخرجوا مهمات تدريبية قريباً، والتسيب ده هيخسرنا كتييير و ساعتها أنت اللي هتدفع التمن وتبقى المسؤول الأول عن اللي هيحصل ..
, قطب تليد جبينه ليهتف بعدما أخذ نفساً عميقاً من سيجاره: لا إن شاء **** مش هيحصل حاجة، تفائلوا بالخير تجدوه ..
, القائد بسخرية: فعلاً حضرتك خليك متفائل أن جواد باشا في ضهرك و سوف تجده ..
, ابتسم تليد وكاد يتكلم قبل أن يهتف القائد بصوت حاد: بس ابقى قابلني لو المرة دي ساعدك، أنا مش هسكتلك وهقوله على عمايلك السودا ..
, تليد بحذر: عمايل إيه؟!
, القائد: استهتارك ده ولا كأننا مخابرات و سايب المتدرب بتاعك يتصرمح هنا وهنااا ناسي شغله وتدريبه ..
, تليد: هو كلكم جيتوا ع المتدرب بتاعي، خلاص بكرا لو مجاش هبقى أسأل عليه ..
, رمقه القائد بحدة و التفت يبتعد عنه بغضب، لينفث تليد نفساً أخيراً من سيجاره، و يُلقيه أرضاً بإهمال ..
, اتجه يعود لمكتبه ليتوقف مكانه في الرواق عندما سمع نداء وائل باسمه، و الذي اقترب منه بلهفة يهتف: تليد باشا أنا عايز أقولك حاجة ..
, بقي تليد صامتاً محدقاً به ينتظره أن يتكلم ليهتف وائل: يا باشا أنا قولتلك من البداية أن عدي ده هيسببلك مشاكل ملهاش نهاية، حضرتك ماتعرفش هو فين هو مبارح الش..
, قطع كلامه بفزع عندما صرخ شادي باسمه، ليلتفت نحوه بقلق فيما ابتسم تليد يمد يده مربتاً على كتف وائل بهدوء: معلش يا وائل بس لو عدي مبقاش المتدرب بتاعي مش هتبقى أنت، أصلي مش بحب أسم وائل ده أولاً.. ثانياً:
, رمق شادي الذي يقترب منهم بغضب ليبتسم رافعاً حاجبيه: ثانياً مش بحب آخد حاجة فيها ريحة شادي، أصل لا مؤاخذة ريحته وحشة..
, ابتسم أكثر ناظراً لشادي الذي احتقن وجهه غضباً ليستدير بعدها يبتعد عنهم سامعاً لصوت شادي الغاضب يصرخ في وائل من خلفه ..
, ٨ علامة الإقحام
, يومين مرا، و عدي مُتغيب عن عمله و تدريباته، مما زاد شماتة وائل أكثر، يتحين الفرصة ليُخبر تليد بما حدث، عله يتخلا عنه،
, حتى لو لم يقبل به متدرباً، يكفيه أن يصبح عدي مثله ..
, و غيابه الغير مبرر ذاك، قد جعل تليد أخيراً يتنبه لذلك، أو ربما يشعر بأن هناك شيء خاطئ ..
, ربما لم يكن يهمه الأمر، و لكن شيء ما جعله يدرك بأن عدي قد أوقع نفسه في مصيبة جديدة ..
, التفت يسير في الرواق نحو أحد رجاله من حوله: جيبولي رقم عدي، و أعرفولي واقع في أني مصيبة المرادي معاكم ساعتين بس ..
, أومأ الرجل سريعاً و هرول مسرعاً لتنفيذ أوامره فيما وقف تليد أمام الساحة الواسعة يدخن سيجاره بهدوء منتظر ..
, ٧ علامة الإقحام
, فُتح باب المكتب، ليدخل العسكري ساحباً معه عدي، يمسكه بذراعه بغلظة ليوقفه أمام مكتب الضابط الذي يحدق به بحدة ..
, تراجع الضابط بظهره يهتف بغضب: هاا يا سيد عدي، هتعترف دلوقتي عملت كده ليه و إزاي ولا نرجعك تحت ونرحب بيك تاني ..
, رفع عدي نظراته الحاقدة نحوه، بوجه مكدوم، و جسد متألم،
, بعدما ظهرت نتيجة البصمات لتظهر بأنها بصماته فعلاً! مع بصمات أخرى مجهولة، زاد غضب الضابط و جنونه عليه و كأنه فقط يريده أن يعترف ليغلق القضية بنجاحه فيها ..
, ليبدأ معه بعنف شديد لا يهمه شيء سوى استخراج الإعتراف المزور من بين شفتيه ..
, ليهتف عدي بحدة يرمقه بكره: أنت عايزني أعترف بحاجة ماعملتهااش؟! روح دور ع المجرم بعيد عني، أنا أساساً الست المقتولة دي معرفهااش ولا عمري دخلت أماكن زي دي أصلاً، ملهى ليلي؟! أنااا مبعديش من جمبه حتى ..
, ابتسم الضابط بعصبية هاتفاً: للأسف، أنت بتضطرني أستخدم معاك أساليب أنا مش عايزها ..
, عدي بسخرية: و حضرتك مهتم ليه بالقضية دي؟! اللي يشوفك يقول دي أول قضية تستلمها، ولا الست دي كانت تخصك؟!
, رمقه الضابط بنظرات اشتعلت غضباً، لينهض نحوه بسرعة ويلكمه بقسوة أسقطته أرضاً بسرعة جراء ضعف جسده و كدماته السابقة،
, انحنى نحوه يجذب خصلاته بوجه مخيف: لسانك ده أانا هقطعهولك، وهعرف أتعامل معاااك باللي يليق بيك، استنى عليا يا٣ العلامة النجمية أوعي تكون فاكر أننا معرفناش حقيقتك القذرة و أصلك اللي مش موجوود ولا معروف..
, ابتسم ساخراً يهتف وهو يشد من خصلاته أكثر: إيه رأيك أوريك صورة الست تاني!؟ مش ممكن تطلع أمك بس أنت مش فاكرها !؟
, تنفس عدي بحقد ينبع من عينيه المحمرتين، وجز على أسنانه ألماً وغضباً ليبصق بوجهه فجأة بلا شعور و كأنه فقط يريد أن يفرغ عن كمية غيظ وقهر تكاد تقتله ..
, أظلمت عيني الضابط بشدة مفلتاً خصلاته ليمسح بصاقه ببقايا الدماء به عن وجهه الذي تحول لشعلة غضب متقدة أخافت عدي للحظة إلا أنه لم يظهر ذلك ..
, كاد الضابط أن يصرخ به ويهجم عليه ليقاطعه فتح الباب الباب ودخول العسكري الذي فزع من صراخ سيده عليه: إيه اللي جااابك.. برااااا
, توتر العسكري ينقل نظراته بينهم ليهتف: يا فندم في حاجة مستعجلة جداا ..
, اقترب منه رغم قلقه وهمس له ببضع كلمات جعلت وجه الضابط يتغير، يختفي الغضب يكبته بالقوة ويتنفس بحدة مشيراً لعدي: خد الزبالة ده ورجعوه مكانه ومش هوصيكم عااايز أما أشوفه المرة الجاية معرفهووش.. وخلي الباشا يدخل بعده بسرعة ..
, رمقه عدي بغضب و أنفاس متسارعة فيما العسكري يجذبه بحدة لينهضه عن الأرض، ليقف عدي بيدين مكبلتين بإحكام يرمق الضابط بحقد،
, ليستدير مع العسكري نحو الباب الذي فُتح أمامهم فجأة وظهر من خلفه وجه تليد الهادئ ..
, توسعت عيني عدي بصدمة، و نبض قلبه بلهفة غريبة حال رؤيته، لتدمع عيناه سريعاً و كأنه وجد طوق نجاة له، من يُعيده لحارته مهما كان يكرهها، و يعيده لوالده الذي لا يعلم عنه شيئاً منذ أيام ..
, فيما رمقه تليد بنظرات هادئة يتأمل وجهه المكدوم و دمائه النازفة، لينقل نظراته سريعاً نحو الضابط الذي ابتسم يقترب منه يمد يده لمصافحته: تليد باشا نورت مكتبي أتفضل، أانا معرفكش شخصياً لكن ده شرف لياا أني أشوفك هنا دلوقتي وفي مكتبي أتفضل يا باشا ..
, أخفض تليد نظراته ليده الممدودة، ليمد يده يصافحه بخفة فيما هتف الضابط بحدة للعسكري: أنت واقف بتعمل إييه خده من هناا ..
, التفت تليد نحو عدي الذي كان يُعلق نظراته عليه، ليقطب جبينه باستغراب مخفي من صمته الغريب!
, فلم يعتد عليه سوى فوضوياً متهوراً لا يأبه لشيء، و لا يدري لما لمح في عينيه لمعة استناد أكثر غرابة، استنجاد مختلف عن المرات التي استنجد به سابقاً، و كأنه هذه المرة قد وصل حده، و ما حدث معه قد فاق احتماله!
, هتف تليد بهدوء قبل أن يتحرك العسكري من مكانه: سيبه هنا، أنا جاي علشانه ..
, تنفس عدي بزفرة عميقة و سحب ذراعه بحدة من يد العسكري الذي تفاجأ رافعاً نظراته للضابط الذي قطب جبينه بحذر و ريبة ..
, فيما اتجه تليد لبجلس على كرسي جلدي مقابل المكتب رافعاً نظراته للضابط الذي وقف يرمق عدي بنظرات حادة ..
, ليتجاهله عدي رغم حقد عينيه الواضح ويتجه نحو تليد بلهفة: إلحقني يا باشااا شوف متهميني بجريمة قتل و أنا و**** ماعملتش حاجة حضرتك عارفني أنا راجل بمشي الحيط الحيط ويارب السترة اللي حتى دي مش لاقيها ..
, الضابط بصوت حاد: تليد باشا حضرتك تعرف الواد ده منين ..؟
, عدي بحقد: واد بعينك أنا سكتلك كتييير أوووي بس دلوقتي لاااا و تليد م..اا قصدي تليد باشا مش هيسمحلك مش كده يا تليد.. قصدي يا باشا ..؟!
, عاد يلتفت لتليد برجاء يشير له بعينيه بترجي أن يوافق على كلامه، فقد جائت فرصته للإنتقام منه، و ماكان من تليد إلا أن هز رأسه يهتف بتسلية داخلية: أيوه كده، ثم إني مش هسامح اللي عامل ف وشه كده ده أسم **** كان قمر و دلوقتي بقى مشوه ..
, اتسعت ابتسامة عدي بصدمة ورفع يده يتحسّس وجهه المكدوم هاتفاً: شوفت يا باشاااا عايزيني أعترف بحاجة ماعملتهااش قال أنااا قتلت ست بياعة هوا يا باشا بنت لييل ..
, رفع تليد حاجبيه ببطء، ناقلاً نظراته نحو الضابط الذي ظهر التوتر على ملامح متابعاً كلمات عدي العفوية مع تليد و كأنه مقرب منه ..
, ليهتف عدي: عارف يا باشا أنا مش زعلان علشان ظالميني أصل أنا طول عمري مظلوم، أنا بس زعلان عشان متهميني أني قتلت ست؟! وبنت ليل كمان؟! لو كان راجل كنت تقبلت الموضوع شوية، لكن أنااا أتعدى على ست ؟!
, رمقه تليد بصمت ليعود ويحدق بالضابط الذي يزداد توتره أكثر، ليبتسم بجانبية هاتفاً: ممكن نتكلم على إنفراد ؟!
, هز الضابط رأسه سريعاً: أايوه يا باشا تحت أمرك ..
, التفت نحو العسكري طالباً منه إخراج عدي والإنتظار في الخارج، لينهض عدي يرمقه بنظرات مستفزة ويخرج من المكتب ليتكئ على الحائط في الرواق أمامه منتظراً بصبر بدأ ينفذ ..
, مدة من الوقت بقي مكانه يسير بلا هدى و عقله يضح بمئات الأفكار المتضاربة، حتى فتح الباب ليظهر تليد من خلفه فيسرع إليه بلهفة: طمني يا باشااا حصل إيييه أنا و**** بريء يا باشا بس محدش مصدقني والظابط ده مستقصدني ..
, تليد: متقلقش أنت هتخرج من هنا بكفالة، و قدمت بلاغ أن سلاحك مسروق علشان يلاقوا اللي سرقه ..
, ابتسم عدي بلهفة ليشير تليد له بالدخول معه، ليدخل سريعاً و أول ما لمحه هو نظوات الضابط الحادة الموجهة نحوه ..
, ليبتسم له بسخرية شامتة فيما وقف تليد بجانبه ليهتف الضابط: أنت هتخرج من هنا بكفالة تليد باشا، و إبقى اشكره على مساعدته ليك لولا شهادته أن سلاحك كان مسروق مكنتش هتخرج من هنا خالص أصل القضية لابستك ..
, هتف عدي بحدة: و**** أنا بريء وماعملتش حاجة وأما تكون أنت مستقصدني فأنا مش هخرج فعلاً ..
, الضابط بحدة: احترم نفسك وأنت بتكلمني، أنت تخلي بالك في أي لحظة ممكن يجيلك استدعاء، تلتزم في البيت أو الشغل، ممنوع تغير مكان إقامتك أو السفر خارج البلاد لحد ما نخلص من القضية دي ..
, رفع عدي حاجبيه بدهشة ليلتفت نحو تليد يهتف بصدمة: معلش.. أسافر فين يا باشا خارج إيه ؟؟
, تليد: البلد ..
, عدي: وهو أنا لو قادر أسافر خارج البلد كان زماني هنا ولا وضعي كده ؟! ماتعقلوا الكلمة قبل ما تنطقوها طيب ..
, زفر الضابط بحدة وهتف: بتشك في ميييين أنه سارقك ؟!
, قطب عدي جبينه نافياً: لا أنا مش مسروق ولا حاجة أنا معيش فلوس أساساً ..
, هتف الضابط بحدة: تليد باشااا ياريت تفهمه ..
, عدي: و أنت بتزعق ليييه ولا فاكر نفسك إيييه أنا أصلاً هشتكي عليييك و ع اللي عملته فيااا ظلماً وبهتاناً ..
, زفر الضابط بحدة ونقل نظراته نحو تليد الذي هتف بهدوء: قصده بتشك في مين ممكن يكون سرق سلاحك ..
, عدي: أهاااا ماتقول كده من الأول، بس هو يعني ممكن يلاقوا السارق يا باشا ؟؟
, تليد: أيوون أنت بس ساعدهم وقولهم شاكك في مين ..
, رمش عدي بعينيه بصمت يتأمل وجه تليد الهادئ، ليهتف بعدها بترقب: وهو يا باشا أنا لو قولت أسم الشخص اللي أنا شاكك فيه هيحققوا معاه و يمرمطوا أهله زيي كده ؟!
, هز تليد رأسه بهدوء: أمااال ..
, لمعت عيني عدي فجأة، و نمت ابتسامة واسعة على شفتيه فيما نبرة خبث سكنت صوته وهو يهتف مديراً وجهه للضابط: أنا شاكك في كل أهل حارتي يا باشا كلهم دون استثنااااء!!
, ٩ علامة الإقحام
, يهرول بين طرقات حارته متجاهلاً نظرات الناس التي ترمقه بنظرات متباينة أعتاد عليها طوال حياته،
, ليدفع باب المنزل بسرعة يلتفت حوله بلهفة: يابا أنت فييين أنا جييت٣ نقطة يااا مسعد ..
, وقف مكانه بقلق عندما لم يجد له أثراً، ليزفر بحدة يعلم أين سيجده!
, في تلك القهوة الصغيرة، القهوة التي سُلبت منه قبل سنوات و مازال قلب مسعد متعلقاً بها حتى مع ضياع عقله!
, ليُسرع خارج المنزل مهرولاً نحوها، و تتوقف أقدامه بعيون متوسعة على منظر فطر قلبه و زاد حقده و قهره من كل شيء ..
, فيما صوت والده يصرخ باهتزاز أمام تلك القهوة الصغيرة: مش ماشي من هنااا القهوة دي بتاعتي أناا يا سراقيين يا حرامية..
, أحدهم يدفعه، كان أبن صاحب القهوة الجديد، يُمسك عكاز والده الذي قلما يستخدمه إلا عندما يشعر بضعف في جسده،
, يلكزه به بقسوة محاولاً طرده: بقولك يلااا من هنا إحنا مش فاتحينها سبيل شاي وقهوة و شيشة وفي الآخر أبنك المجرم مرمي في الحبس وأنت هتشرب كله ببلاش ..
, شاركه شخص آخر في إهانة والده، و طرده من قهوة كانت حقه، و سُلبت منه بقسوة و خبث،
, مازال يتذكر حتى هذه اللحظة، وجه والده المصدوم الشاحب، و هو يخبره بخسارته للقهوة، مصدر رزقهم الوحيد..
, بعدما استغلّ أهل حارته غياب عدي عن المنزل، عندما قُبل في كلية الشرطة وبات يتغيب أياماً وليالي،
, كان مرض والده قد اشتد في تلك الفترة، قبل حتى أن يستطيع أخذه لطبيب مختص، أو شراء دواء يُساعده ليتعافى ولو قليلاً،
, ليستغلوا ضياعه و وحدته تلك، و يبصمونه على تنازله عن القهوة بكل ما بها لصاحبها الحالي،
, و لو لم يعد عدي إجازة في تلك الفترة، لكانوا خلّصوه أيضاً منزله الوحيد ما تبقى له من ورثة والده..
, وعى من شروده وهو يركض باتجاههم بعد سقوط والده أرضاً، ليصرخ عدي بملئ فمه صراخاً كاد يصمهم،
, وجهه احمر بقوة شاتماً بأفظع ما يعرف من شتائم، و ينقض على أبن صاحب القهوة يأخذ عكاز والده منه ليهيل به على رأسه و جسده و أينما طالت يداه،
, ترك العكاز بأنفاس قاسية، يلتفت لوالده الذي يصرخ باسمه، لينحني باتجاهه يساعده على النهوض فيما والده يهتف: أخدوا الشوز بتاعي يا عدي سرقوني..
, أخفض عدي نظراته لأقدام والده الحافية، يرى تجرّحها إثر سيره و وقوفه الطويل في طرقات الحارة المحفرة، لتحتد ملامحه يلتفت نحوهم و ماكاد يعتدل بجسده حتى تلقى لكمة قاسية من أحدهم طرحته أرضاً،
, و اجتمع عدد من المتواجدين عليه يضربونه بقسوة كما كان يتلقى منهم دائماً ..
, ولشدة غضبه و قهره، بات يتحرك بلا شعور، يضرب بلا شعور حتى لو قتلهم بين يديه، لينهض ساحباً والده من يده بعنف غير مقصود،
, يصرخ بهم شاتماً بقهر: يا حارة يا عرررة يا ولاد ال٤ العلامة النجمية كلكم كلكم كلاااااب ولاد كلب ..
, ارتفع صدره بأنفاس حادة ليتلقى شتائمهم و كلماتهم السامة، و التي ورغم اعتياده عليها، إلا أن قلبه ما زال يُجرح منها جرح يبدأ بالنزيف البطيء، فيما فردة حذاء أحدهم قد ضربت برأسه بقوة مخلّفة ضحكات ساخرة حوله،
, لينحني هو الآخر خالعاً حذائه من كلا قدميه، يرفعه بحدة ليقذف بفردتيه بعشوائية باتجاههم شاتماً الجميع،
, أمسك عكاز والده يُلوح به أمامه يبعدهم عنه، ساحباً والده بسرعة يبعده عنهم ليقف والده مكانه بعد عدة خطوات يضرب ظهره: أنت مش شايفني مش قاادر أمشي يا عااق ..
, توقف عدي يغمض عيناه بقوة محاولاً تهدأة غضبه و موجة البكاء التي داهمته، ليلتفت نحوه ويحدق بأقدامه الحافية فيما مسعد يهتف به: الشوز ده بتاعك أنت يا عدي أنا كنت لابسهولك علشان أفتكرك و أنت بعيد عني، سرقوه مني الحيوانات ..
, ضم عدي قبضته على العكاز بيده وجز على أسنانه بحدة، لا يدري غيظاً من والده الذي يُريد إحياء ذكره بحذاء! أم غضباً و حقداً على أهل حارة من فصيلة الحيوانات فعلاً ..
, ليقترب من والده، يدير ظهره له ينحني أمامه: أطلع يابا أطلع هات إيدك،
, ابتسم مسعد رافعاً حاجبيه، ليمد ذراعيه نحوه يحاوط عنقه من الخلف ليعيد عدي يداه للخلف يتمسّك بجسد والده جيداً و هو يرفعه عن الأرض بتعب واضح بعدما أمضى تلك الأيام في السجن بلا طعام و سط تعزييب حاقد،
, ليسير حاملاً والده ببطء، متجهاً نحو منزلهم الصغير، يتجاهل نظرات الناس من حولهم، و أسمه الجديد الذي بدأ يتردد على ألسنتهم،
, المجرم، أو رد السجون..
, أغمض عيناه زافراً بحدة عندما وصل لمنزله، يدفع الباب بخفة ويسير بوالده نحو غرفته، يُجلسه على سريره محدقاً به بألم عندما هتف مسعد: القهوة دي بتاعتنا يا عدي يابني، دي بتاعة جدك، هو تعب وشقى سنين علشاني وأنا فرطت فيها بسهولة،
, ابتلع عدي ريقه بعيون دامعة، و التفت يبتعد عنه ليعود بعد دقائق وفي يده دلو من الماء مع منشفة صغيرة،
, لينحني جالساً أمام أقدام والده، يُمسكها ليضعها في المياه برفق يمسح عنها بقايا الدماء والغبار، ينظف جراحها الواضحة فيما دموعه قد بدأت تنهمر من عينيه بغزارة قهراً من كل شيء يحدث له،
, ليهمس والده بألم: واد ياعدي، الشوز التاني بتاعك راح، كان لازم يعني تضربهم بالشوز ..
, تنشق عدي هاتفاً ببكاء: و كان لازم أنت تفتكرني بحتة شوز يابا هي دي قيمتي عندك، أهو قعدت دلوقتي كده ماعنديش غير شبشب ..
, مسعد: يابني خلاص متزعلش حقك عليا، أنا هديك بتاعي ..
, عدي: بتاعك إيه يابا أنت نمرة رجلك سبعين تقول تمساااح، أما أنا رجلي صغننة..
, ضربه مسعد على رأسه بحدة: سبعين إيييه ياض يا عاق أنت بتتريق على رجلي..
, نظر عدي لأقدام والده بين يديه ومط شفتيه: لا يابا هو أنا أقدر.. أرفع رجلك يابا يلا..
, رفع مسعد أقدامه يحدق بعدي الذي انهمك بتجفيفها محاولاً تنظيف جراحه التي توقف نزيفها، ليلفّها بعدها بقماشة نظيفة ويتركه متمدداً على سريره، ليقف متخصراً يحدق حوله في المنزل متمتماً: و أانا هلبس بكرا في الشغل إيه طيب ؟!
, مسعد: أنت كنت فين يابني أنا قلبي وجعني عليك ومحدش رضي ياخدني ليك، كانوا يعذبوك صح؟! كلهم قالولي أنك مش هترجع وأنك مجرم بس لااا أنا عارف أبنيي كويس.. قولي حصل معاك إييه أنت جعان صح؟!
, التفت عدي نحوه، وابتسم فجأة براحة، رغم ضياع والده و تعبه معه، إلا أنه لا يجد راحته سوى معه هو فقط، لا يجد اهتماماً وحباً و ثقة سوى منه هو فقط!
, ليهز رأسه: متقلقش يابا أبنك سبع أبن سبع، بس قولي دلوقتي هلبس أنا بكرا إيييه؟؟
, مسعد: و**** يابني مش عارف، يلا أطلع وخد الباب في طريقك عايز أنام، إمشي دبر نفسك بالشبشب أنت ميتخافش عليك..
, رمقه عدي بغيظ للحظات ليزفر بعدها يلتفت متجهاً خارج الغرفة..
, ٨ علامة الإقحام
, نهض تليد عن مكتبه، يرفع سيجاره نحو شفتيه فيما يخطو باتجاه عدي الواقف أمام طاولة مكتبه مؤدياً التحية بعد عودته للتدريب من جديد،
, رمقه تليد بعيون هادئة، لتنخفض نظراته نحو الأسفل، رافعاً حاجبيه ببطء مطالعاً حذاء عدي المنزلي الذي يرتديه،
, ليتحمحم عدي هاتفاً: بص هنا يا باشا معلش ..
, رفع تليد نظراته نحو وجهه المكدوم ونفث الدخان في وجهه مسبباً سعال الآخر وابتعاده عنه بغيظ، ليهتف تليد: أنت هتدرب بالشبشب ؟!
, عدي: ماهو يا باشا الشوز بتاعي ضايع أا قصدي أنا اضطريت أستخدمه في حاجات تانية، معلش استحملني المرة دي بس و إن شاء **** حضرتك هتكلّمهم يدوني مرتبي بدري و أجيب شوز جديد ..
, رمقه تليد بصمت، و نظرات هادئة لم يستطع عدي فهمها ليتوتر متحمحماً: نروح للتدريب يا باشا ؟!
, بقي تليد صامتاً للحظات، قبل أن يشير له برأسه للخروج هاتفاً: أطلع اتدرب لوحدك، ولما تبقى بني آدم تعالا ..
, رمقه عدي بحذر: في إيه يا تليد اا قصدي يا باشا هو أنا مبقاش بني آدم أما ألبس شبشب ؟!
, لوح تليد بيده بصمت يشير به بالخروج ليزفر عدي بضيق، ويلتفت سريعاً خارجاً من المكتب، سار في الرواق الطويل أمامه، حتى تنبه على وقوف وائل في آخره والذي سرعان ما انفجر ضاحكاً بشماتة: كنت فاكر أني هشوفك المرة الجاية على حبل المشنقة.. تؤ خسارة ..
, رمقه عدي بحدة وضم قبضتيه جانبي جسده بغيظ شديد يمنع نفسه من الهجوم عليه، ليرفع وائل حاجبيه يرمقه باستصغار من الأعلى إلى الأسفل: أنا مش عارف تليد باشا مستحملك على إيه، هو ده منظر راجل في المخابرات ؟! جاي بالشبشب ؟؟
, عدي: بقولك إيه يا كلب ياللي أسمك وائل، أنا خلقي في مناخيري النهاردة مش عايز أتجنن عليك، إياك تكلمني ولا تخليني ألمحك بدل ما أحط الشبشب ده في بؤك ..
, احتدت عيني وائل هاتفاً: أنت قد الكلام ده ؟!
, عدي: لا حول ولا قوة إلا ب****، هو أنتوا ملكووش شغل إلا عدي إمشي ياض من هنا مش ناقصك..
, هز وائل رأسه بحدة ونظر لحذائه مجدداً: ماشي، كل ده هيبقى عند القائد وهقوله أنت بتعمل إيه وجاي للشغل باستهتارك ده، و لو تليد باشا ساكتلك فهو مش هيسكتلك خالص..
, التفت يدير ظهره له يسير باتجاه مكتب القائد حاقداً على وجود عدي معهم حتى اللحظة برغم كل مصائبة وسمعته، حاقداً على تمكنه من الخروج من الحبس و العودة للتدريب و كأن شيئاً لم يكن..
, ليتوقف ملتفاً نحو عدي الذي هتف باسمه فجأة هاتفاً: الشبشب اللي مش عاجبك ده هيربيييك دلوقتي،
, لتتوسع عيناه بصدمة هو يراه ينحني خالعاً حذائه ليقذف إحدء فردتيه باتجاهه بقوة،
, تراجع وائل للخلف و انخفض بجسده فجأة متفادياً الحذاء الطائر، لتتوسع عيني عدي بذهول مطالعاً فردة حذائه التي ارتطمت بقوة برأس شخص خلف وائل،
, شخص لم يكن سوى قائدهم، و الذي اشتعلت عيناه فجأة بلمعة مُخيفة!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الخامس


خرج وائل من غرفة المكتب و عيونه تكاد تخرج من مكانها صدمة و عدم تصديق، ليدور حول نفسه في الرواق بابتسامة تكاد تشق وجهه حتى ظهر وجه تليد أمامه بعدما خرج هو الآخر من نفس المكتب،
, ليُسرع رائل نحوه متحمحماً يهتف بلهفة: هو بجد يا تليد باشا اللي سمعته صح، يعني أنا هبقى المتدرب عند حضرتك ..؟!
, رفع تليد نظراته نحوه يرمقه بصمت، ليهتف وائل بانفعال متحمس: أنا فرحان جداً يا تليد باشا بجد، و أنا هكون عند حسن ظنك ..
, رفع تليد أحد حاجبيه مميلاً رأسه بابتسامة جانبية: مادي المشكلة يا وائل، إن أنا معنديش ظن بيك لا حلو ولا وحش ..!
, قطب وائل جبينه بقلق: ليه يا تليد باشا أنا بجد هعمل جهدي، صدقني عدي ده ميستاهلش أنه يكون عند مدرب كبير زي حضرتك و الحمد**** **** خلصك منه أهو ..
, تليد: و **** هيخلصني منك أنت إيمتى؟!
, زاد انعقاد حاحبيه وائل بحدة، فيما ابتعد عنه تليد مخرجاً سيجاره من جيبه ليبدأ بإشعاله بصمت، ليزفر وائل بغيظ و يقترب منه: و حضرتك شايف أن اللي بيعمله عدي ده مقبول ؟! ده مينفعش يبقى راجل مخابرات وهو بالإستهتار ده، ده حتى سلاحه مقدرش يحافظ عليه و سرقوه منه بسهولة..
, رمقه تليد بصمت للحظات، قبل أن يأخذ نفساً من سيجاره، و يدير وجهه جانباً ينفثه بعيداً عنه، فيما بقي وائل صامتاً بحدة ينتطره أن يتكلم، قبل أن تتوتر ملامحه حالما هتف تليد: و أنت عرفت أنه مسروق إزاي؟؟ مش ممكن ضاع منه مادام هو مستهتر بالشكل ده..؟!
, ابتلع وائل ريقه متمتماً: أاا يوه يا باشا صح بس هو يعني كان بيقول أن مسروق،
, همهم تليد يرمقه بهدوء، ليخرج أخيراً من المكتب، شادي بوجهه المتجهم يتبعه عدي بجبين مقطب لا يعجبه شيء ..
, ابتسم وائل بحدة ناظراً لعدي: أنا مش عارف قلبهم حنين كده ليه ومافصلوكش لسا، عامتاً دي آخر فرصة ليك وشكلك مش هتطول أصل شادي باشا مش هيصبر عليك زي تليد باشا ..
, رمقه شادي بنظرات حادة، فيما التفت لعدي الذي يرمق وائل الواقف بجانب تليد، بنظرات غريبة، يضم قبضتيه بشدة و ربما قهر بدأ يتنامى داخله، لخسارته كل شيء دائماً، و كسب وائل و شماتته به ..
, هتف شادي بصوت غليظ: ربع ساعة ونلاقيكم في الساحة تحت عشان التدريب ..
, كاد يستدير مبتعداً عنهم ليهتف تليد بهدوء: قصدك ساعة و تلاقيه.. متدخلش في المتدرب بتاعي وتتكلم نيابة عني لو سمحت، أنا ممكن مش عايز ألاقيه تحت عايز ألاقيه فوق مثلاً ..
, ضحك عدي فجأة بسخافة، لتختفي ضحكته سريعاً حالما تذكر بأن تليد لم يعد مدربه الخاص و لا يدافع عنه حالياً، ليبتلع ريقه يرمق وائل بنظرات محتقنة، و قهره يتزايد داخله بشدة خاصة مع ابتسامة وائل السعيدة،
, تركهم تليد و استدار يبتعد عنهم، ليستغل عدي الفرصة و يهرول لاحقاً به يقتحم مكتبه بفوضوية هاتفاً: يا باشا هو أنا هفضل مع شادي بيه ده؟!
, رفع تليد نظراته نحوه بصمت، ثم أخفضها ليحدق بحذائه البيتي الذي مازال يرتديه، ليهتف عدي مقترباً منه: هو أنا عملت إيه يا باشا لكل ده كله عشان حتة شبشب طايش؟! هو أه قديم شويتين و موسخ بس هو ده اللي عندي يا باشا أجيب جديد منين ..؟!
, رمقه تليد بدهشة ثم هز رأسه: عندك حق، باين القائد زعلان عشان اتضرب بشبشب قديم مش جديد، أنا عندي الحل، هبعت حد من الرجالة يجبلك واحد جديد وإبقى أضربه وقوّي قلبك ..
, عبست ملامح عدي بضيق ثم تمتم بحزن مفاجئ: يا باشا أنا مش عايز أخسرك ..
, قابله الصمت من تليد ليهتف: أا قصدي يعني أنا حبيتك، لا مش كده.. لا لاا هو أنا فعلاً حبيتك بس أنا برضو مش عايز شادي ده، ده شكله شبه العنزة يا باشا ..
, ابتسم تليد موافقاً على كلامه فيما كان عدي يتكلم بجدية: هو مش طايقني يا باشا أانا هعمل إيه لوحدي معاه؟ أنت كنت طيوب كتر **** خيرك، و دلوقتي أنا مش عايز أتبهدل و وائل يشمت فيا،
, صمت قليلاً قبل أن يهتف بحنق: هما ملاقوش غير وائل يعني عشان يبقى المتدرب عندك؟ شوفته يا باشا وهو فرحان فيا دلوقتي هيخلي أهل حارتي كلهم يضحكوا عليا ؟!
, تليد: معلش ..
, عدي: معلش إيه يا باشا أنت فرحان بيه صح؟! عندك حق ما أنا مش بسببلك غير المصايب ..
, رمقه تليد للحظات بصمت، قبل أن يهتف بهدوء: الراجل اللي على الباب برا، تبعته يجبلك جزمة جديدة تلبسها قبل ما يبدأ التدريب ..
, رمقه عدي بدهشة قبل أن يهتف بتوتر: بس يا باشا أانا يعني.. مش معايا فلوس..
, تليد: على حسابه ..
, عدي: وهو هيشتريلي على حسابه ليه كان خلفني ونساني، ثم إني بتكسف يا باشا أقوله لا خلاص هتدرب بالشبشب النهاردة و أنت إن شاء **** هتكلمهم يدوني مرتبي بدري ..
, تنهد تليد يجلس خلف مكتبه ليهتف: أولاً أنا مبقتش المدرب بتاعك يعني وجودك في مكتبي كده تنساه،
, توسعت عيني عدي بحنق ليهتف تليد متابعاً: ثانياً أنت نسيت أن مرتبك مخصوم شهرين قدام، بدري إيه ده اللي بتتكلم عنه ..
, شهق عدي بصدمة و زاد جحوظ عينيه ليتمتم: أمال أانا أعمل في نفسي إيه يا باشا ؟!
, هز تليد كتفيه بصمت لترتخي ملامح عدي من الذهول و الصدمة، إلى التفكير المهموم العميق ..
, ٨ علامة الإقحام
, ربما حظه العاثر ليس فقط بدخوله المخابرات بين ليلة وضحاها، بل لوقوعه تحت أيدي شادي أيضاً بل ربما أقدامه!
,
, عدة أيام قاسى فيها من تدريبات مُنهكة، بلا حتى راحة كما كان يفعل مع تليد،
, و الآن فقط، أدرك بأن حظه عندما أُختير تليد مدرباً له، قد كان من أكبر حظوظه و أحلاها، و قد خسرها كالعادة لأن حظه سيء!!
, أما شادي، فكان ربما يُخرج كل حقده به، خاصة و أنه كان متدرباً مُدللاً عند تليد منافسه الأكبر، و أن متدربه وائل قد كاد يطير فرحاً لوجوده مع تليد ..
, و كالعادة، حتى ثقب الأوزون يتضح أخيراً بأن لعدي علاقة به من قريب أو من بعيد، ليجد نفسه يُحاسب على أشياء ليس هو السبب بها،
, تماماً كما يقف أمامه شادي الآن يهدده بحدة غاضبة متوعدة: التمرين ده بيعتمد على خفة اليد و السرعة ..
, قطب عدي جبينه يرمقه بغضب لم يعد يفارقه ليهتف: سرقة يا شادي بيه ؟!
, توسعت عيني شادي يضم قبضته بقوة يمنع نفسه من لكمه ليهتف عدي بحدة: ما أنت اللي بتقول خفة يد، أمال سحر يعني ؟!
, اقترب شادي منه ليجذب ياقته بشدة هاتفاً: أقسم ب**** لو فضلت على استهتارك ده لأكون أنا سبب فصلك .. اتظبط ياااض و أعدل كلامك .. أسمع و ركز كويس ..
, دفعه عنه بغضب ليغمض عدي عيناه بغيظ يلتفت نحوه فيما هتف شادي: كل حاجة هتتشرحلكم، بس أنا بقولك من دلوقتي عشان يبقى عندك علم،
, قطب عدي جبينه بحذر: قول يا بيه سرك في بير ..!
, بقي شادي صامتاً للحظات يحدق أرضاً بغضب، إلا أن صدره قد ارتفع بنفس عميق يحاول تهدأة نفسه على غير العادة!
, ف شيء ما فقط عرفه عن عدي، جعل منه يضع آمالاً به خاصة في هذا التدريب بالذات،
, عدي قد رُشح للمخابرات بسبب تصويبه الدقيق و سرعته في ذلك، عندما حضر أحد الضباط تمريناً يعتمد على السرعة و الدقة، ليرى عدي من بين الذين قد أصابوا الهدف بدقة أكثر من بارعة،
, و الآن، شادي يعتمد عليه ليكسبا التمرين الآن بعدما كان وائل يكسب دائماً خاصة مع وجوده مع تليد ..
, ابتدأ التدريب أخيراً، و اصطفوا جميعاً بمحاذاة بعضهم البعض، بجانب كل منهم منضدة صغيرة، عليها سلاح فارغ وعدة رصاصات بجانبه، فيما أمامهم على مسافة معينة، ثُبتت خشبة تحمل قطعة دائرية كبية تحوي عدة نقاط بلون غامق واضح و نقطة مركزية في المنتصف ..
, وقف عدي بجانب منضدته، و التفت ليحدق بحقد بوائل القريب منه ليأتيهم صوت القائد الحاد: قدامكم عشر ثواني لتجهيز السلاح وتستعدوا بوضعية الإطلاق، اللي هيتأخر عن عشر ثواني هيخرج من التدريب، و أما تسمعوا الصافرة تصوبوا ع النقطة اللي في النص، رصاصة واحدة بس مش أكتر .. مفهوم ؟!
, تعالى هتاف الجميع رداً عليه، فيما قطب عدي جبينه بحدة، و التفت يحدق بعدد الرصاصات التي يتوجب عليه ملئ السلاح بها، ليأخذ نفساً قوياً وحالما استمع لصوت القائد يهتف بهم بالبدء، حتى اندفعت يداه تُلملم الرصاصات بفوضوية أمام عيني شادي المذهولتين،
, إلا أنه استطاع رغم ذلك ملأ السلاح قبل انتهاء الثانية العاشرة، ليقف في وضع الإستعداد يُصوب سلاحه باتجاه الركازة أمامه و جبينه معقود بقوة و تركيز ..
, خرج المتدربين الذين تعدوا الثواني العشر، لينطلق بعدها صوت الصافرة قوياً يُنبههم لتبدأ رصاصة كل منهم تخرج من السلاح مصيبة أهدافها أمامهم،
, اختفى صوت الرصاصات بعد الرصاصة الأولى من كل سلاح،
, إلا أن سلاح عدي فقط قد حافظ على وصلة الرصاص تلك و هو مازال يُطلق بحنق بعدما انحرفت رصاصته الأولى عن مسارها و أصابت نقطة بعيدة كل البعد عن النقطة المطلوبة ..
, صرخ شادي به: عدددييي ..
, إلا أن الأخير قد كانت قدماه تقتربان من الركازة المثبتة أمامه بلا شعور، و رصاصه يخرج من سلاحه بحنق أكبر حتى لمعت عيناه عندما ثقبت رصاصة النقطية المركزية أخيراً ليصرخ فجأة بحماس: صابتهااا أهوووو ..
, التفت خلفه بابتسامة تكاد تشق وجهه، لتختفي فجأة بذعر عندما تلاقى بعيني شادي المشتعلة، و الذي اقترب منه بخطوات سريعة جعلت عدي يفزع رافعاً سلاحه الفارغ بوجهه و كأنه يحمي نفسه منه،
, ليزداد جنون شادي، رافعاً يده يلكمه بقسوة أطاحت به أرضاً، و يركله بعدها بقوة في يده الممسكة بالسلاح حتى اندفع السلاح يتفلت بعيداً عنه ليصرخ عدي: أانت اتجننت..
, خرج صوت القائد بغضب: شااادي ..
, جز شادي على أسنانه بشدة، و التفت نحو القائد ليهتف الآخر بهم: استراحة خمس دقايق هنعيد التدريب تاني ..
, اقترب بعدها من شادي هاتفاً بتهديد: اللي عملته ده لو اتكرر تاني هتتحاسب عليه..
, شادي بحدة: الواد ده مينفعش يكون هنااا خالص، و أنا بتنازل عن تدريبه خلاااص ..
, القائد: مش بكيفك، ده اترشح لوجوده هنا و ملفه كويس ..
, شادي: فييين الكويس ده فييين ؟! اللي بيعمله ده لعب عياااال ..
, دمعت عيني عدي الذي يُحاول النهوض عن الأرض، مدلكاً يده التي تنبض ألماً، وماسحاً بكم قميصه دمائه النازفة من أنفه، لتتلاقى عيناه الدامعة أخيراً بعيني تليد الواقف عن بُعد يراقبهم بصمت، ينفث دخانه من سيجارته بهدوء،
, أشاح عدي بوجهه عنه يبتلع ريقه بقهر، و تجاهل وجود وائل بجانبه مع ابتسامته الشامتة، ليعود صوت القائد صارخاً بهم لإعادة التمرين مجدداً ..
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي ..
, صرخ شادي به بغضب: بقولك مش كدددده ..
, زفر عدي بحدة يرمقه بغيظ داخلي يكاد يُفجره به، أُجبر شادي على استمرار تدريبه له، و ذلك ما جعل حنقه يزداد و حقده على عدي يفرغه في تمريناته القاسية،
, ليعود ويبعد نظراته محدقاً في الركازة أمامه، بعدما صمم شادي على تلقينه درساً قاسياً، و تدريبه لساعات طويلة على هذا التمرين بالذات ..
, زفر شادي ماسحاً وجهه بغضب وهتف: أنت ياحيوان حمااار !؟
, عدي: في إيه يا بيه مش كفاية حيوان بتحدد نوعه ليه كمان ؟!
, صرخ شادي به بنفاذ صبر: مش أنت دخلت مخابرات عشان دقة تصويك و مهاراتك ؟! هي فييين دي ؟!
, رمقه عدي يتنفس بقوة إثر تعبه، فيما عرق جبينه ينضح منه ليسيل على وجهه المحمر من شمس قاسية فوقه، ليهتف بعدها بضحكة: يا بيه ده كله من حظي المهبب، أنا فعلاً صوبت وصبت النقطة بدقة حتى أنت متعرفش تصيبها، لكن ده كله حظ كانت أول و آخر مرة و**** قدام الظابط اللي منه لله رشحني أما شاف مهارتي دي،
, رمقه شادي بحدة و هتف بتهديد: و أنا بقا هخلي المهارة دي تبقى موجودة، بالغصب بالضرب بأي حاااجة ..
, اختفت ابتسامة عدي يرمقه بحدة ليهتف بعدها: اللي بتعمله ده ميرضيش ربناا، كلهم بياخدوا إستراحة إلا أنااا ليييه شايفني بغل مش بتعب ؟!
, اشتعلت عيني شادي بشدة، و اقترب منه ليهتف بغضب: تجرؤك عليا ده أنا هعرف أندمك عليه، مية ضغط حالاً ..
, عدي: ضغط إيه لا..
, قاطعه شادي صارخاً: ميتيين ..
, عدي بحنق: في إيييه يا بيه مش كفاية كل الضغط اللي عليا ده لسا..
, صرخ شادي يدفعه بيده بحدة: تلاتمية وكلمة زيادة هيبقوا ألف ..
, بقي عدي واقفاً يحدق به بحدة، يواجهه شادي بنفس النظرات الحادة الغاضبة، ليزفر الآخر مستسلماً و ينبطح أرضاً بادئاً بأكثر تمرين يكرهه منذ بداية دخوله في كلية الشرطة و حتى اللحظة ..
, تراجع شادي للخلف، واضعاً قبعة تحمي رأسه من أشعة الشمس الحارة، فيما عيناه تتابعان عدي الذي أُنهك جسده من أول عشرة تمارين فقط ..
, و طال به الأمر، كلما تعب وكاد يتوقف ينتفض على صراخ شادي به و تهديده بلا أي شفقة من أنفاسه السريعة، مع وجهه المحمر المتعرق ..
, اندفع جسد عدي أخيراً، ليسقط أرضاً بأيدي امتدت بجانبه باستسلام تام، فيما عيناه مغمضة و أنفاسه تخرج متقطعة متعبة للغاية، لينهض شادي عن كرسيه حيث كان يراقبه واضعاً قدماً فوق الأخرى ليهتف به: أنت وقفت ليييه، قوووم هتكملهم ع التلاتمية و غصباً عنك ..
, تجاهله عدي، أو أنه لم يقو على إجابته ليصرخ شادي: بقولك قوووم ..
, ابتلع عدي ريقه الجاف، يشعر بعطش هائل، ليفتح عيناه الزائغة بتعب هاتفاً بصوت متقطع و لهاث واضح: و **** لو.. قلبت.. دلوقتي تنين.. مجنح.. ولا ديناصور ناري.. مش.. قايم وادي نومة اهو..
, ضم شادي قبضتيه جانبي جسده يرمقه بغضب، و قدمه ارتفعت بغيظ يكاد يركله إلا أنه تراجع خوفاً من أن يراه أحدهم،
, ليهتف قبل أن يبتعد عنه: مفيش خروج النهاردة من الساحة دي، ومفيش رجوع بالليل، هتفضل تدرب ع التمرين ده بشكل متواصل ..
, فتح عدي عيناه الزائغة ليعود ويغلقها بأنفاس متعبة تحت أشعة شمس قاسية أحرقت وجهه ..
, ٨ علامة الإقحام
, ليلاً ..
, وقف عدي باعتراض أمام شادي: يا بيه هتدرب بكرا و****، بس سبني أرجع أبويا لوحده في البيت ..
, شادي بسخرية: ليه أبوك بيبي صغير بيخاف يفضل لوحده، كلامي واضح، إرجع للتدريب حالاً ..
, ابتلع عدي ريقه بخوف ظهر في عينيه، كل شيء مغلق أمامه، كل شيء ضده، حتى الهيبة و النفود الذي كان يسعى له قد بدأ يفقد الأمل به..
, التفت يمسك سلاحه بجسد مرهق ليرفعه بحقد يطلق رصاصاً عشوائياً يزيد من غضب شادي و توعده ..
, وطالت الدقائق به، حتى بدأ شادي يتركه لعدة دقائق كل فترة، و يعود إليه صارخاً ومتوعدا ..
, أغمض عدي عيناه بصدر يعلو و يهبط بأنفاس متعبة، و دموع مقهورة تجمعت في عينيه ليعود ويفتحها ناظراً أمامه بتصميم و غضب، يرفع سلاحه مجدداً محاولاً التصويب، قبل أن ينتفض على يد امتدت من خلفه لتمسك يده القابضة على السلاح، فيما يد أخرى أمسكت كتفه تضغط عليه محاولة توجيهه لوقوف صحيح بظهر منفرد و يد ثابتة،
, التفت عدي خلفه بحدة، ليتفاجأ بتليد خلفه واضعاً سيجاره بين شفتيه ليهتف: تليد باشا ..
, ترك تليد يده الممسكة بالسلاح يبعد السيجار عنه بعدما أخذ نفساً عميقاً لينفث الدخان بوجهه جعلت عدي يبتعد عنه بجبين مقطب، ليهتف به: أنت مش هتبطل العادة دي يا تليد.. أا.. قصدي يا باشا ..
, رمقه تليد هاتفاً: وقفتك و تصويبك غلط، المفروض المدرب بتاعك يعلمك مش يسيبك تتعلم لوحدك ..
, زفر عدي بضيق وهتف: وهو فين مدربي ده يا بخت وائل بيك يا باشا يا بختكم كلكم في بعض أنا طول عمري حظي زفت زي وش أهل حارتي ..
, ابتسم تليد رافعاً سيجاره لشفتيه قبل أن يقطب جبينه حالما ظهر صوت شادي الغاضب: إيه اللي بيحصل هنااا ؟! في إيه ؟؟
, رفع تليد حاجبيه بهدوء: مفيش، بنتعلم الرقص نعلمك معانا ..
, شادي بحدة: أنت إيه االي جابك هنا؟! المتدرب بتاعي متقربش منه أنت مبتفهمش ..
, هتف عدي بحدة: أنا عايز أمشي يا بيه عايز أروح لأبوياا ..
, شادي: أنت اخرررس، وتترزع هنااا أنا مش هفضل أخسر بسببك ..
, عاد يلتفت نحو تليد: و أنت.. يلا من هنا ..
, بقي تليد يرمقه بصمت، قبل أن يلتفت مبتعداً عنه بهدوء يخرج هاتفه من جيبه، ليتصل بأحدهم و يسير سامعاً للرنين من الطرف الآخر،
, هتف حالما فتح الخط: صحيتك يا باشا ؟! معلش..!
, جائه صوت حاد من الناحية الأخرى: عايز إيه ؟!
, وقف تليد متكئاً على حائط بجانبه، و عيناه انتقلت نحو عدي الذي يتشاجر مع شادي و أصواتهم تتسلل إليه ليهتف: عايز أرجع المتدرب بتاعي، وهاني باشا رافض ..
, زفر جواد من الطرف الآخر ليصيح به فجأة: أنت مصغر عقلك كده لييييه؟!
, تليد: لأما أرجعه يا أما هتسحب من التدريبات كلها و هتخسروني ..
, قطب جبينه منزلاً هاتفه عن أذنه يحدق بشاشته بدهشة بعدما أُغلق الخط بوجهه، ليعيده لجيبه بلامبالاة، رافعاً سيجاره لشفتيه يأخذ آخر نفس منه و يلقيه أرضاً بإهمال، ليسير خارج المركز بثقة و كأنه يعلم بأن مل طلبه سيُنفذ ..
, ٧ علامة الإقحام
, يومين فقط، و كان ما أراده، ليُخلف معه حقداً زاد في قلبي شادي و وائل أكثر من قبل،
, فيما طالعهم عدي بنظرات شامتة و ابتسامة ارتسمت على شفتيه، و هو يُنهي تدريباته في يومه الأول مع تليد بعد عودته متدرباً لديه، خارجاً من المركز أمام عيني وائل التي تلاحقه بغضب جامح ..
, بعد ساعات قليلة ..
, ترجل عدي من سيارة تليد يهتف به بسرعة: يعني اللي سرقلي سلاحي مسكوه يا باشا ؟!
, أومأ تليد يسير لداخل قسم الشرطة فيما خلفه يسير رجلين من رجاله يتبعانه للداخل ..
, حتى دخلا مكتب الضابط الذي رمقه عدي بحدة حالما تذكر تلك الأيام التي قضاها تحت رحمته،
, ليهتف تليد: عايزين نشوف الحرامي ..
, ابتسم عدي بتلهف والتفت لتليد الجالس على كرسي جلدي مقابل المكتب، ليُسرع و يجلس على الكرسي المقابل له يقلده ناظراً بطرف عينه للضابط باستفزاز ..
, لحظات ليدخل العسكري، ساحباً بيده وائل الذي توسعت عيناه بفزع عندما لمحهما، لينتفض عدي عن جلسته صارخاً: هو ده الحراامي ؟!
, بقي تليد هادئاً يحدق بهم، فيما هتف الضابط: أيوه هو،
, اندفع عدي نحوه يجذبه من ملابسه: أقسم ب**** كان قلبي حااااسس ما أنتوا ميطلعش منكم إلا العمايل السودا دي،
, التفت نحو تليد: ده سرقلي سلاحي وقتل الست بياعة الهوا يا باشا ..
, انتفض وائل بعيداً عنه، ليلتفت محدقاً بالضابط: أنااا مقتلتش حد ..
, عدي: كداااب، أمال أنا بس يتهموني بقتلها أنت وشك وش مجرم أساساً..
, هتف وائل بحقد: يوم ما أقتل مش هاجي أقتل شبية أمك ..
, احمرت عيني عدي بصدمة، ليرفع يده يلكمه بقوة ليصرخ الضابط بهم: بسسس أنتوا فاكرين نفسكم فين ..
, التفت وائل بحقد نحو عدي الذي مازال يرمقه بنفس العيون ليهتف الضابط: انت اللي أسمك عدي، ارجع لمكانك ..
, بقي عدي للحظات قصيرة، قبل أن يلتفت عائداً للجلوس أمام تليد الذي يراقبه بتمعن!
, ليهتف الضابط بحدة: سرقت سلاحه لييه ؟!
, بقي وائل صامتاً قبل أن ينهض تليد يقترب منه، يرمقه بنظرات صامتة وترته، ليهتف تليد: أختار تقول الحقيقة أو تتفصل من المخابرات كلها فصل نهائي ..
, توسعت عيني وائل ينفي برأسه: لااا يا باشا أرجووك حضرتك عارف إني بحبها و عندي قدرات و أنت شوفت بنفسك ..
, تليد: يبقى اتكلم ..
, ابتلع وائل ريقه و رمق عدي بحدة ليهتف بعدها بتوتر: أانا مكنتش عايز أسرقه و**** ..
, تليد: أمال أخدته تتصور معاه ؟!
, ابتلع وائل ريقه مجدداً يهتف بقلق: أا.. أنا بس كنت عايز أذله و أسيبه يدور عليه و في الآخر أقوله أنه معايا عشان أذله ويترجاني أرجعه له ..
, رفع تليد حاجبيه بصمت ليهتف وائل: بس اللي حصل أانه قال لحضرتك وأنت ساعدته بسهولة من غير عقاب، ده.. و ده غاظني يا باشا ومقدرتش بعدها أرجعه قومت بعته ..
, هتف الضابط من خلفهم: بعته؟؟ أنت مجنووون ده سلاح دولة ..
, وائل بخوف: و**** بعته لحد أسمه عبد الكريم ومن بعدها مشوفتوش ..
, التفت تليد يحدق بالضابط ليهتف الآخر: عبد الكريم ده باعه لحد تاني قدرنا نمسكه واعترف أنه هو اللي قتلها بهدف السرقة،
, ابتسم تليد بجانبية، وعاد ليجلس مكانه بصمت ليهتف الضابط: تؤمرنا بإيه يا باشا ..
, رفع تليد نظراته نحو عدي الصامت ليهتف: عايز تشتكي عليه يا عدي ؟!
, رمقه عدي بدهشة ليقطب جبينه بعدها: أقدر يا باشا ؟؟
, تليد: أيووون هو سرق سلاحك حقك تشتكي عليه، ده غير الشكوى للقائد في المخابرات، ولا إيه يا وائل ..؟!
, امتقع وجه وائل يرمقه بخوف ليهتف تليد مجدداً: أنا بقول، الأفضل نكلم المدرب بتاعك شادي بيه و هو هيتصرف ..
, زادت ابتسامة عدي الآملة والتفت يحدق بوائل الذي ظهر خوفه واضحاً على معالم وجهه، خاصة و هو يتابع تليد الذي أخرج هاتفه مكلماً شادي كما أخبره ..
, ٦ علامة الإقحام
, سار عدي بين طرقات حارته، يتمشى واضعاً يديه في سرواله بعدما أنهى وجبة الغداء المتأخر، و اطمأن على والده حيث تركه نائماً ..
, ليخرج بغية استنشاق هواء نظيف، و تبريد جسده الذي يشتعل حرارة و اختناقاً .. يسير بخطوات تارة متعجلة، و تارة أخرى بطيئة يحدق بسعادة داخلية بحذائه، حذائه الجديد و الذي اشتراه له أحد رجال تليد منذ أيام ..
, ابتسم يخبط به فوق الأرضية الترابية، و كأنه يتفحّص جودته، فللمرة الأولى يرتدي حذائاً بفخامته حتى أنه تحسر عليه من تخريبه في تدريباته و طرقات حارته ..
, تذكر لمعة عيون والده حالما رآه يرتديه لأول مرة، و محاولته لمرات عديدة سرقته منه وتجربته مُسبباً اندلاع شجار بينهم بعدما يتهمه والده بالعقوق، و هو يتهم والده بأن قدمه كالتمساح ستُوسعه له ولن يعود صالحاً للإستعمال ..!
, سار من جانب القهوة المفتوحة، حيث تسلل صوت أغنية قديمة من مذياع يعرفه جيداً فقد كان في الماضي دائم الجلوس بجانبه يُغير الأغاني على ذوقه ..
, ابتلع ريقه بقهر قلما يُخرجه، و لكن رغماً عنه يتذكر أيامه ولياليه التي قضاها في هذه القهوة، التي كانت يوماً ملكهم، و بات الآن يُطرد منها هو و الده، مكروهين حتى إن مروا بجانبها ..
, أشاح بوجهه ينظر أرضاً متابعاً سيره بشرود، مسافة قليلة حتى توقف مكانه شاعراً بشخص ما يحدق به ..
, رفع نظراته ليرفع حاجبيه بدهشة مطالعاً وقوف وائل أمامه يسد عليه الطريق، بهيئة و نظرات لا تبشر بالخير ..
, ضيق عياه بحدة، ملاحظاً ذقنه النامية بعد أيام قليلة قضاها في الحبس، متذكراً يوم قدوم شادي، و الذي ربما قد أفرغ غضبه و غيظه منهم به، كما كان يفعل عندما تدرب عنده ..
, إلا أنه كان شامتاً بوائل، ف هو من بدأ العراك معه، و هو من يبدأ دائماً، تماماً كما يبدو الآن !
, ابتسم عدي ساخراً: الحمد**** ع السلامة خرجت إيمتى ؟!
, زاد حقد عيني وائل ليهتف: حلفت إني هدفعك التمن غالي أول ما أخرج، و أنا جيت أهو ..
, طالعه عدي بنظرات مستفزة، ملاحظاً اقتراب عدة رجال منهم، ليقفوا بجانب وائل، مع أخويه التوأمين، وصبية آخرون في مقتبل العمر كلهم أولاد حارته الكارهة له ..
, ضم قبضتيه بحدة وهتف: جبان كالعادة مبتعرفش تواجه لوحدك ..
, وائل بحقد: الحيوان اللي زيك عايز تربية والكل هنا عايز يربيك مش لوحدي ..
, رمقه عدي بحدة ليهتف وائل بسخرية: تعرف شوفت إيه و أنا جوه ؟! شوفتهم ماسكين ست فكرتني ب٣ نقطة أمك ..
, التفت للرجال من حوله ليهتف بضحك: كانت لافة ملاية على جسمها، فكرتني بسهيلة هانم حسناء حارتنا ..
, تعالت ضحكات من حوله ليزيد وائل من ضحكاته العالية عمداً، حالما احمرت عيون عدي بشدة و ظهرت عروق وجهه النابضة،
, نجح في استفزازه فعلاً، كما ينجح دائماً، يعلم بطبعه الناري، و بتأثير هذا الموضوع بالذات عليه، ليراه يندفع نحوه بغية لكمه إلا أنه تلقى ركلة قاسية في معدته جعلت صوته يخرج متألماً حاداً ..
, تنفس عدي يعتدل بوقفته ليصرخ وائل: ربووه يا شبااااب..
, اندفع جميعم نحوه في وقت واحد، لتثور ثائرة عدي محاولاً ضربهم جميعاً بأيدي و أقدام تتحرك بعشوائية، لا يهمه ماذا يضرب أو أين و من يضرب، المهم فقط أن يُخرج حقده و غيظه و ثورته التي كانت في أوجها ..
, احتدم الشجار بينهم، و تجمع عدد قليل من أهل الحارة يراقبون ما يحدث بعيون معتادة، إلا أن وجود عدي في الشجار يجعلها متحمسة شامتة!
, سقط عدي أرضاً بوجه مكدوم يحيط معدته بقوة يبصق الدماء مع سعاله الحاد، ليضحك وائل يلهث مقترباً منه: فاكر نفسك راجل هتتغلب علينا كلنا ؟؟
, أغمض عدي عيناه بدموع تجمعت بها من شدة الألم و القهر، ليهتف وائل بوجه تحول لحقد خالص: أنا حلفت إني هذلك، هندمك و أدفعك التمن على كل ساعة قضيتها في الحبس بسببك ..
, تمتم عدي بتقطع: أانت السبب، حقدك وقذارتك هي.. السبب ..
, هز وائل رأسه بابتسامة حاقدة: دلوقتي هوريك قذارتي وحقدي كويس ..
, أنهى كلامه بركلة وجهها نحو وجهه ليصرخ عدي ألماً وتخرج دمعة منه اختلطت مع دمائه النازفة بغزارة،
, التفت وائل نحو أخوته التوأم ليهتف بابتسامة: قولتولي أنكم هتاخدولي حقي منه وروني ..
, تحمس أخوته الصبية مع أصدقائهم الآخرين، ليقتربوا منه سريعاً وسط ضعف عدي رغم محاولته المقاومة قدر استطاعته،
, ليجثو أحدهم فوقه بضحك بتوعد: إيه رأيك يا وائل يبقى شبيه أمه ..؟!
, ضحك توأمه يمد يده يساعد أخاه ليخرج صوت تقطع حاد، حالما شقوا أزرار قميصه القديم ليشقوا بعدها بمساعدة رفاقهم قميصه الداخلي الشبه مهترئ، و الذي مُزق سريعاً بين أصابعهم المتسلية ..
, تعالت ضحكات التوأم، ليُخرج أحدهم هاتفه ويبدأ بتصويره، فيما وقف وائل يرمقه بحقد
, و شراسة شامتة ..
, انتفض عدي يدفعهم من فوقه بغضب زاده قوة للحظات، و هو يشعر بأيديهم تمتد لسرواله، تحت هتافات من حولهم المتزايدة و ضحكات بدأت تتزايد أكثر، ليقع أحدهم أرضاً مسبباً غضب وائل الذي سرعان ما اندفع نحوه يلكمه بقوة ..
, تفادى عدي إحدى لكماته، وركله بحقد يُسقطه أرضاً بهياج أخافهم، اندفع فوقه يمد قبضتيه، يقبض على عنقه بقوة جحظت لها أعين وائل بصدمة واضحة ..
, هتف عدي بعيون دامعة حاقدة من ذل يوقعوه عليه بكلماتهم و أفعالهم: أانا همووتك، هموووتكم كلكمم يا شرفاااء هموتكم كلكم ياللي بعمركم ما غلطوش يا ولاد الأصل والنااس..
, حاول وائل الصراخ به بوجه مختنق، فيما عدي رفع يده يلكمه بقسوة و عيون شاردة حاقدة لا يستمع لشيء من حوله برغم هتافات غاضبة به، وجسده لا يتزحزح من فوقه برغم الأيادي الكثيرة التي تحاول إبعاده،
, ليلكمه مرة أخرى بقوة تكاد تكسر أنفه، فيما وائل يتخبط من أسفله، حتى حطت عينا عدي على حجر متوسط الحجم قرب رأس وائل، لتحتد عيناه وتلمعان بوميض حاقد، وتتغير النظرات بها لأخرى أكثر قسوة و وحشية،
, و كأنهم بأفعالهم و كلماتهم تلك يُخرجون الوحش من قمقمه، وحش لطالما دفنه، أو أنه الآن قد فقد السيطرة عليه كما كان يفعل في مرة ..
, ليمد يده بارتجاف، يُمسك الحجر بين أصابعه بقوة، فتتوسع عيني وائل بجحوظ حالما رآه يرفع الحجر عالياً ويهوي به على رأسه بحقد و انتقام..!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
السادس


