ناقد بناء
مشرف قسم التعارف
طاقم الإدارة
مشرف
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
- إنضم
- 17 ديسمبر 2021
- المشاركات
- 8,828
- مستوى التفاعل
- 2,856
- الإقامة
- بلاد واسعة
- نقاط
- 15,658
- الجنس
- ذكر
- الدولة
- كندا
- توجه جنسي
- أنجذب للإناث
➤السابقة
الحادي والأربعون
- وأراكَ في كلِّ البِقاعِ كأنّما
, لا جُرُمَ في فلَكي يدورُ سِواكُ ..
, ٣٨ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, صباح اليوم التالي ..
, نظرت مروة بصمت نحو إسراء الجالسة بجانب نور التي مازالت في ثبات عميق ، بادلتها الأخرى نظرات حائرة لتنظر نحو ليلى التي تجلس في الناحية الأخرى ..
, زفرت عبير تنقل نظراتها نحوهم هاتفة: يعني إيه اللي بيحصل حد فاهم حاجة ؟
, مروة بحيرة: مش عارفة ..
, عبير: يعني إيه عايزة أفهم ، هي نور ليها أخ تالت غير أبيه أدهم وسيف ؟ طب إزاي ؟ وليه بقولوا إن هو اللي اغتصبها ..؟!
, إسراء: معملش حاجة ، هو كان عامل كل ده عشان ينتقم بس هو مقدرش يقرّب عليها **** ستر الحمد**** ..
, مروة وهي تهز رأسها: ده اللي بقولوا عليه صلة الدم أو حاجة زي دي ..
, ضربتها عبير هاتفة: مش وقت ظرافتك يا مروة ..
, مروة: وأنا بقول إيه دي الحقيقة .. ثم نظرت نحو ليلى هاتفة: هي هتفوق إيمتى ؟!
, تنهّدت ليلى وعلى وجهها علامات الإرهاق: كمان شوية بقالها من مبارح نايمة ، أنا كلّمتكوا علشان نبقى كلنا جنبها ماما تعبانة وأدهم وسيف ميقدروش يدخلوا هنا ..
, نظرت إسراء نحو نور تمسح فوق شعرها بحزن وندم شديد .. حلّ الصمت من جديد كل واحدة منهنّ تفكر بشيء مختلف ..
, إسراء تفكر بنور وما هي ردة فعلها عندما تستفيق ، وكرم يشغل حيّزاً آخر من تفكيرها ..
, ومروة تفرك يديها بقلق ، فسيف لم يُجبها منذ البارحة واليوم يحبس نفسه في غرفته لا يستجيب لأحد ..
, أمّا ليلى فالجميع في تفكيرها وأوّلهم حبيبها المُتعب ، تعلم بأنه لم ينَم طوال الليلة الفائتة .. يدخل يطمئنّ على نور وهي نائمة ثم على والدته ويُحضر لها الطعام يُطعمها ويوصيها على نور ، ويحاول معرفة مايفكر به سيف الصامت بلا فائدة ..
, وعبير تفكر بهيئة تلك الشخصية الغريبة .. ذلك الذي يسعى خلف الإنتقام ليكتشف في النهاية بأنه ينتقم من عائلته .. يتراجع في آخر لحظة وقد لعبت صلة الدم دورها كما تقول مروة وأنقذته من انتقامه وأنقذتهم ..
, خرج صوت خافت من نور التي بدأت تحرّك رأسها وتفتح عينيها ببطئ والبنات يحدّقن بها بخوف وقلق ..
, ليلى بهدوء: نور حبيبتي أنتي صاحية ؟
, فتحت عينيها لترى ليلى قربها تمسك بيدها وعلى وجهها ابتسامة هادئة ، نقلت نظرها لإسراء التي امتلأت عيناها بالدموع ..
, حاولت النهوض لتساعدها ليلى وإسراء لتلمح عبير ومروة جالستان أمام سريرها بصمت وترقّب ..
, لحظات بقيت صامتة ولم تجرؤ إحداهنّ على الكلام أو السؤال ..
, انتفض جسدها فجأة وصوت صارخ مبحوح يجتاح رأسها: أنا أخوكي يا نور ، أنا ملمستكيش ..
, وضعت يدها على قلبها الذي بدأ بالخفقان بشكل مؤلم ، ودموعها طفرت من عينيها بغير شعور ، بدأت تتنفّس بسرعة بسرعة وجسدها يرتعش .. والبنات كلّهم تصنموا مكانهم خائفين ..
, فاقت ليلى على نفسها وعلى عهدها الذي قطعته بأنها ستقف قربها وتساعدها .. لتقترب منها تُمسك كتفيها وتديرها ناحيتها هاتفة: نور إهدي يا حبيبتي ، أتنفسي شوية إهدي ..
, أمسكت نور بيدها تتشبّث بها وتحاول الكلام ولكن شهقاتها تمنعها: ل ليلى !!؟
, مدت ليلى يديها تمسح دموعها وهي تنظر نحوها بقوة قائلة بصوت هادئ عميق: أنتي كويسة يا نور ، أنتي بخير محدش قرب منك محدش لمسك متخافيش ..
, رفعت عيناها إليها وقرأت ليلى داخلهما الأمل والتوسل والخوف لتعود وتهتف بها: متعيطيش أنتي كنتي تعيطي علشان اللي حصلك دلوقتي مش هسمحلك تعيطي وتئذي نفسك لأنك لسا زي م أنتي يا نور محدش لمسك صدقيني ..
, انفجرت في بكاء شديد لتقترب منها إسراء تحتضنها وتحاول تهدأتها وهي تهمس لها بكلام مهدئ بأنها مازالت كما هي وأن ما حصل معها كان مجرد كابوس وقد صحت منه ..
, بقيت دقائق طويلة تبكي ودموعها لا تعرف الجفاف وكل واحدة من صديقاتها تُعيد على مسامعها نفس الكلام كما أخبرتهم ليلى .. تريد أن يترسّخ هذا الكلام برأسها وتؤمن به .. ودماغها ما زال داخله ذلك الصوت الصارخ: أنا أخوكي يا نور أنا ملمستكيش ..
, توقفت عن البكاء فجأة وهي تتحسّس البيجاما التي ترتديها .. فركت رقبتها بعنف وهي تحاول تخليص نفسها من من ملابسها هاتفة: ع عاوزة أخد دوش مش قادرة ..
, بدأت تتلعثم في كلامها لتمسكها إسراء تساعدها على النهوض هاتفة: تعالي معايا هتستحمي وتغيري هدومك ومروة هتسرحلك شعرك أنتي المهم تبقي كويسة ..
, بعد دقائق طويلة مضت عليهم وهم ينتظرونها في الغرفة ، دخلت الحمام ولم تسمح لأحد بمساعدتها رغم هيئتها المتعبة والشاحبة ، أمضت داخله وقتاً طويلاً ولم تخرج بعد ..
, هتفت عبير: هي مخرجتش ليه أنا مش سامعة صوتها بالبداية كانت تعيط دلوقتي إيه ..!؟
, اقتربت ليلى تطرق الباب بقلق: نوور .. نور أنتي كويسة ؟!
, فتح الباب فجأة وخرجت نور وقد استحمّت وأبدلت ملابسها وشعرها منسدل حول وجهها ومازالت قطرات المياه تتساقط منه ، مشت بجمود نحو سريرها لتقترب ليلى تُجفّف لها شعرها بالمنشفة وهي مازالت صامتة ..
, نظروا لبعضهم بقلق لتقترب مروة قائلة: نور إحنا جينا هنا من بدري ومأكلناش حاجة إيه رأيك نجيب الفطار هنا وناكل كلنا مع بعض ؟!
, بقيت صامتة تنظر أمامها ، وربما لم تستمع لكلام صديقتها وصوت واحد فقط كان داخلها يتردّد بكثرة ويطغی علی جميع الأصوات : نور أنتي أختي أنا ملمستكيش ..
, اتجهت ليلى نحو الباب هامسة: خلّيكوا جنبها أنا هجيب الفطار هنا ..
, خرجت ليُقابلها أدهم سريعاً هاتفاً بلهفة: صحيت صح ؟! هي كويسة عاملة إيه طمنيني ؟!
, اقتربت منه تحاوط وجهه المتعب بيديها تنظر إلى ملامحه وتلك الهالات السوداء تحت عينيه بحزن: هي كويسة يا أدهم ، قولتلك نور قوية وهتبقى كويسة أكتر لأنها عرفت إنها زي م هي ومحدش لمسها .. أنت بس اللي مش كويس حرام عليك نفسك ..
, أمسك يدها يتنهّد بإرهاق هامساً: مش قادر يا ليلى خايف .. خايف أووي ..
, جذبته معها لينزلا إلى المطبخ وتطلب من الدادة سامية تحضير الفطور .. لتقرّب منه كأس عصير طازج وسندويشة صنعتها له وجلست قربه تُطعمه بيديها وهي مبتسمة .. نظر إليها بتعب وبدأ يأكل من يدها بصمت ، وبعدما انتهى هتفت: دلوقتي هتطلع تنام أنا عارفة إنك منمتش ولا ساعة ، واتطمن نور جوا عينينا كلنا جنبها وماما دلوقتي هتطلع ليها روح انت ارتاح علشان تقدر تقف جنبها وتساعدها لازم تبقى قوي زي م عرفتك ..
, أخفض عينبه نحو يدها فوق الطاولة ليمسكها ويرفعها نحو شفتيه يقبّلها بحب وامتنان هامساً: هنام ساعة بس لو مصحيتش صحّيني ماشي ؟
, ابتسمت تومئ برأسها وداخلها تريده فقط أن ينام ولن توقظه إلّا بعدما يأخذ كفايته ، نهض عن كرسيه وانحنى يقبّل جبهتها خارجاً من المطبخ ، لتأخذ هي صينية الطعام وتدخل لغرفة نور وتجدها قد عادت إلى البكاء في حضن والدتها ، اقتربت واضعة الصينية فوق السرير هاتفة: إيه ده يا جوجو ليه خليتيها تعيط تاني إحنا عايزين حد يضحكها فين سيف قولوله يجيلها ..
, ثم نظرت لمروة قائلة بمرح: هو سيفو فين عايزين ظرافته ولماضته شوية ..
, ابتلعت ريقها تبتعد عن والدتها بصمت وهي تنظر إليهم بحيرة وتردد ..
, ابتسمت ليلى عندما شاهدت نظراتها لتقول: أدهم دلوقتي أكل ، كان عايز يطلع ياكل معانا بس أنا منعته قولتله ميصحش دي قعدة بنات مش كده يا نور ؟
, رفعت نظرها إليها وبقيت صامتة تفرك يديها بتوتر ..
, اقتربت إسراء ومروة وعبير تجلسان على السرير حول صينية الطعام لتهتف جمانة: حلوة أووي القعدة دي والسرير لو توسخ مين هينضفه ده بقا ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: أنا مليش دعوة ده ابنك أدهم هو اللي علّمني الأكل كده قوليله هو ينضفه ..
, ابتسمت جمانة بحب هاتفة: سيف أكل معاه ؟!
, قطبت ليلى جبينها ونظرت نحو نور هاتفة: لا سيف من مبارح وهو فأوضته مأكلش حاجة ولا حتى خرج منها .. واضح أنه زعلان أووي يمكن مروة زعلته ..
, لاحظت تغير ملامح نور وقظ قطبت جبينها وامتلأت عيناها بالدموع ، لتهتف بمروة: روحي يا مروة شوفيه وصالحيه يلا ..
, مروة بابتسامة وهي تأكل عدة لقمات سريعة: هروح وأقوله إن نور صحيت هيفرح أووي ..
, نهضت سريعاً وخرجت من الغرفة لتتّجه نحو غرفة سيف تطرق الباب بهدوء: سييف !؟
, لم تتلقّى أي رد لتهتف بمرح: سيفو حبيبي المتوحّد ، ملاكي الحزين ..
, هتفت بصوت أعلى عندما لم يُجبها: سيف متخلينيش أتجنن أرفع صوتي أكتر وألمّ علينا الناس افتحلي الباب يابن الناس مش هقرّب منك ولا هاجي صوبك متخافش ..
, ضحكت بخفة لتهتف بعدها: نور فاقت يا سيف ..
, فُتح الباب فجأة لتنتفض بفزع وهتف بها سيف بلهفة وهيئة مُبعثرة: بجد فاقت ؟ هي كويسة ؟ عاملة إيه ؟! قوليلي حالتها إيه م تتكلمي يا بت !؟
, نظرت إليه بغضب ودفعته داخلة إلى الغرفة لتشهق بصدمة وهي ترى حالتها الفوضوية والأغراض المبعثرة بها لتهتف: إيه ده ياسيف أنت عيل صغير يعني ؟ ليه عامل في الأوضة كده ؟!
, اقترب منها يُمسكها من ذراعها قائلاً: جاوبيني يا حيوانة نور كويسة ؟!
, رفعت نظرها إليه وابتسمت هاتفة: وحشتني ..
, صرخ بها لنفاذ صبر: ده وقته يا مروة ؟!
, بقيت صامتة تنظر إليه بحزن لتهتف بعدها: أمال إيمتى وقته ؟! بقالي زماان بتكلّم معاك عايزة أرجعك زي م كنت ، من بدري وأنا بحاول معاك إنك تتزفت وتفتحلي الباب وأنت مبتردش ومفكرتش إن في حيوانة خايفة عليك .. فعلاً أنا حيوانة علشان بخاف على واحد بارد وغبي زيك ..
, اتجهت للخارج ليجذبها من ذراعها هاتفاً: مروة أرجوكي ، آسف حقك عليا بس .. بس أنا تعبان مخنوق أرجوكي متضغطيش عليا ..
, تنفست بهدوء هاتفة: هي كويسة صحيت قبل شوية ، ودلوقتي بتاكل مع البنات ، ليلى ذكرتك قودامها أنت وأدهم بس معملتش حاجة ، بس شوفتها زعلت عليك أما قولت إنك مأكلتش حاجة وقاعد فأوضتك ..
, ابتسم باتساع وانطلق نحو الباب: أنا هروحلها ..
, تشبّثت به بغيظ هاتفة: تروح لمين يا حيوان م تهدا شوية ، قولنالك زعلانة بس متكلّمتش أنت عايزها دلوقتي تكره أم اللي جابوك ..؟!
, وقف ينظر نحوها بلهفة ليهتف: طب يعني أعمل إيه أنا عايز أطمّن عليها عن قُرب ..
, مروة: هي كويسة هبقى أقولك أخبارها المهم متبوظش اللي بنعمله أرجوك ، كنا كلنا متوقعين ردّة فعل تانية خاالص بس باين الحمد**** إنها بخير وقوية وقدرت تتعافى أرجوك أهدا شوية ..
, بقي صامت ينظر نحوها لتهتف به: هروح أعملّك حاجة تاكلها بعدين نام مش شايف شكلك بقا عامل زي مصاصي الدماء ..
, قطب جبينه هاتفاً: مش جعان ، قوليلي أدهم فين ؟!
, مطّت شفتيها بامتعاض هاتفة: طبعاً واضح إن معنديش تأثير عليك زي ليلى على أدهم ، أه يا نيلة بختك يا مروة ..
, مطّ شفتيه هو الآخر هاتفاً: والنبي بلاش أم ظرافتك دلوقتي مش فايقلك ، قوليلي أدهم فين ؟!
, مروة: أدهم الطيّوب المتعاون سمع كلام ليلى أكل قبل شوية ودلوقتي راح ينام ..
, سيف بابتسامة: طيب م أنا كمان بسمع الكلام وهروح أنام دلوقتي .. يلّا أنتي روحي لنور امشي ..
, اتجه نحو سريره يجذب وسادته ويتجه خارجاً من الغرفة لتلحق به مروة هاتفة: خد رايح فيين يا جدع أنت ..؟!
, نظر سيف لها هاتفاً بتلقائية: رايح أنام يا مروة هسمع الكلام وأنام **** ..
, تركها واتجه نحو غرفة أدهم المجاورة ليفتح الباب ويدخل مغلقاً الباب خلفه بهدوء وبقيت هي مكانها ترفع حاجبيها ناظرة حولها بغباء ..
, دخل ليراه نائماً على جانب من السرير وملامحه مرهقة ومُتعبة ، وقف قربه يُضيّق عينيه هاتفاً بامتعاض: طبعاً دلوقتي بقا ينام على طرف واحد علشان ليلى المُبجّلة تنام جنبه .. مااشي يا أدهم مااشي ..
, ألقى وسادته في الناحية الأخرى وقفز بثقله فوق السرير ساحباً الغطاء فوقه مُغمضاً عينيه ليغوص سريعاً في نوم عميق كان بحاجته كثيراً ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, جالساً وحده في الظلام ، بردٌ تخلّل في أطرافه ، ستائر النوافذ مُغلقة تمنع أشعة الشمس البرتقالية التي بدأت بالغروب من الدخول ..
, بين أصابعه سيجارة يرفعها نحو فمه ليسحب منها وينفث الدخان في الهواء وبعدها يسعل بشدة وقد تكوّنت غيمة من الدخان فوقه ..
, لقد اطمأنّ عليها من ليلى قبل لحظات ، كان جُلّ أمله واهتمامه بها أوّلاً وبعدها ليتفرّغ لمن كان السبب في كل ذلك ..
, ألقى السيجارة أرضاً يدهسها تحت حذائه قبل أن تنتهي ليمدّ يده نحو علبة السجائر يُخرج واحدة أخرى .. ابتسم بسخرية وهو يتذكّر ذلك اليوم الذي وجد به أدهم في شقته وعلى نفس هذا المقعد الذي يجلس عليه هو الآن يجلس وقد كان يُدخّن بشراهة .. عندما ترك له علبة السجائر وقال بأنه ربما يحتاجها ..
, تذكّر في يوم حادثة نور عندما عاد بعد منتصف الليل يبحث بلهفة وجنون عن تلة العلبة التي خبّأها ليُنهيها سريعاً في أقل من نص ساعة فقط ، وبعدها احتاج لعشرات العلب طوال تلك الأيام ..
, رنّ هاتفه ليرفعه نحو أذنه هاتفاً بجمود: إيه الأخبار يا موسى ؟!
, موسى: كل يوم بحوم حولين الفيلا شوية ، في حد من رجّالته عمال يفتش ويدوّر علشان يعرف أخبار نور ..
, أظلمت عيناه بتوعّد هاتفاً: هو فين دلوقتي !؟
, موسى: قبل شوية دخل القصر ، عايزنا نجيبه ؟!
, صمت أحمد قليلاً ليقول بعدها: سيبوه دلوقتي بس خلي عينك عليه أما أقولك تجيبهولي ..
, موسى: حاضر يا باشا ..
, أغلق هاتفه وألقاه جانباً بإهمال وعاد ينفث من سيجارته متوعّداً وعيناه مُظلمة بشدة ..
, في الفيلّا ..
, ركضت مروة بسرعة تُمسك هاتفها تضمّه إلى صدرها وضحكتها متّسعة لتصطدم بإسراء لتهتف الأخيرة: فيه إيه مالك بتجري كده ليه أنتي عيلة يا مروة ؟! اهمدي بقا إيه الحركات دي ..
, انفجرت مروة بالضّحك هاتفة: هشش اسكتي كنت بعمل حاجة مهمة ..
, قطّبت جبينها لتخرج ليلى من غرفة نور بعدما اطمأنّت عليها وذهبت في النور لتهتف: حاجة إيه ؟؟
, نظرت نحوها واقتربت منها ترفع هاتفها أمامها هاتفة بمرح: حاجة هتدمّر مسيرة سيف المهنية والفنية وحاضره ومستقبله بصّي ..
, نظرت نحو الصورة لتهتف: نهارك أسود أنتي دخلتي الأوضة إزاي يا حيوانة ؟!
, اقتربت إسراء تنظر بفضول لحظات لتنفجر بضحك صاخب وتُشاركها مروة لتأتي عبير هاتفة: أخرسي أنتي وهي في إيه مالكوا ؟
, ليلى بغضب: الحيوانة دي داخلة أوضتي أنا وأدهم ومصوراه وهو نايم ..
, شهقت عبير بصدمة ونظرت نحو مروة بغضب لتهتف مروة سريعاً: أوضتك قولتيلي ؟! لا يا ماما روحي شوفي مين اللي احتلّها دلوقتي ، بعدين أنا مش بصوّر حبيب القلب بتاعك أنا بصوّر سيفوو حبيبي ..
, إسراء بسخرية: حبيبك وعايزة تدمّري مسيرته المهنية ومش عارفة إيه ..
, عادت مروة للضحك: معليش الصورة دي هتبقى في حوزتي تحسّباً لغدر الزمن ..
, اتجهت ليلى نحو الغرفة هاتفة: أنا هصحّيه وهقوله عليكي خليه يشلوحك ..
, أجابتها مروة بضحك: قوليله وأنا بقا عندي سلاح فعّال هنشرله الصّورة دي في كل وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام ..
, دخلت ليلى إلى الغرفة لتكتم ضحكتها بصعوبة وهي ترى نومة سيف المُضحكة وهو يضع رأسه فوق كتف أدهم فاتحاً فمه ببلاهة وإحدی يديه فوق وجه أدهم الذي يبدو عليه الإنزعاج في نومه وقدميه كل واحدة في مكان ..
, اقتربت من أدهم تهزّه هامسة: أدهم إصحى ، أدهم ..
, فتح عينيه بصعوبة وقد شعر بنفسه نام لساعات طويلة كان بحاجتها ، ليقطّب جبينه منزعجاً وهو يُمسك يد سيف يدفعها بعنف من فوق وجهه ويرفس قدمه التي كانت فوقه بغضب ، اعتدل في جلسته هاتفاً بضيق: الحيوان ده إزاي نام هنا ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: مش عارفة و**** ..
, نظر للظلام خارجاً ليهتف: إيه ده أنا نمت كل الوقت ده مصحيتنيش ليه يا ليلى مش قولتلك هنام ساعة بس ..؟؟
, ابتسمت هامسة بحنان: أنت كنت تعبان ومرضيتش أصحّيك صعبت عليا ، واطمن نور كويسة أووي ودلوقتي نايمة متقلقش يلا قوم غسل وشك وانزل اتعشا معانا ..
, أدهم: صحباتك لسا هنا ؟!
, ليلى وهي تتّجه لغرفة الملابس: أيوه هنا هيتعشّوا معانا بعدين هيروحوا .. عادت للغرفة تمدّ له ملابسه ومنشفة كبيرة: يلا خش خد دوش ومتتأخرش ، صحّي سيف ينزل كمان هو مأكلش حاجة من مبارح ..
, ابتسم لها بحنان وجذبها من ذراعها هاتفاً: هو أنا قولتلك أنك وحشتيني ؟!
, ابتسمت تضع يديها على صدره بحركة مُحبّبة له ولها: وأنت كمان وحشتني أووي أووي ..
, رفع حاجبه هاتفاً: ده إحنا اتطوّرنا بقا ؟!
, رفعت نفسها تُقبّله أعلى غمّازته اليتيمة هامسة: أه هتطوّر وحسّن من أدائي شوية ..
, ضحك مُجيباً: لا من ناحية الأداء ف هو عاجبني جداً يا حرَمُنا المصون ..
, ضحكت هاتفة: وبرضة لازم أطوّر نفسي يا زوجنا المصون ..
, أدهم بخبث: ما تيجي أقولّك حاجة ..
, ابتعدت عنه هامسة: بس يا أدهم الجماعة مستنّين تحت ..
, قرّبها منه هامساً: يستنوا كمان شوية مش هيحصل حاجة ..
, ابتسمت ناظرة نحوه بعشق لتُحيط عنقه بذراعيها تتعلّق به وهو يُحيط خصرها بذراعيه مُقترباً منها بحبّ ، قبل أن يُغمض عينيه شاتماً نفسه وحياته وكلّ من يعرفه أو لا يعرفه وهو يستمع لصوت سيف يقول جملته المشهورة: أنتوا بتعملوا إيه ؟!
, ضحكت ليلى بخجل وابتعدت عن أدهم هاتفة: متتأخّروش على العشا ..
, استدار له ليراه مُعتدلاً بجلسته على السرير ناظراً نحوهم بسخرية ليقترب منه هاتفاً بحنق: قوم يا زفت إنزل إطفح سمّ اللي ياخدك ..
, رفع حاجبيه هاتفاً: مالك متعصّب كده مش تبص حوليك قبل م تعمل حاجة الأول ؟! بعدين أنتوا ليكوا أوضة تلمكوا ..!
, وسّع عينيه بذهول وجذبه من ملابسه هاتفاً بغيظ: أمال إيه اللي شايفه حوليك يا حيوان أوضة مين دي يا تافه ؟!
, نقل سيف نظره في المكان ليهتف: معليش متآخذنيش مش مركّز أووي أصلي دلوقتي حتى صحيت .. ثم ابتعد عنه هاتفاً: أنا إيه اللي جابني هنا ؟! مش قولتلك يا واد يا أدهم بلاش الحركات دي متقدرش تنام من غير م كون جنبك إيه لسا عيل صغير بتخاف من البعبع حضرتك ؟!
, دفعه يُبعده من أمامه متّجهاً نحو الحمام: غور من وشي يا حيوان الأوضة دي هقفلها هتبقى مُحرّمة عليك من يوم ورايح ..
, خرج سيف من الغرفة هاتفاً: هنشوف ، إعمل كده وشوف هيحصلّك إيه ..
, صرخ أدهم بغصب من داخل الحمام فاقداً أعصابه من الغيظ: أنت بتهدّدني يا واطي يا زبالة ؟! أنا هورّيك صبرك عليا يا تافه يا جزمة يا جحش ..
, ٣٦ العلامة النجمية
, بعد يومين ..
, كان يجلس في الكفتريا التابعة للشركة وهي تنظر إليه بخجل غريب عليها ، هذه ثاني مرّة يجلسان سويّاً وفي المرة الأولى لم تتعدّى الخمس دقائق وأمضتها بمحاولة أن تكون ثقيلة ، وهو أمضاها بالخجل والتردد ، ولكن قلبها لا يستوعب قصر المدۃ وكأنه يعرفه منذ زمن ، أما هو فلا يعلم ماذا أصابه يُريد التعرّف عليها أكثر ، يُريد الجلوس معها ، تأمّل ملامحها وحركاتها ..
, هتفت بمحاولة لخلق حديث: يعني أنت بقالك متخرّج سنتين ؟
, أومأ برأسه لتهتف فجأة: أنت عندك كام سنة ؟!
, ابتسم أمير مجيباً: 25
, اختفت ابتسامتها هامسة بخفوت: العمر كله ..
, قطّب جبينه متسائلاً: مالك ؟!
, رفعت نظرها نحوه هامسة: مفيش اتأخرنا على الشغل هطلع المكتب ..
, أمسك ذراعها يمنعها من النهوض هاتفاً باهتمام: لا قوليلي الأول مالك زعلتي من إيه ؟!
, نظرت إليه بصمت وحزن وهي تتذكّر حديثه المُختصر في المرّة الماضية بأنه يُريد أن يقتربوا من بعضهم أكثر ويتعرّفوا أكثر ، قطّب جبينه بحيرة ليهتف فجأة: أنتي زعلتي عشان أنتي أكبر مني بسنة ؟!
, نظرت إليه هاتفة: وبالنسبالك عادي الموضوع يعني ؟!
, هتف بصدق: طبعاً عادي وأكتر من عادي كمان .. أمسك يدها بغير شعور هاتفاً بلهفة: سهى اسمعيني أنا عارف من البداية إنك أكبر مني بسنة ومع ذلك حبيت أتعرف عليكي وأقعد معاكي ، مش عارف أنا انجذبت ليكي كده إزاي بس اللي عارفه إنك بقيتي شاغلة كل تفكيري متخليش العمر يأثّر على علاقتنا أنا حاسس من نظراتك ليا إن إحساسك تجاهي زيي بالظبط صح ؟!
, لمعت عيناها من حديثه هامسة بخجل وهي تُبعد يدها عنه: بس ، بس أنا أكبر بسنة و٣ نقطة
, قاطعها هاتفاً باندفاع وجرأة لم يعرف بأنها موجودة لديه: سنة واحدة لا هتقدّم ولا هتأخّر في ناس كتير أووي بيتزوّجوا وبكون الفارق سنة وسنتين وخمسة ، أنا بالنسبالي مفيش مشكلة يا سهى المهم الإنسانة اللي هرتبط بيها تكون كويسة وكون مرتاح معاها ومتفاهمين ، الحب ميعرفش عمر يا سهى ..
, رفعت حاجبيها بدهشة من كلامه المُندفع هاتفة: حب !؟
, تراجع بخجل طفيف ولا يعلم كيف فلتت أعصابه وقال كل هذا الكلام ولكنه كان صادقاً به تماماً: أيوه يا سهى أنا حاسس تجاهك بحاجات غريبة أول مرة بحس بيها ، برتاح وأنا معاكي ، قلبي بدق جامد أما بشوفك ، بحس نفسي فرحان أووي أما بشوف ضحكتك من أول يوم شوفتك بيه علطول بفكر بيكي وبتخيلك معايا ، لو كان ده حب فأنا بحبك يا سهى بحبك أووي ..
, ابتسمت بخجل تُخفض رأسها هامسة: وأنت كمان ..
, أمير: أنا كمان إيه ؟!
, سهى بخجل: أنت كمان شاغل تفكيري أووي ..
, ابتسم أمير باتساع هاتفاً: يعني هتديني معاد مع أبوكي صح ؟!
, خفتت ابتسامتها هامسة بهدوء: أبويا متوفي **** يرحمه ..
, أسرع هاتفاً: أنا آسف مقصدتش ، **** يرحمه
, أومأت برأسها بخفوت ليقول بتردد: يعني مين ليكي حد كبير أتكلم معاه ، مامتك أخواتك أو عمك أي حد ..
, ابتسمت سهى وقلبها ينبض فرحاً فلم تتوقّع أن يحدث كل ما تتمنّاه بهذه السرعة ، خلال عدة أيام أحبته وهو أحبها لا تصدّق تشعر بنفسها سندريلا وقد أحبها الأمير من أول نظرة ، همست داخلها بإطراء: برافو عليكي يا سهى يابت أم سهی و**** ومطلعتيش قليلة .. أما أعمل نفسي تقيلة شوية وصعبة المنال ..
, تحمحمت هاتفة: مش شايف إننا اتسرّعنا أووي يعني ناخد على بعض شوية الأول ..
, هتف بلهفة: هناخد على بعض أما نخطب ونتزوج ، أنا بصراحة مش شايف إننا متسرعين حاسس إني عايزك تبقي معايا بأسرع وقت ..
, اتسعت ابتسامتها ولم تستطع إخفائها وقد كانت خائفة من فكرة تراجعه لتهتف: عندي أخويا الكبير هبقى أقوله وآخدلك معاد ..
, ابتسم هاتفاً: يبقى كده متفقين ، بس أرجوكي قوليله يقدم المعاد وميتأخرش .. ثم هتف بعدها بتوتر: سهى !؟
, نظرت نحوه بصمت ليتابع: أنتي عندك مشكلة لو سكنتي مع أهلي ؟! ماما وأخواتي البنات ؟!
, ابتسمت سهى وداخلها تهتف: ده أنا لو هعيش معاك فقفص بتاع فيران مفيش مشكلة ياخويا ..
, ثم هتفت: أمير أنا بالنسبالي مفيش حاجة مهمة أكتر من إني أعيش مع الشخص اللي بحبه ويحبني ونعيش بسعادة وراحة حتى لو هعيش معاه فأوضة واحدة .. أهلك هما أهلي وأخواتك هيكونوا أخواتي الصغيّرين ، أنا وحيدة معنديش أخوات بنات ولا أخوة غير أخويا الكبير ، يبقى بالنسبالي إني أعيش مع أهلك هيبقى حلم واتحقق ..
, ابتسم باتساع ولمْ يدرِ ماذا يقول ، فقط شعر بأن الدنيا بدأت تضحك له بعدما قست عليه سنين طويلة ، عمله أصبح ثابتاً بمعاش يكفيه ويزيد ، كسب أصدقاء جدد أوفياء لن يجد مثلهم أبداً ، والآن الإنسانة التي اختارها شريكة حياته تُخبره بأنه الأهمّ في حياتها ، أغمض عينيه شاكراً ربه على ذلك العوض الجميل ..
, نهضت سهى قائلة: إمشي نروح اتأخرنا على الشغل ..
, نهض معها: هروح المكتب معاكي هسلّم على أدهم ..
, ابتسمت له وصعدا معاً في المصعد وما إن دخلا مكتبها حتى هتفت بفرح: موسى !؟
, اندفعت نحوه تُعانقه هاتفة: مجيتش مبارح ليه ؟!
, موسى بابتسامة لأخته الصغير الوحيدة: وحشتيني يابت ، معليش كان عندي شغل أووي ..
, يد قوية سحبتها بعنف من ذراعها صارخاً: أنت إزاي تحضنها كده أنت اتجنّنت ؟!
, رفع موسى حاجبيه بدهشة ناظراً نحو سهى ثم نظر له هاتفاً: إيه ده أمير أنت بتعمل إيه هنا بعدين أنت مالك ؟!
, صرخ أمير بغيرة وغضب: مالي بقا عايزني أشوفك قدامي بتحضنها وأفضل ساكت وتقولي مالي ، وأنتي يا آنسة إزاي تسمحي لنفسك تحضنيه كده !؟
, هتفت سهى باندفاع: إهدا يا أمير ده مش حد غريب ، أعرفك موسى أخويا الكبير بس باين أنكوا عارفين بعض ..؟
, وسّع عينيه بذهول ورمش ببلاهة ناظراً نحوهم: أخ إيه يا عينيا ؟! مين أخ مين ده أخوكي ؟!
, ابتسمت تهزّ رأسها بسرعة ليلطم وجهه بادئاً بالنّحيب الذي تعلّمه من سيف: أه ياني ياماا يا نصيبتي يا وقعتي السودة نهار أسود ومنيل بستين نيلة عليك وع اللي جابوك يا أمير ..
, قطّب موسى حاجبيه هاتفاً لأخته: سهى ماله ده ؟!
, هزت كتفيها بحيرة: مش عارفة و**** ، تفتكر هو اتبسط أووي أما عرف أنك أخويا ؟!
, نظر نحو ذلك الذي مازال ينتحب ليهمس بفخر: أكيد طبعاً هيتبسط بشوفتي بس أنتي تعرفيه منين ؟!
, سهى بصوت عالٍ: ده الشّخص اللي حكيتلك عليه ودلوقتي كان بقولّي عشان آخد معاد معاك ..
, لمعت عيناه بشدة والتفت نحو أمير وقد اتسعت ابتسامته ليقترب منه يحتضنه بقوة وحماس هاتفاً: هو ده ؟! و**** وطلع ذوقك حلو يا بت يا سهى ، أهلاً أهلاً ومرحباً بصهري العزيز إزيك ياعم أمير عامل إيه يا حبيبي !؟
, ضحكت سهى بسعادة هاتفة: شوفت يا أمير ده أخويا واعتبر إن الموافقة حصلت عليها من دلوقتي ..
, حاول أمير التملّص من ذراعيّ موسى اللتان تعصرانه وهو يُشدّد عليه بفرح ليهتف بفزع: موافقة إييه ؟! أنا مش هتجوّز مش هتجوز إبعد عني يا جدع أنت إبعد ..
, سهى بهدوء: متتكسفش يا أمير موسى زي أخوك **** !
, أمير بسرعة: زي أخويا وأنتي أخته يبقى أنتي زي أختي مينفعش نتجوّز سيبوني فحالي **** يستر عليكوا دنيا وآخرة ..
, ثمّ دفع موسى بعيداً عنه مهرولاً بسرعة خارج المكان ..
, نظر موسى لسهى هاتفاً: بيتكسف أووي ده ..
, ضحكت تومئ برأسها بغباء: أووي أووي ، أكيد فرحان علشان أخد الموافقة من دلوقتي ، حبيبي يا موسى يا قلب أختك أنت ..
, موسى وهو يُعدّل ثيابه: حبيبتي يا سوسو أنا ليا مين غيرك ، قوليله يجي النهاردة لو عايز مفيش مشكلة أمير ده غالي عليا أووي ..
, ثم دخل لمكتب أدهم مغلقاً الباب ورائه واقترب منه هاتفاً: أوامرك يا باشا ..