توقفت يده في الهواء شاعراً بقبضة قاسية تضغط على معصمها بقوة آلمته، ليُعيده ألمه ذاك لواقعه، و يبدأ بالإستماع لأصوات الصراخ الفزعة من حوله،
, بدأ يشعر بصدره النابض بسرعة رهيبة، و عيونه الدامعة، بدموع حارة توخزه بحرقتها، ليشعر على نفسه و ما كاد يُقدم عليه بلحظة غضب أعمى ..
, فزع مرخياً الحجر من يده ليسقط مرتطماً بجانب صدر وائل الذي أغمض عيناه شاهقاً بقوة و ارتجاف واضح، و كأنه لم يكن ذاك المتنمر الشامت قبل دقائق،
, و كأن للحظات الموت رهبة تُخيف أعتى الرجال، مهما كانت شخصياتهم و قساوتهم ..
, سحب يده بعنف ممن يُمسكها، و تراجع مبتعداً عن وائل ينهض من فوقه بصدر عاري إلا من بقايا قطع قميصه الداخلي و الذي بدأ يُبعدها عنه و يقذفها أرضاً بحدة،
, عيناه تُطالع أخوي وائل التوأمين، الذين هرولا نحوه يُساعدانه على النهوض يطمئنان عليه بعيون مذعورة بعدما كانا على وشك خسارته!
, عيناه دمعتا أكثر من قبل، و ظهر لمعان الدموع بها واضحاً و هو يتراجع للخلف بأقدام متعثرة، ابتلع ريقه الجاف يستمع لشتائم بعضهم عليه، ليمد يداه يبعدهم عن طريقه فيما هم يتدافعون لرؤية ما حصل، و عيونهم تنتقل بين وائل و عدي الهارب و بين الشخص الغريب الذي أوقف عدي عما كان يفعله ..
, ليرفع وائل نظراته المرتجفة و قد توسعت عيناه بقلق و صدمة، من وقوف تليد أمامه ببدلته السوداء الرسمية، و عيناه الغامضتان و اللتان تخلتا عن هدوئهما أمام ماكان يحدث،
, تجاهله تليد يستدير بخطوات هادئة، لاحقاً بعدي، و الذي لم يكن قد ابتعد سوى أمتار قليلة، بجسد يسير بترنح و تعثر خطى يكاد يُسقطه أرضاً في أية لحظة،
, فيما عرق جبينه يختلط مع دمائه النازفة ليزيده تعباً و إرهاقاً ..
, تكلم تليد يسير من جانبه: تعالا معايا..
, رفع عدي نظراته نحو صوته فجأة، و كأنه صُددمم من وجوده هو الآخر غير مدرك بأنه هو من أعاده لرشده، ليبتلع ريقه يسير خلفه و ذراعه يرتفع ليمسح بمرفقه عرق جبينه، ماسحاً دمائه بعشوائية و حركات عصبية فيما رجفة جسده من الغضب لم تختفِ بعد،
, صعد تليد سيارته التي ركنها قريبة من منزل عدي، ليصعد عدي هو الآخر بجانبه كالمُغيب، و كأنه نسي بأن منزله كان قريباً جداً، أو أنه لم ينتبه له في غمرة شرود و قهره، أو أنه يريد أي شيء ليُبعده عن هذا المكان بمن فيه ..
, تحركت السيارة بهم و سارت بين الطرقات الوعرة، حتى ابتعدت أخيراً عن الحارة ليستوي الطريق أمامهم و تتزاحم السيارات من حولهم، فيما عدي صامت تماماً بأنفاس مسموعة، يمسح وجهه بأكوام من المناديل بعدما قرب تليد العلبة منه،
, ليأخذ كل ثانية عدة مناديل، يمسح وجهه ويديه و يلقيها في أرضية السيارة بإهمال ربما كان غير مقصود ..
, توقف تليد على جانب الطريق يرمق عدي بطرف عينه، و الذي مع كل ثانية كانت حدته تزداد أكثر، حركاته العصبية تزداد قوة و هو يمسح وجهه بعنف يكاد يمزق جلده المتورم،
, حتى عيناه لم تسلما مما يفعله،
, في محاولة منه لإيقاف دموعه التي تراكمت داخلها بغزارة ..
, إلا أنه قد فشل في ذلك، ليرتفع صدره بنفس خرج كشهقة خافتة و يمد يده يفتح باب السيارة بعنف، يترجل منها ليلتفت نحو الرصيف القريب يُلقي بجسده فوقه و تبدأ وصلة بكائه الغير إرادي!
, كان صوته خافتاً في البداية، حتى بدأ بعدها بالتزايد، و كأن أول قطرة دموع صغيرة، قد جرّت خلفها العشرات و المئات، و أول شهقة خافتة قد خلّفت ورائها شهقات قوية مؤلمة بصدر مُنهك و أنفاس مُضطربة ..
, التفت تليد نحو النافذة بجانبه، ليمد رأسه يطل منه بخفة، يطالعه بهدوء بجلسته المتشردة على قارعة الرصيف، صدر عاري، وجه مكدوم بدموع تبلله بغزارة، مع شعر منكوش و بنطال واسع قديم،
, فقط حذائه.. وحده من كان يكسر لوحة البؤس و الفقر تلك، و قد كان يبدو جديداً قوياً بالرغم من كمية الغبار التي ملأته !
, بائس كان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أو ربما كلمة بؤس لم تكن لتُناسبه لو أن قهر داخله يظهر للعيان، إنهياره الداخلي، ذله، مهانته، وحزنه العميق ..!
, تنهد تليد بعد دقائق عديدة، يفتح الباب بجانبه ليترجل هو الآخر من السيارة تاركاً الباب مفتوحاً و يتقدم ليجلس بجانب عدي يحدق به بنظرات هادئة،
, فيما الآخر كان مايزال يحاول تسكين دموعه إلا أنه لم يقدر،
, بقي تليد صامتاً، ويده مدت نحو عدي علبة المناديل التي أحضرها معه، ليأخدها عدي بلا شعور يضعها بين أحضانه بلا أية كلمة ..
, فيما نظرات تليد تلاحقه بصمت تام هو الآخر، وكأنه لا يجد ما يقوله أو يواسي به ..
, عدة دقائق أخرى، كادت قوى عدي أن تُنهك من كثرة بكائه و نشيجه، و كومة من المحارم الورقية مرمية حوله بعد استعمالها، ليلتفت أخيراً بطرف عينه يلمح نظرات تليد المثبتة عليه بغرابة ..!
, طالعه للحظات بصمت، قبل أن يشيح بوجهه عنه متابعاً بكائه، ليعود بعد دقيقة يحدق به ملاحظاً هدوء تليد وتسمّره على نفس النظرات والصمت ذاك ..
, ابتلع عدي ريقه يرمقه بتوجس، فيما الآخر يطالعه بهدوء، و هدوئه ذاك أخافه، ليتحرك جسده يبتعد عنه قليلاً بحذر و قلق أنساه للحظة البكاء!
, عاد يبتلع ريقه بعد لحظات ماسحاً للمرة التي لايعلم عددها دموعه و دمائه، ثم التفت نحو تليد الهادئ هاتفاً بصوت مبحوح متحشرج: في إييه ؟!
, رمش تليد بعينيه و التفت ينظر نحو الشارع ليعود ويحدق به بتأمل: خلصت ؟!
, عدي: إيه ؟!
, تليد: عياط ..
, قطب عدي جبينه، ورفع يده يتحسس كدماته المؤلمة ليهتف: و أنت كنت مستني أخلص ..؟
,
, أومأ تليد بهدوء: أه أصلي مش بعرف واسي ..
, احتدت عيني عدي سريعاً: و أنت كنت بتواسيني و أنت بتبصلي كده ؟؟
, رمقه تليد بصمت للحظة، قبل أن يمد يدع في جيبه مخرجاً سيجاره الفاخر، يضعه بين شفتيه ليُشعله بادئاً بنفث الدخان بروية ..
, مسح عدي أنفه متنشّقاً في المنديل بصوت عالي، ثم قذف به أمامه يُلحقه بالآخرون، ليهتف بحقد: كلاب.. كلهم، كلهم كلاااب دون استثناااء ..
, تمتم تليد نافثاً الدخان، و عيناه تحدق في السيارات المارة أمامه: أهل حارتك !؟
, أومأ عدي بعيون محمرة كارهة، لتتغير فجأة لمقهورة دامعة و هو يهتف: فاكرين نفسهم شرفاء مكة مش بيغلطوا وهما كل أغلاط الدنيا فيهم، الراجل منهم متجوز على مراته تلاتة ومصاحب عشرين، ده حتى نسوانهم كلاب كل واحدة فيهم بتتكلم ع التانية في ضهرها وفي وشها بتبقى زي الملاك، محدش فيهم بيطيق التاني بس بيمثّلوا على بعض،
, ضم قبضته فوق ركبتيه بقوة فيما الأخرى ارتفعت ضارباً صدره العاري، ليهتف بحقد: كلهم منافقين، أبويا الوحيد اللي كان كويس فيهم، هو الوحيد اللي كان شريف وطيب، الوحيد و****.. عشان كده مرضوش يفضل كده، عايزينه يبقى زيهم، كرهوه عشان كان نضيف بعكسهم،
, أخفض قبضته يمسح أنفه بمرفقه هاتفاً بحدة: أنا لو معايا فلوس كنت سيبت الحارة دي من زمان، بس أبويا.. أبويا بيحبها.. دي حارة أبوه و أهله، فاكر نفسه هيتسجّل في التاريخ أنه سار على خطى أجداده و حافظ على أرضه و بيته، أبويا طيب و على نياته وهما بيستغلوا ده بيستغلوه جامد،
, دمعت عيناه بحدة ليهتف تليد بهدوء: أنت بيقلولك عدوى ليه؟!
, احتدت عيني عدي بغضب، و التفت نحوه بتهديد ليرفع تليد حاجبيه بهدوء مستنكر، قبل أن يشيح عدي بوجهه عنه يضم قبضتيه فوق ركبتيه بشدة ليصيح فجأة: لأنهم كلاااااب، كلهم كلاااب ..
, عاد يلتفت نحوه بغضب: و **** يا باشا أنا علطول بسأل نفسي هما يأجوح و مأجوج هيطلعوا يعملوا إيه بقا ما أهل حارتي قاموا بالواجب وزيادة ..
, ابتسم تليد يطالعه بصمت ليهز عدي رأسه بتأكيد: ده حتى المسيح الدجال ما هناخد في إيده ساعتين أقسم ب****، أساساً أهل حارتي بيجهّزوله من دلوقتي ..
, زادت ابتسامة تليد أكثر، برغم القهر و الجدية التي يتكلم بها عدي، و الذي نهض منفعلاً هاتفاً: أنا لازم أرجع، أبويا لوحده ..
, قذف تليد السيجار من يده بإهمال، و نهض يحدق بعدي للحظات قصيرة صامتة، قبل أن يخلع سترته بشكل مفاجئ يمدها له: خد أستر نفسك ..
, قطب عدي جبينه بعدم فهم و أخفض نظراته لنفسه، لتتوسع عيناه فجأة بصدمة شاهقاً يُغطي صدره بذراعيه بشكل مُضحك جعل ابتسامة تليد الجانبية تظهر،
, ليهتف عدي ساحباً السترة منه يتفحصها بعيون مُعجبة: شوفت يا باشا قولتلك حتى الستر ده مش طايله، شكراً يا باشا **** يستر عليك ..
, تركه تليد يدخل السيارة في مكانه، ليرتدي عدي السترة و التي أبقاها مفتوحة فيما تسللت لأنفه المعبق برائحة الدماء، رائحة عطر فاخر قادمة منها ..
, صعد بجانبه يهتف ناظراً لقميص تليد: أنت يا باشا مش حران بتلبس كده ليه، هي الشياكة عندكم متنفعش غير كده ؟!
, طالعه تليد بطرف عينه ثم تجاهله يدير محرك السيارة لينطلق بها، فيما تحسس عدي السترة هاتفاً بجدية: شكراً يا باشا أنا هغسلها وهرجعهالك بكرا ..
, تليد: بلاش، سيبها عندك ..
, رمش عدي بعينيه بحذر، ليعود ويحدق بالسترة بابتسامة شاردة، قبل أن يتنبه هاتفاً: هو أنت يا باشا جيت هنا ليه ؟!
, عقد تليد حاجبيه بهدوء ليهتف: رنيتلك و أنت مرديتش قولت أعمل مشوار لعندك و أتسلا ..
, توسعت عيني عي فجأة، وقفز عن جلسته يبحث في جيوبه ليصرخ: تلفووني، مش معااايا ..
, التفت تليد نحوه بصمت ليهتف عدي: معلش يا باشا خدنا لموقع الحادثة أكيد وقع مني، أنا خايف يكون اتسرق ..
, تنهد تليد بصمت، و زاد من سرعة سيارته بشكل مفاجئ فيما بقي عدي بجانبه يجلس بتحفز و يده موضوعة على مقبض الباب يكاد يفتحه في أية لحظة ..
, ما إن لاح لهم مكان الحادثة، حتى فتح عدي الباب قبل حتى أن تقف السيارة و قفز منها يهرول في المكان بقلق ظهر على ملامحه، متجاهلاً نظرات الناس من حوله،
, ليوقف تليد السيارة، و يبقى جالساً بها يطالعه من خلف زجاجها الأمامي، رآه ينحني كل لحظة ليعود و يعتدل بحدة، قبل أن ينحني لمرة أخيرة يجذب شيئاً أسوداً عن الأرضية المحفّرة، يطالعه بين يديه و قد شحُب وجهه بشكل واضح ..
, طالعه و هو يقف على هيئته تلك لعدة لحظات، قبل أن يرفع يده يضغط بوق السيارة لينبهه، لينتفض عدي من مكانه بعيون لامعة يسير نحوه ليصعد السيارة بجانبه مجدداً بصمت غريب ..
, رمقه تليد بتعجب، ليُخفض عيناه نحو مابيده، ليرى هاتفاً أسوداً قديماً بحجم صغير، بالكاد ميز بأنه هاتفاً، من شاشته المكسورة، غطاءه المخلوع، و هيئته التي تبدو غير صالحة للإستعمال بعد الآن ..
, استمع فجأة لشهقة عدي و كأنه عاد لبكائه ليرمقه عدي يهتف رافعاً هاتفه في يده: بص يا باشا عملوا فيه إاايه؟!
, رفع يده يمسح عيناه قبل أن تنهمر الدموع منها ليهتف بصوت باكي: مكانش معايا غيره ده أنا حتى نقصت عن نفسي وجبته، هو حتى مفيهوش كاميرا عشان أتصور بيها زي الخلق، شوفت أنهم كلاااب مش عايزيني أكون أفضل منهم ..
, رمقه تليد بطرف عينه بصمت، ليدير محرك السيارة بعدما ارتفع صدره بنفس عميق، و سار باتجاه منزل عدي الذي حافظ على صمته بعد كلماته الشاكية تلك ..
, هتف عدي حالما توقف تليد أمام منزله: أتفضل يا باشا أشربك قهوة و**** مينفعش كده ..
, رمقه تليد بهدوء: كنت بكلمك عشان أسبوع الجاي تدريب ميداني، ممكن نطلع بمهمات، و أنت لازم تبقى مستعد ..
, قطب عدي جبينه بحذر ليهتف تليد: لازم نزيد التدريبات، لو مش في المركز، في مكان تاني ..
, لاحظ التذمر على وجه عدي ليهتف به: خلاص خلي وائل يشمت فيك و..
, قاطعه عدي بحدة: مواافق يا باشا هتدرب في أي حتة إن شاء **** يكون في الحماام أنا موااافق ..
, ابتسم تليد بصمت ليهتف عدي: أنزل أشرب قهوة يا باشا ..
, طالعه تليد بتفكير ليهتف عدي: ب**** عليك أنزل خليهم يشوفوك عندي ثم إني عايز أشكرك ..
, التفت عدي ليترجل من السيارة سريعاً يحثه على النزول، ليلحقه تليد بخطوات هادئة، حتى فتح عدي بابا المنزل و صرخ بحماس: يابااا يا مسعد أنت فييين تعالا شوف مين جه يزورناااا ..
, راقبه تليد يسير في أرجاء المنزل الصغير بحماس بالغ، و كأنه الزائر الوحيد الذي يأتيهم، و قد كان ذلك حقاً!!
, ليُلاحظ بعدها خروج رجل متوسط في العمر، ظهره منحني قليلاً و وجهه رغم تعب ملامحه قد كان بشوشاً بسماعه لصوت ولده الفرح،
, اندفع عدي نحو والده: بص ياباااا بص أحزر مين ده ؟!
, وقف مسعد رافعاً رأسه محدقاً بتليد بعيونه الصغيرة المستديرة، يُضيقها بقوة و كأنه يتمعنه، ليهتف مكلماً عدي: بسم **** ما شاء **** ياما كان نفسي يكون أبني جميل كده ..
, هتف عدي بغيظ: يابا أحزر مين ده ..؟
, مسعد بدهشة: هو ده حد نعرفه ياض يا عدي ؟!
, عدي: أيوون يابا أنا بكلمك عنه دايماً ..
, ابتسم مسعد فجأة بعد تفكير قصير ليهتف: عرفته، ياااه و أخيراً شوفته ..
, ابتسم عدي بسعادة ينظر لتليد: أنا بحكيله عنك دايماً وبشكر فيك مش كده يابا ؟!
, اقترب مسعد من تليد، يجذب ذراعه ليُجلسه على أريكة قديمة قريبة منهم: متصدقش عدي ده كداب، كل يوم يرجع ويشتمك جامد ..
, اختفت ابتسامة عدي بصدمة، والتفت يحدق بتليد الذي يُبادله النظرات هو الآخر، ليجلس مسعد على كرسي قريباً من تليد: بس برضو هو بيحبك يعني الشتيمة على قد المحبة يا مسترر..
, هتف عدي باستنكار: مستر إيه يابا إيه ده ؟!
, التفت مسعد نحوه بدهشة: **** مش ده مستر الرياضيات بتاعك اللي بتكرهه ياض، أنت بتحكيلي عنه دايماً ..
, زفر عدي يرمقه بحدة، فيما عقد تليد حاجبيه بعدم فهم، فيهتف عدي: لا يابا ده تليد باشا المدرب بتاعي في المخابرااات اللي هبقى هيبة زيه ..
, شهق مسعد يلتفت نحو تليد بصدمة، و هتف بسعادة بالغة: أنت تليد اللي جبتله لأبني شوز جميل؟! بص يا بني هو بيلبسه لوحده ومش بيخليني أمد إيدي عليه العاق ده ..
, عدي: يابا قوم اعملنا قهوة من تحت إيدك يابا نتبارك بيها عشان تليد باشا ..
, هتف مسعد يلتفت نحوه: قهوة مفيش، فيه شاي ..
, التفت عدي نحو تليد و كأنه يأخذ رأيه ليبتسم تليد: أوك ..
, عادت ابتسامة عدي تتوسع ليهتف: قوم يا مسعد اعملنا شاي ..
, نهض مسعد عن مقعده سريعاً، ليقف مقطباً جبينه ينظر لهيئة عدي، بوجهه المكدوم رغم ابتسامته الفرحة، صدره العاري و قد ظهرت آثار الكدمات على معدته، و سترته الأنيقة الفاخرة التي يفتحها ..
, هتف بقلق: مالك يابني مين اللي عامل فيك كده ؟!
, ابتسم عدي: ماتقلقش يابا أبنك سبع محدش قدر يتغلب عليا، هحكيلك كل حاجة بعدين ..
, أومأ مسعد يتفحصه بعينيه الصغيرتين، قبل أن يُمسك طرف سترته: و ده إيه إن شاء **** أنت بقيت بتشتري هدوم من ورايا ..؟!
, تحمحم عدي ليهمس بحرج: يابا هقولك كل حاجة بعدين مش قدام الباشا ..
, أومأ مسعد برأسه بشك: أوك، بس خش البس حاجة بدل ما أنت عامل زي محمد رمضان في نفسك كده ..
, زفر عدي بحدة ليهتف فجأة: أنت جبت أوك منين يابا هو أنت تعرف معناها إيه أساساً ..؟!
, ابتسم مسعد بفخر والتفت لتليد الذي يتابعهم بصمت ليهتف: الواد ده قالها طلعت حلوة منه وعجبتني، أنا عارف معناها أنا مش جاهل، أوك يعني حسناً ..
, توسعت ابتسامة تليد يهز رأسه بإعجاب لتزداد ابتسامة مسعد رافعاً رأسه بفخر رامقاً أبنه: مش كل اللي مدخلوش مدارس جاهلين ياض، أنا الحياة علمتني ..
, هتف تليد فجأة: تعالا يا مسعد أقعد جنبي وخلي أبنك يعمل شاي ..
, التفت عدي نحوه بدهشة، فيما ابتسم مسعد يتجه نحوه سريعاً، ليجلس على كرسي قريب منه يطالعهم عدي بنظرات صامتة حتى استدار أخيراً يتجه نحو المطبخ الصغير فيما أصواتهم تصل لمسامعه تجعله يبتسم بألم لفرحة والده مع شخص يُحدثه و يسليه بدون أن يستغله و يسخر منه ..
, عاد بعد لحظات بصينية عليها أكواب شاي ساخن، وضعها أمامهم ليمد تليد يده يجذب أحدها يُقدمه لمسعد: خد يا مسعد دوق عمايل أبنك ..
, ابتسم مسعد و هتف: و**** أنا بحب أي حاجة عدي بيعملها ده أبني وحيدي ..
, ابتسم عدي بصمت ليرمقهم تليد بعيون متمعنة، فيما هتف يأخذ كوبه الخاص: كمل يا مسعد، القهوة ضاعت منك إزاي ؟!
, عدي: يابا بلاش يابا خلاص ..
, مسعد: أنت بتسكتني ليييه؟! أنا عايز أتكلم ..
, تليد: سيبه يتكلم ياعاق ..!
, مسعد: شوفت يا مستر قصدي يا تليد أنه عاق زي مابقولك ..
, أومأ تليد برأسه ليهتف مسعد بلهفة: هكملّك، أخدوها مني ضحكوا عليا بصّموني على حاجات أنا معرفهاش، أنا يابني مش بعرف أقرأ ولا أكتب، أنا بس بكتب أسم أبويا و أسمي و أسم أمي و أسم عدي حبيبي ..
, ابتسم تليد يهز رأسه وهتف: أنت شاطر أوي يا مسعد ..
, ابتسم مسعد يضع قدماً فوق الأخرى بفخر ليقول بعدها بحزن: بس شطارتي دي ضاعت مني يابني وهما بيسرقوا القهوة منهم لله، دي كانت قهوة جدي، و جدي ورثها لأبويا، و أبويا ورثهالي، و أنا كنت هورثها لعدي أبني لكن.. الزمن غدار يابني معلش يا عدي قدرك كده ..
, عدي: متزعلش نفسك يابا أنا هرجعهالك و**** وترجع المعلم مسعد الكبير اللي الكل بيكرهه ..
, رمقه تليد بدهشة ليهتف عدي بحنق: ما هما من قبل ولا دلوقتي بالحالتين محدش كان بيحبه ..
, مسعد: عندك حق يابني عندك حق ..
, نقل تليد عيناه في المكان حوله بهدوء، رامقاً الجدران المتشققة، بدهان قديم تهالك عنها لتظهر طبقة الإسمنت من أسفلها، ثلاثة أرائك قديمة فقط، و طاولة خشبية صغيرة حيث وُضعت عليها صينية الشاي، باب المطبخ مخلوع لا باب له على مايبدو، و الرواق المُفضي إلى الغرف لا يتعدى الأمتار القليلة ..
, تنهد ينقل نظراته مجدداً نحو مسعد، الرجل البشوش ظاهرياً، و لكن في كلامه شكوى و ألماً ظاهراً لما قاساه و مازال، و خوفاً على مستقبل ولده بعدما خلّف له قهوة مسروقة، و حقداً في قلوب الجميع ..!
, ٩ علامة الإقحام
, بعد أيام ..
, وقف عدي بجانب تليد، و بجانبهم وقفت مجموعة أخرى من المدربين و المتدربين خاصتهم،
, بعد خروجهم في أول مهمة ميدانية،
, قُسموا لعدة مجموعات، و كل واحدة منهم بمهمة مختلفة عن الأخرى ..
, ليزفر عدي بحنق ناظراً لشادي و وائل بجانبه ليلتفت نحو تليد: هو أنا حظي دايماً بيبقى مع وائل ليه؟!
, تليد: أعمل نفسك مش شايفه ..
, التفت عدي نحو وائل الذي يبادله هو الآخر بنظرات حادة، ليرمقه عدي بلامبالاة و يشيح بوجهه عنه و كأنه لا يراه فعلاً .. متذكراً اليوم الموالي لشجارهم في الحارة، عندما استمع صدفة لصراخ شادي به متهماً إياه بالضعف و الخنوع، بسبب وجهه المكدوم و أنه لم يستطع الدفاع عن نفسه ..
, وللحظة.. كره نفسه في ذلك الوقت، لأنه تعاطف قليلاً.. قليلاً فقط مع وائل و الذي كان صامتاً بحنق أمام مدربه شادي الحاد ..
, ليتنهد مخرجاً نفسه من شروده، و يلتفت نحو تليد يهز رأسه: و**** المدرب الطيب زيك رزق ..
, ابتسم تليد بجانبية ليهتف عدي: هو إحنا هنعمل بيه هنراقب بس ؟!
, هتف مشرف عليهم من الخلف، يتحدث بالنيابة عن المدربين: المكان ده مكان لتجمع عصابات بتتعامل وبتاجر بالممنوعات، طبعاً مهمتنا مش القضاء عليهم عشان دول شبكة مع بعض و في حال مسكناهم هنفقد بسهولة طرف الخيط، أصل الباقي هيهربوا ويخفوا نفسهم كالعادة ..
, هنا بتتعلموا بس أهمية الوقت، بالدقيقة والثانية، كله لازم يتسجل عندكم قبل كل مهمة، مش لازم على ورق، الأهم تتعلموا تخلوا دماغكم منتبه وتسجلوا فيه كل حاجة أو حركة غريبة ..
, المنظار في إيد كل مدرب منكم، هيعلموكم تستخدموه كويس ..
, ابتسم عدي بلهفة يلتفت ليد تليد التي تحمل منظاراً أسود اللون، ليرفعه تليد يمسكه بكلتا يديه، يضعه أمامه عينيه بصمت أمام عيون عدي المتلهفة ..
, تابع المشرف كلامه: الحتة اللي إحنا فيها مدروسة بدقة، بتشرف عليهم بس هما مش قادرين يشوفونا ودي نقطة ضعف و ثغرة عندهم نقدر إحنا نستغلها لصالحنا..
, أومأ عدي برأسه بفخر، و قد كان مقرراً منذ أيام أن يحاول التعلم حتى أبسط الأشياء ليهتف بحماس: أنا هرفع راسك يا باشا و هتشوف ..
, تمتم تليد مخفضاً المنظار عن عينيه: بلاش الكلمة دي بالذات..
, عبست ملامح عدي و هتف: عندك حق يا باشا بس المرة دي غير و هتشوف ..
, هز تليد كتفيه، ومد المنظار له ليمسكه عدي بلهفة كادت توقعه أرضاً فيما اقترب تليد يعدل من إمساكه له ليهتف عدي بذهول متفاجئ: بص يا باشا شوفت الرجالة و السلاااح االي معاهم ..!؟
, مد تليد يده ليهتف: من هنا بتقرب الصورة و بتبعد، ده ليه قياسات ..
, توسعت ابتسامة عدي ينقل المنظار في كافة الجهات، ليُوجهه نحو وائل و يضحك بسخرية من شكله عن قرب، ثم رفعه للسماء ليهتف فجأة: أنا شايف القمر يا باشااا بس لسا مضلم ..
, رفع تليد حاجبيه باستنكار ليهتف بعدها: أنا أول مرة بستخدمه شوفت المشتري ..
, عدي: واااه بجد يا باشااا أوعي يكون اللي أنا شايفه ده هو المشتري برضو ؟!
, هتف المشرف من خلفهم: عدي.. أنت بتراقب مييين فوق؟!
, أنزل عدي المنظار سريعاً وهتف: مش ممكن يطلعوا فوقنا بطائرات بدون طيار ..؟!
, رمقه المشرف بنظرات حادة ساخرة، و التفت لتليد: أبقى خلي بالك مش عايزين أخطاء ..
, رمقه تليد بصمت جعل المشرف يشيح بوجهه عنه متراجعاً للخلف، و تزداد ابتسامة عدي أكثر يراقبه بفرح و كأنه يرى نفسه يوماً ما سيصبح مثله ..!
, طالت الدقائق بهم، حتى ابتعد عدي عن تليد عدة أمتار، رافعاً المنظار لعينيه يراقب ما يحدث عن بعد، ليلمح فجأة إحدى سياراتهم تقترب من أحد الأبواب، حيث تجمع عدد من الرجال المسلحون يحيطونها ..
, ليقطب جبينه مضيقاً عينيه ويتمسك بالمنظار أكثر حتى لمح من بينهم، ظهور شخص يبدو ذو أهمية، لتتوسع عيناه بدهشة حالما أدرك بأن الشخص ذاك هو امرأة ..!
, دق قلبه بلهفة وكاد يهتف بتليد بأنه وجد امرأة بين الرجال، إلا أن شيئاً ما ألجم لسانه، و زاد دقات قلبه حالما حطت عيناه على هيئتها المألوفة!!
, مشيتها..! مشيتها فقط ذكّرته بشيء عفى عليه الزمن،
, حيث كان طفلاً صغيراً لا يتعدى عمره الثامنة، يتمسك بثوب و الدته و يسير بجانبها بخطوات صغيرة، يبتسم بتوسع عندما يلمح نظرات الإعجاب ممن يمرون من جانبهم ..
, لم يُدرك و هو في عمره الصغير آنذاك، بأن فرحته البريئة لإعجاب الجميع بأمه.. كانت يجب أن تكون غضباً وغيرة عمياء ..
, لم يُدرك و هو يستمع ***** الحي بفخر، بأن أهاليهم يُمجدون بجمال وجسد وخصلات والدته، و أن أمهاتهم يغرن منها و يشتمنها، ليركض مهرولاً ضاحكاً بفرح يُخبر والدته بأن نسوة الحي يغارون منها و من جمالها الفاتن و كانت والدته تبتسم له،
, تلوح بخصلاتها بفخر، و ترتدي بعدها أجمل ملابسها و أحلاها، لتخرج من المنزل وتبدأ بالسير بطريقتها المتغنجة ببطء تام تجذب أكبر كمية من العيون الجائعة، فيما يهرول هو خلفها حافياً ناسياً ارتداء حذائه من شدة لهفته لرؤية نظرات الإعجاب و الحسد في عيون رفاقه في الحي، يُقبالهم هو بابتسامة واسعة و لمعة عيون مفتخرة فرِحة ..
, تحولت الآن، و بعد سنوات تلك الإبتسامة لدمعة قهر حارقة، و ذلك الفخر لخزي هائل مع مهانة تكسر ظهره و عيناه ..!
, مهانة هاجمته الآن بشراسة زادت من نبض قلبه، جعلته يبتلع ريقه بصدمة و يرتفع صدره بتحفز بعدما تأكد من هويتها،
, تلك المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال.. قد كانت والدته!!
, والدته التي رغم غيابها عنه لسنين، إلا أن هيئتها تلك لن يستطيع نسيانها، مشيتها تلك التي كان يعجب بها في صغره، لم تفارق خياله يوماً أبداً ..
, قشعريرة باردة سرت في جسده كاملاً، يبتلع ريقه مخفضاً المنظار ببطء، و خطواته تبتعد بشرود عنهم، وشروده مع بطئه ذلك لم ينبه أحد على ابتعاده،
, و سرعان ما أوصله شروده لسيارة خاصة بهم، رمقها بنظرات عميقة ليسرع نحوها بخطوات متعجلة، استقلها رافعاً المنظار يحاول استراق النظر ليرى السيارة التي دخلتها تلك المرأة تسير مبتعدة عن المكان ..
, ألقى المنظار جانباً و أدار محرك السيارة لينطلق بها بقوة مصدرة موجة غبار نبهت الجميع عليه، ليهتف المشرف: تليد باشاا المتدرب بتاعك فين ؟؟
, عقد تليد حاجبيه ليهتف وائل: ده سرق العربية؟!
, عيون الجميع طالعت تلك السيارة، التي ابتعدت عنهم، ليهتف أحدهم بعد لحظات: يا جماعة ده باين بيلحق العربية اللي طلعت من عندهم ..
, تعالت هتافات الإستنكار و القلق من حولهم، فيما قطب تليد جبينه بتفكير هادئ رغم قلق داخله،
, ليُخرج هاتفه من جيبه مكلماً أحد رجاله: أقطعوا الطريق على عربية عدي بسرعة ..
, أغلق بوجهه، و سار باتجاه إحدى السيارات الأخرى، ينطلق بها لاحقاً به بأقصى سرعته، ليلمح سيارة عدي عن بعد تنهب الأرض نهباً خلف السيارة الأخرى ..
, ليقطب جبينه بحدة شاتماً غبائه و الذي سيودي به للهلاك ..
, زاد عدي من سرعة سيارته بغضب، بحقد، وقهر غيّبه عن واقعه، ليُعيده لسنوات ماضية، سنوات كان بها أعمى، مذلول و مازال حتى الآن ..
, توسعت عيناه بصدمة حالما لمح تباطؤ السيارة أمامه، حتى تخطاها هو بلا شعور، ليراها عبر المرآة تعود لتنطلق لاحقة به بسرعة، لتسير من جانبه وتحتك به بقوة جعلت عيناه تتوسعان يلتفت نحوها و لكنه لم يستطع رؤية شيء من زجاجها العاتم!
, حاول تجنب ضرباتهم له، و احتكاك سيارتهم به حتى فقد السيطرة على سيارته للحظة كانت كافية لتنحرف سيارته عن خط السير الرئيسي، و خرج صوت احتكاك إطاراتها في الإسفلت أسفلها، صوتا قوياً أخافه لتهتز السيارة بقوة وتنقلب به على جانب الطريق و تُجر على الأرضية مسافة أمتار عديدة، حتى استكانت مكانها أخيراً، فيما خيط دخان خفيف يخرج من مقدمتها..!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih و pop44
السابع


رفع تليد يده بسيجاره المشتعل يضعه بين شفتيه لينفث دخانه بشرود أعين محدقاً أرضاً بصمت، متجاهلاً ببرود هتاف الممرضة الحاد بجانبه: أنت يااا بيه مينفعش كده مينفعش بجد ..
, التفتت حوله تحدق بعدد الرجال الخاصين به، و بعضهم من المركز مُدربين و متدربين يبتعدون عنه مسافة لا بأس بها، لتزفر بحدة تعود تحدق به: على فكرة إحنا هنا في مشفى محترم ..
, تمتمم تليد لهدوء: تشرفنا أهلاً بيكم ..
, توسعت عيناها بغيظ لتهتف: شيل الزفت ده من إيدك ..
, نقل عيناه نحوها بهدوء، ليرفع حاجبيه رافعاً سيجاره في يده و كأنه يسألها هل تقصده هو أم لا، لتهتف هي بحدة: أيوه، هنا فيه مرضى يا بيه و حضرتك كده بتئذيهم ..
, أومأ تليد برأسه، ثم أشاح بوجهه عنها لتزفر هي باستسلام وتلتفت بعيداً عنه،
, أبعد تليد السيجار عن فمه، ليقذف به في سلة قمامة قريبة، و يعتدل بوقفته ناظراً في آخر الرواق حيث سار القائد خاصتهم بجانبه جواد ..
, اقتربا منه ليهتف هاني بحدة: الدكتور خرج ؟!
, نفى تليد بصمت ليتركهم هاني و يتجه مكلماً رجاله بعيداً عنه، فيما التفت جواد محدقاً بتليد بنظرات حادة ليهتف تليد بهدوء: مش هيتفصل ..
, احتدت نظرات جواد أكثر وهتف: متخلينيش أزعق هنا و ألم الناس علينا، كلامنا مش هنا..
, تليد: ولا هيبقى فيه كلام أصلاً، عدي مش هيتفصل و إلا أنا هسحب نفسي من التدريبات و..
, قاطعه جواد: إحنا عايزين نخسرك ..
, زفر تليد يلتفت نحو الغرفة القريبة، ليعود محدقاً بجواد الذي هتف: إيه سبب اللي هو عمله ؟!
, تليد: أكيد يعني مش هيسرق العربية زي الأغبياء ما بيقولوا هنا.. أوعي تقولي أن حضرتك صدقت ..؟!
, تكتف جواد هاتفاً: أنا مش غبي عشان أصدق، وبرضو مش أهبل عشان أعديهاله المرة دي كمان،
, رمقه تليد بهدوء للحظة قبل أن يهتف: عدي مش هيعمل كده من غير سبب ..
, جواد ساخراً: و إحنا بقا هنستناه لحد ما يفوق ونعرف أسبابه و بعدين نطبطب عليه و نقوله ياعينييي.. عشان إحنا خلفناه ونسيناه صح ؟!
, تليد: لا العفو، سبني أنا أطبطب أنتوا بس قولوا يا عيني ..!
, رفع جواد يده مدلكاً جبينه بحدة: اللهم طولك يا رووح ..
, التفت تليد نحو هاني ليعود و يحدق بجواد: يا باشا.. هاني بيه كلمك ده معناه أنه مش طايقني ..
, جواد بغضب: و هيطيقك إزااي و أنت عمال تستهبل من بداية التدريبات ؟! أنت بتلعب يا تليد، بتلعب مع المتدرب بتاااعك و بتتسلا معاه، كنتوا في تدريب تطلعوا بمصيبة و فوق ده كشفتوا نفسكم و خربتوا الشغل على غيركم، ده غير العربية الخاصة بالمركز واللي تدمرت كلهااا ..
, تليد: عدي كان جواها كمان يعني هو مش متقصد يدمرها ..
, جواد: و أنت بتدافع عنه ليييه ؟! إيااك يا تليد المرة دي لااا ..
, هتف تليد بهدوء: عدي مظلوم على فكرة، طب أعتبره أبنك طيب ..
, هتف جواد باستنكار: أعتبره إييه ؟! أبني ؟! ليه شايفني عبيط عشان أعمل كده !؟ أنا أي حد بعتبره أبني بيتجنن زيك كدهو،
, ابتسم تليد بهدوء: و عدي مجنون خلقة يا باشا يعني مش لسا هيتجنن، أكسب ثواب و أعتبره أبنك ..!
, هتف جواد بوجهه بحدة: قولت لااااا ..
, رمقه تليد بصمت فيما ابتعد جواد عنه بغضب، ليعود الآخر مُخرجاً سيجاراً ثانياً يُشعله سريعاً ليبدأ بنفث الدخان بتفكير حتى التفت بتنبه على خروج الطبيب من غرفة جانبية كان قد دخلها عدي منذ أكثر من ساعة، مليئاً بدمائه غائباً عن الوعي ..
, ٦ علامة الإقحام
, بعد مدة من الوقت ..
, اقترب جواد من تليد الذي فتح باب غرفة أمامه ليظهر من خلفه عدي على سرير طبي، الشاش الطبي يحيط بمناطق متفرقة من جسده و منها رأسه، فيما خدوش ملأت وجهه بعضها عميقة و بعضها الآخر سطحية محمرة ..
, طالعه تليد بصمت و الآخر يحدق بالممرضة بغضب و هي تُعدل له المحلول المغذي ليهتف بها بصوت متألم: هو أنتي جديدة يعني؟! مش المفروض تعمليه بلمح البصر كده و متحسّسيش المريض بحاجة، اخلصي ..
, رمقته الممرضة بغضب، إلا أنها زفرت تُنهي عملها سريعاً و التفتت لترى وقوف تليد مراقباً لهم، لتتوسع عيناها بغضب متمتمة: حلة ولاقت غطاها فعلاً هو أنت المرافق بتاعه!؟
, رمقها تليد بصمت لتتخطاه هي بغضب بعدما أدركت بأن تليد نفسه من كان يدخن رغماً عنها، هو مرافق من يُدعى عدي المريض ذو الطبع الحاد و الذي يريد تعليمها مهنتها ..!
, فيما اقترب تليد من عدي الذي ما إن رآه حتى هتف: تليد باشاا اا..
, قطع كلامه موسعاً عيناه بصدمة، عندما لمح دخول جواد الغرفة بهيئة أخافته ليبتلع ريقه ينظر لتليد الهادئ و تمتم: هو أانا.. هيفصلوني يا باشا صح ؟!
, اقترب تليد منه و مد يده مربتاً على ذراعه المضمد: تؤ متقلقش ..
, هتف جواد بغضب: لا أقلق أنت و هو ..
, رفع تليد نطراته الهادئة نحو جواد وهتف: لا يا باشا مفيش قلق بإذن **** ..
, قابله جواد بنظرات حادة، و التفت نحو عدي بغضب: إيه سبب الهبل اللي عملته حضرتك؟!
, فتح عدي فمه بتوتر، لينقل عيناه نحو تليد مستنجداً قبل أن يهتف جواد بحدة: بص هنااا..
, جفل عدي من صوته الحاد و تمتم سريعاً: أا.. معلش يا باشا أانا.. أنا عايز أحتفظ بالأسباب لنفسي ..
, توسعت عيني جواد بحدة، و ظهر غضبه على وجهه مخيفاً أكثر من قبل، ليلتفت نحو تليد مشيراً لعدي: أعتبره مفصول النهاردة، و إبقى انقله لمشفى تانية إحنا مش مجبورين نعالجه و هو كان سبب بتخريب شغلنا ..
, التفت مبتعداً عنهم بخطوات غاضبة، ليلاحقه عدي بنظرات مصدومة، و التفت سريعاً نحو تليد هاتفاً: خلاص يا باشا أانا عارف أنهم هيفصلوني، و همشي من هنا برضو هروح لأبويا يعالجني في البيت أنا أساساً مليش غيره ..
, رمقه تليد بنظرات متمعنة، قبل أن يجذب كرسياً ليجلس بجانب سريره فيما حاول عدي النهوض متجاهلاً ألمه ليهتف فجأة بذعر حالما أوقفه ألم جسده الحاد عن الحركة: أنا مكسور يا باشا كل جسمي مكسووور ..
, تليد: تؤ.. مرضوض بس، كل دي رضوض ..
, ابتلع عدي ريقه ينظر لجسده بذعر و وجع، ليهتف تليد بهدوء: كنت بتلحق مين بالعربية ؟!
, رفع عدي نظراته نحوه بظلمة احتلتها فجأة، يرى نظرات تليد الهادئة نحوه ينتظر إجابة، ليُخفض رأسه يضم قبضتيه ليتأوه بألم يرمق الضماد الذي يلف إحداها بحرص، ليبتلع ريقه يتمتم: أحتفظ بحق الرد لنفسي يا باشا ..
, رفع تليد حاجبيه باستنكار ليهتف عدي رافعاً نظراته له: خلاص يا باشا حضرتك مبقتش الباشا بتاعي أنا خلاص اتفصلت ومستفدتش منكم بولا حاجة لا مرتب و لا من يحزنون ..
, تليد: مش هتتفصل، بس هتدفع تمن العربية ..
, شهق عدي يرمقه بصدمة، ليعود و يشهق مجدداً حالما شعر بألم حاد إثر حركته و شهقته الأولى المصدومة، ليُطبق شفتيه أخيراً متراجعاً بظهره للخلف بألم واضح، قبل أن يلتفت بعينيه لتليد شاكياً: عربية.. عربية إيه يا باشا هو أنا لو معايا أشتري جبنة كنت أكلت عيش لوحده ؟!
, بقيت نظرات تليد هادئة إلا من رفعة حاجب مستنكرة علاقة الجبنة بالسيارة، و الآخر تتوسع عيناه بذعر كل ثانية ليهتف مجدداً: يعني إيه؟! هيعملوا فيا إيه يا باشا لو مدفعتش؟! هو أنا هتحبس !؟
, تليد: أيوه، لحد ما تجيب تمن العربية ..
, اهتزت عيني عدي بذعر أكبر، والتفت رأسه محدقاً بالسقف بشرود بدأ يتضح على معالم وجهه و كأن همومه قد ازدادت الآن بهمّ فاق طاقته ..
, صمت تليد عدة لحظات يطالعه بنظرات هادئة قبل أن يهتف: العربية على حسابي،
, التفت عدي نحوه بصمت ليهتف فجأة بعدما تغيرت ملامحه للضيق و الهم: لا باشا، كده كتير، كتر خيرك أنا مش عايز خلاص أنا هدبر نفسي ..
, تليد: إزاي ..؟!
, صمت عدي بعجز عن إيجاد إجابة، ليشيح بوجهه عنه متنهداً بقهر يزداد داخله كلما تذكر والدته! التي كانت سبباً في دمار حياته و حياة و الده قديماً،
, و ها هي الآن سبباً في تدمير عمله و حياته مجدداً ..
, بقيت نظرات تليد تلاحقه بصمت متمعن، لينهض بعد دقائق هاتفاً بهدوء: أنت هتفضل هنا لحد بكرا وبعديها تقدر تخرج، هتاخد إجازة من التدريب كام يوم، و هبعت حد من رجالتي يقول لأبوك أنك مش هترجع النهاردة عشان ميقلقش ..
, توسعت عيني عدي من خلفه محدقاً به و هو يهم بالخروج، ليبتلع ريقه هاتفاً: يعني مش هيفصلوني ؟! طب و تمن العربية عايزينه إيمتى؟!
, توقفت خطوات تليد عاقداً حاجبيه للحظة، قبل أن يتركه بعدها محافظاً على صمته ليخرج مغلقاً الباب خلفه بهدوء ..
, ٧ علامة الإقحام
, بعد يومين ..
, نظر مسعد إلى ولده المتمدد على سريره ليهتف بقلق: يعني هترجع شغلك إيمتى إحنا يابني عايزين فلوس ..
, فتح عدي عيناً واحدة ينظر له ليهتف: أنت يا مسعد مش بتحب تشوفني مستريح ليه؟!
, مسعد: أنااا؟! هو ده اللي طلع منك بعد العمر ده كله؟! أنت فعلاً عاق ومش مقدر نعمة يبقى عندك أب زيي ..
, عاد عدي ليغمض عيناه بتعب قبل أن يتسلل لسمعه صوت طرقات خافتة على باب المنزل العتيق، ليهب عن جلسته هاتفاً: خليك يا مسعد أنا اللي هفتح دول الكلام ولاد الكلب بيخبطوا و يجروا ..
, سار بخطوات متعثرة إثر ألم أقدامه الموازي لآلام جسده الحادة، مد يده يفتح الباب بوجه متجهم مكدوم، ليزداد تقطيب حاجبيه محدقاً بالرجل الغريب أمامه و الذي كان يرتدي زياً رسمياً أنيقاً ..
, رفع الرجل يده بكيس صغير: تليد باشا بيسلم عليك و باعتلك ده ..
, توسعت عيني عدي ومد يداه يأخده بلهفة: ده مرتبي؟!
, تغيرت ملامح الرجل للغيظ: مرتب إيه ؟! لا دي هدية بمناسبة خروجك بالسلامة ..
, تجهمت ملامح عدي بعدما كان مايزال متأملاً براتبه المُبكر، و لكن سماعه لكلمة هدية قد أظهر ابتسامة مذهولة على وجهه ليهتف بقلق خائف من اختفاء أمله: أانت متأكد !؟ تليد باشا بعتلي هدية ليا أناا ؟!
, هتف الرجل بنفاذ صبر: لو مش عايزها ب..
, سحبها عدي منه بقوة وتف: ومش هعوزها ليييه بقا؟! الهدايا لا تُرد .. يلا امشي اا قصدي أشكر الباشا جداا ..
, رمقه الرجل بصمت و نظرات ضائقة، ليلتفت بعيداً عنه يتابعه عدي بعيون حانقة ليغلق الباب خلفه بقوة،
, عادت ابتسامته فجأة بعيونه المذهولة ورفع نظراته لمسعد الذي يراقبه ليهتف بفرح رافعاً الكيس أمام وجهه: تعالااا يابااا شوف أول هدية بتيجي لأبنك ..
, مسعد بحذر: هدية؟! من مييين ياض يا عدي أنت عندك ناس بتديك هدايا و مش بتعرفني عليها؟! إخس عليك ..
, اقترب عدي ليجلس على الأريكة و قد نسي للحظات تعبه و ألم جسده: لا يابا دي هدية من الباشا بتاعي ..
, فتح الكيس الأنيق بيده، ليُخرج منه علبة مستطيلة الشكل بحجم متوسط، رفعها أمام عيناه اللتان بدأتا بالجحوظ شيئاً فشيئاً حتى تسللت من بين شفتيه شهقة عدم استيعاب ليتمتم: هو اللي أانا شايفه ده صح ؟! بص يا مسعد مرسوم إيييه ؟!
, ضيق مسعد عيناه بتمعن وتمتم بحذر: دي رسمة تلفون ؟!!
, ابتلع عدي ريقه و دق قلبه بعنف ليهتف مسعد بتحذير: أوعي ياض ياعدي ماتصدقش، ده ممكن الكرتونة بتاعة تلفون بس هيبقى جواها شبشب مثلاً ..
, عبست ملامح عدي بخيبة ليعود و يهتف بأمل: ليه يابا هو أنت فاكر كل الناس معفنين زينا ولا إيه لو شبشب هيحطه في كرتونة تلفون ليه؟!
, ليهتف مسعد: يابني زي ما أنا بحط الملح في علبة الجبنة اللي أنت اشتريتها من تلت سنين ..
, زاد عبوس ملامح عدي وتجهم وجهه ليفتح العلبة بقسوة، رفعها بيده يكاد ينفضها أرضاً قبل أن ترتطم عيناه بما في داخلها، ليمد يده يُخرج سريعاً بين أصابعه هاتفاً أسود اللون بالكامل، بشاشة كبيرة تكاد تصل لحجم كفه يبدو عليه الفخامة و الرقي التي لم يعتدها،
, صمت حل على الإثنين، يحدقان بالهاتف الفاخر بين يدي عدي الذي كان أول من خرج من صدمته لتدمع عيناه بذهول: بص.. يا مسعد بص يابااا ..
, ابتسمت عيون مسعد يمد يده ليسحبه منه: هو ده تلفون زي مابنشوف بالأفلام ؟!
, سحبه عدي منه يتأمله و يقلبه بيديه: أيوه ياباا ده شبه اللي مع تليد باشا .. بص يابا فخم إزاي ؟!
, أخذه مسعد منه بفرح: هو ده فيه كاميرا ياعدي؟! أنت كده هتصورني صح؟!
, سحبه عدي منه يحاول فتحه: أيوه يابا بص دي كاميرا و دي كاميرا تانية برضو و دي٣ نقطة أا.. دي مش عارف دي إيه باين عليها فتحة تهوية ..!
, مسعد: تهوية إيه ياض ..؟
, عدي: يابا الجو حر يابا و التلفونات بتبقى حرانة و عايزة منفذ عشان يدخل الهوا جواها ..
, مسعد: ياااه التكنلوجيا حلوة يابني حلوة أوي ..
, نهض عدي عن جلسته بفرح لا يسع منزلهما الصغير، ليعود ويجلس سريعاً بعدما آلمته قدمه من وقوفه المفاجئ، ليضحك فجأة بعيون دامعة: أول هدية تجيني تبقى تلفون بالشكل ده ؟! حظي ماله يابا حد لعب بإعداداته ؟!
, ابتسم مسعد بفخر: أناا يابني أنااا دايماً بدعيلك و أهو دعواتي استجابت ..
, رمقه عدي بطرف عينه ليهتف: يابا أنا مش هحرمك منه يابا التلفون ده ليا وليك بس بلاش تعمل أن الفضل ليك معلش ..
, هتف مسعد بغضب: أنت بتنكر أني بدعيلك؟! و أن الدعاء بيعمل معجزات ..؟!
, عدي: لا يابا مش كده بس.. بقولك سبني فرحان بهديتي ..
, عادت ملامح مسعد للسعادة، ومد يده يسحب الهاتف منه: علّمني عليه ياض ياعدي أنا مش عايز أبقى جاهل بالتكنلوجيا و نزلي لعبة عليه برضو عايز ألعب ..
, ابتسم عدي محدقاً به، ليمد يده يأخذه منه مجدداً، و مازالت ملامح عدم التصديق بادية على وجهه بعيونه اللامعة بدموع فرحة ربما للمرة الأولى في حياته ..!
, ٨ علامة الإقحام
, مر يومين آخرين، و عدي في منزله طوال الوقت، هاتفه الجديد اللامتوقع أنساه تفكيره بألمه و بما حدث معه،
, و أمضى طوال وقته يستكشفه هو و الده الذي يبدو سعيداً به أكثر منه!
, خرج عدي من المطبخ الصغير، يُمسك بيده قنينة ماء صغيرة يتجرع منها بنهم لينقل نظراته نحو مسعد الذي يتربع أرضاً يمسك الهاتف بيديه الإثنتين، عيونه الصغيرة متمعنة بشاشته بدقة فيما ابتسامة متحمسة تنمو على شفتيه ..
, ليقترب منه يقف خلفه مضيقاً عيناه بحذر قبل أن يشهق فجأة بشكل أفزع الآخر: ياباااا أنا كااام مرة بقولك حافظ ع الفلوووس يابا حافظ عليهااا أنت غير إقتصادي أبداااً ..
, وضع مسعد يده على صدره بفزع: منك لله كنت هتجلطني، فيه إيه ياض دلوقتي دوري و وقتي فاضله ساعتين ..
, تخصر عدي يرمقه بحدة، فيما كدمات وجهه قد خفت قليلاً، مرافقة لكدمات جسده الواضحة من خلف ملابسه الداخلية التي كان يتجول بها في المنزل الصغير و الذي لا يدخله الهواء الكافي من نوافذه الصغيرة العتيقة ..
, ليهتف به بتهديد: و أنا لما يجي دوري هتبقى أنت دمرتلي كل شغلي، كام مرة بقولك يابا أنا بجمع فلوس عشان أشتري بقرة عايز أجيب لبن و أعمل زبدة و جبنة يا مسعد أبوس إيدك سيبلي شوية فلوووس ..
, رمقه مسعد بحدة و هتف: أنا حر.. أنا هشتري قارب و أصيد سمك أنا حر سيبني براحتي و إلا هولع في المزرعة السعيدة كلهااا و هخليهالك حزينة محروقة ..
, رمقه عدي بقهر مغتاظ وهز رأسه: مااشي يابا أنت برضو جيت عليا عشان لعبة ماااشي ..
, تغيرت ملامح مسعد للحزن إلا أنه عاد ليحدق بشاشة الهاتف ليبتسم فجأة متناسياً عدي، و يعود للعبته مجدداً ..
, رمقه عدي بغيظ ليلتفت نحو باب المنزل حيث تعالت الطرقات من خلفه، زفر بحدة يسير بغضب ليفتح الباب لقوة و يهتف بصدمة: تليد باشااا ..
, قطب تليد جبينه، ينقل نظراته عليه من الأعلى إلى الأسفل ليهتف بهدوء: خش أستر نفسك و تعال..
, قطع كلامه حالما شهق عدي بتنبه، و صفع الباب بوجهه بقوة سريعاً، ليلتفت تليد نحو سيارته المركونة جانباً يتجه نحوها ملاحظاً نظرات الجيران من حولهم تلاحقه بتمعن ..
, دقائق و خرج عدي يعدل أزرار قميصه الواسع، يرمق الجميع من حوله بتهديد، ملاقياً التجاهل منهم خاصة من أخوة وائل التوأم، هما بالذات باتا بعد تلك الحادثة يرمقانه بغضب و تهديد، إلا أنهما لا يجرؤان على الإقتراب منه،
, ربما لرؤيتهم له على غير العادة، لجنونه الذي كاد يُوصله للقتل لأول مرة ..
, زفر بحدة والتفت نحو تليد ليتحمحم بحرج: خش يا باشا أنت هتفضل هنا ؟!
, نفى تليد بصمت و أشار له للصعود بجانبه، ليقترب عدي يفتح الباب و يجلس على المقعد المجاور، و ابتسم فجأة بحرج داخلي: أا يا باشا، ع.. عشان الموبايل يعني.. أنا كنت هصلح بتاعي و **** أما حضرتك تقولهم يدوني مرتبي بدري، بس كده كتير و**** ده باينه غالي أوي ..
, هتف تليد بهدوء: مايغلاش عليك يا عدي ..
, توسعت عينا عدي بجحوظ واضح، رمقه بصدمة و ابتلع ريقه يرفع يده ليحك رأسه نافشاً خصلاته بابتسامة مذهولة فيما تسللت من بين شفتيه ضحكة خجلة بعدم تصديق وعدم تعود لما يحدث أو يقال له: أانا يا باشا.. أنا هدفعلك تمنه و..
, صمت متحمحماً بتردد غريب لم يكن معتاد عليه وعلى حرجه، فلطالما كان حاداً متهوراً لا يسمح لضعف أو خجل بالإستيلاء عليه، ليُطالع تليد انفعالاته بابتسامة جانبية اختفت سريعاً هاتفاً بجدية: العربية اللي كنت لاحقها، مين كان فيها ؟!
, اختفت ابتسامة عدي هو الآخر، و أنزل يده المرتبكة عن رأسه يطالعه بنظرات مصدومة تغيرت فجأة مع تجهم وجهه الحاد ..
, رمقه تليد بصمت للحظة قبل أن يهتف بهدوء: سهيلة كريم، عندها 54 سنة، كانت ساكنة في الحارة دي و تحديداً هنا..
, أشار بيده لمنزل عدي القريب متابعاً: زوجة مسعد الحكيم اللي هو..
, قاطعه عدي بقهر: أبويا ..!
, صمت تليد محدقاً به، ليراه يضم قبضتيه يبتلع ريقه بغصة واضحة بعدما أدرك بأن تليد قد كشف بطريقته كل شيء، ليحل الصمت عليهم قبل أن يهمس عدي بقهر و صوت خافت خجل: الست دي أا أمي ..
, زفر تليد يلتفت محدقاً بمنزل عدي الصغير بشرود، متذكراً ما عرفه عن تلك المرأة بعدما كلّف رجاله بالبحث وراء تلك الحادثة و السبب في جنون عدي و تصرفاته الغير مفهومة آنذاك ..
, و أن يكون عدي يُلاحق في ذلك الوقت أمه بعدما رآها بين الرجال في مهمة أتى إليها صدفة، كان ذلك ربما ما برر موقفه على الأقل أمامه هو!
, فإحساسه قد كان صحيحاً، عدي لن يفعل شيء بدون سبب، معرفته به على الرغم من قصرها إلا أن عدي قد كان واضحاً جداً و مفهوماً ..
, عدي فاشل في التمثيل، فاشل في الكذب و الخداع و النفاق،
, دائماً ما يكون على سجيّته وفطرته التي خُلق عليها بلا اصطناع أو مبالغة،
, تصرفاته واضحة، كلامه عفوي تلقائي يُدخله أحياناً في مشاكل عدة رغماً عنه،
, و بكل ما يفعله من أخطاء هناك سبب قهري يدفعه لذلك!
, عاد يحدق به، ليرى شروده و قهر عينيه الدامعتين المحمرتين،
, بالرغم من قوته و معافرته الدائمة، إلا أن هناك أشياء كثيرة تُضعفه، و ضعفه هذا يظهر عليه مراراً إلا أنه يُغلّفه بقناع الغضب و الكبرياء ..!
, فقير محتاج، يفرح بأبسط الأشياء ويحتاج لها، و بالرغم من ذاك إلا أنه يرفض أخذها ببساطة،
, و يحاول إطلاق عليها تسميات و مبررات كثيرة حتى يُقنع نفسه بأنه لا يشحدها، أو أن أحدهم لا يعطيها له على أساس شفقة..
, ك هدية، أو دين مثلاً، أو أنه لا يرد أحداً يريد مساعدته خائباً ..!
, بقي يطالعه بصمت، و شيء ما داخله يشفق عليه أو ربما شعور مختلف عن الشفقة، شعور أعمق من أن يفهمه، ربما كان عطفاً أو شيئاً جديداً مختلفاً لم يعتد شعوره لشخص غريب، و عدي فقط من أشعره بذلك،
, عمر الصغير كان يتناقض تماماً مع مصائبه الكثيرة، و أطنان المسؤوليات و الكوارث التي تحطّ على عاتقه،
, و بالرغم من سنواته التي لا تزيد عن الثالثة و العشرين إلا أن تصرفاته و كلماته في أوقات كثيرة، كانت تنم عن رجل ناضج راشد، ينقصه فقط بيئة مناسبة و حياة كريمة !
, أشاح بوجهه عنه للحظة، قبل أن يعود وينظر له: عدي..!
, رفع عدي يده يمسح عيناه بقوة وهتف فجأة بصوت متقطع: متقولش لحد ي..باشا ..
, تليد: أقول إيه ؟!
, التفت عدي نحوه، بعيون محمرة تحمل فزعاً داخلها: اللي حضرتك عرفته، و متقولش أانها.. أمي، أانا أساساً نسيتها ومش بعتبرها أمي من سنييين طويلة، بس أرجوك وائل لو سمع هيفضحني.. أانا كل مصايبي ب..بسببها كل مصايبي أنا و أبويا بسببها ..
, صمت يشيح بوجهه عنه حالما رأى صمت تليد و نظراته الهادئة، لترتجف شفتاه بذعر متخيلاً معرفة الجميع بأن أمه التي لطالما عايروه بها، هي إحدى أفراد عصابة خطرة أيضاً..!
, ستزيد شماتتهم أضعافاً، و يزيد عذابه هو و قهره أضعافاً مضاعفة ..
, هتف مجدداً بصوت مقهور شبه باكي: أانا مشوفتهاش من لما كان عندي 14 سنة، أما وعيت و فهمت كل حاجة..
, زم شفتاه بقهر إلا أن شهقة خافتة خرجت منه متذكراً سنين طويلة لطالما شقى وتعذب بها: ه..هي هربت من أابويا، أبويا اللي حبها جداا، كان حبه ليها معميه عن حقيقتها، وده خلا أهل حارته كلهم يضحكوا عليه و يشمتوا فيه، حبه ليها جننه، كان يسامحها ويعديلها حاجات كتير لحد ما أانا كبرت و بقيت أتكسف منها..
, مسح وجهه يهتف بنبرة باكية: هي هربت لما أبويا رفض يطلقها وكان لسا عنده أمل فيها، كان فاكر نفسه هيقدر يمشيها ع الصراط المستقيم ..
, رفع وجهه الذي احمر بقهر يهتف بتردد: بيعايروني بيها يا..باشا و أانا مش بإيدي حاجة أانا ذنبي إيه أنها أمي.. هي مش.. هي مش كويسة أنا و أبويا ذنبنا إيييه؟!
, ضرب جانب الباب بقبضته بقوة، ورغم ألمه إلا أنه كتمه داخله ليبتسم باستهزاء يعود وينظر له: عايز تعرف بيسموني عدوى ليه؟؟ بسببهم.. أبويا اتجنن بسببهم برضو، كان يمشي في الحارة وكلماتهم تئذيه وتعذبه، كان بيعيط قدامي و أنا من صغري دمي حامي وعصبي، تعرف كانوا يعملوا إيه ؟!
, ضحك فجأة ببكاء مقهور غاضب: ك..كلهم كانوا يعلقوا على حبل الغسيل هدوم لأمي..
, احمر وجهه بشدة، ربما قهراً غضباً، أم خزياً ليهتف: ك..كانوا يعلقوها عشان يئذوا أبويا يعايروه أانهم كلهم.. أا..
, عض شفته بقوة آلمته: كلهم قضوا معاها لأما عندهم حاجة منها زي هدومها.. وأنا كنت أعرفهم كنت أعرف هدوم أمي كويس، مقدرتش أستحمل كنت أخدها من على الحبل و أقطعها وساعات أحرقها، لحد ما بقوا يتهموني بسرقة هدوم نسوانهم و أني حرامي، و بقت أي سرقة في الحارة يتهموني أنا و أبويا فيها، بس دول كداابين كلاااب الهدوم دي لأميي..
, شهق بتقطع يهتف بارتجاف: في عيال صغيرة بقت تقلدني و يسرقوا أي حاجة، وكلهم بعدها حرموا ولادهم يقربوا مننا أو من بيتنا أو حتى يتكلموا معانا عشان العدوى هتنتقل ليهم عدوى السرقة و ال.. وال٣ العلامة النجمية..
, ارتجفت يده التي تمسح وجهه المبلل و هتف: ه..هي هربت بس أثرها لسا موجود، كلهم.. كلهم استغلوا أانها مش كويسة وعملوا اللي هما عاوزينه معاها، بس محدش جاب سيرتهم محدش جاب غير سيرة أبويا و.. أنه ضعيف ومش راجل مش قادر يلمها، ولا قادر يغسل عاره بعد ما قصة أمي اتفضحت في كل الحارة٣ نقطة
, ابتسم للحظة مستهزئاً: فاكرين أانه لو قتلها هو كده هيبقى كويس و ميرضاش باللي بتعمله، فاكرين لو غسل عاره بالطريقه دي هيبقى راجل زيهم..
, التفت نحوه بحدة: هما نسوا نفسهم، كلهم نسوا قذارتهم، نسوا أن لو أمي خاينة ف هي خانت أبويا معاهم هماا، لو أمي قذرة زي ما بيقولوا فهما أقذر منها .. نسوا نفسهم و مسكوا فيا أنا و أبويااا و كأنهم ملائكة و إحنا الشياطين، بس لا يا باشاا لا هما الشياطين هما اللي عايزين يوسخونا بقذارتهم، مش مستحملين إننا نضاف مش زيهم عايزين يغطوا على قذراتهم ونقصهم، فاكرين لو وقفوا ضد أبويا كده هيبانوا كويسين ومبيرضوش باللي بيحصل في حارتهم، ميرضوش بالحرام وهما أصل الحرام كله ..
, ابتلع ريقه ينظر لمنزله من خلف زجاح السيارة، فيما كان تليد يرمقه بنظرات هادئة، برغم تخليها عن هدوئها للحظات كثيرة واحتوائها على نظرات متعاطفة مهمومة بعدما بات يعلم و لو جزئاً بسيطاً من هموم الآخر ..
, ابتسم عدي بحزن و ألم ليهتف: أبويا قلبه رقيق، طيب و مش بيعرف الأذية، حتى مراته مقدرش يئذيها رغم كل عمايلها،٧ نقطة أانا أبن أبويا.. بس كلهم كانوا يشككوا فيا، أما كانوا يشتموني يقولولي يابن الحرام أو ياللي ملكاش أصل..
, أخفض رأسه يتمتم بقهر: حتى أبويا شك فيا، أبويا مريض يا باشا اتصاب بالزهايمر بسببهم و بسببها، أنا دخلت الكلية عشان أبقى قوي، هما جبناء بيخافوا من خيالهم بس حتى دي مكنتش فالح بيها ولا خافوا مني ولا حاجة، ماقدرتش أحمي نفسي أو أبويا منهم، استغلوا إني مش موجود و خلوه يبصم على تنازله عن القهوة، وسمعت أنهم عايزين بيتنا برضو.. بس مقدروش ..
, ضم قبضتيه بقوة وابتلع ريقه يهتف بقهر: حتى أبويا شك أني مش أبنه، بعد مرضه لاقيت عنده ورق كان مخبيهم عني، ورق تحاليل بتثبت أني أبنه ومن صلبه..!!
, رفع رأسه نحوه ليضحك فجأة: أبويا عمل تحليل من غير ما أنا أعرف، تفتكر.. لو أنا ماطلعتش أبنه كان هيرميني؟!
, ابتلع ريقه بعيون مهتزة ينفي برأسه: أانا بحبه، حتى لو ماكنتش أبنه أنا و**** بحبه ومليش غيره، أنا أه اتقهرت ولسا مقهور منه، بس هو عنده حق يا باشا صح؟! عنده حق يتأكد لو هيربي أبنه ولا أبن راجل غريب ..!
, مسح وجهه بمرفقه بحدة و نفض رأسه يبتلع ريقه يرمق تليد بعيون محمرة: أانا محكيتلكش لأي سبب غير.. غير إني لاقيتك طيب و أبن ناس و ضميرك مش هيخليك تفضحني.. حكتلك عشان تعرف أان الموضوع ده بيأثر بيا جامد و لو حد سمع عنه حاجة في شغلي أانا هتبقى حياتي في الشغل زي حياتي هنا بينهم.. أرجووك يا باشا متعملش فيا كده متبقاش زيهم ..
, بقي تليد صامتاً أمام نظرات الآخر المقهورة الراجية، ليتنهد بثقل هاتفاً بهدوء: من بكرا هتنزل التدريب معايا، مش تدريب جسدي اطمن هتتعلم كام حاجة على الأجهزة والحواسيب ..
, صمت قليلاً قبل أن يهتف ناظراً: أنت لحقتها ليه؟!
, ابتلع عدي ريقه بعيون مهتزة لينفي برأسه بلا هدى: م..مش عارف ..
, تليد: عايز تاخد بتارك منها عشان تسكت أهل حارتك ؟!
, هز عدي رأسه مجدداً بشرود واضح، و تفكير عميق في كلامه و كأنه يحمل شيئاً من الصحة!
, ليهتف تليد أخيراً: استريح النهاردة، وبكرا تعالا بدري ..
, رمقه عدي بطرف عينه بتردد، إلا أن شيئاً من حرج داخلي لكل ما باح به له، مازال يهيج داخله، ليمد يده يفتح الباب بجانبه و يترجل من السيارة بخطوات سريعة باتجاه منزله ..
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي ..
, دار عدي بالكرسي الجلدي الذي يجلس عليه، في غرفة مليئة بأجهزة إلكترونية متعددة، وعدة رجال يتفرقون على الكراسي من حولهم كل يقوم بعمله ..
, فيما هو يجلس بجانب تليد منذ أكثر من ساعتين و الآخر يحاول تعليمه، متجاهلان معاً كلامهما في اليوم السابق و كأنه لم يكن،
, و ذلك ما أراح عدي و هدأ أفكاره الثائرة داخله ..
, زفر بضيق ينظر لجانب وجه تليد الهادئ: يا باشا.. كفاية كده سبني بس أتطمن على الزبدة ..
, قطب تليد جبينه ينقل نظراته نحوه: زبدة إيه؟!
, ابتسم عدي بلهفة: جبت آلة لصنع الزبدة هطمن لو خلصت عشان أبيعها ..
, زاد انعقاد حاجبي تليد قبل أن يرفع حاجبيه: المزرعة السعيدة؟!
, ابتسم عدي بتوسع يومئ برأسه: عليك نوور ..
, هتف تليد بهدوء: شوف براحتك ..
, زادت ابتسامة عدي يخرج هاتفه و الذي مازال كلما رآه، يبتسم بلهفة و فرح، ليفتح على اللعبة سريعاً و يعلق عيناه على شاشتة الهاتف بتركيز، قبل أن يشهق حالما سحب تليد الهاتف منه بسرعة ليراه يحذف اللعبة بمنتهى البرود و يعيد الهاتف له بصمت ..
, بقي عدي على صدمته للحظات قبل أن يقفز عن جلسته: أنت اتجننت يا تلييييد مسحتها ليييييه!!؟ ق.. قصدي أنت اتجننت يا باشا أنا تعبت كتير عشان أشتري البقرة ..
, هتف تليد بهدوء: معلش إتعب تاني ده تدريب ع الصبر و التحمل بعد ما تفشل كل محاولاتك و ترجع تحاول من جديد ..
, بقي عدي ينقل نظراته بينه و بين الهاتف، و نظرات الحسرة ملأت عينيه لينهض تليد عن مقعده: خمس دقايق و حصلني ع المكتب ..
, خرج من الغرفة ليزفر عدي متمتماً بعدة شتائم يوجهها للجميع، و التفت حوله متنبهاً لنظرات الرجال المذهولة نحوهم، ليزفر مجدداً يتجاهلهم ويسرع خارج الغرفة ..
, وقف قريباً من الساحة، حيث كان بقية المتدربين يتابعون تدريباتهم القاسية تحت أشعة الشمس الحارقة، ليجد نفسه يبتسم بغرور و يبقى يطالعهم لعدة دقائق قبل أن يتذكر تليد و يسرع بالذهاب لأليه،
, ليتوقف مكانه حالما استمع لصوت من خلفه يهتف: أنت ليك عين تيجي هنا بعد اللي عملته..؟
, التفت عدي نحوه بجبين مقطب، ليرى أحد المتدربين برفقة زميل له، هتف الآخر بسخرية: عدي.. مقولتش ليه أنك شوفت أمك هناك ولحقتها مش كنا ساعدناك!؟
, توسعت عيون عدي بصدمة، و اهتزت نظراته بينهما لامحاً ابتساماتهم الساخرة بشكل واضح أثر في قلبه المكلوم، ليرى من خلفهم و جه وائل يقترب منهم، مع عدد آخر من المتدربين كانوا قد أنهوا تدريباتهم ..
, ليستمع لهمس من بينهم، و أسم أمه الذي سقط على مسامعه كأنه مطرقة قاسية تكاد تكسر رأسه الهائج ..
, ارتفع صدره بحدة، و عروق رقبته ظهرت جلية بغضب استعر داخله ليحمر وجهه مقترباً من الذي تكلم أولاً: أنت جبت الكلام ده منين ؟!
, ابتسم الآخر ساخراً: و أنت متعصب ليه؟! الكلام ده بجد؟!
, ضحك بسخرية والتفت لمن حوله: أنتوا سمعتوا !؟ أمه اللي كان يلحقها كانت بين الرجا٣ نقطة
, قطع كلامه بصدمة عندما دفعه عدي بغضب بالغ ليسقطه أرضاً بعنف، ليتراجع بعضهم للخلف سريعاً فيما اندفع عدي نحو الآخر الذي سرعان ما ركل قدمه بقوة جعلت عدي يسقط أرضاً متألماً بعدما عادت إليه أوجاع قدمه المرضوضة، إلا أن وجع قلبه و صدمته قد كان أكبر، لتدمع عيناه بقهر لم يستطع كتمه، و عيون دامعة رفعها لينقلها بينهم، لتلتقي بعيني وائل الذي يراقبه من بين الرجال بصمت تام زاد من حقد عدي و قهره،
, ارتفع صدره بعنف ليهتف الشاب الآخر بغضب: أنت بتضرب ؟! فاكر أن ده هيلغي حقيقتك و حقيقة أمك ..
, بقي عدي على نفس نظراته، فيما انفعالاته تتلاحق على وجهه بوضوح ظهر لهم جميعاً، ليبتلع ريقه بصعوبة محاولاً النهوض بتعثر، و خطاه تتزايد سرعة و للمرة الأولى يبتعد عن الشجار، فلا طاقة له لاحتمال أي من كلمات سامة شبيهة بكلمات أهل حارته،
, وجد نفسه يفتح باب المكتب فجأة، و يشهق بنفس قوي و وجه محمر بعيون دامعة، فيما غصة سكنت صوته و هو يهتف بتقطع: أانا عايز أسيب الشغل عايزهم يفصلوني أانا٣ نقطة
, رفع تليد نظراته المدهوشة نحوه مطالعاً هيئته بتعجب فيمت دمعت عيون عدي بقهر: حتى أانت يا باشا.. حتى أنت ؟! ليه٣ نقطة؟!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الثامن