, رفع أدهم نظره نحوه هاتفاً بغيظ: إيه الحفلة الي عاملينها برا دي ؟!
, ابتسم موسى هاتفاً: بنحتفل بزواج أختي يا باشا ..
, رمش ببلاهة هاتفاً: أختك ؟! هو أنت ليك أخت غير سهى ؟!
, موسى: لا لا هي أختي سهى يا باشا هتتزوّج قريب ودلوقتي العريس كان برا ..
, أدهم: متقوليش إنه طلب إيدها منك دلوقتي برا ؟!
, موسى: لا هو باينته بيتكسف شويتين تلاتة أمير وأنت عارفه ..
, هبّ من جلسته كالملسوع صارخاً: أميير ؟! أمير هيوقع الوقعة السودة دي ويتجوز أختك ؟!
, قطب موسى حاجبيه هاتفاً: وقعة سودة ليه يافندم أختي مالها حضرتك ؟!
, تحمحم أدهم هاتفاً وهو يلوّح بذراعيه: إحم لا أبداً أختك سهى مفيش زيها بس أنا خايف على أمير بصراحة ، أصل هي متعرفش حاجة غير الشغل أنا خايف إنها متكونش عارفة تتزوج برضه ..
, ابتسم موسى ببلاهة: لا لا هي بتعرف يا باشا بس أمير لازم يخفّف شوية من كسوفه أصل كده مش هيساعد ..
, نظر نحوه بغيظ وأغمض عينيه يُهدّئ من نفسه ليعود ويجلس وراء مكتبه هاتفاً بجدية: إيه اللي حصل معاك ؟!
, موسى بجدية: زي م قولت لحضرتك على الفون مصطفى كل تحرّكاته تحت عينينا مبيروحش مكان غير حولين الفيلا والقصر ..
, أومأ أدهم بهدوء هاتفاً: وأحمد ؟!
, موسى: قالنا نسيبه دلوقتي لغاية م يدينا خبر ..
, ضغط على قبضتيه مفكّراً ليهتف بعدها: أي حاجة يقولّك عليها أحمد تخبرني بيها الأول وأنا بعدين هقولك لو هتنفّذها أو لأ فاهم ؟!
, موسى: حاضر يا باشا ..
, أدهم: وخلي بالك أحمد ميعرفش إنك بتعرّفني اللي بيحصل تمام ؟!
, أومأ برأسه إيجاباً ليتابع أدهم: خلي عينك على مصطفى وشوفلي حالة مامته عاملة إيه ..
, موسى: إحم مامته دخلت غيبوبة يا فندم ..
, قطب جبينه هاتفاً: مصطفى عرف ؟!
, موسى: مش عارف يا فندم بس هو مرحلهاش المستشفى ولا مرّة ..
, عاد بظهر للخلف وغرق في تفكير عميق ليهتف بعد لحظات: خدلي معاد مع الدكتور منصور دكتور نور بأسرع وقت ..
, أومأ برأسه ليهتف أدهم بحزم: متنساش اللي قولتلك عليه ، كل تحركات مصطفى وأحمد وسيف توصلني فاهم ؟!
, موسى: حاضر يا فنذم متقلقش ..
, خرج موسى من المكتب ليبقى أدهم ينظر أمامه بتفكير عميق ، يُفكّر بشيءٍ ما لا يعلم صحّته ولكنه سيحاول ، مازالت النيران مُشتعلة داخله ولكن ما حدث قد قلب كلّ الموازين ، خاصّة بعدما علم بأن أخته مازالت طاهرة لم تُمسّ بسوء ، فرك جبينه بإرهاق وقراره يعتمد على ماسيقوله الدكتور منصور ، وبعدها سينفّذه مهما كان الثمن ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, مساء ..
, استيقظت نور من غفوتها ، لتقترب منها ليلى هامسة: وأخيراً صحيتي .. عاملة إيه دلوقتي ؟!
, نظرت حولها للظّلام الذي حلّ لتهتف بهدوء: كويسة .. ماما فين ؟!
, ليلى: قبل شوية خرجت كانت قاعدة عندك من لما نمتي ..
, أومأت برأسها بهدوء ونظرت أمامها بصمت ، لتقترب ليلى تحتضنها هامسة: مالك يا نور ، قوليلي بتفكري في إيه يا حبيبتي ؟!
, بقيت صامتة والدموع بدأت تغزو وجهها لتمسح ليلى دموعها هامسة: مش قولنا كفاية عياط ؟! مش عايزة أشوف وشك الجميل ده مليان دموع تاني .. أنتي كويسة يا نور كل اللي عشتيه كان كابوس وصحينا منه كلنا ، متعمليش فنفسك كده يا نور أنتي قوية لازم تواجهي كل حاجة زي م أنا واجهت .. أنا مرّيت بحاجات كتير أووي لو كنت ضعفت واستسلمت مكنتش دلوقتي عايشة السعادة مع أدهم رغم إني مش عارفة أنا مين ولا أهلي مين ، بس أنا قويت وأدهم معايا قوّاني وساعدني زي م هو دلوقتي مستنّي إشارة واحدة منك عشان ياخدك فحضنه ويقف معاكي ، أخواتك بحبوكي أووي متئذيش نفسك وارجعي زي م كنتي عشانهم ..
, ازداد بكاء نور لكلامها لتحتضنها ليلى مربّتة على كتفها وتركتها لتُفرغ شحنة حزنها وبكائها .. هدأت أخيراً وشهقات خافتة تخرج منها لتنظر نحو ليلى بهدوء .. بقيت تنظر لها بتردّد لتقول أخيراً بتقطع وصوت مبحوح من أثر البكاء: ع عايزة أا أبيه ، عايزة أبيه أدهم ..
, ليلى: عايزة أدهم ؟! عايزاه يجيلك هنا أنتي متأكدة ؟!
, أومأت نور برأسها وعادت للبكاء هامسة: عايزة أبيه أرجوكي محتاجاه ..
, ابتسمت ليلى بلهفة وخرجت مُسرعة وقلبها ينبض بسعادة لحبيبها الذي سترى أخيراً لمعة عيناه السّعيدة .. وصلت إلى الصّالة حيث يجتمع الجميع بمن فيهم أحمد وإسراء ومروة وعبير لتهتف بأدهم: أدهم نور صحيت وعايزة تشوفك ..
, هبّ من مقعده ناظراً لها بعدم تصديق ليهتف بانفعال: بتقولي إيه ؟!
, ليلى بابتسامة: بقولك هي عايزاك روحلها يلّا هي قالتلي عايزة أبيه أدهم ..
, بقيَ لحظات ينظر نحوها بذهول لتشقّ ابتسامة وجهه لا إرادياً ولمعت عيناه بتأثر ، وانطلق يصعد درجات السلّم بلهفة ، يُتابعه أحمد بقلب خافق .. وضع يده على قلبه وشعور عظيم اجتاحه .. هي تُريد أدهم ، وهو يُريدها ، يُريد أن يأخذها بين ذراعيه ، يضمّها بجنون ويُشبع شوقه واحتياجه لها .. هو غبي ، مُغفّل هو وقلبه الذي عاش معها سنين كثيرة والآن فقط قد بدأ بالنبض لها مُضيّعاً عليه سنين طويلة ..
, في الأعلى ..
, اندفع داخلاً إلى غرفتها ناظراً نحوها بلهفة .. انتفضت ناظرة نحوه ببكاء ليتراجع بخوف من انتفاضتها خائفاً عليها ، ابتلع ريقه ينظر إليها باهتزاز ودمعة ساخنة سقطت على وجنته وهو يراها أمامه وقد طلبته ، تُريده هو ، قلبه خافق ، خائف عليها وخائف من صدودها تجاهه من جديد ..
, زال خوفه فجأة عندما مدّت يديها نحوه كطفلة صغيرة ترتجي حضن والدها ليندفع نحوها جاذباً جسدها الصغير لتغرق داخل أحضانه الدافئة ..
, خوف كبير اجتاحها عند رؤيته ولكن حاجتها له كانت أكبر .. لتُدرك بعدها أن خوفها ذاك مُجرّد أوهام اصطنعتها بنفسها ، فهو والدها وأخيها سندها وأمانها الذي لو خانها العالم أجمع هو سيبقى وفيّاً لها ..
, تشبّثت به باحتياج تدفن نفسها داخل أحضانه أكثر ، وهو يُشدّد من احتضانها حتى تكاد تتكسّر ضلوعها غير عابئاً بألمها وهي غير مُهتمّة به ، تُريد فقط أن تشعر بالأمان الذي افتقدته طويلاً وهو يُريد فقط أن تعود صغيرته ، نوره نور حياته ..
, بقيت لحظات طويلة مُتشبّثة به وهو يقبّل رأسها ووجهها بفرح وسعادة ، مسح دموعها بيديه مُبتسماً لها هامساً: وحشتيني يانور وحشتيني أووي ..
, عادت للتشبّث به من جديد ليُفتح الباب فجأة ويدخل سيف الغاضب والذي لم يقدر أحد على منعه هو وعناده من الدخول ..
, تشبثت بأدهم أكثر حالما رأته وهي تتذكّر ثورته عندما اعترفت بالفاعل ليستدير أدهم نحوه هاتفاً: أنت دخلت إزاي ؟!
, اقترب سيف منهم قائلاً بغضب مكبوت: دخلت من الباب ، يعني أنت بس اللي يحقّلك تدخل ؟!
, ثم قام بتنعيم صوته مُقلّداً نور هاتفاً بسخرية: والغبية دي ، أبيه عايزة أبيه جيبولي أبيه إن شاء **** تولّعي أنتي وأبيهك ده ..
, رفع أدهم حاجبيه وهو يجذب نور الساكنة إلى أحضانه أكثر: إطلع برا يا سيف ..
, نظر نحوه هاتفاً بعناد: مش خارج ، مش لوحدك عايز تطمّن على أختك أنا برضه ..
, زفر أدهم بضيق وكاد أن يطرده من جديد قبل أن يستمع لصوت نور الخافت: سيف ؟!
, ابتسم سيف بلهفة واقترب منها يُبعد أدهم بعنف عنها ناظراً نحوه بانتصار ، وجلس قرب نور يبتسم باتساع لتبادله الإبتسامة بتردد ليجذبها فجأة ويحتضنها بشوق وحنان هامساً: طول عمرك حيوانة وغبية مش تقولي إن ليكي أخ أسمه سيف غير أبيهك الغبي ده !؟
, أدهم: احترم نفسك يا سيف ..
, لمْ يجبه واحتصن نور أكثر التي ابتسمت وهي تُشاهد ملامح أدهم المغتاظة من كلامه ..
, دخلت ليلى في تلك اللحظة تبتسم بسعادة وتتشبث بذراع أدهم السعيد ، نظر نحوها وعيناه تلمعان بحب ليخرجا سوياً من الغرفة ..
, ليلى بابتسامة: أنا فرحانة أوي ، خفت أووي من كلام الدكتور قبل كده بس نور أثبتتلنا إنها قوية ، أنا فرحانة برضه عشانك ، عايزة أشوف ضحكتك من قلبك تاني ..
, ابتسم بهدوء وراحة كبيرة تسلّلت إلى قلبه ، وجذبها فجأة إلى أحضانه يعانقها بفرح ويشمّ رائحتها العبقة التي يعشقها هامساً: أنتي نعمة فحياتي يا ليلى ، مش هقدر أعيش من غيرك أبداً حياتي كلها معلقة بيكي ..
, تحسّست نبضات قلبه المتسارعة فرحاً وحباً وبقيت صامتة للحظات طويلة مُتمتعة بدقات قلبه أسفل رأسها ، ليخرج سيف من الغرفة ووقف ينظر إليهم هاتفاً: أنتوا بتعملوا إيه مش ليكوا أوضة تقعدوا بيها ؟!
, نظر نحوه أدهم هاتفاً: و**** مبقتش عارف ، حتى الأوضة بتاعتنا بتطلعلنا منها فجأة ..
, هزّ سيف كتفيه بصمت ولا مبالاة واتجه نحو غرفته وقد تبدّلت ملامحه فجأة ، هاقد اطمأن عليها وعادت أخته كما كانت ، والآن انتقامه سيبدأ ٣ نقطة
, ٣٥ العلامة النجمية
, دخل الغرفة بهدوء .. صمت ساكن في المكان فقط دقّات قلبه الصّاخبة التي تملأه .. وقف قرب الباب بهدوء وقد كانت جالسة على سريرها بسكون ، تنبّهت على دخول أحدهم لتستدير له وينتفض قلبها شوقاً وحُبّاً .. لمعت عيناها العسليّتان وهما تغرقان في ليل عينيه ، من غير شعور منه ابتسم .. ابتسم للمعان عيناها العاشقة التي بات يُدمن النظر إليها ، تلك النظرة من شغف وجموح ، خجل وبراءة قاتلة تظهر له هو فقط ..
, اقترب بخطوات بطيئة وعيناه لمْ تنزلا عن عينيها اللتين تُطالبانه بالإقتراب أكثر ، جلس قربها على السرير ينظر نحوها بصمت ، لتُبادله النظرة بأخرى والصمت بصمت آخر ..
, ابتلع ريقه وهو يشعر بغصّة مؤلمة داخله ، تذكّر مُعاناته وحيداً طوال الفترة الماضية ، سهره ليالٍ طويلة وحيداً في منزله يتخيّلها أمامه في كلّ ركنٍ منه ، يتخيّلها تُرفرف أمامه كفراشة من غرفة لأخرى ، تُحيل ظُلمته نوراً بنورها ، وتلوّن منزله الكئيب بألوان ضحكاتها وعيناها ..
, إحساس كبير بالوحدة داهمه عندما لم يكن قربها ، هي فقط من ستملأ عليه حياته ، وهي فقط من ستحوّل وحدته ويُتْمه لعائلة كبيرة سعيدة ، صوتها فقط من سيُطرب أذنيه واسمه من بين شفتيها يعشقه ..
, همس بتقطع بعينين مليئتين تأثّراً وصدقاً كبير: وحشتيني ..
, نظرت نحوه وعيناها تلمعان ليتابع بشرود: وحشتيني أووي ، حياتي بقت ضلمة من غيرك ، مكنتش متوقّع فحياتي إني هحس كده وهشعر بالوحدة دي رغم كل اللي حوليا بس عشان أنتي مش جمبي ، مكنتش متوقّع إني هحب واحدة زي م بحبك .. بنت هتبقى كل حاجة ليا وهتبقى حياتي معلّقة بيها .. مشاعري جت فجأة ، خطفتيني بلمح البصر دقات قلبي مبقتش ملكي ، أنتي بقيتي كل حاجة يا نور كل حاجة ..
, غصّ صوته في آخر كلماته ، وكلامه يخرج من قلبه المُرهق بكمّ مشاعره الجيّاشة ..
, سالت دمعة حارقة مُستسلمة من عينيه أحرقت قلبها لتمدّ يدها بارتعاش تمسحها وقلبها مازال ينبض له ، نبضات صاخبة نادمة ، متألمة وعاشقة ..
, نور ببكاء: بحبك يا أحمد ، بحبك أووي
, رفع نظره نحوها وقلبه ازداد نبضه هامساً: بتحبيني صح ؟! بتحسّي كده تجاهي زي م أنا بحس ؟!
, ابتسمت هامسة بدموع: بحبك من زماان من قبل م انت تحبني ، أنت كنت لسا شايفني أختك الصغيرة بالوقت اللي أنا كنت شايفاك أكتر من كده ، شايفاك حبيبي وكل حياتي ..
, ابتلع ريقه يقترب منها ويُحاوط وجهها بيدين مُرتجفتين ، هامساً بغير تصديق وعينيه امتلأتا بالدموع: بتحبيني ؟! أنا مش بحلم صح ؟ أنتي صاحية ورجعتي ليا زي م كنت بدعي كل يوم ؟ أنتي رجعتيلي تاني وبتحبّيني زي م بحبك صح يا نور حياتي ؟!
, بكت وهي تستمع لكلامه وإحساسها بأنها ظلمته يكبر داخلها لتهتف برجاء: سامحني يا أحمد ، سامحني عشان خاطري ..
, وضع إصبعه فوق شفتيها يمنعها من الكلام هامساً بحنان وتأثّر: هشش مش عايز أسمع حاجة ، عايز أسمع بس أنك بتحبيني زي م بحبك ، بتفكّري بيا زي م بفكّر بيكي ، إني بوحشك زي م بتوحشيني ، إنك هتبقي مراتي زي م هبقى مراتك بقصد جوزك ..!
, انفجرت ضاحكة من بين دموعها التي بلّلت وجهها ، ورفعت يديها تمسح دموعها وهي تُحاول تمالك ضحكاتها المرتفعة ، ليبتعد عنها مُبتسماً ببلاهة وعيناه دامعتان ..
, هدأت ضحكاتها أخيراً ناظرة نحوه بابتسامة هادئة ، لتتذكّر كلامه المُتأثر وتعود للضحك من جديد ..
, هتف بها: م خلاص بقا كانت زلّة لسان ، فعلاً إنك غبية على رأي أخوكي سيف ..
, ازدادت ضحكاتها عندما استمعت لصوته الحانق ، لتبتسم أخيراً هامسة بتأثر: هبقى مراتك ؟!
, ابتسم بحب هاتفاً: أمال مرات مين ، مفيش واحدة هتدخل قلبي وبيتي غيرك ، مفيش واحدة هديها اسمي غيرك انتي .. ومفيش حد هيبقى جوزك غيري فاهمة ؟!
, اتسعت ابتسامتها بسعادة ليهمس: خليكي مبتسمة كده ، ضحكتك هي اللي بتحييني يا نور ، بحبك و**** بحبك أووي ..
, ابتسمت بخجل وحُمرة طفيفة طغت على وجهها ، ليقترب منها يطبع قبلة فوق جبينها قبلة حانية أدمنتها منه خلال الأيام الماضية ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, بعد يومين ..
, دخلت من باب الفيلا مهرولة وهو تصرخ وخلفها دخل سيف راكضاً وراءها بغضب ..
, نظرت حولها لترى أحمد جالساً في الصالة لتتجه صاعدة درجات السلم هاتفة: ملكش دعوة ده تلفوني وأنا حرة بيه ..
, صعد خلفها صارخاً: تعالي هنا وهاتي الفون يا مروة بلاش غباء ..
, ركضت في الطابق العلوي بسرعة هاتفة: بس مش هتمسح الصورة ..؟
, صرخ بغضب: لا همسحها لأنك مجنونة وحيوانة و**** لربيكي يا مروة هاتي الفون لحسن أكسره فوق دماغك وأكسر دماغك كمان ..
, اقترب متها لتصرخ بفزع راكضة وتصطدم بأدهم الذي خرج من غرفته هاتفاً بهم: فيه إيه أنتي وهو بتزعقوا كده ليه ؟
, اقتربت منه مستنجدة: إلحقني يا أبيه ده عايز يضربني ..
, نظر نحوه بغضب: نعم ؟!
, اقترب سيف هاتفاً: بلاش كدب يامروة وهاتي الفون ولا عايزاني أقوله كل حاجة ؟!
, نظر أدهم نحوهم صارخاً: كفاية أنتوا التنين حد يقولي فيه إيه؟
, هتف سيف: دي الحيوانة مروة خُد الفون بتاعها وشوف اللي هي عاملاه ..
, رفع حاجبيه باستغراب ونظر نحو مروة قائلاً: إديني الفون يا مروة ..
, نظرت نحو سيف بغيظ ليرفع لها حاجبيه باستفزاز ، عادت بنظراتها نحو أدهم هاتفة بابتسامة: ما بلاش !؟
, مدّ يده أمامها هاتفاً بحزم: الفون يامروة ..
, مروة بتوتر: اسمع مني بلاش ..
, بقي ينظر إليها بصمت ويده ممدودة لتستسلم في النهاية وتضع هاتفها في يده المفتوح على صورة سيف وهو نائم ..
, وسّع عينيه بصدمة ناظراً نحوها: إيه ده ؟!
, ابتسمت بتوتر هاتفة: مفيش بس حبيت شكل سيف ، بصّ قد إيه حلو وكيوت قولت لنفسي أما أصوره وأحتفظ بيها ك ذكرى جميلة ..
, هتف سيف بغضب: كدابة دي صورتني وقبل شوية كانت بتستفزني وبتغيظني بيها ..
, جذبها أدهم من أذنها هاتفاً : قولتيلي كيوت مش كده !؟
, صرخت هاتفة بألم: ولا كيوت ولا حاجة خلاص خد الصورة والفون كله لو عايز ..
, نظر نحوها سيف بنصر هاتفاً: عشان تعرفي أنتي بتلعبي مع مين يا شاطرة٣ نقطة
, صرخ هو الآخر عندما أمسكه أدهم من أذنه هاتفاً بهم: أعمل فيكوا إيه مش عارف ، الحقّ عليا أنا إزاي سمحت لعيال صغيرة يخطبوا قال وعايزين يتجوّزوا ..
, سيف: أنا مليش دعوة يا أدهم هي اللي دماغها زي دماغ السمكة ..
, مروة بغيظ: من عاشر القوم بقا ..
, هتف أدهم بتحذير: بسس مش عايز كلمة زيادة ، شايفين لو اللي بيحصل دلوقتي اتكرّر ولّا أي حركة من حركاتكوا التافهة هعمل إيه ؟! هلغي الخطوبة من أساسها ومفيش خطبة وزواج لغاية م حس أنكوا كبرتوا فاهمين ..
, هتفت مروة بلهفة: أنا بالنسبالي فاهمة شوف الأخ هنا ..
, سيف بسرعة: م أنا فاهم من زمان و**** .. كل حاجة إلّا الخطوبة ..
, تركهم أدهم بملامح منزعجة واتجه يبتعد عنهم بعدما أعطى الهاتف لسيف الذي مسح الصورة فوراً وعلى وجهه علامات الإنتصار ..
, نزل إلى الأسفل ليجد ليلى تُحاول كتم ضحكاتها ليبتسم لها قائلاً: شوفتي قلّة العقل ؟! مش عارف وافقت على خطبتهم إزاي ..
, رفعت حاجبيها بتعجّب ولكنها ضحكت تماشياً معه ليسمعا صراخ إسراء وهي تخرج من المطبخ بملامح غاضبة وهي تتّجه نحو ليلى التي صرخت بضحك وأسرعت تختبئ وراء أدهم ..
, إسراء: أنتي اللي حطيتيها مش كده ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: معليش كنت بجرّبها بس وجت فيكي ..
, نظر نحوها أدهم وهو يرفع حاجبيه باستغراب: فيه إيه ؟!
, هتفت إسراء بغضب وغيظ ناظرة نحو ليلى الضاحكة: الحيوانة دي لا مؤاخذة حطت بالطبق بتاعي حرباية ..
, رفع حاجبيه بذهول هاتفاً: حرباية ؟! جابتها منين دي ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة بفخر: لا دي حرباية اصطناعيّة مش حقيقية .. هههه و**** منظرك مسخرة بجد ..
, اقتربت إسراء منها بغيظ لتهرب ليلى من طريقها متابعة ضحكاتها وأدهم يقف مكانه بذهول ، كان يظنها تضحك لأفعال سيف ومروة ليكتشف بأنها أكثر جنوناً منهم ، ضرب كفاً بالأخرى متمتماً: عايش ف حضانة أنا ولا إيه ؟!
, قطّب جبينه ناظراً نحو أحمد الصامت يجلس بشرود ويمسك بيده هاتفه .. اقترب منه متمعّناً بالنظر إليه ليهتف بعدها: نور فين ؟!
, رفع أحمد رأسه متنبّهاً على اسم نور الذي نطقه ليجيب: طلعت أوضتها قبل شوية ..
, هتف بقلق: ليه مالها تعبانة !؟
, أحمد بنفي: لأ كويسة .. مالك أنت بتسأل عليها ؟
, نظر نحوع بصمت عدة لحظات ليقول بعدها بهدوء: عايز أتكلم معاها ف موضوع ..
, أحمد: موضوع إيه ؟!
, اتجه أدهم نحو السلالم هاتفاً: هتعرف بعدين ..
, تابعه أحمد بعينيه بسكون وهو لا يعلم بماذ يفكر ..
, في مكان آخر ..
, دخل تلك الغرفة المتوسّطة .. كانت خالية إلّا من طاولة خشبية صغيرة حولها كرسيّين .. وقعت نظراته على ذلك الواقف قرب النافذة ينظر إليه بجمود ..
, خرج العسكري مُغلقاً الياب ورائه ليهتف كامل بغضب: جاي هنا بكل بجاحة بعد إيييه ؟! قولتلّك خرجني من هنا بأسرع رقت وأنت مصدقتش إني اتحبست ..
, بقي مصطفى ينظر نحوه بعينين جامدتين ، داخلهما لمعة غريبة يراها كامل لأول مرة .. احمرار كبير يسكن زرقاوتيه وهالات سوداء مُتعبة تستكين أسفلها .. اقترب منه غير مبالٍ بحالته فمنذ متى وهو يهتمّ لأحد غير نفسه ..
, جلس على إحدى الكراسي يتّكئ بمرفقيه على الطاولة أمامه ورفع نظره إليه هاتفاً بحدة: وبعدين ، جاي هنا عشان تسكت ؟! المحامي ال٣ العلامة النجمية مقدرش يخرّجني ترفده من شغله معانا وتجبلي محامي تاني فاهم ؟!
, ابتسم مصطفی بسخرية ، سخرية اجتاحت كل ملامحه هامساً: بصفتي إيه ؟!
, قطب جبينه بحدة: بصفتك إزاي يعني ؟!
, اقترب منه مصطفى ومازالت اللّمعة الغريبة داخل عينيه هامساً ببطء: بصفتي إيه عايزني أسمع كلامك ده .. بصفتي إيه عايزني أساعدك تخرج ..؟
, صرخ به بنفاذ صبر: بصفتك ابني .. ولا البيه فرحان إن أبوه بالحبس وبقا يتسرمح على كيفه ؟ حتى شركاتي بدل م تسندها قبل م تقع سايبها كده ..
, ازدادت الإبتسامة الساخرة على وجهه هاتفاً: تصدّق مش عارف أفرح أو لأ .. فعلاً زي م انت قولت أبويا بالحبس .. هههه حاجة تشرّف بتنقّل من أب لأب والتنين يطلعوا بالحبس عمرك شوفت زي ده ؟!
, ضيّق عينيه ناظراً له وكأنه مُختل عقليّ ليهتف صارخاً : أنت مجنون متوّهش الكلام يا مصطفى .. المرة دي مش هسيبك قبل م تعمل حاجة وتخرجني ، ممنوع عني الزيارة بس أنت قدرت تدخل يبقى هتقدر تخرّجني من هنا ..
, بقي ينظر إليه بجمود ليُبادله كامل النظرات متنهداً وقال أخيراً بما أوصله إليه دماغه الجشع: عايز كام ؟!
, رفع حاجبه هاتفاً: كام إيه ؟!
, ضغط على قبضته بحدّة: فلوس .. عايز كاام عشان تخرّجني من هنا أنا عارفك كلب فلوس ..
, مصطفى: زيك تقصد .. كلب فلوس زيك وزي أخوك ..
, هتف به بشراسة: إخلص وجاوبني عايز كان ولّا عايز شركة ، هفرغلك شركة باسمك المهم أخرج من هنا ..
, وقف مصطفى ببطء وعيناه عليه يُتابع ملامحه الحادة ليهتف ببطء: مش عايز أسمي يتوسّخ بشركاتك ال٣ العلامة النجمية ٣ نقطة ولو تديني فلوس الأرض كلها مش هخرجك من هنا فاهم يااا .. يا كامل بيه ..
, رفع نظره إليه بغير تصديق هاتفاً: أنت بتتكلم كده إزاااي ؟!
, مصطفى بجمود: أتكلّم براحتي ، لأن جه اليوم اللي مصطفى السّاكت كلّ السنين دي يتكلّم ، جه اليوم اللي يدافع عن نفسه يعيط ، يصرخ وميحبسش فقلبه زي زمان ..
, كان كامل ينظر إليه بغرابة وحيرة ، كان كلامه غريباً عليه ولا يُناسب الموقف أمامه .. همس باستغراب: أنت عايز إيه ؟!
, لحظات طويلة بقي ينظر إليه يتذكّر حياته التي عاشها معه منذ طفولته ، يتذكّر معناته تشكيكه به وسحبه بالقوة كل فترة للتّحليل وكشف هويته .. لو أنه اكتشف من وقتها بأنه ليس أبنه لما كانت حياته هكذا الآن ، لما كان وصل لهذه الدرجة من الحقد والقسوة .. واليأس !
, تكلّم أخيراً بصوت خارج من بئر عميق: عايز أعرّفك الحقيقة .. الحقيقة اللي كنت مخدوع بيها من زماان ..
, طالعه بنظرات حذرة حائرة لينطق مصطفى ببطء وحقد وألم: حقيقة إني مش ابنك ..
, لاحظ جحوظ عينيه ببطء ، إهتزازة عضلة فكّه ومحاولته النطق بلا فائدة .. كانت نظراته غير مستوعبة: إا إييه ؟!
, مصطفى بجمود يُخفي خلفه ألماً كبيراً: مش أبنك يا كامل بيه أنت ملكش عيال يااا ٤ نقطة يا عمي ..
, جحظت عيناه أكثر وهبّ من جلسته ناظراً نحوه بجنون: ع عمي !؟؟
, ارتفعت زاوية فمه بنصف ابتسامة ساخرة مكسورة: أه عمي .. أنا ابن شريف يا كامل بيه .. ابن شريف اللي قدر يضحك عليك من زمااان ولسّا لحد دلوقتي ..
, هزّ رأسه بنفي مجنون مُتمتماً بذهول: لأ .. لا كداب هو هو كداب هو قال كده عشان يكسرني مش عارف إزاي هيدمّرني ملاقاش غير الطريقة دي ..
, ابتسم بسخرية: ليه أنت هتتكسر لو مطلعتش ابنك ..؟! ليه أنت اعتبرتني ابنك فيوم من الأيام ..
, نظر نحوه بجنون ليصرخ مصطفى: قولي اعتبرتني ف يوم ابنك ، سألت عني اهتمّيت بيا عرفت أنا بحب إيه وبكره إيه عرفت أنا عايش إزاااي ؟! هتتكسر لييه يا كامل بيه ؟! عشان أخوك خدعك ؟! عشان رغم كل اللي عملته بيه هو اللي انتصر في الآخر ..؟
, ابتلع ريقه غير مستوعب ، أطرافه ترتجف ليعود ويجلس فوق كرسيه بإنهاك ..
, حلّ صمت فجأة إلّا من أنفاسهم التي تتسارع بقوة .. فجأة شعر بشيء يُحاوطه .. يدين تمسكان به بقوة .. فتح عينيه المرهقة ليجد نفسه داخل أحضان مصطفى ..!
, همس خافت قرب أذنه أرسل قشعريرة في جسده: صح إنك مش أبويا بس لازم أودعك ..
, ابتعد عنه أخيراً ليرفع كامل نظراته نحوه بتشتت ، استدار مصطفى سريعاً من دون أن ينظر نحوه وخرج من الغرفة مُغلقاً الباب خلفه بهدوء ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, مساء ..
, رن هاتف أدهم ليرفعه إلى أذنه: نعم ؟!
, رفع حاجبيه بجمود هاتفاً: هو فين دلوقتي ؟! ٧ نقطة متعملش حاجة سيبه أنا جاي ..
, أغلق هاتفه لينهض عن مائدة الطعام يُمسك سترته ويرتديها على عجل ..
, ليلى: أدهم فيه إيه رايح فين ؟!
, نظر نحوها بابتسامة: مفيش مشكلة كده في الشغل مش هتأخر ..
, ابتعد سريعاً خارجاً من الفيلا لتتابعه عينيّ ليلى بقلق بالغ ويضيّق سيف عينيه بريبة وهو يشعر بأنه يُخطط لشيء ..
, كما قالها نزار .. شكراً مع خالص احتقاري ..
, في مكان آخر ..
, كان يجلس على كرسي قرب سريرها .. ينظر لها بصمت وأفكار قاتلة .. شريط حياته معها يُعاد أمام عينيه يقتله ويزيد من ألمه واختناقه ..
, لم يشعر بنفسه سوى يبتسم هامساً وهو يعلم بأنها لن تسمعه ولن تُجيبه كالعادة طوال تلك السنين: دي نهايتي يا أم مصطفى ؟! شكراً شكراً ليكي عشان عيّشتي ابنك بالجحيم ..
, أغمض عينيه لا يُريد الحديث أكثر ، حياته تدمّرت أمامه ، أمله الوحيد في النجاة من هذا الوحل الذي يعيش به قد ذهب .. وحيد هو الآن تماماً ولم يعد يتحمّل وحدته ..
, نهض عن كرسيّه وانحنى يُقبّل جبينها بصمت .. صمت يقتله ولا يستطيع أن يفعل شيء مهما تكلّم ، صرخ ، بكى لن يجد أحد قربه ولن ينفعه ..
, خرج بخطوات بطيئة ، ذهن شارد وعينين تحجّرت الدموع داخلهما .. اطمئنّ خلال الأيام السابقة عن نور .. ملاكه البريء الذي أذاه أبشع أذيّة .. يعلم بأن الجميع حاقد عليه ، من أرادهم قربه هم الآن يتمنّون موته وهو سيحقّق لهم هذه الأمنية ويُخلّصهم منه ..
, في مكان آخر ..
, كان يجلس في غرفة واسعة متهالكة فوق كرسيّ خشبي قديم .. يحني جذعه ويتّكئ بيديه فوق ركبيته ناظراً أمامه بصمت .. عيناه مُظلمتان كليلٍ بهيم مُخيف وعقله يصوّر أمامه صوراً كثيرة لطُرق انتقامه ..
, رفع هاتفه يُطالع الوقت وقد طلب منهم إحضاره إليه .. استمع فجأة لصوت سيارة تقترب .. انتفض ناهضاً عن مقعده بقلب خافق متسارع .. خرح من باب المخزن الحديدي ليُلاقيه ضوء سيارة قادم باتجاهه .. رفع يده يحمي عينيه من ضوئها الذي شقّ الظلمة حوله ..
, صمتٌ هو كلّ ما تلقّاء لينزل يده أخيراً ينظر أمامه ، ليهتف بصدمة: أدهم !؟
, اقترب منه بخطوات جامدة وعينين أكثر جموداً ليقف أمامه تماماً هاتفاً: أيوه أدهم ..
, نظر أحمد وراءه لم يجد أحد ليرفع نظره إليه صارخاً وقد فلتت أعصابه: هو فييين ؟! وديتوه فيين أنطق ..؟
, تكلم أدهم بجمود: محدش جابه أصلاً ..
, وسع عينيه بصدمة صارخاً: موسى !؟ الكلب موسى كان بقولّك كل حاجة صح ؟! أنت كنت عارف ومنعته يجيبه ؟!
, بقي صامت ينظر إليه ليقترب منه أحمد يُمسكه من ملابسه صارخاً: أنت عايز إييه ؟! ليه مخليتوش يجيبه ؟! عايز تسيبه يفلت بعملته وتسيب حق أختك ؟؟
, لم يتحرّك أدهم من مكانه وتابع نظرات الجمود نحوه ليقول أخيراً: أنت قولتها ، حق أختي .. يبقى أنت مالك !!؟
, اهتزّت عيناه وأفلت قبضتيه عنه ليهتف بشراسة: أختك أنا ربيتها معاك يا أدهم متنساش ده ..
, ابتسم أدهم بجمود: مش ناسي ، ولسا بقولك نور أختي وأنا اللي لازم أجيب حقها أنت مالك ؟!
, صرخ به بغضب: لأنك مش عارف تتحرك ولا تعمل حاجة أنت ساكت لحد دلوقتي وسايبه على كيفه .. يبقى أنا دلوقتي اللي هاخد حقها ومصطفى هقتله بإيديا دوول هعيشه جحيم ف عمره م عاشه ..
, بقي ينظر إليه بصمت ، مُلاحظاً ثورته ، رجفة جسده من الغضب والقهر .. يعلم جيداً إحساسه ناحية نور ولكنه لا يعترف ..
, نظر حوله قائلاً بهدوء: إرجع ع الفيلا محدش هيجيلك هنا ..