أغلق عدي الباب خلفه بلا شعور يهتف و مشاعره الثائرة ما زالت تسيطر عليه: سألتني عشان تقولهم؟؟ عشان تحكيلهم ليييه؟! ده أنا أمنتك على سري..
, نهض تليد عن كرسيه رافعاً حاجبيه بحذر: أقول إيه و سر إيه و هما مين ؟!
, هتف عدي بقهر و صوته ارتفع بحدة: تقولهم أان أامي كانت موجوودة هنااك و إاني كنت بلحقهااا الكل عارف، الكل بقى عاارف بسببك..
, قطب تليد جبينه بصمت، و التفت نحو الباب الذي فُتح و ظهر أحد رجاله من خلفه بتردد بعد استماعه لصوت عدي الغاضب،
, أشار تليد له بالخروج بصمت ليتراجع الرجل مغلقاً الباب خلفه فيما ضحك عدي بعيون دامعة: خليته يطلع لييه قول قدامه أتكلم ماهما كلهم بقوا عارفين، عايز يعني توهمني أنك مش عايز تخلي حد يعرف و أنت بتحكيلهم من ورايااا..
, تراجع تليد للخلف متكئاً على طاولة مكتبه، و نظراته الهادئة استفزت أعصاب عدي الذي ارتفع صدره بأنفاس حادة يضم قبضتيه بجانبي جسده يمنع نفسه بالقوة من التهجم عليه و إفراغ غضبه وقهره به،
, و لكنه يعلم.. إن هو فعل ذلك فستكون نهاية عمله حقاً ..
, إلا أن قهره قد كان واضحاً، لومه و عتبه عليه و هو الذي لم يكن يتوقع منه ذلك،
, ليس منه هو تحديداً، بعدما أمّنه على أكثر ما يُؤثر به، أكثر ما يثير مشاعره و ينهكها في الحياة، بل على الشيء الوحيد الذي يفعل ذلك!
, ابتلع ريقه بحدة على صوت تليد الذي خرج هادئاً إلا أنه حمل كمية كبيرة من الإستفزاز للآخر: و أنت فاكر أن حكايتك دي حاجة عظيمة علشان أحطها في دماغي و أمشي أقولها للناس وكأنه معنديش شغلة ولا مشغلة غيرك أنت و قصصك ؟!
, رفع عدي حاجبيه بعيون ازدادت حدة فيما هتف تليد متكتفاً: مشكلتك أنك فاكر نفسك محدش عنده قصص كده غيرك، ولا حد ليه أعداء غيرك ولا حد مظلوم غيرك،
, صمت للحظة قبل أن يرفع حاجبه يهتف بصراحة لم يعتدها عدي: مش أنا اللي عملت كده، و في حال كنت أنا ف مش مضطر أبرر لحضرتك، و أنت ميحقلكش تدخل بالهمجية دي ولا ترفع صوتك قصادي، هنا أنت الضعيف.. و بكلمة واحدة مني أقدر أنسف مسيرتك المهنية والحياتية كلها وميعودلكش قيمة خالص لا هنا ولا في حارتك ..
, توسعت عيوت عدي بصدمة ليظهر احمرار عروقها واضحاً فيما بقيت نظرات تليد هادئة و كأنه لم يهدده، أو يُوضح له مكانته و حقيقة وجوده في هذا المكان و خارجه ..
, بقي عدي للحظات صامتاً بقهر يحرق أحشائه، يطالعه بنظرات تتراخى حدتها شيئاً فشيئاً، ليظهر قهره و استسلامه أكثر و أكثر،
, لم يفهم معنى كلمات تليد الهادئة، و الذي لا يبدو عليه أنه يريد التوضيح أكثر ..
, مافهمه هو فقط استهزاء الآخر به و بمشاكله، هو سخريته منه و من قهره الواضح و غضبه الكبير، هو إيضاح مكانته لديه، و مكانته في مكان سيدهس الضعيف كما دُهس هو و مايزال من قبل ظالمين يزيدهم ظلمهم و جبروتهم قوة ..
, و ذلك أكثر ما أثار الندم داخله، ندم لبوحه أمامه بكلمات دفنها عميقاً منذ زمن، كلمات حتى والده قد كان رفض الكلام بها معه لئلا يزيد مرضه و عذابه،
, كلمات أخبره بها لشدة ضغطه و تشتته، لشدة رعبه من معرفة أحد بحقيقة حياته، و قهره من كل ما يحدث له في حارته أو حتى في عمله! و لكن.. لن ينفع الندم بعد الآن، و ها هو يرى نفسه يخسر معركة من معارك حياته المستمرة منذ ولادته ..
, منذ صغره و هو يُحارب، وُلد محارباً ولا يعلم السبب!
, فقط وُضع بين أوبئة من ذئاب ضارية، و طُلب منه العراك ليُبقي على حياته و يخلصها من بين أنيابهم،
, محارباً ليجد لقمة عيشه، ليشفي قهره و غضبه، ليرد كرامته و يقضي على حرجه و خزيه، ليعالج والده و يبقيه بجواره سالماً، ليبحث عن حياة كريمة لا يجدها!
, يحاول وفي كل مرة يخسر، و لا يدري لماذا لم يستسلم حتى الآن ويرفع العشرة ..
, ابتلع ريقه مخفضاً عيناه أرضاً، فيما بقي تليد هادئاً يطالعه بصمت، قبل أن يهز عدي رأسه، و موجة الغضب الثائرة خفتت تماماً ليحل محلها انكسار ملحوظ وهو ينظر له متمتماً: أاسف.. شكلي تعديت حدودي و وثقت فيك من غير ما أعرفك ولا أعرف حقيقتك.. و..ولا قيمتي عندك..
, ابتسم فجأة ساخراً بدموع كرهها، و كره ضعفه ذاك، و لكن ما الذي بقي ليخبئه؟! ما الذي بقي لديه ليتصنع القوة أمامه و المكابرة؟! ليهتف بصوت مبحوح: بس حضرتك برضو الحق عليك، مش لازم تنزل نفسك لمستوايا مادام شايف مستواك عالي كده و مش مناسب ليا ..
, تراجع للخلف يستدير ليخرج من المكتب، وترك الباب خلفه مفتوحاً فيما عادت عيناه سريعاً للدموع بقهر و حرقة ..
, دخل الرجل لمكتب تليد حال خروج عدي، ليهتف تليد ناقلاً نظراته نحوه: شوفلي حصل إيه معاه ..
, الرجل: تخانق مع واحد من المتدربين، و تقريباً قالوا كلام عن مامته ..
, رفع تليد حاجبيه بحدة يهتف بتساؤل: وائل ؟!
, الرجل: لا يا باشا حد تاني أسمه مالك بس وائل والباقي كانوا متجمعين حوليهم ..
, بقي تليد صامتاً يطالع الرجل للحظات، قبل أن يعتدل بوقفته مخرجاً سيجاراً من جيبه يهم بإشعاله و هو يهتف: هات كل اللي كانوا متواجدين، عايزهم قدامي هنا خلال خمس دقايق ..
, أومأ الرجل بطاعة سريعاً، و التفت خارج المكتب لتنفيذ أوامره، فيما أشعل تليد سيجاره و يلتفت بلا شعور حيث كان يقف عدي قبل لحظات قليلة ..!
, ٨ علامة الإقحام
, صفعة حطت على وجه المدعو مالك من قبل أحد رجل تليد الذي عاد ليجذبه بقسوة من ياقته يوقفه باعتدال أمام تليد ذو العيون الهادئة، حيث كان يقف مقابلاً لهم، بعدما تم إحضاره هو و عدد من المتدربين الآخرين الذين شهدوا على عراك عدي معه ..
, هتف مالك بذعر: أانا أسف يا باشا و**** ماقصدي أتخانق معاه أانا بس..
, أومأ تليد يرفع سيجاره بين شفتيه، سحب نفساً عميقاً منه و نفثه جانباً ليهتف يحثه على المتابعة: أيووه أنت بس إيه..؟! أنا عايز أعرف بعد ال -بس- في إيه ..؟
,
, ابتلع مالك ريقه، و انتقلت عيناه نحو وائل الذي يظهر الذعر و التوتر على ملامحه، ليهتف تليد رافعاً حاجبيه: جبت الكلام اللي قولته لعدي منين ؟!
, تعرق جبين مالك بقلق و رمق وائل بطرف عينه ليهتف سريعاً متراجعاً للخلف حالما اقترب الرجل الخاص بتليد يهم بضربه، ليرفع يداه ملوحاً بها: وائل.. واائل هو اللي قالي يا باشا و**** ..
, ابتسم تليد بجانبية يرمق ملامح الفزع التي ظهرت على وجه وائل بسرعة، ليعود و يحدق بمالك: و هو برضو اللي قالك تتخانق مع عدي ؟!
, نفى مالك هاتفاً باندفاع: أقسم ب**** ماهقرب منه و لا أتعرضله تاني و****.. أانا بس..
, تليد: تؤ أنت عمال تبسبس من ساعتها وكده ميمشيش معايا.. حد يتصرف ..!
, اقترب أحد رجاله سريعاً ليُسدد لمالك لكمة قوية أطاحت به أرضاً بعنف، ليصرخ الآخر هاتفاً بألم: آخر مرة يا باشا و**** أانا.. كنت فاكره مغرور و واخد مكانته هنا واسطة كنت حاقد عليه بس و**** مش هتكرر تاني أقسملك ب****..
, ابتسم تليد رافعاً حاجبيه بصمت للحظات، ليقترب بعدها منحنياً نحوه بخفة: كنت فاكر ؟!! تؤ أنا عايزك تتأكد أن ليه واسطة هنا، و واسطته جامدة أووي و أنت ولا غيرك لو فكرتوا ترموا عليه وردة اللي هيتردلكم هتبقى رصاصة بين عينيك الحلوين دول..
, توسعت عيني مالك بذعر ليومئ تليد برأسه: بالظبط كده.. عايزك تفضل باصص كده أول ما تشوف عدي قدامك، بص.. أنا قلبي طيب أوي بس..
, توسعت ابتسامته فجأة مميلاً رأسه: شوفت أنا بقيت عمال أبسبس زيك أهو **** يسامحك ..
, ابتلع الرجل ريقه متجاهلاً نزيف أنفه الحاد ليهتف تليد بلهجة جدية: بس عدي هنا خط أحمر، أي حاجة عايزها منه تجيلي أنا أولاً، حتى لو عايز تقوله هاي هتيجي تقولهالي أناا قبليه.. مفهوم ؟!
, أومأ مالك يرأسه سريعاً ليلتفت تليد نحو الرجل خاصته: أنت قطعت لسانه ولا إيه ؟!
, نفى مالك بسرعة: حاضر يا باشا مفهوم و**** ..
, اعتدل تليد بوقفته بلامبالاة هاتفاً وهو ينفث سيجاره بهدوء: عيد اللي قولتهولك كده علشان أتأكد أن المعلومة وصلت لدماغك ..
, ابتلع مالك ريقه يهتف بتوتر: مش هقرب منه و..ولو عايز منه حاجة أجي لحضرتك الأول ..
, أشار تليد بيده له أن يُكمل ليرمقه مالك بعدم فهم، فيما تنهد تليد رافعاً حاجبيه: كمل.. حتى لو عايز تقوله هاي..
, صمت للحظة مفكراً قبل أن يلوح بيده: أقولك.. أنا لا عايزك تقوله لا هاي ولا باي، أنت لو بلعت لسانك قدامه هيبقى أفضل أوك ؟!
, رجف جسد مالك بفزع يومئ برأسه: حاضر حاضر و****..
, ابتسم تليد متراجعاً للخلف، لينقل نظراته بين الرجال الذين يتابعون ما يحدث بعيون فزعة متوترة، ليهتف مبتسماً: دور مين بعد مالك ؟!
, توسعت عيون الرجال بصدمة ليرمقهم تليد بنظرات غريبة قبل أن تتوقف نظراته على وائل الذي يشيح بوجهه عنه يزيغ نظراته في أنحاء الغرفة كاملة ..
, هتف تليد بهدوء: طلعوهم، وسيبولي الواد ده أتسلا معاه شوية ..
, قالها مشيراً لوائل الذي عرف بدون أن ينظر له بأنه المطلوب، ليبقى متجمداً مكانه حتى فرغت الغرفة بعد لحظات قليلة إلا منه و من تليد و أحد رجاله ..
, ليبقى تليد صامتاً للحظات زادت من توتره قبل أن يهتف به بهدوء: عرفت إزاي أن أم عدي كانت في موقع المهمة ؟!
, التفت وائل نحوه بأنفاس مضطربة، و لمعت عيون قلقة استشعرها تليد ليقطب جبينه مميلاً رأسه بتساؤل ..
, فيما هتف وائل بخفوت: أانا..بس توقعت ..
, تليد: إزاي ؟!
, ابتلع وائل ريقه متمتماً: أنا برضو شوفت ست بين الرجالة و..
, تليد مقاطعاً: كداب..
, زفر وائل أنفاسه بقوة، و ضم قبضتيه محاولاً الحفاظ على ثباته، ليرمقه تليد بنظرات هادئة رغم حدته الداخلية، مطالعاً تصرفات وائل و محاولاته الثبات بعيون لا تستطيع إنكار براعة الآخر، و محاولاته الناجحة،
, لطالما رأى به شخصاً جديراً بهذا المكان، خلافاً عن عدي الفوضوي و الذي دخل هذا العالم فقط ليقضي على قهر سنينه و فقره،
, و لكن وائل قد كان مُختلفاً، حتى في الأيام القليلة التي كان هو مدرباً له بها،
, رأى لهفته لتعلم كل ما هو جديد، للمحاولة مرة وثالثة وعاشرة بدون تذمر، يرى إتقانه لأشياء كثيرة تجعله متفوقاً على الجميع هنا، و هذا ما يُسبب غرور شادي به بما أنه مدربه،
, و لكن خوف شادي و حذره من هدوء تليد الذي لطالما فاجأهم في النهاية بأشياء غير متوقعة، جعله يكره عدي و يُحرض وائل عليه أكثر، قبل أن يُظهر تليد و عدي ما فعلوه من مهارات خفية عنهم ..!
, خرج من أفكاره مطالعاً نظرات وائل التي زادت هدوئاً بعد رؤية ملامح تليد العادية، ليهتف: نعيد تاني، عرفت إزاي ؟!
, زفر وائل بحدة ليهتف تليد بما فاجأه: شادي ؟!
, رفع وائل نظراته نحوه، فيما اقترب تليد منه عاقداً حاجبيه: عايز تتفصل ؟!
, توسعت عيون وائل بصدمة ليهتف تليد: الموضوع ده أنا مش هعديه كده، لو كان أنت هتتفصل، و لو شادي٣ نقطة
, صمت محدقاً بوائل الذي بادله النظرات بصمت يحمل قلقاً داخله، ليهتف تليد أخيراً: قول و أنا هتكفل بكل حاجة ..
, ابتلع وائل ريقه مشيحاً بوجهه عنه ليعود ويحدق به: مش أانا.. قصدي.. أنا ماكنتش عارف، حكاية مامته إحنا بالحارة كلنا عارفينها، بس أنه شافها هناك وكان لاحقها أما عمل الحادثة دي أنا معرفهاش شادي بيه هو اللي قالي ..
, تليد: و هو عرف إزاي ؟!
, وائل: مش عارف يا باشا، تقريباً سمع كلامك مع رجالتك ..
, ضيق تليد عينيه بخفة ليبتسم متراجعاً للخلف: وبعدين ؟!
, زفر وائل بضيق ليهتف بعدها بحنق: أنا خلاص يا باشا عدي ده مش هقرب منه تاني ولا هنا ولا في الحارة، أنا همي شغلي مأخسروش أما هو مش هامه حاجة، هو أساساً مش بيحب المخابرات بعكسي ..
, تليد: و أنت مالك هو بيحبها أو لا، التزم بالكلام عن نفسك لو سمحت ..
, صمت وائل يرمقه بنظرات غريبة، ربما حاقدة لوجود مدرب لعدي ك تليد رغم أنه لا يستحقه، أم ربما يقارن بينه و بين مدربه شادي، و الذي يعامله في أحيان كثيرة بقسوة هائلة، فقط ليبقى محافظاً على مركزه بينهم ..
, هتف تليد بهدوء: و أنت قولت لمالك ليه ؟!
, رمقه وائل بتردد ليهتف: شادي بيه لو عرف..
, قاطعه تليد: شادي بيه ده مش هيقدر يقف قصادي، قول..
, ضم وائل قبضتيه بضيق: هو اللي قالي أقول للباقيين، و أفضح قصة عدي هنا ..
, ابتسم تليد بجانبية و كأنه كان متوقعاً كلام الآخر: و السبب ؟!
, وائل: هو.. هو يا باشا خايف أن حضرتك و عدي تتقدموا علينا أما يجي وقت التقييم، عايز يتغلب عليك بأي طريقة،
, تليد: و قرر يكسر عدي عشان مش قادر يكسرني ..
, رمقه وائل بصمت و قلق ليهتف: أانا ماكنتش هعمل كده بس هو أجبرني ..
, تليد: لا بص.. كل اللي قولته هقدر أصدقه بس أنك ماكنتش عايز ف دي صعبة شوية..
, زفر وائل بحدة ليهتف: أنا فعلاً ماكنتش عايز، أنا مش عايز حاجة تأثر على شغلي تاني ..
, رمقه تليد للحظات بصمت، قبل أن يشير له: أطلع برا ..
, وائل بقلق: بس يا باشا شادي بيه ل..
, تليد: برا ..
, قطع وائل كلامه بضيق و حرج، و التفت خارجاً من المكتب بملامح قلقة، يلاحقه تليد بعينيه حتى ظهر أمامه وجه أحد رجاله الذي هتف: عدي خرج من المركز من نص ساعة يا باشا ..
, رفع تليد حاجبيه: خرج؟! من غير إذن ؟!
, هز الرجل كتفيه ليتنهد تليد مشيراً له بصمت، ليتراجع الرجل للخلف مغلقاً الباب خلفه ..
, ٨ علامة الإقحام
, وقف مسعد على باب غرفة عدي المفتوحة وهتف بحنق: كنت سبني بس أشتري القارب و أصيد سمك، أنت كداب استنيت لحد ما دوري جه و عايز ترجعه ..
, رمقه عدي بطرف عينه، و بقي صامتاً يُعيد الهاتف الفاخر لعلبته التي احتفظ بها هي الأخرى في إحدى زوايا غرفته،
, جبينه كان معقوداً بحدة و مكابرة،
, لن يسمح لأحد بالتصدّق عليه بعد اليوم، و لن يضع ثقته بأحد أبداً، حتى نفسه لن يثق بها و سيضع حدوداً بينه و بينه!
, زفر بعدما أنهى توضيب الكيس أمامه، و الذي احتوى على هاتفه الفاخر، سترة تليد التي تصدق عليه بها، و ذلك الحذاء الذي اشتراه له بأمواله ..
, زفر متراجعاً للخلف يحدق بالكيس مفكراً: فاضل تمن الشاورما اللي طفحناها أنا و مسعد، و العربية..
, زفر مجدداً يلتفت نحو نافذة غرفته مطالعاً ظلام الخارج: و العربية دي هجيبها من فين ؟!
, هتف مسعد بغضب: أنت يا عاق مش بترد عليا ليه ؟!
, التفت عدي نحوه بغضب، مازال يحاول نسيان ماحدث، نسيان كلمات تليد و نظراته الهادئة المغيظة، مازال يحاول نسيان مشاجرته معهم، أصواتهم، كلماتهم، و معرفتهم لحقيقته!
, ليهتف بحدة مخفياً قهره: بص يابا.. الكيس ده أنت لو مديت إيدك عليه أنا هتبرا منك الكيس ده مش لينا و هيرجع لصحابه ..
, مسعد: و إيه لحظة الكرامة اللي جاتلك دي، كنت سيبنا نشتري القارب الأول ..
, عدي: بقولك إيه يا مسعد أنا جبت آخري متستفزنييش، الكيس ده ممنوع اللمس ..
, رمقه مسعد يهز رأسه بحدة: عاق، عااق نقول إيه أنا مخلف أبن عاااق و محدش مصدقني ..
, تركه خارجاً من الغرفة متمتماً بكلمات ضاقت ذرعاً بولده بعدما حرمه من لعبة كانت تُسليه و تملئ أوقاته بدل أن يجد نفسه بلا شعور في قهوته المسلوبة، بين أناس يكرهونه ..
, فيما زفر عدي بحدة، و اتجه ليغلق أضواء غرفته ليلقي بنفسه فوق السرير و رفع نظراته نحو النافذة بعيون ارتخت فجأة بانكسار: يااارب.. يارب ألاقي شنطة فلوس متبقاش لحد ولا حد يسأل عليها، و محدش يشوفها غيري أنا، زي ماتكون كده نزلتلي من السما يعني..
, تقلب محدقاً بالحائط القديم أمامه ليتمتم متخيلاً حدوث ذلك: هشتري بيت غير ده، وبعده هشتري موتسكل، و٣ نقطة بس كده الفلوس هتخلص..!
, زفر بقوة واستلقى على ظهره محدقاً بالسقف ليهتف برجاء: تنين.. يارب ألاقي شنطتين كلهم فلوس، هشتري بيت و عربية و شركة..
, صمت للحظة و ضاقت ملامحه بعدما شعر بأن الأموال لن تكفيه، ليغمغم بضيق: و **** الواحد مكسوف يطلب تلاتة..!! بس أنت كريم يارب و أنا راجل غلبان و أستاهل ..!
, ٨ علامة الإقحام
, طُرق باب المكتب بهدوء، و لم يُفتح سوى بعدما سمح تليد للطارق بالدخول، ليقطب جبينه متفاجئاً من أدب عدي الغير اعتيادي، و الذي دخل إليه بملامح جامدة، و جبين معقود بحدة ..
, أخفض نظراته من وجهه باتجاه يده التي رفعت الكيس ليضعه على سطح الطاولة أمامه هاتفاً بهدوء: دول الحاجات اللي جبتها ليا، أنا مش عايز صدقة منك و لا من غيرك، الحمد**** عايش و **** كافيني ..
, عقد تليد حاجبيه يطالعه بنظرات تحولت للجمود هو الآخر، فيما رفع عدي نظراته لتلتقي بعينيه هاتفاً: و فلوس العربية٣ نقطة أا أنا هشتغل وهسددهوملك على أقساط لو حضرتك توافق ..
, بقي تليد هادئاً صامتاً ليزداد قهر عدي من عجزه أمامه، يضم قبضتيه بقوة و عض شفته للحظة قبل أن يعود ليهتف بتنهد: و لو مترضاش أقساط أحبسني..
, ابتسم ساخراً للحظة، و اختفت ابتسامته سريعاً ليهتف بجمود: أنا هروح ساحة التدريب ..
, رفع يده فجأة و على غير عادته، أدى التحية بملامح جامدة، نظراته تحدق به مباشرة بجمود خالي من كل شيء، ثم استدار خارجاً من المكتب، يغلق الباب خلفه بهدوء ..!
, بقي تليد على حاله حتى بعد خروج الآخر، لتتحرك يده بعد لحظات مُخرجاً سيجاره من جيبه، ليضعه بين شفتيه و يشعله نافثاً الدخان بنفس حاد، فيما عيناه تحدقان بالكيس أمامه بنظرات جامدة ..
, مد يده بعد عدة دقائق يفتح الكيس، ليجد سترته الخاصة، و ذلك الحذاء مع علبة الهاتف الفاخر ..
, سحب العلبة يفتحها مخرجاً الهاتف منها ليجده مفتوحاً و كأن عدي قد وضعه بها بدون أن يُغلقه أو حتى يحذف منه شيئاً ..
, معرفته بعدي جعلته يرفع حاجبيه بحذر، و يفتح الهاتف ليتأكد من شكوكه، ليزداد ارتفاع حاجبيه بدهشة ملاحظاً وجود رقم به، كان رقم عدي!
, تراجع للخلف يكمل شرب سيجاره، وبيده الأخرى يحمل الهاتف ليُفتش به بلا خصوصية، لحظات ليرتفع حاجباه مطالعاً كمية الصور الموجودة أمامه،
, ضغط على إحداها ليظهر بها كأسين من الشاي فوق صينية تبدو قديمة، و بجانبهم طبق بوشار صغير ..
, كان قد صوّرهم عدي عندما كان يشرب برفقة والده مُقلداً ما يفعله الجميع ..
, صورة أخرى ظهر بها مسعد، بعيونه الصغيرة المستديرة، متربعاً على أرضية المنزل القديمة، بسمته تعتلي شفتيه فيما يرفع إحدى يديه بإشارة النصر، رغم أنه عاش عمره مهزوماً!
, العديد من الصور تدفقت أمامه، بعضها لمسعد، و بعضها الآخر لعدي، و الكثير من صور السيلفي لكليهما،
, لفتت نظره عدة صور لعدي مرتدياً سترته التي أعطاها له، و صور أخرى يظهر بها متصوراً أمام المرآة، ليدقق النظر بخفة و يدرك أخيراً بأنه التقطها أمام مرآته داخل حمام منزلهم ..!
, حاجباه ارتفعا فجأة، مطالعاً صورة أخرى كانت لعدي، بفم فاغر بدهشة، و عيون جاحظة بذهول، فيما ملامحه كانت مُضحكة و يبدوعليه التفاجؤ و الفزع،
, صورة التقطها لنفسه، و لم يحتج تليد وقتاً طويلاً ليّدرك بأنها كانت أول صورة له بالكاميرا الأمامية، و ملامحه المضحكة تلك نتجت عن تفاجؤه بوجودها، ليلتقط الصورة من دون قصد!
, تفلتت من بين شفتيه ضحكة خافتة مدققاً بهيئته، سرعان ما تنبه لنفسه ليقطب جبينه متنهداً، و يخرج من الصور باحثاً في أشياء أخرى، ليرى رقمه هو باسمه الذي سجله الآخر -الباشا-
, كاد يغلق الهاتف قبل أن تلفت نظره المفكرة الموجودة به، ليدخلها ويجد إحداها كان قد كتبها عدي يوماً،
, -4شاورما، جاكيت، جزمة، موبايل غالي، و عربية..-
, أغلق الهاتف أخيراً، و نظراته ارتفعت محدقاً أمامه بشرود ملامح واضح،
, عدي يبدو سهلاً، غبياً،
, يظنه الجميع لقمة سائغة يستطيعون إلتهامها متى شاؤوا، و لكنه متسلّح بقوة غريبة ربما هو نفسه لا يُدركها، يحارب بها قهره و إذلال أيامه،
, فرحته عندما قدم له تلك الأشياء، لم تجعله يظن ولو لمرة بأن عدي لم ينسها، و أنه يُسجلها لديه ك دين فعلاً على أمل أن يرده يوماً!
, ترك الهاتف من يده بجانب العلبة المفتوحة، و نهض عن جلسته يطفئ سيجاره في منفضة موضوعة أمامه، ليعدل سترته بعيون عادت لهدوئها مجدداً، متجهاً بخطوات هادئة خارجاً من المكتب ..
, ٧ علامة الإقحام
, التفت عدي حوله بملامح يظهر الضيق عليها، لتلتقي عيناه بعيني وائل الذي رمقه بجمود، و أشاح بوجهه عنه ..
, ابتسم عدي بسخرية، ملاحظاً تجنب وائل له كما إخوته، لتزداد ابتسامته أكثر: أحسن.. كلاب وخلصت منهم ..
, تنبه على اقتراب أحد منهم و الذي هتف: عدي مالك وائل، على مكتب القائد حالاً ..
, رمقه عدي بصدمة، و التفت يحدق بكل من وائل للقلق، و مالك الذي ينظر لهم بفزع،
, وبلا شعور، بدأ عدي ينقل نظراته حوله، عله يلمح تليد من بين المتجمعين حوله، و كأنه ينتظر ظهوره ليشكو له، أو ليقوي نفسه بوجوده ..
, ابتلع ريقه و كان أول من سار للداخل، ليلحق به وائل و مالك سريعاً متجهين جميعاً لمكتب القائد ..
, وهناك تفاجأ عدي من المتواجدين أمامهه
, تليد، شادي. و المدرب الخاص بمالك، و بعض آخر من المشرفين و المسؤولين عنهم .. و لاحظ من بينهم و جه شادي الغاضب، عيونع المحمرة بحدة، و لم تغب عنه نظرة الحقد التي رماه بها ..
, ابتلع ريقه مجدداً، و التفت ينظر لتليد الجالس فوق كرسي جلدي فاخر، يعلق نظراته على القائد بهدوء ملامح لم يستطع أن يستشف منه شيئاً ..
, لدقائق لاحقة بقي عدي صامتاً بعيون تتوسع بصدمة، و دقات قلب عالية ينظر حوله باهتزاز حالما تحدث القائد بسبب تواجدهم ..
, عيونه انتقلت نحو شادي، الذي يزداد وجهه امتقاعاً واحتقاناً غاضباً،
, بقي يعلق نظراته عليه بقهر و غضب يستعر داخله، حالما أدرك بأنه السبب بافتضاح أمره،
, لا ينكر صدمته حالما سمع ذلك، فشكوكه كلها كانت موجهة لشخصين فقط،
, وائل و تليد ٣ نقطة!
, أخفض نظراته أرضاً بمشاعر غريبة هاجمته، و دمعت عيناه بضيق كبير ظهر على ملامح وجهه المحمر و جبينه المتعرق .. فحديثهم عن والدته الآن حتى لو بشكل مختصر، قد أثار و جعه و خزيه بشكل كبير ..
, لينتفض على صوت صراخ شادي المصدوم: أنتوا إييه اللي بتقولوه ده ؟؟
, القائد بجمود: احترم نفسك يا سيادة الظابط، القرار طلع و مفيش رجوع، أسمك هيتشال من قائمة المدربين وفي ظابط تاني هييجي مكانك و يشرف على وائل ..
, تغيرت نظرات وائل لوهلة، و ظهرت لمعة الفرح داخلها، و كأن كابوساً قد انزاح عن كاهله، فيما التفت القائد نحو مالك و الذي تنبه عدي له للمرة الأولى لامحاً وجهه المكدوم، ليهتف القائد: مالك هنعتبر اللي عمله تليد فيك قرصة ودن صغيرة، أي شكوى عليك تاني هيبقى فيها حبس ..
, أومأ مالك سريعاً بقلق فيما ابتلع عدي ريقع يلتفت بتردد نحو تليد الذي مازال يجلس بهدوء و كأن الأمر لا يعنيه، فيما هتف شادي بحدة: طبعاً، تليد باشا سبب استبعادي من التدريبات صح ؟؟
, القائد: السبب هو أنت وعمايلك، اللي عملته مش قليل و مش أخلاق ظابط مخابرات ..
, شادي: واللي عمله تليد باشا و المتدرب بتاعه قليل؟! ولا تليد عنده مين يحامي ع..
, قاطعه القائد بحدة: انتباه يا حضرة الظابط، إعرف أنت واقف قصاد مين و التزم بأدبك،
, احتقن وجه شادي حقداً، و التفت يطالع عدي بنظرات حادة متوعدة، ليهتف القائد: تقدر تمشي من النهاردة، و أنت يا وائل خد باقي اليوم إجازة مدربك هيبدأ من بكرا ..
, أومأ وائل مخفياً ابتسامته ورفع يده مؤدياً التحية، ليأمرهم القائد بالخروج جميعاً و كان أول من اندفع خارجاً هو شادي بخطواته السريعة الغاضبة ..
, خرج عدي من المكتب، و سار في الرواق بخطوات بطيئة مترددة، يلتفت كل ثانية للخلف و كأنه ينتظر خروج تليد الذي تأخر في الداخل،
, اتكأ على الجدار بجانبه، و عيناه تحدقان أرضاً بتفكير عميق حتى تنبه على صوت الباب القريب منه ليرفع نظراته سريعاً معتدلاً بوقفته مطالعاً خروج تليد منه و هو يعدل بدلته بهدوء ..
, رمقه عدي بنظرات مترددة، و شيء داخله يشعره بالسوء و الغباء لأنه تسرع في حكمه عليه،
, يُشعره بصغره أمام ما فعله تليد من أجله سابقاً و الآن، و تذكر في هذه الثواني وجه مالك المكدوم و كلام القائد على ما فعله تليد به،
, و شادي الذي تم التخلي عنه في التدريبات بسهولة، و يعلم جيداً بأن لتليد يداً في ذلك ..
, لم يدرك بأنه يشيح بوجهه عنه بلا شعور، ربما من أفكاره المتوترة، أم من حرجه و ارتباكه مع تلعثم الكلمات على لسانه ..
, رفع نظراته حالما استشعر اقتراب تليد منه، ليقطب جبينه بقوة عندما تخطاه الآخر، بدون حتى أن يلقي عليه و لو نظرة واحدة، ويتابع طريقه في الرواق بخطوات هادئة و كأنه لم يره ..
, ابتلع ريقه يضم قبضته جانبي جسده بضيق يزداد داخله ليزفر متمتماً بحنق: عايزه يعني يقولك إيه بعد اللي أنت عملته يا عبيط، عبيط أنت يا عدي عبيط ..
, تأفف بحدة و التفت يسير في الرواق لاحقاً بتليد رغم عدم معرفته أو تجهيزه لأي كلام يقوله له،
, وقف أمام الباب المغلق للحظات قليلة، ليرمق الرجل بجانبه بطرف عينه والذي كان يتابعه بصمت ليرفع عدي نظراته له مضيقاً عيناه: أنت شغال مع الباشا من إيمتى؟
, الرجل: بقالي تلت سنين ..
, ابتسم عدي بلهفة ليهتف: طب لو أنت غلطت معاه وعايز تتأسف هتقوله إيه ؟!
, الرجل: هقوله آسف ..
, رمقه عدي باستنكار: لا أنت ساعدتني كده ألف يكتر خيرك ..
, الرحل: تليد باشا مس بيسمح بالغلط أصلاً، هيديك فرصتين والتالتة بيباي ..
, رفع عدي حاجبيه بدهشة ليهتف: ماهو اداني تلتمية وستين فرصة لغاية دلوقتي .. ده يعني إيه ؟؟
, الرجل: ده يعني أن أنت بجح مش راضي تعقل و تستغل فرصك، لأما محظوظ ..
, طالعه عدي باستنكار ساخر لآخر كلماته، إلا أنه لم يجبه والتفت يحدق بالباب المغلق أمامه ليزفر بضيق ويمد ده يدفعه بلا إذن ويدخل يغلقه خلفه سريعاً ..
, طالع تليد ذو الملامح الهادئة الجالس خلف مكتبه، لينتبه على الكيس الذي أحضره له و الذي ما يزال مكانه ليبتلع ريقه محاولاً الكلام: أا..يا باشا أاا هو..
, صمت حالما رفع تليد نظراته نحوه و كأنه ينتظر منه أن يكمل، ليهتف عدي: أنت عايز تقولي حاجة؟؟
, بقيت نظرات تليد هادئة ليحك عدي رأسه من الخلف يشير للكيس أمامه: دول مضطر عليهم حضرتك؟! أصلهم لازميني ..
, نقل تليد نظراته نحو الكيس أمامه، ثم عاد يعلقها على عدي الذي اقترب بتردد، ليسحب الكيس ملاحظاً الهاتف خارجه، ليمد يدع يسحبه سريعاً هو الآخر متمتماً: أصلي يا باشا كنت متعصب شوية كده ساعة شيطان يعني معلش..
, تراجع تليد بظهره للخلف يطالع عدي الذي ضم الكيس لصدره بملامح شبه متوترة، و تراجع للخلف و كأنه بإعادته أشياء الآخر إليه قد اعتذر!
, ليهتف تليد بهدوء: التدريب زي مبارح مش في الساحة،
, توسعت عيون عدي بتفاجؤ، فربما قد كان يظنه سيتخلى عن تدريبه ليهتف بابتسامة واسعة: بجد يا باشاا يعني أنت هتفضل المدرب بتاعي ؟!
, أومأ تليد بهدوء: أصل محدش هيستحملك غيري ..
, عبست ملامح عدي للحطة قبل أن يهتف: يا باشا.. أانا أصلي مقولتش لحد غيرك و..أا.. عندك حق يا باشا محدش هيستحملني ..
, صمت قليلاً قبل أن يرفع نظراته له: بس أوعدك يا باشا مش هتتكرر، أنا هرفعلك راسك بينهم كلهم و هتشوف بنفسك ..
, تغيرت نظرات تليد للإستنكار: مابخافش غير من ثقتك دي ..
, عدي: لا يا باشا متخافش أنت هتشوف عدي تاني من النهاردة٣ نقطة لا بص من بكرا إن شاء **** .. و برضو هديك من شنط الفلوس و **** بس أما ألاقيها الأول!
, طالعه تليد بنظرات متعجبة قبل أن يشير بيده: أطلع، و إبقى ماتتصورش عريان في الحمام أصلك مش حلو..
, توسعت عيون عدي بصدمة و بقي يعلقها على تليد بتجمد مذهول، فيما ابتسم تليد بجانبية رافعاً حاجبه يومئ برأسه: أيوون شوفت الصور و في صورة منهم أانت مش واخد بالك م..
, صمت رافعاً حاجبيه بابتسامة تزداد عندما تراجع عدي للخلف بسرعة شاهقاً بحرج، و التفت بتعثر ليصطدم بالباب أمامه بقوة و لكنه لم يهتم، ليفتحه سريعاً و يخرج يغلقه خلفه بقوة لتخرج ضحكة تليد رغماً عنه للمرة الثانية لهذا اليوم بسببه!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
التاسع


وقف قريباً من والده المستلقي بإهمال فوق أرضية المنزل مستمداً منها بعض البرودة في حرارة الجو القائظة،
, تنهد يرمقه بعيون مفكرة، و سار في أنحاء المنزل يُمسك قنينة الماء الشبه باردة يتجرع منها كل فترة مبدداً عطشه، ليقترب من سرير والده يمد يده ساحباً علبة الدواء من جانبه، لتتغير نظراته للهم سريعاً حالما وجدها فارغة ..
, بقي على وقفته تلك لعدة دقائق، يكور العلبة الكرتونية قي قبضته وصدره منقبض بألم بالغ فيما ارتخت عيناه بقهر ناجم عن عجزه ..
, زفر بضيق يقذف العلبة بحنق، و سار خارجاً من الغرفة يلتفت حوله في منزله الشبه فارغ بعدما باع سابقاً عدة أشياء ليُسدد بها بعض ديونه، و يُؤمن ثمن علاج والده ..
, عض شفته بقهر حالما لم يجد شيئاً يهتف بغيظ: أبيع هدوومي يعني أبيع نفسي..؟!
, ارتفع صدره بنفس مختنق رافعاً ماتبقى من المياه ليسكبه على رأسه، مبللاً خصلاته و وجهه و أنفاسه تتلاحق بحدة،
, لتقع نظراته فجأة على هاتفه الأسود الفاخر، المتدلي من يد والده بعدما ذهب الآخر في ثبات عميق ..
, ابتلع ريقه ينهض عن جلسته سريعاً، وانحنى يجذبه متطلعاً له بعيون مفكرة، و قهره داخله يزداد أكثر فأكثر،
, ليرفع عيناه محدقاً من إحدى نوافذ الغرفة الصغيرة، و ظهرت في حدقتيه نظرة تصميم برغم التردد و الحسرة ..
, أسرع نحو غرفته يجذب قميصه النصف كم، ارتداه سريعاً مع حذائه جاذباً علبة الهاتف الخاصة، وخرج بدون أن ينسى إغلاق الباب خلفه بإحكام تحسباً لاستيقاظ والده في أية لحظة..
, سار في طرقات حارته متجنباً كل من حوله، بعضهم قد بات يتجنبه تماماً و كأنه وباء، و البعض الآخر يتهامس عليه عن بعد فيما عيونهم تلاحقه أينما ذهب ..
, سار على قدميه المتعبتين مسافة لا بأس بها، حتى توقفت خطواته ناقلاً نظراته بين المحلات أمامه، ثم أخفض نظراته للهاتف بين يديه يطالعه بحسرة و وداع حزين ..
, تنهد بقوة، و دفع باب إحدى المحلات، مقترباً من البائع،
, عدة دقائق و كان يُمسك بين يديه هاتفاً أصغر من السابق، بكاميرة خلفية واحدة يتفحصه بعيناه ليهتف ناظراً للرجل: خلاص هاخده، واديني اللي فاضل من تمن التاني ..
, الرجل: عايز أنقلك عليه الحاجات اللي في ده؟ حضرتك مش ماسح حاجة ..
, عدي: أيوه بس بسرعة و اديني اللي فاصل من الفلو..
, قاطعه الرجل بنفاذ صبر بعدما كرر عدي على مسامعه تلك الجملة لأكثر من مرة: حاضر أهو متقلقش هديهوملك الصبر بس ..
, زفر عدي بضيق و وقف يراقبه بعينيه بصبر يكاد ينفذ، قبل أن تتهلل أساريره عندما رآه يُمسك رزمة من الأموال يعدّها سريعاً و سحب قسماً منها ليمده نحوه: كده نبقى خالصين ..
, حدق عدي بالأموال بين يديه و عدها سريعاً ليبتسم بسعادة واضحة لاحظها البائع ذو النظرات الماكرة المخفيّة،
, لهفة عدي كانت واضحة من البداية، حاجته الماسة للنقود، و جهله بثمن الهواتف و أنواعها،
, ليستغله البائع أيما استغلال، و يقع عدي ضحية جهله و حاجته!
, إلا أنه و رغم ذلك، فرِح هو بتلك الأموال التي ستكفيه لعدة أيام قادمة، مع هاتف آخر بكاميرا!
, أخذ عدي الهاتف الجديد، و الذي لا يقارن بفخامة السابق و رقيه، إلا أنه كان الحل الوحيد أمامه لتدبير ثمن علاج والده، حتى الطعام كاد ينقذ من ثلاجتهم المعطلة!
, خرج من المحل متجهاً على أقدامه لأقرب صيدلية يجدها أمامه، ليخرج منها هي الأخرى بقلب قد هدأ وضمير ارتاح بعدما استطاع شراء علبتي دواء لوالده وليس واحدة فقط،
, تحسس الأموال التي بقيت في جيبه، وابتسم بسعادة يسير على الرصيف بخطوات متعجلة قوية، ناسياً تعب أقدامه لسيره الطويل مقرراً شراء عصير بارد له و لوالده يقضي على حرارة كادت هي تقضي عليهم ..
, و داخله مرتاح بشكل غريب برغم حزنه على الهاتف الذي فرط به بسهولة، إلا أن فرحته كانت غالبة على كل شيء، و عجبٌ لقوة و ثقة غريبة تتلبّسه دائماً حالما يجد نقوداً في جيبه، حتى و لو كانت قليلة !
, ٨ علامة الإقحام
, وقف عدي على باب غرفة المكتب، يرمقه بتفكير و تردد واضح ليهتف الرجل بجانبه: أنت يابني دي طقوسك يعني قبل ما تدخل للباشا ؟!
, عبست ملامح عدي بعدما أخرجه الآخر من أفكاره: و أنت مالك خليك في حالك ..
, الرجل: ليك ساعتين متردد تخش وفي الآخر هتقتحم المكتب زي المداهمة ..
, عدي: ماقولنا خليك في حالك **** يرضى عليك أنا خلقي في مناخيري و مش عايز أتخانق معاك، سيبني أفكر..
, زفر مشيحاً بوجهه عنه وتحسس الأموال في جيب بنطاله بضيق: و**** أنا عمري ماشوفت أوقح مني.. عايز تديه تمن الشاورما من تمن الموبايل اللي هو ليه بالأساس ؟!
, ضرب كفاً بالآخر متنهداً: يا بجاحتي يا أخي ..!
, عاد يتحسس الأموال بضيق و اضح ليزفر بحدة مشجعاً نفسه و يقتحم المكتب فعلاً يمنع نفسه من التراجع، و بدون أن يرفع تليد رأسه تمتم بخفوت عالماً هوية المقتحم: إستراحتك كانت عشر دقايق إزاي تحولت لنص ساعة ؟!
, عدي: سبحاانه ..
, أومأ تليد بخفة و رفع نظراته له، ليعقد جبينه مطالعاً وجه الآخر الذي يقترب منه بتردد ..
, تحمحم عدي، حك رأسه و سحب الأموال من جيبه يمدها له: أتفضل يا باشا ..
, أخفض تليد نظراته للأمول بتساؤل: إيه ده ..؟
, عدي: فلوس ..
, تليد: شكراً للتوضيح ..
, زم عدي شفته بحدة و هتف بعدها باندفاع: د..دول يا باشا تمن الشاورما اللي اشتريتها ليا و لأبويا، معلش أتأخرت عارف بس..
,
, ضاقت عيون تليد يراقب يد الآخر التي وضعت الفلوس على سطح المكتب، ليرفع نظراته لعينيه: حد قالك إني عايزهم؟؟
, عدي: مينفعش يا باشا دول حقك و أنا مش هقدر أقبل صدقة من أي حد،
, بقي تليد يرمقه بصمت ليهتف عدي متداركاً: مش قصدي يعني بس.. أنا كده هبقى مرتاح معلش ..
, حافظ تليد على صمته و نظراته، و كأنه بداخله يكفر بكيفية إحضار عدي للأموال، إلا أنه تراجع للخلف رافعاً حاجبه: بص ياعدي ..
, رمقه عدي بتنبه ليهتف تليد: أنا مش محتاج الفلوس دي، و أنت لو عايز تردهالي أو تشكرني عليها في مية طريقة غير دي ..
, عدي: لا يا باشا أنا مش عايز أشكرك أا..!
, رفع تليد حاجبيه ليهتف الآخر بسرعة: لا و**** مش قصدي أنا فعلاً متشكر ليك بس هو يعني الفلوس دي مش شكر ده حقك ..
, تليد: بس أنا مابحبش الفلوس ترجعلي زي ماهي ..
, توسعت عيني عدي شاهقاً بصدمة: عايز تشتغل بالفايدة يا باشااا؟؟
, عقد تليد حاجييه يرمقه بصمت ليهتف عدي بحنق: ماهو ده اللي فهمته منك، أمال عايزها إزاي ..؟
, هز تليد كتفيه: جبلي أي حاجة، أعزمني مثلاً على شاورما على حسابك، أما فلوس ز..
, قاطعته شهقة عدي و عيناه المتلهفة: يعني يا باشاا هو أنا لو عزمتك هتقبل عزومتي؟!
, قطب تليد جبينه بتعجب: ومقبلهاش ليه ..؟
, ابتسم عدي بدهشة ثم حك رأسه: أصل يا باشا يعني أنا مش متعود حد يعزمني أو أعزمه، و أنت يعني.. أنت ماشاء **** يابختك تقدر تروح أفخم المطاعم، و مش من مقامك أعزمك على شاورما على الرصيف..
, رمقه تليد باستنكار: رصيف ..؟!
, عدي: أمال يا باشا هقعدك في مطعم؟! ما الفلوس دي ممكن مش كفاية ..
, بقيت نظرات تليد مستنكرة قبل أن يهتف عدي يلملم الأموال من أمامه: خلاص يا باشا بعد التدريب هنروح في عربيتك و أعزمك على شاورما ..
, تنهد تليد يعدل جلسته: أقعد ..
, رمقه عدي بتعجب ليزفر بضيق بعدما تذكر بأمر التدريب، ليُقرب كرسياً منه يجلس بجانبه و عيونه تطالع تليد الذي أخرج عدة أجهزة أمامه كان مصراً لتعليمه عليها جميعاً،
, يرى ملامحه الهادئة و عيونه الجدية، يشعر به يُحاول إعطائه كل ما يملك من معلومات، لا يبخل عليه بأي شيء و يصبر على غبائه و تساؤلاته المبهورة بكل شيء ..
, ابتسم بتذكر و أخرج هاتفه من جيبه و لأول مرة يرفعه بشكل معاكس لتكون الكاميرا أمامهم، ضغط عليها و خرج صوت إلتقاط صورة ليتنبه تليد من تركيزه، و يلتفت نحوه سريعاً يراه يحدق بشاشة الهاتف الصغير بابتسامة واسعة على شفتيه ..
, عيناه ضاقتا حالما شاهد الهاتف الصغير معه، إلا أنه بقي صامتاً حتى رفع عدي الهاتف بوجهه: بص يا باشا ..
, حدق تليد بالصورة حيث يظهر وجه عدي بابتسامة واسعة و بجانبه وجه تليد الغير منتبه، لتكون أول صورة لهما معاً في هاتف عدي ..
, بقي تليد صامتاً للحظات، ليهتف بعدها بهدوء غريب: رجع تلفونك و ركز معايا ..
, اختفت ابتسامة عدي يرمقه بدهشة، قبل أن يخفض نظراته نحو هاتفه ليتنبه على نفسه، و تتغير ملامحه للتوتر يعيده لجيبه سريعاً، و تمر الدقائق اللاحقة وسط صمت الإثنين، ورغم شرح تليد له و محاولاته تدريبه على كل شيء، إلا أنه و رغماً عنه كانت في عقله تتقافر أفكار وتساؤلات كثيرة،
, و ربما أدرك الآن مصدر الأموال التي عرضها عليه قبل قليل،
, و الآخر كان صامتاً بتوتر يحاول إخفائه، و كأنه يؤنب نفسه لتصرفه بهدية تليد بلا حق!
, هو حتى الآن يعدّها كدين يريد سداده، و لولا حاجته الماسة لما كان سيبيعه و يفرط به بتلك السهولة!
, ٧ علامة الإقحام
, راقب تليد من داخل سيارته هيئة عدي الذي خرج من المطعم الصغير أمامه، يحمل بيده كيساً متوسط الحجم فيما ابتسامة واسعة تكاد تشق وجهه بحماس بادي عليه..
, فتح عدي باب السيارة الجانبي، و دخل يمد الكيس نحو تليد: جبت 4 يا باشا تلاتة ليك و واحدة ليا أصل الفلوس دي فلوسك ..
, بقي تليد يطالعه بصمت، يراه يُخرج سندويشة ساخنة تسللت رائحتها الشهية في السيارة سريعاً، و مدها باتجاهه بابتسامة: اتفضل يا باشا و جبت برضو ازازة بيبسي واحدة ليك ..
, أخذها تليد منه بصمت و هز رأسه نافياً عندما مد له علبة الشراب الغازي ليهتف عدي: لا يا باشا مينفعش أنا جبتها ليك ..
, عاد تليد ينفي برأسه يتمتم بخفوت: مش عايز سيبها ليك ..
, عبست ملامح عدي متنهداً بثقل و وضع الكيس أمامه ليُخرج سندويشة أخرى و يرفع قدميه متربعاً ليكون أكثر راحة بادئاً بالأكل بتلذذ فيما ابتسامته تختفي و تظهر كل فترة،
, حالما يطالع تليد الصامت بجانبه، و الذي يأكل بهدوء و طريقة رآها راقية مخالفة لطريقته هو، ليبتلع ما بفمه و يعدل جلسته محاولاً تقليده إلا أنه لم يستطع ..
, زفر عدي متذكراً أمر الهاتف لتختفي شهيته محدقاً بما تبقى من طعامه بضيق واضح،
, ترك تليد مابيده، و التفت باتجاهه هاتفاً بشكل مفاجئ: بعت تلفونك ليه؟!
, رفع عدي حاجبيه بصدمة، و التفت يطالعه بذهول متوتر، فيما ثبت تليد عيناه عليه ينتظر إجابة ليتمتم عدي بتردد: أا.. أنا بس..
, صمت بلسان ثقيل لا يستطيع النطق بأنه محتاج، إلا أن كلام تليد جعله يضم يديه بقوة حالما هتف: كنت محتاح فلوس ؟!
, بقي عدي صامتاً محدقاً بحجره بوجه بدأ يحتقن من شدة أفكاره وضغطه على يديه ليأخذ نفساً حاداً بعد لحظات هاتفاً: أابويا محتاج علاج مينفعش أتأخر عليه و إلا حالته هتسوء ..
, بقي تليد صامتاً، و نظراته معلقة عليه، تحثه على الإكمال أو ربما تضغط عليه ليُكمل، فيما ازداد عدي اختناقاً وضيقاً ليهتف رافعاً نظراته له: أانا ماكنتش هبيعه يا باشا ده أساساً.. مش حقي أتصرف بيه على كيفي بس.. أانا أعمل إييه ومرتبي متوقف!؟ لو عليا كنت صبرت بس أبويا مريض..
, عض شفته بتردد من صمت تليد ليهتف مجدداً: خلاص يا باشا لما يدوني مرتبي أانا هديهولك كامل، عارف أنه مش هيكفي بس.. أنا مش هاكلهم عليك و****..
, زفر تليد مشيحاً بوجهه عنه يطالع النافذة بجانبه للحظات قصيرة صامتة زادت من قهر عدي و حرجه، ليعود و يلتفت له هاتفاً: التلفون ده ليك و أنت حر، أنا أما اديتهولك مافكرتش آخد تمنه،
, صمت للحظة قبل أن يهتف بجدية: جبت بداله الهاتف ده و علاج أبوك و الفلوس دي تمن الأكل، و غيره ؟!
, رفع عدي حاجبيه بدهشة و ابتلع ريقه متوتراً: غ.. غيره إيه يا باشا.. اللي فاضل يعني أا..
, تليد: اللي فاضل قليل جداً و خلال يومين تلاتة بالكتير هيخلصوا، صح ؟!
, ضغط عدي على قبضتيه بشعور سيء يجتاحه ليهتف تليد: هو ده موضوعنا.. أنت عارف أن الموبايل اللي بعته كنت اشتريت بتمنه عشرة من الموبايل اللي معاك ده ؟!
, ابتلع عدي ريقه مجدداً رافعاً حاجبيه و شعور الضيق داخله يزداد، ليلتفت محدقاً بتليد الذي تابع بصراحة شبه جارحة: أنت لو بدلته بالموبايل ده، الفلوس اللي المفروض تبقالك منه كانت هتعيشك شهر بحاله تصرف منها على كيفك، ده معناه إيه ؟! ده معناه أن اللي بعته ليه شافك محتاج و عبيط، و أنت بكل غباء سمحتله يستغلك بسهولة،
, ابتلع عدي ريقه للمرة التي لا يعلم عددها و عيونه تتوسع مع كل كلمة يقولها الآخر، ليشيح بوجهه عنه سريعاً و ترتجف شفتيه يحدق خارجاً باستياء بالغ و قهر كبير من نفسه،
, ربما كلام تليد صحيحاً، بل هو متأكد من صحته، و ربما كان يحتاج لصفعة توقظه لواقعه المرير أكثر من ذلك، تُعلمه بأن عفويته و طيبته التي تصل لدرجة الغباء هما السبب الأول في خساراته!
, لحظات بقي تليد يها صامتاً قبل أن يتنبه على صوت عدي المرتجف: مالقيتش غيره٣ نقطة بعت كل حاجة يا باشا مش فاضل إلا اللي مش قادر أستغني عنه زي التلفزيون..!
, التفت نحو تليد بعيون محمرة: التلفزيون فكرت كتير أبيعه بس مقدرتش أبويا بيتسلا بيه و ده بينسيه الخروج للحارة و القهوة و يئذوه هناك كالعادة، و إلا كنت بعته هو كمان من زمان ..
, بقيت نظرات تليد هادئة ليهتف عدي بقلب منقبض: أعمل في نفسي إييه، تعبت..!
, ابتلع ريقه يهتف: سنين و أنا عايش كده ومفيش حاجة بتتغير، دخلت كلية الشرطة عشان ع الأقل ألاقي مرتب بدل ما الكل مش راضي يشغلني، و أي حد بيساعدني هيبقى من باب الشفقة و يتصدق عليا زيك ..
, عقد تليد حاجبيه يعلق نظراته عليه: أنا مش بشفق عليك..
, ابتسم عدي ساخراً يمسح طرف عينه بعدما استشعر دمعة حارة تكاد تسيل منها: مش لازم تكدب يا باشا لو خايف على مشاعري، ده أنا حتى ساعات بشفق على نفسي، ع الأقل أانت.. أنت ساعدتني بجد مش زيهم، حتى لو مساعدتك كانت مجرد شفقة، ع الأقل مذلتنيش و فكرتني بمساعدتك زي ما الكل بيعمل معايا ..
, صمت تليد لعدة ثواني ليهتف ناظراً له بصدق: في البداية شفقت عليك أه..
, زادت ابتسامة عدي سخرية إلا أنها اختفت مع ارتجاف شفتيه و تقوسها و كأنه يكاد يبكي على نفسه، ليهتف تليد متابعاً بهدوء: بس بعدين لأ ..
, التفت عدي نحوه: أمال إيه ؟! لو مش شفقة بتساعدني ليه؟!
, هز تليد كتفيه: مش عارف .. حاسس إني عايز أساعدك ..
, ارتفع صوت عدي بانفعال: ليييه ..؟! إيه اللي جاييك مني؟! مييين أنا عشان تساعدني و أنت ماكنتش تعرفني ولا أنا أعرفك، أنا مين بالنسبالك عشان تصرف عليا و تساعدني في شغلي أكتر من مرة وتئذي نفسك و سمعتك، أانا..
, ابتلع ريقه لينخفض صوته بقهر: أانا ماكنتش عايز أكون موضع شفقة لأي حد، بس أعمل إيه إذا كان حظي كده، حظي أن مشاكلي بتبقى قدامك، قهري وعجزي و ضعفي كله بيظهر قدامك من غير قصد، و أنت كده عرفت عني كل حاجة، لو فضلت غامض بالنسبالك ماكنتش فكرت تساعدني ولا تقرب مني حتى، شوفت أن ده كله شفقة ؟!
, حافظ تليد على صمته يحدق به بنظرات لم تتخلّ عن هدوئها، فيما عاد عدي ليمسح عيناه بيد مرتعشة يبتلع غصة سكنت حلقة تزيده مرارة و ألماً، ليهتف و كأنه يريد الشكوى فقط: أنا عارف إني غبي و الكل بيستغل طيبة قلبي، بس أانا اللي عامل فيا كده هو أبويا، مش قادر أستسلم ولا قادر أضيّع نفسي و أضيعه معايا، أبويا محتاجني يا باشا محتاجني جنبه و مش عايز أخذله،
, التفت نحوه يهتف بقهر منفعل: زمان مقدرتش أجبله العلاج، كنت بحاول أدور على بيت تاني غير ده، كنت عايز أبيع كل حاجة و أسيب الحارة و أمشي، بس أبويا تعب أكتر.. و الدكتور بتاعه قالي خليك جمبه و حاول تفكره بالماضي بتاعه، خليه في المكان اللي عاش طفولته فيه ممكن ده ينشط ذاكرته و يساعده فتكر..
, ضحك فجأة بدموع انهمرت منه رغماً عنه: إزاي؟! إزاااي المكان اللي كان السبب في مرضه و الذكريات اللي كانت السبب أنه يفقد عقله هي نفسها اللي هترجعله عقله و تخليه يخف ؟! إزاي بقى الداء هو نفسه الدواء ؟!
, لانت ملامح تليد متابعاً عيون الآخر الباكية وشهقاته التي تخرج مع حديثه المنفعل: أساساً بيتنا كله على بعضه تمنه مش بيجيب عشة فراخ نعيش فيها، ولا حد من أهل الحارة الكلاااب بيسمح أنه يتباع، هما عينهم منه يا باشا عايزين ياخدوه من غير تمن، و أي حد عايز يشتريه بيطفشوه، هعمل لوحدي إييه قدامهم وقدام فقري اللي كرهني حياااتي،
, ابتلع ريقه يتنفس بقهر، ليرفع يده ماسحاً دموعه: تعرف أنا بقوله مسعد ليه ؟!
, بكى ضاحكاً باستهزاء: عشان مينساش أسمه!
, التفت نحو تليد الذي زم شفتيه يمنع تأثره من أن يظهر على وجهه فيما عدي يهتف بابتسامة مع بكائه: أبويا تعب جامد ونسي أسمه ونسيني أنا، الأيام دي مش عايز أفتكرها، حجزته في المشفى لأيام واتشردت في الشوارع بدور على أي حد يشغلني عشان أجبله تمه علاجه، ده أنا ماصدقت رجع لعقله شوية مع العلاج اللي قدرت أجيبه، مش عايز أقطعه عنه دلوقتي و ينساني المرة دي كمان..
, مد تليد يده يُقرب منه علبة المناديل ليأخذ عدي كومة منها ماسحاً وجهه متنشقاً بها بقوة و يرميها بإهمال في أرضية السيارة،
, ليصمت الإثنان للحظات تابع بها عدي بكائه الصامت رغماً عنه و مد يده مجدداً يأخذ كومة من المحارم ليمسح بها وجهه المحمر المتعرق فيما طالعه تليد بهدوء ليهتف: إبقى زيد على قائمة ديونك تمن المناديل دي برضو، ده أنا بقيت حاسس إني سايبها هنا ليك أنت ..
, ابتسم عدي يضحك بخفة بصوت مبحوح و هو مازال يمسح وجهه و عرق جبينه ليلتفت نحوه هاتفاً بشكل مُفاجئ: شوفت المُدرب الجديد بتاع وائل يا باشا ؟!
, عقد تليد حاجبيه متعجباً من تغييره دفة الحديث بتلك السرعة، إلا أنه أجاب: أيوه، أشرف ده كان زميلي ..
, ابتسم عدي هاتفاً وهو يمسح أنفه: يعني يا باشا هو كويس ؟! أنا شوفت وائل فرحان ده هو ماصدق خلص من شادي العنزة، يا بخته ..
, رمقه تليد بطرف عينه فيما تنهد عدي: طول عمره حظه حلو ..
, رفع تليد حاجبيه مستنكراً لينتبه عدي له و ينفي سريعاً: لا و**** مش قصدي عنك، بالعكس ده أنا أول مرة في حياتي ببقى محظوظ كده، محظوظ بيك أنا يا باشا، محظوظ جداً و**** ..!
, ابتسم تليد بجانبية، و تراجع للخلف بصمت ليهتف عدي: تعرف يا باشا، أنا و وائل كنا متنافسين من لما كنا صغيرين،
, التفت تليد برأسه المتكئ على ظهر المقعد يُطالعه بصمت ليكمل عدي ناظراً له: كنا نلعب كورة في الشارع مع ولاد الحارة، أنا قائد فريق وهو قائد الفريق التاني.. بس محسوبك يا باشا لعيب أبن لعيب كنت أكسب دايماً و آخر كل ماتش بينا كنا نتخانق جامد و نضرب بعض وهو يزعق و يروح يشتكي لأهله ويحلف أنه مش هيلعب معايا تاني.. بس أنا ماكنتش أهتم كنت عارفه بق أوي و هيرجع في كلامه، ف كنت بستناه تاني يوم عشان نلعب وهو يجي ونلعب تاني و نتخانق، كان عدوي اللدود من صغري وبيغير مني..
, هز رأسه ينظر أمامه رافعاً يداه أمام وجهه يعد على أصابعه: أب طيب و أم حلوة، بيت و قهوة، ده غير إني جمال أدب أخلاق و لعيب نمبر ون.. كل دول يا باشا خلوه يغير مني جامد ..
, عاد يلتفت نحوه: و على حظي دخلنا أنا و هو نفس الكلية و رشحوه ع المخابرات زيي، وغير مني أكتر أما طلعت أنت المدرب بتاعي ..
, صمت مطالعاً ملامح تليد الهادئة و الذي يُنصت إليه بصمت و صبر غريب، ليهتف فجأة: روحني يا باشا ..!
, رفع تليد حاجبيه دهشة فيما هتف عدي ناظراً حوله: و**** أنا مكسوف من نفسي يا باشا يعني المفروض أن أنا اللي عازمك، بس جبتنا هنا بعربيتك وهتروحني بعربيتك، و**** كده كتير..
, تنهد تليد يعتدل بجلسته مديراً محرك السيارة يهتف بخفوت: إبقى زيد ع القائمة تمن التوصيلة و البنزين ..
, عبست ملامح عدي ينظر أمامه بهم: و**** شكل القائمة دي هتبقى أطول مني٤ نقطة و من رجل مسعد ..!
, ٧ علامة الإقحام
, وقف عدي أمام مرآته الصغيرة و عيونه تحمل نظرة تصميم و تحدي، ثم التفت نحو مسعد: إيه رأيك يا مسعد حلو ؟!
, مسعد: يابني مش أنت رايح تحارب لازمة الحلاوة إيه بس ؟!
, رمقه عدي بغيظ ليهز رأسه معدلاً خصلاته: ولو.. أنا لازم أبان في أبهى حلّتي..
, طالعه مسعد بعدم فهم ليهتف عدي مقترباً منه: أدعيلي يا مسعد، أانا حاسس إني هبلي بلاءاً حسناً، خلاص أنا وعدت نفسي و وعدت الباشا المرة دي هخليه فخور بيا وهرفعله راسه فووووق..
, ارتفعت عيون مسعد تطالع سقف المنزل حيث ينظر عدي، ثم عاد يطالع ولده: و**** يابني مش عايز أقولك أنك بق وهترجع تجر أذيال الخيبة وراك ..
, عبست ملامح عدي و هاف بتفاجؤ: أنت يابا جبت الجملة دي من فين ؟!
, ابتسم مسعد بفخر: من التلفزيون يابني، و بصراحة كده ملقيتهاش تليق إلا بيك ..
, زفر عدي متخصراً بضيق، ثم هتف بقلق: لا يابا المرة دي غير، أانا تدربت جامد على كل حاجة لينا أسبوع بنتدرب ليل مع نهار بس بس إدعيلي أنت بس وشيل أذيال الخيبة من دماغك ..
, مسعد: بدعيلك و**** ياحبيبي تروح وترجعلي سالم ..
, رمقه عدي بحزن واقترب ليعانقه: هتوحشني يابا، مع السلامة خلي بالك من نفسك و اسمع الكلام وخليك في البيت ..
, ألقى قائمة توصياته على مسامعه و خرج من المنزل يعدل ملابسه يرتفع صدره بنفس عميق يستمد القوة و التحدي ..
, لن يسمح لأحد بالسخرية عليه مجدداً، هذه المرة ستكون مختلفة، منذ أسبوع عند معرفته بتلك المهمة الموكلة إليه قرر الإعتماد على نفسه، قرر التدرب بلا تذمر فقط ليرفع رأس تليد الذي تعب معه كثيراً منذ معرفته به ..
, سار في الطرقات بنظرة جدية تعتلي وجهه ثم رفع رأسه محدقاً بالسماء بعيون تكاد تغمض من حرارة الشمس: ياارب.. يارب مليش غيرك ساعدني عشان أبلي بلاءاً حسناً، يااارب أنا عارف أني مش نافع لحاجة بس.. أنت كريم يارب ومش هتسبني أنا عارف ..
, أكمل سيره باحثاً عن وسية مواصلات تقله للمركز: بس كله و لا أذيال الخيبة ذيل واحد كفاية يارب و زيادة!
, بعد ساعات قليلة ..
, مد عدي رأسه محاولاً النظر في المنظار الذي يمسكه تليد، ليدفعه تليد بمرفقه بصمت و هو يطالع عبره المكان أمامهم ..
, زفر عدي يهمس: خليني أشوف أنا كمان ..
, تنهد تليد و التفت يرمقه بصمت ليتذكر عدي وعده له و يومئ برأسه: خلاص يا باشا هسكت خالص، المرة دي غير و**** هننجح وهرفعلك راسك ..
, عاد تليد محدقاً أمامه في ذلك المكان، حيث عدد من الرجال المسلحين يظهرون حوله،
, المهمة كانت لعدي فقط، يتسلل من بينهم مصوراً المكان من الداخل أو حتى يرسم مخططاً بسيطاً له ليُمكن فرقاً أخرى من اقتحامه لاحقاً بسهولة،
, مهمة تدريبية ليثبت كفائته بعد تدريبات شاقة على كل الأجهزة و التمارين التي خاضها هو وزملائه،
, و لكن تليد قد أصر على القدوم معه، ربما خوفاً منه من تهوره، أم ربما كان خوفاً عليه !
, التفت نحوه يهتف بجدية: الخطة اللي رسمتهالك المفروض أنت تحطها لنفسك، بس ك بداية أنا هساعدك ..
, اتسعت ابتسامة عدي: **** يخليك ليا يا باشا، و **** أنا من غيرك ولا حاجة ..
, تليد: أهم حاجة من غير صوت، لو مشيت زي ما أنا مخطط هتخش و تخرج ولا من شاف ولا من سمع..
, عدي: متقلقش يا باشا حضرتك مدرب راااجل مش عيل، هنفذ كل حاجة بالحرف و هرفع راسك و هتشوف ..
, رمقه تليد بحسرة و رغماً عنه يحاول تشجيع نفسه و الوثوق بأن تهور عدي لن يظهر على الأقل هذه المرة، ليهتف بجدية: الوضع خطر، لو حد شافك المفروض تبقى عارف هتعمل إييه صح ..؟
, رمقه عدي ببلاهة: هعمل إيه يعني يا باشا ؟!
, رفع تليد حاجبيه بحدة: متعرفش ؟!
, فتح عدي فمه يرمقه بتفكير ليهتف بعدها سريعاً: معرفش إزااي بس يا باشا طبعاً عااارف..
, تنهد تليد براحة اختفت حالما هتف عدي: هجري يا باشااا هجرّ أذيال الخيبة ورايا و أجررري!!
, ٧ علامة الإقحام
, سار عدي خلف تليد بملامح جدية رغم ضيقه من نفسه بعدما قرر تليد تنفيذ المهمة معه، ربما لم يعد يثق بتركه بمفرده، إلا أنه لمح قلقاً في عينيه عليه، أو أنه هو من تخيل ذلك لئلا يزداد غيظاً وضيقاً من نفسه ..
, توقفت خطوات تليد الخفيفة و التي تكاد لا تلامس الأرض من خفتها، و على ذكرها تعجب عدي من قدرته على ذلك متمتماً: و**** أنا أما بمشي تقول فيل.. أنت إزاي كده ي با..
, تليد: هششش..
, أطبق عدي فمه سريعاً، وحدق بتليد الذي يلتفت حوله بحذر ثم همس بخفوت: هتمشي ورايا رجلك على رجلي من غير ولا صوت،
, عدي: حااضر يا باشا متقلقش إمشي و أنا في ضهرك ..
, تنهد تليد يلتفت نحوه بصمت، يفكر بالتراجع قبل أن يورط عدي نفسه و يورطه، إلا أنه أخذ نفساً عميقاً يهتف بجدية: ورايا ..
, ابتسم عدي بحماس يلمح تليد قد سحب سلاحه من خصره بخفة، و يسير بخطوات خفيفة متجنباً عيون الرجال من حولهم حتى اقتربا منهم كثيراً يختبئان خلف جدار قريب،
, رفع تليد عيناه يديرهما في المكان مطالعاً النافذة العالية فوقهم و التي كان يخطط للدخول منها منذ البداية،
, التفت محدقاً بعدي: هتراقب حركتهم، قدامنا 4 دقايق نقدر نخش من الشباك من غير ما حد يشوفنا بعد كده هنضطر نستنى تاني لحد مايغيروا مواقعهم ..
, أومأ عدي بصمت فيما رفع تليد يده محدقاً بساعته ليهمس: أنت هتخش قبلي..
, عدي: ليه يا با..
, تليد: هشش أنت تنفذ و بس ممنوع تعلي صوتك ولا تعمل أي حركة غير اللي بقولهالك مفهوم ..
, زفر عدي بضيق يومئ برأسه، و اقتربا أكثر من المكان لتتوقف خطوات عدي بعيون متوسعة يهمس بقلق: أانا عايز أعطس يا باشا ..
, تليد: ممنوع ..
, التفت عدي حوله بحذر ليتمسك بتليد فجأة: يا با..
, قطع كلامه حالما ارتفع صوت عطاسه عالياً في المكان الهادئ، جاعلاً تليد يسحبه من ذراعه بقوة حالما خرج صوت الرجال و تراكضهم في المكان ..
, ابتلع عدي ريقه يلتفت نحو تليد الذي يرمقه بجبين مقطب حاد كاد يتكلم قبل أن يرفع تليد يده أمامه يسكته، معدلاً سلاحه: خليك هنا..
, عدي: يا با..
, هتف تليد بصوت عالي: خليييك هنا..
, ضم عدي قبضتيه بضيق: يعني أعمل إيه عطست فيها إيه ده بدل ماتقولي يرحمك ****..
, قطع كلامه بفزع حالما ارتفع صوت رصاصة انطلقت من سلاح تليد، ليهرول لاحقاً به ناسياً أوامره و التصق بظهره يهتف: بتعمل إيه يا باشا ؟!
, دفعه تليد للخلف رغم شعوره بالغضب منه إلا أنه هتف: خليك ورايا..
, كاد عدي أن يتكلم ليصمت سريعاً حالما تعالى صوت الرصاص من حولهم ليتراجع للخلف يلتفت حوله بقلق محدقاً بظهر تليد أمامه و الذي يتبادل إطلاق النار معهم بملامح جدية و جبين معقود،
, لحظات قليلة حتى زاد ضيقه و غيظه من نفسه: هو ده اللي هيرفع راسه واقف كده زي الجبان؟! اتلحلح ياعدي اتلحلح أعمل أي حاجة خليه فخور بيك.. يلااا..
, هز رأسه يسمع كلام نفسه يُخرج سلاحه سريعاً يتفقده بجبين مقطب مصمم، ثم أسرع باندفاع نحو تليد جذبه من ذراعه يعيده للخلف بقوة: إبعد يا باشااا أنا هتصرف ..
, توسعت عيون تليد بدهشة و أقدامه تراجعت للخلف إثر يد عدي الذي مازال يدفعه بعشوائية ليحتلّ مكانه حتى سقط أرضاً بتعثر و مازالت عيناه مدهوشة تحمل نظرة الذهول،
, وقف عدي رافعاً سلاحه متفاجئاً من عدد الرجال التي يلمحها أمامه، ليبدأ بإطلاق النار بيد باتت أكثر ثباتاً من قبل، بعد كمية التمارين التي خاضها و التي أجبره تليد عليها،
, ليشعر فجأة بأحد يقف بجانبه ينكزه في كتفه، فيلتفت بجبين عابس حتى رأى وجه تليد الهادئ و الذي هتف: أنت إنتحاري ؟!
, عبس عدي أكثر باستنكار: لا يا باشا ..
, أشار تليد برأسه بخفة: أمال بتعمل إيه ؟؟
, قطب عدي جبينه و التفت لنفسه فتنبه لوجوده بلا شعور خارج الجدار الذي يحتميان به، فيما رصاصاتهم تتناثر من حولهه،
, لتجحظ عيناه بصدمة، و يشهق مندفعاً نحو تليد يدفعه بفزع حتى أسقطه أرضاً مجدداً وسقط فوقه بعنف مغمضاً عيناه بقوة،
, استمر صوت الرصاص من حولهم ليرفع رأسه رامشاً بعينيه، و ابتلع ريقه حالما اصطدمت نظراته بنظرات تليد الذي يعلقها عليه بتهديد،
, تراجع عدي يبتعد عنه بفزع: و **** يا باشا أانا..
, التفت حول بذعر وعاد يحدق بتليد ليراه ينهض نافضاً ملابسه السوداء بخفة ليهرول نحوه يساعده في نفض ثيابه بقلق و حرج و ذعر ليهتف ناظراً له: هنعمل إييه يا باشا ؟!
, وقف تليد يرمقه بنظرات هادئة مفكرة، يعلم إن بقي عدي بهذا المكان لدقيقة أخرى ستحدث كارثة، و إن بقي هو وحده ليُنفذ المهمة بدلاً عنه سيحشر عدي نفسه معه ويتهور ظاناً أنه يُنقذ الموقف!
, ليتنهد مخرجاً هاتفه يرسل رسالة لأحد رجاله متنبهاً لأصوات الرصاص المتفرقة و التي تُعلمه بتقدمهم الحذر نحو موضع اختبائهم ..
, ليرفع نظراته أخيراً ناظراً لعدي الذي يرمقه بجبين متعرق قلق ليهتف: أنت جدع يا عدي؟!
, رفع عدي حاجبيه بدهشة ليهتف بعدها باندفاع: إيه السؤال ده طبعاً يا باشا ..
, هتف تليد ناظراً بحذر خلف عدي: تعرف أن الجري نص الجدعنة ولا أعرفك أنا ؟!
, توتر عدي يلتفت خلفه ليهتف ناظراً لتليد: هنجري يا باشا ؟!
, هز تليد كتفيه بلامبالاة، ثم استدار مشيراً برأسه: قدامي..
, عدي: يا با..
, رفع تليد يده يشير له محافظاً على هدوء ملامحه رغم اقتراب الخطر منهم ليبتلع عدي ريقه صامتاً و يقترب منه حتى تخطاه بخطوات سريعة مهرولة عائداً من حيث أتوا، فيما بدأ يستمع لأصوات الرصاص من خلفه بعدما حاول تليد تشتيت انتباههم عنهم حتى يستطيعا الهرب..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
العاشر