, رفع نظره إليه بثورة: هجيبه .. لو رجالتك مجابهوش أنا هجيبه وهاخد حقّي منه وأقتله ..
, نظر إليه هاتفاً بصوت جامد: مش من حقك ..
, صرخ بثورة: لأ حقي .. حقي إني آخد بتار نور اللي أنا ربيتها على إيديا ، حقي أنتقم لكل الأيام اللي عشناها بعذاب وبقهر وهو السبب .. حقي أنتقم ليا ولنور ..
, تابع أدهم بنفس الصوت الجامد: لا مش من حقك .. عارف ليه ؟!
, اقترب منه أكثر هامساً: لأن اللي اتأذّت بتكون أختي .. واللي أذاها بكون مصطفى .. أخويا !؟
, نظر إليه بغير تصديق هز رأسه يُحاول الإستيعاب ليصرخ به: أخووك ؟! أنت بتعتبره أخووووك يا أدهم ؟!
, ابتعد أدهم عنه هاتفاً: ملكش دعوة ، أنت شيل إيدك من الموضوع ده خالص وإرجع الفيلا الرجالة برا مش هيسمحولك تروح مكان تاني ..
, اقترب منه يُمسكه من ملابسه بعنف يهزه بجنون: أنت اتجنّنت ؟ أنت حصل لعقلك حاجة أكيد أنت مش أدهم اللي بعرفه ..
, نظر نحوه يُبعد يديه عنه بقوة هامساً: هنتكلّم بعدين ..
, كاد يُجيبه ليوقفه رنين هاتف أدهم وقد رفعه لأذنه سريعاً ٣ نقطة لاحظ تغيّر ملامحه ، تقطيبة حاجبيه وضغطه علی قبضتيه بشدة ..
, أنهى أدهم الإتصال وانطلق بسرعة نحو سيارته ..
, صرخ به أحمد: فيه إيييه يا أدهمم ؟!
, أجابه وهو يستقلّها: مفيش أنت ارجع الفيلا يا أحمد وهنتكلم بكل حاجة بعدين ..
, تركه وانطلق بسيارته بجنون وأحمد ينظر في إثره نظرات مُشتعلة وغاضبة ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, - في وقت ألمك ، قِف ساكناً حتى يمرّ الحزن .. أو اضحك عالياً حتى يمرّ الناس ..
, ٣٦ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, يقف أعلى ذلك الجسر .. ظلام حوله تضيئه أنوار الشارع الخالي في هذه الساعة المتأخّرة .. نظر إلى المياه المُظلمة أسفله .. يُطالعها بنظرات يائسة متألّمة .. الجميع يُريد الخلاص منه .. وهو بات يكره نفسه ويُريد الخلاص منها أيضاً ..
, أغمض عينيه مُتنهّداً ودموع حارقة بدأت بلسع وجهه .. حاول منعها ولكنها أبت إلّا أن تسقط وتزيد ناره اشتعالاً .. لمْ يبقَ له شيء في هذه الحياة أبداً .. الشيء الوحيد الذي كان يعيش لأجله انتهى .. حياته استحالت رُكاماً وهو لن يقف على الأطلال يبكي ندماً وحسرة ، كفاه ما بكاه طوال حياته ، يكفيه ندمه الذي ينهش داخله بلا رحمة .. يكفيه ألمه ودموعه التي لا تنضب ..
, فتح عينيه لتنهمر دموعٌ أكثر كالشّلال ، هذه آخر مرة سيبكي بها ، آخر مرة سيضعف ، وآخر مرة سترتفع شهقاته كطفلٍ صغير ..
, منذ صغره لمْ يبالِ أحد ببكاءه بشهقاته المتألّمة وأنينه الموجع ، ويعلم بأنّ لا أحد سيبالي الآن ، ولكنه يُريد أن يبكي لقد ودّع الجميع ألا يحقّ له أن يُودّع دموعه التي رافقته أكثر من عشرين سنة ..!؟
, ارتفعت شهقاته حتى شقّت عنان السماء ، ظلام حوله كظلام حياته وروحه ، وجعه يزداد مع كلّ دمعه يذرفها وحرقة قلبه لا ترحمه ..
, أمسك الحافّة أمامه بيديه ، ليرفع جسده بإنهاك ليصعدها ، أصبح واقفاً أعلاها ، الهواء البارد يلفحه ويُبعثر دموعه الحارقة ويُبردها ، لا يشعر بالبرد فناره المُشتعلة تزيد إتّقاداً .. الماء تحته يجري بسكون مُخيف ، سكون يُناديه ليُحيله إلى جنون وثورة .. نظر نحو السماء بألم ، يشعر بقطراتٍ خفيفة من المياه لا يدري أهي دموعه أم مياه الأمطار التي بدأت بالسقوط لتمحي ذنبه القاتل ، هل لمثله **** ؟! هل مثله يملك حقّ طلب الغفران ؟! لا أحد يُجيبه ، لا أحد معه ليفهمه ليشعر بألمه وخوفه ، يأسه وانهياره .. ولا أحد يمنحه هذا الحق ..
, نظر إلى الأسفل ، يرى على صفحة الماء ضحكاتٍ صاخبة لطفل صغير يركض في أحياء فقيرة ، مليئة بدفءٍ وحبّ .. يرى وجوه الماضي أمامه يرى ضحكاتهم ، حنانهم ودفئهم ، يسمع أصواتهم في أذنيه ويراهم يمدّون أيديهم إليه يُنادونه نحوهم ..
, ابتسم باتساع وسط دموعه التي مازالت تتساقط مع قطرات المطر المُنهمرة ، مدّ يديه نحوهم بشرود يُريدهم أن يحتضنوه يُريد لآخر مرة أن يشعر بالدّفء الذي افتقده .. اتّسعت ابتسامته وتغبّشت الصورة أمامه ورجله تتأرجه في الهواء وأصواتهم مازالت تُناديه ، مدّ رجله الثانية يفتح ذراعيه أكثر وجسده بدأ بالتهاوي في الهواء مُغمضاً عينيه ينتظر دفئاً وحناناً يحتاجه ..
, كل ما لاقاه هو برودة ، برودة قاسية استحكمت في جسده وآلمته ، خفتت ابتسامته الحالمة لتبهت شيئاً فشيئاً ، ذبُلت عيناه المتأمّلة وضمّ ذراعيه التي كانت مفتوحة ينتظر عناقاً وأخفضهما إلى جانبيه ، رفعهما إلى جسده ، يضمّ نفسه بنفسه ، يُعانق جسده وروحه بنفسه كما فعل دوماً ، يفرك جسده بحنان ودفء يُقدّمه لنفسه بيأس وحسرة وموت بطيء بدأ يتسلّل إلى خلاياه ..
, انحبست أنفاسه ، ورغم انقطاع الهواء عنه ورغم معرفته بالسباحة والعوم لم يتحرّك ، كان مُستسلماً لكلّ شيء ينتظر لحظة خلاصه وراحته ينتظر فناءه كما ينتظره الجميع ..
, أغمض عينيه باستسلام وجسده بدأ بالتراخي ، يداه خانتاه أيضاً لتترك جسده وتفكّ عناقه مستسلمة حوله بيأس ..
, يدٌ قوية شعر بها حوله ، ذراعان صُلبتان تُمسكان جسده بقوة كادت تكسره .. صوت مياه متخبّطة حوله ، وقوة هائلة تدفعه إلى الأمام ، يسمع كل شيء ويشعر بكل شيء ولكن جسده انهار ، جسده استسلم ولا يُريد معرفة شيء ولا ينتظر شي آخر .. ازداد اختناقه مع ازدياد قوّة اليدين الليتين تتشبّثان به ، صدرٌ قوي عريض شعر به يسنده ، رأسه مال ناحيته بانهيار يتّكئ عليه بإنهاك وهو لا يعرف هويته ، فقط مُستسلم مهما كانت نهايته ..
, سحبه حتى الحافة ليرفعه بنفَسٍ كاد ينقطع وأنفاس لاهثة ، سحبه على الأرضية الترابية يُمدّد جسده المُستكين أمامه .. جلس قربه يضرب وجنته بقوة يحاول إفاقته ..
, صرخ به وهو يضرب وجنتيه ويهزّ وجهه بعنف: مصطفى !؟
, أخفض يديه يضعهما فوق صدره يُحاول الضغط عليه بقوة عدة مرات وهو يصرخ به ليستفيق ، شهقة قوية خرجت منه أخيراً لينتفض جسده بادئاً بالسعال المخيف ..
, وضع يده على صدره وقد رفع جذعه يحاول أخذ أنفاسه التي قُطعت وهو يسعل بشدة .. لحظات غامت عيناه بالدموع من جديد حالما أدرك بأنه مازال حياً .. شهقات بكاءه ارتفعت مع شهقات أنفاسه المقطوعة لتملأ صدره غصّة مؤلمة ..
, رفع نظراته للواقف أمامه ، لينتفض بصدمة وهو يرى أدهم واقفاً بجمود غريب ، نظراته قاتلة مُرعبة ورغم ذلك يرى داخلهما نظرة غريبة لم يستطع تفسيرها ..!
, فتح فمه يُحاول إخراج الكلام من بين دموعه وأنفاسه اللّاهثة: أا أده٣ نقطة
, لم يكدْ يُكمل الكلمة حتى حطّت على وجنته صفعة قوية عادت لتُسقط جسده المتعب أرضاً ، رفع نظره لأدهم الذي اقترب منه وقد ازدادت نظراته حدة .. ليُحاول رفع جسده ناظراً إليه لتطيح به صفعة أخرى صمّت أذنه وكادت تكسر أسنانه من قوّتها ..
, صرخ به أدهم: أنت اتجننت ؟! عايز تقتل نفسك ؟! عايز تموت كافر أكتر م أنت عشت حياتك وسخ وقذر ؟!
, رفع نظره إليه بصمت ودموعه عادت لتحرقه وهو يستمع لهتاف أدهم الشرس: عايز تهرب ؟! تنتحر بدل م تكفّر عن أغلاطك بدل م تتلقّى اللي هيحصلك وتنال جزائك ؟!
, تمتم قائلاً بدموع: أنت ليه أنقذتني ؟!
, صرخ أدهم: عشان مش أنت اللي هتقتل نفسك ، بقالي زمااان عايز أخد بتاري وأنتقم ومش واحد زيك هيضيّعلي تعبي ..
, انحنى نحوه هامساً بشراسة: موتك هيكون على إيديا أنا مش إيديك أنت ، مش هسمحلك تخلّص نفسك من غير م تلقى عقابك على إيديا ..
, تراجع بجسده يهز رأسه بجنون هاتفاً بقهر: لأ .. لأ سيبني أنا كنت هموت كنت هخلّصكوا مني أنقذتني لييه ؟! عايز مني إيه ؟! سيبوني فحالي أنا سيبتلكوا كل حاجة سيبتكلوا الدنيا باللي بيها ..
, أدهم بغضب: محزرتش .. مش على كيفك ، مش أنت اللي بتنهي حياتك بالسهولة دي ، فين مصطفى الحاقد اللي عايز يقتل وينتقم ..!!؟
, صرخ مصطفى بثورة وقهر: أنا انتقمت ، أه انتقمت اغتصبت اختك ددممّرتكوا أه صح انتقامي مش كامل بس ددممّرتكوا ، وجّعتكوا حرقتلكوا قلوبكم زي م قلبي بيتحرق من زمااان ..
, نهض واقفاً أمامه بجسد مُترنّح: سيبني فحالي بقا خليني أمووت ..
, أدهم بجمود: هتموت ، بس مش على إيدك .. هتموت لما أنا بقرر .. بس الأول هخلّيك تتمناه ومتطولهوش .. هخلّيك تتعذب ..
, صرخ مصطفى بيأس: مش عايز .. لأ مش عايز أنا هموت ، أنا بتعذب عايز أرتاااح ، مش عايز أموت على إيدكوا أنتوا لأ ، إلّا أنتوا ، العيلة الوحيدة اللي بتمنّاها مش عايز أموت على إيديها ..
, اقترب أدهم منه هاتفاً بقسوة: للأسف أمنيتك دي مش هتتحقّق .. مش هسمحلك تموت .. مش هسمحلك تئذي نفسك بنفسك كل حاجة هعملها أنا بنفسي .. فاهم ؟!
, سقط أرضاً يبكي ، يبكي بحرقة وكأنه لم يبكِ منذ زمن ، شهقاته ارتفعت والأمطار حوله تزايدت ، وأدهم يقف أمامه بجمود يُتابعه بعينين غريبتين داخلهما استكان ألمٌ قاتل ..
, هتف به بجمود: قوم ارجع القصر يلّا ..
, رفع رأيه نحوه وقد تبلّل وجهه بدموع ومياه : أنت ليه بتعمل كده .. ليه مش تقتلني دلوقتي ؟! طب لييه متعذّبنيش دلوقتي ؟!
, هتف أدهم: لسا وقتك مجاش .. من هنا ورايخ اللي أقوله أنا هيتنفّذ .. إنسى إنك مصطفى .. إنساه خالص ..
, صرخ به بألم: أنت عايز مني إيييه ؟! سيبني فحالي يا أخي مش عايز أعيش مش عايز أفضل كده إبعد عني .. هموت هقتل نفسي ومحدش ليه دعوة بيا ..
, بقيَ ينظر إليه بجمود مُقطباً حاجبيه ليهتف أخيراً: عشت كل حياتي بحمي عيلتي .. عشت اللي محدش عاشه وعانيت اللي محدّش عاناه .. وصلت لهنا حسّيت إني خلاص ارتحت ، عيلتي كلها فأمان حسيت إني نجحت ووصلت للّي عاوزه ٣ نقطة بس للأسف بالنهاية اكتشفت إني فشلت .. فشلت إني أنقذ عيلتي ..
, غصّ صوته متابعاً: فشلت إني وقّف معاهم وساعدهم ، اكتشفت إن مش كلّ عيلتي بخير .. اكتشفت إن في حد سيبته ورايا قبل عشرين سنة ، حد من عيلتي لسّا موجود بالبر التاني .. لسا بالبرّ اللي أبحرت و هربت أنا وعيلتي منه ، برّ الحقد والقسوة ..
, ازدادت شهقات مصطفى يأساً وضرب على قلبه قهراً هامساً: أنت عايز إيه قولي وريّحني يا أما سيبني أمووت وأرتاح ..
, أدهم بجمود: مش أدهم عز الدين اللي يسيب حد من عيلته محتاح .. مش أدهم عز الدين اللي يسيب حد من أخواته يموت كده ..
, رفع نظره إليه فجأة ، ينظر بغرابة وجنون .. هتف بقهر: مش أخوك .. أنا مش أخوك أنت ملكش أخوات غير سيف ونور .. أنا مصطفى عدوّك ، ابن عدوك ، مصطفى اللي عاش كل حياته حاقد عليك ، اللي عاش كل حياته عايز يقتلك وينتقم منك .. أنا مش مصطفى بتاع 10 سنين ، أنا تغيّرت .. بقيت إنسان تاني ، بقيت شيطان لازم تبعد عني ..
, أدهم: ومين قال إن أخويا مصطفى اللي قدامي دلوقتي ..؟! اقترب منه هاتفاً بهدوء وألم: أخويا اللي بعرفه عمره 10 سنين ، أخويا اللي بتكلم عنه هو مصطفى الطفل اللي ميعرفش إيه يعني حقد وقتال ..
, صرخ به بأعصاب مُتلفة: بس أنا عااارف ، عارف أقتل عارف أحقد وأنتقم ، إبعد عني هتستفاد مني إييه ؟! كنت آه كنت العيل اللي ميعرفش حاجة كنت العيل البريء بس العشرين سنة دوول كبّروني .. العشرين سنة دول زرعوا جوّايا سوااد كبير ..
, أدهم: وأنا همحي من حياتك العشرين سنة دول .. مصطفى اللي هاخده عمره 10 سنين بس .. الطفل اللي ملاقاش حد يربيه طوال السنين اللي فاتت أنا هعيد تربيته من جديد .. هبدأ من عمر10 سنين .. همحي كل السّنين اللي صنعت منك مصطفى القاعد قدّامي دلوقتي ..
, همس مصطفى بتعب متوجّع: مش هتقدر .. إبعد عني يا أدهم مش هتقدر ..
, همس أدهم بقسوة: أدهم اللي واجه كل صعوبات الحياة ، اللّي واجه أعدائه من أقرب الناس ليه ومع ذلك كبر وتعلّم ووصّل عيلته للّي هما بيه دلوقتي ، مش هيصعب عليه يربّي عيل عمره10 سنين ..
, رفع عينيه إليه ، رُغم الإهانة التي تعرّض لها ، رغم نعته بأنه *** صغير يحتاح التربية لم يتأثّر ، ربما لأنه فقد الإحساس أو ربما لأنه يشعر بصدق حديثه .. هو ربّى نفسه بنفسه ، تربّى على الظلم والحقد والحرمان ليُغذي مصطفى الحاقد داخله ويُميت مصطفی الطيّب البريء .. هو لم يجد من يُربيه ، لم يجد أحد حوله أبداً حتى ولو كان حيوان أليفاً يتبعه كظلّه .. لا أحد أبداً ..
, بقي ينظر داخل عيني أدهم .. والآن فقط استطاع تفسير نظراته الغريبة التي لمحها .. نظرات ، خوف .. ألم .. قسوة وتردّد .. أدهم الذي عرفه طوال عمره يُصارع نفسه وحقده ونار انتقامه ليُعيده إلى سنين غابرة .. ليُعيده لنقطة واحدة حيث كان مازال معهم وبينهم .. يُعيد الزمن إلى تلك الفترة التي ترك بها فرد من عائلته من غير أن يُنقذه .. تركه للظّلم وقسوة الحياة بغير إرادته وغير معرفته ٣ نقطة وهاقد علم به الآن ، علم بأنه موجود وقد أحالته الحياة لوحشٍ حاقد .. وعليه الآن إعادته للبداية ولكن هذه المرة أن يأخذه معه كما أخذ عائلته سابقاً أن ينقذه كما أنقذهم ..
, فاق من سرحانه على وصول رجال أدهم حولهم .. وقف موسى بالقرب من أدهم الذي استدار نحوه قائلاً: خدوه للقصر ، ميخرجش منه أبداً لحد م أنا أقول ..