اتكأ تليد على الحائط بجانبه نافثاً الدخان من سيجاره المشتعل بين شفتيه، فيما وقف بجانبه المدرب الخاص بوائل المدعو أشرف و وائل بجانبه يطالع عدي الذي يقترب منهم بنظرات شامتة ..
, نظر عدي لوائل يبادله النظرات بعيون محتدة: خير بتبص على إيه مش عاجبك ؟!
, وائل بسخرية: و هتعجبني إزاي ده أنت من أول مهمة ليك فشلت كالعادة يعني ..
, رمقهم تليد بنظرات هادئة فيما نقل أشرف عيناه المذهولة بينهما، ملاحظاً شرارات غضب تتفاقم بينهم ليهتف عدي بجسد اعتدل بتحفز: و أنت ماالك حاشر مناخيرك فيا علطوول ليييه ؟!
, وائل: و **** يا تليد باشا أنا لو مكانك أسيب تدريبه ..
, عدي بغضب: و أنت تطوول تبقى مكان الباشااا ..
, وائل: أنت لو محترمه ومحترم نفسك مبتعملش اللي بتعمله ده، هو اضطر يخلي رجالته ينفذوا المهمة بدالك لاحسن تتفصل نهائي..
, أشرف: في إيه أنت وهو ..؟!
, عاد يلتفت لتليد يطالعه بدهشة ليهتف الأخير بلامبالاة: سيبهم.. أعداء لدودين ..
, التفت أشرف نحوهم سريعاً حالما اندفع عدي تجاه وائل فاقداً أعصابه يمسكه من ياقته بقوة ليهتف بهم بحدة: كفااية.. وائل ..
, دفع وائل عدي بعيداً عنه وهتف: هو اللي بدأ يا باشا ..
, أشرف: لا أنت اللي بدأت مادام ده يبقى عدوك
, اللدود سيبه ..
, عدي: مين ده اللي عدوي ده ميستاهلش حتى شرف أني أتخذه عدو ليا ..
, وائل: ساامع يا باشااا ؟!
, التفت أشرف نحو تليد ليدفعه بكتفه: أنت سايبهم كده ليه ..
, هز تليد كتفيه ملوحاً بيده: سيبهم دي مش أول مرة ..
, تنهد أشرف يهز رأسه بيأس والتفت محدقاً بوائل بعيئن حادة ليشير له: إمشي يا وائل،
, كاد الآخر يهم بالإعتراض إلا أن أشرف قد تركهم مبتعداً عنهم ليلتفت وائل باتجاه عدي يرمقه بنظرات غاضبة ساخرة ويتجه سريعاً لاحقاً بأشرف ..
, لاحقهم عدي بعينيه والتفت يحدق بتليد: مدافعتش عني ليييه يا تليد.. قصدي يا باشا كنت خرسته للكلب ده ..
, نقل تليد نظراته نحوه بصمت ليتحمحم عدي يحك رأسه هاتفاً: إحم أا عشان المهمة يا باشا..
, نظر إليه ليراه على حاله ليكمل سريعاً: يعني أنا.. أنا و**** كنت هشرفك وهبذل قصارى جهدي بس هو يعني..
, ألقى تليد السيجارة أرضاً ودهسها بحذائه بخفة ليعود ويرفع نظراته لعدي: أنت بذلت قصارى جهدك فعلاً ..
, عبست ملامح عدي سريعاً: أنت بتتريق عليا يا باشا ؟!
, رفع تليد حاجبيه: وهتريق ليه، مش أنت لوحدك اللي فشلت هنا، بس الفشل مش معناه أنك مبذلتش جهد وحاولت.. تقريباً اللي عملته ماكنتش متوقعه منك شابو ..
, توسعت عيون عدي بصدمة ورمش بهما محاولاً الإستيعاب ليهتف فجأة بابتسامة: شوفتني و أنا ظابط مخابرات كفؤ يا باشا ؟!
, رمقه تلد بطرف عينه وهز رأسه: أيوون.. شوفت نفسك و أنت بتضرب نار زي الفارس المغوار ؟!
, زادت ابتسامة عدي أكثر قبل أن تختفي فجأة عابساً: أنت بتتريق تاني يا باشا الفارس بيضرب بسيفه مش بالنار ..
, ابتسم تليد بخفة: بس ده ميمنعش أنك فارس مغوار ..
, عادت ابتسامة عدي مجدداً وحك رأسه متحمحماً: **** يخليك يا باشا و**** أنا من غيرك بضيع ..
, رمقه تليد بنظرات هادئة قبل أن يستدير هاتفاً: تقدر تاخد باقي اليوم إجازة وبكرا تعالا بدري ..
, زادت ابتسامة عدي بفرح يلاحق تليد بعينيه حتى اختفى عن ناظريه ليلتفت مهرولاً نحو بوابة المركز مقرراً الإحتفال مع والده بنجاح أول مهمة له، أو ربما بفشلها!
, ٨ علامة الإقحام
, مد عدي كأس الشاي نحو مسعد الجالس متربعاً أمامه على أرضية منزلهم الصغير، يهتف به بفرح: خد يا مسعد أحلا كوباية شاي من إيد الظابط عدي مسعد،
, ابتسم مسعد يمسك الكأس ليرتشف منه ثم تغيرت ملامحه للتقزز يرفعه أمام عينيه بتفحص: هو ده بتسميه شاي ياض ؟! أنت يا عاق بتشربني مية ؟!
, قرب عدي رأسه من الكأس ليهتف بضيق: يابا مش فاضل عندنا شاي يابا دي مية بنكهة الشاي، عديها يابا واشرب خلينا نحتفل، خد فوشار خد..
, أمسك عدة حبات وحشرهم دفعة واحدة في فم والده ليهتف: الباشا مبسوط مني أووي يابا شوفت أبنك ؟!
, رمقه مسعد بعيون متلألأة: طول عمري حاسس أنك هتشرفني يا عدي يابني، هو أه ساعات بتبقى واد عررة بس أنا فخور بيك ..
, ابتسم عدي يعدل جلسته بفرح حقيقي فيما تابع مسعد: لو كان أبويا عايش وشاف حفيده الظابط البطل كان زمانه مات وهو مبسوط ..!
, عدي: **** يرحمه بقا ..
, مسعد: كان نفسه يشوفك أووي، بس مات قبل ما أنت تتولد ..
, عدي بدهشة: نعم.. أمال مين ده اللي كان عايش بينا يابا و أقوله يا جدي و أقعد في حضنه أنت بدأت تخرف يابا ..
, مسعد بحدة: أنت يا عاق بتقول على أبوك مخرف ؟! أيوه جدك كان عايش بس مات و أنت صغير جداً كان نفسي يشوفك كده و أنت بتكبر وبترفعلي راسي،
, تنهد يهز رأسه متابعاً: يعيني عاش طول عمره منحوس، وأنت واخد النحس منه باين، ده حتى عاش عقيم سنين طويلة ومات قبل ما يشوفله حتة عيل يملي عينه ويحمل أسمه ..
, مد عدي يده يضرب وجنة والده بخفة: يابا ركز معايا هنا يابا **** يحفظك أنت بتعك يابا ..
, رمقه مسعد بعيونه المستديرة عاقداً حاجبيه الكثيفين ليهتف فجأة: أنت مين يابني؟!
,
, عدي: ياباااا..
, مسعد: عدي.. حبيبي أنت أبني اللي مخلفتهوش ..
, نهض عدي عن جلسته ليهتف بشك: أنت خدت علاجك يابا ولا بتستغفلني ..؟!
, مسعد بحزن: يابني.. كفاية تقلق عليا كده أنا خلاص اللي راح من عمري أكتر من اللي فاضل و أنا مش معترض المهم عندي أنت، هو قليل اللي حصلي يعني سهل عليا أووي أخسر كل حاجة دفعة وحدة ..
, تنهد عدي يرمقه بضيق فيما تابع مسعد بشرود: ولا اللي بحبها تخدعني، فضلت سنين بحبها ومستنيها وفي الآخر تجيلي..
, صمت للحظة وانحنى ظهره بتقوس بائس: تصدمني وتقطع عليا فرحتي إني مش أول راجل في حياتها، ولا كنت الأخير حتى..
, رفع رأسه لعدي الذي تقطب حاجباه بحدة: كان لازم أسيبها من ساعتها مش كده ؟! أما لقيتها مش بنت وعرفت باللي هي عاملاه قبل ما تتجوزني، واتجوزتني بس علشان تداري فضيحتها أصل أخوها كان عايش ساعتها ولو عرف كان قتلها ..
, توسعت عيون عدي وارتفع صدره بعدة أنفاس مصدومة مما يسمعه من والده لأول مرة،
, لطالما سمعه من الناس، لطالما قذفته ألسنتهم بكلمات سامة كتلك، إلا أن صمت والده ونكرانه لذلك جعله يكذبه رغماً عنه،
, ولكن.. والده الآن بات يفقد السيطرة على نفسه، على أفكاره و ذكرياته ويتفوه بكلام أخفاه عن ولده طويلاً لئلا يزيد قهره وعذابه ..
, انحنى نحوه بحدة: بتقول إيه يابا؟! أا.. أمي كانت أا..
, تنفس يشد قبضتيه ويعض شفته بقوة حتى تهالك يجلس بجانبه مجدداً: سكتت لييه يابااا حويتها عندك ليييه ..
, رمقه مسعد بعيونه الدامعة حتى هتف بثقل: حبيتها وكنت فاكر نفسي هنضفها و أخليها تتوب، كنت هعرف من فين إن كل ده هيحصلي ويحصلك،
, ابتلع عدي ريقه بقهر وتمتم: مين ياباا؟!! مين اللي عملت معاه كده قبلك ؟!
, بقي مسعد صامتاً يحدق في حبات البوشار القليلة أمامهم ليهتف عدي بحدة وصراخ: ميين يابااا حد تعرفه ؟! حد من الحارة دي صح ؟!
, هز مسعد رأسه ونهض بثقل وظهر مقوس يتجه نحو غرفته بعدما أثقلته الذكريات والألم،
, فيما بقي عدي يلاحقه بعينيه بنظرات هائجة، و صدر نابض بحقد وجنون خلافاً عن الفرحة التي كان يشعر بها قبل دقائق قليلة فقط،
, ٧ علامة الإقحام
, خرج من منزله بعدما اطمأن على والده وتركه نائماً، خرج لا يعلم وجهته فقط أراد استنشاق هواء يهدئ حرارة داخله ..
, عيون الجميع تحدق به بصمت، يطالعهم هو بكره بات ينمو كل يوم أكثر، لم يعد يطيقهم، و لم يعد يطيق السكن بينهم و تحت نظراتهم الحاسدة الحاقدة،
, فكر كثيراً أن يطلب من تليد تأمين سكن آخر له، إلا أنه يخجل من ذلك، كرامته تأبى عليه أن يتكل عليه بكل شيء،
, يكفيه ما يسببه له من مصائب لا إرادية، فقط حظه السيء والنحس الذي يرافقه،
, زفر متخصراً بضيق، وهز رأسه يكاد يشتم جده في قبره لولا أنه أطبق شفتيه بغيظ، فقد بات متأكداً بأنه ورث حظه السيء منه تحديداً كما أخبره والده ..
, خطواته سارت به بعيداً، وربما عقله الباطني قد كان يعلم وجهته جيداً، فخلال مدة لا تتعدى النصف ساعة، وجد نفسه قريباً من ذلك المكان، حيث كانت مهمتهم الجماعية الأولى،
, و حيث تسبب بحادث لنفسه بعدما لحق تلك السيدة التي اكتشف بأنها والدته ..
, وقف عن بعد، بعيون ضيقة يسير بتمهل محاولاً التخفي، يراقب ذلك المكان والذي يبدو شبه خالي بعدما كُشف موقعهم منذ تلك المرة،
, غضب مازال يثور داخله، وقهر زاد أكثر عندما استمع لكلمات والده قبل مدة من الوقت،
, و ربما سعيه للوصول إلى الحقيقة، أو إلى الإنتقام بات يلح عليه للبحث والتقصي،
, أو على الأقل تهدأة ناره المستعرة و خزيه الكبير..
, دقائق بقي هادئاً، يراقب حركة الرجال أمامه رغم أنه فقد الأمل بظهورها أو بمعرفة أي شيء عنها، خاصة وسلاحه قد نسيه في منزله ولا يستطيع الإقتراب أكثر،
, زفر بحدة متراجعاً رغم تصميمه على العودة مجدداً لتتوسع عيناه فجأة ويتحرك جسده بعشوائية بعدما شعر بيدين قاسيتين تكبلان حركته وتكممان فمه بقوة،
, سحبه أحدهم عدة أمتار للخلف، حتى استطاع عدي فك نفسه مستعيناً ببعض الحركات والتمارين التي تعلمها، أو ربما تلك عادة للدفاع عن نفسه استمدها من حارته وأهلها الذين لم يبق أحد منهم إلا وتشاجر معه سابقاً ..
, انقض على من كان خلفه ملثماً ليطرحه أرضاً ويلكمه بقوة، وكاد يلكمه ثانية قبل أن يوقفه الآخر ممسكاً معصمه بشدة هاتفاً بصوت غليظ: أنا هنا علشانك مش ضدك ..
, ضغط عدي بيده الأخرى على رقبته: أنت مين يااض وعايز إيييه ؟!
, هتف الرجل بصوت شبه مختنق: سهيلة هانم.. اللي بتدور عليها ..
, تجمدت حركة عدي و زوى مابين حاجبيه بقوة إلا أنه بقي يثبت حركة الآخر الذي هتف: أنا اللي هوصلك ليها ..
, ابتلع عدي ريقه بصعوبة وتنفس بحدة هاتفاً: و أنت ميين وعرفت إزاااي ؟!
, مد يده سريعاً يبعد القناع عن وجهه ليقطب جبينه بتمعن ناظراً للرجل ربما في بداية الأربعينيات من عمره، غريب يراه للمرة الأولى،
, دفعه الرجل عنه وأمسك القناع يعود ويرتديه: هدفي مش لازم تعرفه، بس عارف كويس أنت بتدور على إيه وعارف برضو مكانها وهوصلك ليها ..
, ضم عدي قبضتيه بقوة محدقاً أرضاً بمشاعر متناقضة، شيء ما من الشك يثور داخله، إلا أن غضبه وتحفزه جعله يهتف: والمقابل ..؟
, ابتسم الرجل بخفة: المقابل هتعرفه أما توصلها، بكرا ع 9 الصبح لاقيني هنا في نفس المكان..
, استدار يهم بالرحيل فيما بقي عدي يطالعه، يريد أن يصرخ به، أن يسأله عن أي شيء، إلا أنه بقي صامتاً بأنفاس عالية مسموعة، حتى اختفى الرجل، وبقي هو وحده في مكان شبه منعزل ..
, ٩ علامة الإقحام
, ألقى تليد عقب سيجاره قبل أن ينتهي ونفث الدخان أمامه بحدة يلتفت لأحد رجاله الواقفين بجانبه في إحدى أركان تلك الساحة الواسعة ..
, طالعه للحظات بصمت قبل أن يهتف: شوفولي عدي فين وبيهبب إيه معاكم نص ساعة ..
, تركهم قبل أن يستمع لإجابة فيما هرول الرجال سريعاً لتنفيذ أوامره،
, و في تلك اللحظات بالذات، كان عدي واقفاً بتحفز و عيون مظلمة بملامح حادة غريبة، أمام بناء أشبه بالفيلا، إلا أنها تبدو أكبر و أغرب ..
, الرجل الذي أوصله قد اختفى سريعاً ولم يأبه عدي لاختفائه أو حتى ينتبه له،
, يضم قبضتيه بجانب جسده بشدة، يكورهما بقوة تؤلمه علّ هياج قلبه يخف داخله و هو ينتظر بدموع مقهورة في عينيه،
, ابتلع ريقه بصعوبة واقترب أكثر متنبهاً بعد دقائق طويلة من المراقبة على سيارة سوداء مظللة تقترب من الفيلا حيث انزاح الرجال عن طريقها لتدخل سرسعاً وتبقى البوابة خلفها مفتوحة كاملة ..
, أسرع عدي بخطواته نحوهم وقلبه ثارت نبضاته، لتزداد شراسة وجنوناً حالما ترجلت من السيارة سيدة يعرفها جيداً،
, وجودها كسر قلبه و أمله الضعيف بأن لا تكون هي ..
, تنفس بحدة يرفع يده يتمسك بصدره و كأنه يتحسس نبضه، فيما عيناه تتأملان تفاصيلها، بدءاً من ملابسها الشبه ضيقة، نظاراتها الشمسية التي رفعتها تعلقها بين خصلاتها وعيونها التي تنتقل بين الرجال تحدثهم بصوت يصله كهمهمات خافتة ..
, ولم يعلم طوال سنواته السابقة، بأنه اشتاق لصوتها كما اشتاق لوجودها!
, وجودها البريء، أيام طفولته البريئة المغفّلة، لحاقه بها متمسكاً بأطراف ثوابها، ونظرات المتعة والفخر التي كات يلقيها هنا وهناك على الجميع..
, كانت مصدر فخر له، فكيف تحولت لخزي فظيع يكاد يدمره،
, كور قبضته فوق صدره وعض شفته بقوة كادت تدميها، وبغير شعر خطواته تحركت نحوها حتى بدت أشبه بالهرولة ليصرخ بملئ صوته: سهيلة هااانم..
, تحفز الجميع من حوله، وارتفعت أفواه الأسلحة باتجاهه إلا أنه لم ينتبه، وبقي واقفاً بصدره النابض و أنفاسه المنقبضة يطالع استدارتها نحوه، عيونها التي ضاقت لوهلة قبل أن تتوسعان بقوة و كأنها عرفته ..
, عض شفته مجدداً يقضي على شعور غريب داخله، شعور أثاره داخله معرفتها له بعد كل تلك السنوات..
, ليبتلع ريقه ناظراً لها ترفع يدها ربما لتمنع الرجال من فعل أي شيء، ليقترب عدة خطوات بأقدام ثقيلة ويبتسم بسخرية مريرة حقدة: طلعتي أنتي فعلاً.. فاكراني ؟!
, زفرت سهيلة ترمقه بعيون غريبة قبل أن ترفع صوتا هاتفة: أنت بتعمل هنا إييه يا عدي ؟؟
, ضحك فجأة رغماً عنه، ضحكة زادت انقباض قلبه: عارفاني بجد ..!
, هتف أحد الرجال بغلظة: مين ده يا سهيلة هانم.. الريس على وصول ولو شافه..
, قاطعته سهيلة: هيمشي..
, عادت تلتفت نحو عدي الذي مازالت عيناه مثبتتان عليها بقوة لتهتف: إمشي من هنا حالاً ..
, عدي: لييه؟! الحياة دي عاجباااكي.. سبتيني أنا و أبويااا بعد ما دمرتينااا وجاي..
, قاطعه أحد الرجال: أنت عرفت المكان ده إزاااي مين ده..
, التفت عدي حوله يطالع عيونهم الحادة و أسلحتهم المشرعة بوجهه ليهتف أحدهم بسرعة: الريس وصل..
, التفتت سهلة حولها بتوتر لتصرخ بعدي: أمشي من هناا حالاا.. والكل يجهز..
, التفت عدي حوله ناظراً لعدد الرجال الذين تجمعوا حوله، فيما أصوات سيارات كثيرة كانت تتسلل لسمعه، تقترب وتقترب و هو متسمّر مكانه لا يستمع لصوتها الصارخ، ولا لأصوات الرجال وكلماتهم الغير مفهومة ..
, وجوده بينهم، يتابع تصرفاتهم وكلماتهم وهيئاتهم، أشعره بغرابته و صغره، زاده خزياً وقهراً لكل ما حل بهم..
, و وجودها أمامه، انشغالها عنه بوصول أحدهم أدمى قلبه وزاده اشتعالاً،
, لم يهمها يوماً، لا في صغره ولا حتى عندما كبر،
, لم يهمها ولدها الذي تركته صغيراً بين يدي والده، وبين أنياب حارة هي من غذت و سنّت أنيابها عليه ..!
, عيونه كانت دامعة، حتى دُفع للخلف بقوة من قبل أحد الرجال الضخام، فيما عدة سيارات قد دخلت عبر البوابة و تجمع بعض الرجال حول رجل متوسط في العمر، ترجل من إحداها ..
, رجل هرولت والدته نحوه بكعب حذائها العالي، يرى ابتسامتها المتوسعة و المتوترة فيما هو ينقل نظراته في المكان بتحفز حتى حطتا على هيئة عدي،
, وقوفه البعيد عن الرجال، بملابس وهيئة غريبة عما اعتاد عليه، ليشير نحوه بعيون حادة أرعبتهم: ميين ده ؟!
, التفتت سهيلة نحو، وتوسعت عيناها بعدما تناست وجوده ربما لتهتف بتوتر: مفيش يا ريس أنا ههتم بالموضوع ..
, التفتت نحو الرجال: خرجوه ..
, راقبها عدي يرى الرجل ينحني نحوها، هامساً في أذنها بكلمات ربما كانت مهددة جعلت وجهها يزداد امتقاعاً وتوتراً فيما خرج صوته هاتفا: أي دخيل بينا تخلصوا منه حاااالاً..
, كور عدي قبضتيه بقوة، وارتفع صدره بنفس حاد و كأنه بات يدرك ما أقحم نفسه به،
, أو ربما بدأ يزداد انغماساً و جنوناً،
, يد الرجل التي أحاطت خصر والدته بطريقة اشمأزت لها ملامحه، جعلت من جنونه يزداد اشتعالاً و بغير شعور منه أخرج سلاحه من خصره وجّهه نحوهم وبحركة سريعة مجنونة أطلق النيان باتجاه الرجل ..
, ليرتد هو في نفس اللحظة للخلف بقوة أسقطته أرضاً إثر رصاصة اخترقت إحدى كتفيه،
, وصوت أحد الرجال الحاد تردد على مسامعه مع أصوات رصاص غريبة: في حركة غريية حولينا يا ريس..
, تراكض الرجال السريع حوله كاد يغلق حواسه وهو يتراجع زاحفاً للخلف ممسكاً بكتفه النازف بقوة بعدما انشغل الرجال بما يحدث خارج الفيلا و داخلها،
, ليبتلع ريقه بضعف بعيون شبه مغمضة رأى من بينها شبح والدته تهرع للذلك الرجل الذي سقط أرضاً، لا يدري هل أصابه برصاصته أم لا،
, إلا أنه علم تماماً بأنه قد خسر هذه المرة أيضاً وربما إلى الأبد!
, أيادي كثيرة بدأ يشعرها تحيط بجسده، ترفعه عن الأرضية الصلبة،
, ينخضّ جسده بقوة مستمعاً لأصوات ركض قوية، فيما صوت الرصاص لم يختف لا يدري هل كان يتخيله أم لا..
, أحد الرجال ضغط على جرحه النازف بغزارة، ليفتح عيناه متأوهاً بضعف، يرى خيالات ضبابية أمامه وسرعان مابدأ يغوص في فقدان وعي كامل ..
, رمقه أحد الرجال بقلق يرفع هاتفه نحو أذنه فيما السيارة تنطلق بهم بسرعة قصوى: هو معانا يا باشا بس متصاب..
, التفت يشير لرجل آخر بالإهتمام بجرحه فيما تابع ناظراً عبر المرآة نحو تلك الفيلا، يرى أسراباً من الرجال المتدافعه حولها: عدي خرب الكمين يا باشا.. الظاهر كانوا عاملين كمين علشان يمسكوهم لكن وجوده هناك خرب عليهم وغالباً في قتلى كتير من الطرفين ..
, هز رأسه بتحهز زافراً: للأسف فقد وعيه، قدامنا وقت على مانوصل..
, أغلق الهاتف أخيراً و زفر يلتفت للرجال حوله مخفضاً عيناه نحو جسد عدي الذي بدا شاحباً ملطخاً بدمائه، ليمسك يده يفتح أصابعه مدلكاً راحتها لعدة مرات عله يُثير النبض داخلها ..
, ٩ علامة الإقحام
, بعد مدة من الوقت ..
, يحدق في الأرض بملامح شاردة، سيجاره مشتعل بين أصابعه و ربما قد نسيه مُرخياً يده بجانب جسده واقفاً في ذلك الرواق الواسع في المستشفى يحاوطه عدد من رجاله ..
, استمع فجأة لهمسة أحدهم المنبهة: تليد باشا ..
, رفع تليد رأسه ليلمح اقتراب عدد من الرجال الذين يعرفهم جيداً، يتجهون نحوهم بخطوات ثابتة وملامح جامدة حتى وصلوا إليهم وتخطوهم ..
, تابعهم تليد بعينيه ملقياً سيجاره أرضاً ليسير لاحقاً بهم حتى تخطاهم سريعاً و وقف بجسده يسدّ باب غرفة مغلقة كادوا يدخلونها ..
, وقف في مواجهتهم بعيونه الجامدة الصامتة ليهتف أحدهم: تليد باشا لو سمحت.. سبنا نشوف شغلنا ..
, بقي تليد متحفزاً يحدق بهم بنظرات جامدة إلا أنها بدت لهم مهددة فيما تجمع رجال تليد حولهم منتظرين أوامره ..
, هتف الرجل مجدداً: المكان ده بقا لينا، ورجالتنا هتاخد مواقعها هنا بدالكم، عدي مطلوب القبض عليه ومن هنا لحد مايصحى هيفضل تحت حراستنا إحنا .. فلو سمحت إبعد عن طريقنا ..
, طالعهم تليد بنفس النظرات، و ربما قد كان يعلم جيداً بقدومهم و قراراتهم، إلا أنه هتف رافعاً حاجبيه: عايز توصله.. تخطاني الأول ..
, توتر الرجل يلتفت للرجال من حوله ليعود محدقاً بتليد: يا باشا.. دي الأوامر ..
, تليد: نفذها ..
, هتف رجل آخر سريعاً: جواد باشا هنا جه بنفسه علشان الموضوع ده ..
, نقل تليد عيناه نحوه إلا أنه بقي صامتاً أمام تراجع الرجال بتردد، حتى ظهر من آخر الرواق عدة رجال آخرين، يتقدمهم جواد بهيئته المهيبة وعيناه الحادة و كأنه جاء مقاتلاً..
, بقي تليد ثابتاً مكانه يتابع جواد عن بعد حتى وصل الأخير إليه لتتلاقى نظراتهما للحظات صمت قصيرة قطعها جواد هاتفاً: خد رجالتك و أمشي من هنا ..
, بقي تليد صامتاً معلقاً نظراته عليه فيما هتف أحد الرجال: هو رافض يا باشا ..
, لم ئحرك جواد ساكناً فقد بقيت عيناه معلقتان على تليد الجامد ليقترب خطوة منه منحنياً باتجاهه بلهجة محذرة: الموضوع خرج من إيدك خلاص، وجودك و وجود رجالتك هنا هيحملك مسؤولية اللي حصل، سيب الغلطان ياخد جزائه وابعد عن الحوار ده كله ..
, ارتفع صدر تليد بنفس عميق، ومد إحدى يديه ليُمسك حافة الباب بجانبه ليهتف بهدوء: عدي متصاب وفاقد وعيه، اللي بتعملوه د..
, قاطعه جواد بحدة: إحنا عارفين بنعمل إييه كويس، اطمن مش هيتحبس قبل ما يفوق، لكن عينا هتفضل عليه ومحاوط برجالتنا، أنت خليك براا..
, هز تليد رأسه نافياً: لأ ..
, زادت حدة عيون جواد هياجاً ليهتف بتهديد: أنت عارف نتيجة تصرفاتك دي إيه ؟؟ أنت تُعتبر مشترك معاه في اللي عمله، فريقنا بيخطط من شهور علشان يمسكهم وخاصة رئيسهم من غير ما يلاقوا ثغرة يهربوا منها و البيه اللي عندك نسف شغل شهور في لحظة واحدة وللمرة التانية كمان، حمايتك ليه وتسترتك على خطأة هيدفعوك تمن غااالي ..
, زاد حاجبيه انعقاداً حالما هتف تليد بهدوء: عارف..
, رفع يده مدلكاً جبينه بحدة قبل أن يلتفت حوله: أي حد هنا تابع لتليد يتفضل يمشي ..
, التفت تليد نحو رجاله الذين اعتدلوا بتوتر: خليكم هنا ..
, على صوت جواد حاداً: أنت عارف كويس أن رجالتك دول بإشارة مني هيتقلبوا عليك، متجبرنيش أعمل حاجة أنا مش عايزها .. الواد اللي جوا ده غلط وهيتحاسب إن قولت أه أو لأ، إبعد عن طريقي حالاً ..
, طالعه تليد بنظرات هاجت للحظة، قبل أن يعود إليها الجمود مجدداً ليرخي يده تدريجياً عن حافة الباب، ويتمسك بالمقبض ليفتحه فجأة على آخره ..
, طالعه جواد بنظرات متفحصة، ثم رفع نظراته نحو الداخل ليلمح جانب السرير الطبي، حيث يتمدد عدي فوقه بصدر عاري تلفه الضمادات من كل جانب، فاقد الوعي بمحاليل معلقة بإحدى يديه ..
, نظرات تليد كانت مثبتة على عدي أيضاً للحظات قبل أن يلتفت نحو جواد هاتفاً: اللي شايفه ده مش راجل مخابرات، ولا حتى شرطة..
, طالعه جواد بصمت وعيون حادة فيما تابع تليد بلهجة غريبة: عدي مدخلش العالم ده من حبه ليه زينا، عدي محتاج، وضعيف عايز قوة ومش لاقيها في مكان ..
, بقيت ملامح جواد كما هي، رغم استغرابه الداخلي من كلمات تليد الشبه منفعلة رغم جمودها الظاهري، يسمعه يتابع مشيراً لهيئة عدي: اللي عايزين تمسكوهم هو برضو عايز يمسكهم، بس الفرق أنه بيمسك أمه..!
, تقطب حاجبي جواد بتحفز فيما عاد تليد لينظر إليه يومئ برأسه: ولو حضرتك ألقيت القبض على أبوك عشان العدالة اللي حضرتك مآمن بيها، هو برضو هيعمل كده بس هو مش مآمن بحاجة إلا أنه عايز ينتقم.. أو ع الأقل يلاقي حل لحياته، هو ده غلطه اللي عايزين تحاسبوه عليه يا باشا ..
, صمت للحظة قبل أن يهتف: حضرتك جيتلي في أكتر وقت كنت ضعيف فيه، رجعتني الشغل تاني اللي أنا أساساً كنت بحبه،
, و أنا لقيت عدي برضو٣ نقطة بس الفرق شغله ده بيدمره مش بيحبه ..
, عاد ليصمت زافراً بكبت حتى رفع نظراته له هاتفاً: خدوه، خلي رجالتك تخش تاخده ..
, بقي جواد صامتاً يطالعه بعيون غريبة مفكرة، فيما تلاقت عيناه مجدداً بعيني تليد التي بدأت تعود لهدوئها الظاهري،
, لحظات عديدة صامتة، وترت الرجال من حولهم والذين ينتظرون بتحفز أية أوامر مهنم،
, فيما عيون جواد لم تهتز لثانية عن عيون الآخر، يراه للمرة الأولى يهتم بشخص آخر غير أخاه!
, للمرة الأولى ربما يقف بوجهه بشراسة داخلية لم يُظهرها، مدافعاً عن شخص ربما أثار فضوله، أو تعاطفه ربما من اشتراكه معه ولو بشيء بسيط..!
, سابقاً قد كشف خيانة والده بنفسه ومهمته كانت القضاء عليه، والآن عدي يعاني نفس معاناته، يرى حاجته لأم لطالما قدس تليد تلك العلاقة و أثارت تعاطفه، ولكنه يراها الآن مع عدي علاقة سامة و مؤذية!
, لحظات استمرت بالصمت، فيما جواد كان يعلق نظراته على عدي، و ربما شيء ما داخله ذكره بنفسه هو أيضاً قبل سنوات طويلة، بعدما كان هو بنفس الموقف الذي عاشه تليد و عدي،
, يرى خيانة والده٣ نقطة و عليه دهس مشاعره في سبيل عمله و ضميره!
, تخلى عن صمته أخيراً هاتفاً: قدامك كام وتحل الموضوع ده بالكامل ؟
, رفع تليد حاجبيه ببطء، ربما لم يكن يتوقع كلماته تلك لينقل نظراته للرجال المتحفزين حوله وعاد ليحدق بجواد: أسبوع..
, قطب جواد جبينه للحظة، قبل أن يرتفع إصبعه بوجهه مهدداً: أسبوع واحد بس.. رؤوساء العصابة اللي هربوا هيبقوا في إيدك أنت ورجالتك، والمهمة اللي بقالنا شهور بنخطط ليها أنت هتحلها في أسبوع إزاي بقا دي مش مشكلتي، و إلا.. اللي جينا نعمله دلوقتي مع عدي هيحصلك أنت برضو ..
, بقي تليد صامتاً للحظات، قبل أن يومئ برأسه بهدوء ليرى تراجع أقدام جواد بخفة وهتافه في الرجال من حوله: تفضلوا هنا و أي حاجة بيقولها تليد باشا تتنفذ بالحرف،
, أجابه الرجال سريعاً بأيديهم المرتفعة يؤدون التحية فيما هو سار من بينهم يتبعه رجلين فقط بعدما أشار لهما، وقد بقي الآخرون متجمعين حول تليد برفقة رجاله ..
, ١٠ علامة الإقحام
, دخل تليد غرفة عدي بعد دقائق طويلة من رحيل جواد، اقترب منه يسحب كرسياً ليجلس بجانبه بخفة وعيناه معلقتان به بصمت ..
, ربما ما قاله لجواد كان صادقاً به على الرغم من استغرابه هو نفسه طبيعة أفكاره ومشاعره،
, إلا أن لحياة عدي و مصائبة شيء بات يؤثر به أكثر من السابق،
, ربما في الماضي كان شفقة، تعاطفاً غريباً بمصائب شاب بائس، و الآن شعوره ذاك قد تغير لشيء أغرب،
, شيء في عمق قلبه، يثور هناك ويحثه على مساعدته وبلا مقابل حتى ..
, هل يعقل لتشابه ظروفهما ولو بشيء صغير؟! أم ربما لتعوّده على وجود عدي بجانبه، و عدم تخيله شيئاً يصيبه فيما هو يقف مراقباً بلا حراك!
, يراه غبياً ومُغفلاً فعلاً، دخوله المتهور لعالم لا يدرك تفاصيله ولا مصاعبه،
, وحظه العاثر كما يخبره جعله يتعمق في ذلك العالم حتى دخل المخابرات التي لولا وجوده هو بها لكانت قد قضت عليه..!
, عدي لم يُخلق ليكون رجل أمن أبداً، وتلك الفكرة باتت تتعمق داخله مع تعمق شعور المسؤولية تجاهه،
, لا يجده مخطئاً بقدر ما يراه متهوراً بقلب بريء طيب،
, كلماته العفوية وتصرفاته الإندفاعية البلهاء، تُقحمه في أمور تُسبب له دائماً المصائب والمصاعب،
, وهو.. إن كان يريد شيئاً الآن، فهو حمايته من نفسه أولاً قبل أن يحميه ممن حوله،
, و يعلم بأنه لن يهدأ قبل أن يحصل على انتقامه، أو حتى رد اعتباره أمام حارتهم الحاقدة ..
, همهمات خافتة بدأت تتعالى أخرجته من شروده لينهض يقترب منه بخفة فيما عيون عدي ترمشان بثقل و لسعات إصابته تزداد قوة مع عودته لوعيه تدريجياً، ليخرج صوت تأوه منه جعل عيناه تدمعان بقوة،
, لم يعتد الإصابات كهذه أبداً، برغم من تعود جسده على الركلات والكدمات، إلا أن ألمه الآن قد فاق الوصف و ألم قلبه قد زاده أكثر،
, صورة والدته المهرولة باتجاه ذاك الرجل، مذعورة وخائفة عليه، فيما هو يزحف وحده تكاد تدوسه الأقدام..
, ويا ليتها داسته، أماتته و أراحته!
, خرج صوت أنينه ربما ألماً أو بكائاً ليستمع لصوت تليد الذي اخترق أفكاره وهلاوسه: عدي.. أنت كويس، سامعني ؟!
, انتقلت عيون عدي الباكية نحوه يراه من خلف تغبشها ليهتف بصوت مبحوح باكي: تلييد..
, ربت تليد على كتفه السليم: أنت كويس حاسس بإيه ..
, ابتلع عدي ريقه وحاول النهوض: عطشان..
, نقل تليد نظراته ليحضر كأس ماء قريب، انحنى يحاول مساعدته على الشرب إلا أن ارتجاف جسد عدي ألماً قد جعل عدة قطرات تنسكب عليه بلا إرادة،
, ليبعد وجه بعدما رطب فمه قليلاً محاولاً التنفس إلا أن ألمه يمنعه،
, أعاد تليد الكأس لموضعه وعاد ليحدق بعدي: عدي..
, التفت عدي نحوه ليهتف فجأة بتنبه: أانا فين يا باشا ..؟!
, تليد: في المشفى ..
, نقل عدي نظراته في المكان الفاخر حوله لينتفض فجأة محاولاً النهوض بفزع ليصرخ بألم: أاه.. هي دي مشفى خاص يا باشا ليه بس كده و أنا هجيب التكاليف من فين..
, تنهد تليد يدفعه بخفة: ارجع نام.. أنا اللي هدفع مش أنت ..
, رفع عدي نظراته نحوه بعيونه المحمرة، ألماً وبكائاً ليهتف تليد: ابقى ضيفهم على قائمة ديونك ..
, زفر عدي بألم يزداد عليه يتمتم: أنا خايف أموت يا باشا و يبقى عليا ديون، مين هيوفيهم من بعدي مليش حد ..
, صمت بألم فيما طالعه تليد بنظرات متعاطفة لم يُخفها ك كل مرة،
, يراه في أوج ألمه يفكر بمصاريفه وديونه الكثيرة، و كأن لاحق له بالعلاج إن لم يملك ثمنه..!
, تنبه على صوت عدي المتحشرج: سبني لوحدي يا باشا..
, رفع حاجبيه بخفة وهتف: جرحك بيوجعك ف..
, قطع كلامه حالما خرج تأوه خافت أشبه بشهقة باكية ليتمتم: عدي..؟!
, رفع عدي ذراعه حيث تعلقت بيده إبرة المحلول وكادت تُنزع منها، ليُغطي به عينيه بعدما شرع في البكاء بغير إرادة،
, شقاته المتألمة الخافتة كانت تُسمع في تلك الغرفة، يغطي وجهه و ربما بات محرجاً من كثر بكائه ومصائبه التي تحدث أمام تليد دائماً،
, شعر بيد تليد تربت على كتفه المصاب بخفة ليتمتم ببكاء: سبني يا باشا٣ نقطة هي طلعت عارفاني.. وفكراني..
, ضاقت عيون تليد يتابعه بصمت فيما تابع الآخر ببكاء مقهور: طلعت هي يا باشا.. أامي.. أنا عايز أم..
, تنهد تليد بكبت يستمع لنحيب الآخر: عايز أم وأب وحياة غير دي.. أاناا تعبت يا باشا..
, طالعه تليد بخفة وبقي محدقاً به لا يعلم كيف يواسيه حتى هتف أخيراً: خلاص إهدا..
, إلا أن كلماته تلك قد زادت من بكاء عدي والذي تحجج بألمه ليزيد بكائه أكثر حتى همس بتمتمة: أنا عايز أابويا..
, تليد: هبعت حد من الرجالة يجيبه هنا..
, نفى عدي يمسح وجهه بذراعه ورفع نظراته له متنشقاً: لا يا باشا أابويا بيخاف من الناس الغريبة مش هييجي معاهم..
, رمقه تليد بصمت للحظات حتى هتف: هجيبه بنفسي..
, التفت يمد يده يضعط على زر قريب من السرير و مازالت عيناه تراقبانه يمسح دموعه بحرج وألم، حتى دخلت إحدى الممرضات التي اقتربت منهم سريعاً تعدل وضع عدي ليهتف تليد: اديله مسكن جرحه عمال يوجعه..
, عدي: أبويا يا باشا..
, طالعه تليد مراقباً الممرضة التي بدأ تعد الحقنة المسكنة: نام وأما تصحى هتلاقيه جمبك..
, رمقه عدي بنظرات ممتنة قليلة الحيلة، لتغمض أجفانه بعد لحظات هارباً بالنوم من ألمه و قهره..
, ٧ علامة الإقحام
, لاحظ تليد نظرات أهل الحارة نحوه، وهو يقف أمام بيت مسعد يطرق الباب ينتظر خروجه، ليرفع حاجبيه محدقاً بمن حوله باستنكار جعلهم يبعدون أعينهم عنه سريعاً ..
, عاد يحدق بالباب الذي فُتح أمامه ليبتسم له رافعاً يده ملوحاً بها بخفة: إزيك يا مسعد ؟!
, رمقه مسعد بتفحص قبل أن يهتف: أنت مين ؟!
, تليد: إخس عليك نسيتني بسرعة كده ؟! أنا تليد ..
, بقي مسعد مقطباً جبينه و كأنه يحاول التذكر ليهتف تليد بسرعة: المهم تعالا معايا عدي متصاب في المشفى وعايزك جمبه ..
, توسعت عيون مسعد بصدمة جعلت تليد يهتف سريعاً: إصابة خفيفة ..
, مسعد بغضب: أنت بتقول إيه ياض إصابة إييه ومشفى إيه، أنا أبني نايم بكرا هيصحى بدري عنده مدرسة ..
, رمقه تليد بدهشة رافعاً حاجبيه قبل أن يتنهد: طب مكن تخش تدور عليه ..
, تخصر مسعد بتحفز: وعايز فيه إيه إن شاء **** ..
, تليد: عايز أنقل منه الواجب بتاع بكرا ..
, ابتسم مسعد فجأة يهتف بفخر: طول عمره أبني زكي وبيغشش زمايله، ثانية بس..
, تابعه تليد وهو يدخل مهرولاً باحثاً عن ولده، ولم تمضِ دقيقة حتى عاد بوجه مذعور: عدي فيين.. أبني فين ؟!
, تليد: ما قولنا متصاب ومتلقح في المشفى وأنت ماصدقت ..
, تمسك مسعد بذراعه يرمقه برجاء: خدني ليه **** يخليك أبني مليش غيره ..
, رمقه تليد بهدوء قبل أن يسحبه بخفة باتجاه سيارته ليساعده على الدخول أمام عيون الجيران التي عادت للتلصص عليهم، ليستقل السيارة بجانبه وينطلق بها سريعاً خارجاً من الحارة ..
, ٨ علامة الإقحام
, فتح باب الغرفة يطالع رجاله المنتشرين خارجها ليهتف مضيقاً عينيه: مسعد فين ؟!
, التفت أحد الرجال نحوه سريعاً: خد مننا فلوس ونزل الكافيه يشرب حاجة ..
, رفع تليد حاجبيه بحفة وابتسم بجانبية ليهتف: خليكم معاه خدوه البيت وحد منكم يفضل هناك وبكرا من الصبح جيبوه تاني ..
, أومأ الرجل باحترام: تحت أمرك يا باشا ..
, عاد تليد لداخل الغرفة يغلق الباب خلفه يطالع النافذة الجانبية حيث الظلام في الخارج قد حل، فيما عدي قد نام مجدداً بعد لقائه بوالده قبل ساعات ..
, في اليوم التالي ..
, فتح عدي عيناه على صوت تليد: عدي.. أصحى ..
, بقي يرمش للحظات حتى اعتاد على ضوء النهار المشع في الغرفة، لينقل نظراته حوله مطالعاً وقوف تليد في آخر السرير هاتفاً وهو يضع ملابس هناك: قوم يلا هنخرج من هنا ..
, توسعت عيون عدي وحاول النهوض بألم: بجد.. أبويا فين !؟
, طالعه تليد وهو يقترب لمساعدته: خليت الرجالة يرجعوه البيت وهيفضلوا معاه هناك متقلقش، المهم يلا قوم لازم نمشي ..
, جلس عدي على حافة السرير يمد يده يقلب الملابس الجديدة لتتلألأ عيناه هاتفاً: ****.. هدوم جديدة ؟! دول ليا أنا يا باشا ؟!
, أومأ تليد بخفة وهتف سريعاً: بس اعتبرهم هدية مش دين.. تقدر تلبس لوحدك ..؟
, بقيت ابتسامة عدي الخافتة يطالع الملابس الراقية بفرح حتى اختفت ابتسامته سريعاً يضم الملابس لصدره: أها يا باشا أقدر ممكن تستنى برا أصلي يعني بتكسف ..
, رمقه تليد رافعاً حاجبيه ليهتف: طيب عشر دقايق وهخش تاني ..
, تابعه عدي بعينيه حتى خرج ليعود ويحدق بالملابس مجدداً يتخيل نفسه بهم بعد ارتدائهم ..
, وجد صعوبة في التعامل مع ذراعه المصاب إلا أنه كان محرجاً من طلب المساعدة ليتحامل على نفسه حتى انتهى أخيراً ليفزع على صوت الباب الذي فتح و دخل من خلفه تليد برفقة أحد الممرضين والذي ساعده في ارتداء قميصه فيما علق ذراعه على صدره ليخفف ألمه ..
, طالعه تليد بصمت ينتظره أن ينتهي فيما عيون عدي تتفحص نفسه بعدما ارتدى للمرة الأولى أشياء متناسقة راقية ..
, صعد بجانبه في السيارة و ما زالت ابتسامته السعيدة بنفسه تكاد تشق وجهه، فيما كان تليد صامتاً ينطلق في الشوارع المزدحمة مستغرباً صمت عدي على غير عادته ..
, إلا أن دخول السيارة عبر بوابة كبيرة فاخرة جعل حواس عدي تتحفز ويخرج عن صمته أخيراً بدهشة: إحنا فين يا باشا ؟!
, تابع تليد طريقه نحو الداخل حتى توقفت السيارة بهم وترجل منها هاتفاً: أنزل ..
, ترجل عدي من السيارة بصعوبة، ورفع رأسه يديره في المكان الراقي حوله، لامحاً تلك الحديقة الواسعة والتي أبهرت عينيه ليتمتم: إحنا رجعنا الجنة تاني يا باشا ؟!
, ابتسم تليد مقترباً منه ليهتف: أنا ساكن هنا ..
, توسعت عيون عدي بصدمة ليهتف: وه يا باشا أنت طلعت غني أووي زي ماكنت بتخيلك، هي كل الفيلا دي ليك بجد ؟!
, هز تليد كتفيه متمتماً وهو يسير أمامه: مش لوحدي، عيلتي هنا.. تعالا يلا مش عايز تاكل ؟
, هرول عدي خلفه رغم تعب جسده و مازالت ملامح الإنشداه على وجهه: أنت عرفت كمان أني جعاان.. و**** يا باشا أنا حاسس أن أنت كتير عليا ..
, فتحت بوابة الفيلا أمامهم، ليستمع تليد لشهقة من خلفه خرجت من فم عدي الذي دخل يدير رأسه في كافة الإتجاهات ناقلاً أنظاره في الرقي والفخامة من حوله، فيما فمه مفتوحاً بذهول و انبهار بكل ما يراه أمامه ..
, سحبه تليد بخفة ليسير عدي بجانبه ومازالت عيناه تتوسعان على كل شيء يراه، حتى جحظتا أخيراً بصدمة، حالما ظهرت أمامه مائدة كبيرة تتراص حولها عدة كراسي ممتلئة بالبشر..!
, فتح فمه بعيون متوسعة يرى جلوس عدة أشخاص أمامه لم يستطع عدهم للوهلة الأولى شاعراً بكثرتهم مما زاده اندهاشاً وصدمة،
, فيما استدارت رؤوس الجميع باتجاههم وعيونهم تطالعه بنظرات متباينة إلا أنه لم يأبه لذلك بقدر ما كان همه أن يُحصي أعدادهم، رجال ونساء فتيات وشباب، يقف هو أمامهم بهيئة مصدومة بشكل مضحك، حتى خرج الكلام من بين شفتيه مكلماً تليد الواقف بجانبه: **** يا باشااا.. هي كل الناس دي عيلتك ؟!
, هز تليد رأسه بحركة استطاع عدي استشعارها فيما عيونه متعلقة بمن أمامه: كل كل كل دووول ؟!!
, عاد تليد ليهز رأسه بخفة فيما هتف عدي بانذهال و تمني: يا بختك يا باشااا .. يابختك !
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الحادي عشر


خرج عدي من صدمته حالما استمع لصوت تليد الذي رفع يده يلوح بها بخفة: هاي يا جماعة ..
, رمش بعينيه والتفت يحدق بهم بعدما ردوا تحيته فيما نظراتهم كانت تتفحصه بدقة حتى هتف تليد: ده عدي..
, ابتلع عدي ريقه يرمقهم بتوتر ليهتف أحدهم وقد كان يترأس المائدة الكبيرة: أهلاً وسهلاً، اتفضل يا عدي ..
, رفع عدي حاجبيه بخفة وابتسم يحك رأسه بيده السليمة قبل أن يُقرب رأسه من تليد هامساً: أتفضل فين يا باشا ؟!
, ابتسم تليد يسحبه من ذراعه باتجاههم: أتفضل علشان تاكل وترم عضمك، تعالا أقعد جمبي هنا ..
, تبعه عدي سريعاً يراه يسحب إحدى الكراسي يجلس عليها مُقرباً منه كرسياً آخر فارغاً ليشير إليه: تعالا يلا وهبقى أعرفك عليهم بعدين ..
, طالعه عدي بصمت وتحمحم يجلس بجانبه بحركات كادت تضحك تليد الذي يراقبه، فلم يعتد عليه محرجاً متوتراً كما هو الآن،
, هدوئه يرافقه منذ خروجه من المستشفى، ربما لتعبه أو ربما لقهره وانهياره في اليوم السابق الذي مازال مؤثراً عليه، و وجوده بين أناس غرباء الآن جعله أكثر هدوئاً على الأغلب، خاصة وبيئتهم مختلفة عن بيئته ليحاول تجنب تصرفاته الهمجية أمامهم غير عالم بأنه هكذا يظهر أكثر عفوية و تلقائية ..
, تنبه عدي على صحن فارغ وُضع أمامه فيما تليد يضع له في طبقه عدة أنواع من الأطعمة الكثيرة أمامه لتلمع عيناه بسعادة ناظراً لقطعة دجاج مشوية وضعها في صحنه و تسللت رائحتها سريعاً لأنفه كادت تسيل لعابه،
, هتف تليد بخفة: كل يلا..
, عدي: يا..باشا كده كتير أا.. أبويا في البيت لوحده وكمان هيكون جعان و.. يعني..
, صمت يحدق بالدجاج أمامه مُتحسراً على والده يتخيل نفسه يأخذ طبقه الذي امتلأ بالطعام عن آخره ويشاركه معه و الذي كان سيطير فرحاً أو ربما ينجلط من الذهول،
, فيما رمقه تليد و كأنه أدرك أفكاره ليهتف بهدوء: الرجالة معاه و هيأكلوه اللي هو عاوزه متقلقش ..
, ابتلع عدي ريقه يرفع نظراته له بامتنان صامت، ليلتفت فجأة حالما ترك أحدهم كان يجلس مقابلاً لهما، ملعقته في صحنه يهتف بشك ناظراً لهما: مين ده يا بليد ؟!
, رمش عدي بعينيه بدهشة: إيه ده ؟! هو بيقول بليد ليه يا باشا ؟!
, ثم ضحك فجأة بلا شعور متمتماً: بلييد ؟!
, رمقه تليد بهدوء رغم ابتسامته التي ظهرت على شفتيه: أصل ده الدلع بتاعي ..
, تحمحم عدي سريعاً محاولاً إيقاف ضحكاته ثم عاد لينقل عيناه بين الجميع و كأنه قد ازداد جرأة،
, هتف تليد بهدوء: عدي.. كل الأول وبعدين هتتعرف عليهم ..
, أومأ عدي برأسة سريعاً ومد يده في الحال يتذوق الأطعمة أمامه رافعاً حاجبيه كلما استلذ إحداها، ليظهر الرضى والسرور على ملامحه بعد مدة طويلة لم يذق بها طعاماً شهياً كهذا بلا تعب أو مجهود منه وتحسر ..
, لطالما كان يتعذب ليُحضر وجبة شهية تكفي لشخص واحد يتقاسمها برضى مع والده، وبعد انتهائه يجلس متحسراً نادماً على خسارته ثمنها بدلاً من أن يُحضر به شيئاً مفيداً أو حتى علاجاً لوالده، و الآن يجد نفسه يأكل من دون تلك المشاعر التي كانت تنغض عليه فرحته واستمتاعه ..
, تابعه تليد بطرف عينه قبل أن يلتفت نحو ريماس: هاتي الواد ..
, رمقته ريماس بسخرية و رفعت الصغير من بين أحضانها: مش بتنسى خالص.. خد ..
, توسعت ابتسامة تليد سريعاً ونهض يتلقفه من بين يديها حتى وضعه في حجره يلاعبه بخفة ليبتلع عدي ما بفمه سريعاً حتى كاد الطعام يعلق في حلقه، موسعاً عيناه بصدمة: ده أبنك يا باشاا ؟!
, نفى تليد بابتسامة: تؤ، أبن أخويا.. أسمه تلودة عنده خمس شهور وأسبوع وتلت أيام و ساعتين و عشر دقايق ..
, رفع عدي حاجبيه مطالعاً الصغير بدهشة ثم هتف فجأة: ده شبهك أوي يا باشا ..
, التفت تليد نحوه بابتسامة زادت سعادة: بجد، **** أنا بقول كده برضو ..
, طالعه عدي بنظرات متلألأة يراه يلاعبه ويقبله عدة مرات حتى تخرج ضحكة الصغير الخافتة، تأمل ملامح تليد بتمعن، ويكاد يقسم أنه لم يره يوماً أسعد مما يراه الآن في تلك اللحظات، لم ير ملامحه مُشعة فرحة حتى ابتسامته تلك قد كانت صادقة عميقة،
, و كأنه يرى الآن جانبه الآخر، برغم أن تليد لم يُظهر له هو تحديداً جانبه المظلم أو القيادي أبداً، إلا أنه الآن يراه مختلفاً تماماً، وكم أحب اختلافه ذاك!
, ابتسم هاتفاً فجأة: ألا صح يا باشا هو مين فيهم أخوك اللي قولتلي عنه ؟!
, رفع تليد نظراته له بابتسامة لم تختف وتراجع بظهره للخلف يشير لمن يجلس على الجانب الآخر منه: هو ده أخويا.. هارون ..
, حدق عدي بهارون الذي طالعه يهز رأسه مُرحباً ليهتف عدي: **** الواد طلع شبهه أكتر يا باشا ..
, عبست ملامح تليد سريعاً: لأ شبهي أنا ..
, أجابت ريماس هاتفة باندفاع: قولتلكم ده شبه هارون جوزي إيه اللي هيجيبه لتليد ده كفاية عينيه السودا الحلوة ..
, انتفض عدي على صوت الملعقة الذي عاد ليطرق الطبق مقابلاً لهم، فيما نظرات زين زادت شكاً وحدة: و أناا ؟!
, التفت عدي مجدداً نحوه ليهتف: ده مين يا باشا ؟!
, طالعه زين رافعاً رأسه: أنا أخوه برضو..
, عدي: الباشا معندوش غير أخ واحد ..
, التفت زين تحو تليد سريعاً: بلييد..
, هتف تليد بابتسامة: لا زينو أخويا كمان كلهم هنا أخواتي بس هارون أكتر ..
, زين: شوفت.. هو مين ده يا بليد ..؟
, هارون: فيه إيه يا زينو ماهو قالنا أنه هيجيب المتدرب عنده ..
, زم زين شفتيه يطالع عدي بتشكك و كأنه لا يراه مجرد متدرب فقط، فمنذ بداية دخولهم الفيلا واتخاذه مقعداً بجانبه، حتى يد تليد التي تملأ صحنه وعيناه المراقبتان له بالخفاء تطمئن على أكله!
,
, كل شيء استفزه بلحظة واحدة بعدما كان متحمساً للقاء المدعو عدي، ليُصبح الآن مغتاظاً بشدة بسبب وجوده بينهم ..
, وعى من أفكاره على صوت تليد الذي لاحظ اهتمام عدي بمن حوله ليشرع في تعداد أسمائهم له ويُعرفه عليهم حتى انتهى هاتفاً: وده بقا عدي المتدرب عندي هيقعد عندنا كام يوم ..
, تفاجأ عدي مما قاله والتفت نحوه: إازاي يا باشا هقعد هنا ليه أ..
, قاطعه تليد بهدوء: كمل أكلك و بعديها هفهمك كل حاجة ..
, رمقه عدي بنظرات قلقة ثم عاد ليحدق بطبقه و شهيته غلبت عليه ليُكمل طعامه بتلذذ ملتفتاً كل لحظة باتجاه تليد يبتسم وهو يراه يلاعب الصغير في حضنه ويطعمه ..
, بعد مدة من الوقت ..
, جفف عدي يده بالمنشفة مقطباً جبينه من ألم ذراعه ليتراجع للخلف يبحث عن مكان الصالة حيث أصواتهم تتسلل لسمعه هناك بعدما اجتمعوا للتعرف عليه أكثر،
, إلا أن خطواته أخذته نحو المطبخ ناقلاً نظراته في المكان، حتى عاد لينبهر بمنظر الحديقة في الخارج ليتجه نحو الباب المفضي إليها و يخرج مديراً رأسه حوله بانبهار ..
, سار بخفة حتى جلس على مقعد خشبي أسفل شجرة كبيرة وارفة الظلال، ونقل عيناه مطالعاً الورود و الأعشاب الصغيرة من حوله،
, حوض السباحة الكبير الذي أثار حماسه و تمنيه لتجربته، و الحراس المنتشرين في كافة الإتجاهات محاوطين الفيلا من كل صوب ..
, شعور غريب بالراحة تسلل إليه في ذلك المكان، بالرغم من شعور آخر يوازيه، كان قهراً لم يستطع التخلص منه أبداً، وكلما رأى شيئاً جديداً مثيراً، يبدأ بمقارنته بينه وبين حياته كيف أمضاها وعاشها،
, عندما ينظر لما حوله، يشعر بنفسه صغيراً جداً، مدفوناً في الحياة و كأنه لم ير شيئاً منها، لم ير من أفراحها، بذخها أو حتى عيشها الهادئ،
, يهرول خلف لقمة عيشه، لقمة مغموسة بالدماء والمهانة، برغم سعيه للمحافظة على كرامته دائماً،
, كرامة تُجوّعه.. ولكنه يأبى الشبع من مهانة و إذلال..!
, تنبه على اقتراب أحد من خلفه، ليلتفت سريعاً بتحفز و تهدأ نبضاته المرتفعة حالما لمح تليد يقترب منه ليجلس بجانبه يطالعه بصمت،
, أخرج من جييه سيجاراً فاخراً ليضعه بين شفتيه ويشعله، يأخذ منه نفساً عميقاً و يزفره مخرجاً دخاناً كثيفاً حوله ..
, طالعه عدي بصمت للحظات حتى هتف أخيراً: أنا هنا ليه يا باشا ؟!
, رمقه تليد بطرف عينه ليبعد سيجاره من بين شفتيه معتدلاً بجلسته ناظراً له بتمعن: بص ياعدي.. عايزك تركز كويس في كلامي عشان المرة دي الغلطة الصغيرة هتكلفنا غالي ..
, تحفزت حواس عدي وظهر القلق على وجهه الشاحب: هو.. حصل حاجة يا باشا ؟! أانا السبب صح ؟!
, أومأ تليد برأسه بصراحة: أيوه أنت، وجودك في المكان هناك خرب مهمة بيخططولها من شهور و ده خلا القيادة تتعصب ..
, صمت للحظة يتأمل وجه عدي الفزع ليتابع: جم المشفى كانوا هيقبضوا عليك و أنا قدرت أمنعهم.. بس المهمة دي بقت بتاعتي..
, ابتلع عدي ريقه: يعني إيه باشا ؟!
, تليد: مش عايز تمسك مامتك ؟! تنتقم ؟! أو ع الأقل تنجح بمهمة زي دي ؟!
, رمقه عدي بطرف عينه حتى أخفص رأسه شاعراً بيأس كبير تسلل إليه ليتمتم: أانا آسف يا باشا..
, تنهد تليد بخفة يرى عدي على غير عادته حتى في ردات فعله وكلامه ليهتف: هما عرفوا هويتك يا عدي و بيدوروا عليك ..
, توسعت عيون عدي وعاد يحدق به بصدمة ليومئ تليد بخفة: قدروا يهربوا، مامتك قدرت تهرب كمان و دي مهمتنا نلاقيهم ونمسكهم..
, رجفت عيني عدي يطالعه بذهول: أا..أمي بتدور عليا ؟! عايزين.. اا
, تنهد تليد هاتفاً: أنت كشفت موقعهم مرتين مش مرة واحدة.. وده خلا رئيسهم يطلبك بالأسم أو يتخلصوا منك..
, ابتسم عدي ساخراً وقلبه عاد ليقرع داخله بقوة: يعني هي.. م..موافقة ؟! كانوا هيقتلوني قدامها و.. وموافقة ؟!
, بقي تليد يطالعه بصمت ليُخفض عدي رأسه يطالع يداه في حجره بصمت كئيب غريب عليه، ليهتف تليد آخذاً نفساً عميقاً: المهم.. إحنا مش هنديهم اللي هما عايزينه، أنت هتفضل هنا المكان ده أمان ليك، و أفضل ليا عشان تفضل تحت عيني و أبقى متطمن عليك..
, تمتم عدي بخفوت: مش لازم يا باشا.. أانا سببتلك مشاكل كتير أووي سيبهم يوصلولي مش لازم تورط نفسك معايا في مصايبي وتشيلني ذنب..
, تليد: أنت مالك أنا عايز كده.. و أنت لو عايز تساعدني بجد يبقى تسمع الكلام..
, التفت عدي يطالعه بصمت ليهتف تليد جدية: هتفضل هنا.. ممنوع تخرج لوحدك من الفيلا والأفضل متخرجش نهائي لحد ما نعرف حاجة توصلنا ليهم ..
, تمتم عدي بخفوت: و أبويا يا باشا ؟!
, طالعه تليد بنظرات هادئة ليهتف: رجالتي معاه متقلقش عليه ..
, أومأ عدي برأسه بصمت و كأنه لا يملك كلاماً ليقوله، فيما راقبه تليد بعيون هادئة حتى نهض من مكانه يلقي سيجاره أرضاً ليهتف: يلا بينا هما مستنينك هتشرب شاي معاهم وبعدين تستريح شوية ..
, تمتم عدي بخفوت: معلش يا باشا عايز أقعد مع نفسي شوية ..
, طالعه تليد بصمت فيما بقي عدي محدقاً أرضاً بجسد مرتخي همّاً بالغاً، حتى ابتعدت أقدام تليد عنه ومازالت عيناه معلقة عليه وعلى تغيره الواضح،
, جلوسه بلا حراك أو حتى افتعاله ولو لمصيبة واحدة منذ دخوله الفيلا وحتى الآن، و هو لم يعتد منه على ذلك أبداً وذلك ما جعله يُلاحظ تغيره سريعاً و يستنكره ..
, فيما تنهد عدي رافعاً نظراته في المكان من حوله، يشعر بنفسه غريباً عن كل شيء، مسبباً لمشاكل تكاد تقضي عليه، حتى أنه يخشى أن يكون تواجده هنا مجرد شفقة من تليد لبائس مثله، أو أنه فقط يحبسه لئلا يتركه حراً طليقاً فيسبب له خسارة ومصائب كالعادة!
, بعد مدة ..
, هز زين قدمه وهو يجلس على إحدى أرائك الصالة بجانبه عمار الذي طالعه باندهاش حالما هتف زين: والأفندي هيشرفنا إيمتى بقا ؟!
, نكزه عمار بخفة: في إيه يا زينو حرام عليك الواد شكله جميل ..
, رمقه زين بسخرية وعاد يحدق بتليد الذي يتشاغل بالصغير بين يديه، فحالما يتواجد في الفيلا يحتجزه معه طوال الوقت ليلاً ونهاراً، يطعمه، يلبسه، ويحممه ولو استطاع لأرضعه أيضاً، إلا أنه يُسلمه على مضض لوالدته التي تُرضعه وتعيده صاغرة له!
, هتف زين بحدة: وعلى كده هو هيفضل عندنا كام ؟!
, رفع تليد نظراته له أخيراً وضيّق عينيه بصمت للحظات قليلة قبل أن يبتسم بجانبية بعدما لمعت في رأسه فكرة: مش كتير.. معلش يا زينو أنا عايزك تقعده معاك في أوضتك أصلها كبيرة و مريحة ..
, توسعت عيون زين وقفز عن جلسته فجأة: نعمم ؟! أنت عايزني أستقبله في أوضتيييي؟! على جثتييي ..
, هتف عمار بسرعة وفضول: أنااا هقعده عندي أناا..
, تليد: لأ زينو ..
, زين: هارووون أنت ساامع ؟!
, هتف أدهم بهدوء: وفيها إيه يا زين ؟!
, عبست ملامح زين بغيظ ليهتف سيف: أنا هقعده عندي عادي الواد شكله مُسلي.. هبدله في مروة أصلها بقت مملة ..
, رمقته مروة بغيظ هاتفة: الواد عايز حد في سنه يتسلا معاه و يتفاهموا ..
, كاد سيف أن يتكلم ليقاطعه زين: خده يا سيفو أنا مش عايز، أوضتي ملك ليا لوحدي واخدين بااالكم لوحدييي..
, تليد: إخس عليك يا زينو كده تكسفني ..
, رمقه زين بنظرات مغتاظة حتى وسع عينيه حالما تجاهله تليد يهتف باهتمام ناظراً لباب الصالة: تعالا يا عدي ..
, رمقهم عدي بصمت واقترب سريعاً من تليد الذي دفع هارون يحثه على النهوض من جانبه ليرمقه هارون رافعاً حاجبه باستنكار ومد يده يضربه بكتفه بقوة قبل أن ينهض فقط بعدما عطف على عدي فقد لاحظ تعبه الواضح وذراعه المصابة التي يعلقها ..
, جلس عدي بجانب تليد الذي مد له فنجان شاي ساخن، لتحط نظراته على الطفل الصغير بين أحضانه، والذي كان يطالعه بعيون واسعة بريئة جعلته يبتسم بخفة متناسياً قليلاً من همه حتى هتف أدهم بهدوء: مال دراعك يا عدي ؟!
, رفع عدي نظراته له، يُضيق عينيه متفحصاً ملامحه التي مدته ببعض الراحة ليهتف تليد: أصله كان متصاب في المشفى ..
, هتفت ليلى سريعاً: ياحبيي الحمد**** ع السلامة، حمزة هيبقى يكشفلك عليها..
, رمقهم عدي بدهشة ليهتف تليد مشيراً لحمزة الجالس في آخر الصالة: حمزة دكتور ..
, أومأ عدي برأسه بخفة قبل أن يرفع رأسه مجدداً بتساؤل: هو دكتور إيه ؟!
, تليد: كل حاجة ..
, ضحك عمار بسخافة: حلوة دي ..
, عدي: أنا عايز دكتور زهايمر ..
, رمقه زين بسخرية وعاد للجلوس مكانه: مفيش دكتور زهايمر يا غبي..
, طالعه عدي بعيون حادة ليهتف هارون: زيين..
, زين: في إيه حمزة دكتور قلب مفيش حاجة أسمها زفت زهايمر أصلاً ..
, هتف حمزة ناظراً لعدي بهدوء: مين عنده زهايمر ؟
, عدي سريعاً: أبويا ..
, رمقه الجميع بنظرات صامتة بعضها متعاطفة ليتمتم عدي متابعاً: بقاله سنين.. هو مش هيخف صح ؟!
, وضع حمزة فنجان الشاي جانباً واعتدل بجلسته محدقاً به بانتباه: بياخد علاج ؟!
, عدي: أهاا الدكتور كان وصفله أدوية ..
, حمزة: بس ؟؟
, عدي ببلاهة: وهو يعني فيه علاج غير الأدوية ؟
, حمزة: على حسب وضعه ساعات بيبقى العامل نفسي وبيشتغلوا على الحالة النفسية للمريض وده غالباً بتكون نتائجه كويسة في حال لحقوه من البداية، إضافة لأدوية ومنشطات للذاكرة وفيتامينات..
, هتف ربيع: وغذاء مقوي للذاكرة برضو زي جوز مثلاً مش كده يا زوما مش الجوز مقوي للذاكرة ؟
, رمقه حمزة بطرف عينه بصمت ليرفع عدي حاجبيه يطالعهم بنظرات غريبة لم يستطع أحد فهمها سوى تليد!
, يفهم صدمته تلك، أو ربما قهره الذي زاد داخله الآن بعدما حُرم والده من كل ما ذُكر قبل لحظات،
, لا دواء منتظم ولا طبيباً متابعاً لحالته، ولا حتى غذائاً صحياً يساعده ..
, لا شيء سوى علبة دواء يتيمة غالية الثمن، يشقى ويبصق الدماء ليشتريها ..
, هتف تليد بهدوء بعدما تعجب الجميع من صمت عدي: معندكش دكتور مناسب للحالات دي يا حمزة ؟!
, حمزة: أكيد عندي صاحبي هبقى أسأله عن حالته..
, فتح زين فمه يكاد يتكلم شاتماً أصحاب حمزة جميعهم، إلا أنه صمت مدعياً اللامبالاة ناظراً بطرف عينه لعدي الصامت و عيون تليد التي تلاحقه باهتمام لتزيده غيظاً ..
, ٨ علامة الإقحام
, وقف عدي في منتصف غرفة زين والذي كان متربعاً على سريره يفرش بعض الكتب أمامه يطالعهم بتركيز، ليهتف به: هو أنت بتذاكر إيه يا زينو أنا سمعت أنكم متخرجين وخلصتوا دراسة ..
, قطب زين جبينه ورفع رأسه نحوه باستنكار: إييه زينو دي أنا أسمي زييين، وأنت تحديداً قولي زين بيه ..
, رمقه عدي بدهشة: أمال هما بيقلولك زينو ليه مش ده أسمك ..؟
, زين بحدة: لأاا ده الدلع بتاعي ..
, عدي ساخراً: أنتوا كلكم مدلعين هنا ليه ؟!
, زين: و أنت مالك عايز تحسدنا عشان مش لاقي حد يدلعك زينا ..
, عدي: أنا راجل عايز بالدلع إييه ..؟
, زين بغضب: قصدك إيييه أن إحنا بنات مدلعين ؟!
, زفر عدي يرمقه بحدة إلا أن شيئاً داخله يمنعه من الشجار، ربما لتعبه وحاجته فقط للنوم، أو ربما لشعوره بأنه حمل ثقيل عليهم، وخاصة على تليد ولا يريد أن يُسبب له مشاكل أكثر ..
, التفت يقترب من النافذة ناظراً منها بخفة نحو الخارج، أو متأملاً أنحاء الغرفة الراقية و التي تكاد تكون مساحتها كمساحة بيته كاملاً، بقي على ذلك عدة دقائق ربما ينتظر انتهاء زين من دراسته ليستطيع النوم على السرير براحة والذي كان يحتله الآخر كاملاً،
, فيما عيون زين كانت تلاحقه بغيظ، ليترك كتبه فجأة قاذفاً بعضها أرضاً وهو يخرج من الغرفة حافياً بخطوات غاضبة سريعة ..
, وقف أمام غرفة تليد يطرق الباب بقوة حتى فتحت له نوار هاتفة: نعمم عايزين إيه مش بعرف أتهنى مع جوزي ثانية ..
, هتف زين مهدداً: خلي جوزك يكلمني ..
, تأففت تلتفت للخلف حيث اقترب تليد منه بعدما غير ملابسه لبيجامة بيتية أنيقة، حاملاً تليد الصغير بين يديه ليهتف زين ساخراً ناظراً لنوار: هتتهني معاه إزاي والواد ده شاهد على كل حاجة ..!؟
, نوار: و أنت مالك يا غيوور أنت..؟
, زم زين شفتيه بغيظ والتفت ناظراً لتليد برجاء: قوله يخرج من أوضتي أنا مش هنيمه عندي مش هستحملههه..
, رمقه تليد بهدوء: ليه بس يا زينو و أنا اللي مأمنك عليه ..
, زين: لا مليش دعوة أنا عايز أخد راحتي في أوضتي شوفله أوضة تانية مليش دعوة..
, صمت للحظة قبل أن يهتف: قول لربيع أو عمار ده هيموت وينيمه معاه، أقولك.. اديه لأبويا ..
, تليد: تؤ أنا مش هأمن على عدي غير معاك ..
, رمقه زين باتهام: و أنت تأمن عليه بتاع إيه خايف عليه أوي كده ليه هاا ثم أنا واحد عايز يرتاح في أوضته يا ناااس..
, فتح هارون باب غرفته بعدما استمع لصوت زين الغاضب ليرمقهم مقترباً منهم بدهشة حتى وسع عينيه حالما هتف زين باندفاع: خليه ينام جمب أي حد.. هارون مثلاً، لا لاااا أوعي إلا هارون.. ينام جمبك طيب لااا بص أنت تعالا نام جمبي أنا موافق وخلي عدي ينام جمب مراتك أو..اا قصدي.. خلممم٣ نقطة
, قاطعه هارون حالما كمم فمه بقوة بعدما ارتفع حاجبي تليد ببطء محذر، ليهتف به بملامح مذهولة: أنت يابني يخربيت لسانك..
, تخلص زين منه ليهتف: قوله يا هارون أنا مش عايز اللي أسمه عدي عندي ..
, رمقهم تليد بنظرات هادئة ليهتف: عدي بأمانتك يا زينو.. تصبح على خير..
, ابتسم لهما ملوحاً بيده بخفة وأغلق الباب بوجههما معاً ليهتف زين: شوفت بيعمل إييه ؟!
, تنهد هارون هاتفاً: هما كام يوم استحمل ..
, زين: مش عااايز و أنت كمان فيه إييه متبقاش جبان كده، طول عمرك تتعصب وتمشي كلامك عليه اشمعنا دلوقتي على حظي بقيت مطيع أووي وبتسمع الكلام ..
, أمسكه هارون من ياقته بحدة: ولاه أنت لسانك بقى أطول منك متعصبنيش بدل ما أخليك أنت اللي تبقى مطيع ومطيع أوي كمان ..
, هتف زين يرمقه بعيون حادة: يعني مش هتساعدني ؟!
, دفعه هارون هاتفاً بحزم: لأ.. عدي ضيف عندنا و أنت واجبك تستقبله وتكرمه، ويلا على أوضتك ..
, رمقه زين بغيظ هاتفاً وهو يبتعد عنه: أنا هوريكم كلكم ..
, دخل غرفته صافعاً الباب خلفه بقوة جعلت عدي ينتفض ملتفتاً نحوه، كاد يتكلم قبل أن ينتفض مجدداً على شهقة زين الحادة: أنت إييه اللي نيمك على سريري؟!
, رفع عدي رأسه عن الوسادة بعدما شعر براحة هائلة حالما تمدد على سرير زين الوثير، حتى الجو في هذا المكان يراه معتدلاً وليس حاراً خانقاً كما في منزله الصغير وفراشه القاسي ..
, لاحظ اقتراب زين الغاضب منه والذي حاول دفعه: ميين سمحلك تنام هنا السرير ده ليا أناا لوحدي مش كفاية هتشاركني أوضتي ..
, قطب عدي جبينه بحدة، طالعه للحظات قصيرة يحاول الصمت و تجاهل موجات الغضب داخله، موجات تدعوه للإنفجار بوجهه إلا أنه أخذ نفساً عميقاً، متعب هو من كل شي، وتعب جسده يدعوه للنوم فقط، ليهتف: أمال هنام فين ؟!
, هتف زين بتهديد مشيراً للأريكة الجانبية: هناك أكيد أمال أنت فاكرني هشاركك سريري ؟؟
, طالعه عدي بنظرات محتدة جعلت زين يزداد غيظاً وعناداً، لينهض عدي عن السرير كاتماً تأوهه من ألم ذراعه حتى ذهب واستلقى على الأريكة،
, عدة دقائق كان يتحرك بانزعاج من حركات زين في الغرفة، و بألم من ذراعه المعلق حتى نهض أخيراً يفكها عن رقبته ويحاول خلع قميصه، فلم يعتد النوم سوى بملابسه الداخلية، إلا أنه الآن قد كان محرجاً ليخلع قميصه فقط ويعود ليستلقي مجدداً محاولاً عدم الضغط على كتفه المصاب،
, لحظات قليلة حتى غاص في النوم، وعلى وجهه بدت معالم الإرهاق واضحة، فيما تحرك زين حول نفسه بانزعاح يفكر بخطة لطرده ..
, اتجه نحو سريره بعدما أغلق الأنوار ليبقى نور خفيف يتسلل من باب الشرفة المفتوح، و أمسك جهاز التحكم يُخفض من درجة حرارة المكيف حتى غرقت الغرفة ببرودة جعلته يرفع الغطاء مغطياً كامل جسده ينعم بالدفء أسفله كما اعتاد طوال ليالي الصيف الحارة..
, ٧ علامة الإقحام
, صباح اليوم التالي ..
, التفت تليد نحو زين الذي اقترب من مائدة الإفطار ساحباً كرسيه ليجلس عليه بوجه متجهم، ليهتف به: أمال عدي فين ؟!
, ليلى: صح يا زين هو فين مش هيفطر ..
, رفع زين نظراته نحوهم: حد قالكم أن أنا وكيل أعماله ؟!
, أدهم: فيه إيه يا زين هما بيسألوك عشان عدي قاعد في أوضتك ..
, زين: مش أنا اللي قعدته في أوضتي أ..
, قاطعه تليد بهدوء: أطلع شوفه لو صاحي خليه ينزل يفطر ..
, مصطفى: ولو لسه مصحاش ابقى صحيه الواد كان متصاب ولازم ياكل ويتغذى ..
, رمقهم زين بعيون تكاد تدمع من الغيظ ليزيح كرسيه بصوت عالي ناهضاً: أنا بطلت أفطر هجبلكم عدي تتهنوا بيه ..
, تركهم صاعداً الدرجات بحدة مستمعاً لصوت عبير من خلفه: ماله ده ؟!
, مروة: سبيه شكل الجنونة جتله ..
, زاد غضبه أكثر يدخل الغرفة يرمق ذلك النائم بغيظ، اتجه نحوه هاتفاً: أنتت.. اصحى يلا أنت فاكر نفسك في بيتك ..
, رمقه بعيون زادت غيظاً عندما لم يستمع لإجابة، ملاحظاً يداه اللتان تُمسكان قميصه والذي وضعه فوق جسده و كأنه غطاء!
, قطب جبينه بحذر ينحني نحوه لينكزه بخفة: أنت.. يا عدي إصحى..
, رفع حاجبيه بقلق ومد يده أكثر متلمساً ذراعه و وجهه ليجده حاراً بقوة وقد وضحت له رجفة جسده الخفيفة ..
, توسعت عيناه بذعر و قد أدرك الآن بأنه أمضى الليل كاملاً أسفل هواء المكيف الشديد البرودة بلا أي غطاء يستره سوى قميصه ذاك، ليلتفت حوله بقلق وعاد ينده باسمه يحاول إيقاظه بلا فائدة ..
, أسرع نحو باب الغرفة ليتوقف مكانه بتوتر مُخرجاً هاتفه يكلم هارون و الذي قطب جبينه بحذر ونهض عن جلسته يصعد للطابق العلوي سريعاً ..
, دخل الغرفة ليلمح وقوف زين المتوتر فوق رأس عدي النائم ليقترب منه بسرعة وفزع: احييه قتلته ؟!
, التفت زين نحوه بسرعة: الحقني يا هاروون عدي سخن أووي ومش بيفوق..
, انحنى هارون يتلمس جبين عدي ليقطب حاجبيه من سخونته وتراجع قليلاً هاتفاً: حرارته مرتفعة جامد، أنزل هات حمزة ..
, التفت نحوه ليراه واضعاً أصابعه في فمه بتوتر ليضيق عيناه بتمعن: و أنت مالك خايف كده ليه ؟!
, ابتلع زين ريقه ليتابع هارون: و سايب الواد نايم على الكنبة ل.. ولااااه أنت خليته ينام هناااا ؟!
, تراجع زين للخلف سريعاً يومئ برأسه هاتفاً: و.. و المكيف كان.. كان يعني.. أنا مليش دعوة ..
, هارون: احييييه ..
, زين: هعمل إيه ؟!
, زفر هارون بحدة: هتعمل إيه يعني أنزل أنده على حمزة عشان يكشف عليه ..
, زين: لأ أنزل أنت ..
, رمقه هارون بغضب: بقولك إييه حركات عيال مش عايز مش شايف حالة الواد بسببك ..
, هتف زين باندفاع: قولتلكم مش عايزه عندي ..
, هارون: ده مش مبرر.. أسمعني كويس يا زفت الواد ده أمانة عندنا و أنا دي أول مرة بشوف تليد مهتم بحد كده هو خايف عليه وعايز يحميه بجد و إلا مكانش جابه هنا، يعني حركاتك دي تبطلها أنت فاهم أنا مش مستعد أتصادم مع تليد بسبب الموضوع ده خالص ..
, زين: أنا ماعملتش حاجة هو اللي..
, قاطعه هارون: أنت هتحكيلي قصة حياتك وتسيب الواد عيان، انزل هات حمزة عقبال ما أنقله ع السرير قبل ما تليد يشوفه وتبقى مصيبة ..
, تأفف زين بضيق واتجه نحو باب الغرفة، لتتجمد أقدامه أرضاً بصدمة مطالعاً وقوف تليد على عتبة الباب ناقلاً نظراته بينهم بملامح غير مقروئة، ليبتلع ريقه ملتفتاً نحو هارون الذي ينحني يحاول رفع عدي بحذر لئلا يضغط على إصابته، فيما رفع هارون نظراته نحوهم بتنبه وارتفع حاجباه سريعاً حالما رآهم ليرخي عدي من بين يديه حتى استمع لتأوه ضعيف يخرج منه، ليتمتم رامشاً بعينيه بدهشة: احييه أنت لخبطت بين تليد وحمزة ؟!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الثاني عشر