, اقترب الرجال يُحاولون رفع جسد مصطفى المتراخي ليُدخلونه إلى السيارة ويدخل أدهم سيارته ينطلق خلفهم بغير شعور ٣ نقطة
, دخان كثيف بدأ بالظّهور لهم ، دخان مع ألسنة نار عالية مُلتهبة تظهر بوضوح كلّما تقدموا من القصر .. ضيق أدهم عينيه بحذر وأسرع في قيادته حتى تخطّى سيارة رجاله أمامه ليقف أمامه القصر فجأة ويترجّل منها يشاهد الدمار أمامه ..
, فتح عينيه بشدة وهو يشعر بأنه داخل أحد الأفلام .. قصر بأكمله بحترق أمامه ، ألسنة اللهب تتصاعد وتضرب عنان السماء .. دخان كثيف حوله شكّل غيمة أعلاه .. رجال كثيرون ينتشرون في المكان وسيارتي إطفاء وصلتا في نفس وقت وصوله ..
, اقترب بخطوات مرتعشة وهو ينظر لجثث رجال كامل التي انتشرت فوق الأرضية .. دماء في كل مكان وأصوات صراخ وتألم ..
, ابتلع ريقع صارخاً بأحد الرجال أمامه: فيه إييه ؟! إيه اللي بيحصل ..؟
, كان أحد رجال كامل الناجين من هذه الحادثة ليقول بسرعة وتلعثم: هجموا علينا ، ضربوا علينا رصاص وحرقوا القصر .. ده فاروق بيه مفيش غيره ..
, أدهم: مين ده مين فاروق ده ..؟
, تردّد الرجل ليمسكه أدهم صارخاً به ليصرخ بخوف: فاروق بيه رجل الأعمال المصري اللي عايش بفرنسا ، كان ليه شغل مع كامل بيه وكامل بيه خانه وسرقه ، والمعروف عن فاروق إنه متوحش مبيسبش حقه وليه علاقاته مع عصابات ومع مافيا وهو اللي عمل كل ده ..
, دفعه أدهم عنه ينظر حوله بجنون .. لقد فاق كامل كل توقعاته .. كان يعلم بأن أعماله قذرة مشبوهة ولكن أن يوقع نفسه بأشخاص كهذا لم يكن يتصوّر ..
, نظر بتشتت نحو مصطفى الذي نزل من السيارة راكضاً بجنون .. يصرخ وهو يرى القصر أمامه يخترق .. لقد عاش به أسوأ أيام حياته ولكنه أمضی كل حياته به ، قصر طفولته وشبابه .. يحترق أمامه وكأنه لا شيء أبداً ..
, صرخ برعب وجنون وعينان تذرفان دموعاً وهو يركض إلى الداخل .. حاول الرجال منعه ولكن ثورته كانت أعظم ليدخل عبر الباب مُنطلقاً نحو الدرجات يصعد إلى غرفته التي لم تمسّها النار بعد .. بكى بجنون وهو ينظر حوله .. اتجه نحو خزانته ليفتحها يُبعثر مابداخلها يُخرج صندوقاً خشبياً صغيراً ..
, جلس أرضاً يتحسّسه بيدين مرتجفتين ، صندوق طفولته البريئة ، صندوق حياته القصيرة التي عاشها بهناء .. بكى أكثر وهو يتذكر مافعله وما عاشه .. بدأ يسعل باختناق والدخان الكثيف طغى على غرفته ..
, ضمّ الصندوق إلى صدره وضمّ جسده متكوّراً حول نفسه وكأنه قد عاد فعلاً *** العاشرۃ ، كان يُريد الموت والخلاص وهاقد أتاه .. على الأقل سيموت الآن مودّعاً الجميع وبين يديه برائته وطفولته المفقودة ..
, ازداد سعاله بشدة واستحال جسده للون أسود نتيجة الدخان الكثيف .. صوتٌ اخترق عباب الدخان .. صوت صارخ خائف: مصطفى .. مصطفی ..
, صوت بدأ بالوضوح أكثر والإقتراب أكثر .. واختناقه ازداد أكثر .. ليرتخي جسده ضائقاً صدره وساقطاً فوق الأرضية الباردة ..
, ٣٦ العلامة النجمية
, في الفيلا ..
, كان يجلس يهز قدميه بتوتر وثورة ، يُحاول الإتصال به منذ فترة وهو لا يجيبه .. صرخ بجنون: مش بيرد ، مكنش لازم أسيبه كده أخوك هيمنعني أخد حق أختك .. عايزني أسيب مصطفى يفلت باللي عمله ..
, اقترب منه سيف الذي كان يمشي أمامه ينتظران أدهم حتى يأتي ليهتف: أنت الحق عليك .. عايز تنتقم مش كده .. مش تلجأ لرجالة أدهم .. عايز تنتقم روح انتقم بنفسك .. بعدين رايح تنتقم لوحدك .؟! مش شايف إن في حد تاني عايز ينتقم زيك ؟!
, رفع نظره إليه بغضب: و**** الحد التاني قاعد بالعسل ، كل اللي بيعرفه هو الجنون والهيافة وسايب كل حاجة ، ع القليلة حاولت أوصلّه حاولت أنتقم مش زيك ..
, ابتسم سيف بسخرية ليهتف بجمود: ومين قالك إني سايب كل حاجة ؟! أنا عارف بعمل إيه كويس ومصطفى هنتقم منه .. بس اللي عقلك الغبي معرفوش إن أدهم مش سايبنا .. أدهم براقب كل تحرّكاتنا من يوم الحادثة لحد دلوقتي .. أنا عارف كل ده وعارف إن مهما كان اللي هنعمله هو هيكشفه ويقف بطريقنا .. أنا مستني بس يمل مستي فرصة اقدر اتحرّك براحتي .. أنت مع الأسف رغم معرفتك الكبيرة بأدهم بس عينيك معميّة عن كل ده وغبائك زاد ..
, صرخ به أحمد رغم أنه شعره بأنه على حق: خلاص يا سيف ، أنا سكنتك كتير أووي لاحظ إنك بتغلط بيا ، مش معنى إني سكتلك وسيبتك ده يديك الحق تزيد وتبجح في الكلام ..
, نظر نحوه بغضب وهمّ أن يجيب ليقاطعه هاتف أحمد الذي تعالى رنينه ، انتفض الإثنان بترقب ورفع أحمد هاتفه: أيوه يا مجدي عرفت حاجة ؟!
, توسعت عيناه بصدمة ليقترب منه سيف ناظراً له بلهفة واستفهام .. تمتم أحمد: أنت متأكد ؟!
, أغمض عينيه بغير استيعاب مُغلقاً هاتفه هو ينظر أمامه بشرود ..
, صرخ سيف: في إيه يا أحمد مجدي قالك إيه ؟!
, رفع نظره إليه بتشتت هاتفاً: القصر .. قصر كامل بيحترق كله ..
, رفع حاجبيه بذهول هاتفاً: إزاي ؟! يعني إيه قصر فحاله بيحترق إزاي حصل ده ؟!
, هز أحمد رأسه بشرود هاتفاً: مش عارف ، بيحترق كله ورجالته مقتولة .. ثم عاد بنظراته إليه هاتفاً: وأدهم هناك .. هو ورجالته ..
, ضيق عينيه ناظراً نحوه بحذر وقلب نابض: تقصد إيه ؟!
, بقي ينظر إليه ليهتف بعدها: هو هناك ، ومصطفى هناك ..
, تعالت أنفاسه هامساً بغير تصديق: ح حرقه ؟! ه هو حرق القصر بمصطفى ..؟!
, لم يُجبه أحمد ليبقى سيف واقفاً ينظر أمامه بتشتت .. هل يُعقل بأن من فعل ذلك أدهم ؟! هل أوقف أحمد عن انتقامه لينتقم منه بهذه الطريقة ؟!
, لا يُنكر بأنه يتمنی موت مصطفى ولكن ، بهذه الطريقة البشعة ؟! هل وصل حقد أدهم وغضبه لهذه الدرجة ؟!
, حل الصمت عليهم لحظات طويلة ، لم يجرؤ أحدهم على الكلام .. لينتفضا فجأة حالما فُتح باب الفيلا وأدهم دخل منه بخطوات بطيئة وهيئة .. مُزرية ..
, اقترب منهم ينظر إليهم بجمود ليبادلوه النظر بريبة وذهول .. كانت ملابسه مشققة أو محترقة .. وجهه وذراعيه ممتلئان سواداً .. هيئته فوضوية وهناك احمرار طفيف في وجهه وذراعه ..
, هتف أحمد بجنون: أنت عملت إيه يا أدهم ؟!
, لم يُجبه ليبتلع سيف ريقه هامساً: حرقته ؟!
, لم يتلقوا إجابه ليتمتم سيف بتشتت: حرقته يا أدهم ؟! أ أانت حرقت مصطفى والقصر ؟!
, تكلم أخيراً بهدوء: ماما فين ؟!
, نظر له أحمد بضيق وهو يعلم بأنه لن يتكلم إن لم يُرد دلك ليهتف: أمك نايمة بقالها زمان عايزها ليه ؟!
, ابتعد عنهم متجهاً نحو غرفة والدته: عايزها بموضوع روح انت اللبيت ..
, نظروا لبعضهم بحيرة وأدهم يدخل غرفة والدته رغم معرفته بأنها نائمة ، كاندائماً يؤجّل حديثه معها حتی تستفيق والآن يدخل إليها بتلك الهيئة المقلقة ويريدها في موضوع لا يستطيع تأجيله ..!
, سيف: أحمد اتكلم مع حد لازم نعرف اللي حصل ..
, هز رأسه هاتفاً: أدهم مش عايز يتكلم يبقی رجالته كمان مش هيتكلموا ..
, اتجه سيف نحو الباب: أنا رايح القصر عايز أعرف كل حاجة ..
, جذبه أحمد قبل أن يخرج هاتفاً: مفيش خروج يا سيف مش ناقصنا قلق أكتر من كده .. بكرا هنعرف كل حاجة خليك أنت هنا ومتزيدش غضب أدهم أكتر ..
, اتجه أحمد نحو الباب: أنا هخرج انت إياك تخرج من هنا فاهم ؟!
, أومأ سيف برأسه بشرود ليتابع أحمد: استنى أدهم وشوف لو هتقدر تفهم منه حاجة أنا رايح ..
, عاد ليومیء بشرود وعقله يعمل بسرعة يحاول معرفة ما يحدث أمامه ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, في اليوم التالي ..
, طرقت الباب عدة طرقات خفيفة .. لتفتح لها ليلى الباب وعلى وجهها أثار النوم همست بقلق: نور أنتي كويسة مالك ؟!
, تنهدت قائلة: أنا آسفة جيت بدري كده بس عايزة أتكلم مع أبيه شوية ..
, قطبت ليلى جبينها لتهتف: عايزاه ليه هو لسا مفاقش ..
, تراجعت نور وفركت أصابعها بتردد لتهتف: خلاص هرجع بوقت تاني ..
, اسرعت من أمامها لتغلق ليلى الباب مضيقة عينيها بحيرة ..
, اتجهت نحو السرير تجلس قرب أدهم النائم .. مدت يدها تتحسّس الحرق الطفيف على وجنته .. لقد جائها البارحة بهيئة مزرية دبّت في قلبها الرعب ، لم يُجب على تسائلاتها ولم ينطق بحرف ، فقط استحم وأبدل ملابسه المحترقة ووضع رأسه داخل أحضانها متمتاً: عايز أنام ..
, لم تمضِ دقائق قليلة إلّا وكان قد سقط في نوم عميق مُتعب .. بقيت لحظات ساكنة حتى تأكدت من نومه لتنهض مُحضرة مرهم للحروق تضعه فوق حروقه وتعقّم الخدوش الموجودة في وجهه وذراعيه ..
, ابتسمت بحب وحنان ماسحة شعره بهدوء .. فتح عيناه ببطى لتقابله عينيها المبتسمة بحنان .. مد يده يُمسك يدها التي تمسح فوق خصلاته ليقبّلها بحنان ..
, همست: مش هتقولي إيه اللي عمل بيك كده مبارح ؟!
, تنهّد بإرهاق ونهض معتدلاً ينظراً نحوها: هبقى أقولك بعدين ..
, أومأت برأسها تستشعر حزنه ولا تريد أن تضغط عليه لتقول: قوم خد دش هنزل أحضر الفطار ونور جت من بدري كانت عايراك ..
, قطب جبينه متسائلاً: ليه ؟!
, ليلى: مش عارفة ، بس كانت متوترة وقلقانة ..
, ضيق عينيه ونهض مُتجهاً بصمت نحو الحمام ، تابعته ليلى بعينيها لتذهب محضرة له ملابسه وتنزل لتحضر الإفطار ..
, بعد لحظان طرقت نور الباب ليسمح لها بالدخول .. دخلت لتجده يرتدي يترته السوداء لينظر نحوها باستفهام ..
, اقتربت منه بهدوء ملامحها جامدة ويديها تفركان ببعضهم ..
, اقترب منها يجذيها من يدها ليُجلسها قربه على السرير متسائلاً: مالك يا نور قالتلي ليلى إنك عايزاني ..
, أغمضت عيناها مُتنفسة تحاول تهدأة نفسها .. ليجذبها يحتضتها بخفة هامساً : قوليلي أي حاجة متخافيش ..
, ابتعدت عنه ناظرة نحوه قائلة: أنتي قولتلي قبل مبارح حاجة ، وقولتلي فكر كويس ..
, أدهم: قولتلّك خدي وقتك يانور أنا مش مستعجل المهم عندي أنتي ..
, هزت رأسها هاتفة بجمود: بس أنا فكرت .. وموافقة
, رفع نظره بتفاجؤ من موافقتها السريعة ليهتف: نور أنتي متأكده ؟!
, أومأت برأسها هاتفة: موافقة بس عندي شرط ..
, قطب جبينه بتساؤل ليراها تزيد من فرك أصابعها وأغمضت عينيها هامسة: عايزة أروح الدكتورة أتأكد إني كويسة ..
, رمش بعينيه لينهض ناظراً نحوها بجمود .. رفعت عيناها إليه رغم ارتباكها وخجلها مما تقوله ولكنها لن تتراجع أبداً .. هتف بها قائلاً: نور .. أنتي صاحية للي بتقوليه ؟!
, أخذت عدة أنفاس قائلة: عارفة قصدك ، عارفة إن ده صعب عليا ، وأنا موجوعة جداً بس مش هتراجع يا أبيه .. أنا عايزة أرتاح مهما كان الثمن .. ده شرطي إني وافق وحضرتك قولتلي هتنفّذلي كل اللي عايزاه ..
, أغمض عينيه يشد على قبضته هاتفاً: خلاص زي م انتي عايزة ..
, استدار يبتعد عنها قائلاً بجمود: النهاردة الضهر حضري نفسك هاخدلك معاد مع دكتورۃ وأجي أوصلك ..
, هتفت ببكاء: أبيه ..
, التفت سريعاً ينظر نحوها ليعود ويجذبها داخل أحضانه يُشدّد عليها هامساً: مش قادر أعمل كده مش قادر أتخيل أختي وبنتي رايحة لدكتورة عشان الموضوع ده .. بس أنا وعدتك ، وعدتك إني أنفّذ كل اللي عايزاه ، وعدّتك إني أساعدك وأقف جنبك ولو كان ده هيريّحك ف أنا موافق .. متخافيش هبقى جمبك وهسندك دايماً ..
, مسحت عينيها بابتسامة باهتة وابتعدت عنه بخطوات سريعة عائدة إلى غرفتها .. يُتابعها هو بعينيه المتألّمة ، تنهّد بإرهاق وضغط شديد وهو يعلم أن الفترة القادمة ستكون خانقة عليه أكثر ..
الحادي والأربعون
- وأراكَ في كلِّ البِقاعِ كأنّما
, لا جُرُمَ في فلَكي يدورُ سِواكُ ..
, ٣٨ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, صباح اليوم التالي ..
, نظرت مروة بصمت نحو إسراء الجالسة بجانب نور التي مازالت في ثبات عميق ، بادلتها الأخرى نظرات حائرة لتنظر نحو ليلى التي تجلس في الناحية الأخرى ..
, زفرت عبير تنقل نظراتها نحوهم هاتفة: يعني إيه اللي بيحصل حد فاهم حاجة ؟
, مروة بحيرة: مش عارفة ..
, عبير: يعني إيه عايزة أفهم ، هي نور ليها أخ تالت غير أبيه أدهم وسيف ؟ طب إزاي ؟ وليه بقولوا إن هو اللي اغتصبها ..؟!
, إسراء: معملش حاجة ، هو كان عامل كل ده عشان ينتقم بس هو مقدرش يقرّب عليها **** ستر الحمد**** ..
, مروة وهي تهز رأسها: ده اللي بقولوا عليه صلة الدم أو حاجة زي دي ..
, ضربتها عبير هاتفة: مش وقت ظرافتك يا مروة ..
, مروة: وأنا بقول إيه دي الحقيقة .. ثم نظرت نحو ليلى هاتفة: هي هتفوق إيمتى ؟!
, تنهّدت ليلى وعلى وجهها علامات الإرهاق: كمان شوية بقالها من مبارح نايمة ، أنا كلّمتكوا علشان نبقى كلنا جنبها ماما تعبانة وأدهم وسيف ميقدروش يدخلوا هنا ..
, نظرت إسراء نحو نور تمسح فوق شعرها بحزن وندم شديد .. حلّ الصمت من جديد كل واحدة منهنّ تفكر بشيء مختلف ..
, إسراء تفكر بنور وما هي ردة فعلها عندما تستفيق ، وكرم يشغل حيّزاً آخر من تفكيرها ..
, ومروة تفرك يديها بقلق ، فسيف لم يُجبها منذ البارحة واليوم يحبس نفسه في غرفته لا يستجيب لأحد ..
, أمّا ليلى فالجميع في تفكيرها وأوّلهم حبيبها المُتعب ، تعلم بأنه لم ينَم طوال الليلة الفائتة .. يدخل يطمئنّ على نور وهي نائمة ثم على والدته ويُحضر لها الطعام يُطعمها ويوصيها على نور ، ويحاول معرفة مايفكر به سيف الصامت بلا فائدة ..
, وعبير تفكر بهيئة تلك الشخصية الغريبة .. ذلك الذي يسعى خلف الإنتقام ليكتشف في النهاية بأنه ينتقم من عائلته .. يتراجع في آخر لحظة وقد لعبت صلة الدم دورها كما تقول مروة وأنقذته من انتقامه وأنقذتهم ..
, خرج صوت خافت من نور التي بدأت تحرّك رأسها وتفتح عينيها ببطئ والبنات يحدّقن بها بخوف وقلق ..
, ليلى بهدوء: نور حبيبتي أنتي صاحية ؟
, فتحت عينيها لترى ليلى قربها تمسك بيدها وعلى وجهها ابتسامة هادئة ، نقلت نظرها لإسراء التي امتلأت عيناها بالدموع ..
, حاولت النهوض لتساعدها ليلى وإسراء لتلمح عبير ومروة جالستان أمام سريرها بصمت وترقّب ..
, لحظات بقيت صامتة ولم تجرؤ إحداهنّ على الكلام أو السؤال ..
, انتفض جسدها فجأة وصوت صارخ مبحوح يجتاح رأسها: أنا أخوكي يا نور ، أنا ملمستكيش ..
, وضعت يدها على قلبها الذي بدأ بالخفقان بشكل مؤلم ، ودموعها طفرت من عينيها بغير شعور ، بدأت تتنفّس بسرعة بسرعة وجسدها يرتعش .. والبنات كلّهم تصنموا مكانهم خائفين ..
, فاقت ليلى على نفسها وعلى عهدها الذي قطعته بأنها ستقف قربها وتساعدها .. لتقترب منها تُمسك كتفيها وتديرها ناحيتها هاتفة: نور إهدي يا حبيبتي ، أتنفسي شوية إهدي ..
, أمسكت نور بيدها تتشبّث بها وتحاول الكلام ولكن شهقاتها تمنعها: ل ليلى !!؟
, مدت ليلى يديها تمسح دموعها وهي تنظر نحوها بقوة قائلة بصوت هادئ عميق: أنتي كويسة يا نور ، أنتي بخير محدش قرب منك محدش لمسك متخافيش ..
, رفعت عيناها إليها وقرأت ليلى داخلهما الأمل والتوسل والخوف لتعود وتهتف بها: متعيطيش أنتي كنتي تعيطي علشان اللي حصلك دلوقتي مش هسمحلك تعيطي وتئذي نفسك لأنك لسا زي م أنتي يا نور محدش لمسك صدقيني ..
, انفجرت في بكاء شديد لتقترب منها إسراء تحتضنها وتحاول تهدأتها وهي تهمس لها بكلام مهدئ بأنها مازالت كما هي وأن ما حصل معها كان مجرد كابوس وقد صحت منه ..
, بقيت دقائق طويلة تبكي ودموعها لا تعرف الجفاف وكل واحدة من صديقاتها تُعيد على مسامعها نفس الكلام كما أخبرتهم ليلى .. تريد أن يترسّخ هذا الكلام برأسها وتؤمن به .. ودماغها ما زال داخله ذلك الصوت الصارخ: أنا أخوكي يا نور أنا ملمستكيش ..
, توقفت عن البكاء فجأة وهي تتحسّس البيجاما التي ترتديها .. فركت رقبتها بعنف وهي تحاول تخليص نفسها من من ملابسها هاتفة: ع عاوزة أخد دوش مش قادرة ..
, بدأت تتلعثم في كلامها لتمسكها إسراء تساعدها على النهوض هاتفة: تعالي معايا هتستحمي وتغيري هدومك ومروة هتسرحلك شعرك أنتي المهم تبقي كويسة ..
, بعد دقائق طويلة مضت عليهم وهم ينتظرونها في الغرفة ، دخلت الحمام ولم تسمح لأحد بمساعدتها رغم هيئتها المتعبة والشاحبة ، أمضت داخله وقتاً طويلاً ولم تخرج بعد ..
, هتفت عبير: هي مخرجتش ليه أنا مش سامعة صوتها بالبداية كانت تعيط دلوقتي إيه ..!؟
, اقتربت ليلى تطرق الباب بقلق: نوور .. نور أنتي كويسة ؟!
, فتح الباب فجأة وخرجت نور وقد استحمّت وأبدلت ملابسها وشعرها منسدل حول وجهها ومازالت قطرات المياه تتساقط منه ، مشت بجمود نحو سريرها لتقترب ليلى تُجفّف لها شعرها بالمنشفة وهي مازالت صامتة ..
, نظروا لبعضهم بقلق لتقترب مروة قائلة: نور إحنا جينا هنا من بدري ومأكلناش حاجة إيه رأيك نجيب الفطار هنا وناكل كلنا مع بعض ؟!
, بقيت صامتة تنظر أمامها ، وربما لم تستمع لكلام صديقتها وصوت واحد فقط كان داخلها يتردّد بكثرة ويطغی علی جميع الأصوات : نور أنتي أختي أنا ملمستكيش ..
, اتجهت ليلى نحو الباب هامسة: خلّيكوا جنبها أنا هجيب الفطار هنا ..
, خرجت ليُقابلها أدهم سريعاً هاتفاً بلهفة: صحيت صح ؟! هي كويسة عاملة إيه طمنيني ؟!
, اقتربت منه تحاوط وجهه المتعب بيديها تنظر إلى ملامحه وتلك الهالات السوداء تحت عينيه بحزن: هي كويسة يا أدهم ، قولتلك نور قوية وهتبقى كويسة أكتر لأنها عرفت إنها زي م هي ومحدش لمسها .. أنت بس اللي مش كويس حرام عليك نفسك ..
, أمسك يدها يتنهّد بإرهاق هامساً: مش قادر يا ليلى خايف .. خايف أووي ..
, جذبته معها لينزلا إلى المطبخ وتطلب من الدادة سامية تحضير الفطور .. لتقرّب منه كأس عصير طازج وسندويشة صنعتها له وجلست قربه تُطعمه بيديها وهي مبتسمة .. نظر إليها بتعب وبدأ يأكل من يدها بصمت ، وبعدما انتهى هتفت: دلوقتي هتطلع تنام أنا عارفة إنك منمتش ولا ساعة ، واتطمن نور جوا عينينا كلنا جنبها وماما دلوقتي هتطلع ليها روح انت ارتاح علشان تقدر تقف جنبها وتساعدها لازم تبقى قوي زي م عرفتك ..
, أخفض عينبه نحو يدها فوق الطاولة ليمسكها ويرفعها نحو شفتيه يقبّلها بحب وامتنان هامساً: هنام ساعة بس لو مصحيتش صحّيني ماشي ؟
, ابتسمت تومئ برأسها وداخلها تريده فقط أن ينام ولن توقظه إلّا بعدما يأخذ كفايته ، نهض عن كرسيه وانحنى يقبّل جبهتها خارجاً من المطبخ ، لتأخذ هي صينية الطعام وتدخل لغرفة نور وتجدها قد عادت إلى البكاء في حضن والدتها ، اقتربت واضعة الصينية فوق السرير هاتفة: إيه ده يا جوجو ليه خليتيها تعيط تاني إحنا عايزين حد يضحكها فين سيف قولوله يجيلها ..
, ثم نظرت لمروة قائلة بمرح: هو سيفو فين عايزين ظرافته ولماضته شوية ..
, ابتلعت ريقها تبتعد عن والدتها بصمت وهي تنظر إليهم بحيرة وتردد ..
, ابتسمت ليلى عندما شاهدت نظراتها لتقول: أدهم دلوقتي أكل ، كان عايز يطلع ياكل معانا بس أنا منعته قولتله ميصحش دي قعدة بنات مش كده يا نور ؟
, رفعت نظرها إليها وبقيت صامتة تفرك يديها بتوتر ..
, اقتربت إسراء ومروة وعبير تجلسان على السرير حول صينية الطعام لتهتف جمانة: حلوة أووي القعدة دي والسرير لو توسخ مين هينضفه ده بقا ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: أنا مليش دعوة ده ابنك أدهم هو اللي علّمني الأكل كده قوليله هو ينضفه ..
, ابتسمت جمانة بحب هاتفة: سيف أكل معاه ؟!
, قطبت ليلى جبينها ونظرت نحو نور هاتفة: لا سيف من مبارح وهو فأوضته مأكلش حاجة ولا حتى خرج منها .. واضح أنه زعلان أووي يمكن مروة زعلته ..
, لاحظت تغير ملامح نور وقظ قطبت جبينها وامتلأت عيناها بالدموع ، لتهتف بمروة: روحي يا مروة شوفيه وصالحيه يلا ..
, مروة بابتسامة وهي تأكل عدة لقمات سريعة: هروح وأقوله إن نور صحيت هيفرح أووي ..
, نهضت سريعاً وخرجت من الغرفة لتتّجه نحو غرفة سيف تطرق الباب بهدوء: سييف !؟
, لم تتلقّى أي رد لتهتف بمرح: سيفو حبيبي المتوحّد ، ملاكي الحزين ..
, هتفت بصوت أعلى عندما لم يُجبها: سيف متخلينيش أتجنن أرفع صوتي أكتر وألمّ علينا الناس افتحلي الباب يابن الناس مش هقرّب منك ولا هاجي صوبك متخافش ..
, ضحكت بخفة لتهتف بعدها: نور فاقت يا سيف ..
, فُتح الباب فجأة لتنتفض بفزع وهتف بها سيف بلهفة وهيئة مُبعثرة: بجد فاقت ؟ هي كويسة ؟ عاملة إيه ؟! قوليلي حالتها إيه م تتكلمي يا بت !؟
, نظرت إليه بغضب ودفعته داخلة إلى الغرفة لتشهق بصدمة وهي ترى حالتها الفوضوية والأغراض المبعثرة بها لتهتف: إيه ده ياسيف أنت عيل صغير يعني ؟ ليه عامل في الأوضة كده ؟!
, اقترب منها يُمسكها من ذراعها قائلاً: جاوبيني يا حيوانة نور كويسة ؟!
, رفعت نظرها إليه وابتسمت هاتفة: وحشتني ..
, صرخ بها لنفاذ صبر: ده وقته يا مروة ؟!
, بقيت صامتة تنظر إليه بحزن لتهتف بعدها: أمال إيمتى وقته ؟! بقالي زماان بتكلّم معاك عايزة أرجعك زي م كنت ، من بدري وأنا بحاول معاك إنك تتزفت وتفتحلي الباب وأنت مبتردش ومفكرتش إن في حيوانة خايفة عليك .. فعلاً أنا حيوانة علشان بخاف على واحد بارد وغبي زيك ..
, اتجهت للخارج ليجذبها من ذراعها هاتفاً: مروة أرجوكي ، آسف حقك عليا بس .. بس أنا تعبان مخنوق أرجوكي متضغطيش عليا ..
, تنفست بهدوء هاتفة: هي كويسة صحيت قبل شوية ، ودلوقتي بتاكل مع البنات ، ليلى ذكرتك قودامها أنت وأدهم بس معملتش حاجة ، بس شوفتها زعلت عليك أما قولت إنك مأكلتش حاجة وقاعد فأوضتك ..
, ابتسم باتساع وانطلق نحو الباب: أنا هروحلها ..
, تشبّثت به بغيظ هاتفة: تروح لمين يا حيوان م تهدا شوية ، قولنالك زعلانة بس متكلّمتش أنت عايزها دلوقتي تكره أم اللي جابوك ..؟!
, وقف ينظر نحوها بلهفة ليهتف: طب يعني أعمل إيه أنا عايز أطمّن عليها عن قُرب ..
, مروة: هي كويسة هبقى أقولك أخبارها المهم متبوظش اللي بنعمله أرجوك ، كنا كلنا متوقعين ردّة فعل تانية خاالص بس باين الحمد**** إنها بخير وقوية وقدرت تتعافى أرجوك أهدا شوية ..
, بقي صامت ينظر نحوها لتهتف به: هروح أعملّك حاجة تاكلها بعدين نام مش شايف شكلك بقا عامل زي مصاصي الدماء ..
, قطب جبينه هاتفاً: مش جعان ، قوليلي أدهم فين ؟!
, مطّت شفتيها بامتعاض هاتفة: طبعاً واضح إن معنديش تأثير عليك زي ليلى على أدهم ، أه يا نيلة بختك يا مروة ..
, مطّ شفتيه هو الآخر هاتفاً: والنبي بلاش أم ظرافتك دلوقتي مش فايقلك ، قوليلي أدهم فين ؟!
, مروة: أدهم الطيّوب المتعاون سمع كلام ليلى أكل قبل شوية ودلوقتي راح ينام ..
, سيف بابتسامة: طيب م أنا كمان بسمع الكلام وهروح أنام دلوقتي .. يلّا أنتي روحي لنور امشي ..
, اتجه نحو سريره يجذب وسادته ويتجه خارجاً من الغرفة لتلحق به مروة هاتفة: خد رايح فيين يا جدع أنت ..؟!
, نظر سيف لها هاتفاً بتلقائية: رايح أنام يا مروة هسمع الكلام وأنام **** ..
, تركها واتجه نحو غرفة أدهم المجاورة ليفتح الباب ويدخل مغلقاً الباب خلفه بهدوء وبقيت هي مكانها ترفع حاجبيها ناظرة حولها بغباء ..
, دخل ليراه نائماً على جانب من السرير وملامحه مرهقة ومُتعبة ، وقف قربه يُضيّق عينيه هاتفاً بامتعاض: طبعاً دلوقتي بقا ينام على طرف واحد علشان ليلى المُبجّلة تنام جنبه .. مااشي يا أدهم مااشي ..
, ألقى وسادته في الناحية الأخرى وقفز بثقله فوق السرير ساحباً الغطاء فوقه مُغمضاً عينيه ليغوص سريعاً في نوم عميق كان بحاجته كثيراً ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, جالساً وحده في الظلام ، بردٌ تخلّل في أطرافه ، ستائر النوافذ مُغلقة تمنع أشعة الشمس البرتقالية التي بدأت بالغروب من الدخول ..
, بين أصابعه سيجارة يرفعها نحو فمه ليسحب منها وينفث الدخان في الهواء وبعدها يسعل بشدة وقد تكوّنت غيمة من الدخان فوقه ..
, لقد اطمأنّ عليها من ليلى قبل لحظات ، كان جُلّ أمله واهتمامه بها أوّلاً وبعدها ليتفرّغ لمن كان السبب في كل ذلك ..
, ألقى السيجارة أرضاً يدهسها تحت حذائه قبل أن تنتهي ليمدّ يده نحو علبة السجائر يُخرج واحدة أخرى .. ابتسم بسخرية وهو يتذكّر ذلك اليوم الذي وجد به أدهم في شقته وعلى نفس هذا المقعد الذي يجلس عليه هو الآن يجلس وقد كان يُدخّن بشراهة .. عندما ترك له علبة السجائر وقال بأنه ربما يحتاجها ..
, تذكّر في يوم حادثة نور عندما عاد بعد منتصف الليل يبحث بلهفة وجنون عن تلة العلبة التي خبّأها ليُنهيها سريعاً في أقل من نص ساعة فقط ، وبعدها احتاج لعشرات العلب طوال تلك الأيام ..
, رنّ هاتفه ليرفعه نحو أذنه هاتفاً بجمود: إيه الأخبار يا موسى ؟!
, موسى: كل يوم بحوم حولين الفيلا شوية ، في حد من رجّالته عمال يفتش ويدوّر علشان يعرف أخبار نور ..
, أظلمت عيناه بتوعّد هاتفاً: هو فين دلوقتي !؟
, موسى: قبل شوية دخل القصر ، عايزنا نجيبه ؟!
, صمت أحمد قليلاً ليقول بعدها: سيبوه دلوقتي بس خلي عينك عليه أما أقولك تجيبهولي ..
, موسى: حاضر يا باشا ..
, أغلق هاتفه وألقاه جانباً بإهمال وعاد ينفث من سيجارته متوعّداً وعيناه مُظلمة بشدة ..
, في الفيلّا ..
, ركضت مروة بسرعة تُمسك هاتفها تضمّه إلى صدرها وضحكتها متّسعة لتصطدم بإسراء لتهتف الأخيرة: فيه إيه مالك بتجري كده ليه أنتي عيلة يا مروة ؟! اهمدي بقا إيه الحركات دي ..
, انفجرت مروة بالضّحك هاتفة: هشش اسكتي كنت بعمل حاجة مهمة ..
, قطّبت جبينها لتخرج ليلى من غرفة نور بعدما اطمأنّت عليها وذهبت في النور لتهتف: حاجة إيه ؟؟
, نظرت نحوها واقتربت منها ترفع هاتفها أمامها هاتفة بمرح: حاجة هتدمّر مسيرة سيف المهنية والفنية وحاضره ومستقبله بصّي ..
, نظرت نحو الصورة لتهتف: نهارك أسود أنتي دخلتي الأوضة إزاي يا حيوانة ؟!
, اقتربت إسراء تنظر بفضول لحظات لتنفجر بضحك صاخب وتُشاركها مروة لتأتي عبير هاتفة: أخرسي أنتي وهي في إيه مالكوا ؟
, ليلى بغضب: الحيوانة دي داخلة أوضتي أنا وأدهم ومصوراه وهو نايم ..
, شهقت عبير بصدمة ونظرت نحو مروة بغضب لتهتف مروة سريعاً: أوضتك قولتيلي ؟! لا يا ماما روحي شوفي مين اللي احتلّها دلوقتي ، بعدين أنا مش بصوّر حبيب القلب بتاعك أنا بصوّر سيفوو حبيبي ..
, إسراء بسخرية: حبيبك وعايزة تدمّري مسيرته المهنية ومش عارفة إيه ..
, عادت مروة للضحك: معليش الصورة دي هتبقى في حوزتي تحسّباً لغدر الزمن ..
, اتجهت ليلى نحو الغرفة هاتفة: أنا هصحّيه وهقوله عليكي خليه يشلوحك ..
, أجابتها مروة بضحك: قوليله وأنا بقا عندي سلاح فعّال هنشرله الصّورة دي في كل وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام ..
, دخلت ليلى إلى الغرفة لتكتم ضحكتها بصعوبة وهي ترى نومة سيف المُضحكة وهو يضع رأسه فوق كتف أدهم فاتحاً فمه ببلاهة وإحدی يديه فوق وجه أدهم الذي يبدو عليه الإنزعاج في نومه وقدميه كل واحدة في مكان ..