التصق زين بهارون الواقف بجانبه بعدما رأى نظرات أدهم الموجهة نحوه والذي التفت بعدها لحمزة: ها يا حمزة طمنا ..
, أجابه حمزة الذي كان يفحص عدي المستلقي على سرير زين: واخد برد جامد، عايز أكشف على جرحه أكيد ملتهب..
, رفع هارون حاجبيه ملتفتاً لزين باتهام ليتمتم زين: في إييه هو اللي طري ..
, صمت حالما اصطدمت عيناه بعيني تليد ذو الملامح الغريبة منذ دخوله للغرفة حتى بعدما نقل هارون عدي للسرير وتم استدعاء حمزة ليفحصه، لينكز هارون بخاصرته هامساً: شوف بيبصلي إزاي ..
, رفع هارون نظراته لتليد الذي انتقلت عيناه يتابع حمزة بعدما بدأ بتضميد جرحه ليستيقظ عدي شاعراً بوجع فظيع جعله يتحرك محاولاً إبعاد يدي حمزة عنه،
, عدة دقائق حتى انتهى يُثبت له محلولاً مغذياً في يده لتهتف ليلى من جانبه: حمزة إيه رأيك أعمله شوربة ياكلها لما يصحى ؟!
, تليد: أعمليله ..
, لوى زين شفتيه بامتعاض ولكنه بقي صامتاً بقلق من عيون الجميع التي تلاحقه كل لحظة،
, فيما هتف أدهم بهدوء: سيبوه يرتاح والكل لبرا يلا ..
, زين: دي أوضتي ..
, رمقه أدهم بصمت و استدار بعدها خارجاً من الغرفة ليلحقه الجميع فيما هتف حمزة بهدوء لمروة الجالسة بجانب رأسه تُغير الكمادات الباردة: الحرارة شوية وهتنزل خليكي ع الكمادات ..
, مروة: وهو هيفوق إيمتى ..؟
, حمزة: لا ده نايم بس من التعب سبيه براحته ..
, أومأت مروة ناظرة لعدي بشفقة فيما هتف حمزة بعدما جهز حقيبته: أنا عندي شغل هبقى أطمن عليه لما أرجع ..
, تركهم خارجاً من الغرفة ليزداد التصاق زين بهارون حتى كاد يختبئ خلف ظهره حالما انتقلت عيون تليد الهادئة باتجاهه مجدداً، ليهتف ماداً رأسه بحذر: بتبصلي كده ليه الواد اللي جايبه ده بسكوتة أنا مالي ؟!
, رفع تليد حاجبيه بصمت للحظة قبل أن يهتف: أنا هروح الشغل.. بس أما أرجع ليا كلام معاك..
, احتدت عيون زين بغيظ وهتف: و أنا مش عايز أكلمك خليك مع عدي بتاعك ..
, ابتسم تليد بجانبية إلا أن ابتسامته ظهرت مهددة أكثر: ومين قالك مش هفضل معاه، مش لازم توصيني ..
, زين: هارون سامع ده شكله بيهددني..
, هارون: خلاص يا زين.. إمشي يا تليد مع السلامة ..
, هز تليد رأسه بصمت والتفت لمروة التي هتفت: روح يا تليد متقلقش عليه ده في عينيا ..
, هتف زين بغيظ: أنتي كل الناس في عينيكي إلا أبنك ..
, زفر هارون بحدة وابتعد عنه خارجاً من الغرفة بعدما خرج تليد، فيما وقف زين مكانه يطالع عدي النائم على سريره بغيظ كبير قبل أن يتجه نحو كتبه يحملها دفعة واحدة ويخرج إلى الشرفة ليضعها فوق طاولة صغيرة هناك و يجلس بجانبها ..
, دقائق قليلة حتى استفاق عدي لتهتف مروة بفرح: عدي عامل إيه ؟!
, التفت محدقاً بها مضيقاً عيناه و كأنه يحاول تذكر أين هو، قبل أن ينهض كاتماً تألمه لتهتف هي بسرعة متحسسة جبينه: لا الحمد**** الحرارة نزلت .. عايز حاجة أعملك حاجة ؟!
, نفى بأسه بصمت وتمتم: هو.. تليد باشا فين ؟!
, مروة: راح على شغله بس متقلقش إحنا كلنا جمبك لو محتاج حاجة قول..
, نفى برأسه بصمت مجدداً شاعراً بحرج طفيف من جلوسها أمامه وهو لم يعرفها جيداً بعد، خاصة مع صدره العاري المليء بالضمادات ..
, ابتعدت مروة عنه ملاحظة حرجه ليُفتح الباب ويظهر رأس عمار الحذر والذي توسعت عيناه ودخل سريعاً: هو فاق ..
, مروة: أهاا.. هاتله حاجة يلبسها من عندك أو من عند زين ..
, انتقلت عيون عدي حوله في الغرفة بحذر: هو زين فين ؟!
, تأفف عمار بضيق ناظراً باتجاه الشرفة ليهتف: بيذاكر ..
, التفت نحو الخزانة يفتحها باحثاً عن أي شيء خفيف ليرتديه عدي فيما خرجت مروة من الغرفة مع دخول ليلى يتبعها الجميع..
, طالعهم عدي بنظرات متوترة يحاول تذكر أسمائهم إلا أنه لم يستطع، و غياب تليد عنه يزيده حرجاً وغربة ..
, ابتسمت ليلى بحنية تضع صحن الحساء بجانبه، ومدت يدها متحسسة جبينه: الحمد****، فيه حاجة بتوجعك ؟! حمزة كشفلك ع الجرح وقالي لو توجعت نديك مسكن ..
, نفى عدي برأسه بصمت لتهتف ليلى مقربة صحن الحساء منه: تقدر تاكل ولا أأكلك أنا ؟!
, جائهم صوت زين الحاد من باب الشرفة: ليييه إن شاء **** مشلول ولا مشول، ما ياكل لوحده ..
, رمقه الجميع باستنكار لتهتف تسنيم سريعاً
, جالسة بجانب عدي من الناحية الأخرى: هاتي عنك يا لولا أنا هأكله ..
, سحبت الصحن منها بسرعة لتهتف ليلى: أنتي متأكدة مش ناقصين وجع دماغ من حيدر ..
,
, تسنيم بابتسامة: عيب عليكي يا لولا هو صح حيدورة أبنك بس أنا ممشياه زي الألف متقلقيش..
, تنهدت ليلى بقلق والتفتت نحوهم: مش هوصيكم عليه وأنت يا عدي الطبق ده يخلص كله تمام ؟!
, هز عدي رأسه بصمت لتنهض ليلى خارجة من الغرفة فيما كانت فريدة تتكئ على حافة الباب تراقبهم بسخرية، حتى وجّهت نظراتها لزين هاتفة: شوفت يا زين أصابع الإتهام كلها موجهة نحوك، و أنا لو عملت بحث وتقصّي هلاقيك أنت المجرم ..
, رمقها زين بحدة: خليكي في حالك يا معقدة يا صفيقة ..
, هزت فريدة كتفيها ثم اقتربت من السرير حيث مدت تسنيم الملعقة الممتلئة بابتسامة نحو عدي الذي توتر هاتفاً: أنا هاكل ل..
, تسنيم: تؤ تؤ عيب عليك كل يلا أنا زي أختك يعني ..
, جلست ورود بجانبها تراقبهم ليستسلم عدي يأكل بصمت متجاهلاً نظرات زين الموجهة نحوه، إلا أنه ورغم نظرات الآخر الحادة ولكنه كان مرتاحاً لوجوده، فتقريباً لا يعرف أحد سواه هنا بعدما أمضى الليلة السابقة في غرفته ..
, فتح حيدر باب الغرفة بخفة بغية الإطمئنان على عدي، ليرتفع حاجباه بصدمة ناظراً لما يحدث أمامه ليهتف بحدة: تسنيييم..؟!
, انتفضت تسنيم بفزع وقذفت بالطبق نحو ورود التي وسعت عيناها بقلق تُمسكه قبل أن تنسكب محتوياته عليها، ليقترب حيدر منهم بعيون هاجت فجأة ساحباً تسنيم من ذراعها: أنتي بتعملي إييييه ؟!
, راقبهم عدي بعيون قلقة لتهتف تسنيم بفزع: ولا حاجة ب..بساعده.. بساعده ياعيني مش قادر ياكل لوحده مش كده يا عدي ؟!
, التفتت نحو عدي تُشير له بعينيها وترمش بهما بطريقة كادت تُضحكه لولا صراخ حيدر الحاد: أنتي اتجننتي؟! هو مفييش حد غيرك يساااعده ؟!
, التفت خلفه محدقاً بعمار الذي وسع عيناه متراجعاً للخلف: أانا مليش دعوة..
, هتف حيدر بحدة: و أنت واقف بتتفرج عليهاا ؟؟
, تسنيم: إهدا يا حيدورة هو..
, صرخ حيدر بغضب: أنتي اخرسي.. قدامي يلاا.. و أنت كمان ..
, عمار: أانا إيه مليش دعوة عايز أقعد مع عدي..
, انتقلت نطرات حيدر الشبه مظلمة باتجاه زين الذي مازال واقفاً على باب الشرفة و كتابه بين يديه يراقبهم بغيظ ليهتف بحدة: واشمعنا ده مش زيك مش كفاية لا دراسة فالح بيها ولا حتى شغللل..
, رمقه عمار بغيظ وهتف: مش عايز أشتغل مش فاهم حاجة في شغلكم وبابا قالي أقعد أرتاح..
, رمقه حيدر بحدة وهز رأسه بتوعد: طيب ياا عمار طيب هنشووف ..
, التفت باتجاه تسنيم: أنتي لسا هناااا ؟!
, رفعت يديها باستسلام: إهدا خلاص هخرج أهو.. سلام عليكم يا جماعة..
, هرولت خارجة من الغرفة ليرفع حيدر يده جاذباً خصلاته بحدة ليعدلها بعدها ملتفتاً لعدي: أسمع يا عدي أنت وجودك هنا على عيني و راسي هحطك جوا عيني بس الحركات دي مش عااايزهاا ..
, رمقه عدي بصدمة وعدم فهم ليهتف حيدر: أنا مش شايفك مشلول ولا تعبان لدرجة تسيب بنت تأكلك.. ولو كان كده فيه عندك عمار وزين وكلناا..
, انعقد حاجبي عدي بحدة وهتف: أنت بتقول إي..
, رفع حيدر يده بحدة ليُسكته ليهتف: أنا مش بقول كده عشان أضايقك بس اللي حصل ده غلط ..
, التفت بعدها خارجاً من الغرفة بعدما رمق عمار بحدة وتوعد، ليزفر عمار بضيق ويلتفت نحو زين ليصرخ به فجأة حالما رأى الكتاب بيده: سييب الزفتتتت..
, هتف زين بغضب: ملكش دعوة قاعدين في أوضتي و بتتأمروا عليااا..
, عاد مجدداً إلى الشرفة فيما عيون عدي كانت تُلاحقهم جميعاً و قد اختفى غضبه وحدته ليظهر مكانها الدهشة والحذر!
, هتفت ورود سريعاً: معلش متزعلش من حيدر هو علطول كده بيغير جامد وتسنيم غبية هييجي وقت تجننه..
, هزت فريدة رأسها مقتربة من السرير ودفعت ورود لتُبعدها عنه حتى جلست مكانها مقابلاً له،
, رفعت نظراتها له هاتفة: أنت أكيد بتسأل نفسك إيه ده وإيه اللي جابك في عيلة المجانين المعفنين دي..
, رفع عدي حاجبيه لتبتسم فريدة واضعة قدماً فوق الأخرى: أهاا أنت أكيد مش عارفني.. أنا فريدة بنت أدهم أكيد عارفه ده كبيرنا..
, أومأ عدي برأسه لتهتف هي مجدداً: و أخت اللي كان بيجعر هنا قبل شوية ..
, رمقها عدي بحذر لتهتف هي متابعة: متقلقش.. هعرفك عليهم كلهم أصل باين عليك ضايع..
, بص٣ نقطة أولاً عندك حيدر الواد الحليوة اللي علطول بيشد في شعره و اللي كان يجعر عارفه ؟!
, أومأ عدي برأسه لتُكمل فريدة: ده بقا إنسان ديكتاتور، همجي عايز اللي يقوله يتنفذ وبس، بالمختصر هو عايش في مجتمع ذكوري بحت وهو قائد الذكور فيه وكلمته هتمشي ع الكل، ولو ده محصلش فهيستخدم الجعير والضرب وسيلة للوصول لمبتغاه..
, التفتت حولها لتهتف متابعة: زين.. ده اللي إحنا في أوضته حالياً ..
, عدي: أنا عارف زين أخوه للباشا ..
, فريدة: تؤ ده أخو أخوه..
, عدي: إزاي ؟!
, فريدة: **** هو أنت متعرفش أن تليد و هارون أخوات من الأب بس ؟!
, توسعت عيون عدي بدهشة لتومئ فريدة: بالظبط كده، تليد أساساً منعرفوش إلا من مدة قصيرة، هارون أخوه من أبوه وكده بقينا كلنا أخواته ..
, عدي: وه يعني الباشا معندوش غير أخ واحد فعلاً ..
, رمقته فريدة بحذر: طب وطي صوتك لاحسن زينو يسمعنا.. بالمختصر زين ده واد أهبل، مجنون كان همه في الحياة دي تلت حاجات اللي هما دراسته، هارون، و سباق العربيات.. ودلوقتي بقوا أربع حاجات لما ضاف تليد ليهم.. وكان على وشك يضيف تلودة الصغنن بس تليد احتكره ليه كأنه ملكية خاصة..
, صمتت للحظة قبل أن تهتف: استوعبت ؟!
, أومأ برأسه بحذر وتحفز وهتف سريعاً: و هو بيذاكر إيه مش هما تخرجوا ؟!
, لوحت بيدها: بيقدم ع الماجستير والدوكتورا عايز يبقى دكتور في الجامعة، سيبك منه ده طموحه مغطي على هبله، خليني أكمل..
, حدق بها بتمعن لتهتف هي متابعة مشيرة لعمار الواقف في إحدى الزوايا: الواد عمار.. واد عيوطة لو نفخت عليه هيعيط أصله حساس حبتين.. واد فاشل دراسياً إجتماعياً ثقافياً عاطفياً، أهم حاجة عنده ميذاكرش ولا يشتغل ومحدش يزعقله لا أمه ولا باباه ولا حيدر.. ده يبقى أخويا التوأم، وشتان ما بيننا..
, التفتت حولها لتعود وتحدق به مقربة رأسها منه: بيني وبينك، كان المفروض هو يخلق بنت وأنا الولد بس لله في خلقه شؤون ..
, هتف عمار بحدة: بتقولي إيييه أنتي فاكرة أن الهمجية بتاعتك والمرجلة دي حلوة أووي ؟!
, قلبت فريدة عينيها بلا مبالاة وعادت لتبعد وجهها عنه لتهتف: هارووون..
, عدي: ده أخو الباشاا..
, فريدة: أيوون.. هارون بقا هو هارون.. رُفعت الأقلام وجفت الصحف ..!
, تابعت سريعاً: مراته ريماس.. محامية ماسكة القانون من قفاه وماشية تهتف بالحرية والمساواة بين الرجل والمرأة وفي الآخر بترجع تتخانق مع هارون شوية وتحط راسها و تنام..
, ضحك عمار بخفة وقد أعجبه كلامها لتهتف هي متابعة: ربيع واد متعدد المواهب، في كلية طب غير اختصاصه تلاتمية مرة وفي الآخر اختص قلب زيه زي حمزة الدكتور ده عارفه أكيد ..
, أومأ برأسه بخفة لتهتف هي: تسنيم البنت اللي كانت تأكلك.. دي بنت هبلة حياتها عبارة عن حيدورة راح حيدورة جه حيدورة طلع حيدورة نزل وحب و أحضان و عيون بتطلع قلووب.. بنت تافهة من الآخر يعني ودي شبيهة نوار..
, عدي: نوار دي مرات الباشاا ..
, فريدة: أها البت دي تافهة برضو و..
, قاطعها عدي: لا متقوليش كده دي مرات الباشا..
, هتفت نوار داخلة من الغرفة بابتسامة واسعة: **** يخليك يا عدي شوفتوا جلايب تلودة قلبي مش بيجيب إلا كل حلوو ..
, اقتربت لتجلس على كرسي قريباً منهم تضع قدماً فوق الأخرى بتكبر ليرمقها عدي بطرف عينه ويعدل جلسته بقليل من الإحترام استنكرته فريدة التي هتفت: أنت يابني متفضلش مخدوع فيهم كده، البت دي نحنوحة بترقص يمين شمال فوق تحت وساعة ما بتشوف تليد بتبوسه ميفرقش معاها حد،
, وسع عدي عيناه بصدمة والتفت لنوار التي تبتسم بتوسع وهيام: أهاا تلودة حبيب قلبي أبوسه وأبوس كل عيلته عادي يعني..
, ابتلع عدي ريقه يعود ويحدق بفريدة التي هتفت: شوفت المرقعة والخفة ؟! وعلى فكرة تليد أخف منها بيسيبها تتحرش بيه وهو قاعد ومبسوط..
, عاد ليوسع عيناه مجدداً و كأنه لا يستطيع تخيل تليد بتلك الصورة لتومئ فريدة رامشة بعينيها ببطء: زي مابقولك كده ..
, صمتت للحظة قبل أن تهتف: يعني لو أنت شايف تليد راجل وظابط وكاريزما وكده ف الأفضل تغير نظرتك دي حالاً قبل ما تتصدم.. هنا كله ع المكشوف، أنت بس شوفه وهو مع تلودة الصغنن خاصة وهو بيغيرله البامبرز أجمد من أجمد أم وجليسة *****..
, نوار: حبيب قلبي ده هيساعدني في تربية عيالنا في المستقبل..
, فريدة: قولتلك البت دي خفيفة من لما عرفت تليد ولغاية دلوقتي أغمي عليها تسعمية وخمسين مرة.. وبيني وبينك يمكن هو ده سبب أنها محملتش لغاية دلوقتي ..
, ابتسمت تهز رأسها بمكر ليهتف عدي بحدة: أنتي بتقولي إيييه ده الباشا ومراته ..
, تأففت فريدة بضيق لتهتف: المهم عندك كمان ورود بنت ذات أحلام عادية عايزة تتجوز وتتستر بس البعيد ساب حلم الخطوبة وعايز يبقى دكتور ويبني نفسه، البعيد ده زين أصلهم بيحبوا بعض وشبه مخطوبين.. مين كمان يا فريدة.. أها رحمة البت دي مرات حمزة الدكتور، بنت تنحة ناشفة همها شغلها وأناقتها بس، مش بقولك تنحة..
, عمار: خلاص بقا أنتي ضيعتيه.. سبيه هو يتعرف علينا لوحده ..
, فريدة: أنا بكشفله الحقايق.. استنى يا عدي فاضل أناا..
, تحمحمت معدلة ياقتها: معاك فريدة الفريدة أعظم صحفية فيكي يا مصر والكل يشهد ..
, عمار: أهاا عشان كده طلعناكي بالعافية من الحبس الشهر اللي فات..
, رفع عدي حاجبيه بحذر ليقترب عمار منهم هاتفاً: متصدقهاش دي أفشل صحفية في التاريخ شهدت حادثة عربية في الشارع واتهمت الحكومة بالتقصير قال إيه الحكومة مش بتوعّي الشعب وتعملهم شوارع أكثر وسعاً، ده على أساس يعني هي عارفة تسوق كويس في شوارع واسعة ولا ضيقة دي لحد دلوقتي متعرفش تمشي بالعربية متر واحد..
, التفت محدقاً بفريدة بسخرية ليعود محدقاً بعدي: وخلصناها بالعافية من إيد حيدر لولا كده كان زمانها لسه متعلقة في السقف من رجليها.. أهاا زي مابقولك كده علقها في السقف ساعتين وبقت زي الكتكوت المبلول قدامه أصله كان بيحمي عشان يبدأ ضرب..
, فريدة: عشان أنتوا عيلة خانعة ذليلة بتحشروا أنوفكم في التراب زي النعامة.. و كلمة الحق اليومين دول بقت جريمة..
, ورود: على فكرة أنتوا مخليتوش عدي ياكل، الشوربة بردت..
, نهضت فريدة عن جلستها: كلامي هيحسسه بالشبع..
, عمار: ليه إن شاء **** هيشبع كرامة و بطولات.. هو مش ناقص ماهو ظابط..
, ابتسم فجأة يلتفت لعدي: هو شغلكم حلو يا عدي ؟! أنا بشوف هارون رايح جاي براحته وعامل نفسه هو الحكومة.. وتليد برضو محسسنا أنه الرئيس..
, قطب عدي جبينه محاولاً استيعاب أكوام الكلمات والأخبار التي أُلقيت على مسامعه ليأتيهم صوت زين الغاضب: خلصتوا حيونة ؟! أتفضلوا برااا أوضتي بقا عايز أذاكر بهدوووء ..
, ٨ علامة الإقحام
, وقف تليد بين مجموعة من رجاله بما فيهم وائل و أشرف الذي انضم إليه في مهمته، ليهف أشرف سريعاً: الراجل أعترف أن شادي هو اللي بعته لعدي عشان يقوله على موقعهم..
, وائل: أهاا وشكله كان عارف أن فيه كمين بيتجهز هناك..
, نقل تليد نظراته نحو وائل الذي اقترب منه هاتفاً: تليد باشا.. حضرتك رفضت تقول للقيادة ليه عن اللي عمله شادي بيه ؟!
, بقي تليد صامتاً ليرفع يده بالسيجار بين أصابعه ينفث الدخان بصمت وجببن مقطب بتفكير واضح حتى هتف أشرف: المهم دلوقتي هنقسم المهام بينا.. أنت عايز تستلم إيه يا تليد ؟!
, وائل: أنا هحقق مع الراجل تبع شادي بيه و أعرف المعلومات دي وصلتلهم إزااي..
, خرج تليد أخيراً عن صمته: و أنت مين اللي دخلك معانا ؟!
, رمقه وائل بدهشة ليهتف بتوتر: أا.. أنا يا باشا..
, أشرف: في إيه يا تليد، وائل المتدرب بتاعي و أنت عارف كويس مهاراته وهو مندفع وعايز يساعدنا وهيفيدنا ..
, تليد: مش محتاج مهارات اللي عندي كفاية ..
, وائل: بس أنا يا باشا عايز أساعدكم بجد ..
, ابتسم تليد ساخراً: من إيمتى الكلام ده ؟! لاحظ أن بمساعدتك دي أنت بتساعد عدي كمان.. عدي عدوك اللدود..
, زفر وائل بحدة ملتفاً نحو أشرف الذي هز رأسه بهدوء: وائل عايز يساعدنا كلنا بما فينا عدي، الخلافات وقت الأزمات ملهاش معنى ..
, رفع تليد حاجبيه يمط شفتيه بإعجاب ثم عاد يحدق بوائل: ولا لتكون عايز تنتقم من شادي بعد معاملته الوحشة معاك ..
, ضم وائل قبضتيه بجانب جسده ليهتف بصوت حاد: أنا آسف يا باشا بس.. حضرتك واخد عني فكرة غلط.. خلافي مع عدي أظن محدش ليه دعوة بيه دي خلافات شخصية قديمة بينا.. بس أنا من زمان مقرر أن شغلي ملوش دعوة بحياتي الشخصية ومشاكلي، و حضرتك عارف إن طموحي أطور نفسي و أترقى مش هسيب حاجة تأثر عليا و على مستقبلي، ولو كانت مساعدتي ليك شايفها غلط ف أنا بنسحب..
, أشرف: إمشي يا وائل دلوقتي، أنت هتستلم المهة اللي قولتها فعلاً٣ نقطة
, رمقه وائل بقلق فيما بقي تليد صامتاً مضيقاً عيناه حتى رحل وائل مبتعداً عنهم ليقترب أشرف من تليد هاتفاً: وائل مش وحش يا تليد.. بس مكانش لاقي حد يتفهمه ويساعده، شادي كلنا عارفين طباعه وجشعه..ولو كان على المشاكل اللي عملها مع عدي ف هو ندم عليها وآخر مشكلة كان مجبور من شادي أنه يفضحه.. اديه فرصته كده كده أنت محتاج حد بمهاراته وحد عارف شوية بدماغ العصابة خاصة أن.. سهيلة دي بنت حارتهم..
, بقي تليد صامتاً للحظات عديدة قبل أن يهز رأسه ملقياً سيجاره أرضاً يزفر الدخان من بين شفتيه: أوك.. بس أي حاجة يعرفها توصلي أنا قبل ماتوصلك أنت ..
, ابتسم أشرف يومئ برأسه قبل أن يهتف: و شادي هنسيبه لإمتى؟!
, تليد: لحد ما نقبض عليهم كلهم..وهو معاهم ..
, ابتسم أسرف هاتفاً: و**** نفسي أشوفه مذلول كده، المشكلة أن في حد مننا بيوصله معلومات سرية زي دي.. ولازم نكشفه هو كمان..
, هز تليد رأسه بخفة ليشير لرجاله هاتفاً: أهم حاجة تأمنوا على مسعد..
, تنهد صامتاً للحظة قبل أن يهتف: عايزه يرجع سليم أي غلطة مننا هيتخلصوا منه..!
, رمقه أشرف بصمت يراه يشير لرجاله بالذهاب ثم عدل ملابسه يتجه بخطوات سريعة خارج المركز ..
, دخلت سيارته الفيلا بعد مدة من الوقت، ليترجل منها يدخل عبر البوابة الداخلية المفتوحة، واتجه يصعد الدرجات سريعاً ..
, وقف في بداية الرواق يقطب جبينه مستشعراً الهدوء في المكانه، ليتجه سريعاً نحو غرفة هارون يطرق الباب بخفة حتى استمع لصوته يأذن بالدخول،
, فتح الباب ومد رأسه بحذر قبل أن تنفرج ملامحه الجامدة وهو يراه مستلقياً بإهمال على سريره ذراعه أسفل رأسه فيما طفله الصغير بجانبه يُخرج أصواتاً طفولية أسعدته رغم أنها كانت همهمات على وشك البكاء ..
, هتف هارون بسرعة: جيت في وقتك..الواد محتاج تغيير ..
, ابتسم تليد مقترباً منهم ليرفع الصغير بين يديه بخفة ويدفن وجهه في رقبته يقبله عدة مرات جعلت ضحكة الصغير تعلو في الأرجاء ليقترب جالساً على السرير مطالعاً هارون: أمال مراتك فين ؟
, هتف هارون وهو على نفس استلقائته يبتسم بخفة لضحكات صغيره المستمرة: نزلت السوق هي ورحمة ..
, رفع تليد حاجبيه ليهتف: مش شايف أن علاقتهم تطورت ورحمة هتعدي مراتك بالتناحة..؟!
, قطب هارون جبينه يرمقه بحدة قبل أن يرفع أحد حاجبيه هاتفاً: كلام في سرك ..
, تليد: عيب عليك ..
, هارون: أهاا حاسس كده فعلاً شوفت إزاي سابتني أنا وأبني لوحدنا وخرجت تروّح عن نفسها.. بقت أنانية..
, تليد: طول عمرها بس أنت ماكنتش تصدقني.. شوفت وصلت دلوقتي لكلامي أهو..
, همهم هارون بخفة ليهتف: بفكر أطقلها ..
, تليد بابتسامة: يانهار أبيض.. بس جيبوا أخ لتلودة الأول وبعدين ابقى طلقها، أنا مش عايزه يكون وحيد ..
, رفع هارون حاجبه: يعني لما أطلقها مش قادر أتجوز غيرها و أجيب عيال..
, قابله تليد رافعاً حاجبيه: و حد قالك إني هخليك تتجوز بعديها.. أنت جربت مرة وخلاص هو ده حظك، هات أخ لتلودة وطلقها وأقعد ربي عيالك وعيش ليهم ..
, طالعه هارون بابتسامة صفراء ونظرات مستنكرة، قبل أن يتنبه لصوت صغيره الشبه باكي ليهتف: يابني الواد مستنيك من ساعتها قووم غيرله..
, عاد تليد يبتسم بخفة يضع الصغير بجانب هارون ليهتف: هروح أطمن على عدي الأول وراجع..
, التفت ينهض متجهاً خارج الغرفة فيما هارون يهتف من خلفه بصدمة: أنت سبت أبني علشااان عدي ؟!!
, اتجه تليد نحو غرفة زين ليفتح الباب مطلاً برأسه بخفة، جال بعينيه في أرجائها واقترب ببطء نحو السرير ليجد عدي مستلقياً هناك و يبدو نائماً ..
, انحنى نحوه بخفة يطالع ملامحه المتعبة، ليس تعباً كما اعتاده دوماً، بل تعبه الآن مصاحباً لألم وشحوب واضح،
, التفت يبحث عن زين إلا أنه لم يجده وكاد يبتعد عن السرير ليستمع لصوت عدي الخافت: أنت جيت يا تليد.. أاقصدي يا باشا..
, التفت تليد نحوه سريعاً: ارجع نام لما تصحى هنتكلم..
, نفى عدي برأسه محاولاً النهوض: أانا كنت عايز منك حاجة..
, ضاقت عيون تليد بحذر حتى رفع عدي نظراته له: عايز أطمن على أبويا ينفع تكلم حد من رجالتك..
, رمقه تليد بنظرات هادئة عميقة ليهتف: كلمتهم هو كويس م..
, قاطعه عدي سريعاً: ينفع تخليهم يدوه التلفون أنا عايز أكلمه..
, طالعه تليد بصمت للحظات حتى هتف: أنت ارتاح دلوقتي واما تفوق هتكلمه،
, التفت بعدها يتجه خارج الغرفة قبل أن يعطيه مجالاً للكلام، و عاد لغرفة هارون بجبين مقطب وملامحه عادت للتجهم مجدداً ..
, أغلق الباب خلفه وسار نحو السرير حيث خرج صوت بكاء الصغير مجدداً ليتنهد يبتسم بخفة وانحنى يرفعه بين يديه يقبله بكلتا وجنتيه: حبيب أبوه سايبينك كده تعيط لوحدك٣ نقطة شوفت أن أهلك مجانين..
, قطب جبينه يلتفت لهارون: أنا هخليه يقول بابا..
, اتسعت ابتسامة هارون واضعاً ذراعيه أسفل رأسه: أهاا يقول عشان ريماس هانم تشوف أنه بيحب أبوه أكتر..
, ابتسم تليد بجانبية هاتفاً: ماهو هيقول بابا بس ليا أنا مش ليك..
, رفع هارون حاجبيه واعتدل بجلسته: لا بقا ماتفقناش على كده.. أنت يابني مراتك مقصرة معاك في إييه ماتجبلك عيل يقولك بابا اشمعنا أبني..
, هز تليد كتفيه هاتفاً: أنا عايز الواد ده.. ثم إني الأحق بالكلمة دي.. مين اللي بيأكله يشربه ينيمه ويحممه..؟
, رمقه هارون بغيظ قبل أن يضحك فجأة يقذف عليه حفاضاً صغيراً كان بجانبه: على كده لازم تخليه يقولك ماما..
, تعالت ضحكته مجدداً إلا أنها قُطعت فجأة حالما هتف تليد: وماله هيقولي ماما و بابا و أنتوا تطلعوا برا.. مش كده يا تلودة ؟!
, خرج صوت الطفل بأصوات طفولية غير مفهومة ليهز تليد رأسه و كأنه يحدثه: حبيب أبوه يا ناس.. الواد فرحان لأنه هيقولي ماما وبابا ..
, هارون: يا سلام..!
, تليد: أيوون.. أنا قررت أحميه.. هاا يا تلودة هنستحمى ونبقى نضاف وبنلمع صح ونسيب هارون ريحته وحشة..
, ضحك الصغير وكأنه فهم كلامه ليرمقهم هارون بغيظ ناظراً لتليد الذي وضع الصغير جانباً و بدأ يخلع سترته الرسمية مشمراً عن ساعديه ليهتف ناظراً لهارون: فين البطة اللي أنا جبتهاله ..؟
, هارون: مش عارف ريماس حطتها فين ..
, تليد: قوم دور عليها.. تلودة هيستحمى مع البطة..
, هارون: ما أقوم أضربله تعظيم سلام كمان.. حل عني يا تليد وغيرله من غير إبداعات ..
, رمقه تليد بنظرات ضيقة وانحنى حاملاً الصغير مجدداً واتجه به نحو الحمام الملحق بالغرفة ليهتف: دور عليها والحقني.. البطة الصفرا هاا مش السودا اللي جابتها مراتك، قال بطة سودا قال..
, تابعه هارون بعينيه بصمت وعاد يضع ذراعيه أسفل رأسه محدقاً بالسقف، فيما أصوات المياه من الداخل بدأت تتسلل لسمعه، تلحقها أصوات تليد الصغير الذي ترتفع ضحكاته بقوة..
, قطب جبينه يبتسم بخفة، يتذكر بكاء صغيره عندما تحممه ريماس كارهاً المياه والإستحمام، و ضحكاته الآن وهو بين يدي تليد لاعباً و مستمتعاً حتى يكادا يمضيان دقائق طويلة بلا ملل..
, عدة دقائق ليلتفت نحو باب الحمام.. حيث خرج منه تليد بملابس فوضوية شبه مبللة مع خصلاته التي تناثر بعض منها فوق جبينه بشكل جذاب.. بينما الصغير بين يديه متكوراً في لباس حمام صغير بلون أزرق فاتح يكاد يبتلعه مع قبعته التي تخفي كامل رأسه ..
, وضعه تليد على السرير ممسكاً القبعة ليجفف رأسه و وجهه بلمسات خفيفة حتى أبعدها عنه ليظهر رأس الصغير و وجهه المحمر قليلاً بعدما توردت وجنتيه المنتفختين جاعلاً ابتسامة تليد تزداد أكثر، ليقبل وجهه عدة مرات دافناً رأسه في عنقه فيما يدي الصغير تتمسكان بوجه تليد ضاحكاً بخفة بعدما دغدغته ذقنه الخفيفة ..
, ابتسم هارون متقلباً على جانبه ليعدل جلسته مستنداً برأسه على ذراعه، فيما عيناه تلاحقهما معاً مراقباً بابتسامة حانية حركات تليد الهادئة والبارعة وهو يبدأ في إلباسه حفاضاً نظيفاً بعدما أغرقه بكمية بودرة ذات رائحة عطرية زاكية..
, لينتهي مشبعاً الصغير بقبلات متفرقة في أنحاء جسده العاري إلا من حفاض صغير، مستلقياً يلوح بقدميه ويديه بضحكات لم تنقطع..
, أحضر تليد زجاجة زيت عطري صغيرة ليبدأ في دهن جسد الصغير بخفة كما تعود دائماً على ذلك.. فيما لمساته الهادئة الحريصة جعلت جسد الصغير يرتخي بأجفان تثقل تدريجياً..
, تنهد تليد بحب كبير ينضح من عينيه ويفيض من قلبه لتلك القطعة الصغيرة أمامه، واتكأ بجسده على السرير ساحباً الصغير ليمدده على صدره كما اعتاد عندما يحاول تنييمه..
, مد يده محضراً اللهاية ليضعها في فمه فيبدأ الصغير بمصها سريعاً تحت نظرات تليد المبتسمة،
, لا يشعر نفسه سيُحب أولاده أكثر مما يحب هذا الصغير بين أحضانه،
, و ربما.. إن بقي هكذا بلا أولاد لن يشعر بنقص أو حاجة لإشباع أبوته طالما أبن أخيه موجود معه ..
, قاطع هارون أفكاره ويده التي تعبث بخصلات الصغير القصيرة: شايف شعره عمال يطول..
, همهم تليد بخفوت ليهتف هارون: قولت أقولك عشان تاخد بالك أصلك هتنساه بعدين ..
, التفت تليد نحوه بتعجب ليهتف هارون: أمال تسيب أبني حبيبي علشان عدي مكانش العشم ..
, رفع تليد حاجبيه بخفة: و أنت مالك أنا وتلودة متفقين هو مش هيزعل..
, هارون: هاتلك ولد ليك وهتنساه..
, ابتسم تليد بتوسع وهتف: مش هجيب ولد.. أنا عايز بنت وهجوزها لتلودة ..
, هارون: وأفرض هو مش عايز ..
, تليد: تؤ.. أنا هربيهم مع بعض و من صغرهم هعلمهم يحبوا بعض .. المهم أنا مش هفرط في تلودة خالص..
, ابتسم هارون بخفة وهتف: ولو أنا جبت عيل تاني هتحبه زيه ولا علشان ده على أسمك؟!
, ابتسم تليد محدقاً بالصغير بنظرات عميقة ليهتف: أنا بحبه كده عشان هو حتة منك.. كل حاجة منك هحبها ..
, توسعت ابتسامة هارون و أشرق وجهه بسعادة واضحة ليدفعه بكتفه بمزاح: يوو متكسفنيش بقى..
, هتف تليد محافظاً على ابتسامته: قوم هاتلي زين هنا..
, اختفت ابتسامة هارن واعتدل بجلسته: هترجع للنكد تاني..
, أومأ تلد بخفة ليهتف الآخر: خلاص يا تليد هو غيور شوية و أنا هكلمه ..
, تليد: وعشان غيرته يقتل الواد.. المفعوص ده أنا هضربه.. بقولك عشان يبقى عندك علم ومتجيش تزعل بعدين..
, رمقه هارون بتهديد: طب جرب كده وشوف هيحصلك إيه..
, تليد: لأما أنا أضربه أو أنت، اختار عشان في كل الأحوال هيضرب يعني هيضرب..
, هارون: وساعتها ابقى أحلم شوف تلودة ولا أسمع صوته حتى، أنا هحرمك منه ..
, تليد: هرفع عليك قضية وهجرجرك في المحاكم ..
, هارون: ليه إن شاء **** هتطالب بحق الحضانة ؟!
, ضحك تليد بخفة ليهتف بعدها: روح هاته بتكلم جد..
, تنهد هارون يرمقه بتحذير ليهتف تليد: مش هعمله حاجة بس فيه كلام مهم هقوله..
, هارون: هنشوف ..
, نهض من جانبه ليخرج من الغرفة فيما اعتدل تليد بجلسته لينهض بعدها محدقاً بالصغير النائم بين يديه، واتجه نحو سرير ***** صغير حانبي، ليمدده هناك ويغطيه بغطاء خفيف٣ نقطة
, بقي فوق رأسه وعيناه تطالعان الصغير بتأمل حتى عاد هارون مجدداً وبجانبه زين الذي يطالعهم بنظرات غاضبة تحسباً لأي فعل يصدر منهم ..
, التفت تليد نحوه ليتكتف زين هاتفاً: نعم وانجز أنا عندي مذاكرة مش فاضي زيكم ..
, دفعه هارون بكتفه: زيين مش قولنا هتسمع و أنت ساكت..
, زم زين شفتيه بضيق والتفت لتليد الذي هتف بعدما اقترب منه: في إيه بينك وبين عدي؟؟
, رفع زين حاجبيه ليهتف بعدها بابتسامة: أحم هو.. طلب مني علاقة و أنا رفضت أصل..
, قاطعه تليد بصوت جامد: لاحظ أني مش بهزر ..
, رمقه زين بدهشة وزم شفتيه يلتفت لهارون ملتصقاً به: أنت بتكلمني كده ليه أنا ماعملتش حاجة.. هو اللي نام عريان أنا مالي أنا أساساً خفت على نفسي من التحرش ..
, هارون: خلاص يا زينو يا حبيبي عدي ضيفنا وهو مصاب وتعبان و..
, قاطعه تليد هاتفاً: على فكرة عدي لو ساكت فعشان تعبان وعنده مشاكل.. إنما هو دي مش طبيعته خالص..
, زين: أنت بتهددني ؟!
, تليد: أنا كنت مأمن فيك على فكرة ترجعه زي ما كان.. وجوده معاك كان هيفيده بس أنت زودتها عليه أكتر ..
, رمقه زين بسخرية: ليه إن شاء **** عيل صغير وخسر مامته وداخل بإكتئاب..
, أومأ تليد برأسه بصمت لتتغير نظرات زين لدهشة: خسر مامته بحد ؟!
, تنهد تليد هاتفاً: عدي أهل حارته بيكرهوه وعلطول مشاكل معاهم.. مامته هربت من زمان وبيعايروه، باباه مريض و.. ودلوقتي مخطوف ..!
, هارون: إييه؟! إزاي ؟!
, طالعهم تليد بنظرات هادئة ليهتف: كان عند عدي في المشفى، أمرت رجالتي يرجعوه البيت بس ملاقهوش، اتخطف واللي خطفته العصابة اللي مامته موجودة فيها وعايزين يضغطوا على عدي..
, صمت للحظة قبل أن يهتف: عدي ميعرفش أن باباه مخطوف.. هو فاكره في البيت وده السبب اللي اللي مخليني أقعده هنا.. أولاً عشان أحميه وثانياً عشان ميعرفش..
, زم زين شفتيه بصمت وتغيرت ملامحه ليهتف: أنت بتقطعلي قلبي عليه ليه ؟!
, ابتسم تليد بخفة ليهتف هارون: ياحزني الواد ده معذب.. اخس عليك يا زينو يا مجرم ..
, زين: و أنا هعرف منين أن حالته كده وبعدين بليد هو السبب ..
, هتف تليد بهدوء: عدي ميعرفش بالكلام ده أنت سامع و إلا هضربك بجد..
, زين بغيظ: مش ملاحظ نفسك عمال تهددني كتير اليومين دول و أنا ساكت عشان بس أنا مؤدب ومتربي كويس ومحترم و أبن ناس..
, تليد: تشرفنا.. بس عدي هيفضل في أوضتك على فكرة..
, تأفف زين بحدة ليهتف بعدها يرمقه بحذر: هتدفعلي أجار قعدته عندي..
, طالعه تليد بصمت للحظات قصيرة قبل أن يهتف: عايز كام ؟!
, ارتفع حاجبي زين بدهشة والتفت يتبادل النظرات مع هارون الذي أشار له أن يجيبه ليتحمحم زين هاتفاً: عايز عربية جديدة ..
, بقي تليد يطالعه بهدوء فيما نظرات زين وهارون معلقة به حتى هتف أخيراً: أوك موافق ..
, شهق زين بصدمة والتفت محدقاً بهارون للحظة ليعود وينظر لتليد: أنت بتخدعني ؟
, تليد: تؤ هجبلك عربية مقابل عدي يقعد في أوضتك من غير ما تضايقه ..
, عادت شهقة زين للخروج والتفت يحدق بهارون بحدة: سمعتت علشان تصدقني لما بقولك أن بليد اتلحس دماغه.. وكله بسبب عدي..
, هز هارون رأسه يطالع تليد بشك: خلاص مصدقك..
, التفت زين لتليد هاتفاً ببرود: خلاص ديل.. بس ليا طلبات تانية برضو هبقى أكتبهم وأديهوملك ..
, التفت يتجه نحو باب الغرفة هاتفاً: تعالا يا هرهر علشان نتفق هنعمل إيه بالظروف الحالية..
, هارون: في ديلك يا حبيبي..
, حدق زين بتليد بنظرات متعالية والتفت خارجاً من الغرفة ليتنهد هارون ناظراً لتليد الهادئ: اخس عليك بجد وأنا اللي بدافع عنك وبقوله لأااا تليد ميعملش كده اتاري تحت السواهي دواهي بجد تفوه عليك خاين..
, تركه مستديراً باتجاه الباب ليتوقف فجأة يلتفت له: أطلع من أوضتي..
, رمقه تليد باستنكار مخرجاً سيجاره من جيبه: أنتوا ناس سخيفة..
, كاد يشعل سيجاره ليتنبه فجأة ملتفتاً نحو سرير الصغير ليزفر ناظراً لهارون باتهام ويقترب منه ضربه بكتفه فيما تخطاه هاتفاً: مش تفكرني أن تلودة هنا طيب..
, هارون: يهمك أووي يعني.. إحنا كشفناك على حقيقتك على فكرة..
, طالعه تليد بنظرات هادئة ورفع سيجاره يضعه بين شفتيه قبل أن يتجاهله ويتجه نحو غرفته الخاصة مغلقاً الباب خلفه بهدوء..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الثالث عشر


طالع عدي أصناف الطعام الموضوعة على المائدة الكبيرة أمامه والتفت سريعاً نحو الكرسي بجانبه الذي سحبه تليد ليجلس عليه ليهتف عدي سريعاً: مش هتكلم رجالتك يا باشا ؟!
, التفت تليد نحوه ليهتف مشيراً للطعام: كل الأول شكلك تعبان..
, عدي: بس يا باشا أا..
, قاطعه هارون: خلاص يا عدي أنت مش مصدق تليد ولا إيه رجالته مع باباك متقلقش عليه..
, عدي: لا و**** أنا عارف ده الباشا كتر خيره ساعدني أوي بس أنا يعني مش متعود أبعد عن أبويا وكمان هو مريض ..
, عاد يلتفت سريعاً باحثاً بعينيه عن حمزة ليهتف: هو حضرتك لقيتلي دكتور عشان أبويا ؟!
, حمزة: أهاا متقلقش يومين كده وهاخدلك معاد معاه وهيكشف على باباك ويشوف وضعه ..
, التفت هارون نحو تليد بحذر ليهتف تليد بهدوء: مش دلوقتي يا حمزة.. عدي مش هيقدر يخرج حالياً..
, عدي: لييه يا باشا أنا ميهمنيش حاجة أنا بس مش عايز أتأخر على أبويا أكتر ومرضه يزيد ..
, حدق تليد بجبين مقطب بالطعام أمامه يشعر للمرة الأولى بشيء غريب داخله، ربما قلق من إخباره، أو قلق أكبر من وضع مسعد بين أفراد تلك العصابة بمرضه وببعده عن ولده الوحيد،
, وشعور آخر لم يزره سابقاً، و كأنه عجز عن فعل شيء خوفاً من تخلصهم من مسعد بأي وقت خاصة والأخير في حالته تلك لن يعرف كيف يتصرف و أين يذهب بالتحديد أو مع من!
, و وجود والدة عدي معهم ربما سيزيد الأمر تعقيداً، خاصة إن استخدمت معرفتها بمسعد وحبه القديم لها لصالحهم!
, تنهد يزيح كرسيه للخلف ونهض متجاهلاً نظرات الجميع نحوه، ليُخرج سيجاراً فاخراً من جيب بنطاله الرسمي، متجهاً نحو بوابة الفيلا حتى خرج للفناء الأمامي مطالعاً الأضواء المشتعلة والتي تنير الظلام حولهم بادئاً بالتدخين بتفكير عميق وكأنه يبحث عن مخرج مما هم به ..
, فيما توترت نظرات عدي وتحرك مكانه بانزعاج شاعراً بالجو المشحون من حوله ليهتف بحذر: هو أنا قولت حاجة غلط ؟!
, رمقه زين بضيق: أنت كلك على بعضك غلط مش بس كلامك ..
, أدهم: زييين..
, زين: إييه في إييه ما..
, قاطعه أدهم حالما التفت لعدي: متشغلش بالك تليد مضعوط شوية في الشغل مش أكتر.. كل النهاردة ماكلتش حاجة ..
, أخفض عدي نظراته للطعام أمامه لتهتف مروة مقربة طبق الحساء منه: كل ده الأول هيفيدك ..
, رمقها بصمت للحظة قبل أن يهز رأسه متمتماً بالشكر حتى استمع لهتاف عبير محاولة تغيير الموضوع: ماقولتلناش يا عدي.. هو أنت خاطب ؟!
, رفع عدي نظراته لها بدهشة وتحمحم نافياً بحرج لتهتف عبير بحماس: إيه رأيك إحنا نجوزك ؟!
, سيف: أها كلام سليم أرقّ من النسيم زي ما جوزنا تليد ..
, رمقه عدي بدهشة: هو أنتوا اللي جوزتوا الباشا ..؟
, سيف: أيون.. بص هقولك حاجة أنا وأعوذ ب**** من كلمة أنا تقدر تقول جوزت الكل هنا وخليتهم يجيبوا عيال برضو..
, عدي: إزاي ؟!
, ابتسم سيف بفخر: نصايحي الثمينة طبعاً، عندك ميصو أكبر مثال، ده لولا وجودي كان زمانه يعني..
, قاطعه عدي هاتفاً: ميصو إيه ده ؟!
, قاطعتهم عبير هاتفة: هو ده وقته.. المهم يا عدي موافق ؟!
, تحمحم يحك رأسه بخفة: أنا يعني.. كان نفسي ألاقي بنت بس..
, زين: محدش قبل فيك صح ؟!
, أومأ عدي برأسه بجبين مقطب ليهتف زين بدهشة: **** محدش قبل فيك بجددد ؟؟
, زم عمار شفتيه بحزن: حرام ليه كده..
, هتفت فريدة سريعاً: عندي.. العروسة عندي ..
, عبير: هي مين..
, فريدة: صاحبتي.. مش هتتجوز إلا راجل كادح وغلبان والدنيا دايسة عليه.. والصراحة كده أنا مش شايفة حد متداس ومتبهدل هنا قد عدي٣ نقطة
, حيدر: اعدلي لكلامك بدل ما أنتي اللي تداسي مكانه..
, رمقته فريدة بحدة فيما لمعت عيون عدي بلمعة غريبة، برغم شفقته على نفسه وضيقه من ذلك الموضوع إلا أنه تخيل ولو للحظة أن يجد من تقبل به فعلاً!
, بقي صامت للحظات طويلة أنهى بها صحن الحساء خاصته وبدأ يأكل من أنواع الأطعمة الموجودة أمامه بشهية وحاجة، وشعوره العميق بأنه كان مدفوناً في الحياة يزداد داخله أكثر،
, فقط من عدة أطعمة حُرم منها وبعضها لم يذقها في حياته أبداً ..
, بعد مدة ..
, سار عدي بخطوات بطيئة يعلق ذراعه في رقبته بعدما ثبتها حمزة له لئلا يحركها ويزيدها ألماً، وخرج شاعراً بهواء الليل الخفيف يُنعشه ..
, جال بعينيه في أنحاء الحديقة بأضوائها المتلألئة الجميلة ليتجه نحوها سريعاً حالما لمح جلوس تليد فوق أحد المقاعد وتسلل صوته لمسامعه يكلم أحدهم في الهاتف ..
, استشعر تليد قدومه ليغلق الهاتف مع رجاله ملقياً سيجاره أرضاً ويلتفت نحوه هاتفاً: إيه اللي جابك ..
, عدي: هو أا٣ نقطة ينفع أقعد معاك شوية ..؟
, رفع تليد حاجبيه بهدوء: و أنت من إيمتى بتستأذن قبل ما تعمل حاجة ..
, رمش عدي بعينيه واقترب منه ليجلس بجانبه هاتفاً: أصل يا باشا أنا.. مش عايز أبقى تقيل على حد ..
, تليد: قصدك إيه ..؟
, التفت عدي محدقاً به: يعني عيلتك كبيرة و أانا حاسس نفسي متطفل عليكم.. بتهتموا بيا وبتعالجوني وبتأكلوني وكله ببلاش ..
,
, ابتسم تليد بجانبية: إيه رأيك تضيف تكاليف إقامتك هنا لقائمة الديون بتاعتك ..؟!
, رفع عدي حاجبيه ليهتف: أكيد يا باشا أنا و**** ماعايز أتقل عليكم أو..
, قاطعه تليد بجبين مقطب: أنت صدقت..
, عدي: يا باشا أنا..
, تليد: أنت هنا مش ضيف، أنت واحد مننا يعني تتصرف براحتك.. ولو على النوم كلنا بنام، الأكل واكلين فيك ومن غيرك، بالمختصر أنت مش مكلفنا حاجة..
, صمت للحظة قبل أن يهتف بابتسامة شاردة: لو تعرف الفيلا دي قعد فيها مين وكام لدرجة تحولت لفندق فعلاً..
, رمقه عدي بعدم فهم فيما أكمل تليد: ولو حاسس أنك تقيل بسبب تصرفات زين معاك ف متقلقش أنا كلمته٣ نقطة
, عدي سريعاً: لا يا باشا هو حقه وأنا مش عايزه يكرهني أكتر..
, تليد: الواد ده طيب أوي وشوية وهتلاقي نفسك بقيت صاحبه من غير ماتعرف إزاي.. أنت متعرفش أن أنا حصلي زيك أول ما جيت هنا.. كان بيغير على هارون مني وشوف دلوقتي بقى بيغير عليا أنا ..
, عدي: أا.. أنا عرفت أنك أخو هارون من الأب بس..
, همهم تليد بخفة ليهتف معتدلاً بجلسته: أهاا ده صح وقولتلك تصرفات زين معايا كانت زي دلوقتي و أكتر.. هو بس غيور شوية بس أنت استحمله ..
, عدي: **** يخليك يا باشا و**** أنا من غيرك..
, قاطعه تليد فجأة: قولي تليد ..
, قطع عدي كلماته يرمقه بعدم فهم: إايه ؟!
, تنهد تليد يعقد حاجبيه بصمت ليهتف عدي بتردد: المهم يا..باشا مش هتكلم رجالتك عشان أكلم أبويا ؟!
, بقي تليد على صمته يجاهد نفسه ربما لئلا يُخبره بالحقيقة، لأول مرة يجد نفسه مضطراً للكذب الذي يكرهه، للتهرب الذي لم يعتده سابقاً، و القلق الذي لم يعد يفارقه،
, ولكن كل ما يشعره الآن رغماً عنه، كل ما يحدث يخشى أن يؤثر سلباً على عدي أكثر من ذلك، يكفيه بأنه يرى تغيره، هدوئه و صمته وتقبله الغريب لكل مايحدث له بلا أي اعتراض ..
, عدي: تليد باشا.. ؟!
, عاد تليد ليحدق به ليهتف: قولي تليد بس بلاش باشا دي..
, عادت عيون عدي لتحدقان به بصدمة وحذر: أا.. لا مينفعش ي..
, تليد: لا ينفع.. أصل أنا مش هفضل الباشا بتاعك ..
, توسعت عيون عدي بعدم فهم: ليه يا باشا ؟! هو أنت هتدرب حد غيري صح ؟!
, نهض تليد عن جلسته مجيباً بهدوء: لا أنا ولا غيري هيدربك.. أنت هتسيب المخابرات ..
, توترت ملامح عدي رغم صدمتها الواضحة لينهض هو الآخر مردداً: هسيبها ؟! ليه ؟!
, صمت للحظة شارداً قبل أن يهتف: هيفصلوني؟؟
, زفر تليد يخرج سيجاراً آخر ليُشعله سريعاً يضعه بين شفتيه بصمت فيما راقبه عدي بنظرات عميقة ليهتف بعد صمت طال بهم: مقولتليش ليه من الأول يا باشا.. أنا كنت حاسس..
, بقي تليد صاماتاً للحظات ينفث الدخان من بين شفتيه بحدة قبل أن يلتفت ويطالعه بهدوء: مش هيفصلوك، أنت بإيدك هتقدم طلب تسريح بعد ما نخلص من المشكلة دي..
, توسعت عينا عدي مجدداً ونبض قلبه بشعور سيء يقبض صدره بقوة ليبتلع ريقه محدقاً بتليد الذي سار يبتعد عنه بصمت تام، ليتمتم بخفوت: ليه؟!
, استدار يلاحق تليد بنظراته محدقاً بظهره العريض ليهتف من خلفه: ليييه يا باشا ؟!
, توقفت خطوات تليد محدقاً أمامه بصمت وقد تسللت نبرة القهر في صوت عدي إليه لتزيده ثقلاً فيما أسرعت خطوات عدي ليقف أمامه بعدم فهم و نظرات خائفة: ليه يا باشا أنا هتسرح ليه ؟!
, تليد: أنت مكانك مش هنا..
, رجفت شفتي عدي محاولاً الكلام ليرتفع صدره بحدة: يعني إييه ؟!
, تليد: يعني المخابرات مش مكانك و أنت بالأصل دخلتها صدفة فالأفضل تخرج منها بإرادتك بدل ما ييجي يوم وتتفصل بجد..
, طالعه عدي بعيون تزداد حدة مع كل كلمة يُلقيها الآخر على مسامعه، و الذي تركه داخلاً الفيلا بخطوات هادئة زادت من حدة عدي الذي لحقه بوجه حاد يخفي قهراً داخله ليهتف به بصوت عالي: و حضرتك مقولتليش الكلام ده من البداية ليييه ؟!
, التفت تليد نحوه: وطي صوتك..
, عدي: مقولتليش لييه يا تليد باشاا.. مش حضرتك اللي كنت تساعدني عشان ميفصلونيش؟! إيه اللي تغير دلوقتي ؟!
, تليد: اللي تغير أني اكتشفت أن كل اللي بنعمله ده ع الفاضي.. شوف بالنهاية نتيجة مساعدتي ليك حصل فينا إيه ..
, عدي: قصدك أن أنا السبب صح ؟! برضو كذبت عليا وحاولت تفهمني إني مليش ذنب في حاجة.. اشمعنا دلوقتي بالذااات ؟!
, نزل هارون درجات السلم بعيون تزداد ذهولاً من أصواتهم ليهتف واقفاً بجانب تليد: في إيه مالكم ؟! فيه إيه يا عدي ؟!
, بقيت عيون عدي الحادة مثبتة بعيون تليد الهادئة تماماً، وهدوئها ذاك زاده غيظاً وقهراً ليهتف به: ما تجاوب.. كنت خليهم يفصلوني من البداية أديتني أمل ليييه لو كنت هتتراجع في الآخر ؟!
, تليد: الكلام دلوقتي مش هيفيد، نخلص من المهمة دي وتقدم طلب تسريح وخلاص..
, عدي: لأ أنا هقدم من دلوقتي..
, هارون: في إييه أنت وهو وطوا صوتكم.. في إيه يا تليد و تسريح إيه ده أنا مش فاهم ..
, بقي ينقل نظراته بينهم فيما هتف عدي بنفس الحدة: مش هستنى المهمة تخلص، كانوا هيقبضوا عليا صح ؟! خليهم ييجوا ياخدوني وأنت أطلع برا الموضوع ده خاالص مش لازم تساعدني تاني ..
, التفت صاعداً درجات السلم ليمسكه هارون من ذراعه بقلق: أهدا يا عدي مالك.. خلينا نتكلم ونفهم..
, سحب عدي ذراعه منه ليهتف: مش عايز أتكلم.. الباشا أخوك قال كل حاجة كان مخبيها عني وبيخدعني بيها.. أانا.. هطلع أجيب حاجاتي و أمشي راجع لحارتي..
, رفع هارون عيناه بقلق والتفت لتليد الذي هتف بهدوء: المهمة دي أنا استلمتها، وخروجك دلوقتي هيعطلني..
, توسعت عيون هارون بدهشة: تليييد..
, التفت عدي محدقاً بتليد بنظرات خائبة مقهورة ليهز رأسه هاتفاً: حاضر.. هقعد لحد ما تخلص مهمتك، مش عشان حاجة بس علشان أرد جميلك ليا ومساعدتك..
, التفت مجدداً ليصعد الدرجات بخطوات متعجلة و أنفاس حادة مقهورة، ربما في كل قهره السابق، و مصائبه التي لا تتركه، لم يشعر كما يشعر الآن بذلك الثقل الكبير على صدره والذي يكاد يقطع عليه أنفاسه،
, فيما هتف هارون يمسك تليد بذراعه: إيه اللي عملته ده قولتله إيه هو ماله ؟!
, تليد: مفيش..
, رمقه هارون بتنهد: مالك يا تليد فيه إيه ؟! عملت كده ليه و أنت أساساً كنت خايف عليه..
, رفع تليد رأسه يطالع السلم الفارغ ليعود محدقاً بهارون: أنا عندي شغل..
, هارون: دلوقتي ؟!
, أومأ تليد يصمت ليهتف مجدداً: عدي ميطلعش من هنا أنا مش عارف دماغه هتوديه فين.. عموماً أنا سايب رجالتي على باب الفيلا تحسباً لأي حاجة..
, تنهد هارون يومئ برأسه: ماشي.. أا صح رجالتي جاهزين وتحت تصرفك في أي وقت وكلمت عمو أدهم و هو هيساعدنا لو احتجناه ..
, أومأ تليد بخفة ليهتف هارون: خلي بالك من نفسك ..
, هز تليد رأسه يبتعد عنه ليُخرج هاتفه من جيبه خارجاً من الفيلا مكلماً أحد رجاله ..
, دخل عدي غرفة زين بشكل مفاجئ، ليغلق الباب خلفه بوجه شبه محمر وعيون لامعة شاردة،
, توقف مكانه على حركة زين فوق السرير ليقطب جبينه يلاحقه بعينيه بصمت وهو يراه منهمكاً بلف ملائة طويلة حتى جعلها كالحبل الغليظ ليقسم بها السرير طولياً لقسمين ..
, تنهد زين يتأكد من عمله ليرفع نظراته نحو عدي الذي يتابعه بصمت وبلا أي تأثر ليهتف به: بحصّن نفسي ما أنا مش هأمن أنام معاك على نفس السرير الليل كله ..
, بقي عدي على نفس نظراته وكأنه لا يسمعه ولا يراه ليلوح زين بيديه: أنت ياعم أطرش ؟!
, أخفض عدي رأسه يزفر بثقل وهتف: ملوش لزوم.. أنا هنام ع الكنبة ..
, رفع زين عيناه بدهشة من صوته الخافت وكلماته التي ألقاها عليه واتجه سريعاً بصمت باتجاه الشرفة،
, وقف عدي يتكئ على سور الشرفة محدقاً بالحديقة وساحة الفيلا الصغيرة بنظرات شاردة تخلت عن شرودها حالما شاهد خروج تليد وانطلاقه السريع مع عدد من رجاله ..
, بقي يلاحقهم بعينيه بقلب منقبض يشد من إمساكه السور بقوة، وارتفع صدره بنفس قوي يقاوم به موجة بكاء مقهورة..
, يشعر بنفسه خسر مجدداً، خاسر هو في كل شيء، حتى والده بعيداً عنه لا يستطيع اللجوء إليه حتى لو كان مريضاً لا يتذكره ولا يُعينه،
, عيناه دمعتا رغماً عنه ورفع يداه ليفركهما بقوة إلا أن محاولاته العديدة لكتم بكائه جعلت من احتقان وجهه يزداد و من أنفاسه تتزايد وتثقل، ليتراجع للخلف ملقياً نفسه أرضاً يتكئ على الحائط الجانبي يخفي وجهه بيديه رغم شعور الألم النابض في كتفه المصاب، إلا أنه يحتاج الآن للبكاء بقوة، يحتاجه بعدما وجد نفسه خاسراً مظلوماً، و منحوساً كعادته،
, راقبه زين من داخل الغرفة بقلق بعدما أغلق الضوء لئلا يلمحه عدي، ليقترب بخطواته من الباب البلوري العريض يُطالع جانب جسد الآخر الذي يهتز، ويستمع لشهقاته الخفيفة والتي جعلته يزم شفتيه مبتلعاً ريقه بضيق واضح و حزن عليه ..
, ٦ علامة الإقحام
, هتف زين بعيون ضيقة وهو يتربع فوق سريره الوثير: و أهل حارتك دول كلاب يعني بيعملوا كده ليه ؟!
, أومأ عدي بهدوء والذي كان يجلس على الأريكة الجانبية يحكي لهم بضع أمور عن حياته، رغم عدم تعوده لذلك،
, و خشيته من معرفة أحد لطبيعة حياته وعلاقاته، إلا أنه الآن كان يتكلم بجمود شديد، و كأنه فقد الرغبة بكل شيء، لم يعد يهمه إن عرف أحدهم بحقيقته، بوالده أمه و أهل حارته، لم يعد يهمه حتى إن نادوه بلقبه الذي يكره..
, كل ما يريده حالياً، أن تنتهي تلك المهمة، ويعود لوالده، لحياته القديمة البائسة، فقد اكتشف الآن بأن لا حياة له غيرها!
, بعد يومين كاملين، لم يرَ فيهما تليد بعد شجارهما السابق سوى مرات قليلة، يتشاركان مع الجميع وجبات الطعام، و في أغلب الأحيان يتغيب تليد عنها بعدما بات يمضي أوقاتاً طويلة خارجاً في عمله،
, عمله ومهمته التي لا يعلم عنها عدي شيئاً، و لم يُكلمه حتى ليستفسر منه، حتى والده.. لم يعد يطلب منه أن يتحدث إليه.. ربما شيء ما يمنعه من أن يقترب منه ويكلمه بعدما حدث بينهما،
, وربما خائف أن يزيد من نفور تليد منه والذي بات يستشعره داخله بقوة..!
, دمعت عيناه رغماً عنه فيما ملامحه مازالت جامدة يستمع لحديث عمار وزين الجالسين متجاورين على السرير مقابلاً له،
, مناوشاته مع زين لم تنته، إلا أن زين بات يصمت أغلب الأحيان حالما لا يجد أية استجابة من عدي وهو يسعى لإغاظته بتصرفاته تلك،
, قاطع فجأة حديثهم الذي يدور حوله: أنا أامي هربت وسابتنا من سنين..
, التفت الإثنان نحوه بصدمة وعيون مندهشة فيما تابع هو شاعراً بلامبالاة غريبة: اكتشفت أنها في عصابة خطيرة.. دي اللي تليد باشا عايز يقبض عليها.. هي مش كويسة عشان كده أهل حارتي كارهيني وبيعايروني.. كلهم كلاااب كلهم دون استثناء..
, زم زين شفتيه يرمقه بصمت، فهو يعلم القليل من حديثه ذاك، إلا أنه في نفس الوقت متفاجئ من إخباره لهم بدون حتى أن يسألاه،
, بقي صامتاً يستمع لحديث عدي المقهور رغم جمود ملامحه الثابت ليتنبه بعد دقائق على صوت بكاء قريب منه،
, التفت ليرى عمار يمسح عيناه متمتماً: منهم لله سامع يا زينو ؟!
, دفعه زين بكتفه بغيظ: لو هتفضل تعيط كده هصورك وأبعت الصورة لفريدة خليها تفضحك.. باااسسس..
, عمار بدموع: أنت يا قادر مش سامع معاناته.. ده فكرني بأمير.. كلهم معذبين كده ليه ؟!
, حدق عدي بعمار بنظرات لم يستطع إخفاء الدهشة بها قبل أن يهتف: مين أمير ؟؟
, عمار: واد صاحبنا ك..
, زين: قصدك صاحبك أنت، ما أنت بتروحله من غيري يا خاين..
, عمار بحدة: مش أنت اللهم بارك طموحك عالي وبقى ناطحة سحاب و اما بقولك نروح بتقولي عندي مذااكرة٣ نقطة ابى خلي المذاكرة تنفعك، على فكرة يا زين أنت عقبة في طريق حياتي..
, زين بسخرية: ياشيخ اتنيل مش لما يبقى لحياتك طريق الأول.. ده أنت حياتك عايزة هيلوكبتر علشان تقدر توصلها أصلاً ..
, ابتسم عدي يتابعهم بنظرات باهتة، يرى نفسه قريباً من أعمارهم.. ومع ذلك قد شاخ قبلهم بعشرات السنين،
, دمعت عيناه مجدداً ليتنهد بثقل يستمع بشرود لكلماتهم و أحاديثهم، حتى استقام خارجاً من الغرفة يسير في الرواق الطويل حتى نزل درجات السلم ليلمح هارون يدخل عبر بوابة الفيلا ..
, اقترب منه سريعاً هاتفاً: هو.. ينفع أطلب منك طلب ؟!
, رمقه هارون بنظرات عطوفة ليهتف: قول عايز إيه ؟!
, عدي: متعرفش حد من رجالة الباشا اللي مع أبويا ؟! أنا سألت الرجالة هنا وقالولي ميعرفوش.. عايز أطمن على أبويا ..
, زفر هارون مخفياً توتره ليهتف: أسف بجد مش بعرف حد..
, عدي: طب ينفع تقول لتليد باشا ؟!
, رمقه هارون بصمت للحظات حتى هتف: لما يبقى ييجي..
, عدي: هو.. مش هيرجع الليلة؟!
, هز هارون كتفيه هاتفاً: صراحة مش عارف بس اما ييجي هقوله.. أنا طالع هغير هدومي وأنزل علشان نتغدا أنت خليك هنا ..
, تابعه عدي بعينيه حتى اختفى في آخر السلم ليزفر بقوة وضيق واضح يسير نحو المائدة الكبيرة والتي بدأت تمتلئ بأصناف الطعام الغنية،
, جلس على كرسيه يحدق بالطعام بالصمت، يشعر بجسده أكثر صحة عن قبل برغم المدة القصيرة التي أمضاها هنا،
, إلا أن الطعام الذي يأكله على غير ما اعتاد، ساهم في إحياء ملامحه الباهتة قليلاً، وسرع في التئام جرحه ..
, لطالما كان يأكل وجبة واحدة فقط، أو عدة وجبات تحتوي على صنف واحد بكميات قليلة، والآن يجد كل شيء أمامه متوافر بكثرة، يأكله ليعيد صحته إليه وتورده.. لا ينقصه سوى راحة بال، واطمئنان على والده فقط..
, تنهد بحرارة يشعر بأن هناك شيء آخر ينقصه أيضاً.. شيء خسره مع ابتعاد تليد عنه، مع نظراتهم التي لم تعد تتلاقى، مع شعوره بالغربة رغم محاوطة الجميع واحتوائهم له،
, يشعر بهم يُساهمون في التخفيف عنه، وفي الإهتمام والترحيب به حتى بات يشعر نفسه واحداً منهم فعلاً!
, إلا أن تلك الغربة مازالت تستوطنه.. و ربما لجفاء تليد له عامل كبير بذلك الشعور..!
, وعى من شروده يلتفت حوله للطاولة التي أحاطها الجميع بأحاديث و ضحكات متفرقة، ليتنهد محدقاً بذلك الكرسي بجانب هارون،
, كرسي فارغ كعادته خلال اليومين السابقين،
, لم يعد يجلس بجانبه كما اعتاد في أول يومين من قدومه، بل أنه تفاجأ باستبداله كرسيه مع هارون الذي أصبح يفصل بينهما..
, جفاء شديد من قِبله، يُقابله هو بنظرات تائهة متعبة و خائفة أن يُثقل عليه أكثر ويزيده جفائاً ونفوراً..
, ولا يدري لم كل هذا.!
, تنبه على سؤال أدهم الذي التفت يحدق بحمزة بعدما نزل الأخير درجات السلم يجهز حقيبته على عجل: رايح فين يا حمزة ؟!
, التفت حمزة نحوهم ليقطب جبينه: تليد كلمني ومحتاجني ضروري.. هروحله ..
, رفع هارون رأسه نحوه بقلق: كلمك إيمتى وهو فين ؟!
, حمزة: في حد من رجالته هيوصلني ليه.. عايزني أجيب شنطتي معايا..
, نهض هارون عن جلسته بحدة: تليد حصله حاجة ؟!
, شهقت نوار ترمقهم بفزع: إييه ؟!
, طالعهم عدي بنظرات قلقة لينهض من مكانه بلا شعور مستمعاً لصوت هارون: امشي أنا جاي معاك..
, حمزة: في إيه يا هارون بقولك هو اللي كلمني بنفسه وكان كويس، هتيجي معايا تعمل إيه ؟!
, هارون: مش مطمن أنا هاجي يلا ..
, نوار بقلق: ك..كلمه الأول يا هارون حاول تكلمه ..
, حمزة: خليك يا هارون وأنا هطمنكم..
, أخرج هارون هاتفه من جيبه يكلم تليد وهو يلحق بحمزة الذي توقف مكانه هاتفا بنفاذ صبر: بقولك خليك هنا ولما أوصل هخليه يكلمك..
, أدهم: خلاص يا هارون أهدا.. امشي يا حمزة وابقى طمنا..
, أغلق هارون الهاتف بضيق بعدما طال الرنين ولم تأته إجابة ليهتف زين واقفاً بجانبه بقلق: كلمه تاني..
, أدهم: خلاص ليه القلق ده بيقولك هو كلمه بنفسه يعني كويس..
, هارون: يا عمو تليد من مبارح مش هنا ودلوقتي اتصل بحمزة بس.. أكيد حصله حاجة ومش عايز يقول..
, حيدر: لا سمح **** متفاولش عليه .. ممكن عايزه علشان حد من رجالته.. أهدوا وتعالوا كملوا أكل.. تعالا يا عدي..
, ابتلع عدي ريقه يلتفت نحوهم ليزفر هارون بضيق صاعداً درجات السلم فيما وقف زين مكانه يلتفت نحو السلم ثم باتجاههم بقلق يملأ نظراته، حتى عاد عدي ليجلس على كرسيه شاعراً بارتخاء جسده بخوف عميق..
, يخاف أن يحدث له مكروها.. ويكون هو السبب بذلك..
, كادت عيناه تدمعاه بقوة و كأنه لا بحتمل إحساس، الذنب الدي نهشه بغير إرادة،
, فكرة طلب التسريح بات تتعمق داخله أكثر فأكثر.. و ربما كرهه للمخابرات ودخوله عالم الشرطة باحثاً عن القوة والدعم.. بات يشعر بأنها فكرة خاطئة لن تقدم له سوى الندم و التعب، و أن فكرة التسريح بالذات هي الأكثر نفعاً له وللجميع..!
, بعد عدة ساعات ..
, هتفت ريماس تحمل الصغير بين يديعا محدقة بهارون الجالس فوق سريره بتحفز: مع احترامي لأخوك يعني بس هو شخص غير مسؤول..
, رمقها هارون بحدة: هو أنا ناقصك .. خدي الواد من هنا لأما سكتيه ..
, نظرت ريماس للصغير الباكي بين يديها لتتنهد ناهضة من جانبه خارجة من الغرفة، عدة دقائق وقف هارون في شرفة غرفته يطالع الظلام حولهم وقد بدأت أنوار الحديقة لتضيء واحداً تلو الآخر، حتى لمح دخول سيارة حمزة من بوابة الفيلا تتبعها سيارة تليد الخاصة ..
, ضيق عيناه يطالعهم بنظرات متحفزة حادة، يراقب نزول تليد من سسارته وعيناه تتأملان مشيته الهادئة و كأنه يبحث عن أي اختلاف بها أو بحركاته يُعلمه إن كان مصاباً أم لا ..
, زفر بحدة يترك الشرفة واتجه خارجاً من غرفته حتى ظهر حمزة أمامه والذي هتف سريعاً: أنت لسا مستني مش قولتلك مفيش حاجة.. راجل كان عيان وعايزني أكشف عليه ..
, هز هارون رأسه بصمت وانتقلت عيناه نحو تليد الذي ظهر مقترباً منهم ليهتف: شرفت ؟!
, رفع تليد عيناه له ليبتسم هاتفاً: هاي..
, اقترب هارون منه ليجذبه بيد واحدة من ياقته: أنت فاكرني إييه جاي بكل برود بتهيهي ولا كأنك عامل حاجة..
, زفر حمزة بملل يتركهم متجهاً نحو غرفته فيما هتف تليد: عملت إيه ؟!
, هارون: ولا متجننيش.. مختفي فين من مبارح وبتكلم حمزة وتقلقنا عليك لييه ..؟
, تليد: ممنوع أكلم حمزة يعني ؟!
, تركه هارون يرمقه بشك: ومكنتش ترد على اتصالاتي ليييه ؟!
, تليد: هقولك بعدين.. عايز أغير هدومي جهزلي الواد..
, رمقه هارون بحدة ليهز رأسه واستدار بصمت ليبتعد لغرفته قبل أن يتوقف حالما أمسكه تليد فجأة: متتعصبش يا هارون هقولك كل حاجة بجد و****..
, سحب هارون يده منه بغضب: مش عايز أعرف حاجة خليك في شغلك وبرودك ده لحد ما تموت كده وتموتني معاك ..
, تركه داخلاً غرفته ليتنهد تليد متجهاً نحو غرفته الخاصة حيث كانت تنتنظره نوار..
, خرج بعد مدة بسيطة ليهتف سريعاً بريماس التي خرجت من غرفتها: الواد فيين ؟!
, رمقته ريماس بضيق: أديته لزين ..
, تليد: وتديهوله ليه مش قولت الواد ده ليا أنا ..
, رفعت ريماس حاجبيها بغيظ تراقبه وهو يتجه لغرفة زين قبل أن تتوتر حالما تذكرت وجود الصغير برفقة عدي بعدما رأته يطالعه بنظرات شاردة هادئة و كأنه يُنسيه همه لتتركه معه عله يغير من نفسيته،
, ولكن لطالما تليد تشاجر مع الجميع لعدم رغبته بأخذهم الصغير طالما هو متواجد في المنزل ..
, فتح تليد باب الغرفة يجول بعينيه في أنحائها لتتوقف نظراته على السرير حيث يجلس عدي متربعاً يحمل الصغير بين ذراعيه فيما إحدى يديه تمسك زجاجة الحليب الخاصة بالأطفال يطعمه متأملاً ملامحه الصغيرة بعيون فضولية هادئة ..
, ترك تليد الباب مفتوحاً واقترب منهم سريعاً ليجلس على السرير وعيناه معلقتان بالصغير بهدوء،
, تنبه عدي على وجوده لتتوتر ملامحه بدهشة وهتف رغماً عنه: أنت كويس يا باشا ؟!
, أومأ تليد بصمت ملاحظاً عيون الصغير السوداء الواسعة التي انتقلت باتجاهه.. ليبعد رأسه عن زجاجة الحليب ويبتسم له بسعادة.. جاعلاً ابتسامة تليد تظهر ويداه تمتدان ليرفعه وينقله لأحضانه مقبلاً وجنتيه، وسحب زجاجة الحليب من يد عدي ويبدأ في إطعامه بنفسه ..
, راقبه عدي بتردد حتى هتف: هو حصل حاجة في المهمة ؟!
, تليد: لأ ..
, صمت عدي بجبين مقطب حتى أنهى تليد إطعام الصغير وسحبه ليمدده فوق صدره متنهداً بقوة يستلقي على ظهره يربت على ظهر الصغير بخفة، حتى التفت باتجاه الشرفة بعدما دخل زين بدهشة: بليييد ..
, أسرع نحوه يهتف بقلق: أنت كويس كنت محتاج حمزة ليه ؟!
, تليد: تعالا يا زينو أنا مصدع اعملي مساج..
, صعد زين على السرير بجبين مقطب ومد يديه يدلك جبين تليد وجانبي رأسه فيما مد رأسه فوقه يقرب وجهه منه بنظرات متشككة: كنت فين يا بليد ؟!
, ابتسم تليد محدقاً به: قلقت عليا يا زينو..
, زين: لأ أنا بس.. هشش يا زفت..
, حاول إبعاد يدي الطفل الصغيرتين اللتين امتدتا لوجه تليد مقلداً حركات يدي زين ليبتسم تليد بتوسع يبعد يدي زين عنه هاتفاً: سيب الواد.. كمل يا تلودة..
, شد زين خصلات تليد بغيظ: ابقى خليه هو يعملك..
, ابتسم تليد ينهض ممسكاً الصغير والذي كان مايزال يحاول الوصول لجبين تليد ليقبله تليد عدة مرات هاتفاً: أهاا هعلمه يعملي مساج ع الجسم كله ولا العوزة ليك..
, اتجه خارجاً من الغرفة ليلاحقه عدي بعيناه الشاردة وابتسامة خافتة رسمت على وجهه ليلتفت نحو زين متمتماً: يا بختكم في بعض..
, رفع زين حاجبيه: قر واحسد..
, عدي: أها و**** يا بختكم.. أنا ياما تمنيت يكون معايا أخ واحد بس بدل ما ابقى لوحدي كده.. مكانش كل ده حصلي، كنت ع القليلة هلاقي حد جنبي ويسندني..
, زم زين شفتيه بتأثر ليهتف بعدها: و**** يا عدي قلبي متقطع عليك و كان نفسي أقولك اعتبرني زي أخوك بس صراحة أنا مش طايقك ..
, رمقه عدي بنظرات مغتاظة حادة ليهتف: حد قالك أني هقبل بأشكالك أخ ليااا؟؟
, زين: ومال شكلي إن شاء **** أنت مش شايف شكلك أنت اللي يقطع الرزق..
, عدي: ماحدش قالك تبصلي روح لمذاكرتك يلا..
, زين: مش محتاج تقولي.. أنا أذاكر أشرفلي..
, نهض من جانبه ومد يده يقذف عليه وسادة صغيرة بغيظ ليعود نحو الشرفة حيث ترك كتبه هناك ليتنهد عدي بضيق متمدداً على السرير بأريحية ..
, ٦ علامة الإقحام
, جلس تليد على السرير حاملاً الصغير بين يديه، بجانب هارون المستلقي محدقاً بالسقف رافعاً أحد ساقيه يضعها فوق الأخرى ويهزها برتابة ليهتف به: أنا مش بشوفك غير نايم.. ومراتك دايرة هنا وهنا..
, تنهد هارون يزيد من هز قدمه ليرفع تليد حاجبيه بخفة: أنت قفوش كده ليه ؟!
, هارون: سبني بحالي و أطلع برا أنا مش طايقك ..
, تراجع تليد للخلف يتأمل الصغير بابتسامة حتى هتف: لقينا مسعد..
, قطب هارون جبينه وأدار رأسه نحوه ليلتفت تليد إليه: مسعد أبو عدي ..
, اعتدل هارون بجلسته سريعاً ليهاف بشك: متقولش أن حمزة كان عشان مسعد ؟!
, تليد: أهاا أغمي عليه ومكانش راضي يفوق ..
, هارون: ليه حصله حاجة متصاب ؟!
, نفى تليد بخفة وهتف: نقص تغذية وانهيار عصبي.. مكانش راضي يجي معانا مراته كانت مأثرة عليه زي ما توقعت وهو ميعرفش حد مننا.. بس في حد من رجالتي من حارته واما شافه وافق يجي.. واغمي عليه في الطريق..
, هارون: وهو فين دلوقتي هو كويس ؟!
, تليد: قعدته في شقتي.. رجالتي معاه.. وبكرا حمزة هيخلي الدكتور يشوف وضع مرضه ..
, تنهد هارون بخفة وهتف بقلق: والمهمة..؟
, عقد تليد حاجبيه ليهتف: رئيسهم تصاب وهو بيحاول يهرب.. بس لحد دلوقتي مش عارفين لو مات أو هرب فعلاً عشان جثته مش موجودة بين جثث رجالته.. ومامة عدي قدرت تهرب..
, رفع هارون حاجبيه بحذر: ودلوقتي هيحصل إيه ؟! عدي مش هيعرف ؟!
, زفر تليد بضيق ليهتف هارون: معدش لازم تتهرب منه .. دلوقتي باباه بقى معاك، حرام عليك سايبه كده ..
, تليد: نطمن على مسعد الأول وبعديها هاخده يشوفه ..
, هارون: وقرار التسريح ؟!
, التفت تليد نحوه للحظات صامتة قبل أن يتنهد: عدي مكانه مش هنا يا هارون.. مش لازم أي حد نعرفه يبقى ليه طموح كبير.. هو ولا فالح في شرطة ولا مخابرات ولا أي حاجة.. يمكن من حياته أو حظه، بس عدي مكانش عنده حلم أو طموح إلا أه يبقى قوي ويتغلب على أهل حارته.. هي دي كل أحلامه ..
, طالعه هارون بجبين مقطب: بس مينفعش تجبره..
, تليد: مش هجبره.. وهو هيقتنع بالفكرة دي بعدين.. صدقني مش هيفلح في شغله معانا.. والشغل ده هيبقى خطر عليه و أنا مش عايز كده ..
, ابتسم هارون رافعاً حاجبيه بخفة ليهتف بعدها: طيب٣ نقطة يبقى لاقيله شغل من دلوقتي يشتغله..
, بقي تليد صامتاً يحدق بالصغير بنظرات عميقة مفكرة فيما عاد هارون لاستلقائته مجدداً يطالعه بنظرات مطمئنة..
, ٥ علامة الإقحام
, وقف عدي في الغرفة يطالع زين الذي يجهز نفسه بعدما أنهوا طعام الإفطار ليهتف: أنت هتروح فين ؟!
, زين: خليك في حالك..
, راقبه عدي بصمت للحظات قبل أن يهتف وهو يراه يغير القميص الذي يرتديه: هتغيره ليه ده كان أحلا ..
, توقفت يدي زين يلتفت نحوه قبل أن يعود ناظراً لنفسه في المرآة: بجد ؟!
, عدي: أه و****..
, زين: يبقى هبدله أصل ذوقك مش بيعجبني..
, رمقه عدي بغيظ متنهداً بحدة يحاول تمالك أعصابه، إلا أن استفزازات زين تتزايد يوماً بعد يوم ولم يظن نفسه قادراً على تخطيها بعد الآن، ليهتف زين مجدداً: بجد ده أحلا ؟؟
, عدي بحدة: لأ مش حلو ولا حاجة حلوة..
, زين: عشان عينك وحشة..
, صمتا للحظات قبل أن يعود زين للسؤال: بجد يا عدي ده أحلا ؟!
, اتجه عدي ليجلس فوق السرير ليهتف: أه حلو.. صراحة كل هدومك حلوين..
, قالها ناظراً للبيجامة البيتية التي أعطاها زين له على مضض بعدما أجبره هارون على ذلك،
, وقد ارتداها شاعراً بنفسه غريباً وأنيقاً على غير العادة،
, توسعت ابتسامة زين ليهتف: بجد ؟! هدومي بتعجبك ؟!
, عدي: أه ذوقك حلو في اللبس..
, هتف زين بابتسامة تتوسع أكثر: ****.. شكراً أول مرة بتقول حاجة حلوة.. استنى..
, أسرع نحو خزانته ليخرج منها ملابس له: خد دول البسهم..
, قطب عدي جبينه: لأ مش..
, زين: يا بني خدهم خلاص أنت النهاردة عجبتني مش هذلك فيهم متقلقش ..
, بقي عدي على نفس نظراته يحدق بالملابس التي قدمها زين باتجاهه، حتى دخل عمار الغرفة: يلا بينا يا زينو ..
, عدي: أنتوا رايحين فين ٣ نقطة؟
, عمار: زينو هيروح التدريب وأنا هروح معاه أتسلا..
, صمت للحظة قبل أن يهتف: تيجي معانا ؟!
, زين: ييجي فين ل.. ولا أقولك النهارة الواد ده عاجبني ييجي وماله..
, قطب عدي جبينه لينفي بتردد: لا.. مينفعش أا. تليد باشا قالي مأخرجش ..
, رمقه الإثنان باستنكار ليهتف زين: ماهو عشان قالك متخرجش أنت لازم تخرج..
, عمار: أهاا أنا لو منك أغيظه بدل ما هو سايبك كده كأنكم مطلقين..
, عبست ملامح عدي بحدة ليهتف زين: قوم يلا ألبس الهدوم دي وتعالا معانا هوريك مهاراتي في السباق..
, عمار: محدش هيعرف تليد مش هنا ولا حيدر ولا هارون ولا أبويا ..
, رمقهم عدي بتردد إلا أن رغبته بالخروج قد فاقت تفكيره لينهض سريعاً يمسك الملابس يقلبها بين يديه بعيون لامعة ليتجه سريعاً نحو الحمام يغلق الباب خلفه ليهتف عمار: ياعيني ده ماصدق.. شوفت مش قولتلك الواد طيب و أمور..
, زين: مش بطال.. أنا بس مستحمله عشان قالي أن ذوقي حلو..
, رمقه عمار بسخرية واتجه خارج الغرفة ينتظرهم في الأسفل ..
, مدة من الوقت وقد كان عدي يقف في وسط ساحة التدريب الواسعة يلتفت حوله بفضول وحماس متابعاً عن بعد حركة سيارة زين الماهرة ليهتف: وااه ده طلع بارع فعلاً..
, عمار: أنت لسا شوفت حاجة ده هيبقى بطل سباق عالمي..
, لوح عدي بيده لزين الذي قرب السيارة منهم ليهتف عدي: ينفع أجرب ؟
, زين: تجرب إيه أنت فاكرها بالسهولة دي محدش بيعرف يسوق كده غيري..
, عدي: جربني طيب أنا ياما نفسي أسوق زي الناس بش معنديش عربية تعلمت السواقة و أنا في الكلية بس..
, رمقه عمار بشفقة: خليه يجرب يا زينو حرام.. واقعد جمبه عشان لو حصل حاجة..
, زفر زين بحدة و بدأ يندم على إحضاره معه ليخرج من السيارة التي أسرع عدي نحوها ليجلس خلف المقود فيما زين جانبه وصعد عمار من الخلف ..
, طالع عدي السيارة الفاخرة من حوله بانبهار لم يختف، ثم أدار المحرك بحماس لتنطلق السيارة بهم وسط الساحة الواسعة يدير المقود في كافة الإتجاهات وحماسه يزاد أكثر حتى توسعت عيناه وصمت أذانه أصوات زين وعمار الذي ينكزه من الخلف يطالبانه بالتوقف،
, ليضغط على الفرامل بصدمة مديراً المقود بعشوائية مناقضاً ليدي زين الذي يديره هو الآخر حتى كادت السيارة تقلب بهم واصطدمت مقدمتها بحاجز اسمنتي كبير جعل صوت تكسر عالي يدوي مع صوت الخبطة القوية..
, توسعت عينا زين صارخاً: عربيتييييي..
, توترت ملامح عدي بصدمة فيما شتمهم عمار يمسك يده: إيدي واجعااني..
, نزل زين من السيارة يلطم وجهه بصدمة ونحيب: عربيتيييي.. منك لله يا عدي عربيتيي..!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الرابع عشر


دخلت سيارة مسرعة عبر بوابة الفيلا تلحقها سيارة زين المتضررة في مقدمتها بشكل كبير، يقودها أحد رجال تليد الذين لحقوا و جاؤوا بهم ..
, فُتحت أبواب السيارة الأولى، ليخرج صوت زين غاضباً: وسع يا بغل أنت وهوو عربيتي باظت منكم لله، منك لله يا عدي ..
, سحبه الرجل الخاص بتليد يُخرجه من السيارة ليدفعه زين بحدة: اوعي يا همجي..
, ليُسحب من خلفه عمار الذي ارتطم بزين بقوة ليصرخ: في إيييه بالراحة يا جدع ..
, تابعهم عدي من داخل السيارة بعيون قلقة لينتفض عندما فُتح الباب بجانبه وأشار له أحد الرجال مهدداً، ليهتف عدي سريعاً: هنزل طواعية ..
, صرخ زين لاطماً خده بنحيب بعدما لمح سيارته فيما ظهر هارون أمامهم فجأة ليهتف برجال تليد بحدة: في إيييه أنت وهو أبعدوا عنهم ..
, تراجع الرجال سريعاً ليهتف عمار ممسكاً ذراعه من معصمه الذي يؤلمه: إيدي واجعااني.. شوف عملوا فينا إيه ..
, هتف زين بسرعة مقترباً من هارون: هاروون عربيتي يا هاروون، والكللابب دول حملونا في العربية زي النعاج..
, عمار: اتكلم عن نفسك..
, زفر هارون بحدة والتفت لسيارة زين ليعود ويحدق به: إيه اللي حصل أنت كويس ؟!
, أومأ زين يعود لنحيبه مجدداً: بس عربيتي مش كويسة..
, ثم وجه نظرات حارقة نحو عدي: منك لله يا عدي الكلب.. أنا عايز عربية حاااالاً ..
, توترت نظرات عدي ينقل عيناه بين زين والسيارة ليهتف: أا.. خلاص هصلحهالك بس يعني اصبر عليا لما يدوني مرتبي اللي مش راضيين يدهولي ده..
, التفت الجميع نحو تليد الذي ظهر خارجاً من بوابة الفيلا الداخلية، ليفتح زين فمه يهم بالكلام قبل أن يوقفه هتاف هارون الغاضب: أنت إزاااي تخلي رجالتك يعاملوهم زي البقر كده ؟!
, عمار: ماقولنا تكلموا عن نفسكم طيب، أاه ياني إيدي واجعاني أووي..
, رمقهم تليد بنظرات هادئة ينفث دخان سيجاره ليقترب عدي منه بقلق: يا باشا أنا مكنتش عايز أخرج و**** ..
, تليد بهدوء: خرجت تحت التهديد صح أنا عارف ..
, حك عدي رأسه بخفة ليعلو صوت زين الغاضب: عدي ده خربلي عربيتي بص عمل فيها إيييه..
, هارون بغضب: أنا كااام مرة قولتلك رجالتك التيران دول متدخلهومش بينااا ..
, رمقه تليد بهدوء: وأنت متعصب ليه، أسيبهم يعني وهما خارجين من غير مانعرف لا و واخدين عدي معاهم ..
, هارون: لا تسيبهم إزاي، لازم خلي التيران دول يجيبوهم بالطريقة الهمجية دي.. أنا هوريك يا تلييد ..
, تخطاهم داخلاً بوابة الفيلا بخطوات سريعة يلاحقه تليد بنظرات حذرة قبل أن يمسك زين وجهه يديره نحوه: بصلي يا بلييد، مش أنت وعدتني تجبلي عربية جديدة ؟!
, حدق تليد به رافعاً حاجبيه ليهتف زين: أنا عاايز العربية دلوقتي، بص عدي الكلب عمل فيها إيييه ..
, تليد: خلي هارون يجبلك ..
, تراجع زين للخلف بصدمة ليهتف فجأة بغضب: مش أنت وعدتنيي ؟!
, تليد: محصلش ..
, شهق زين واقترب منه مجدداً بغضب: أنت قولتلي لو عاملت عدي كويس هتجبلي عربية، وهو السبب باللي حصل في عربيتي،
, هز تليد كتفيه و ألقى سيجاره أرضاً يدوس عليه: تعيش وتاكل غيرها يا زينو ..
, استدار يهم بتركهم ليمسكه زين من ذراعه بقوة: أنت رايح فيييين.. مش هتجبلي بجد؟ كنت بتخدعني وبتضحك عليااا !؟
, أمال تليد رأسه يبتسم ويومئ بخفة أمام عيون زين المشتعلة غضباً وصدمة، ليهتف به بتهديد: يبقى هئذي عدي و أعامله زي الأول ..
, زادت ابتسامة تليد بخفة: براحتك يا زينو ..
, توسعت عيون زين بصدمة أكبر فيما سحب تليد ذراعه من قبضتيه وتركه يدخل الفيلا يلاحقه زين بعيون مغتاظة غاضبة،
, عاد يلتفت لعدي وضم قبضتيه بحدة يود لو يضربه ويطرده من الفيلا، إلا أنه شعر بنفسه قد خُدع فعلاً، فلم يعد يشعر بكره أو غيرة عمياء من عدي كما كان يفعل في بداية قدومه إليهم، و لن يستطيع بعد اليوم معاملته كالسابق ..
, صرخ بغيظ جاعلاً عمار و عدي يلتفتان نحوه بصدمة واتجه داخلاً الفيلا فيما عقله يُحيك الخطط لينتقم لنفسه من الجميع،
, لاحقه عدي وعمار سريعاً ليلتقوا بليلى التي اقتربت من عمار بقلق بعدما رأته ممسكاً يده: عماار حبيبي إيدك مالها ؟!
, عمار: واجعاني أوي عملنا حادثة في العربية ..
, شهقت ليلى تضرب صدرها بفزع واقتربت من عمار تتفحصه، ليتوقف زين أعلى السلالم يرمقهم بغيظ كبير فيما اقتربت فريدة منهم، مدت يدها تتلمس عمار هاتفة: ياعين أمك و أبوك و أخوك وكل الناس، بيوجعك هنا ؟! طب هناا ..؟!
, دفعها عمار بعداً عنه: ابعدي يا تافهة.. إيدي وجعاني بجد ..
, فريدة بحسرة: تؤ تؤ تؤ حبيبي يا عمورة.. قول أاااي والوجع هيروح ..
, عمار: يا ماماااا..
, ليلى بحدة: بت اخرسي أخوكي عمل حادثة بدل ما تقوليله الحمد**** ع السلامة ..
, رمقتهم فريدة بسخرية لتهتف ليلى بلهفة حالما رأت حيدر: حيدر حمزة فيين هاته يشوف دراع عمار واجعاه، ياحبيبي عمل حادثة و **** ستر ..
, اقترب حيدر منهم بجبين مقطب بقلق لتهتف فريدة: وسعوا للأخ الحنين وسعواا.. شوف ماله يا حيدوة وبوس الواوا خلي الواوا يصح ..
,
, ضحك عمار رغم ألمه ونظر لمعصمه المحمر يمده نحو حيدر الذي أمسكه يتفحصه ليهتف: ملوش لزوم.. تعالا هحطلك عليها تلج وهتخف ..
, فريدة: ماتبوس الواوا طي..
, ضربها حيدر على رأسها بقوة آلمتها، و سار يسحب عمار معه ساحباً خصلة من شعرها جعلتها تصرخ بألم ضاربة يده ليُفلتها ..
, فيما راقبهم عدي بعيون لامعة وابتسامة واسعة ليلتفت بعد رحيلهم نحو السلالم ويرى زين مايزال موجوداً هناك، و كأنه ينتظر من أحد أن يهتم بما حدث بسيارته كما اهتموا بيد عمار ..
, هتف عدي: يا بختكم في بعض و**** ..
, رمقه زين باستنكار: و**** ماحد هيجبنا ورا غيرك، يا كلللب عربيتيييي..
, تجاهله عدي يهز رأسه: يا بختكم بجد.. ياما كان نفسي يكون عندي أخوات زيكم.. أنتوا كلكم أخوات بعض وعندكم أخوات كتير يا بختكم ..
, رمقه زين بغيظ وحدة واتجه يكمل صعوده نحو الطابق العلوي ليلحقه عدي سريعاً ..
, ٦ علامة الإقحام
, هتف تليد بدهشة محدقاً بهارون الواقف أمامه على باب غرفته: متهزرش يا هارون.. وسع كده وهات الواد ..
, رفع هارون حاجبيه بحدة وهتف: أنا قولتلك مية مرة رجالتك دول أبعدهم عننا خالص، كلامي مش بيتسمع لييه ؟!
, تليد: بيتسمع.. بس مش بيتنفذ ..
, رمقه هارون بغضب: بتهزر كمان أوك يا تليد، محروم من تلودة اليوم كله ..
, تليد: متهزرش بقا يا هارون وه..
, صفع هارون الباب بوجهه ليرفع تليد حاجبيه مستمعاً لصوت القفل من الداخل، ليهتف: أنت بتتكلم جد بقا ..
, هتف هارون ممسكاً صغيره من خلف الباب: لا أنا لسا بهزر، حتى تلودة بيهزر مش كده يا تلودة ..
, قرص الصغير بوجنته ليخرج صوت الصغير بهمهمات خفيفة وصلت لمسامع تليد الذي زاد من تقطيب حاجبيه محدقاً بالباب أمامه بصمت..
, لحظات حتى التفت لخروج نوار من غرفتهم القريبة ليبتسم: تعالي يا منورة ..
, ابتسمت نوار تهرول نحوه، تعلقت بذراعه: قلب منورة هات بو..
, قاطعها تليد: لفي كده ..
, عقدت حاجبيها تدير ظهرها له ليرفع يديه مخرجاً من خصلاتها مشبك شعر معدني ملون، ابتسم بخفة يلتفت نحو الباب بهدوء ملامح يحاول فتح الباب ببراعة تحت نظراتها المتعجبة ..
, قطب جبينه حالما اصطدم المشبكة بشيء معدني من الداخل، ليعلم بأن هارون قد ترك المفتاح في الباب ساداً الطريق أمامه، ليزفر هاتفاً: أطلع نتفاهم طيب ومتدخلش الواد بينا ..
, ضحك هارون من الداخل: أنت مش أشطر مني يا بليد ..
, تليد: هارون، إبعد الواد عن الباب أنا هخلعه ..
, تعالت ضحكة هارون مجدداً وهز صغيره باستمتاع بين يديه مدركاً بأنه نقطة ضعف الآخر وعليه استغلالها: تلودة بيقولك أنك واحشه، بس للأسف مش هتشوفه حالياً،
, تليد: هاروون ..
, زادت ابتسامة هارون مستمعاً لصوت تليد الحاد ليهتف الآخر: أطلع خلينا نتناقش بهدوء والواد ملوش دعوة بينا ..
, هارون: أنت محسسني أنك مراتي ليه، خلاص روح ع المحكمة وهي اللي تفصل بينا..
, زفر تليد يطرق الباب بأطراف أصابعه بحركة رتيبة قبل أن يهز رأسه: أوك، هردهالك يا هارون..
, ابتسم هارون هاتفاً بصوت عالي: ابقى خلي التيران اللي عندك يهجموا عليا ويكتفوني.. أمشي من هنا يا حبيبي مفيش تلودة النهاردة، إلا يعني لو كنت مُطيع وأنا شفقت عليك، هخليك تشوفه قبل ما تنام ..
, رفع تليد حاجبيه وبقي صامتاً للحظات فيما وقف هارون خلف الباب يحاول إخراج صوت الصغير قبل أن يتهور تليد ويخلع الباب فعلاً، إلا أن صوت تليد الهادئ تسلل لسمعه هاتفاً: أنت مش بتقولي حبيبي إلا و أنت متعصب ليه، اشمعنا زين بتقولهاله دايماً ..؟!
, رفع هارون حاجبيه بدهشة ثم ضحك بسخرية هاتفاً: أصل زينو حبيبي في كل وقت مش زيك أنت ورجالتك الهمج..
, التفت بعدها نحو صغيره يسير بخفة لئلا يسمعه تليد ويضعه على السرير مبتسماً له، فيما رمق تليد الباب من الخارج رافعاً حاجبيه بتوعد ليلتفت متجهاً نحو غرفته تلحقه نوار سريعاً ..
, ٦ علامة الإقحام
, مسح هارون على رأس تليد الصغير بخفة يتأمل عيناه الشبه مغمضة بعدما قلت حركته وكاد يغوص في النوم، إلا أن أصوات صراخ من الغرفة القريبة أجفلت الصغير و أخرجت صوت بكائه الخافت ..
, حمله سريعاً يعود ليهزه بين أحضانه مربتاً على ظهره برتابة يسير به في أنحاء الغرفة بغير هدى حتى عاد الصغير ليغوص في النوم بلحظات قليلة، وصوت الصراخ كان ما يزال قائماً ..
, زفر هارون بغضب محدقاً في باب الغرفة، واتجه بصغيره نحو سرير الأطفال القريب يمدده هناك ويرمقه بقلق خشية استيقاظه مجدداً، دثره بغطاء خفيف والتفت بخطوات سريعة نحو الباب و حاجباه انعقدا بغضب هائل ..
, اقتحم غرفة زين المغلقة حيث يتعالى الصراخ من داخلها، ليُوسع عيناه بصدمة ناظراً لجسد عدي الذي كان يعلو زين بعدما طرحه أرضاً،
, فيما الإثنان كانا يشدان في خصلات بعضهما بقوة و كأنهم سيقتلعونها في أية لحظة..
, هتف عمار الواقف بجانبهم مساهماً في الصراخ يحاول تهدأتهم: هارووون إلحق هيقتلوا بعض المجانين..
, بقي هارون يناظرهم بنفس الصدمة فيما هتفت فريدة الجالسة ببرود: معندهومش روح رياضية للأسف..
, جز هارون على أسنانه بغضب وصرخ فجأة: باااس أنت وهووووو.. كفاااية يا حيوان..
, اندفع نحوهم يُبعد عدي عن زين بقوة ولكن زين بقي متمسكاً بخصلات عدي حتى صرخ الآخير بألم وعاد ليُمسك شعر زين بين قبضتيه ليصرخ هارون: سييبه يا زييين.. سسييبه يا زفت..
, زين: يسيب و أنا هسيب..
, عدي: سيبني أنت الأول..
, زين: أنت اللي بدأت.. ااه منك لله شعررري مش كفاية عربيتي.. هارووون..
, أغمض هارون عيناه بحدة وهتف: هعد عالتلاتة لو مكنتوش سايبين بعض أقسم ب**** هعلقكم على باب الفيلااا و أنزل فيكم ضرب للصبح.. 1 2
, سحب زين يداه سريعاً بعدما رأى غضب هارون وتهديده الحقيقي، ليبتلع عدي ريقه يرمق زين بحذر و كأنه يتأكد منه إن كان يجب عليه الخوف من التهديد هو أيضاً أم لا، ليهتف هارون متابعاً: تلااا٤ نقطةتة..
, ترك عدي زين بفزع وحاول النهوض عنه فيما زين يُساعده في ذلك عن طريق دفعه وضربه بصدره بقوة..
, وقفا بشعر مُشعث، أنفاس عالية قوية، و عيون كل منهما ترمق الآخر بنظرات وشرارات مشتعلة متوعدة..
, مسح عمار على رأس زين: ياعيني أنا خوفت عليك لتبقى أصلع..
, دفع زين يد عمار عنه بحدة ورفع يداه يمسد خصلاته بأنفاس غاضبة، حتى هتف ناظراً لهارون: بيمد إيده عليا بيضربني يا هارووون..
, عدي: أنت اللي بدأت و شتمتني..
, زين: يعني دي أول مرة ؟!
, عدي بغضب: أهاا أنت اعترفت بنفسك.. أنا سكتلك كتيير وكله علشان خاطر الباشا بس كفاية طفح الكييل.. الموت ولا المذلة..
, رمقه زين بنظرات حادة، و كأنه وصل الآن لكلام تليد السابق له، بأت شخصية عدي الهادئة المسالمة ماهي إلا مرحلة مؤقتة نتيجة تعبه لا أكثر،
, فعلى حين غفلة وجده يهجم عليه بكل قوته ويطرحه أرضاً يهمّ في ضربه لولا أن زين قد سارع ليشد خصلاته بقوة مدافعاً عن نفسه ..
, التفت نحو هارون الذي وضع يداه في خصره بشكل أثار ريبتهم، ينقل نظراته المخيفة بينهما: إيه اللي حصل هنا ؟! و إيه سبب الزفت الخناق ؟؟
, أشار زين باصبعه لعدي: الكلب ده هو..
, عدي: أنت متربيتش..
, التفت هارون بغضب نحو عدي: أنت إزاي تسمح لنفسك تمد إيدك عليه ؟!
, رمش عدي بعينيه و هتف مدافعاً: مش شايفه بيشتمني إزاي..
, زين: أنت اللي..
, صرخ هارون بصوت أفزعهم: اخرررس أنت وهو أنا النهاردة بالذاات خلقي في مناخيري و عايز أبتلي بحد فيكم.. عمار اتكلم إيه سبب الخناق ؟!
, عمار بقلق: و**** كنا بنلعب عادي.. بس هما اتجننوا فجأة..
, رفع هارون حاجبيه: بتلعبوا ؟!
, زفر ماسحاً وجهه بحدة وهتف: كمل..
, رمش عمار متراجعاً للخلف من نظرته ليهتف: كنا بنلعب إنسان حيوان نبات..
, هتف هارون بغضب: أنااا سألتك إيه هي اللعبة ؟!
, ابتلع عمار ريقه بنفي: ما.. ما أنا بقولك سبب الخناق اهو..
, زفر هارون يرمقه بتهديد: اخلللص..
, عمار: أنا وهو وهو كنا بنلعب وفريدة هي اللي بتختار الحرف.. فكرة اللعبة كانت من زينو و..
, صمت حالما جره هارون من ياقته بغضب: ولااا هضربك أقسم ب****..
, هتف زين سريعاً: أنا اللي هقولك، كنا بنلعب عادي أصل أنا كنت فاكره بني آدم وبيتلعب معاه.. فريدة ادتنا حرف العين، و أنا يعني ملاقيتش حيوان بحرف العين أعمل إيه يعني أسيبهم يكسبوا و أنا أخسر !؟
, رفع هارون حاجبيه بنظرات مظلمة: روحت كتبت أسم عدي صح ؟!
, أومأ زين بحذر ليهتف عدي: شووفت يا هاروون باشا شوفت أنه هو السبب..
, زين: و**** دي لعبة المفروض يبقى عندك روح رياضية.. هارون أنا ملقتهوش إلا وهجم عليا زي التور.. كان عندي حق لما كتبت أسمه على أنه حيوان ولا لأ..؟!
, عدي: احتترم نفسككك..
, زين: و أنت متعصب كده ليه لتكون حيوان بجد ومشاعرك اتجرحت..
, صمت موسعاً عيناه حالما انحنى هارون يأخذ حذاء زين المنزلي المرمي قريباً منه واقترب منهم يلوح به بعيون مهددة: قولتولي كنتوا بتلعبوا ..!؟
, أومأ زين برأسه بحذر ليرفع هارون الحذاء ويضربه بقوة ضربة أصابت كتفه مُخرجة صوته المتألم ليلحقها سريعاً بضربة أخرى هاتفاً بغضب: أنا هلعّبكم حلو أووي.. أهو..
, تراجع زين للخلف يدلك مكان ضربات الآخر ليهتف: و.. أنا مالي هو اللي حيوان.. ااا إيه ياهارون إيدك تقيلة ياجدع٣ نقطة خلااص..
, ضربه هارون مجدداً على كتفيه، ذراعيه ويداه اللتان يحاول بهما حماية جسده و مسح مكان الألم ليخففه، يهتف بحدة متابعاً ضرباته: مش مكسووف من نفسك ياض.. قولتلي عمال تذاكر علشان الدكتورا ؟! مش مكسوووف هتبقى دكتور و أنت لسا عيل تافه.. ؟
, تألم زين يحاول الإبتعاد عنه لولا يد هارون التي أمسكت به ليهتف بألم: وأنت مش مكسوف بتضربني و أنا هبقى دكتور.. بس.. ياعم اوعي.. اايدك..
, عدي: دكتور إيييه ده عمل زي عيال المدارس يا هارون باشا..
, التفت هارون نحوه مفلتاً زين، ليتأوه عدي بألم حالما تلقى ضربة منه: إيه هارون باشا دي ؟!
, هتف عدي بقلق: ا..أمال أاقولك إيه ي..
, ضربه هارون مجدداً: تقولي هارون بس.. يا كلب.. يا كلاب كلكم.. أنا هوريكم..
, عاد ليضرب زين ضربة سريعة جعلته يهتف بغيظ: ما خلاااص بقااا أنت استحليتها..
, ضربه هارون مجدداً والتفت لعمار الذي اختبأ سريعاً خلف زين: لااا.. أنا ماعملتش حاجة و****.. أانا أنا حساس..
, وقف هارون مكانه يتنفس بحدة ناقلاً نظراته بينهما فيما زين يرمقه بغيظ يمسح جسده و مدلكاً يديه المحمرتين..
, هز رأسه يرمقهم بتوعد حتى فُتح الباب من خلفه ليظهر تليد هاتفاً بهدوء: في إيه ؟!
, سارع عدي للقول: زين هو اللي بدأ يا باشا و****..
, زين بغضب: يا كد..
, قاطعهم هتاف هارون الذي يبدو قد ازداد غضباً، حالما وجد صغيره النائم محمولاً بين ذراعي تليد: مييين سمحلك تاااخده ؟!
, رمقه تليد بدهشة و أخفض نظراته للصغير النائم ليبتسم هاتفاً: أنا.. وهش وطي صوتك هيصحى..
, ضم هارون يده فوق الحذاء بقوة يمنع نفسه من قذفه عليه ليهتف: أطللع برا يا تليد..
, تليد: طب أنت متعصب لي..
, هاون بغضب: براااا بقولك.. أطلع براا..
, رمقه تليد بهدوء للحظة، ثم التفت خارجاً من الغرفة أمام نظرات عدي المصدومة لما حدث، و الذي زاد قلقه من هارون بعدما رأى تليد قد نفذ ما يريده..
, ابتلع ريقه يعود ليحدق بهارون الذي تراجع ليجلس على مقعد قريب هاتفاً وهو مازال يلوح بالحذاء في يده: عايزين تلعبوا ؟! أوك أنا هلعبكم أحلا لعبة في حياتكم..
, زم زين شفتيه و كأنه فهم مقصده ليشير هارون نحو حائط مجاور: على الحيط.. الكلل..
, هتفت فريدة متدخلة بعد صمتها السابق: أنا كنت بديهم الأحرف على فكرة.. يعني مش هقوم ولا حيط ولا باب..
, سارعت لإكمال كلامها بعدما رأت نظراته: ده بعد إذن حضرتك يعني..
, أبعد هارون عيناه عنها وحدق بهم بغضب: أنتوا لساا واقفيييين.. قولت على الحيط..
, سارع زين وعمار لتنفيذ أوامره.. فيما بقي عدي مكانه يحدق بهم بدهشة يراهم قد وقفوا مقابل الجدار، أيديهم للأعلى ويقفون على قدم واحدة..
, انتفض حالما هتف هارون: إيييه عايزني أستخدم معاك الطرق الصعبة.. ؟
, عدي: ل.. لا مش٣ نقطة هو أنا هعمل إيه ؟!
, هارون: وشك ع الحيط.. إيديك فوق وعلى رجل واحدة.. زيهم بالظبط ..
, رمقه عدي باستنكار: نعم؟! إيه ده بقا أنت فاكرنا عيا..
, هتف هارون بغضب: يلااااا..
, تراجع عدي للخلف وابتلع ريقه بقلق يتجه نحو الجدار.. ليقف بجانب زين الذي رمقه بحدة ليبادله هو نفس النظرات٣ نقطة
, أخفض ذراعيه سريعاً بعدما رفعهما ليهتف ناظراً لهارون: أانا دراعي متصاب يا هارون..
, زين: يارب تتصاب كلك..
, هارون: مش عايز كلااام.. وأنت ياعدي.. أرفع دراعك التاني بس..
, ابتسم عدي وكأنه انتصر والتفت لزين يرمقه باستفزاز ليرفع ذراعاً واحداً فقط ليهتف عمار: و أناا.. إيدي واجعاني٤ نقطة هارون إيدي واجعاني..
, هارون: اخرس..
, رمقه هارون بطرف عينه ليردف: نزلها وارفع دراع واحدة..
, ابتسم عمار بسعادة ليهتف زين: لا بقا ده مش عدل.. أنت تضربني ودلوقتي تميزهم عني..
, التفت نحو عدي ليهتف: اشمعنا ده دراع واحد بس.. مليش دعوة لأما يكون زيي لأما خليه يرفع رجليه التنين..!
, ضحك عمار هاتفاً: و**** يا زينو ساعات بحسك غبي..
, هارون: قولت من غير كلاااام..
, زين: ماشي يا هرهر يا حبيبي.. مكانش العشم..
, عدي: إيه هرهر دي قطة ؟!
, قفز بألم حالما ارتطم به الحذاء الذي قدفه هارون مصيباً ظهره ليهتف بهم: مش عايز صوووت..
, صمت الثلاثة بضيق فيما ضيق عدي عيناه مدققاً في الرسومات والكتابات على الحائط أمامه.. رفع حاجبيه بدهشة: العلم نور والجهل ظلام إقرأ أو فاغرق في الأوهام ..! إيه ده مين اللي كاتب ده ؟!
, عمار بغيظ: زينو الحمار.. ما أنت متعرفش إننا بنوقف الوقفة دي تلاتمية وستين يوم في السنة والباقي أعطال.. فهو عايز يتسلا بيهم وهو واقف..
, عدي باستنكار: و هي دي تسلية٣ نقطة؟
, زين: ملكوش دعوة يا فاشليين يا أعداء العلم..
, عمار: أما أنا شوف يا عدي كاتب أسماء أغاني هنا.. أنت عمري لأم كلثوم.. أصل ساعات بنوقف ساعتين كده فعايز أغنية طويلة أغنيها و أقضي الوقت..
, رفع عدي حاجبيه بقلق ليهتف بعدها: دي نصها موسيقى..
, عمار: أها مانا حافظ الموسيقى برضو وبقول مكانها تن ترن تن تنترنتن.. المهم مش زي زين اللي فاكر نفسه مثقف..
, عدي: شوفنا الثقافة كويس..
, زين بسخرية: ابقى فكرني اتعلم التيرنة منك يا توور ..
, عمار: صراحة يا زينو أنت مش لايق عليك دكتور جامعة خالص.. أنت عقلك صغير..
, ضحك بخفة هاتفاً: أنا مش متخيلك دكتور وبتعلم أجيال وفي المستقبل هتعلم عيالنا كمان٣ نقطة
, ابتسم هارون رافعاً حاجبيه: أكتر حاجة بتعجبني لما عمار يتكلم بالثقة دي فاكر نفسه هيتجوز ويأسس عيلة و ولاد وهو لسه عايز مين يربيه، وبيعيط لو حد لمسه..
, تعالت ضحكة زين ساخراً ليهتف عمار بغيظ: ملكوش دعوة أنتوا بس فالحين تقطموا فيا.. أنا هقول لبابا..
, هارون: مش عايز صوت يا حبيب البابا..
, تنهد عدي بضيق بعد مضي دقائق ليهتف: هو إحنا مطولين كده ؟!
, رمقه هارون بحدة ليلتفت عدي نحوه: مطولين كده يا هارون اصلي عايز أكلم الباشا في موضوع..
, هارون: تكلمه بعدين..
, عمار: يا هاروون أنا تعبت بجد.. علشان خاطري..
, هارون: بس يالا أنت وهو..
, صمت للحظة قبل أن يهتف: عايزين تخلصوا من العقوبة ؟!
, أجابه الجميع بالإيجاب ليهتف هارون واضعاً قدماً فوق الأخرى: أووك.. يبقى هنرجع للعب بتاعكم.. كل واحد منكم ليه تلات أسئلة لو جاوب عليها صح خلال أربع ثواني فهخليه يقعد..
, زين: أنا مواافق.. اسألني أنا الأول..
, ابتسم هارون بتفكير ليهتف: نبات بحرف الميم.. 1 2 3
, زين بسرعة: ملووخيةةة..
, هارون: عدي دورك٣ نقطة إنسان بحرف الراء..
, زبن: لا بقااا ده ظلممم سؤاله سهلل..
, هارون: 1 2
, عدي: راامي..
, عمار: أنا أناا..
, طالعهم هارون بادئاً في الأسئلة.. حتى أجاب عدي على إثنين وجاء دوره ليجيب على الثالث ليهتف هارون: آخر سؤال لو جاوبت صح هخليك تقعد..
, تحمس عدي يرمق زين باستفزاز ليهتف هارون: حيوان بحرف الزاي 1 ٣ نقطة 2 ٣ نقطة
, قطب عدي جبينه بقوة: أا.. زز.. استنى ززز.. زز..
, 3 ٣ نقطة 4..
, صرخ عدي بسرعة: ززز٣ نقطةز زييييييين..!
, انفجر عمار ضاحكاً فيما التفت زين نحوه ليهجم عليه جاذباً خصلاته يشدها بين قبضتيه: يا حيواااان..!
, ٧ علامة الإقحام
, مساءً ..
, خرج عدي من الغرفة والتفت سريعاً يلمح نوار تخرج من الغرفة الجانبية، تحمحم هاتفاً: هو الباشا هنا ؟!
, نوار: أيوه تلودة جوا مع تلودة الضغنن..
, ابتسم عدي سريعاً واتجه نحو الغرفة ليفتح الباب دون استئذان، وحالما رفع تليد عيناه نحوه تراجع عدي للخلف يهم بطرق الباب ليتنهد تليد: تعالا ..
, تحمحم عدي و أسرع نحوه ليجلس سريعاً: أنا يا باشا كنت عايزك في موضوع..
, قاطعه تليد: بكرا هاخدك تشوف باباك..
, توسعت عيون عدي مع ابتسامته المتلهفة: بجد يا باشا ؟! **** يخليك.. أا..
, تردد للحظة، فهو كان قادماً من أجل موضوع آخر، فيما طالعه تليد بصمت يهز الصغير بين يديه بخفة، ليهتف عدي: أنا مش عايزك تزعل مني يا باشا.. عندك حق أنا يمكن مكاني مش معاكم.. بس و**** يا باشا صعبان عليا وائل يجي مكاني..
, ابتسم تليد بجانبية: و أنت مين قالك أن وائل هييجي مكانك، وائل مع أشرف ومبسوط معاه..
, رمش عدي بعينيه ليهتف: يا بخته.. أشرف ده باين حلو، طول عمره الكلب وائل مش بيوقع إلا وهو واقف مش زيي..
, رفع تليد حاجبيه معلقاً عيناه عليه ليهتف عدي بسرعة: مش قصدي يا باشا و**** أنت فيك الخير، بس يعني.. بص يا باشا أنا فعلاً مش هقدر أكمل في المخابرات.. أنا تعبت ومش عايز حاجة تبعدني عن أبويا..
, صمت والهمّ بادياً عليه قبل أن يكمل: أنا سببت له ولنفسي مشاكل.. **** عالم حالته إزاي دلوقتي من غيري.. خايف يحصلي حاجة في الشغل ولا أموت وهو يفضل لوحده، هياكلوه يا باشا و****..
, رفع نظراته له: أنا كان كل همي أبقى قوي.. أنت صح يا باشا.. أنا لا بحب شرطة ولا مخابرات، بس صدقني.. لما بشوف ناس طيبة زيك كده بحس إن دخولي العالم ده كان قرار كويس.. عشان تعرفت عليك..
, تليد بهدوء: مش قولتلك قولي تليد بس..
, حدق عدي به بنظرات غريبة ليهتف تليد و كأنه فهم بما بفكر: سواء فضلت في المخابرات أو لأ، قولي تليد.. أنت مبقتش مجرد متدرب عندي، بقى بينا عيش و وملح..
, ابتسم عدي بتوسع وتحمحم يحك رأسه: **** يخليك يا باشا..يا تليد يا باشا.. يا٤ نقطة يا باشا هو أنا لو سبت المخابرات هشتغل إيه؟!
, تنهد ليهتف: أنا معنديش طموح ولا هدف.. أنا بكره المدرسة وبكره الدراسة كلها، وبكره الشغل برضو.. أنا ربيت و همي بس أمن لقمة عيشي..
, تليد: هديك منصب الملك وتقعد تحط رجل على رجل..
, عدي: لااا.. يا باشا مش قصدي و**** أنا بس بفكر بصوت عالي.. ثم إني يا تليد يا باشا منحوس أوي أنا مطرح ما بحط إيدي بيتخرب.. **** خلقني كده..
, ابتسم تليد هاتفاً: من هنا لوقتها هنفكر مع بعض.. المهم بكرا الضهر جهزلي نفسك علشان نروح..
, أومأ عدي سريعاً قبل أن يهتف: هروح أنا دلوقتي قبل ما زين يسيطر ع السرير..
, ابتسم تليد بجانبية و أشار له بالإقتراب منه، ليقترب عدي سريعاً بحذر يسمع تليد يهتف: عايز تستفزه !؟
, عدي: مين ؟!
, تليد: زينو..
, عدي: أيوووه يا باشا الواد ده مستفز أووي و****.. أنا صح حبيته بس هو مستفز يا اخي.. وتحسه عيل كده..
, ضحك تليد يهز رأسه ليهتف: قوله زين الدين..
, عدي: إيه ده؟!
, تليد: ده أسمه.. بس أنت قوله ومتقلقش..
, رمش عدي بعينيه قبل أن يبتسم وأومأ برأسه ليهتف: يا بختك و**** يا باشا عندك أخوات كتير.. كلكم هنا يا بختكم..
, تليد: هبقى اديك واحد منهم..
, رمقه عدي بدهشة ليهتف تليد: مش عايز ؟!
, عدي: مش القصة كده باشا بس أصل يعني بفكر هاخد مين.. زين ده مستفز وبيكرهني.. وبصراحة يعني هارون علطول متعصب هو أه مسلي وحلو بس هو بيزعق أوي ده حتى زعق فيك..
, رمقه تليد بنظرات فارغة، متابعاً كلام الآخر الذي يتكلم بجدية و كأنه فعلاً يسعى لأخذ أحدهم،
, فيما تحرك عدي بعد لحظات خارجاً من الغرفة، ليعود لغرفة زين يراه نائماً على السرير، مستلقياً على ظهره فاتحاً قدميه ورجليه..
, رفع حاجبيه بحدة ليهتف متحمحماً: إحمم.. إزيك يااا.. زين الدين ..؟!
, توسعت عيون زين بصدمة، قفز جالساً بلحظة يحدق به بشراسة أخافته ليصرخ: جبت الكلمة دي منيييين..؟
, ابتسم عدي باستفزاز، ليوسع عيناه حالما شعر فجأة بشيء يقفز عليه ماكان سوى زين الذي أسقطه أرضاً ويداه امتدتا لخصلاته سريعاً صارخاً: أنا هوريك يا حيواااان يا تووور..
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي..
, جهز عدي نفسه مرتدياً الملابس التي أعطاها تليد له في المستشفى، و أسرع خارجاً من الغرفة بحماس ولهفة وشوق لرؤية والده..
, فيما كان هارون يقف أمام تليد في غرفته ليهتف: عدي هيرجع هنا صح ؟!
, أومأ تليد بخفة يرتدي سترته: لحد ما نلاقي أمه..
, هارون: طيب.. وهتقوله إيه لما يشوف باباه في شقتك؟! هتقوله أنه كان مخطوف ؟!
, رمقه تليد بصمت، ليلتفتا سريعاً نحو الباب الذي فُتح فجأة، و هيئة عدي ظهرت من خلفه بعيون واسعة مهتزة: أابويا كان مخطووف ؟!
, التفت هارون نحو تليد الهادئ وعاد يحدق بعدي: أهدا يا عدي وهنفهمك..
, اقترب عدي منهم بعيون دامعة: تفهموني إيييه.. أبويا فييين يا باشاا؟! هو فين حصله إيه أنت كنت بتكدب عليااا ؟!
, تليد: هو كويس متقلق..
, عدي: عشان كده مكنتش تخليني أكلمه.. ك.. كان مخطوف بسببي ؟!
, خرجت دموعه رغماً عنه وتوسعت عيناه متخيلاً ماحدث بوالده، ليرتجف قلبه بين أضلاعه برعب: هي..هيزيد مرضه هينسااني..
, اقترب هارون منه إلا أن عدي تراجع للخلف بتعثر ليسقط جالساً أرضاً يلوم نفسه: كله بسببي.. أانا السبب أنا مش بعمل حاجة إلا بجبله المشااكل..
, رجفت يده يعض عليها بقوة ليشعر باقتراب تليد منه، والذي انحنى لمستواه هاتفاً: هو كويس.. ورئيس العصابة اتصاب وبيقولوا أنه اتقتل بيدوروا حالياً على جثته.. مامتك بس هربت وهنلاقيها قريباً ..
, رمقه عدي بدموع بللت وجهه: أنت مش بتكدب عليا صح يا باشا ؟! هو محصلوش حاجة الكلاااب معملوش فيه حاجة صح ؟!
, أومأ تليد يمسكه من ذراعه يحثه على النهوض: اطمن.. هو في شقتي ورجالتي معاه.. يلا بينا مش عايز تروحله ؟!
, ابتلع عدي ريقه وكأنه وعى على نفسه وضعفه، ليسحب ذراعه من قبضة تليد ماسحاً وجهه بذراعيه وظاهر يديه سريعاً يهز رأسه ليلتفت سابقاً تليد الذي لحق به فيما طالعهم هارون بعيون مشفقة..
, بعد مدة من الوقت..
, فتح تليد باب شقته، ليظهر رجاله من خلفه منتشرون فيها، فيما سار عدي سريعاً يلتفت حوله بلهفة، حتى لمح مسعد جالساً على أريكة وثيرة بجانبه عدد من الرجال ..
, دمعت عيناه مسرعاً نحوه بشوق كبير، ليسقط على ركبتيه أمامه يحيط جذعه بين ذراعيه فيما دموعه عادت لتنهمر بغزارة: ياباااا.. وحشتني يا مسعد وحشتنييي..
, وسع مسعد عيناه وحاوط رأس عدي سريعاً، ليقبله بقوة عدة مرات: عدي أبنيي.. حبيبي الكللابب هنا مكانوش راضيين يجيبوك ليااا.. يا حبيبي..
, بكى عدي يضمه إليه بقوة أكثر، وكلما تذكر بأنه خُطف بسببه يزيد من احتضانه أكثر و كأنه يحاول تخبأته وحمايته..
, رفع رأسه نحوه يبتسم بوسع: أنت كويس يابا بتاكل كويس ؟!
, ابتسم مسعد له بعيونه الصغيرة الدامعة وهز رأسه ليضربه فجأة بقوة على رأسه: أهاا يا عاااق.. سايبني هنا لوحدي وكنت بتتفسح من غيري.. طول عمري بقول أنك عااق محدش كان يصدقني..
, أمسك عدي يد مسعد يقبلها بقوة: وحشتني يا مسعد و****..
, سحب مسعد يده منه ليهتف: كنت فين كل ده ياض؟! وسايبني مع البقر دول لييه ؟!
, التفت عدي ليرى البقر من حوله، مطالعاً ابتسامات الرجال الذين أسعدتهم الجلسة مع مسعد وسلّتهم، ليبتسم لهم سريعاً قبل أن تختفي ابتسامته وتحتد عيناه حالما لمح وقوف وائل من بينهم..
, نهض سريعاً عن الأرض ليهتف: أنت بتعمل هنا إيييه ؟!
, رمقه وائل بصمت ليلتفت عدي نحو تليد: ده بيعمل هنا إيييه يا باشااا ؟! أنت سايبه مع أبويا إزاااي ؟!
, عاد يحدق بوائل واقترب منه ليجذبه من ياقته: أنت لاحقه لهنا كمااان مش كفاية كل اللي عملتوه أنت وأهل حارتك فيه عايز تعمل إيييه تاني..
, دفعه وائل عنه بغضب: أنا هنا لا عشانك ولا علشانه.. أنا بساعد تليد باشا مش أكتر وهو اللي جابني هنااا..
, صرخ عدي بغضب: تطلع برااا حااالا.. أنا مش عايزك مع أبويا ولا عايز أشوفك.. مش بأمن عليه معاك أصلاً..
, وائل باستهزاء: ولا لازم تأمن عليه معاك برضو، شوفناك و أنت بتحميه وبتدافع عنه.. أساساً كل اللي حصله بسببك..
, ابتلع عدي ريقه بهيون متوسعة اهتزت بصدمة، ليهتف تليد مقترباً منهم محدقاً بهم: كملوا خناق.. بس برا شقتي..
, التفت عدي نحوه بنفس النظرات المصدومة والتي تغيرت للهم واللوم.. يلوم نفسه ويعاتبها، حتى وائل عدوه يعلم بأنه السبب بما حدث به ولوالده ..
, تعالى رنين هاتف وائل إلا أنه بقي واقفاً يرمق عدي بحدة واستهزاء، ليلتفت على صوت تليد: رد شوف لو حد من الرجالة..
, أسرع وائل بإخراج هاتفه ليقطب جبينه هاتفاً: ده أخويا.. ممكن أرد عليه ؟!
, أومأ تليد بصمت ليتركهم وائل ملقياً نظرة حادة نحو عدي الذي عادت عيناه لتحتد بقوة، وحالما خرج حتى التفت لتليد: أنت جايبه هنا ليه يا باشا ؟!
, تليد: بيساعدنا علشان نلاقي أمك.. وساعدنا نجيب أبوك وننقذه منهم..
, قطب عدي جبينه بعدم فهم ليهتف تليد: وجوده معانا لما روحنا ننقذه فادنا.. مسعد كان متعلق في مامتك ومش راضي يسيب المكان اللي هي فيه، و لما شاف وائل افتكره وتعرف عليه بما أنه من حارته.. ورضي يجي مع رجالتي أخيراً..
, رفع عدي حاجبيه وضم قبضتيه بقوة وكأنه مغتاظ لوجود وائل في عملية إنقاذ والده وهو لا، زفر بقوة وعاد ليحدق به: بيكلم أخوه.. يا بخته هو كمان.. هو صح أخواته كلاب زيه بس ع القليلة عنده أخوات..
, تنهد تليد مخرجاً سيجاره وصوت الرجال من خلفه يتكلمون مع مسعد يشوش أفكاره، ليعود ويحدق بعدي: مامتك هربت.. ولازم نعرف مكانها خلال أقل من يومين..
, عدي بقلق: هندور فين يا باشا ؟!
, هم تليد بالكلام إلا أن دخول وائل قاطعه، والتفت نحوه ليراه يقترب منه بملامح جامدة حتى وقف جانبه هاتفاً: مش لازم ندور يا باشا.. أنا عرفت مكانها..
, توسعت عيون عدي بحدة فيما هز تليد رأسه بتساؤل وسيجاره مشتعل بين شفتيه، ليزفر وائل بعيون جامدة ونظرات غريبة يضم هاتفه في قبضته: سهيلة هانم.. في بيتنا.. !
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الخامس عشر


سيارات عديدة سوداء اللون، اقتحمت الحارة بسرعتها الكبيرة مسببة فضولاً و هلعاً لأهلها، فُتحت أبوابها كاملة وتناثر الرجال في كل الأرجاء حتى ملأوا أركانها من كل جانب ..
, أسلحتهم مُشهرة في وجوه الجميع، يحاوطون المداخل و المخارج، و تحديداً تجمعهم كان حول منزل صغير يبدو عليه القِددمم، كان قريباً من المنزل الخاص بعدي ..
, وجه وائل القلق ظهر من بين الرجال، سلاحه في يده محاولاً إدعاء الجمود، تجمع بدأ يزداد حولهم، رجال و نساء و أولاد تركوا اللعب بعيون فضولية مترقبة ..
, فُتح باب إحدى السيارات الضخمة والتي ركنت أمام المنزل تماماً، ترجل منها تليد لتتصاعد عندها همهمات الجمع الغفير ممن عرفوه وتذكروه ..
, لم يأبه لهم، متكئاً على مقدمة سيارته بملامح جامد و حدّة عينيه تخفيها نظاراته الشمسية التي زادته غموضاً بعيونهم،
, أخرج من جيبه سيجاراً فاخراً وضعه بين شفتيه للحظات بدون أن يشعله، وعيناه التفتتا نحو زجاج السيارة الأمامي مشيراً برأسه لعدي الجالس داخلها ..
, تنفس عدي بحدة، و بطبيعته الهمجية الغاضبة كاد ينهي كل ما يفعله تليد وخطط له و أمرهم به،
, لا يريد ذلك الهدوء و الجمود، ولا ذلك التخطيط، يريد أن يقتحهم ذلك المنزل، منزل وائل ويُخرج والدته منه قسراً ..
, إلا أن شيئاً ما في ملامح تليد وهو يُحذره بألا يخالف أوامره هذه المرة قد جعله يستكين، ربما خائف من إقحامه في مشكلة جديدة بسببه ..
, ليجز على أسنانه بحدة ويترجل من السيارة صافعاً بابها بغضب، ومن جديد تعالت الهمسات والشهقات من حوله،
, لم يكن سببها وجوده فقط، بل هيئته التي اختلفت تماماً عما تعودوا عليه،
, قميصه الأسود القاتم، والذي يضيق حول جذعه مظهراً عضلات خفيفة نتجت عن تدريباته القاسية،
, بنطال يماثله باللون وحذاء جلدي سميك، و الأكثر دهشة ذلك الحزام الجلدي المعلق على كتفيه يظهر على ظهره كشكل حرف إكس، وفي جهته اليمنى ظهر سلاحه واضحاً للجميع معلق به..
, هيئته تلك بقدر ما أدهشته وجعلت عيناه تجحظان وهو يطالع نفسه في المرآة في شقة تليد قبل قدومهم، إلا أنها أعجبته أيضاً و زادته ثقة بنفسه ولو كانت مزيفة،
, خطواته الحادة جعلت عيون أهل حارته تزد
, اد ترقباً وحيرة، تتباين مابين الحقد، الحسد، الكره، و الدهشة..
, فيما تجاهله لهم كان واضحاً وهو يقترب من ذلك المنزل والرجال يسيرون حوله بأوامر مسبقة من تليد،
, راقبه تليد من الخلف، مشعلاً سيجاره على مهل يبدأ بسحب أنفاس عميقة وينفث الدخان خارجاً منه كزفرة قوية ..
, خرج صوت عدي عالياً: فتشوا البيت، طلعوا كل اللي جواا.. عايزهم قداامي حالاً..
, يأمرهم وهو يحترق من داخله يود لو يهجم بنفسه لولا تحذيرات تليد طوال الطريق، عيناه مهتزة يرى تدافع الرجال أمامه والذين كسروا باب المنزل بشراسة أمام عيون وائل الذي أغمضهما بقوة ضاغطاً على أسنانه لئلا يقف في طريقهم..
, لحظات حتى تعالت صرخات قوية من الداخل جعلته ينتفض بقوة، ظهرت أم وائل و أحد أخويه معها يتمسك بها بحرص محاولاً إبعاد الرجل الذي يجرهم للخارج،
, من خلفهم ظهر وجه والده الحاقد، برفقته سهيلة والدة عدي وظهورها جعل الهمهمات تتعالى والشهقات تخرج مرددين أسمها عدة مرات بذهول ..
, عض وائل شفته بقسوة كادت تدميها، يرى هيئة والده بقميصه الداخلي مظهراً نحافة جسده وعظامه الظاهرة بعدما هزُل جسده إثر إدمانه على الشرب و السكر،
, وبجانبه سهيلة بكامل تبرجها كالعادة تصرخ محاولة إبعاد قبضة الرجلين عنها بلا فائدة ..
, نظرات عدي تجمدت للحظات، عيونه دمعت بقوة و كأن سكيناً حادة غُرزت بقلبه حال رؤيتها، فيما عيونها هي التقت به و مازالت حركاتها عصبية مصدومة من معرفتهم مكانهما،
, المكان الذي كانت تلتجئ إليه دائماً في أوقات الشدة، و لطاما استنجدت بأهل الحارة و والد وائل تحديداً لتختبئ لعدة أيام بلا أثر ..
, ابتلع عدي ريقه وعيونه احمرت بقوة وهو يطالعها بنظرات حاقدة، كارهة، و لائمة،
, نفض رأسه بعدما شعر بنفسه يغوص في ذكريات قديمة ستعذبه، وغيّر نظراته للقسوة والقسوة فقط ..
, دُفعت سهيلة أرضاً على ركبتيها بجانبها والد وائل الذي صرخ: أنتوا ميين عايزين إييييه إيه شغل البلطجة ده ..
, رمقه وائل بشعور قاسي داخله فيما صرخات والده زادت حالما لمحه: أنت يا٣ العلامة النجمية وااقف عندك ليييه، ومين دول إيه اللي جايبهم بيتي..
, صوت صراخ أحد التوأمين تعالى يدفع التجمع من أمامه، و هرول نحو والدته و توأمه برعب مديراً نظراته حوله لا يفهم شيئاً ..
, ابتلع وائل ريقه وهتف بحدة: دول أمي و أخواتي ملهومش دعوة في حاجة سيبوهم..
, طالعه الرجال بنظرات متوترة بعضها جامدة ليصرخ وائل: بقولكم سيبووهم..
, بكت والدته بقهر تنظر لزوجها الملتصق بسهيلة وعادت محاولة ضم صغيريها إليها تحدق بوائل بنظرات مهتزة ليلتفت وائل نحو تليد بأعصاب ثائرة: تليد باشااا، أهلي ملهوومش دعوة..
, طالعه تليد بصمت، نفث الدخان بحركات مستفزة بالنسبة لوائل الذي زفر بقهر مكوراً قبضتيه، و كأن بصمت تليد يُذكره بأوامره قبل هجومهم،
, يُريد أن يُظهر عدي أمامهم جميعاً، يريد أن يراه الجميع بصورة مختلفة عما يعرفونه بها، صورة قوية واثقة و قيادية، يريد أن يثير الرهبة و الحذر في قلوبهم منه ولو لمرة واحدة.. أن ينتقم بيديه أمامهم، أن يعيد كرامته بعدما يُمسك والدته بيده و يزج بها في غياهب السجن منتقماً لنفسه ولوالده وسمعته،
, أهل حارته ذووا عقول فارغة تمتلئ بالحقد والعادات الخاطئة،
, يُحللون مايريدون و يحرمون ما أرادوا، وابتعاد عدي و والده عن سهيلة وتركها تسرح وتمرح كيفما شائت، زاد من سخرياتهم و اتهامهم لهما بالخنوع و الذل، و إن انتقم منها الآن، قبض عليها وعلى من يساعدها أمام أعينهم، سينفي ربما ولو قليلاً من أفكارهم البدائية تلك،
,
, التفت وائل بحدة نحو عدي ليهتف بتهديد: قولهم يبعدوا عن أهلي يا عدي..
, رمقه عدي بنفس النظرات يبادله الحدة والحقد وكأنه يشعر بأن لحظاته الآن لن تُعوض ليراهم جميهاً مذلولين أمامه، تابعين له،
, حقده عليهم ظهر في عينيه الحمراوتين، ازداد وهو يرى ويسمع صراخ والد وائل وشتائمه التي انهالت عليه تحديداً،
, يعلم بأنه يكرهه، و كرهه له بدأ منذ صغره لا يعلم السبب حتى، و هو من ساهم في جعله ضعيفاً موضع سخرية بالنسية لأهل حارته ..
, هتف والد وائل يرى اقتراب عدي منه: لو بقيت راجل دلوقتي وجايب الكللابب دول علشان تقبض علينا أقبض الأول على أمك ال٣ العلامة النجمية..
, ضحك عندما رأى عيون عدي تهتز بحقد وقهر ليهتف مجدداً: باباك فين هو كمان غايب بقاله أيام ريحنا منه أخيراً..؟
, اندفع عدي نحوه أكثر، مكوراً قبضته و وجهه برزت عروقه بشدة و كانت آخر ذرة احتماله قد فُقدت حالما خرج صوت الآخر عالياً: خد أمك اللي بايتة في حضني بقالها أيااام.. ياااا.. يا راجل..
, لكمه عدي بقوة أخرجت صوتاً عالياً و كأنه كسر فكه، قبضته آلمته من قوة اللكمة وصراخ التوأم و والدتهم تعالى بعيون مذهولة،
, لم يمهله عدي ليعتدل فقد هجم عليه نجدداً يلكمه مرة وأخرى مسبباً نزيف أنفه بغزارة، تورم عينه، و صراخه بعدما فقد شيئاً من أسنانه،
, اقترب وائل منهم وقلبه ينبض بقهر، يرى وقوف الجميع حولهم يشاهد ببرود، بما فيهم تليد، صراخ والدته و أخويه جعل نبضاته تتقافز بألم ليقترب من عدي أخيراً يحاول دفعه عنه: إبعددد.. إبعد عنه يا٣ العلامة النجمية أنت ملكش حق تعمل كده..
, صرخ بصوت مبحوح يحاوط عدي بذراعيه القاسيتين يدفعه بقسوة عنه حتى طرحه أرضاً وظهر أخيراً وجه والده المعدم، بدمائه التي ملأته، وهو يسعل محاولاً النهوض باصقاً عدة مرات لعابة الذي اختلط بدماء غزيرة و أسنان متناثرة..
, اعتدل تليد بوقفته، قذف سيجاره أرضاً ومد قدمه يدهسه بحدة مخرجاً آخر زفرة من دخان ملأ صدره ليهتف: هاتوهم..
, مسح وائل وجهه وصدره يعلو ويهبط بحدة واتجه نحو والدته وأخويه، يحاوطهم جميعاً موجهاً نظرات حاقدة محتقنة على جميع من حولهم،
, تعالت صرخات سهيلة وتهديدها، و رجلين يجرانها بقسوة، فيما انحنى أحد الرجال نحو والد وائل المترنح مكانه يتلمس الأرض بعيون زائغة حطت أخيراً على هيئة عدي الثائرة..
, لحظات سريعة مرت كلمح البصر، التفت تليد نحو رجاله يشير لهم بتفتيش باقي منازل الحارة فربما اختبأ أحد أعضاء تلك العصابة بها،
, وعدي التفت نحوه يهم بالسير باتجاهه قبل أن تجحظ عيناه بقوة، جسده يندفع للجانب بقسوة وشيء حارق شعر به يُغرز في خاصرته بسرعة خاطفة لم يستوعبها أحدهم،
, صرخات وشهقات علت من حولهم، وعيون تليد تتوسع ببطء فيما عدي يسقط أمامه و جسد والد وائل تتمسك به قبضات الرجال بعنف، وبين يديه قطعة حديدية مدببة التقطها عن الأرض بجانبه وغرزها في جسد عدي منتقماً بلا رحمة،
, ابتلع وائل ريقه بنظرات تجمدت كجسده، عيونه دمعت بقهر زاد أكثر وهو يراهم يجرون والده الذي بدا و كأنه جُن، تلك القطعة الحديدة قُذفت من يده تقطر دماءاً طازجة مصدرها عدي الذي تهالك أرضاً يضم جسده لنفسه بأنين عالي ويداه امتلأتا بالدماء التي يحاول تسكينها أو تخفيف آلامها،
, خطوات تليد اقتربت منه بعجلة، بلا شعور دفع رجاله الذين تراكموا حوله و انحنى على ركبتيه أمام جسده يبتلع ريقه ملاحظاً بقعة دماء غزيرة بدأت تتراكم أسفله،
, مد يده يربت على وجنته وعيونه متعلقة بعيون عدي التي زاغت و ابيضت و كأن لا نور بها، زاد تربيته على وجنتيه معاً يضربه بخفة زادت قوة يهتف باسمه بنبرة شعر بها مرتجفة: عدي.. فتح عينيك سامعني؟!
, صراخ أحد رجاله بالآخر ليتصل بالإسعاف وانحنى ثالت نحوهم يضع قطعة قماش كبيرة فوق إصابته يحاول إيقاف الدماء النازفة، مسح تليد على إحدى وجنتيه بيد ارتخت فجأة بوهن: عدي خليك معايا متنامش..
, أصواتهم تلك، ضجيج السيارات من حولهم، نداء تليد باسمه بنبرة مهزوزة لأول مرة يسمعها، أو ربما كان يتخيلها!
, كل ما يتسلل لسمعه بدأ يختفي تدريجياً، أصواتهم تبتعد، تخفت، أضواء النهار من حوله تنطفئ، تبهت و يحل محلها ظلام كثيف، مخيف سقط أسيراً به بجسد متراخي، دماء نازفة، و أنفاس تتباطئ كما نبضاته القليلة ..
, ٦ علامة الإقحام
, بعد مدة من الوقت..
, فُتح باب غرفة العمليات، خرجت ممرضة تهرول في الرواق تهتف بعجلة مجيبة أحد الرجال: المريض محتاج ددمم..
, تركتهم تلاحقها عون رجال تليد المتجمعين حوله، فيما هو يتكئ على جدار قريب منهم، بعيون شاردة، يده مرتخية بجانبه، سيجاره معلق بين إصبعيه يتصاعد دخانه بخفة، قميصه الأبيض ملطخ ببقع دماء كادت تجف، كما أصابعه التي ملأتها دماء عدي حتى جفت عليها وهو مكانه ينتظر منذ مدة طويلة..
, اقتربت إحدى الممرضات منه، توسعت عيناها وهي تزفر بعدما تذكرته لتهتف: لو سمحت يا بيه التدخين ممنوع..
, انتقلت عيون تليد ببطء نحوها، طالعها للحظات بشرود جعلها تكاد تستسلم، إلا أنها رأته فجأة يلقي بسيجاره أرضاً ويدهسه بخفة مبعداً عيناه عن عينيها التي توسعت بغيظ..
, بقيت نظراته مثبتة أرضاً، جبينه عُقد بقوة و كأنه يشعر بهذا الموقف يتكرر لمرات ومرات،
, في كل مرة ينتظر هنا، بنفس الهيئة، نفس الحدث، إلا أن الشعور كان مختلف..!
, دائماً الإصابات من نصيب عدي، و هو يأخذ نصيبه من الشعور الذي يزداد ثقلاً وقوة مرة بعد مرة،
, شعور الخوف عليه، القلق، والرغبة بأن يقتحم تلك الغرفة التي تحتوي جسده الضعيف والذي تهالك بين يديه بلا قدرة منه على مساعدته،
, في هذه المرة شعوره ذاك قد فاق حده، يتعجب من نفسه كيف صبر في المرات السابقة، كيف انتظر طول الساعات والدقائق بدون أن يطمئن عليه،
, و كأنه الآن، بعد كل ما حدث معهما، قد أفقده عدي صبره تماماً و جعل من قلبه ثائراً، هائجاً، ومتهوراً مثله ..
, التفت سريعاً نحو الغرفة و كأن أفكاره خرجت من رأسه تدعوه لتنفيذها، سار عدة خطوات نحوها وسط تحفز رجاله إلا أن الباب الذي فتح أمامهم قد أوقفه، عيناه تعلقت بالطبيب الذي خرج بدماء علت مريوله الأبيض الطويل، هز رأسه يهتف بصوت جامد: عدي كويس ؟؟
, رمقه الطبيب يتنهد مبعداً الكمامة عن فمه ليهتف: للأسف، وضعه صعب جداً و محتاج كلية..
, رفع تليد حاجبيه بصمت، ألجمته كلمات الطبيب و شعر بنفسه فجأة قد فقد عقله واستيعابه ليهتف: يعني إيه ؟!
, الطبيب: الطعنة وصلت لكليته وللأسف اضطرينا نستأصلها، ده غير أن كليته التانية معطوبة ..
, ابتلع تليد ريقه وهتف بحدة غير مقصودة: وضح كلامك..
, الدكتور: الإصابة دي على قد ماهي خطر عليه على قد ما هي رحمة، الكلاوي كانت معطوبة و في أي وقت كان هيحصله فشل كلوي حاد ممكن يأدي لموت سريع، و نتيجة إصابته دي اكتشفنا العطب ده، فقد كلية والتانية على وشك يفقدها محتاج زراعة كلية في أسرع وقت ..
, أغمض تليد عيناه يلتفت نحو رجاله بحدة، فيما سأل أحدهم بحذر: طيب ومستنيين إيه مفيش كلية !؟
, الطبيب: حضرتك في مرضى كتير مستنيين قبله دورهم، في مرضى بقالهم في العناية شهور ولحد دلوقتي مش لاقيين متبرع، إحنا هنعمل اللي نقدر عليه بس مأوعدكومش، لو عندكم حد يتبرعله هيبقى أفضل،
, صمت للحظة ناظراً لجمود ملامح تليد، أو ربما ضياعها ليهتف: هيقعد في العناية المدة دي، ممنوع الزيارات خالص، للأيف مش بإيدنا نعمل أكتر من كده، **** يشفيه..
, تراجع تليد للخلف بنفس الملامح الجامدة رغم حدة أنفاسه، التفت تاركاً رجله يسير عدة خطوات قبل أن يتوقف مكانه يمد يده يتكئ على الحائط و كأن ما سمعه قد أضعف قوته،
, ابتلع ريقه يرفع نظراته بجبين مقطب، عاد يلتفت للخلف ينتظر الطبيب الذي سار مبتعداً عنهم، يتخيل لو أنه يهجم عليه، يجبره على إنقاذ عدي رغماً عنه، على جعله الأول في قائمة المحتاجين للتبرعات، ولكن شيئاً ما يمنعه، ربما إنسانيته التي تأبى أن يقتل أحدهم في سبيل إنقاذ عدي فقط، رغم حاجته لذلك ..
, عاد يبعد عيناه بعدما لاحظ نظرات رجاله المثبتة عليه، و سار يحاول إخراج سيجاره من جيبه بحركات عصبية ليمسك سيجاره أخيراً بعد عناء و يقذف به أرضاً بحدة و غيظ..
, انحنى أحدهم أمامه يرفع السيجار عن الأرض بتفاجؤ، و اقترب منه سريعاً بقلق من هيئته: تليد.. أنت كويس في إيه؟! عدي ماله ؟!
, رفع تليد نظراته لتلتقي بنظرات هارون القلقة، والذي زاد قلقه بصدمة يرى ملابسه الملطخة بالدماء وعيناه التائهة ليهتف ممسكاً ذواعه: في إيه جاوبني ؟!
, تمتم تليد بصوت خافت: عايز كلية..!
, ٧ علامة الإقحام
, مساءً..
, حدق تليد بهاتفه مستلقياً على سريره بكامل ملابسه حتى حذائه لم يخلعه، جموده و شروده لم يفارقه منذ عودته من المستشفى..
, إحساس العجز يحاوطه ويزيده غيظاً في كل مرة يرى الطريق مسدوداً أمامه كلما فكر بشيء،
, تنبه على صوت فتح الباب إلا أنه لم يلتفت نحوه، تأمله هارون بضيق وأخفض نظراته لصغيره الذي يحمله بين يديه،
, لم يطالب به تليد كالعادة، و لم يتشاجر مع ريماس يخبرها بأنه سيجد طريقة ليُرضعه بها بدل أن تتحجج دائماً بذلك!
, تنهد يدخل الغرفة وأصوات صغيره بدأت تتعالى حالما رأى تليد، ابتسم هارون له ليضعه بجانب تليد هاتفاً: تلودة زعلان منك على فكرة..
, رفع تليد نظراته حدق بهارون ثم عاد لينظر نحو الصغير الذي بجانبه يحرك قدميه و يديه بخفة و أصواته تتعالى، ابتسم يمد يده، يعبث بخصلاته بهدوء و صمت حافظ عليه،
, تابعه هارون بعينيه ليتنهد بحزن ويتجه خارج الغرفة، يترك تليد الشارد وصغيره الذي يتحرك بجانبه ويبدأ ببكاء خافت بعدما لاحظ التجاهل منه..
, أغلق هارون باب الغرفة ليجد زين أمامه ليهتف سريعاً بحدة: إياك تدخل هو مش ناقص..
, بادله زين الحدة: أنت شايفني عيل أنا بس كنت هتطمن عليه وعلى عدي..
, زفر هارون بضيق وسار عندما لاحظ حمزة ليهتف: إيه يا حمزة حصل إيه ؟!
, حمزة: و**** مش عارف الوضع صعب، زي ماقالوا في مرضى كتير مستنيين دورهم بقالهم شهور..
, زين: ده عارفينه حضرتك أنت روحت ليه لو مش هتعرف هتساعد..؟
, رمقه حمزة بحدة: أنت متدخلش، أعمل إيه يعني أديهم كليتي..؟
, زبن: أه وماله فايدة الدكتور إيه لو ما حسش بالمرضى بتوعه..
, هارون: خلاص يا زين مش وقته.. هنعمل إيه يا حمزة..؟
, حمزة: هكلم حد بعرفه هشوف لو نقدر نقدم أسمه ع الأقل..
, رمقهم زين بغيظ ليتراجع متجهاً نحو غرفته و شيء ما داخله يشعر به يزيده حزناً وقلقاً على حالة عدي التي سمعها..
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي..
, اقترب هارون من تليد الجالس على مقاعد الإنتظار منذ أكثر من ساعة لا يعلم ماذا ينتظر، فقط يستمع لخطورة وضع عدي بلا قدرة على مساعدته أو إيجاد حل ينقذه..
, جلس بجانبه يمسح وجهه بضيق: عجزوا أنهم يلاقوا كلية، في حد مات مبارح حمزة حاول مع أهله يتبرعوا بكليته بس رفضوا..
, بقي تليد صامتاً يحدق أرضاً بجبين مقطب بتفكير، ليتنهد هارون يصمت هو الآخر وعيناه يطالع غرفة العناية القريبة، والتي احتوت جسد عدي الذي يعيش على الأجهزة فقط..
, تنهد مجدداً بحزن وهو يتذكره، منذ يومين فقط و كان في أحسن حال، فجأة تغير كل شيء، وقُلب فوق رأسه و كأن الدنيا لم تكتف بما فعلته به لتزيده وجعاً وضعفاً،
, عاد ليلتفت نحو تليد، وزاد وجعه عليه، تذكر عندما تواجد هو يوماً في المستشفى، محتاجاً لمتبرع مثله، و لكنه قد وجد تليد بجانبه، أعطاه قطعة منه بلا تفكير حتى،
, و كأن ملامح تليد الآن قد جعلته يتخيل ذلك اليوم، بنفس الملامح ونفس الثقل والتعب،
, تنبه على اقتراب تليد منه بصمت، انحنى واضعاً رأسه على كتفه بتعب آلم هارون الذي مد يده يحاوطه بذراعه بقلق بعدما بدأ تعب تليد يظهر بلا شعور وبلا محاولة لإخفائه كما تعود عليه..
, يود لو بيده مساعدته وتخليصه مما هو به ليعود إليه كما كان، حتى أن فكرة تبرعه لعدي بدأت تدور في ذهنه فقط لئلا يرى تليد بذلك الحال الغريب، إلا أنه يعلم إن هو تفوه بتلك الفكرة، سيثير جنون تليد أكثر ويزيده تعباً،
, بقيت عيون تليد جامدة، جبينه مقطب و رأسه يستند به على كتف هارون الصامت للحظات طويلة.. حتى تنهد يضم قبضتيه بحدة و ابتعد فجأة مخرجاً هاتفه لينهض مبتعداً عن هارون الذي ضيق عيناه بحذر ونهض يسير خلفه..
, توقف مكانه بعيون متوسعة يستمع له يكلم أحد رجاله وصوته كان حاداً غريباً: عايز كلية تأمنوها في أسرع وقت بأي طريقة هبعتلكم التحاليل و..
, قطع كلامه حالما سحب هارون الهاتف من قبضته وهتف به بغضب: أنت اتجننت..؟!
, طالعه تليد بعيون حادة وتمتم بصوت محذر: هات التلفون..
, أغلق هارون الخط يضع الهاتف في جيبه وعيناه مازالت مذهولة غاضبة: أنت واعي للي بتعمله؟! عايز تجبله كلية من فييين ؟!
, تليد: ميخصكش ..
, على صوت هارون بحدة: أنت اتجننت يا تليييد، عارف الطرق اللي بتتبعها دي معناها إييه ؟؟
, بقيت عيون تليد حادة محذرة جعلت غضب هارون يزداد هاتفاً وهو يدفعه بكتفه بقوة: أنت شكلك اتجننت ومعدش هامك حاجة.. اللي بتعمله ده غير قانوني وكلنا عارفييين مصدر الأعضاء دي بتيجي من فييين.. أنت هتشارك المجرمين ولا إيييه ؟!
, ابتلع تليد ريقه بحدة وضم قبضتيه يقترب منه و كأنه لم يستمع له: هات التلفون..
, تراجع هارون للخلف ليهتف تليد: اللي بتعمله مش هيوقفني.. عندي مية طريقة علشان نفذ اللي في بالي..
, هارون بسخرية: عايز تخلي عدي يعيش في كلية مسروقة ؟! كلية واحد مجرم، أو ضحية لمجرمين ؟! عايزه يعيش وجواه حاجة حرام ؟!
, بقيت نظرات تليد مثبتة عليه بصمت ليهتف هارون بحدة: أقسم ب**** يا تليد لو فكرت تعمل كده تاني ولا نفذت اللي في دماغك ده لا هتبقى أخويا ولا هعتبرك موجود من أساسه..
, أخرج هاتفه من جيبه ورماه أرضاً بإهمال ليتجه بعدها عائداً نحو المقاعد، و مازالت نبضاته تتقافر داخله بجنون مذهول من فكر تليد الذي وصل إليه..
, وقف تليد مكانه يطالع هاتفه أرضاً بنظرات بدأت تهدأ حدتها، فيما وقف عدد من رجاله حولهم بقلق ينتظرون أوامره، إلا أنهم تنبهوا جميعاً على هرولة أحد الرجال نحوه، وقف أمامه يهتف بسرعة: في حاجة حصلت يا باشا ولازم تعرفها..
, رفع تليد نظراته له، فيما اقترب باقي الرجال منه ليرفع أحدهم هاتفه عن الأرض ويهتف آخر: في إيه ؟!
, هتف الرجل ناظراً لتليد: بيتحقق مع سهيلة.. أشرف باشا كان موجود هو والمتدرب بتاعه.. أاا.. في حاجة قالتها مش عارفين مدى صحتها.. لكن..
, صمت ليهتف تليد بحدة: أتكلم..
, هتف الرجل بحذر: سهيلة عندها أبن تاني يا باشا غير عدي.. و أنا فكرت يعني لو نقدر نلاقيه ونشوف لو أنسجته بتطابق مع عدي ويقدر يتبرعله وهنديه فلوس.. ولا حضرتك إيه رأيك ؟!
, توسعت عيون تليد بصدمة واضحة وهو يطالعه باحثاً في ملامحه عن أي أثر للكذب، أو حتى للإنكار،
, قلبه تعالى نبضه بقوة والتفت بلا شعور نحو غرفة العناية،
, ابتلع ريقه بألم زاد داخله عليه، صوت عدي الحزين داخلياً والعفوي خارجياً بدأ يتزدد في ذهنه، يهتف متمنياً أن يكون لديه أخ واحد في تلك الحياة البائسة،
, هل بؤسه وصل به لتلك الدرجة، أن تكون أمنيته محققة إلا أنها بعيدة عنه وغير معروفة؟!
, و عندما يعرفها يواجه الموت أمامها ويصارعه للحصول عليها؟!
, بقي لعدة دقائق مكانه بلا حراك، ليقترب هارون منه بجبين مقطب يهتف بجمود: في إيه مالكم ؟!
, أخبره الرجال بما حدث ليقطب هارون جبينه بحذر ويهز رأسه بحدة يمسك ذراع تليد يسحبه معه خارج المستشفى يلقي أوامره على رجال تليد بعدما فقد الأخير النطق أو أنه بقي غائصاً قي أفكاره و ذكرياته..
, ٦ علامة الإقحام
, وقف تليد أمام أشرف الذي هتف: مش هيفضلوا يسمحولنا نخش عندها كل يوم..
, تمتم تليد بحدة: اللي قالته صح ؟!
, هز أشرف كتفيه: المحقق قال كده، أجبرها تتكلم من بداية حياتها.. واللي فهمه أنها كانت على علاقة بحد من حارتها قبل ما تتجوز..
, تليد: مين ؟!
, أشرف: مش عارف ده شيء مش مهم في التحقيق علشان كده مركزش عليه.. أا.. ممكن وائل يساعدنا نعرف..
, انتقلت عيونهم جميعاً نحو وائل الدي يقترب منهم، و وقف يهتف لأشرف بجمود: أشرف باشا.. أابويا مصيره إيه ؟!
, هتف تليد بحدة: مصيره حبل المشنقة في حال عدي حصله حاجة.. وأنا مش هرضى أقل من كده..
, تنهد هارون يرمق نظرات وائل الجامدة، و الذي شد على قبضتيه بقوة يهز رأسه بلا هدى و كاد يتجه بعيداً عنه قبل أن يهتف أشرف: أستنى يا وائل..
, عاد وائل يلتفت نحوهم بنفس الجمود الذي رافقه بعد حبس والده، انهيار والدته و أخويه، و دخول عدي العناية بين الحياة والموت..
, هتف أشرف بهدوء: تليد محتاج يعرف مين هو أبن سهيلة التاني اللي تكلمت عنه..
, رمقه وائل بصمت ونقل نظراته لتليد: ليه ؟!
, هارون: لازم نعرفه ونوصله.. ممكن يقدر يساعد عدي ويتبرعله.. في كام راجل عملوا تحاليل ومش متطابقة معاه، و قائمة التبرعات فيها أشخاص كتير قبله..
, وائل: طيب و أنا مالي ؟!
, بقي تليد صامتاً يحدق به بنظرات عميقة ليهتف أشرف: الراجل اللي سهيلة كانت على علاقة معاه قبل ما تتجوز هو من حارتكم.. وأكيد الواد ده هيبقى من الحارة أو على الأقل حد يعرفه.. عايزينك تساعدنا علشان نوصله..
, ابتسم وائل بسخرية و هتف: كل ده علشان عدي ؟!
, قطب أشرف جبينه بقلق و اقترب منه: وائل.. أنا مش بعرفك قلبك قاسي، أنا عارف اللي حصل ده صعب عليك أنك تشوف والدك بالشكل ده بس.. أنت لازم تتخطى اللي حصل وتحاول تساعد عدي.. هو بالنهاية أبن حارتك..
, تراجع وائل بخطوة للخلف وهتف: أنا مش قاسي، وبنفذ شغلي واللي بيتطلب مني.. دخلت أبويا السجن بإيدي ولا هساعده بعد ما شفت إجرامه.. بس اللي بتطلبوه مني ده صعب أنفذه..
, هارون: خلاص مش محتاجين.. نروح لحارته ونحقق مع الكل..
, وائل: مش لازم، مش هتستفادوا.. أخوه مش هيتبرعله حتى لو لقيتوه.. سواء كانت أنسجتهم متطابقه أو لأ..
, توسعت عيون الجميع بدهشة فيما تمتم تليد بحذر وصوت جامد: أنت تعرفه صح ؟! أو٣ نقطة
, صمت يرمق وائل بنظرات فهمها الآخر وهز رأسه بجمود: أو ممكن أبقى أنا اللي بتدوروا عليه..!!
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
السادس عشر


في اليوم التالي..
, ترجل تليد من سيارته بعدما ركنها ومد يده ليُساعد مسعد في النزول، إلا أنه أبعدها سريعاً بعدما ضربه مسعد هاتفاً: أنا مش مشلول ياض فين عدي أبني ؟!
, تراجع تليد للخلف يستمع لشهقة مسعد وهو يدير عيناه في المكان: هو عدي.. عدي ساكن هنااا؟؟ حبيبي دي الفيلا بتاعته أكيد..
, رفع تليد حاجبيه بخفة فيما سار مسعد يلتفت حوله بعيونه الصغيرة المنبهرة: الكللابب ادوه مرتبه أخيراً صح؟!
, تنهد تليد يبتسم بخفوت وسار بجانبه: أيوه واشترى الفيلا دي.. خش يا مسعد٣ نقطة
, توسعت ابتسامة مسعد بقوة فيما فتحت البوابة الداخلية أمامهم لتعود شهقته للظهور: يااااه بسم **** ماشاء **** توحفااا طول عمره الواد ده ذوقه حلوو زي أبوه..
, توقفت خطواته حالما لمح الصالة المليئة حيث تجمعت العائلة بالكامل لاستقباله، سقطت ابتسامته للحظة بتفكير حتى هتف مشيراً لهم بذهول: كل دول الخدم بتوعنا !؟
, زين: نعم ؟!!
, ابتسم تليد رغماً عنه وتحمحم هاتفاً: خش يا مسعد وهعرفك عليهم..
, ابتسم مسعد أكثر واتجه ليجلس على أريكة بجانب أحدهم ليهتف تليد بهدوء: ده أدهم بيه هوالكبير هنا و..
, قاطعه مسعد مضيقاً عيناه يطالع أدهم بنظرات متفحصة: كبير الخدم ؟!
, زم عمار شفتيه فجأة إلا أنه انفجر ضاحكاً بعد ذلك رغم انزعاجه من كلامه ليصمت سريعاً بعدما لمح نظرات حيدر المهددة له،
, تكلم سيف الجالس بجانب مسعد وهتف فجأة: أيوه كبير الخدم وإحنا كلنا شغالين تحت إشرافه، معاك سيفو أنا إستشاري علاقات إجتماعية، واللي هناك أسمه ميصو صغير الخدم وصغير وكل حاجة..
, رمقه مصطفى بنظرات باردة فيما مسعد ينقل نظراته باتجاهه حتى لمح حمزة فجأة جالساً بجانبه ليهتف بسرعة: مش ده الأفندي اللي جه عندنا الشقة ؟! هو فين أبني عدي..؟
, تنهد حمزة يرفع نظراته لتليد الهادئ: بكرا معاده مع الدكتور، هيغيرله نظام العلاج و الأدوية.. تقدر تاخده ؟
, نفى تليد بهدوء متمتماً: خده أنت..
, التفت نحو مسعد الذي هتف بحدة: هو عدي فيييين مش قولتلي أنه هنا ؟!
, رمقه تليد بهدوء: هييجي يا مسعد بس مش دلوقتي..
, مسعد باستنكار مشيراً جوله: ليه إن شاء **** هيسبني كده قاعد مع الخدم ..؟
, سيف بدهشة: ده عاش الدور..
, التفت تليد نحر زين هاتفاً: زين خده على أوضتك..
, زين: لا بقااا مش كله زين و أما خلاص أتعود عليهم يختفوا، ثم إني عايز أروح لعدي..
, مسعد: و أنا برضو عايز عدي أبني هو فين..
, تنهد تليد يرمقهم بصمت ليهتف أدهم بهدوء: مش مشكلة، هيقعد في أوضة عمار و عمار مع زين..
, زم زين شفتيه بضيق يرمق عمار الذي ابتسم بتوسع يلوح له بخفة ليقترب تليد من مسعد الذي مازال يتسائل عن عدي ملتفتاً حوله في المكان ليجذبه من ذراعه يحثه على النهوض معه ليوصله لغرفة عمار..
, ٦ علامة الإقحام
, أسرع وائل بخطواته حالما وصل إلى الحارة، سار بين طرقاتها بوجه جامد متجاهلاً نظرات الجميع الفضولية نحوه و الذين يريدون معرفة ما حدث بوالده، سهيله، و عدي..
, توقفت خطواته على صوت صرخات يعرفها جيداً، ليهرول سريعاً نحو مصدرها، ضم قبضتيه بحدة و أكمل خطواته يبعد أحد الفتيان عن أحد أخويه ليلكمه بوجهه بقسوة شاتماً بما يعرفه من أفظع الشتائم..
, هتف أخاه يبصق الدماء بحدة: أبن٣ العلامة النجمية ده كلهم ولاد٤ العلامة النجمية أنا مش هسيبهم..
, كاد يتحرك لولا يد وائل التي تمسكت بثيابه والتفت يرمق التوأم الآخر الذي يمسك بين يديه عصا خشبية غليظة كاد يهم بالضرب بها،
, التفت وائل للتجمع حولهم ليصرخ: فيه إيييه هي سينما ؟ الكل على شغله وملكوش دعوة لا بيا ولا بأخواتي..
, هتف أحدهم: إيه اللي حصل يا وائل و عدي مات ولا إيه ؟!
, هتف آخر: أكيد مات أنت شوفته سايح في دمه ؟! أبوك هياخد إعدام ؟! ماهو مجرم و٣ العلامة النجمية طول عمره..
, صرخ أحد التوأمين: أنتوا المجرمييين وال٤ العلامة النجمية ولا فاكر يا أبو سلمى إننا منعرفش سهييلة قعدت عندك كااام ولا الست ال..
, قاطعه أبو سلمى بحقد: ابلع لسانك يابن٤ العلامة النجمية م..
, خرج صوت وائل محتقناً بحدة مهدداً: بقولكم إيه يااض أنت وهو، لو أبويا مجرم ف أنتوا معاه، لو هو٣ العلامة النجمية أنتوا معاه برضو فبلاش نفتح في الدفاتر القديمة وخلونا حلوين..أنتوا فاكريني عدي ولا إيه هستحمل قذارتكم و أسكت ؟! لا يا بابا أنت وهو أنا أبن الحارة دي ميغركوش إني بقيت ظابط وبتاع أنا جايبها من تحت أووي..
, سحب أخاه الآخر ليمسك ثيابه ويجبره على ترك العصا من يده ليهتف بصوت عالي: أي حد هيتجرأ ويمد إيده على حد من أخواتي هقطعهاله.. و أبقوا أسألوا عليا ميين هو الظاابط وااائل أظن اللي شفتوه مبارح ده ولا حااجة قصاد اللي هتشوفوه، أنا حبست أبويا بإيدي، و أي حد بيتطاول عليا ولا على حد من أهلي هوديه ورا الشمس وعلى **** أسمع كلمة من حد فيكم عن اللي حصل لهكون مسود عيشته هو و أهله أنتوا سامعيييين ؟!
, هتف لؤي أخوه الأصغر: وقولهم يبطلوا كلام على سهيلة بيقولوا أن أنت أبنهاا برضو زي الكلب عدوى..
, رمقه وائل بحدة وجز على أسنانه يرفع نظراته الغاضبة يديرها بين الجميع المذهولين من تهديده العلني،
, و ربما ما حدث أمامهم فعلاً قد جعلهم أكثر حذراً، بعدما رأوا كمية الرجال و السلاح واختفاء والد وائل و كأنه لم يكن..
,
, سحب وائل أخويه يجرهم بقوة بعيداً عن ذلك التجمع الذي ازداد ذهولاً و تساؤلاً بلا إجابات، يتجه نحو منزله وعيناه حطت على بقعة الدماء الجافة أمام بابه وقد اختلطت مع الأتربة والطين تُذكره بما حدث أمام عينيه من إجرام والده بعد سنين عانى منها معه من القذارة و الشرب و النكران..
, ٧ علامة الإقحام
, مساءً ..
, عدل تليد ملابسه البيتية أمام مرآة غرفته و أخفض نظراته لهاتفه الذي ينتظر منه أية مكالمة تطمئنه، تنهد يتجه خارج الغرفة، سار باتجاه غرفة هارون يطرق الباب بخفة و يقف منتظراً ..
, فتح الباب أمامه ليظهر هارون الذي بقي صامتاً يطالعه بجمود ليهتف الآخر: هات الولد..
, رمقه هارون بصمت، والتفت يترك الباب مفتوحاً يعود للداخل هاتفاً: خديله الواد..
, تنهدت ريماس تلتفت نحو صغيرها الذي للتو وضعته في سريره، انحنت تحمله بين يديها وتقترب من الباب، أعطته الصغير هامسة: هارون زعلان منك جامد على فكرة..
, تلقف الصغير بين يديه بابتسامة زينت وجهه، ثم رفع نظراته لها يرمقها بهدوء: ابقي خففي عنه مش هو جوزك..
, رمقته ريماس بغيظ: تصدق أنتوا مينفعش الواحد يشفق عليكم ولا يحاول يساعدكم.. تصبح على خير..
, أغلقت الباب بوجهه ليهز كتفيه يحتضن الصغير بين يديه عائداً نحو غرفته، مدده بجانبه على السرير واتكئ على ذراعه يتأمله بابتسامة خافتة تخفف عنه ما يشعر به من هم و قلق..
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي..
, تفاجأ الجميع بتلك السيارات التي اقتحمت الحارة مجدداً، و ذهول على وجوههم مع فزعهم قد بدا جلياً، وقد توجس بعضهم حذراً من وائل من أن يكون قد نفذ تهديده لهم،
, ترجل تليد من سيارته و سار باتجاه تلك القهوة حيث هرول صاحبها ليرحب به وسط تجاهل من تليد الذي هتف لأحد رجاله بخفوت: روح هات وائل من بيته..
, أسرع الرجل لتنفيذ أمره، فيما سحب تليد كرسياً جلس عليه رافعاً كلتا قدميه فوق الطاولة الخشبية أمامه، يدير رأسه في المكان بمعالم وجه غريبة أخافتهم،
, بقي للحظات على نفس وضعيته يحدق بالتجمع الذي يزداد من حوله، ليرمقهم بنظرات باردة كارهة وصوت عدي يهتف في رأسه: دول كلاااب كلهم كلااب دون استثناء،
, ابتسم بجانبية واضعاً قدماً فوق الأخرى و مازال يمدهما فوق الطاولة حتى ترائى له وجه وائل الجامد الذي اقترب منه سريعاً يهتف: تليد باشا..
, رفع تليد نظراته له، أشار بيده بصمت للكرسي أمامه ليجلس وائل عليه يلتفت حوله بقلق،
, هتف تليد رافعاً صوته: مين صاحب القهوة ؟!
, هرول أبو سلمى نحوه: أا أنا يا باشا.. أؤمرني..
, رمق تليد من الأعلى إلى الأسفل بنظرات أرسلت قشعريرة في جسد الآخر الذي هتف بتوتر: خ..خير يا باشا فيه حاجة ؟!
, هتف تليد بهدوء: مين كان صاحب القهوة قبلك ؟!
, توسعت عيون الرجل بصدمة وشحب وجهه متمتماً: ف..قصدك إايه يا باشا أانا صاحبها و..
, تململ تليد في جلسته والتفت لرجاله: ده بيستعبط و أنا مش فايقله..
, اقترب أحد رجاله ليُمسك الرجل من ملابسه من الخلف بشدة حتى كاد يخنقه ليصرخ أبو سلمى: فيه إيييه يا باشااا حضرتكم عايزين إاايه مني؟!
, ابتسم تليد هاتفاً: القهوة دي كانت لميين قبلك ؟!
, ابتلع أبو سلمى ريقه بصعوبة: ك..كانت كانت لمسعد أابو عدي بس بس أنا اشتريتها منه..
, ابتسم تليد بدهشة وهتفت ناظراً لرجاله: حد صدقه ؟!
, الرجال: لأ يا باشا..
, هز تليد كتفيه: رجالتي مش مصدقينك، وصراحة أنا برضو مش مصدقك..
, أبو سلمى: يا باشا ب..
, قطع كلامه عندما شد الرجل على ملابسه أكثر يرفعه للأعى حتى اختنق بكلامه واختفى صوته وهو يتخبط بين يديه يحاول فك نفسه، طالعه تليد للحظات ببرود، و أدار وجهه بين الجمع المذهول والخائف حوله ليهتف بهم: القهوة دي كانت لمسعد ولا لأبو سلمى ؟!
, همهمات خرجت منهم، و أسم مسعد تردد بينهم ليعود تليد يشير للرجل حتى ترك أبو سلمى وسقط الآخر أرضاً بعنف يتنفس بقوة وسرعة،
, هتف تليد بعدما اعتدل بجلسته، انحنى نحوه بلهجة مهددة: استغليت غياب عدي علشان تسرق أبوه وتهينه، استغليت ضعف مسعد علشان تضحك عليه و تسرق القهوة دي بسهولة ومن غير مقابل ؟! أنا دلوقتي هستغل ضعفك وأرجعها لصاحبها، الحق بيرجع لصحابه ولا إيه يا رجالة ؟!
, هتف الرجال مجدداً: أكيد يا باشا..
, ابتسم تليد معتدلاً بجلسته، أشار لأحد الرجال أن يُحضر الورقة التي بحوزنه ليسرع الرجل ويفردها أمامهم على الطاولة،حتى ظهر أخيراً صوت وائل: حضرتك عايز مني إيه يا باشا ؟؟
, رمقه تليد بصمت للحظات حتى هتف: مين اللي كان حاضر لما سرقوا القهوة من مسعد ؟!
, تنهد وائل يرمقه بجمود، ليهتف بعدها: أبويا وصهر أبو سلمى، و التلات رجالة هنا.. و أنا..
, ابتسم تليد ابتسامة غريبة والتفت يشير للرجل: هاته..
, سحب الرجل أبو سلمى من ملابسه وطرحه بقوة فوق الطاولة التي كادت تتكسر ليهتف تليد: إمضي هنا، أو أبصم أيهما أسهل..
, ابتلع ابو سلمى ريقه برعب: يا با..
, عاد الرجل ليمسكه يكاد يخنقه مجدداً ليصرخ ابو سلمى بسرعة يحاول إمساك القلم بيده حتى تركه الرجل، و مد يده بارتجاف ليوقع بدون أن يقرأ المكتوب،
, ابتسم تليد بخفة والتفت حوله: شوفولي اللي قال وائل عليهم، كل واحد فيهم دفعوه اللي يقدر أو ميقدرش عليه، عايزين تعويض عن السنين دي اللي القهوة اتسرقت بيها..
, ابتلع أبو سلمى ريقه يرى تليد ينهض عن جلسته هاتفاً: عشر دقايق وعايز القهوة فاضية..
, أبو سلمى برعب: يا باشاا عشر دقايق إييييه أانا مش هلحق عايز أخد حاجاتي و..
, قاطعه تليد بابتسامة واسعة: تؤ هؤ هو أنا مقولتلكش ؟!
, رمقه أبو سلمى برعب لينحني تليد نحوه يربت على كتفه: أصل اللي أنت مضيت عليه، هو تنازلك عن القهوة بكل مافيها سواء حاجات قديمة أو جديدة ليك أو لمسعد، فبهداوة كده يا حلو تحافظ على كرامتك وتمشي لوحدك بدل ما اديك لرجالتي يخلوك عبرة لكل الكللابب هنا..
, توسعت عيون أبو سلمى برعب وعقد لسانه أمام نظرات تليد الشرسة والذي تابع بابتسامة: أصل الحق حق وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، ولا إيه يا رجالة ؟!
, رجاله: طبعاً يا باشا..
, ابتسم تليد بخفة: هعتبر ده تعويض صغنن على اللي عملته في عدي.. وبيته اللي كنت هتسرقه هسامحك عليه ومش هاخد بيتك كمان، حرام علشان بنتك سلمى متتمرمطش..
, ربت على كتفه مجدداً بقوة آلمت الآخر الذي زاد شحوبه ورعب عيناه، ثم التفت يهتف برجاله: الكل يبعد عن القهوة دي، خمس دقايق ومش عايز حد فيها..
, سار يبتعد عن تلك الطاولة واتجه خارج القهوة نحو سيارته، لتتوقف خطواته حالما استمع لصوت وائل الجامد من خلفه،
, التفت نحوه بجبين معقود يراه يقترب منه بملامح غريبة، لا يدري حسداً أم غيرة، أم ربما عدم استيعاب بكل ما يفعله تليد من أجل عدي..
, تبادلا النظرات لعدة لحظات حتى هتف وائل بجمود: عملت تحاليل النهاردة.. أنسجتنا متطابقة وكل حاجة تمام..
, رفع تليد حاجبيه ولم يستطع السيطرة على ملامح اللهفة التي لاحظها وائل جيداً، ليهتف: بشرط..!
, عاد تليد ليعقد حاجبيه وابتسم بجانبية: أخوك هتنقذه من الموت وبتتشرط على حد ميقربوش في حاجة ؟!
, ابتسم وائل بسخرية جامدة: حضرتك أكتر واحد عارف إن أنا و عدي أبعد ما يكون عن الأخوة..
, رمقه تليد بجمود ليهتف: تعرف من إيمتى أنه أخوك ؟!
, وائل: مش مهم، أعتقد اللي يهمك هو عدي ؟!
, زفر تليد يرمقه بحدة يهتف: شرطك إيه ؟!
, وائل: عايز حقي..
, قطب تليد جبينه للحظة قبل أن يهتف بحدة: ع القليلة خلي صلة الدم بينكم تحنن قلبك.. هتديه كليتك وتدفعه تمنها وهو بيموت ؟!
, وائل: أعتقد ده حقي.. حق أمي و أخواتي لو حصلي حاجة.. كفاية أن..
, قطع كلامه حالما استدار تليد يتجه نحو سيارته، فتح بابها الأمامي و أخرج من داخلها دفتراً صغيراً، انحنى على مقدمتها يكتب به حتى التفت يمد له شيكاً بمبلغ كبير جعل من جمود وائل يزداد أكثر فأكثر،
, ليبتعد عنه يدس الشيك في جيبه: بكرا الصبح بدري هكون هناك..
, التفت بعدها سريعاً بدون أية كلمة أخرى، يتحسس الشيك في جيبه بنظرات حادة رغم محاولة إدعائه الجمود،
, رفع رأسه نحو السماء، حيث أشعة الشمس القاسية التي أنبتت بضع قطرات عرق فوق جبينه، ليزفر بقوة حتى وصل إلى منزله،
, فتح الباب بخفة يرى والدته تُجهز المائدة الصغيرة، أحد أخويه منبطحاً على الأرض يلعب بهاتفه الصغير و الآخر يسمع صوته من الحمام يُغني..
, زفر مجدداً يرمق والدته بتفكير، و غرابة داخله تزداد بقوة،
, لا يدري سبب موافقته على التبرع، رغم خوفه بل رعبه من تلك التجربة، إلا أن ذلك المبلغ المالي ربما يخفف قليلاً من رعبه،
, رعب على أمه و أخويه من بعد حبس والده،
, ربما كان سكيراً قذراً ينتقل من حضن امرأة إلى أخرى، ولكنه كان على الأقل يساهم ولو بشيء قليل من مصاريف المنزل..
, و الآن وبعد حبسه وربما لن يخرج بسنوات طويلة، بات الحمل ثقيلاً عليه، و هو مرعوب من فكرة أن يتركهم وحدهم،
, أهل حارته كلاب تماماً كما كان يقول عدي عنهم، و هو أحد الكللابب منهم، جميعهم تربوا على صفة الأنانية التي عششت بهم، جميعاً غارقون في الوحل يُعايرون من يُفتضح أمره يقذفونه بكل اتهاماتهم الكاذبة حتى يُنظفوا ولو قليلاً من أوحالهم ويتخفّون عن عيون الجميع بذلك،
, تربى على ذلك، وربى أخويه كذلك أيضاً، فلا سبيل أمامهم للنجاة سوى بتلك الشخصيات الأنانية، الحاقدة،
, إلا أنه هو كان قلبه يحن لثلاثة أشخاص فقط، أمه، و أخويه التوأم،
, برغم من شدته معهم، من تربيته لهم على الحقد وعدم السكوت أمام حقهم أو غير حقهم، ولكنه في داخله كان يعدهم ليوم يختفي من بينهم، بعدما حاول تحقيق حلمه بدخول عالم المخابرات ذلك والذي على مايبدو قد برع به أكثر مما كان يتوقع،
, ٧ علامة الإقحام
, منذ الصباح وهو جالس هناك على مقاعد الإنتظار، هارون و زين و عمار بجانبه، حتى حمزة قدم معه ليطمئن على وضع عدي والذي يتم تجهيزه الآن لدخول العمليات..
, زفر بحدة ونهض سريعاً عن جلسته حالما رآهم يُخرجونه على سرير طبي متنقل، اقترب منهم بعيون حذرة و شيء داخله في أعماق قلبه يود لو كان متيقظاً ليُكلمه ويطمئن عليه،
, دق قلبه بتفاجؤ حالما لاحظ تحرك رأسه و أنينه الخافت مد يده سريعاً يمسك يد عدي: عدي ؟!
, هتف الطبيب بجانبه: هو صاحي حالياً..
, ابتسم تليد رغماً عنه يعود ويهتف باسم عدي الذي فتح عيناه المحمرة لتلتقي بنظرات تليد الهادئة،
, تمتم بخفوت وصوت متعب: باشا..
, ابتسم تليد يربت على يده: هتبقى كويس متقلقش..
, جائه صوت عدي الخافت: ع..عايز كلية..
, تليد: متقلقش هتخش دلوقتي يزرعولك كلية وتخرج كويس وترجع زي ماكنت..
, التفت عدي نحوه يثبت نظراته عليه: أانت جبتلي كلية.. يا باشا ؟!
, ابتسم تليد بصمت لتختفي ابتسامته بدهشة حالما هتف عدي: و أانا هجيب تمن الكلية من فين ؟!
, بقي تليد يطالعه بصمت قبل أن يبتسم ببهوت لتفكير الآخر المهموم وهو في عز وجعه: أنا دفعت.. متقلقش..
, تمتم عدي عدة كلمات لم يفهم تليد منها سوى أنه سيُضيف ثمن الكلية إلى قائمة ديونه التي طالت و مازالت تطول،
, اعتدل بوقفته حالما دفعوا سريره بعيداً عنه يُدخلونه إلى غرفة العمليات القريبة، بقي مكانه للحظات حتى تنبه على صوت بكاء من خلفه،
, التفت ليرى وائل جالساً فرق سريره هو الآخر بملابس المستشفى الكاملة، فيما والدته تتمسك بيده ببكاء واضح تقرأ عليه بضع آيات من القرآن وتدعو بصوت باكي خائف،
, أخويه التوأمين يتمسكان به بخوف توضح على وجوههما التي لطالما كانت شرسة قاسية، و لكنهما الآن خسروا والدهما المجرم، ولا طاقة لهما على خسارة وائل أيضاً وهما يستمدان شراستهما وقوتهما منه،
, تنهد وائل برعب يزداد داخله من فكرة عدم خروجه سالماً، و التفت لوالدته يربت على ذراعها ليهتف بتحشرج: يا أمي خلاص إهدي.. المهم تخلي بالك و متنسيش اللي وصيتك بيه..
, رمقته والدته بعيون محمرة وهزت رأسها متذكرة ذلك الشيك الذي خبأته جيداً بين أغراضها بعدما أعطاه لها، و أوصاها أن لا تُخبر أحد عنه حتى التوأمين، و إن حدث له مكروه الآن أو لاحقاً أن تصرف منه على المنزل وعلى أولادها..
, رمقهم تليد بنظرات صامتة، حتى التقت نظراته بنظرات وائل الذي طالعه بجمود ثم أشاح بوجهه عنه واعتدل باستلقائته بعدما اقترب الممرضين يجرون سريره يدخلونه نفس الغرفة التي دخلها عدي قبل لحظات ..
, أغلق الباب أمامهم، وتراجعت أقدام تليد ليجلس على المقعد فيما صوت والدة وائل ارتفع ببكاء مجدداً تزيده ثقلاً وقلقاً..
, التفت نحو هارون الذي جلس بجانبه، بقي صامت للحظات حتى التفت نحوه يبادله النظرات: هيبقى كويس إن شاء ****..
, يقي تليد صامتاً قبل أن يتنهد بثقل: مكنتش عايزه يموت..
, هارون: بس عايزه يعيش بالحرام..
, زفر تليد بحدة ليلتفت هارون نحوه مجدداً مربتاً على ذراعه: متزعلش مني.. أنا شايلك في مكانة كبيرة ومش عايزك تتغير لأي سبب..
, رمقه تليد بصمت للحظات قبل أن يبتسم لكلامه: كنت فاكرك أنت زعلان..
, هارون: كنت..
, زادت ابتسامة تليد والتي ظهرت أكثر راحة عن قبل فيما ابتسم هارون بخفة وبقي صامتاً يتابع خطوات عمار الذي ظهر وجهه حزيناً وهو يتجه نحو عائلة وائل،
, انحنى نحو أحد التوأمين: متقلقش هيبقى كويس هي كلها كلية..
, رفع لؤي رأسه نحوه بحدة: وأنت ماالك مين أنت أصلاً..
, قطب عمار جبينه والتفت لوالدة وائل التي تبكي ليزم شفتيه بحزن عليها هاتفاً: أنا جاي واسيكم..
, نهض لؤي عن جلسته: مش عايزين مواساة من أي حد ليه علاقة بعدي الكلب، أخويا هيمووت بسببه و..
, قاطعه زين الذي اقترب منهم بغضب: في إاييه ياض ماتحترم نفسك يا مفعوص أنت أخوك واخد تمن الكلية على فكرة..
, اقترب وليد التوأم الآخر ليهتف: أمشوا من هنا..
, زين: أنت شايفنا قاتلين نفسنا عليكم.. بس الحق على عمورة هو وقلبه الطيب..
, اندفع لؤي نحو زين يدفعه بقوة ليهتف زين: يا بن٣ العلامة النجمية
, صرخت والدة وائل: كفاااية.. لؤوي..
, اقترب هارون منهم سريعاً يسحب زين من ذراعه بقوة: أسفين يا هانم..
, زين: أنت بتعتذر لييه وهانم إييه أن..
, قاطعه هارون الذي ضغط على ذراعه بقوة آلمته: أقسم ب**** لو مخرستش خالص هفرج عليك المشفى كلها..
, دفعه نحو المقعد بجانب تليد ليهتف زين بحدة وذهول: بقا كده يا هارون بتحط الحق عليا .. كله من بليد هو اللي خلاك متعصب كده وبتفش خلقك فيا أنا..
, زفر هارون بحدة والتفت نحو عمار الذي أسرع ليجلس بجانب زين والذي زم شفتيه يمسح ذراعه بضيق من مسكة هارون القاسية،
, التفت هارون نحو عائلة وائل وتنهد بضيق لا يدري لما يُشفق عليهم وهو يراهم بهذا الشكل المزري،
, ٦ علامة الإقحام
, كانت ساعات خانقة أثارت رعبهم حتى ظهر سرير عدي من داخل الغرفة يحيطه الممرضون من كل جانب فيما الطبيب يهتف: لو سمحتوا محدش يقرب، هيقعد في العزل كام يوم لحد ما نتأكد من استقبال جسمه للعضو الجديد ونتطمن عليه من أي مضاعفات..
, تليد: يعني هو كويس ؟!
, الطبيب: مبدأياً أه إن شاء **** الساعات اللي جاية هنتطمن أكتر..
, تنهد تليد بحدة يتابع سرير عدي الذي أدخلوه لإحدى الغرف، بقي مكانه للحظات حتى استمع لصوت بكاء قريب والدة وائل وهي تهتف بصدمة: يعني إايييه ؟! أابني مااله حصله إيه !؟
, قطب جبينه يقترب منهم بخطوات بطيئة وصوت الطبيب تسلل لسمعه: حصل معاه مضاعفات و النزيف سيطرنا عليه لكن في احتمال كبير يحصل معاه مضاعفات تانية،
, تمتم تليد بحدر حالما وصل إليهم: وهيحصله إايه ؟!
, الطبيب: هيقعد في العناية حالياً وضعه مش مستقر زي ما قولنا وفي أي لحظة ممكن يرجع النزيف تاني.. دي حاجات بتحصل لكنها للأسف ساعات بتبقى خطرة..
, انحنت والدة وائل لتجلس أرضاً بعدما وهنت قدماها وزاد بكائها أكثر تخفي وجهها بنحيب: كان حاسس.. هو كان حاااسس..
, رمقها تليد بنظرات باهتة فيما أخويّ وائل جلسا بجانبها ببكاء ورعب ظهر على ملامحهم،
, ابتلع تليد ريقه يرمقهم بنظرات غريبة، و أقدامه تراجعت للخلف يلتفت نحو هارون الذي اقترب منه بقلق من هيئته،
, حاوطه بذراعه بقلق: تليد في إيه ماله وائل؟!
, أغمض تليد عيناه لوهلة محاولاً الحفاظ على ثباته قبل أن يهتف بهدوء: وائل.. وضعه خطر..
, توسعت عيون هارون بصدمة والتفت لعائلة وائل المنهارين أرضاً، ليعود ويحدق بتليد الذي أخفض رأسه أرضاً بصمت و جمود بدأ يحتل ملامحه،
, تنهد هاون بحدة يعلم بشعور تليد الآن، بشعور الذنب أو ربما الندم ليهتف به: مش أنت اللي أجبرته.. هو قرر يتبرع بإرادته و أنت أديته حقه وزيادة..
, بقي تليد صامتاً للحظات طويلة حتى زفر هارون يسحبه من ذراعه يلتفت كل لحظة نحو تلك العائلة المنهارة ليتنهد بضيق مما يحدث والتفت نحو زين الذي يقف قريباً منهم بتوتر فيما عمار يجلس خلفه بدموع ملأت عيناه..
, هتف بهدوء: زين شوف حمزة فين.. خليه يجي يتطمن على وائل مينفعش نسيبهم كده..
, أومأ زين سريعاً يخرج هاتفه ليتصل بحمزة فيما تنهد هارون يلتفت نحو تليد الذي سار بعيداً عنهم يُخرج سيجاره من جيبه بجبين مقطب وملامح جامدة..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
السابع عشر


بعد أيام قليلة..
, فتح تليد باب غرفته، يحمل الصغير بين يديه يطالعه بابتسامة متحمسة رغماً عنه، سار نحو غرفة هارون يطرق الباب عدة مرات يعلم بأنه نائم ليزيد في طرقه حتى استمع لصرخته من الداخل..
, بقي مكانه أمام الباب يستمع لخطوات الآخر تقترب منه، ليُفتح ويظهر أمامه بوجه متجهم مهدد إلا أن تليد لم يأبه، وسرعان ما حمل الصغير من كلا جانبيه، يرفعه بوجهه هاتفاً و كأنه يُفاجؤه: هاروون بص عملت إيه ؟!
, رمش هارون بعيونه الناعسة، وفركها عدة مرات يطالع صغيره ذو الخدود المنتفخة والذي يحرك يديه باتجاهه، ابتسم فجأة وتحولت ابتسامته لضحكة أخفت عبوس وجهه وغضبه،
, ثم تخصر يهتف بابتسامة: إيه يا عم اللي عامله في أبني ده ؟!
, ابتسم تليد و أخفض نظراته للصغير والذي بدا جميلاً ولطيفاً بخصلاته القصيرة التي حاوطتها شكلة شعر كبيرة على شكل فراشة بلون وردي غامق ..
, احتضنه بخفة مبتسماً: هارون أنا قررت لو جبت ولاد بس من غير بنات، هخلي أبني يشذّ ويحب تلودة ..
, اختفت ابتسامة هارون فجأة وهتف: أنت هتربي أبني على مساوئ الأخلاااق،
, أومأ تليد بخفة: إلا في حال لو جبت بنت، لكن احتياطاً يعني وفرضاً لو جبت ولاد بس، هختارله منهم واحد حلو وظريف علشان يغري تلودة و يحبوا بعض ..
, زفر هارون بحدة ليهتف بعدها ناظراً لولده، ورغم لطافته في تلك الهيئة إلا أنه هتف: شيل البتاعة دي من شعره، أبني راجل أبن راجل ولو فضلت كده يا تليد أنا هحرمك منه ..
, رمقه تليد باستخفاف و التفت بعيداً عنه بوجه مصمم هاتفاً: أوك، نشوف كلمة مين اللي هتمشي ..
, هارون: هتمشي كلمتك في الحرااام..؟
, تليد: إلا في حال لو جبت بنت .. وخش بقا يلا مراتك نايمة ومش متغطية كويس ..
, توسعت عيون هارون يلتفت للخلف إلا أنه وجد السرير فارغاً بعدما ذهبت ريماس منذ الصباح الباكر لعملها، ليزفر بغيظ يكاد يغلق الباب ويعود لنومه قبل أن يلمح خروج مسعد من غرفة عمار القريبة ..
, ابتسم له يقترب منه بخفة: عامل إيه يا مسعد ..؟
, رفع مسعد نظراته له، مضيقاً عيناه الصغيرتان ويده ارتفعت لتعدل تلك النظارة التي أجبروه جميعاً على ارتدائها بعدما ضعُف بصره أكثر، ليبتسم له: الحمد**** كويس و أنت أخبارك إيه يا أدهم ؟!
, اختفت ابتسامة هارون وتمتم: أنتو مصرين تعصبووني لييه، أنا هارون يا مسعد مش أدهم ..
, مسعد: **** بجد، أمال أنا شايفك أدهم ليه؟؟ استنى كده..
, ركز نظارته فوق عينيه الضيقة ليزفر هارون يُلوح أمام وجهه: قولي اللي أنت عايزه خلاص، المهم أنزل علشان الفطار كمان شوية ..
, ابتسم مسعد له وهز رأسه: هو عدي هييجي النهاردة ؟!
, طالعه هارون بصمت فيما تابع مسعد: يا حبيبي وحشني، تليد قالي أنهم بعتوه في مهمة سرية عشان أبني جدع ومفيش زيه في البلد دي،
, تنهد يبتسم بفخر: طول عمري حاسس أن هييجي من صلبي راجل ينقذ البلد دي من الضياع و يخرجها من الظلمات إلى النور، حبيبي يا عدي..
, زفر هارون بضيق يطالعه بشفقة وهتف مربتاً على كتفه: مش هيتأخر أكيد، المهم أنت تخلي بالك من صحتك كويس، مش النهاردة معادك مع الدكتور !؟
, مسعد بحذر: دكتور إيه ؟!
, رمقه هارون بغيظ للحظة و التفت بعدها يعود لغرفته يصفع الباب خلفه بقوة ..
, ٦ علامة الإقحام
, وقف تليد بين عدد من رجاله، يتكئ على جدار قريب وبيده سيجاره الذي كاد ينطفئ بعدما نسيه بين أصابعه، وهو ينتظر خروج الطبيب من غرفة عدي المحجوز بها منذ عدة أيام..
, التفت يطالع اقتراب أشرف منه والذي هتف: خير عدي فاق ؟!
, أومأ تليد بصمت ليتنهد أشرف ناظراً: كنت عند وائل بتطمن عليه، لسه في العناية ..
, تغيرت نظرات تليد يبادله النظر فيما تابع أشرف: مامته تعبت و حجزتلها أوضة هنا، أخواته مش بيسيبوا المشفى إلا واحد منهم سمعت أنه راح ع البيت يجيب كام حاجة ليهم ..
, همهم تليد بصمت للحظات قبل أن يهتف: عارف، أنا سايب رجالتي معاهم..
, طالعه أشرف بتمعن: بس المفروض تروح بنفسك تطمن عليه، يعني ده مهما كان هيبقى زميل لينا ..
, بقي تليد على صمته، ليزفر أشرف ويقف بجانبه منتظراً، ليقطب جبينه بعد لحظات محدقاً بأحد رجال تليد يهرول نحوهم ..
, اعتدل تليد بوقفته بعدما تعرف عليه بأنه أحد الرجال الذين تركهم قرب غرفة وائل، ليهتف الرجل سريعاً: باشا في حاجة حصلت..
, تليد: وائل كويس ؟!
, أومأ الرجل: أيوه يا باشا متقلقش، بس أخوه اللي أسمه وليد جبناه هنا ومتعور في دماغه،
, عقد تليد حاحببه يرمي سيجاره أرضاً ويهز رأسه باستفهام ليهتف الرجل: القهوة اتحرقت يا باشا، الحريق بفعل فاعل، و وليد كان هناك وتخانق معاهم بس مش عارفين السبب..
,
, احتدت نظرات تليد للحظة وهتف وهو يسير في الرواق: أبو سلمى..
, لاحقه الرجل فيما أشرف يتبعهم: شكينا فيه يا باشا وهو عندنا دلوقتي..
, همهم تليد بخفوت وتابع سيره حتى وصل لغرفة وائل، ليلمح جلوس أخويه على مقاعد الإنتظار أمامها، أحدهم برأس مضمد و ملابسه ملطخة بالدماء الطازجة والسواد إثر دخان الحريق..
, اقترب منهم سريعاً ينقل نظراته لرجاله حولهم ليهتف بعدها محدقاً بهم: إيه اللي حصل ؟!
, رفع وليد نظراته نحوه ليظهر وجهه المكدوم بآثار أظافر دامية فوقه، فيما نهض لؤي من جانبه يصرخ بهم: إيييه اللي جااابكم هناا عايزين مننا إيييه ؟! مش كفاية أخونا خدتووه ورميتوه في العناية مش عااايزين شفقتكم و أنتوا السبب بكل حاااجة أصلاً ..
, طالعه تليد بنظرات هادئة استفزته، يتأمل ملامحه الأكثر شراسة من توأمه، و كأنه نسخة وائل المصغرة في نظراته، حركاته، و كلامه، إلا أن دموع عيناه الضعيفة كانت الفارق بينهم،
, ليهتف أشرف بهدوء: إحنا جينا نتطمن عليكم، وليد مين اللي ضربك ؟!
, أخفض وليد رأسه بضيق وتمتم: ملكوش دعوة ..
, رمقهم تليد بهدوء للحظة قبل أن يهتف: القهوة اتحرقت واللي حرقها أبو سلمى صاحبها القديم، بينتقم علشان رجعت لصاحبها الحقيقي، و أنت بقا اللي جدع وتدخلت بينهم..
, احتدت ملامح لؤي أكثر وهتف بحدة: ملكش دعوة بينااا رووح لعدي بتاعك اللي سرق حياة وصحة أخويا٣ نقطة
, تليد: تؤ مش سرقة، دافعين فلوس قد كده ..
, أشرف: تليد مش كده ..
, دمعت عيون لؤي بقهر وغيظ يبادل تليد النظرات بغضب واضح، إلا أن تليد تجاهله وانحنى قليلاً يحدث وليد: هعرف حصل إيه في الحارة وأجبلك حقك..
, لؤي: مش عااايزين منك حااااجة.. حرمتونا من أبونا و أخونا، و أمنا تعبت بسببكم وبعد كل ده جايين تطمنووا ؟! هاتولنا حقنا منكم أنتوا الأول..
, رمقه تليد بهدوء للحظات، قبل أن يتمتم متجاهلاً كلامه: صدقة لوجه ****، مش لسواد عينيك يا حلو..
, وليد: أمشوا من هناا إحنا مش ناقصينكم..
, هز تليد كتفيه بخفة، مخرجاً سيجاراً فاخراً من جيبه، التفت يحدق بلؤي الذي يطالعه بغضب ليمد السيجار نحوه: تشرب ؟!
, أشاح بؤي بوجهه عنه، وجلس بجانب توأمه ليرفع تليد نظراته لرجاله مشيراً لهم بالبقاء مكانهم، ثم التفت عائداً لغرفة عدي يلاحقه أشرف بتنهد ..
, ٦ علامة الإقحام
, ابتسم تليد بخفة يطالع عدي المستلقي بضعف فوق سرير المستشفى، بجانبه إحدى الممرضات تقف قرب الطبيب الذي يتأكد من مؤشراته الحيوية ثم ربت على كتفه: الحمد**** ع سلامتك يا بطل.. عدت على خير الحمد**** ..
, عدي: **** يسلمك يا دكتور، هو أانا هخرج من هنا إيمتى ينفع أخرج النهاردة ؟!
, الدكتور: النهاردة إيه بس لا أنت هتشرفنا أسبوع كمان على أقل تقدير، ولا زهقت مننا بالسرعة دي..
, عدي: لا و**** مش القصة بس٣ نقطة لا هو زهقت أه بس مش ده السبب أصل أنا سايب أبويا لوحده و هو مريض..
, زادت ابتسامة تليد يقترب منه، ليقف من الناحية الأخرى للسرير وحالما لمحه عدي حتى لمعت عيناه بغرابة و كأنه تأكد الآن من نجاته و عودته للحياة فعلاً..
, أشار تليد للطبيب بالخروج، وما إن فرغت الغرفة حتى حدق بعدي يربت على يده بخفة: الحمد**** ع السلامة..
, ابتسم عدي هاتفاً بقلق: **** يسلمك يا باشا، هو أابويا كويس ؟!
, تليد: متخافش.. جبته عندنا في الفيلا وبدأ علاجه مع دكتور شاطر، كام يوم وهتخرج تشوفه وتطمن عليه..
, ابتسم عدي بعيون دامعة وهتف بامتنان واضح: الحمد**** يارب، و **** يا تليد أانا مكسوف منك أوي مش عارف أردلك إزاي جمايلك عليا دي كلها، بس **** يقدرني و يدوني مرتبي وس..
, تليد: يادي المرتب اللي هيوفي ديون عليك قد كده، مش هيدهولك أنت مرتبك متوقف شهرين وبعد كل اللي حصل ده هيوقفوه العمر كله..
, عبست ملامح عدي سريعاً إلا أن ابتسامة تليد المرتاحة عادت لوجهه: المهم أنك كويس، و بالنسبة للديون أنا مسامحك في كل حاجة..
, عدي: لا يا باشا لا أنا مقبلش الحق حق.. ألا يا باشا هو أنا خلاص بقا عندي كلية جديدة وزي الفل صح ؟!
, ابتسم تليد بشرود للحظة ثم هز رأسه: أها متقلقش أنت بقيت كويس خلاص ..
, تنهد عدي يرفع يده متلمساً خصره بعدما بدأ يشعر بوخز ألم به، ثم عاد يهتف: هو أنت جبت الكلية من فين ؟؟ الدكتور قال في حد تبرع جبته من فين بسرعة كده ؟!
, طالعه تليد بنظرات صامتة ليقطب عدي جبينه بقلق: في إيه يا تليد أوعي يكون أبويا مش كويس و أنت..
, قاطعه تليد بهدوء: باباك كويس مش بكدب عليك ..
, عدي بقلق أكبر: أمال ؟!
, بقي تليد يطالعه بنفس النظرات، و التي تزداد عمقاً، مُخفياً حيرته وقلقه داخله،
, لا يدري كيف يخبره، بأن أمنيته التي عاش عمراً ينتظر تحقيقيها المستحيل، قد حُققت أخيراً ولكن بما يكرهه،
, و الأصعب أن يخبره بأن أمنيته تلك تصارع الموت الآن في إحدى الغرف القريبة، حتى لو كانت في سبيل الأموال والثراء..
, شيء ما يمنعه من الكلام، قلقاً ربما و رفضاً لرؤية ملامح عدي عندما يعلم،
, تنهد يحدق بوجه عدي الجزع وهو يناديه عدة مرات، ليُربت على كتفه بخفة متمتماً: أنت ارتاح دلوقتي وبعدين هتعرف كل حاجة..
, تراجع يلتفت متجهاً خارج الغرفة، تلاحقه عيون عدي القلقة حتى أغلق الباب خلفه يتنهد بثقل، ربما يتمنى لو لم يكن ما حدث صحيحاً، لو لم تتحقق أمنية عدي بذلك الشكل، لو أنه بقي كما هو، لكان أهون عليه هو تحديداً من أن يبحث عن مقدمة مناسبة وطريقة لإخباره،
, على غير عادته، يظهر تردده الآن، قلقه وخوفه عليه، شيء ما في عمق قلبه ينمو كل يوم أكثر، شيء يزداد غرابة في كل موقف، وكل حدث، يزيده شعوراً قوياً بأنه عليه البقاء بجانبه، حمايته، و التخفيف عنه..
, ٦ علامة الإقحام
, مساءً..
, فتح عدي عيناه يرمش بهما بثقل مستشعراً دخول أحدهم لغرفته الشبه مظلمة، كاد يعود للنوم مجدداً لولا صوت خطوات الأقدام التي تقترب منه بحذر،
, ابتلع ريقه يفتح عيناه مجدداً ليرفع حاجبيه حالما رأى وجه لؤي يُطل عليه بنظرات غريبة، حاقدة..
, قطب جبينه بحدة وتمتم بصوت ضعيف: أانت.. إايه اللي جابك هناا..؟
, عاد يرمش عدة مرات يتأكد من أن ما يراه صحيحاً، ليزداد انعقاد حاجبيه بدهشة وغرابة: أنت جيت هنا إزااي ؟؟
, هتف لؤي بحدة: مش عارف صح؟! بعد كل اللي عملته مش عاارف إحنا هنا ليه..؟
, اقترب منه أكثر، بعيون محمرة غاضبة، كارهة لنجاة عدي فيما وائل مستكين هناك بلا أية إشارة لنجاته..
, هتف بعدما اقترب منه أكثر: إحنا هنااا بسببك.. وحياتك دي بفضلنا وفضل أخويااا..
, ضاقت عيون عدي بحدة، فيما تابع لؤي بقهر: أخويا بيموت بسببك.. عشان حضرتك تعيييش، أنت ملكش حد زيه، بس هو سابنا إحنا و أمي و أخويااا واداك كليته علشان تعيييش..
, تراجع للخلف بغضب: تعيش لييه وهو يموت ونخسره.. كان أنت لازم تكون مكااانه مش هو..
, تسارعت أنفاس عدي بعدم فهم وعيونه مهتزة تزيغ في أرجاء الغرفة، والتي زادت ظلاماً عليه أكثر،
, راقب تراجع لؤي للخلف، ليحاول النهوض رغم آهات الألم التي تفلتت منه، و أفاقت لؤي من سكرة رعبه و حقده، ليزداد تراجعه أكثر مراقباً عدي وهو يتحرك مكانه بتيه، متمتماً بلهاث: أاستنى.. أانت قصدك إيه؟!
, بلل لؤي شفته يبتلع ريقه بارتباك رغم حدة عينيه ليهتف: قال يعني أنت مش عارف أن أمك ال٤ العلامة النجمية طلعت أم أخويا وائل كمان ؟!
, توقفت حركات عدي لوهلة يطالعه بوجه خالي من التعابير، ربما لم يجد تعبيراً مناسباً يُظهره، دار عيناه في المكان يتأكد من أنه مستيقظ فعلاً، و عاد يطالع لؤي الذي رمقه بغضب و اتهام لا ذنب له به، عادت حركات عدي مجدداً أقوى من سابقتها، وهيئة تليد الغريبة لهذا اليوم بدأت تترائى أمام عينيه،
, نزع إبرة المحلول المعلقة بيده، وضغط على جرحه بقوة يحثه على الصمود، أقدامه مرتجفة تزداد تحركاً وهو يلاحظ ابتعاد لؤي عنه،
, ليهتف بحدة و اهتزاز: أاستنى هنا.. استنى يا كلب أستنااا.. اانت بتقول إاييه..؟!
, طالعه لؤي بعدما التصق بباب الغرفة: أمك سهيلة هي أم وائل كمان.. أمك ال٣ العلامة النجمية الوسخة.. وائل ملوش دعوة بيها ولا ليه دعوة بيك.. هو أخونا إحنا و أمنا هي أمه.. و بسببك هو بيمووت..
, شهق حالما فُتح الباب من خلفه، ودخل رجلين من رجال تليد ليجذبه أحدهم من ذراعه بقوة فيتعالى صراخة: أنتوا عايزين إييه سيبووني..
, علَى صوت عدي بعدما نهض عن سريره، صوت متألم غاضب: سيبووه.. خليك هناا ع..عايز أفهمم..
, حاول الإقتراب منه، قبل أن ينحني بألم غزى كامل جسده، لينهار أرضاً على ركبتيه يتنفس بصعوبة أنفاس تزيده وجعاً،
, يحاول إخراج الكلام إلا أنه فشل، و صوت صراخ لؤي وشتائمه الفظيعة بدأت تنهال على الجميع حتى اقترب وليد منه يحاول إبعاد الرجال عنه يشاركه الصراخ والشتائم..
, ضوء الغرفة أُنير فجأة، أقدام سريعة اقتربت منه وهو يحدق أرضاً بألم وعرق بلل جبينه الحار، حاوطته ذراعي تليد هامساً باسمه: عدي.. قوم معايا..
, أغمض عدي عيناه بارجاف، حاول الإبتعاد عنه إلا أن جسده تثاقل بين يديه، ليخرج أنينه فجأة، أنين بكاء و وجع..
, راقبه تليد بعيون غريبة، و صوت أنينه الموجع تسلل لعُمق قلبه، مثيراً هناك رعشة قاسية، ضغط على جسده بين يديه، ونهض يرفع جسده فجأة يعيده لسريره بعدما استسلم الآخر بلا إرادة..
, وقف فوق رأسه، و الآخر يشيح بوجهه عنه، غائباً عن الدنيا، صوت أنين بكائه يتعالى، ارتجاف شفتيه ازداد ليعض على إحداها بقوة يُجبر نفسه على الصمت..
, مد تليد يده بمنديل ناعم يمسح عرق جبينه الواضح ليمسح معها دموع الآخر التي انهمرت بصمت تام.. و وجع احتل تفاصيله..
, فتح فمه يكاد يتكلم إلا أنه لم يستطع، والتفت للدكتور الذي دخل الغرفة بسرعة يرافقه عدد من الممرضين، وشرع في فحصه و الإطمئنان عليه، ليختفي صوت عدي الباكي، و يتحول لأنفاس غير منتظمة، بدأت تخفت شيئاً فشيئاً تنتظم ليغوص أخيراً في نوم عميق..
, ٦ علامة الإقحام
, اليوم التالي..
, التفت تليد نحو سرير عدي، بعدما كان يقف مراقباً الخارج عبر نافذة الغرفة،
, راقب ملامح المتعبة، احمرار جفنيه بعدما بكى طويلاً في غيابه،
, منذ استيقاظه لم يتكلم مع أي أحد، يحدق في السقف طويلاً، ثم يعود ويغوص في النوم بعدما زاده جرحه وجعاً وضعفاً..
, تنهد بضيق واضح، واقترب منه هاتفاً: لو عايز تعرف كل حاجة يبقى تقوى وتقوم على رجليك الأول.. ضعفك ده هيئذيك..
, صمت مطالعاً ملامح عدي التي لم تتحرك ولم تتغير، و عيناه مازالت مغمضة رغم علمه بأنه سمعه،
, لا يدري بماذا يفكر في صمته ذاك، يلومه أم يلوم حظه العاثر، أم أن تفكيره بعيد كل البعد عن اللوم.. واستسلامه ذلك سلاحاً يواجه به جميع صدماته القادمة..
, بقي للحظات يحدق به، وسط أفكار كثيرة تتقافز داخله، ليلتفت بلا أي كلمة، يخرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه،
, ليفتح عدي عيناه مطالعاً السقف بنفس الملامح الجامدة، يعيد ويكرر كلمات لؤي في الليلة الفائتة، عله يجد منها ثغرة تُنجيه..
, قطب جبينه بضيق حالما فُتح الباب مجدداً، استمع لخطوات أقدام تليد ليعود ويغمض عيناه و كأنه يخبره بأن لا طاقة له بالكلام حتى،
, إلا أن صوت الأقدام ازداد عليه، يحثه على النظر نحوه، ليرفع حاجباه كأول تعبير له لهذا اليوم، مشاهداً وقوف والدة وائل بجانب تليد تطالعه بنفس نظراتها العادية، والتي لطالما طالعته بها..
, ابتلع ريقه ينقل نظراته نحو تليد، الذي قرب كرسياً من السرير: أتفضلي ..
, تنهدت والدة وائل تقترب لتجلس عليه، عادت ترفع نظراتها لعدي وابتسمت بدموع متذكرة بأنه الآن حياً بفضل ****، ثم بفضل ولدها الذي تكاد تفقده..
, همست له بخفوت: الحمد**** ع السلامة..
, بقي عدي محدقاً بها، بنظرات غريبة، قبل أن يجيبها بحيادية: **** يسلمك..
, صمتت هي تبعد عيناها عنه، والتفتت تطالع تليد الذي سحب كرسياً آخر، ليجلس بجانب السرير من الناحية الأخرى، يحدق بعدي: مامة وائل مستعدة تحكيلك اللي تعرفه.. عايز تسمعها ؟!
, قطب عدي جبينه يضغط على قبضتيه بضعف، ابتلع ريقه يلتفت لأم وائل التي هتفت بهدوء: تليد باشا طلب مني أجي، لولا كده مكنتش جيت.. أنا مستنية أبني يفوق بس..
, زاد انعقاد حاجبي عدي.. غضب أو ربما ألم احتل مشاعره وهو يستمع لكلماتها، و يتذكر وجود وئل في العناية بسببه..
, تنفس بحدة يحاول الإعتدال بجلسته ليساعده تليد بخفة يلتفت لوالدة وائل: اتكلمي..
, زفرت الأخرى تبعد نظراتها عنهم، و كأن ما ستقوله لا يعجبها، يؤلمها، ويثير داخلها غضباً، ومرارة..
, تمتمت بخفوت: سهيلة كانت بنت حارتي وتقريباً صاحبتي في أيام إعدادي.. أبوها توفى في حادثة، ومامتها كانت مريضة وماتت بعديه بسنة، ساعتها هي سابت المدرسة، وكانت عايشة مع أخوها الكبير..
, بقي عدي يطالعها بصمت وجمود، و كأنها تقول كلاماً لا يعنيه لتكمل: هي.. كان ليها حركات مش حلوة وده خلاني أبعد عنها أهلي رفضوا أفضل مصحباها، وحركاتها دي بدأت تزيد وسمعتها في الحارة تزيد، كانت حلوة وجميلة كانت أجمل بنت وده خلاها تغتر، وسببلها برضو مشاكل كتير مع أخوها.. أخوها كان راجل جدع.. كان قاسي عليها وصعب بسبب اللي بيسمعه.. دخل بمشاكل كتير بسببها وآخر مشكلة دخلته السجن بعد ما كان هيقتل واحد من اللي بيعاكسوها وبتكلمهم..
, تنهدت بضيق تحدق بعدي بطرف عيناها لتكمل: اتحبس أكتر من سنة، خلال السنة دي أنا تجوزت أبو وائل، بس.. لاحظت عليه حركات مش كويسة برضو، واكتشفت أنه.. بيروحلها البيت بعد مابقت عايشة لوحدها وحرة..
, ابتلعت ريقها بعيون دامعة: سمعتها بقت وحشة.. و.. أبو وائل كان يغيب عن البيت كتير.. لحد م..ما جابها عندنا في يوم و قعدها معانا.. أنا تخانقت معاه وهو ضربني وهددني لو فتحت بؤي بحرف.. اكتشفت أانها طلعت حامل ومش عايزين حد يعرف ويوصل الخبر لأخوها..
, رفعت نظراتها نحوه لترى دموع عينيه المحمرة: كانت في شهرها التالت.. فضلت الشهور الباقية عندنا و.. ولدت في السابع..
, ابتسمت بألم: جابت وائل..
, أشاح عدي بوجهه عنها يأخذ نفساً مؤلماً لتهتف: بعد كام يوم بس، سمعت أن أخوها هيخرج من السجن.. من خوفها سابت كل حاجة ورجعت بيتها طبيعي.. والولد فضل عندنا.. أبو وائل أخدني لبيت أخته اللي كانت في حارة تانية.. أجبرني أقعد هناك شهور مع الواد، لحد ما رجعني على أساس أن الولد أبني و ولدت وأنا هناك..
, زفر تمسح دموعها وهتفت: رجعت وعرفت أنها تجوزت باباك مسعد، اللي كان بيحبها من أما كانت صغيرة.. هي كانت بتضحك عليه، بتستغله دايماً، وفي الآخر ملاقتش حد تداري فضيحتها بيه غير مسعد، كانت عارفة أنه بيحبها وبيموت فيها ومش هيفضحها.. ومنه تخلص من حكم أخوها اللي كان على وشك يجوزها لحد من معارفه.. ولو عرف بعملتها مش بعيد يدبحها..
, صمتت للحظات قبل أن ترفع نظراتها لهم: أظن كده عرفتوا كل حاجة.. أو أنا حكيتلكم اللي أنا عارفاه.. بس وائل أبني.. أنا اللي ربيته واهتميت بيه.. وربنا رزقني بلؤي و وليد بعد سنين من جوازي.. دول كانوا ثواب اهتمامي بوائل.. و أنا مش ندمانة، لو كانت هي قادرة تسيب عيالها عادي ف أنا لأ..
, عيون تليد كانت متعلقة بعدي، الذي يغمض عيناه بقوة إلا أن اهتزاز جفنيه كان واضحاً، ليتتهد ناظراً لها: كانت بتجيله دايماً بعد ما هربت من مسعد صح ؟!
, أومأت برأيها: أبوه.. بس مكناش نقرب منها ولا نكلمها..
, ابتسمت ساخرة بمرارة: أبو وائل كان كفاية عليها..
, تنهد تليد مجدداً، وهز رأسه هاتفاً: وائل عرف إزاي؟!
, زفرت بضيق هاتفة: سمعنا بنتكلم أنا و أبوه من مدة بسيطة، أنا وقتها سمعت باباه بيكلم سهيلة ومقدرتش أسكت..
, هز تليد رأسه بصمت، لينهض بعدها هاتفاً: أتفضلي معايا..
, نهضت سريعاً عن كرسيها، تراه يفتح الباب ويخرج ببطء، كادت تتبعه لولا أن ترددها أعادها لتحدق بعدي وتقترب منه متمتمة: أنت مش ذنبك باللي عملته أمك.. ولا ذنب وائل ولا ذنبي باللي عمله جوزي..
, ارتجف صوتها متمتمة: أادعي أن وائل يصحى ويبقى كويس، وساعتها أعملوا اللي أنتوا عاوزينه..
, ابتلعت ريقها بصعوبة، والتفتت تخرج من الغرفة سريعاً، لتخرج عندها دموع عدي يرفع ذراعه بضعف يغطي وجهه و شهقاته المتألمة من وجع قلبه، طغت على شهقات ألمه من جرح جسده العميق..
, ٦ علامة الإقحام
, بعد مدة..
, رفع هارون رأسه يلاحق زين الذي يسير أمامهم منذ مدة، فيما عيناه تحدق بأخوي وائل يبادلهما النظرات الغاضبة..
, تنهد يلتفت لتليد الجالس بجانبه وكاد يتكلم قبل أن يهتف زين: هو مفاقش لسه؟!
, رمقه تليد بهدوء: لأ.. ولو فاق مش هتشوفه ..
, زين بسخرية: حبيبي المسيطر قال يعني كده أنا هقولك سمعاً وطاعة، لا يا قلبي عدي حالياً محتاجني أنااا..
, رمقه تليد باستنكار ليهز زين رأسه ضارباً صدره: أهاا زي مابقولك٣ نقطة أنااا عارف بيتصرفوا إزاي في الحالات اللي زي دي، ما أنا برضو تعرضت لصدمات زيه، و أولها أنت..!
, أشار نحوه بإصبعه بطريقة مستفزة تُغيظ تليد إلا أنه لا يخبره بذلك لئلا يستخدمها ضده دائماً، فيما تنهد هارون: مش وقتك يا زين.. أنت اهتم بس بنظراتك الحارقة للعيال دي وسيب عدي فحاله..
, تنبه زين سريعاً، والتفت يحدق بأخوي وائل في آخر الرواق، ليعبس بوجوههم بحدة يبادلانه هما النظرات بغضب..
, لاعب حاجبيه باستفزاز لتتسع ابتسامته حالما نهض لؤي بغضب و كأنه سيهجم عليه، إلا أن صوت والدته منعه من ذلك..
, ليهز رأسه هاتفاً: حبيب الماما المطيع يغوتيي..
, ابتسم هارون هاتفاً: أنا سايبك بس عشان عارف نهايتك إيه..
, اختفت بسمة زين والتفت نحوه ليهتف هارون: الولاد دول شرسين.. و أنا مش هخلصك منهم على فكرة..
, زين: وأنت شايفني عيل مش بعرف أنقذ نفسي، لأ إكسكوزمي.. أناا عارف عراك الشوارع ده جامد أوووي.. ده أنا ساعة الجد ببقى أبن ستين كلب ومش عيال نغة زي لؤي ولئيم هيعلموا علياااا..
, هارون: ولااا..
, تنبه على هتاف لؤي الغاضب من جانبه: أنت اللئيييم.. واحترم نفسك يا٣ العلامة النجمية قبل ما علمك عراك الشوارع ده بيبقى إزاااي يا روح أمك..
, شهق زين بغضب واقترب منه: أنت قد الكلام ده ؟!
, نهض لؤي مجدداً متجاهلاً هتاف والدته به وهز رأسه بحدة: المفروض تسأل نفسك لو كنت قده.. ناقصنا عيااال ٣ العلامة النجمية بتاعة بابي ومامي فاكرة نفسها هتقدر علينااا.. ده إحنااا نربي الحارة كلهاا بإصبع رجلناا يااض..
, هز زين رأسه ومد يده يشمر عن ساعديه: لااا أنتوا بقااا عايزين مين يربيكم بجد٣ نقطة
, تفاجأ بدهشة بأنه يرتدي تيشرت نصف كم، ليرفع نظراته نحوه نافضاً رأسه: يا قااادر..
, هارون: زييين..
, اقترب وليد مستعداً للخوض في النزال، لولا صرخات والدتهم الحادة قبل أن يتحركا..
, نهضت من مكانها بحدة و دموع ملأت عينيها عندما وجدت إحدى الممرضات تهرول خارجة من غرفة وائل..
, تنبه تليد و هارون لذلك، لينهضا مقتربين منها فيما لحقهم زين بعدما دفع لؤي عن طريقه يرمقه باشمئزاز،
, ليدفعه لؤي هو الآخر يهرول نحو الغرفة يهم باقتحامها برعب رغم إبعاد الممرضين عنه..
, لتهتف إحدى الممرضات بصوت عالي: يا جماااعة أهدواا مفيش حااجة بس المريض فااق.. خلوا الدكتور يشوف شغله لو سمحتوا..
, توقف اندفاع لؤي و وليد بعيون مصدومة دامعة، فيما زادت دموع والدتهم تتنفس بألم وفرح: وائل فااق.. وائل فاق بجد ؟!
, انحنت تعود لجلستها بعدما اهتزت قدامها ليقترب وليد منها بدموع يحاوط جسدها لتتمسك هي به ببكاء متألم ولسانها لا يكف عن الدعاء..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
الثامن عشر



فتح باب الغرفة، ليظهر من خلفه تليد برفقته أشرف الذي ابتسم عندما ظهر له وجه وائل بعيونه المستيقظة ..
, اقترب منهم مستشعراً نظرات التوأم الحادة نحوه، فيما نهضت والدته ترحب به مبتسمة براحة منذ استيقاظ ولدها وعودته إليها سالماً..
, جلس أشرف على كرسي قريب يطالع وائل الذي يحاول الإعتدال بجلسته: الحمد**** ع سلامتك يا وائل.. أخبارك إيه ؟!
, أجابه وائل بصوت ضعيف: الحمد**** يافندم كويس، وشكراً على وقوفك معانا ومساعدتك ..
, ابتسم أشرف يربت على ذراعه: ده واجبي، و أنت راجل جدع و متتعوضش.. بعدين تليد عمل أكتر مني و رجالته مسابوش المشفى ثانية..
, نقل وائل نظراته لتليد الذي بقي واقفاً جانباً وهتف له: الحمد**** ع السلامة..
, كاد وائل أن يتكلم إلا أن صوت لؤي الحاد خرج ساخراً: مسابوش المشفى مش علشان أخوياا.. علشان ال٣ العلامة النجمية اللي أسمه عدي..
, والدته: لؤوي عيب عليك..
, وليد: ماهو عنده حق.. وبعدين ده واجبه ومجبور يعمله مش هو السبب باللي حصل لو..
, قاطعهم وائل بصوت حاد رغم ضعف نبرته: خلاص أنت وهو..
, لؤي بغضب: متخليهومش يضحكوا عليك.. أنت تبرعت بكليتك علشان أبن الكلب عدي وكنت هتموت بس..
, قاطعه وائل مجدداً: قولت خلاص.. أنا تبرعت مقابل فلوووس مش ببلاش ف أخرس خالص ومسمعش نفس حد فيكم..
, طالعه لؤي بنظرات حادة ونهض عن جلسته بغضب حتى أسقط الكرسي خاصته، والتفت لهم: هما هنا عشان عدي أصلاً مش علشانك..
, اتجه خارجاً من الغرفة بعدما استفزته نظرات تليد الهادئة واللامبالية، ليلحق به وليد سريعاً فيما هتف وائل: معلش يا فندم بس هو طبعه كده..
, هتف أشرف بضحك: عارفين مش محتاج تقولنا.. ده نسخة منك هو وأخوه..
, رمقه وائل بابتسامة باهتة، ونقل نظراته لتليد الذي هتف: هتفضل هنا كام يوم وبعديها تقدر تخرج..
, أشرف: أه وبالنسبة للشغل متقلقش شهر زمان وهترجع طبيعي، و مرتبك هيفضل ساري المفعول..
, وائل: متشكر..
, رمقه تليد بضمت، ثم التفت بعدها خارجاً من الغرفة، ليتنهد أشرف يهتف: أنا همشي دلوقتي وهحاول أجيلك بكرا إن شاء ****..
, وائل: متشكر يافندم **** يخليك متتعبش نفسك..
, ابتسم أشرف بهدوء والتفت خارج الغرفة، لتقترب والدته منه تمسح رأسه: حبيبي الجرح بيوجعك ؟!
, رمقها وائل متنهداً بثقل وهتف: إيه اللي حصل ؟!
, دمعت عيناها متمتمة: متقلقش كل خير، بس أنت تعبت وفضلت في العناية..
, هز وائل رأسه: وليد قال أن القهوة حرقوها ..
, والدته: أيوه منه لله اللي عمل كده.. بيقولوا أنه أبو سلمى..
, تنهدت هاتفة: بالنهاية القهوة ددي لمسعد، و لو أهل الحارة بني آدمين كان المفروض يقفوا في وشه ويرجعوها لمسعد من زماان..
, ابتسمت ساخرة متابعة: بس هنستنى منهم إيه.. إذا كان كلهم من نفس الطينة..
, صمتت بعدها متنهدة بضيق واضح ليهتف هو بهدوء: أبويا٣ نقطة مش هيخرج بسهولة و..
, التفتت تحدق به لتبتسم ببهوت هاتفة: عارفة.. التستر على مجرم.. و.. الشروع في القتل عارفة أنه مش هيخرج ولا أنا عايزاه يخرج..
, دمعت عيناها مجدداً: هيخرج لييه وهو كان عامللنا إيه أساساً..؟! يجبلي النسوان على بيتي مستغل ضعفي وأن مليش حد أروحله.. سيبه ياخد جزائه.. بعد اللي شوفته مبقتش قادرة أاتقبل وجوده.. غصب عني..
, ضم يدها بين كفيه يربت عليها بخفة وهمس: أنا معاكي متقلقيش٣ نقطةومفيش أبن٣ العلامة النجمية يقدر يقرب منكم وأنا موجود..
, زفرت والدته هاتفة: شوفت لسانك ده عمل في أخواتك إيه.. أنا مبقتش قادرة أهديكم دول خرجوا عن طوعي..
, وائل بحدة: خرجوا إيه لاا ده مش عندي.. أنتي بس قوليلي لو أبن كلب فيهم ضايقك أو مسمعش كلامك.. أنا لما أرجع شغلي يمكن هغيب كتير ومش هسيبلك عيال متتهداش..
, ابتسمت تربت على يده: **** يخليك يا وائل ويباركلي فيك، تعرف أن أنا مندمتش خالص أاني ربيتك.. الحاجة الوحيدة اللي تقبلتها من أبوك هي أنه جابك ليا..
, عقد وائل حاجبيه بحدة، تغيرت ملامحه للجمود سريعاً وعاد يحدق بها: ليه السيرة دي دلوقتي؟؟ طول عمري أبنك و أنتي أمي إيه اللي تغير..
, نفت برأسها سريعاً: ولا حاجة.. بس مش عايزاك تشيل في قلبك مني.. أانا كنت مغلوبة على أمري ومش..
, وائل: أنا عارف كل ده.. متقلقيش بس.. مش عايز أسمعك بتقولي كده تاني أنا أبنك أنتي مش..
, زفر يغمض عيناه بقوة وضم قبضته بارتجافة غضب وحقد: الست اللي طول عمرنا نتكلم عليها، طول عمرها سيرتها على كل لسان في الحارة.. في الآخر تطلع.. أ..
, زفر بحدة والتفت نحوها: أنا عايز أنسى كل ده.. دلوقتي مفيش غيرنا، أنا وأنتي و أخواتي..
, ابتسمت والدته تضمه إليها: خلاص إنسى.. إنسى كل حاجة عرفتها أو سمعتها..
, أغمض وائل عيناه للحظة.. وعاد يحدق أمامه بثقل كبير وحقد على كل شيء، ورغم أنه يحاول النسيان والنكران، إلا أن تلك حقيقة لن يستطيع تغييرها..
, ابتلع ريقه يبتعد عنها محاولاً تجاهل ألمه وهتف: عدي خرج من المشفى؟
, والدته: لسه.. بس هو كويس..
,
, بقيت ملامحه جامدة وصمت للحظات قبل أن يعرف: عايز منك حاجة..
, أومأت برأسها بقلق ليهتف هو بجمود: الشيك اللي معاكي.. عايزك تقولي ل لؤي و وليد يجيبوا حد يرمم القهوة اللي اتحرقت، والفلوس من عندنا..
, رفعت حاجبيها بدهشة تهز رأسها بعدم فهم: إزاي؟؟؟ ولييه ؟!
, قطب جبينه للحظة بصمت ثم هتف: أعملي اللي قولتلك عليه..
, طالعته والدته بقلق، فيما هو بقي على صمته حتى أغمض عيناه أخيراً يحاول النوم.. لتتنهد هي تنهض من مكانها بعدما تأكدت من نومه، واتجهت خارج الغرفة تبحث عن ولديها لتخبرهما..
, ٧ علامة الإقحام
, حدق عدي بالطعام الموضوع أمامه، مكشراً ملامحه ورغم كرهه لطعام المستشفى، إلا أنه كان جائعاً،
, ورغم فقدان شهيته لأي شيء حتى الكلام، ولكنه وجد نوعاً من العزاء في تناول الطعام بسرعة وشرود مبتعداً بأفكاره عن كل شيء..
, من جانبه كان يقف زين يحاول الكلام معه، برفقته عمار الذي انضم إليه يرمقه بضيق وشفقة كل عدة دقائق..
, زفر زين هاتفاً: فيه إيه ياعم عدي مكانتش كام صدمة يعني اللي يكسروك كده اجمد يالا..
, عمار: حرام عليك يا زينو.. أنا لو مكانه كنت متت من قهري..
, زين: وتتقهر ليه يا حبيب البابا٣ نقطة أه سوري نسيت أن أنت بقيت دلوع العيلة..
, رمقه عمار بحنق: بطل تحسدني وتبصلي في كل حاجة بعملها الغيرة وحشة أوي على فكرة، بعدين فين الدلع ده إذا كان التهزيق مش بينزل من على دماغي..
, زين بسخرية: أنت بس بص لنفسك و أنت بتعيط وهتعرف يعني إيه مدلع، أما أنا فمش بقدر أعمل زيك أصل أنا عندي كرامة..
, احتدت ملامح عمار بغضب: قصدك إيييه ياض أن أنا اللي كرامتي في الأرض؟!
, نفى زين سريعاً: لأااا يا عموورة.. أنت مفيش كرامة من أساسه ولا في الأرض ولا في السما..
, رمقه عمار بغضب لثانية فقط قبل أن يضحك فجأة: حلوة دي عجبتني..
, التفت الإثنان نحو عدي الذي ترك طعامه جانباً وتمتم: سبوني لوحدي..
, زين: لأ عايزين نفضل جنبك لتقوم تنتحر ولا حاجة..
, رمقه عدي بنظرات غاضبة فيما هتف عمار: إهدا يا عدي إحنا بنهزر..
, عدي: و أنا مش عايز هزاركم مش ناقصني.. أطلعوا برا بدل ما أطلع شياطيني عليكم..
, زين: اوبااا أنت رجعت لطبيعتك أهو.. أنا قولت أن أنت قوي ومفيش حاجة تقدر تأثر عليك، و إيه يعني طلع عندك أخ ما أنت كنت باصصلي في أخواتي علطول، ومستني يجيلك أخ من السما..
, عمار: أيوه يا عدي شوفت **** بيحبك إزاي..
, زين: هو إينعم وائل ده شكله زي النمر الوحشي، ولا أخواته تقول خارجين من الأدغال..
, ضحك عمار يشاركه: بس برضو بيفضلوا أحسن من غيرهم.. ضل أخ ولا ضل حيطة..
, زين: أهاا ومتنساش أنه تبرعلك في كليته وكان هيموت..
, عمار: هو إينعم أخد مقابلها فلوس قد كده بس ده مينفيش أنه أنقذ حياتك.. يا كده الأخوات لأما بلا..
, زين: وكمان ك..
, قاطعهم فجأة هتاف عدي بنبرة غريبة: قولت إيه ؟!
, صمت الإثنان يحدقان به بدهشة فيما اهتزت عيون عدي وأخفض يده يضعها على جرحه بعدما شعر بوخز يؤلمه: و..وائل أاخد فلوس..؟!
, ابتسم زين بدهشة وتوتر: أامال يعني.. أا.. هيتبرعلك علشان رابط الدم و الأخوة المتينة ؟!
, التفت يرمق عمار الذي طالعه بقلق فيما تغيرت ملامح عدي لشكل غريب أخافهم، و كأنه مصدوم، أو غائب عن وعيه وعيونه على وشك البكاء، ليهتف بصوت مبحوح يضغط على جرحه أكثر لا يدري هل ليزيد ألمه أم ليُخففه: تليد هو اللي دفعله؟! هو.. يعني.. هو اللي قاله يتبرعلي ؟!
, بقي زين وعمار يحدقان به بتوتر، فيما تحرك عدي من مكانه بدموع ملأت عينيه حتى احمرتا بقوة واحتد صوته رغم نبرة الألم به: هو اللي أجبره يتبرعلي ؟!!
, تراجع زين للخلف هاتفاً: طيب أهدا الأول مالك..
, دفع عدي الطعام جانبه ليسقط أرضاً وتتناثر بقاياه في المكان.. فيما فُتح الباب في تلك اللحظات مع هتاف عدي الحاد: أطلعوا براا.. برا..
, التفت زين نحو تليد الذي وقف على الباب عاقداً حاجبيه بحذر، فيما تنفس عدي مغمضاً عيناه بألم ليهتف عمار بقلق: أا.. تليد هو ماله؟! إحنا بس قولناله أان وائل تبرعله مقابل فلوس..
, شد تليد من إمساكه لمقبض الباب، و أبعد عيناه عن عدي ليحدق بهما هاتفاً بحدة: أطلعوا..
, هتف زين بدهشة: هو في إيه مكانش يعرف يعني و..
, قاطعه تليد داخلاً للغرفة: قولت برا..
, كاد زين يتكلم معترضاً على لهجته الآمرة تلك والتي قلما يسمعها منه، إلا أن عمار اقترب منه سريعاً يسحبه من ذراعه نحو الخارج لئلا يزداد الوضع سوءاً..
, اقترب تليد من عدي الذي عاد يستلقي مكانه وأنين وجعه ظهر من بين شفتيه المطبقتين بقوة..
, هتف تليد يضع يده على كتفه بهدوء: عدي.. أهدا واسمعني..
, عض عدي على شفته يمنع بكائه الذي يُلح عليه بقوة إلا أنه لم يستطع، وهربت شهقة خافتة من بين شفتيه مغمضاً عيناه بقوة ليهتف بقهر: أانا غبي.. كنت عارف.. أنك اشتريتلي الكلية بس.. لما عرفت أان وائل يبقى٤ نقطة
, صمت لا يقوى على المتابعة، ربما لإدراكه الآن مدى غباء تفكيره، أو ربما أمانيه، على شدة كرهه لوائل، أو ربما نفوره منه، ولكن شيئاً ما داخله هدأ تجاهه حالما علم بتبرعه له، قبل حتى أن يعلم بقرابته به،
, ولكن.. سماعه الحقيقة بتلك الطريقة أوجعه، رغم علمه ومعرفته بها ولكن مواجهته لها أثرت به و صدمته و كأنه يسمعها للمرة الأولى..
, هل كان يتمنى أن يتبرع له بلا مقابل؟! أن يعتبره أخاً فعلاً رغم العداوة بينهم؟؟
, أن يشعر بأن أحدهم ضحّى من أجله هو، وليس من أجل الأموال!؟
, تمتم مجدداً وذراعه ارتفع ليغطي وجهه مخفياً به بكائه وشهقاته: أانا عارف أن كله بمقابل، مفيش حد بيدي حد حاجة من غير مقابل.. خاصة ليا أنااا.. عمره ماحد اداني حاجة من غير ما أدفعله كتيير.. كتير أوي..
, زاد صوته ببكاء لم يستطع إيقافه فيما تنهد تليد يرمقه بحزن واضح ومازالت يده تربت على كتفه بصمت محتار كيف له أن يواسيه أو يُخفف عنه..
, إلا أن بكاء عدي المقهور قد ازداد وهو يتمتم: لييه؟! ليه بيحصل كده.. ليه..؟!
, زفر تليد يستمع لشهقاته التي تحولت لشهقات ألم وبيده الأخرى يضغط على جرحه بقوة تزيده ألماً ليهتف محاولاً تهدأته: خلاص يا عدي أاهدا.. أعتبر حد غريب هو اللي تبرعلك ودفعتله..
, زاد بكاء عدي أكثر بعد كلامه ليقطب تليد جبينه لا يعلم هل ما تفوه به صحيح أم لا، إلا أنه تنهد وتغيرت نظراته لضيق مع حنية غريبة: طب أنا اديتك ومش عايز مقابل.. ولو عايز أخ أوي كده أنا أهو اعتبرني أخوك ولا مش عايزني..؟!
, بكاء عدي لم يتوقف، ولا يخف على عكس ما توقع، و كأنه بكلماته تلك زاد في العبث بجراحه، كلمات خرجت منه بصدق غريب، ربما تأثراً بما يحدث به دائماً، من ضعف لطالما رآه به و لكنه هذه المرة قد كان أعنف،
, ليهمس له بتلك الكلمات محاولاً التغلب على صوت بكائه العالي، يهدهده كطفل فقد كل شيء بلحظة، يحاول إقناعه بتقبل عائلته الجديدة..
, مدة قصيرة لم يتوقف بها بكاء عدي والذي تمتم أخيراً محاولاً مسح وجهه المبلل بذراعه عدة مرات متنشقاً: هو أانا بيحصل معايا كده ليه.. طول عمري بتمنى يبقى ليا عيلة زي الناس، أخوة أتسند عليهم وأسندهم..
, ابتسم فجأة بمرارة ودموع: يوم مايبقى ليا أخ.. يطلع٤ نقطة وائل ؟!! وائل عدوي اللدود..؟!!
, طالعه تليد بنفس النظرات الحزينة المهمومة، إلا أن شيئاً ما داخله دعاه للإبتسام رغم حزنه، وكأن كلمات عدي واستنكاره بتلك الطريقة أضحكه..
, تنشق عدي هاتفاً وهو يمسح وجهه وعيناه بقوة: أانا عايز أابويا عايزه جمبي..
, تنهد تليد يهتف بهدوء: هجبهولك المهم أنت أهدا ومتضغطش على جرحك كده..
, ابتلع عدي ريقه و اهتزت عيناه ينقلها نحو تليد، ليظهر وجهه المحمر إثر بكائه و أجفانه الذابلة: عايزك تقدملي طلب تسريحي يا باشا..
, قطب تليد جبينه بصمت، فيما أخفض عدي نظراته متجاهلاً ألم جرحه القوي: أانا تعبت.. معتش قادر أستحمل..
, بقي تليد صامت للحظات، يتأمل ملامح الآخر التي بدأت تستكين إلا من رجفة خفيفة كل عدة ثواني إثر بكائه المقهور، ليهتف أخيراً: متأكد !؟
, أومأ عدي بدون أن ينظر إليه ولم يجبه ليهتف تليد بهدوء: هتتسرح من المخابرات بس ولا من..
, قاطعه عدي نافياً: كل حاجة، عايز أسيب الشغل ده..
, هز تليد رأسه بجبين مقطب وربت على كتفه بخفة: أرتاح دلوقتي ونتكلم بعدين..
, طالعه عدي بنظرات صامتة، إلا أنها حوت كلاماً تردد في قوله، فيما حدق تليد به بحذر وبعدما كاد يهم بالخروج، عاد لمكانه يعلق نظراته عليه بانتظار..
, ابتلع عدي ريقه مبللاً شفته شاعراً بجفافها ليهتف: أانا كنت٣ نقطة عايز أشكرك..
, رفع تليد حاجبيه بصمت، ليلتفت عدي نحوه بعيون دامعة: اللي أنت عملته معايا مفيش مخلوق عمله.. أانا لو حبيت المخابرات ف هي علشان عرفتني عليك..
, ابتسم تليد بخفة ولكنه لم يتكلم ليتابع عدي بخفوت: أانا عارف أان وجودي معاك سببلك مشاكل كتير..بس ولا مرة فضيت أقولك إاني حبيتك بجد، حبيتك لشخصك أنت مش بس عشان مليش غيرة وأانك بتساعدني علطول..
, رفع نظره له هاتفاً: أنت يا تليد مختلف عني.. أانت فين و أنا فين.. ده حتى أنت الباشا بتاعي و أنا مجرد عسكري عندك، ماكنتش شايف نفسي أستاهل حد زيك يصاحبني.. بس.. أانا لما أسيب الشغل مش عايز أسيب صحبتك ده لو.. كنت أنت معتبرني صاحبك..
, زادت ابتسامة تليد أكثر، كأنه لم يتوقع كلام هادئ و رزين من عدي كما سمعه الآن..
, ليقرب كرسياً من سريره يجلس عليه هاتفاً: أنت مفكر أن أنا بعمل معاك كل ده ليه؟! بس عشان متدرب عندي..؟
, عدي: لأ عشان أنت قلبك طيب..
, رفع تليد حاجبيه هاتفاً: شكلك متعرفش غلاوتك عندي ياعدي.. و أني بعمل كده عشانك أنت مش بسبب قلبي الطيب..
, طالعه عدي بنظرات هادئة للحظات قبل أن تلمع و كأنه كان ينتظر أن يستمع لذلك الكلام من أي أحد، كلام يُشعره بقيمة نفسه بدل أن يسيطر اليأس والخنوع عليه..
, ليهتف ناظراً إليه: هو أنت أخ هارون بس صح ؟!
, عقد تليد حاجبيه بخفة ثم ابتسم يومئ برأسه: بيولوجياً أه..
, ابتسم عدي ببهوت: باين بتحبهم كلهم وهو أكتر..
, بقيت ابتسامة تليد تزين وجهه وهتف مخرجاً سيجاره من جيبه: أهاا فعلاً.. ده لو العالم في كفة ف هارون في الكفة التانية لوحده قاعد هناك متربع وبيشيش كمان..
, ضحك عدي مقطباً ملامحه بألم.. ليتنبه تليد أخيراً قبل أن يشعل سيجاره لينزله ويعيده لجيبه، فيما هتف عدي بحذر: طيب وزين..
, عاد تليد ليبتسم وتراجع بظهره متكتفاً: زينو معاه أكيد ماهو لازق فيه علطول.. وعمورة لازق في زينو وحيدر لازق في عمورة و الباقي لازقين في بعض..
, ابتسم عدي يطالعه بعيون لامعة، و كأنه يتمنى لو كان في مكان أحد منهم، ليهتف تليد بهدوء: و أنت بقيت معاهم يا عدي.. أنا معنديش صحاب على فكرة، عندي أخويا وبس أخويا وعيلته اللي بقت عيلتي.. وتقريباً أنت أول واحد أصاحبه..
, طالعه عدي بنفس النظرات اللامعة وابتلع ريقه بصمت يرخي يده عن جرحه فيما هتف تليد يعود ويخرج سيجاره وهو ينهض: نام دلوقتي.. ولما تصحى هتلاقي مسعد حمبك..
, اتجه خارجاً من الغرفة يغلق الباب خلفه ليبتلع عدي ريقه يلتفت محدقاً في الخارج عبر النافذة، وشعور غريب عميق جداً بدأ يثور داخله، يشعره بقيمته بأهميته ويزرع الفرح به..
, ٦ علامة الإقحام
, في اليوم التالي..
, ساعد مسعد عدي في الإستلقاء على سريره بعدما خرجوا من المشفى، وعادوا إلى منزلهم..
, تنهد عدي بقوة يلتفت حوله في أنحاء غرفته، غرفته القديمة، بجدرانها المشققة.. دهانها المتساقط وبهوتها،
, إلا أنه لا يدري لما شعر لنفسه اشتاقها، اشتاق الجلوس والنوم بها ..
, منزله الصغير القديم، مهما عانى وقاسى به، سيبقى الأقرب و الأحب لقلبه..
, التفت بعدما استمع لخطوات أقدام تقف على باب الغرفة ويظهر تليد يحدق بهما، فيما رفع مسعد رأسه يعدل نظارته بحركة اعتاد عليها كأنه يخشى أن تسقط..
, هتف أحد الرجال قريباً من تليد: كل حاجة جاهزة يا باشا.. الأكل في التلاجة والباقي في المطبخ..
, أومأ تليد بخفة والتفت لعدي: في حاجة تانية ناقصة يا عدي ؟!
, عدي: لااا كفاية كده و**** أانا كنت قادر أجيبهم.. ثم يعني هما مش لازم يدوني مكافئة نهاية الخدمة ولا إيه؟! المرتب وفقدنا أملنا منه خلاص..
, ابتسم تليد هاتفاً: هيعملوا تكريم للفريق اللي شارك في المهمة الأخيرة.. و أنت هتبقى معانا..
, قطب عدي جبينه بقوة: و أانا.. مالي ؟!
, تليد: من هنا لحد ما يوافقوا على طلب التسريح أنت لسه تابع لينا.. التكريم مش هيكون دلوقتي، محتاجين وقت لحد ما يخلص التدريب بتاع الظباط المتدربين ويكرموهم كلهم..
, مسعد: يعني إيه؟! أبني هيسيب الشغل خلاص؟؟ ولا يا عدي أنت يا عاق هتسيبه ليه ده إحنا مصدقناش بقا لينا قيمة ومكانة..
, رمقه عدي بغيظ: واضح أوي المكانة ياباا مش شايف حالتي إزااي.. ده كله بسبب مكانتي على فكرة..
, اقترب أحد رجال تليد بعدما دخل المنزل ليهتف: لؤي و وليد أخوات وائل هما اللي جابوا العمال علشان يرمموا القهوة..
, توسعت عيون عدي بحدة وكاد ينهض عن جلسته: إيه الكلاام ده، مش القهوة بقت ليااا اهو العقد بقى معايااا اهو..
, تليد بهدوء: متأكد ؟!
, الرجل: أيوه يا باشا.. هما دفعولهم أجارهم وبدأوا النهاردة الشغل..
, انتقلت أنظار تليد نحو عدي ذو العيون الحادة الغاضبة ليهتف بهدوء: أنا هشوف فيه إيه.. المهم أنت متدخلش..
, ضم عدي قبضتيه بقوة و قهر وهتف: مش هسيبهم يسرحوا ويمرحوا في قهوتي.. أنا عاارفهم دول كلاااب..
, تنهد تليد مقطباً جبينه وابتعد عن الغرفة متفقداً رجاله المنتشرين في أرجاء المنزل لتلبية حاجياتهم..
, ٦ علامة الإقحام
, رفع لؤي يديه يغلق أزرار القميص بعدما ساعد وائل في ارتدائه، فيما والدته كانت تلملم أغراضه الشخصية في حقيبة صغيرة استعداداً لمغادرة المشفى،
, فُتح الباب بخفة بعدما طُرق طرقات خافتة وظهر من خلفه تليد بهيئته الهادئة ينقل نظراتهم بينهم..
, والدته: تليد باشا أتفضل..
, هز تليد رأسه بخفة وسار للداخل محدقاً بوليد الذي نهض عن الكرسي واقترب من أخويه،
, نظرات لؤي الحادة و وائل الجامدة..
, هتف به بهدوء: مين هي هيوصلكم ؟!
, وائل: هناخد تاكسي..
, تليد: رجالتي تحت هقول لحد يستناكم..
, لؤي بغضب: مش عايزين منك حاجة.. روح وصل اللي أسمه عدي إحنا مش محتاجينك..
, هتفت والدته بحدة: لؤووي..
, نقل تليد نظراته له: وصلته.. مش محتاج تقولي..
, جز لؤي على أسنانه وكاد يتكلم لولا هتاف تليد: أسبوعين وهترجع التدريب، بعديها هيتم تكريم المتدربين الأوائل في نهاية التدريبات.. مع تكريم اللي شاركوا معانا في آخر مهمة..
, طالعه وائل بنظرات تغيرت من الجمود إلى اللهفة، لطالما كان متلهفاً لكل ما له علاقة بعمله، يسعى ليكون في المركز الأول دائماً، ولولا عمليته تلك لكان ربما قد نجح في ذلك..
, وائل: بجد يا باشا ؟! وهي التدريبات هتخلص إيمتى؟!
, تليد: شهر تقريباً ولا حاجة..
, صمت للحظة يطالع ابتسامة والدة وائل السعيدة ليهتف بعدها: بتصلحوا القهوة ليه ؟!
, لؤي: و أنت مالك اح..
, قاطعه وائل يمسكه من كتفه بقوة وهتف: معلش يا باشا ده شيء يخصني..
, رفع تليد حاجبيه وانحنى يقترب منه: ويخصني أنا كمان.. عشان القهوة دي بتاعة عدي..
, لؤي: والفلوس بتاعتنااا إحناا و إحنا حرين..
, رمقه تليد ببرود: حرين وسراقين برضو.. مش أبوك وأنت وأخوك وأهل حارتك اللي سرقتوا القهوة ؟!
, هتف وليد سريعاً: أخويا ملووش دعوة..
, تجاهلهم تليد ينظر لوائل وهتف: أنا قولت أديكم علم.. عدي صاحب القهوة دي ولو حد فيكم لعب في ديله هقطعهوله..
, احتدت نظرات وائل هاتفاً: لو سمحت يا باشاا الموضوع ده يخصني..
, تليد: ويخصني أنا كمان..
, صمت يطالع وائل ذو النظرات الحادة ليهتف بهدوء: مش عايز تبقى المتدرب بتاعي ؟!
, وائل باستنكار: أفندم ؟!
, ابتسم تليي بجانبية: عدي هيتسرح..
, توسعت عيون وائل بصدمة، وبقي يحدق به و كأنه لا يصدقه: إزااي يعني ؟! ليه ؟!
, رمقه تليد بهدوء: هو عايز كده.. و أنت عارف هو دخل العالم ده ليه..
, لؤي: وهيخرج منه عشان فاشل..
, طالعه تليد ببرود فيما لؤي يرمقه بشماتة وحدة ليهتف تليد: أيوه.. فاشل زي أخوك.. فشل بتربيتكم..
, احتدت ملامح لؤي سريعاً وكاد يتكلم إلا أن وائل قاطعه: لؤي..
, لؤي: مش سااامع بي..
, وائل: تليد باشا القائد بتاعي.. مش شخص عادي عشان تتكلم معاه كده..
, عاد يحدق بتليد ليهتف بنفاذ صبر: خير يا باشا.. أنا هعمله إيه يعني لو تسرح أو لا..؟
, هز تليد كتفيه بهدوء: ولا حاجة.. أنا بجس نبض بس..
, وائل: قصدك إيه ؟!
, طالعه تليد بصمت، والتفت بدون أن يجيبه ليهتف: الراجل بتاعي تحت هيستناكم..
, فتح باب الغرفة ليخرج ويغلقه خلفه بهدوء، تاركاً غضب لؤي يخرج متفوهاً بكلمات وشتائم لم يسمعها وائل وهو يحدق بالباب المغلق بغضب وشرود..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
التاسع عشر


وقف وليد على باب المطبخ الصغير يحدق بوالدته التي ندهت عليه وهي تسكب بعض الطعام في طبق بين يديها ..
, تكتف بضيق حتى اقتربت منه هاتفة: خد الأكل ده وصله لعدي وأبوه ..
, رفع حاجبيه بصدمة وغضب: إييه؟!
, والدته: أيوه خده ليهم ومن غير كلام..
, وليد: اشمعنا، طول عمرك تتجنبي الكلام معاهم، دلوقتي بقيتي عايز..
, قاطعته والدته بحزم: ملكش دعوة، قبل كان باباك موجود ودلوقتي هو مش هنا و أنا حرة، خدهم الواد خارج من عملية ومفيش حد يطبخلهم ..
, تخصر هاتفاً بحنق: وأنتي بقا بتستغلي غياب أبويا عش..
, قطعت كلامه تضربه بغضب على رأسه: احترم نفسك يا وليد، و أنا اللي كنت فاكراك أعقل من أخوك ..
, لوح وليده بيده بحدة: خديهم أنتي الكلب ده مش هقرب منه ولا أتعامل معاه..
, رمقته والدته بغيظ وزفرت بحدة، لتجفف يديها وتخرج من المطبخ تطالع وائل الذي يستلقي على أريكة صغيرة وأمامه التلفاز يقلب في قنواته بملل..
, هتفت بحدة: واائل شوفلك حل مع الكللابب أخواتك، واحد لسه متلمش ع البيت من الصبح والتاني بيعاندني ..
, التفت وائل نحوها وتنهد بتعب: عايزة أيه و أنا هع..
, والدته: لأا.. أنت تعبان المفروض تفضل مستريح، بس قول لوليد يوصل الطبق ده لعدي و مسعد ..
, ضاقت عيني وائل يحدق بها بحدة لتهتف هي مقاطعة أي كلام كان سيتفوه به: قبل ما تعمل زي أخوك، أنا صح كنت ببعدك عنهم بس ده عشان باباك والمشاكل اللي كانت تجيلنا منه،
, تنهدت تقترب منه تُلين صوتها علها تقنعه: يا حبيبي دلوقتي باباك مش هنا و أنت راجل البيت، هتفضل سامح لأخواتك يتصرفوا بالهمجية دي وكل يوم يرجعولي بمنظر متبهدل؟؟
, تنهد وائل بهدوء: خلاص يا ماما أعملي اللي أنتي عايزاه ا..
, قاطعته تمسح على رأسه بحنان يشعر به يزداد أكثر، و كأن والده كان عقبة أمام مشاعرها التي كبتها طويلاً بتسلطه وإهماله: وائل، الحقد اللي في قلبك ده ع الفاضي، يا حبيبي بص بنفسك أنت عندك عيلة و أخوات بيحبوك، هو وحيد وأبوه مريض، أنا مش بقولك تتقبله بسهولة لا.. بس ع الأقل عامله ك زميل مش هو زميلك في الشغل برضو ؟! وخلي بالك.. أخواتك بيقلدوك في كل حاجة بتعملها، ولو أنت متغيرتش هما هيزيدوا همجية وصياعة..
, طالعها وائل بصمت للحظات وضيق كبير اعتلى تقاسيم وجهه، يزفر بعدها هاتفاً بصوت شبه عالي: وليييد..
, ربتت على كتفه: متعليش صوتك عشان متتعبش أنا هقوم أشوف راح فين..
, وقفت سريعاً ليظهر وليد أمامهم يتكتف بضيق ليبادله وائل النظرات الحادة: خد الطبق من مامتك وأعمل اللي قالتلك عليه..
, أرخى وليد يديه جانبي جسده يطالع بصدمة: أنت بتهزر ؟! ولا العملية دي أثرت على دمااغك؟!
, احتدت ملامح وائل بغضب: مش هكرر كلامي وبطريقك شوف أخوك فين لغاية دلوقتي ..
, رمقه وليد بحدة لتهتف والدته مهرولة للمطبخ: يلا قبل ما يبرد..
, تأفف وليد بحدة: مش ده عدوك وكنت علطول تتخانق معاه، أنت..
, قاطعه وائل ناظراً للتلفاز: بطلت ..
, تأفف وليد، مجدداً بضيق ورفع تيشرته يكاد يمزقه بغيظ بحركة فوضوية حانقة، ثم ذهب نحو المطبخ يأخد الطبق من والدته بغضب ويخرج ضارباً الأرض بقدميه،
, سار عدي ببطء نحو الباب الذي يُقرع بطريقة صاخبة ليصرخ: استنى ياللي بتخبط يااا كلب٣ نقطة
, جائه صوت وليد من الخارج بشكل فاجئة: ما الكلب إلا أنت وأبوووك..
, احتدت نظرات عدي وفتح الباب بحدة: أفندم عايز إيييييه وإيه اللي جابك بيتييي ؟!
, طالعه وليد بحدة ومد الصحن نحوه: لو عليا هحدفه في وشك، بس خده وخلصني..
, ارتخت ملامح عدي ونظر للصحن بدهشة، ثم اشتم رائحة طعام شهية من الصحن المغطى أمامه، وكاد أنفه يخرج من مكانه ليرفع الغطاء ويملأ عينيه مما يحتويه مستمراً في الشم، ليصرخ وليد بحنق: أنتتت بقيت كلللب بوليسي ولا إيه ما تااااخددده..
, هتف عدي متصنعاً الغضب: إيه ده؟!
, وليد: سم ..
, عدي: بقولك إيه يا مفعوص أنت اتعدل معايا أنا مش زي غيري..
, رمقه وليد بغضب ليصرخ: ماما طبخت دول ليكم يارب سم على قلوبكم..
, طالعه عدي بغضب حقيقي هذه المرة وهتف: مش عاايزين منكم حاااجة.. إمشي من هنااا ..
, وليد: وليك عيين تتكلم وترفض شفقتنا عليييك ؟!
, زادت حدة عيني عدي بغضب وقهر، ليمسك الصحن ويقذفه بجانب وليد الذي قفز من مكانه يفزع، طالعه بحدة صارخاً: أنا لاا عايز شفقتك ولا شفقة أهلك، إمشي من هنااا ولو أنت ولا حد منكم بيقرب من باب بيتي تاني هقتلكم سااامع.. وفهّم أمك و الكلب وائل أنهم ملهومش دعوة بياا ولا معترف بيهم من الأسااااس٣ نقطة
, صرخ وليد بغضب: هتدفع تمن الطبق والأكللل..
, طالعه عدي بغضب ويده تضغط على جرحه الذي كاد يلتئم، ليتنفس بتعب يتابع ابتعاد وليد الغاضب عائداً لمنزله،
, تنفس بقهر وضيق يتكئ على الباب محدقاً بحسرة في الطعام أمامه فيما شعر بنفسه يتضور جوعاً: كان لازم يعني تعمل نفسك ذو كبرياء عالي وكرامة لا تُمسّ.. اديك قعدت من غير أكل يا خايب..
, زفر بضيق ورفع رأسه مطالعاً منزل وائل القريب، ليتنهد رافعاً رأسه للسماء متمتماً: يااارب، أانا.. كنت أتمنى يبقي ليا أخ من زماان.. شكراً يارب بس هو يعني.. لا إعتراض على حكمك بس.. أنا كنت عايز أخ إنسااان ياربي مش كلب!
, ٨ علامة الإقحام
, بعد أيام قليلة ..
, هتف زين مقترباً من تليد يُعيد على مسامعه ما يعيده منذ يومين: بليد خدني لعدي..
, تجاهله تليد وهو يطعم الصغير بيده السيريلاك المخصص للأطفال، يطعم الصغير ملعقة، ثم يملأها مجدداً ليأكل هو الملعقة الأخرى!
, دفعه زين بكتفه: سيب أكل الواد وجاوبني، هتاخدني لعدي إيمتى..؟
, رفع تليد رأسه يبتلع السيريلاك هاتفاً: طعمه موز.. تدوق ؟!
, طالعه زين بغضب: على فكرة أنت رخم أوووي.. أنااا قادر بقدراتي أعرف عنوانه بس محترمك شوية..
, ابتسم تليد يطالع الصغير الذي ما إن إلتهى تليد عنه قليلاً، حتى مد يده يمسك بأصابعه الصغيرة يد تليد ينبهه لوجوده..
, زادت ابتسامة تليد وقرب رأسه يقبله بوجنته يستمع لأصواته المناغية والذي يحثه على إطعامه..
, ابتسم زين بوجه الصغير بحب، ثم عبس محدقاً بتليد: على فكرة.. أنا عندي هارون ..
, تليد: ****.. و أنا عندي هارون برضو ..
, تابع زين بحنق: هو ظابط قد الدنيااا وهيعرفلي عنوان عدي بسرعة،
, تليد: أوك..
, تأفف زين بحنق وابتعد عنه، فيما ابتسم تليد متابعاً إطعام الصغير باسترخاء حتى انتهى أمام نظرات ريماس الغاضبة التي تراقبهم، فكلما أطعمه، يُنهي علبة السيريلاك بالكامل عليهما معاً..
, خرج من غرفته بعد مدة، يعدل ملابسه وهتف: عايزة حاجة يا منورة..
, اقتربت منه تمسح على كتفه وتعدل ياقته بيديها، ثم قربته منها تجذبه من ياقته بخفة: بوسة..
, ابتسم ينحني نحوها لتقبل خده هاتفة: وتانية..
, هتف هارون بحدة: و**** أنا هنقل آداب بسببكم.. تليييد كام مرة قولتلك المناظر دي مش عايز أشوفها، عمو لو شافك كده ما هيحصل خير..
, عبس تليد هاتفاً: تلودة جاهز ..؟
, تنهد هارون بضيق واتجه لغرفته، ليُحضر صغيره بين يديه بعدما ألبسته ريماس طقماً أزرق اللون يناسب حذائه الصغير ذو الفلة الناعمة والذي كان قد اشتراه تليد له ..
, ابتسم تليد بفرح عندما رآه وتلقفه من بين يدي هارون يرفعه عالياً: حبيب أبووه الحلووو شوفت ذوقي يا هاروون ؟؟
, همهم هارون بضيق وهتف: خد زين معاك يا تليد صدعنيي..
, تليد: هاخده من غير ماتقول..
, اتجه تليد لغرفة زين القريبة، طرق الباب بخفة ليظهر زين من خلفه بوجه متجهم، عبس بغضب عندما رأى تليد جاهزاً للذهاب ليهتف: نعمم عايز إيييه..؟
, تايد: خش جهز نفسك هنروح لعدي ..
, زم زين شفتيه بضيق وهتف بكبرياء: روح لوحدك..
, تليد: تؤ مش لوحدي.. تلودة معايا أهو..
, رفعه بوجهه بفرح ليهتف زين بغضب: أنا مش رااايح أنا مش لعبة في إيدك يوم ما تقرر تاخدني لازم أموت من الفرحة و اوافق..
, تليد: ماتموتش من الفرحة، بس وافق..
, زين: روح لوحدك..
, رمقه تليد بصمت ليتوتر زين قلقاً أن يغير الآخر رأيه إن هو حافظ على كرامته ليهتف متحمحماً: أا..بص.. أنا عارف أن أنت عايزني معاك ومش قادر تروح من غيري..
, أومأ تليد بصمت ليهتف زين: ترجاني الأول و أنا هفكر..
, ابتسم تليد يهتف بخفة: أرجوك يا زينو..
, طالعه زين بدهشة ورمش بعينيه يحك ذقنه هاتفاً: كمان شوية، وياريت توضح بتترجاني على إيه..
, تليد: أرجوك يا زينو تعالا معايا نروح لعدي..
, رمقه زين بطرف عينه فيما تابعهم هارون بابتسامة ساخرة، تنهد يهز رأسه بيأس منهما، فتليد يعلم بأن العناد لن يمشي مع زين، و أن الطريق لكسبه وتجنب عناده وجنونه هو مسايرته فقط في كل ما يريده حتى لو كان تافهاً ..
, تنبه على هتاف زين: خلاص شفقت عليك.. هجهز نفسي، أنزل أنت استناني في العربية و أنا اللي هسوق..
, عاد لغرفته يصفع الباب خلفه بوجه تليد الذي هز كتفيه يضم الصغير بين يديه والتفت نحو هارون الذي يراقبهم، ليقترب و يُقرب الصغير منه هاتفاً: بوس عمو يا تلودة..
, رفع هارون حاجبه بغضب: عمو إيه ياض؟؟
, تليد: سوري نسيت، بوس بابا يا تلودة وقوله باي..
, قرب وجه الصغير منه أكثر لتمتلئ وجنة هارون بلعاب الصغير الذي يُعلمه تليد التقبيل منذ مدة إلا أنه لم يفلح بها حتى اليوم..
, ابتسم هارون رغم ذلك واقترب يقبل صغيره مودعاً ليهتف تليد مقترباً منه: أنا همشي بقا، هات بوسة..
, رمقه هارون باستنكار إلا أن تليد اقترب ليقبل خده ثم ابتعد يحدق بالصغير وهو يسير في الرواق: شوفت يا تلودة البوسة سهلة أهو..
, تابع كلماته وهو يقبله يُعلمه مجدداً ومجدداً وهو عازم على جعل الصغير محترفاً بذلك ..
, ٧ علامة الإقحام
, نظرات عدي و وائل تلتقي، بتحدي وغضب واضح..
, وائل يجلس باسترخاء على كرسي بجانب إحدى طاولات القهوة الخشبية، و عدي يجلس في صدر القهوة، حيث وُضع مكتب بسيط وجميل كان يخص أبو سلمى في السابق،
, مُسودّ من أحد جانبيه بسبب الحريق الذي طاله،
, بجانبه يجلس مسعد، بابتسامة واسعة، يقرب الراديو منه وقد صدح صوت أم كلثوم منه يملأ القهوة الهادئة والتي تجنب بعض أهالي الحارة دخولها في أول يوم افتتاح لها.. على وجهه يبدو حنين واسترخاء، و أيامه الماضية في القهوة تُعاد في رأسه وتُوسع ابتسامته بعدما عادت إليه أخيراً..
, هيئته تلك كانت تُخفف غضب عدي وتهدئه، يشعر بداخله بامتنان كبير لعودة القهوة له وفرحة والده تلك..
, مسعد: واد يا عدي.. سامع صوت فيروز يا واد حلو إزاااي ؟!
, هتف عدي وهو مازال يرسل نظرات حادة لوائل: أها يابا سامع..
, قطب جبينه فجأة والتفت إليه: فيروووز مين يابااا دي أم كلثوووم..
, مسعد: ما أنا قولت أم كلثوم أنت مش مركز معايا ليييه يا عاق؟!
, زاد انعقاد حاجبي عدي بتشكك في نفسه، ليزفر بعدها متمتماً: شوف يابا وائل بيتحداني، جاي القهوة على أساس دي قهوة اللي خلفوووه..
, مسعد: واد ياعدي.. مين اللي هيقدم قهوة وشاي أكيد مش أنااا ما أنا صاحب القهوة ..
, عدي بغيظ: و أكيد طبعاً مش أنا برضو.. بعدين شاي إيه يابا أنت مش شايف مفيش غير الكلب وائل هنا..
, ابتسم مسعد وهتف بصوت عالي: وااائل تشرب إييه؟؟
, توسعت عيون عدي بحدة، ومد يده يكمم فم والده: يشرب سم إن شاء **** أنت بتعزمه على حساابي..
, التفت بغضب وحنق عندما لاحظ دخول وليد ولؤي ليقتربان من طاولة وائل ويجلسان حولها بابتسامات مستفزة ..
, ترك عدي والده ونهض بغضب يقترب منهم: أنتوا فاكرين نفسكم إييه، أطلعوا برا قهوتي حالاً..
, لؤي بغضب: قصدك قهوتنااا.. القهوة دي اتصلحت بفلوسنااا..
, جز عدي على أسنانه، وضرب الطاولة بقبضة يده: أنت يااا كلب اا..
, قطع كلامه بتفاجؤ عندما تصدع خشب الطاولة الشبه مهترئ أسفل يده، ليهتف وليد: إيه ده ؟!
, عدي بغضب: قولتولي صلحتووهااا ؟!
, وائل: و**** لو حضرتك تبطل أفعال التيران بتاعتك مش هيحصل كده ..
, عدي: أنت بالذااات أخرررس..
, أمسكه لؤي من ملابسه بغضب: متعليش صووتك على أخويا ياض ل..
, قاطعه وائل بحدة: لؤي أقعد أنت شايفني مش بعرف أدافع عن نفسي مع أشكاله ؟!
, هتف عدي بغضب: أنت عااايز إييه يا وااائل..؟
, رفع وائل حاجبه بسخرية: هعوز إيه؟! قهوتي وقاعد براحتي أنت اللي عايز مش أنا..
, عدي بغضب: دي قهوتي أنااا٣ نقطة وتليد رجعهااالي أناا..
, وليد: ولو إحنا مصلحنهاش مكنتش قاعد فيها دلوقتي..
, عدي بحنق: والفلوس اللي معاكم دي من تلييييد هو أداكم فلوس علشاااني٣ نقطة
, وائل: هو اداني الفلوس تمن كليتييي واخد بالك..
, هتف عدي بغضب: و**** محدش ضربك على إيدك وقالك تتبرعلي..
, تراجع للخلف بحنق والتفت يطالع الوجوه الذين توقفوا لمتابعة شجارهم: نعمم عايزين إيييه ؟!
, هتف أحدهم: أنت فاكر نفسك إيه يا عدي إحنا مش هنسكتلك كتيير مش معنى أنك مسكت أبو وائل وأمك يبقى خلاص بقيت واحد مننا..
, قطب وائل حاجبيه يحدق بالرجل بصمت حاد، ثم نقل نظراته لعدي الذي يضم قبضتيه بقوة وفي نظراته بدى قهر واضح ..
, إلا أن عدي لم يسمح له بمحاولة الإشفاق عليه ليهتف ناظراً له بغضب متجاهلاً كلام الرجل: أوعااك تفكر إن بكليتك دي هقبل بيك أخويا ولا حتى أقبلك صاحبي، لااا يا بابا أنا لحمي مُر ومش بنسى الإساءة بسهولة كده، وبالنسبة لكليتك مش لازماني، ومن هنا ورايح هشرب خمر كل يوووم.. وحشيش برضو، لا ده أنا هشرب فودكاا..
, مسعد: واااه يا عدي، أنت متعلم كلمة جديدة من ورايا، فودكا إيه ده؟!
, جائهم صوت هادئ من إحدى الأركان: كده هتئذي الكبد الأول مش الكلية يا عدي..
, التفت الجيع بسرعة ليطالعون تليد الذي دخل القهوة من بين عدد من رجاله الذين سببوا تجمع فضولي من الأهالي..
, ابتسم عدي باتساع وهرول نحوه: تلييد ماقولتليش ليه أنك جاي..؟!
, تليد: ومقولتليش ليه أنك هتفتح القهوة، إخس عليك..
, التفت للخلف نحو رجاله بعدما لاحظ خلوّ القهوة: فيه إيه أنت وهو.. مش هتجربوا قهوة عدي ولا إيه ؟!
, أسرع رجاله بالتدافع ليدخلون القهوة سريعاً، ويحتلون الطاولات الخشبية القليلة من حولهم، حتى خرج صوت تكسّر إحدى الكراسي بعدما جلس عليها أحد الرجال قوي البنية لتسقط متكسرة أسفله..
, أطبق عدي شفتيه سريعاً رغم صوت الضحك الذي خرج منه، فيما عبس تليد يهز رأسه: معلش قوم تعيش وتاكل غيرها..
, هتف عدي سريعاً: يا باشا أنا معنديش حد يقدم قهوة وشاي و أنا بصراحة مش هخدم أهل حارتي الكلاااب.. بص عليهم يا باشا محدش راضي يخش القهوة، على أيام أبو سلمى كانوا يقعدوا فوق بعض..
, أشار تليد لرجاله، ليبدأ الرجال كلٌّ يدفع الرجل الذي بجانبه بعدما فهموا إشارته تلك ولكنها لم تُعجبهم، ليهتف تليد في النهاية: واحد منكم يتبرع يبقى صبي قهوة.. و إلا هتبقوا كلكم..
, نهض أحد الرجال سريعاً بعدما دفعه الباقي، ليخلع سترته الرسمية ويلقيها بإهمال على باقي الرجال، ثم شمر عن ساعديه واتجه للداخل يبحث عما يحتاجه..
, لمعت عيون مسعد هاتفاً: ياااه يا تليد تعالا تعالا أقعد جمبي و**** ليك واحشة..
, عدي: سيبه شوية يا مسعد أنت خليك في أم كلثووم..
, عاد يلتفت لتليد الذي رفع الصغير بين يديه يهزه بوجه عدي: أنت مرحبتش بتلودة..
, ابتسم عدي باتساع وأخذ الصغير منه ليرفعه بين يديه بفرح، و في تلك اللحظة بالذات شعر بشوق هائل للأيام القليلة التي أمضاها في في فيلا عز الذين،
, قبّل الصغير عدة مرات ليستمع فجأة لهتاف زين باسمه: عدييي..
, أسرع زين نحوه وعانقه بفوضوية هاتفاً: إزيك ياض عامل إييه بكليتك الجديدة، هاا قولي في حاجة تغيرت فيك؟ إحساسك إييه..؟ أنا فاكر هارون بكبده الجديد بقى وحش أوي أصله كان جايبه من بليد..
, عبست ملامح عدي بحدة وهتف: و أنا برضو بقيت وحش يا زينو..
, ربت على جرحه هاتفاً: أصها من الكلب اللي هنااك..
, زفر لؤي بغضب وهو يتابعهم بغيظ بعدما لم يهتم أحد بهم، أو على الأقل بوائل ليهتف: متكلمناااش ولا تجيب سيرتناا خالص.. وخلي قهوتنا هاادية..
, طالعهم تليد بهدوء ثم اقترب منهم يبتسم بخفة: إزيك يا وائل..؟
, نهض وائل سريعاً: الحمد**** يا باشا و حضرتك..؟
, تليد: كويس.. أشرف كان هييجي يزورك بس عنده شغل مستعجل..
, نقل نظراته نحو التوأم ذو العيون الحادة، ليبتسم لهما ملوحاً: هاي..
, رمقهم وائل بنظرات حادة محذراً ليزفر الإثنان بحنق: هاي..
, زادت ابتسامة تليد، وسحب كرسياً قريباً ليهتف لأحد رجاله: تعالا جربه..
, أسرع الرجل إليه، جلس على الكرسي وهزه بخفة لينهض هاتفاً: أمان يا باشا..
, جلس تليد واضعاً قدماً فوق الأخرى، ثم أخرج سيجاره من جيبه ليشعله ويبدأ بتفث الدخان يطالع زين الذي يتفحص أركان القهوة بفضول ويلقي نظرات نارية على أهل الحارة الذين زاد تجمعهم..
, لحظات كانه صامتة بينهم، حتى هتف تليد: عدي.. سيب تلودة مع زينو وتعالا..
, اقترب زين سريعاً ليهتف تليد يوقفه: خلي تلودة معاك عقبال ما اخلص السيجار..
, رمقه زين بغيظ ليمسك الصغير بين يديه ويجلس بجانب مسعد، فيما اقترب عدي على مضض وجلس على كرسي بجانب تليد ولم ينسى أن يحدق بوائل بغضب حاد..
, أخرج تليد من جيبه ورقة يقدمها له: خد امضي عليها..
, تلقفها هدي منه بسرعة: إيه دي يا تليد..؟!
, نفث تليد الدخان بوجهه ليبعد عدي وجهه بغيظ يفتح الورقة ليقطب جبينه مطالعاً ما بها، فيما هتف تليد: طلب تسريح.. امضي عليه و أنا هقدمه للقيادة بكرا..
, ضاقت عيون وائل بشدة مطالعاً عدي الذي رفع نظراته لتليد: أنت رأيك إيه يا باشا ؟؟
, طالعه تليد بصمت للحظات، ثم هز كتفيه: براحتك.. أنا معاك باللي هتختاره..
, صمت مجدداً ثم سحب نفساً أخيراً من سيجاره، ليلقيه خارج القهوة عبر السور الخشبي القصير الذي يفصلها عن الطريق المُحفر أمامها،
, التفت مجدداً نحو عدي: ده طلب تسريح من المخابرات بس.. لكنك هتفضل في الشرطة لو عايز..
, عقد عدي حاجبيه بحدة ليهتف وائل: وهو هيتسرح ليه..
, عدي بغصب: أنت ملكش دعوة..
, لؤي: و أنت متعصب ليييه ولا عشان عارف نفسك فاشل فب..
, وائل: لؤي اخرس..
, عدي: تليد باشا شايف محتلين قهوتي إزاااي وهي مش ليهم..
, وائل: صلّحتها بفلوسي..
, عدي: فلوس تليد..
, وائل: تمن كليتي..
, عدي بغضب: هشرب فودكا..
, تليد: أنا معايا قزازة فودكا في العربية يا عدي..
, التفت عدي نحوه بحدة، ثم زفر ناهضاً عن كرسيه بغضب ليهتف وائل بهدوء: أسف لتدخلي يا باشا.. لكن.. عدي شكله مش عايز يتسرح ..
, التفت تليد نحوه بصمت ثم هتف: و أنت يهمك في إيه ؟!
, زلر وائل يشيح بوجهه عنه بغضب، ثم عاد ينظر له بحدة: مش لازم يبقى عندي مبرر لكل حاجة بعملها أو بقولها، عدي بقى أخويا بنظر أهل الحارة.. ولو هو مش همه سمعته ولا شغله وتصرفاته ف أنا يهمني.. أخواتي و أمي يهموني ومش هسمح لعدي أنه يأثر عليهم..
, بقي تليد صامتاً يطالع انفعال الآخر بهدوء تام استفز حواس وائل أكثر،
, نظراته الهادئة وترته وزادته غيظاً، و كأن تليد يريد أن يخترق داخله ليعلم بما يفكر، و ما يخبئه وراء كلماته تلك..
, نهض تليد عن جلسته يعدل ملابسه ليهتف: محدش يقرب من عدي ولا يحاول يستفزه.. عيني هتفضل على أهل حارتك..
, رمقه وائل باستنكار ليهتف تليد: والكلام موجه ليكم أنتوا كمان..
, لؤي: قصدك إيييه أن..
, وائل: لؤوي..
, عاد يحدق بتليد فيما هتف تليد بهدوء: المفروض إحنا التنين عايزين نفس الشيء، أنا مش عايز عدي يتئذى، و أنت زي ما بتقول مش عايزه يأثر عليكم.. شوفت الموضوع سهل إزاي..
, قطب وائل جبينه بحدة: مش فاهم..
, ابتسم تليد بحانبية: تؤ.. فاهم كويس أنت مش غبي..
, التفت بعدها يبتعد عنهم ليهتف قبل رحيله: ارتاح اليومين دول.. احتمال التدريب يختصروه يعني أقل من شهر وهييجي الحفل التكريمي و أنت هتبقى موجود معانا..
, سار بعدها متجهاً نحو عدي الدي يجلس بجانب زين واضعاً الصغير بين أحضانه، ليهتف مقترباً منه: عدي..
, رفع عدي نظراته له، ونهض يقترب منه حاملاً الصغير يحدث به بصمت ليهتف تليد: هقدملك طلب استيداع لكام شهر.. ولو عايز سنة..
, عدي بعدم فهم: يعني إيه ؟؟
, تليد: يعني تتوقف عن شغلك لمدة معينة٣ نقطة زي الإجازة المفتوحة أو مثلاً إجازة مرضيّة.. تاخد وقتك تفكر وتظبط حياتك ..
, ابتلع عدي ريقه بفضول: وهظبط حياتي إزاي يا باشا ؟!
, تليد: أنت بتسألني..؟
, عدي: يا باشا ومنكم نستفيد يعني..
, رمقه تليد بطرف عينه ليهتف: هنقلك مكافحة، وتبقى مع هارون..
, توسعت عيون عدي هاتفاً: هاروون؟! مكافحة مخدرااات ؟! **** أنا طول عمري بحب أكااافح.. وبحب الهدوم بتاعتهم تحسهم هيبة كده، بس هو يعني.. حصل معاك إيه بخصوص المرتب..؟
, رفع تليد حاجبيه باستنكار: مرتب إيه ده أنت كدبت الكدبة وصدقتها ..؟
, عدي بصدمة: يعني إيييه؟! طب ع القليلة عشان احس نفسي فدت الوطن وباخد تمن تعبي وتضحيتي..
, رمقه تليد بهدوء: نشوف الموضوع ده بعدين.. مش هتشربني قهوة بقا ؟!
, ابتسم عدي باتساع وهز رأسه يسحبه من ذراعه نحو المكتب الصغير و يدفع والده: قوم يابااا وسع للباشا..
, رمقه مسعد بغضب وضربه بنبريج الأرجيلة الذي كان يشربها: يا عاااق بتقوم أبوك عشان تقعد ناس غرباااء..
, عدي: تليد من أهل القهوة يااابا.. أقعد يا تليد أقعد، ياااا٤ نقطة أا. هو الراجل بتاعك أسمه إيه يا باشا ؟!
, تليد: مش عارف..
, عدي بصوت عالي: يااا مش عارف هات قهوة للباشااا وشيشة برضو، وهاتلي أنا وزينو شاي، و روح هاتلنا حاجة ساقعة للواد.. لا أستنا هاتلنا شيبس..
, تليد: لا هو مش بياكل شبيس..
, زين: عدي مش هتاخدني لبيتك كمان أنا عاير أشوفه..
, عدي: نشرب قهوة الأول..قصدي شاي، وبعديها هعرفك على كل كلب من كلاب حارتي واحد واحد قصدي كلب كلب، أوعدك..
, ابتسم زين بقبول، واقترب منهم ليجلس على كرسي حول المكتب ويمد قدميه على كرسي آخر، فيما عيناه لاحقت بتحفز أحد رجال الحارة والذي يبدو عليه التردد وهو يدخل القهوة بعدما شجع نفسه طويلاً، ليهتف: أهو أول كلب فيهم جه اهوو..
, رفع الرجل رأسه بحدة يحدق بزين الذي يشير نحوه بحماس، ليترك الكرسي الذي همّ بالجلوس عليه، ويتجه بغضب خارج القهوة مجدداً تلاحقه عيون عدي المصدومة والمغتاظة،
, كاد يصرخ على زين ويتعارك معه، إلا أنه توقف مضيقاً عيناه بتعجب، عندما لمح نهوض وائل و أخويه واتجاههم خارج القهوة بخطوات هادئة بدون حتى أن يُلقوا نظرة عليه، باستثناء لؤي الذي رمقه بغيظ وتوعد لم يستطع تخبأته..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih و pop44
العشرون الاخير


بعد عدة أسابيع ..
, حركة الطريق أمامه كانت مزدحمة، تعج بأهل الحارة، أسراب من الأولاد يركضون معاً خلف كرة مُسودة متسخة تكاد تلتصق بنفسها بعدما فقدت انتفاخها، و مازالت تُقذف بأرجلهم لتصطدم كل فترة بالحاجز الخشبي الخاص بالقهوة والذي يفصلها عن الطريق ..
, هب لؤي عن جلسته بجانب توأمه أمام الدرجتين الإسمنتيتين الوحيدتين في مدخل القهوة وصرخ بعلو: يا ٤ العلامة النجمية منك له له لو شفت الكورة هنا تااني هقطعهاااا و أقطعكم يا شوية ٤ العلامة النجمية ..
, طالعه عدي من داخل القهوة بغيظ وغضب، وضع قدماً فوق الأخرى، يأخذ نفساً قوياً من النرجيلة التي بجانبه، فيما صوت أم كلثوم كالعادة يدوي في الأرجاء من الراديو الصغير القريب من والده،
, اللي شوفته..
, قبل ما تشووووفك عينياا
, عمر ضااايع بيحسبووه إزااي عليااا ؟!
, اللي شوفت..
, صاح عدي به: أقفل الزفت ياباااا لأما أسكت صوتك ووحش..
, حدق مسعد به بنظرات مشتعلة، وهتف بتكبر: اللي مش عاجبه ميسمعش..
, عدي: مسمعش إزاي يابا ما أنت صوتك مسمع الكرة الأرضية كلها .. بعدين أنت مبتزهقش دي بقالها سنين بتكرر نفس الجملة غيرها يا أخي غيرها بص حطلنا عبد الحليم، أو مثلاً الواد اللي كان أسمه أسمهان..
, مسعد: أسمهان ست ياض يا جاهل، ست ولا كل الستات ..
, رفع عدي حاجبيه يطالع والده المندمج بشرحه عن الزمن القديم و أيامه، ورغم غيظه منه، إلا أن شيئاً داخله بدأ يبتسم بسعادة وراحة،
, كلمات والده بدت مُتذكرة لكل شيء، يروي له أشياء كان قد نسيها سابقاً،
, حتى أن نسيانه الحالي قد قلّ قليلاً، بعدما انتظم على جلساته المتكررة للدكتور الخاص به، وانتظم على علاجه وأدويته،
, ابتسم متنهداً بقوة، ف الفضل بذلك يعود لتليد الذي كلّف أحد رجاله و فرّغه فقط لتلك المهمة، يأتيهم في كل موعد مع الطبيب يُذكرهم به، ويُجبر والده على الذهاب في حال أعترض و رفض ..
, خرج من أفكاره على صوت أحد الفتيان في نفس عمر لؤي و وليد، وهو يصرخ أسفل يدي لؤي الذي يضربه بقوة ويشتمه بشتائم تعوّد عليها عدي منهم ..
, فيما وقف وليد قريباً منه يطالعهم بحدة وتشجيع لينهض من جلسته صارخاً: أنتواا عامليلي فيلم أكشن هنااا إمشي ياض يا كلب أنت وهو مناظر زي دي قصاد قهوتي المحترمة مش عااايز ..
, مسح لؤي الدماء من جانب فمه، ونهض عن الفتى الذي يشتمه ويبتعد عنه بغضب وتوعد، ليهتف لؤي بغضب: و أنت مش شاايفه عمل في المحترمة دي إييه بص كسر الكرسي هنا ..
, نظر عدي للكرسي القريب المكسور ليهتف واضعاً كفاً فوق الأخرى: و أنت مالك ياض إيه اللي حشر مناخيرك في الكرسي، هو حد اشتكااالك؟! والكراسي دول المتكسرين بسببكم كنتوا ظبطوا القهوة كويس مش شغل أي كلام ..
, التفت عائداً للداخل ليرمقه لؤي بحدة يقبض على يديه بجانب جسده، ثم رفع ذراعه مجدداً يمسح الدماء من شفته، ليسحبه وليد ويعودا للجلوس على الدرجات الإسمنتية أمام القهوة ..
, يراقبان المارة من حولهم، يُحققان مع الداخل والخارح للقهوة، و لا تمضي ساعة إلا ويندلع عراك بينهم وبين أي أحد صغيراً كان أو كبيراً!
, هتف عدي بالرجل الذي رفض أن يعطي الصبي الذي بدأ يعمل عنده منذ أيام، ثمن كأس شاي لم يعجبه طعمه: و أنت ياض إحنا ذنبنا إييه إذا كان لسانك مُر وبتحس بكل حاجة مُرة زيك، هااات ياااض الفلوس لاحسن ألعن ميتين أبوك..
, هتف الرجل بحدة: أنت قد الكلام ده يا ٣ العلامة النجمية أنت فاكر أن لو دي قهوتك يبقى هتذلنا لااا يا بابا إحنا بنيجي هنا بفلوسنا..
, التفت يركل كرسياً بجانبه و كاد يتجه للخارج أمام نظرات عدي الذي ابتسم بحقد يجهز نفسه للهجوم عليه، إلا أنه توقف مكانه قبل حتى أن يتحرك ناظراً لوقوف وليد ولؤي أمام الرجل،
, وجوههما حادة حاقدة، وليد يمد كف يده المفتوح يُطالبه بالأموال ولؤي يجهز قبضته المحمرة مستعداً للعراك الذي لا يمل منه ..
, انتهى أمرهم بأموال تُقذف أرضاً أسفلهم، وشتائم الرجل التي طالتهم وهو يسير في الشارع حتى اختفى..!
, أخذ لؤي الأموال ليهتف عدي: أنتوا مش هتريحوني منكم..؟
, وليد: و أنت مالك القهوة دي لينا فيها زي ما ليك، و أهي الفلوس جبنهالك بدل ما أنت ياعيني مش عارف تتصرف لوحدك..
, عدي: أنتوا حد مسلطكم عليااا..
, وليد: أهاا أخونا وائل..
, كور عدي قبضتيه بقوة يطالعهم بحدة وعيون غاضبة ثائرة، فمنذ بداية فتحه القهوة وهم لا يُفارقونه، ليلاً نهاراً، يتشاجرون معه، يشتمونه، ويشتمون الزبائن والمارة،
, يحاولون تقاسم الأرباح معه إلا أنه يرفض ذلك بتعنت و تهديد، و في نهاية اليوم يعود وائل من عمله يصرخ بهم وبالجميع ويُعيد له الأموال بتكبر في حال أخذوها منه ..
, ما أدركه هو بأن وائل قد أوصاهم بذلك، يجلسون كالحرّاس عليه وعلى القهوة، ولطالما تشاجرا مع أي أحد يشتم عدي أو يُهينه في الكلام كما كانوا يفعلون به في السابق،
, ورغم أنهما كانا من المشاركين في شتمه وقهره وظلمه قديماً، إلا أنهما الآن يُنكران ذلك كالبغال ويُفوّضان نفسهما كملاكيه الحارسين من فصيلة الكللابب الشاردة، يحرسونه متى يشاؤون ويشتمونه في اللحظة التي تليها..!
, بالنسبة لهم، يُنفذون كلام وائل بالحرف رغم رفضهم لذلك، ولكن حبهم للشجار الدائم يجعل من مهمة حماية عدي وقهوته فكرة رائعة بالنسبة لهم، فالمشاكل تكون أينما يكون عدي!
, والعراكات مُبررة بأكثر من حجة أمام وائل و والدتهم،
, وربما باتا يشعران بأن لا حق لأحد أن يؤذي عدي أبداً، غيرهما طبعاً!
, زفر بحدة ورغم ذلك، عاد ليجلس واضعاً قدماً فوق الأخرى باسترخاء بنسمات هواء عليلة في ذلك النهار الصيفي المنعش، يتمنى أن تركض الأيام سريعاً عل المدارس تفتح أبوابها ويتخلص من القردين أمامه أخيراً ..
, قطب جبينه بحذر حالما لمح اقتراب شخص من نهاية الشارع المؤدي إلى منزله، توسعت عيناه ولاحت ابتسامة على شفتيه بدأت تتوسع بسعادة عندما اقترب تليد منهم أكثر ..
, ليهب عن جلسته يتجه خارج القهوة لملاقاته، يركل لؤي و وليد في طريقه متجاهلاً شتائمهما وتوعدهما له، ليصرخ بفرح: تلييييد..؟!
, لم يكن رآه منذ عدة أسابيع بعدما انشغل الآخر في عمله وخاصة بعد عودة وائل للعمل، وتكثيفهم التدريبات اليومية لينتهوا بأسرع وقت.. ولم يكن يعلم بأن غيابه عنه سيكون صعباً ومغيظاً لتلك الدرجة..
, وصل إليه و بسرعة تعلق به يعانقه ضارباً ظهره بقوة يصيح به: و**** وحشتني أنت كنت فييين كل ده لما كنت تدربني كنا نخلص بدري عن كده..
, ابتسم تليد يبادله العناق بعدما تمالك نفسه وثبت أقدامه أرضاً إثر اندفاع عدي الهائج، و ابتعد أخيراً هاتفاً: و أنت كنت تدرب يا عدي، ما أنت كل يوم جايبلي مصيبة توقفك عن الشغل أيام..
, ابتسم عدي باتساع وهتف يتأمل وجهه: تصدق كنت لسه بفكر أزوركم و أشوفكم، المكان هناك وحشني و****، و أنت معتش جيتلي ليه بقا كده نسيتني بالسرعة دي..
, ابتسم تليد يخرج من جيبه سيجاراً فاخراً، وضعه بين شفتيه يهم بإشعاله إلا أنه انتفض فجأة حالما حاوط عدي ذراعه وسحبه بقوة يجره خلفه بحماس نحو القهوة ليصرخ حالما رأى التوأم: وسع ياض أنت هو وسعوا للباشااا..
, حدق التوأم بهما بحدة، ونهضا على مضض يُفسحان المجال لدخولهم أمام نظرات تليد المستمتعة، والذي رفع يده متمتماً والسيجار ما زال بين شفتيه: هاي ..
, تجاهله الإثنان ليهز كتفيه هاتفاً: وائل جاي ورايا هقوله أن..
, قاطعاه حالما هتفا معاً: هايات..
, ضحك عدي هاتفاً: اديلهم يا باشا هما و أخوهم، شوف قاعديلي كده علطول لا شغلة ولا مشغلة ..
, لؤي: بقولك إيه ياض يا عدي لو..
, قطع كلامه عندما رفع تليد حاجبيه وهز رأسه بمكر وكأنه يُذكرهم بوصول وائل في أية لحظة، ليقضم شفته بحدة وصاح: إحنا بنحرس القهوووة وأنت اللي ملكاش لازمة هنااا..
, عدي: و**** أنا حر القهوة دي بتاعتي وبتاعة أبويا واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيييط..
, لؤي: و إحنا صلحناها بفلوسناا تمن كلية أخويااا..
, رمقه عدي بحد ثم التفت لتليد: أنت ملقيتش تجبلي كلية إلا من الكللابب دول، أنااا عايز حاجة تخليني أخسرها مبقتش عايزها خلاص هاتلك طريقة تبوظهالي..
, تليد بدهشة: مجربش الفودكا لحد دلوقتي..؟!
, رمقه عدي بحنق ثم هتف بتحمحم: لأ ما أنا.. أصل يعني مش عايز حاجات حرام هاتلك حل غيره..
, رفع تليد حاجبيه بخفة ليهتف بعد تفكير: هات أبو وائل يغزك سكينة فيها وخلاص ده بقا معلم في الحاجات دي..
, طالعه التوأم نظرات حادة تجاهلها والتفت يتجه نحو مسعد الذي وضع الراديو جانباً: تليد باشااا، ياااه و**** زماان عنك ..
, تليد: أنتوا محسسيني أن بقالي سنة غايب ليه..
, هتف عدي يمد له كرسياً: عشان مش متعودين على غيابك كده، هاا قولي يا باشا أخبار الشغل إيه من غيري أنت مبسوط..؟!
, تليد: تؤ ..
, توسعت ابتسامة عدي، حك رأسه هاتفاً: عشان أنا مش موجود صح يا تليد ؟!
, نفث تليد دخان سيجاره بوجهه ليقطب عدي جبينه بحدة يلوح بيده بغضب: أنت مش هتبطل العادة الزفت دي..
, تليد: معاك أنت.. لأ..
, زفر عدي بضيق ليهتف تليد: أها عشان أنت مش موجود أنا بقيت وحيد من غيرك ..
, لمعت عيون عدي هاتفاً: مش بتدرب حد صح يا باشا ؟!
, أومأ تليد برأسه فيما هتف مسعد: أنت تعرف أسمهان يا تليد صح؟! الواد الحمار ده مش عارفها، هي ست ولا كل الستات..
, تليد: أيووون أنا اللي أعرف، وبعرف برضو باباها وكل عيلتها..
, مسعد: شوفت يا واد يا جاهل الناس اللي بتفهم.. أسمهان دي أجمل ستات الأرض..
, عدي: و أنت عارف ستات الأرض من فين يابا ؟! ده أنت سهيلة كنت يادوب عارفها..
, مسعد: أخرس يا عاق.. أنت فاكر كل الناس جاهلين زيك..
, هتف تليد ناظراً للصبي القريب منهم: هو ده اللي شغلته عندك ؟!
, عدي: أها يا باشا ده من الحارة اللي جنبينا حرام شفقت عليه كان محتاج شغل..
, ابتسم تليد يخفة فيما هتف عدي: قولي بقا أخبار زينو إيه وتلودة وهارون، هشتغل مع هارون خلاااص قررت..
, تليد: هاجي في يوم أخدكم وتقعدوا معانا كام يوم، ولا إيه رأيك ما مسعد..؟
, مسعد: لأ خد الواد ده، أنا مش هسيب قهوتي لايسرقوها تاني..
, ابتسم عدي محدقاً بوالده بحزن ثم عاد يحدق بتليد الذي هتف: المهم يا عدي..
, طالعه عدي بتنبه ليهتف تليد نافثاً الدخان بوجهه مجدداً: التدربيات انتهت، قدامهم إجازة أسبوع كده وبعديها هيعملوا الحفل التكريمي، و أنا جاي دلوقتي أدعوك للحفل..
, ابتسم عدي بلهفة: هيكرموك يا باشا ؟!
, أومأ برأسه بخفة هاتفاً: ويكرموا المتدربين في المراكز الأولى، وتقدر تجيب أي حد معاك، المتدربين هيجيبوا عائلاتهم..
, رمش عدي بعينيه بحذر، ثم قرب رأسه منه: هو وائل أخباره إيه يا باشا ؟!
, تليد: لا وائل ده راجع حامي أوي..
, عدي: يعني هو كويس ويُبلي بلاءاً حسناً..؟!
, ابتسم تليد باتساع وهو يومئ برأسه وهتف: ده طلع مركزه الأول على فكرة..
, رفع عدي حاجبيه بتحفز ليهتف تليد ناظراً للقادم من بعيد: أهو جه أبن حلال..
, رمقه عدي بحدة وهتف: في إيه يا تليد هو أنت عمال تمدح بيه كده ليه، أنا لو كنت مكانه كنت طلعت الأول برضو..
, طالعه تليد بابتسامة هادئة، ونفث دخان سيجاره ليقذفه في الهواء حتى تخطى الحاجز الخشبي نحو الطريق، ليهتف: أنت مفيش زيك يا عدي ولا وائل ولا غيره أنت صاحبي، بس هو برضو بقى ظابط لا يُشق له غبار..
, مسعد: هو إيه يعني ده يا عدي يُشق وغبار ؟!
, هتف عدي بحنق: معرفش ومتحفظليش كلام جديد تدوشني بيه، و أنت يا تليد لا يشق إيه ده، أمال يعني أنا اللي كان يُشقلي؟!
, رفع تليد حاجبيه بدهشة، ومد يده يتحسس جبينه: بسم **** عليك أنت عيان..
, أبعد عدي يده بغيظ والتفت يحدق بوائل الذي وصل إليهم و وقف خارجاً بجانب أخويه، زفر بضيق يتأمله بتلك البدلة الرسمية الخاصة بالعمل والتي بات يرتديها مؤخراً، بسلاحه المعلق على خصره يزيده هيبة وقوة مع سمار بشرته الذي ازداد..
, نهض عن جلسته متذكراً شيئاً، واتجه حيث يجلس والده ليسحب من الدرج مبلغاً مالياً بسيطاً يعطيه لتليد: خد يا تليد الفلوس دي..
, نظر تليد للأموال بدهشة ليهتف عدي بحماس: ده تمن الشاورما اللي جبتهالي زمان.. أمسحهم بقا من القائمة..
, عاد ليجلس على كرسيه ليهتف تليد يعيدهم له: القائمة عندك مش عندي.. خدهم..
, عبست ملامح عدي وهتف بانفعال: لا بقا أنا ماصدقت جمعتهم علشان ضميري يرتاح شوية، فاضل كمان الشوز والجاكيت و الموبايل و العربية، بس الكلية لاا أنت متستاهلش عشان خدعتني وجبتلي كلية كلب..!
, هتف وائل من خلفه: وكلية الكلب دي هي اللي معيشاك.. إحم إزيك يا تليد باشا..؟
, تليد: أهلاً يا وائل.. أقعد..
, عدي: لا مايقعدش يروح يقعد في بيت أبوه..
, وائل: ما أقعد في قهوتي فيها إيه..؟
, هتف عدي بحنق: تلييد إسلفني فلوس تمن تصليح القهوة عشان احدفهم في وشه و أخلص منهم..
, وائل بحدة: مش هتخلص مننا ولو مش عاجبك تقدر تمشي أنت تقعد في بيت أبوك..
, تليد: وائل..
, زفر وائل: أسف يا باشا..
, رفع عدي حاجبي بحذر ليبتسم بعدها واضعاً قدماً فوق الأخرى: أيوه كده اتعدل أنت فاكر نفسك واقف فيين.. دي قهوتي المحترمة وده الباشا عليك وعلى اللي خلفوك..
, رمقه وائل بحدة وهتف: أنت ياض اعدل لسانك ل..
, تليد: وائل..
, رمقه وائل بغيظ: مش سامع يا باشا ب..
, تليد: وائل..
, تعالت ضحكات عدي يهز رأسه بسخرية واضحة لوائل الذي ضم قبضتيه بجانب جسده بحدة، وأخذ نفساً عميقاً محاولاً تهدأة نفسه ليلتفت مستئذناً من تليد ويتجه خارج القهوة..
, لاحقه عدي بابتسامة متوسعة ليهتف تليد: فرحان كده ؟!
, عدي: أوووي.. **** يخليك يا باشا للغلابة أمثالي..
, ابتسم تليد ونهض عن جلسته ليهب عدي بسرعة: على فيين لا بقا أنت مقعدتش بص هقفل القهوة ونروح البيت..
, نفى تليد بخفة: مرة تانية..
, أمسكه عدي من ذراعه بحنق: و أنت إيه اللي شاغلك دلوقتي، تعالا معايا أم وائل بتطبخ
, أكل جميل جدااا هيعجبك..
, رفع تليد حاجبيه: هي لسه مداومة وبتبعتلك الأكل كل يوم..؟!
, عدي: أيوه دي طلعت ست طيبة خسارة في جوزها وعيالها.. ها قولت إيه؟!
, نفى تليد مجدداً ليهتف عدي بغضب: وهتروح فين إن شاء **** وبتيع تقل ليه حضرتك ؟!
, تليد بابتسامة: أصل معايا منه كتير.. تشتري ؟!
, تأفف عدي بضيق ودفعه بحدة: إمشي..
, عدل تليد ملابسه والتفت يلوح لمسعد بخفة ثم هتف لعدي الذي بقي واقفاً مكانه: هجيلك تاني نروح نشتريلك هدوم عشان الحفل..
, عدي: حد قالك إني قبلت الدعوة؟!
, تليد: هتقبل..
, اتجه خارجاً من القهوة ليزفر عدي بضيق ويعود لجلسته.. إلا أنه سرعان ما هب واقفاً وركض خارج القهوة يتبع تليد الذي كان قد ركن سيارته بجانب منزله ليسير بجانبه بصمت وجبين مقطب حانق لذهابه بتلك السرعة..
, ٧ علامة الإقحام
, بعد عدة أيام..
, جلس وائل على كرسي أمام طاولة خشبية في إحدى جوانب القهوة، رفع ساقه يضعها فوق الطاولة ليهتف عدي حالما رآه: نزل رجلك يا حيوااان..
, طالعه وائل بحدة، والتفت للزبائن من حولهم ورفع رأسه لعدي الذي اقترب منه بغضب وتهديد،
, هتف به بحدة وعيون ضيقة: مش عشان ساكتلك تسوق بيها، أنا مش بكلمك بسوء يبقى متكلمنيش..
, ضحك عدي بسخرية، وسحب كرسياً ليجلس بجانبه: حلوو جداً التغير ده، و يا ترى إيه سببه ؟!
, طالعه وائل بنفس النظرات لينزل ساقه هاتفاً بتحفز: ولا حاجة، بس زي ما أنت شايف أنا بقيت ظابط خلاص وليا هيبتي ومكانتي..
, رمقه عدي بصمت، ولا يدري لماذا طالعه من الأعلى إلى الأسفل بتمعن ببدلته الرسمية الخاصة بالعمل، و التي يرتديها أغلب الوقت، خاصة مع عيون أهل الحارة التي تلاحقه بحذر، وسلاحه الذي يتدلى من خصره يزيدهم حذراً وتوجساً منه..
, يعلم بأنهم جبناء، يستقوون على الضعيف و الوحيد طوال عمرهم، و ربما سيرة والده لم تدوي على ألسنتهم كثيراً، بسبب حدته مع الجميع، تهديده لهم بلغة الشوارع التي يحفظها هو إخوته منذ صغرهم،
, إن كان يتعامل مع الأنذال فسيصبح أندل منهم،
, هذا ما كان يتفوه به لنفسه على الدوام.. وربما نذالته مع أهل حارته خصيصاً جعلته موضع قوة بينهم..
, فيما بقي عدي يطالعه بصمت، يتذكر كلمات أهل حارته عليه، رغم أنها باتت قليلة إلا أن هناك كلمات تجذبه، خاصة مع وجود وائل و أخويه حوله دائماً،
, و كلمة أبو سلمى الذي جائه في اليوم الفائت، يشمت به و يتهمه بأنه أصبح يغار من وائل لما حصل عليه وهو لا..
, لم تُغضبه كلماته تلك، بقدر ما جعلته يغوص في تفكير عميق على غير العادة، و شعور التعجب داخله كبير لأنه أدرك بأن كلام أبو سلمى، غير صحيح..!
, وذلك ما جعله يتعجب من نفسه،
, رغم أنه لم يكن حلمه الشهرة والعمل ذلك كما كان حلم وائل، إلا أنه قد أحبه في النهاية مع وجود تليد بجانبه..
, ويشعر بأنه لولا معرفته مؤخراً بصلة القرابة بينه وبين وائل، و تبرع الأخير له بالكلية لكان غار منه فعلاً!
, وعى من شروده على صوت أبو سلمى الذي يمر غالباً من أمام القهوة، يرمق الجميع بحنق، بغيظ و حقد كبير بشكل واضح: إيه ده إيه ده، أنتوا التنين على طاولة واحدة..؟!
, هتف وائل بصوت حاد مهدد: عايز إيه يا أبو سلمى ؟!
, أبو سلمى: ولا حاجة، بشوف قهوتي اللي اتسرقت مني للكلاب و ال٣ العلامة النجمية..
, عدي بغضب: إمشي ياض من هنااا لاحسن ي..
, قاطعه وائل عندما نهض عن جلسته: سيبه يا عدي..
, طالعه عدي بحدة يراه يشمر عن ساعديه وقفز بخفة من أعلى السور الخشبي، ليجذب أبو سلمى من ياقته: للأسف كنت بشفق عليك وعلى سنك وبقول مش هيستحمل ضرب..
, أبو سلمى: سيبني يااض يا٣ العلامة النجمية أنتوا..
, قاطعه وائل بلكمة متوسطة القوة، إلا أن جسد أبو سلمى الهزيل طُرح أرضاً بصدمة وفزغ يلتفت حوله بعيون زائغة،
, صراخ التوأم ظهر من جانبهم، والذين قفزا سريعاً فوق أبو سلمى بحماس وتوعد: سيبهولنا يا وااائل..
, رفع عدي حاجبيه بحدة وتكتف بغضب ناظراً لوائل الذي هتف: هكتفي حالياً بأخواتي الصغيرين عشان يربوك، أصلي مش هوسخ إيدي فيك.. وأسمعوا كلكم أي حد هيقعد في القهوة دي يقعد باحترامه و إلا هنعلمه الإحترام بنفسنا و بإيدنااا، و أي حد بيضايق عدي ولا مسعد ولا أخواتي بكلمة أنا هنسفه من على وش الأرض، ساامعين ؟!
, ابتسم عدي ساخراً يحدق بوائل الذي اقترب من السور الذي يفصلهم، وتعالى صراخ أبو سلمى وهتاف الزبائن والمارة الحذرين والقلقين من تهديد وائل.. ليصم آذانهم..
, طالعه وائل بتمعن: بكرا الحفل هتيجي ؟!
, عدي: و أنت مالك؟! لا استنى لو فاكر إني هاجي لجنابك تبقى غلطااان.. أنا رايح لتليد..
, وائل: عارف أنك رايح لتليد باشا.. أنا أهلي جايين معايا..
, عدي: و أعملك إيه يا نغة..
, رمقه وائل بحدة ليهتف: بقولك إيه ياض أنا مستحملك كتييير اتقي شري قبل ما أفقد أعصابي عليك.. عايز تخانق نتخانق بس مش قدامهم، مش عشان حاجة لا.. بس أنا بقيت ظابط محترم.. ده غير إننا قدام الناس أخوة مش هشمت أهل الحارة فيا..
, عدي: ميشرفنيييش أبقى أخوك على فكرة..
, وائل: و أنت شايفني قاتل نفسي عليييك؟! أنا بس شفقان عليك قولت لنفسي تروح مع أهلي بكرا حرام ممكن تحس بشعور العيلة قدام الناس..
, استدار بعدها يتركه ويبتعد عن الصراخ والهتافات من خلفه، فيما لاحقه عدي بنظرات حادة، غاضبة، وغريبة،
, ربما يدرك فعلاً تمالك وائل لأعصابه على غير عادته، أخبره تليد بأن آخر تدريبات لهم كانت على أشياء كتلك، مما جعل وائل أكثر تحكماً بنفسه عن قبل قليلاً، وربما يحاول تدريب نفسه وتطويرها عن طريقه!
, تلك ثالث مرة يطلب منه القدوم للحفل كعائلة!
, يطلبها منه بطريقة هادئة، ثم تتحول لحقيرة مغيظة بعد كلمات عدي الأكثر إغاظة،
, ولا يعلم هل هو فعلاً يحتاجه ويريده بينهم أمام باقي زملائه، أم أنه فقط استعراض ضمير حي، أمام تليد و مدربه و عائلته..!
, زفر بحدة ينظر لأبو سلمى الذي مازال يصارع بين التوأم ليهتف بحنق رافعاً رأسه نحو السماء: يااارب.. أعمل إيه مع شوية الكللابب دول.. طب أروح ولا مروحش؟! ما أنا لو مروحتش كده تليد هيزعل، ولو روحت وائل هيفرح و أنا مش بحبه فرحان صراحة..!
, تأفف بضيق والتفت لوالده: يلا يابااا هنقفل قوووم..
, تمتم بحنق وهو يوضب الكراسي والطاولات ويطرد الزبائن المتواجدين: خلاص هروح.. ولو شافني وائل هعمل نفسي مش أنا..!
, ٦ علامة الإقحام
, مساءً..
, تعالى الطرق على باب المنزل، ليخرج عدي من غرفته سريعاً بعدما كان يجرب للمرة المئة الملابس الجديدة التي اشتراها تليد له لحضور الحفل..
, فرك يديه بحماس يصيح بمسعد الجالس أمام التلفاز: العشا وصل يابااا جهز نفسك يا مسعددد..
, أسرع نحو الباب صارخاً: استنى يااا كلب..
, يعلم بأن الطارق هو وليد يوصل له الطعام كما في كل يوم.. في الصبح، والظهر والمساء، وقد بات معتاداً على ذلك، معتاداً على طبخ أم وائل والتي يود لو يقبلها شكراً لذلك..! وينتظر طعامها كل يوم بحماس وفرح..
, فتح باب المنزل بعدما أخفى ابتسامته متصنعاً الحدة: نعممم كام مرة قولتلك أخبط بالراحة مش زي الحميير..
, طللعه وليد بحنق، ورفع صينية الطعام نحوه، يقول كلماته المعتادة كما في كل مرة: خد إن شاء **** سم..
, فيجيبه عدي بنفس الكلمات أيضاً: على قلبك أنت و أخواتك..!
, سحب الصينية من يديه، والتفت يصفع الباب برجله لتعود ابتسامته وأنفه الذي بدأ بالشم يهتف سريعاً: يلا ياباا وصل العشا..
, ابتسم مسعد بفرح، والتفت متربعاً في جلسته على الأرض، ليكشف عدي الأغطية عن الأطباق القلية أمامه ليهتف: و**** يابا لو مكانتش الست دي أم وائل كنت جوزتهالك وعيشتها عندنا تطبخلنا كل يووم..
, مسعد: لا يا عدي.. أنا عايزة أنت اللي تتجوز٣ نقطة
, رفع عدي نظراته له، قطب جبينه بشرود وحدق بالطعام أمامه: أتجوز وماله.. أنا بقيت المعلم عدي عندي قهوة و بيت وشغلي مع هارون قريب..
, اتسعت ابتسامته هاتفاً: كل يابا كل، سمي ب**** واشتم وائل و أخواته..!
, ٧ علامة الإقحام
, في اليوم التالي..
, توسعت عيون عدي بحماس وتلألأت بفرح شديد ينظر لتليد الذي يرتدي ملابس رسمية أنيقة، ويستلم درعاً تكريمي بجانبه عدد من الضباط الكبار ومنهم جواد السطان..
, من جانبه كانت عائلة عز الذين تجلس بابتسامات واسعة فيما زين يهتف باسم تليد و كأنه يشجعه في السباق!
, لحظات واقترب تليد من عائلته التي بدأت تُبارك له وتهنئه على ترقيته التي حصل عليها، ليندفع عدي نحوهم: تلييد. باشااا مبارك يا باشا.. خلاص بقيت المقدم تليد و**** لايق عليك جدا..
, ابتسم تليد باتساع حالما عانقه عدي يتفوه بتلك الكلمات بحماس شديد، ثم ابتعد يحدق بهارون: أنا وافقت على شغلي معاك يا هارون..
, هارون باستنكار: و أنا حاسس أنك بتقولها و كأنك بتتفضل عليا لييه ياض..؟
, تليد: خلاص يبقى جهزلي نفسك أسبوع كده وهتبدأ شغلك..
, هتف زين يتعلق بتليد يجذب ذراعه: تليييد.. هات الدرع ده أتصور معاه..
, سحبه تليد منه وحاوطه بذراعيه: لأ.. امال تلودة فين عشان يباركلي..؟
, زين: مع مامته.. هاته شوية بس أتصور وأنشر صورتي طيب..
, هارون: و أنت عايز فيه إيه يا زينو أنا هديك بتاعي..
, زين: لا أنا عايز ده لونه حلو..
, ابتسم تليد هاتفاً: لأ أنا هديه لعدي ..
, عدي: بجد يا باشااا، هاااته..
, سحبه منه وكأنه لم يصدق ليهتف زين بحنق: هاتفه ياعدي أتصور معاه بس..
, عدي: هتصورني معاك..؟
, زين: أيوه تعالا..
, اتسعت ابتسامة عدي ورفع الدرع بين يديه يتمعنه ليهتف أخيراً: مش كانوا يدوه فلوس أحسن؟!
, سحبه زين من ذراعه يختار مكاناً ملائماً للصورة، ليتنبه عدي على كلام أحد الضباط والذي يهتف ببدء تكريم المتدربين الناجحين والحاصلين على المراكز الأولى..
, ترك الدرع مع زين بلا شعور حتى كاد يسقط أرضاً، تجاهل صراخ زين به واتجه سريعاً ليستطيع الرؤية من مكان أقرب، بحث بعينيه بين المتدربين الذي يرتدون بدلات رسمية موحدة زادتهم هيبة وجمالاً، ثم رفع نظراته يبحث عن عائلة وائل حتى وجدها..
, خرج أسم وائل أول متدرب ليثبت نظراته على وائل الذي ظهر من بين صفوف المتدربين يسير بانتظام بطريقة جعلت عدي يضحك بسخرية إلا أن ضحكته اختفت وحلت محلها ابتسامة واسعة يراه يقترب من الضباط أمامه يؤدي التحية ويستلم منهم درعاً خاصاً به..
, بقي يتابعه بصمت غير مدرك لنظرات تليد التي لاحقته بتمعن، حتى اقترب وائل من عائلته والذين أسرعوا نحوه يعانقونه بفرح، فيما والدته تمسح دموعها بالوشاح الذي يغطي رأسها..
, رفع وائل نظراته يلتفت حوله حتى حطت على عدي الذي بادله النظرات ناسياً ابتسامته معلقة على شفتيه، جاعلاً ابتسامة وائل تتسع والذي لا يستطيع شيء اليوم أن يُخفي فرحته وحماسه ودموعه التي ملأت عينيه بفرح لتحقيق حلمه..
, تنبه عدي على نفسه أخيراً وتذكر بأن عليه أن ينفي نفسه وهويته، حانقاً من ابتسامة وائل والتي شعرها مغيظة مستفزة..
, ٦ علامة الإقحام
, بعد أيام..
, سار هارون ببدلته الرسمية في مكتبه الأنيق أمام عدي الذي يرتدي نفس البدلة يتحسس نفسه بانبهار وإعجاب..
, هتف هارون: هااا إيه رأيك ؟!
, عدي: جمييل أووي أنا حاسس نفسي هيبة كده وعظمة..
, ابتسم هارون بغرور والتفتا معاً على صوت الباب الذي فُتح بدون استئذان ليهتف عدي بحنق: أنت ياااض إزااي تخش على مكتب هاروون باشا من غير إذن أنت اتجننت..!
, ارتفع حاجبي العميد بحدة والتفت لهارون الذي تحمحم بضحك: معلش يا فندم..
, صرخ العميد بغضب: هو ده الظاااابط اللي نقلوه هنااا ؟!
, رمش عدي بعينيه بحذر: عميد مين، فين ؟!
, هارون: ده القائد بتاعنا يا عدي وقائدك من النهاردة..
, شهق عدي ورفع يده سريعاً مؤدياً التحية ضارباً الأرض بقدمته: تماام يا فندمم..!
, رمقه العميد بغضب: أسمع يا بيه هنا تلتزم بالنظاااام وأي غلط تاني زي ده هيبقى حسابه عسير أنت ساامع..
, رمقه عدي بحنق وكاد يتكلم إلا أن العميد التفت خارجاً من المكتب، ليهتف بغيظ: إيه ده هما القادة كلهم تنحين كده؟!
, هارون: سيبك منه ده فالح في الكلام والزعيق وبس.. أنا هنا قائدك وبس..
, عدي: حبيبي يا هاروون حبيبي.. ها قولي هتلاقيلي عروسة إزاي ؟!
, هارون: عندنا كتييير بلاوي زرقة بتتحدف علينا كل يووم.. كلام في سرك بيبقى في بينهم مظلومين، هنطلعلك مظلومة غلبانة منهم توافق تتجوزك دي ماهتصدق..
, اتسعت ابتسامة عدي بلا شعور وهتف: و**** عين العقل، حلو أوي أنا عايز أتجوز مظلومة فعلاً..
, هارون بخفة: أمااال الدماغ ده شغال علطول.. المهم بقا هنضيفك إييه.. عندنا كل حاجة، سمعت من تليد أنك بتحب الفودكا ده أنا عندي نوع جاامد فودكا على شوية حشيش مخلوط على مورفين خلطبيتة جامدة هتعجبك لسه مبارح ماسكينها..
, فتح باب المكتب مجدداً بلا إستئذان لتتحفز حواس عدي بسرعة إلا أن عيناه توسعتا بفرح ينهض عن جلسته: تليييد ؟!
, هب هارون هو الآخر ولكن بغضب: إييه اللي جاب تلودة هنا..؟!
, نظر تليد للصغير بين يديه ليهتف هارون مقترباً منه: أنت اتجننت جايبه على مكان كله مجرمين ومخدرات، أطلع برا يا تليد..
, تليد: جينا نتطمن على عدي..
, عدي: حبيبي يا تليد و****.. أنا كويس الحمد**** والشغل هنا حلو أوي لسه مبارح ماسكين خلطبيتة جامدة..!
, رمقه هارون بغيظ ودهشة: و لاه أنت بتقول إيه.. تلييد إمشيييييي..
, تليد: طب متتعصبش، اديني عدي آخده معايا طيب..
, هارون: لأ..
, تليد: مش بمزاجك..
, هارون: أنا القائد بتاعه هنا..
, تليد: ما أنت قائد طيوب وبتحبني وبتسمع الكلام تعالا يا عدي..
, تنهد هارون يرمقه بحدة ليهتف تليد: مش هخرج من غيره وهيفضل تلودة هنا ويبقى شمام في المستقبل..
, ابتسم عدي بلهفة واقترب من تليد الذي تراجع للخلف: تعالا يلا وسيبك من الشغل أول يوم ليك خده إجازة خلاص..
, تابعهم هارون بعينيه بحنق وغيظ، حتى صفع الباب خلفهم بقوة حال خروجهم..
, استقل عدي اليارة بجانب تليد الذي مد الصغير له، تلقفه عدي بلهفة يضعه في حجره وأدار تليد محرك السيارة هاتفاً: معنديش شغل وقولت لما اجي أتطمن عليك وناكل مع بعض..
, توسعت ابتسامة عدي بلهفة: و**** أنا فرحان أوي يا تليد بوجودك معايا كنت زعلان عشان هشتغل بعيد عنك بس ادام هشوفك كل يوم كده ماشي، وبرضو هارون طيوب والقائد بتاعهم مهزئ عجبني..
, ابتسم تليد بخفة: أوعي تقولي دلوقت القهوة في وشه هو كمان ؟!
, ضحك عدي نافياً: لأااا أعوذ ب****.. بس هو يعني زعقت شوية.. بس صراحة أنا لسه مستغرب ردة فعلك يومها، وعرفت من ساعتها أنك بارد لما معملتش حاجة غير أنك مسحت وشك في المنديل وقعدت تتفرج على هاني باشا بيهزقني..
, زادت ابتسامة تليد أكثر ليهتف بهدوء: تحب تاكل إيه ؟!
, طالعه عدي بابتسامة واسعة شاردة، ليهتف بعد لحظات: خلينا ناكل شاورما يا باشا..
, التفت تليد محدقاً به للحظة، ثم ابتسم يهز رأسه متابعاً طريقه و كأن ما تذكره عدي قبل لحظات قد انتقل إليه هو الآن، لتأخذه ذكرياتهم أخيراً إلى ذلك المطعم الصغير الذي أشترى له منه سابقاً سندويشات له ولوالده..
, حدق الإثنان بالمطعم بفرح ليهتف عدي: أنزل هاتلنا أنا عايز تنين كبار مع قزازة بيبسي، أا. بقولك..
, صمت للحظة مفكراً ثم هتف: معلش بحبحهم شوية هاخد لأهل وائل معايا، حرام مامته بتتعب معانا كل يوم هأكلها أنا النهاردة..
, تليد بابتسامة: أم وائل بس ؟؟
, رمقه عدي بضيق: أه.. أنا مش بأكل كلاب.. هو صح وائل كلبنته بقت قليلة بس برضو مش هتنازله بسهولة ده يحمد **** أني هحسب حسابه بالأكل..
, زادت ابتسامة تليد يهز رأسه، مدركاً بأن عدي يتفوه بعكس ما يُضمره، فمنذ أيام فقط ذهب إليه في القهوة، ليرى جلوس وائل قريباً منهم يتحدث مع مسعد فيما عدي يطالعه عن قرب بصمت وبلا أي اعتراض.. يعلم بأنه يود أن يقترب منه فعلاً، يُحب محاولات وائل التي تنتهي دائماً بالإثنين مغتاظين من كلماتهم السامة التي يلقونها في وجوه بعضهم، إلا أن نظراتهم المغتاظة تلك تعكس رغبتهم بتخطي عداوتهم القديمة، ولكن رغبة أخرى داخلهم لا تود إنهاء تلك العداوة وكأنها ذكرى جميلة بينهم!
, ابتسم مجدداً هاتفاً هاتفاً: ومين اللي هيدفع..؟!
, دفعه عدي بكتفه: أدفع أنت دلوقتي وهسجلهم في القائمة بتاعتي وأردهوملك بعدين.. ما أنا خلاص بقى ليا مرتب أخييراا..
, تليد بضحك: و**** أنا خايف من المرتب ده لاميجيش هو كمان..
, عبست ملامح عدي للحظة ثم عادت ابتسامته بثقة نافياً: لا لااا متقلقش المرة دي عامل حسابي كويس.. وهارون برضو هيساعدني، قالي لو مرتبي توقف هيديني حتة مخدرات من عندهم أبيعها وأقبض تمنها نكاية في الحكومة..
, رفع تليد حاجبيه بصدمة فيما هز عدي رأسه بخفة وحماس: أيوه يا باشاا مش هما يوقفولي مرتبي و أنا أحميلهم البلد، لاااا واحدة بواحدة.. و تو بي أور نوت تو بي..!!
, هز تليد رأسه متنهداً بيأس: كان قلبي حاسس أن أفكارك مع أفكار هارون هتبقى مدعكة..
, عدي: بتقول حاجة يا تليد..؟!
, تنهد تليد يفتح الباب بجانبه ليصرخ عدي من الداخل ينحني قليلاً ليطالعه من النافذة: كترهم هااا متنساش وهنروح ناكلهم في القهوة عندي مع مسعد..
, تابع تليد طريقه للداخل، فيما راقبه عدي عبر الباب البلوري يقف منتظراً دوره بصبر يحسده عليه..
, ابتسم بخفة وأخفض نظراته لتلودة الصغير، حضنه بحب كبير يكنه له وقبل وجنتيه متنهداً بقوة، رفع رأسه نحو السماء حيث غيمة خريفية كبيرة كادت تحجب ضوء الشمس الساطعة، شرد بأفكاره الثائرة لعدة لحظات متمتماً: و**** وبقى ليك حياة جديدة يا عدي يا موكوس و أنا اللي كنت فاكرك هتتنيل تموت فقري ومنحوس زي ما أنت.. أنت كريييم يارب و أنا طلعت أستاهل فعلاً!
, تنهد بخفة، والتفت يحدق عبر زجاج السيارة لتليد الذي استلم طلبه يُخرج أمواله من جيبه يقدمها للرجل أمامه، وفتح باب المطعم البلوري يتقدم منه بكيس كبير أدرك سريعاً بأنه يمتلئ بعدة أنواع من الأطعمة والمشروبات وليس فقط بما طلبه..
, زادت ابتسامته اتساعاً ولمعاناً، حتى بعد دخول تليد السيارة و وضع الكيس في المقعد الخلفي، ليبادله تليد النظر باستفهام يهز رأسه بحذر ليهتف عدي: أبداً..بس فرحان بيك.. هو أنا قولتلك إني محظوظ بيك جامد ؟!
, رفع تليد حاجبيه بخفة، وابتسم بجانبية يهز رأسه وهو يدير محرك السيارة: أيوه..
, ليهتف عدي: أنا فعلاً طلعت محظوظ جداً يا تليد إني لقيتك.. وهتفضل مميز عندي أنك الباشا بتاعي و أول صاحب ليا كمان، **** يخليك ليا يا باشا..!
, زادت ابتسامة تليد بخفة، وبقي صامت بلا كلام ليصمت عدي هو الآخر يلاعب تليد الصغير الذي بدأت ضحكاته تعلو في أرجاء السيارة مسببة زيادة ابتسامة تليد ولمعان عينيه، يحدق بهما كل لحظة بابتسامة حانية سعيدة لوجودهما معه، وسعادة عدي التي لا يُنغصها شيء كما في السابق كانت تزيده فرحاً وسعادة،
, بعدما رأى تغير حياة الآخر الواضح أمام عينيه و بمساعدته، وباتت ضحكاته الفرحة تعلو دائماً بدل شهقاته الباكية وقهر عينيه المؤلم..!
, لم تكن علاقتهما عابرة وعادية، كلاهما يشعر بذلك، كانت عميقة لا تمتلك وصفاً، فقط شرارة غريبة اندلعت بينهما منذ أول لقاء لهما معاً، تحمل في طياتها فيضاً من مشاعر و أحاسيس، ودفقاً من نبضات قلب حانية دافئة أثرت بهما في العمق..♥
, faroha٤ علامة الإقحام
, ~تمت~ بحمد ****~
 
  • عجبني
التفاعلات: Int malk و BASM17 اسطورة القصص

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%