, اقتربت من أدهم تهزّه هامسة: أدهم إصحى ، أدهم ..
, فتح عينيه بصعوبة وقد شعر بنفسه نام لساعات طويلة كان بحاجتها ، ليقطّب جبينه منزعجاً وهو يُمسك يد سيف يدفعها بعنف من فوق وجهه ويرفس قدمه التي كانت فوقه بغضب ، اعتدل في جلسته هاتفاً بضيق: الحيوان ده إزاي نام هنا ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: مش عارفة و**** ..
, نظر للظلام خارجاً ليهتف: إيه ده أنا نمت كل الوقت ده مصحيتنيش ليه يا ليلى مش قولتلك هنام ساعة بس ..؟؟
, ابتسمت هامسة بحنان: أنت كنت تعبان ومرضيتش أصحّيك صعبت عليا ، واطمن نور كويسة أووي ودلوقتي نايمة متقلقش يلا قوم غسل وشك وانزل اتعشا معانا ..
, أدهم: صحباتك لسا هنا ؟!
, ليلى وهي تتّجه لغرفة الملابس: أيوه هنا هيتعشّوا معانا بعدين هيروحوا .. عادت للغرفة تمدّ له ملابسه ومنشفة كبيرة: يلا خش خد دوش ومتتأخرش ، صحّي سيف ينزل كمان هو مأكلش حاجة من مبارح ..
, ابتسم لها بحنان وجذبها من ذراعها هاتفاً: هو أنا قولتلك أنك وحشتيني ؟!
, ابتسمت تضع يديها على صدره بحركة مُحبّبة له ولها: وأنت كمان وحشتني أووي أووي ..
, رفع حاجبه هاتفاً: ده إحنا اتطوّرنا بقا ؟!
, رفعت نفسها تُقبّله أعلى غمّازته اليتيمة هامسة: أه هتطوّر وحسّن من أدائي شوية ..
, ضحك مُجيباً: لا من ناحية الأداء ف هو عاجبني جداً يا حرَمُنا المصون ..
, ضحكت هاتفة: وبرضة لازم أطوّر نفسي يا زوجنا المصون ..
, أدهم بخبث: ما تيجي أقولّك حاجة ..
, ابتعدت عنه هامسة: بس يا أدهم الجماعة مستنّين تحت ..
, قرّبها منه هامساً: يستنوا كمان شوية مش هيحصل حاجة ..
, ابتسمت ناظرة نحوه بعشق لتُحيط عنقه بذراعيها تتعلّق به وهو يُحيط خصرها بذراعيه مُقترباً منها بحبّ ، قبل أن يُغمض عينيه شاتماً نفسه وحياته وكلّ من يعرفه أو لا يعرفه وهو يستمع لصوت سيف يقول جملته المشهورة: أنتوا بتعملوا إيه ؟!
, ضحكت ليلى بخجل وابتعدت عن أدهم هاتفة: متتأخّروش على العشا ..
, استدار له ليراه مُعتدلاً بجلسته على السرير ناظراً نحوهم بسخرية ليقترب منه هاتفاً بحنق: قوم يا زفت إنزل إطفح سمّ اللي ياخدك ..
, رفع حاجبيه هاتفاً: مالك متعصّب كده مش تبص حوليك قبل م تعمل حاجة الأول ؟! بعدين أنتوا ليكوا أوضة تلمكوا ..!
, وسّع عينيه بذهول وجذبه من ملابسه هاتفاً بغيظ: أمال إيه اللي شايفه حوليك يا حيوان أوضة مين دي يا تافه ؟!
, نقل سيف نظره في المكان ليهتف: معليش متآخذنيش مش مركّز أووي أصلي دلوقتي حتى صحيت .. ثم ابتعد عنه هاتفاً: أنا إيه اللي جابني هنا ؟! مش قولتلك يا واد يا أدهم بلاش الحركات دي متقدرش تنام من غير م كون جنبك إيه لسا عيل صغير بتخاف من البعبع حضرتك ؟!
, دفعه يُبعده من أمامه متّجهاً نحو الحمام: غور من وشي يا حيوان الأوضة دي هقفلها هتبقى مُحرّمة عليك من يوم ورايح ..
, خرج سيف من الغرفة هاتفاً: هنشوف ، إعمل كده وشوف هيحصلّك إيه ..
, صرخ أدهم بغصب من داخل الحمام فاقداً أعصابه من الغيظ: أنت بتهدّدني يا واطي يا زبالة ؟! أنا هورّيك صبرك عليا يا تافه يا جزمة يا جحش ..
, ٣٦ العلامة النجمية
, بعد يومين ..
, كان يجلس في الكفتريا التابعة للشركة وهي تنظر إليه بخجل غريب عليها ، هذه ثاني مرّة يجلسان سويّاً وفي المرة الأولى لم تتعدّى الخمس دقائق وأمضتها بمحاولة أن تكون ثقيلة ، وهو أمضاها بالخجل والتردد ، ولكن قلبها لا يستوعب قصر المدۃ وكأنه يعرفه منذ زمن ، أما هو فلا يعلم ماذا أصابه يُريد التعرّف عليها أكثر ، يُريد الجلوس معها ، تأمّل ملامحها وحركاتها ..
, هتفت بمحاولة لخلق حديث: يعني أنت بقالك متخرّج سنتين ؟
, أومأ برأسه لتهتف فجأة: أنت عندك كام سنة ؟!
, ابتسم أمير مجيباً: 25
, اختفت ابتسامتها هامسة بخفوت: العمر كله ..
, قطّب جبينه متسائلاً: مالك ؟!
, رفعت نظرها نحوه هامسة: مفيش اتأخرنا على الشغل هطلع المكتب ..
, أمسك ذراعها يمنعها من النهوض هاتفاً باهتمام: لا قوليلي الأول مالك زعلتي من إيه ؟!
, نظرت إليه بصمت وحزن وهي تتذكّر حديثه المُختصر في المرّة الماضية بأنه يُريد أن يقتربوا من بعضهم أكثر ويتعرّفوا أكثر ، قطّب جبينه بحيرة ليهتف فجأة: أنتي زعلتي عشان أنتي أكبر مني بسنة ؟!
, نظرت إليه هاتفة: وبالنسبالك عادي الموضوع يعني ؟!
, هتف بصدق: طبعاً عادي وأكتر من عادي كمان .. أمسك يدها بغير شعور هاتفاً بلهفة: سهى اسمعيني أنا عارف من البداية إنك أكبر مني بسنة ومع ذلك حبيت أتعرف عليكي وأقعد معاكي ، مش عارف أنا انجذبت ليكي كده إزاي بس اللي عارفه إنك بقيتي شاغلة كل تفكيري متخليش العمر يأثّر على علاقتنا أنا حاسس من نظراتك ليا إن إحساسك تجاهي زيي بالظبط صح ؟!
, لمعت عيناها من حديثه هامسة بخجل وهي تُبعد يدها عنه: بس ، بس أنا أكبر بسنة و٣ نقطة
, قاطعها هاتفاً باندفاع وجرأة لم يعرف بأنها موجودة لديه: سنة واحدة لا هتقدّم ولا هتأخّر في ناس كتير أووي بيتزوّجوا وبكون الفارق سنة وسنتين وخمسة ، أنا بالنسبالي مفيش مشكلة يا سهى المهم الإنسانة اللي هرتبط بيها تكون كويسة وكون مرتاح معاها ومتفاهمين ، الحب ميعرفش عمر يا سهى ..
, رفعت حاجبيها بدهشة من كلامه المُندفع هاتفة: حب !؟
, تراجع بخجل طفيف ولا يعلم كيف فلتت أعصابه وقال كل هذا الكلام ولكنه كان صادقاً به تماماً: أيوه يا سهى أنا حاسس تجاهك بحاجات غريبة أول مرة بحس بيها ، برتاح وأنا معاكي ، قلبي بدق جامد أما بشوفك ، بحس نفسي فرحان أووي أما بشوف ضحكتك من أول يوم شوفتك بيه علطول بفكر بيكي وبتخيلك معايا ، لو كان ده حب فأنا بحبك يا سهى بحبك أووي ..
, ابتسمت بخجل تُخفض رأسها هامسة: وأنت كمان ..
, أمير: أنا كمان إيه ؟!
, سهى بخجل: أنت كمان شاغل تفكيري أووي ..
, ابتسم أمير باتساع هاتفاً: يعني هتديني معاد مع أبوكي صح ؟!
, خفتت ابتسامتها هامسة بهدوء: أبويا متوفي **** يرحمه ..
, أسرع هاتفاً: أنا آسف مقصدتش ، **** يرحمه
, أومأت برأسها بخفوت ليقول بتردد: يعني مين ليكي حد كبير أتكلم معاه ، مامتك أخواتك أو عمك أي حد ..
, ابتسمت سهى وقلبها ينبض فرحاً فلم تتوقّع أن يحدث كل ما تتمنّاه بهذه السرعة ، خلال عدة أيام أحبته وهو أحبها لا تصدّق تشعر بنفسها سندريلا وقد أحبها الأمير من أول نظرة ، همست داخلها بإطراء: برافو عليكي يا سهى يابت أم سهی و**** ومطلعتيش قليلة .. أما أعمل نفسي تقيلة شوية وصعبة المنال ..
, تحمحمت هاتفة: مش شايف إننا اتسرّعنا أووي يعني ناخد على بعض شوية الأول ..
, هتف بلهفة: هناخد على بعض أما نخطب ونتزوج ، أنا بصراحة مش شايف إننا متسرعين حاسس إني عايزك تبقي معايا بأسرع وقت ..
, اتسعت ابتسامتها ولم تستطع إخفائها وقد كانت خائفة من فكرة تراجعه لتهتف: عندي أخويا الكبير هبقى أقوله وآخدلك معاد ..
, ابتسم هاتفاً: يبقى كده متفقين ، بس أرجوكي قوليله يقدم المعاد وميتأخرش .. ثم هتف بعدها بتوتر: سهى !؟
, نظرت نحوه بصمت ليتابع: أنتي عندك مشكلة لو سكنتي مع أهلي ؟! ماما وأخواتي البنات ؟!
, ابتسمت سهى وداخلها تهتف: ده أنا لو هعيش معاك فقفص بتاع فيران مفيش مشكلة ياخويا ..
, ثم هتفت: أمير أنا بالنسبالي مفيش حاجة مهمة أكتر من إني أعيش مع الشخص اللي بحبه ويحبني ونعيش بسعادة وراحة حتى لو هعيش معاه فأوضة واحدة .. أهلك هما أهلي وأخواتك هيكونوا أخواتي الصغيّرين ، أنا وحيدة معنديش أخوات بنات ولا أخوة غير أخويا الكبير ، يبقى بالنسبالي إني أعيش مع أهلك هيبقى حلم واتحقق ..
, ابتسم باتساع ولمْ يدرِ ماذا يقول ، فقط شعر بأن الدنيا بدأت تضحك له بعدما قست عليه سنين طويلة ، عمله أصبح ثابتاً بمعاش يكفيه ويزيد ، كسب أصدقاء جدد أوفياء لن يجد مثلهم أبداً ، والآن الإنسانة التي اختارها شريكة حياته تُخبره بأنه الأهمّ في حياتها ، أغمض عينيه شاكراً ربه على ذلك العوض الجميل ..
, نهضت سهى قائلة: إمشي نروح اتأخرنا على الشغل ..
, نهض معها: هروح المكتب معاكي هسلّم على أدهم ..
, ابتسمت له وصعدا معاً في المصعد وما إن دخلا مكتبها حتى هتفت بفرح: موسى !؟
, اندفعت نحوه تُعانقه هاتفة: مجيتش مبارح ليه ؟!
, موسى بابتسامة لأخته الصغير الوحيدة: وحشتيني يابت ، معليش كان عندي شغل أووي ..
, يد قوية سحبتها بعنف من ذراعها صارخاً: أنت إزاي تحضنها كده أنت اتجنّنت ؟!
, رفع موسى حاجبيه بدهشة ناظراً نحو سهى ثم نظر له هاتفاً: إيه ده أمير أنت بتعمل إيه هنا بعدين أنت مالك ؟!
, صرخ أمير بغيرة وغضب: مالي بقا عايزني أشوفك قدامي بتحضنها وأفضل ساكت وتقولي مالي ، وأنتي يا آنسة إزاي تسمحي لنفسك تحضنيه كده !؟
, هتفت سهى باندفاع: إهدا يا أمير ده مش حد غريب ، أعرفك موسى أخويا الكبير بس باين أنكوا عارفين بعض ..؟
, وسّع عينيه بذهول ورمش ببلاهة ناظراً نحوهم: أخ إيه يا عينيا ؟! مين أخ مين ده أخوكي ؟!
, ابتسمت تهزّ رأسها بسرعة ليلطم وجهه بادئاً بالنّحيب الذي تعلّمه من سيف: أه ياني ياماا يا نصيبتي يا وقعتي السودة نهار أسود ومنيل بستين نيلة عليك وع اللي جابوك يا أمير ..
, قطّب موسى حاجبيه هاتفاً لأخته: سهى ماله ده ؟!
, هزت كتفيها بحيرة: مش عارفة و**** ، تفتكر هو اتبسط أووي أما عرف أنك أخويا ؟!
, نظر نحو ذلك الذي مازال ينتحب ليهمس بفخر: أكيد طبعاً هيتبسط بشوفتي بس أنتي تعرفيه منين ؟!
, سهى بصوت عالٍ: ده الشّخص اللي حكيتلك عليه ودلوقتي كان بقولّي عشان آخد معاد معاك ..
, لمعت عيناه بشدة والتفت نحو أمير وقد اتسعت ابتسامته ليقترب منه يحتضنه بقوة وحماس هاتفاً: هو ده ؟! و**** وطلع ذوقك حلو يا بت يا سهى ، أهلاً أهلاً ومرحباً بصهري العزيز إزيك ياعم أمير عامل إيه يا حبيبي !؟
, ضحكت سهى بسعادة هاتفة: شوفت يا أمير ده أخويا واعتبر إن الموافقة حصلت عليها من دلوقتي ..
, حاول أمير التملّص من ذراعيّ موسى اللتان تعصرانه وهو يُشدّد عليه بفرح ليهتف بفزع: موافقة إييه ؟! أنا مش هتجوّز مش هتجوز إبعد عني يا جدع أنت إبعد ..
, سهى بهدوء: متتكسفش يا أمير موسى زي أخوك **** !
, أمير بسرعة: زي أخويا وأنتي أخته يبقى أنتي زي أختي مينفعش نتجوّز سيبوني فحالي **** يستر عليكوا دنيا وآخرة ..
, ثمّ دفع موسى بعيداً عنه مهرولاً بسرعة خارج المكان ..
, نظر موسى لسهى هاتفاً: بيتكسف أووي ده ..
, ضحكت تومئ برأسها بغباء: أووي أووي ، أكيد فرحان علشان أخد الموافقة من دلوقتي ، حبيبي يا موسى يا قلب أختك أنت ..
, موسى وهو يُعدّل ثيابه: حبيبتي يا سوسو أنا ليا مين غيرك ، قوليله يجي النهاردة لو عايز مفيش مشكلة أمير ده غالي عليا أووي ..
, ثم دخل لمكتب أدهم مغلقاً الباب ورائه واقترب منه هاتفاً: أوامرك يا باشا ..
, رفع أدهم نظره نحوه هاتفاً بغيظ: إيه الحفلة الي عاملينها برا دي ؟!
, ابتسم موسى هاتفاً: بنحتفل بزواج أختي يا باشا ..
, رمش ببلاهة هاتفاً: أختك ؟! هو أنت ليك أخت غير سهى ؟!
, موسى: لا لا هي أختي سهى يا باشا هتتزوّج قريب ودلوقتي العريس كان برا ..
, أدهم: متقوليش إنه طلب إيدها منك دلوقتي برا ؟!
, موسى: لا هو باينته بيتكسف شويتين تلاتة أمير وأنت عارفه ..
, هبّ من جلسته كالملسوع صارخاً: أميير ؟! أمير هيوقع الوقعة السودة دي ويتجوز أختك ؟!
, قطب موسى حاجبيه هاتفاً: وقعة سودة ليه يافندم أختي مالها حضرتك ؟!
, تحمحم أدهم هاتفاً وهو يلوّح بذراعيه: إحم لا أبداً أختك سهى مفيش زيها بس أنا خايف على أمير بصراحة ، أصل هي متعرفش حاجة غير الشغل أنا خايف إنها متكونش عارفة تتزوج برضه ..
, ابتسم موسى ببلاهة: لا لا هي بتعرف يا باشا بس أمير لازم يخفّف شوية من كسوفه أصل كده مش هيساعد ..
, نظر نحوه بغيظ وأغمض عينيه يُهدّئ من نفسه ليعود ويجلس وراء مكتبه هاتفاً بجدية: إيه اللي حصل معاك ؟!
, موسى بجدية: زي م قولت لحضرتك على الفون مصطفى كل تحرّكاته تحت عينينا مبيروحش مكان غير حولين الفيلا والقصر ..
, أومأ أدهم بهدوء هاتفاً: وأحمد ؟!
, موسى: قالنا نسيبه دلوقتي لغاية م يدينا خبر ..
, ضغط على قبضتيه مفكّراً ليهتف بعدها: أي حاجة يقولّك عليها أحمد تخبرني بيها الأول وأنا بعدين هقولك لو هتنفّذها أو لأ فاهم ؟!
, موسى: حاضر يا باشا ..
, أدهم: وخلي بالك أحمد ميعرفش إنك بتعرّفني اللي بيحصل تمام ؟!
, أومأ برأسه إيجاباً ليتابع أدهم: خلي عينك على مصطفى وشوفلي حالة مامته عاملة إيه ..
, موسى: إحم مامته دخلت غيبوبة يا فندم ..
, قطب جبينه هاتفاً: مصطفى عرف ؟!
, موسى: مش عارف يا فندم بس هو مرحلهاش المستشفى ولا مرّة ..
, عاد بظهر للخلف وغرق في تفكير عميق ليهتف بعد لحظات: خدلي معاد مع الدكتور منصور دكتور نور بأسرع وقت ..
, أومأ برأسه ليهتف أدهم بحزم: متنساش اللي قولتلك عليه ، كل تحركات مصطفى وأحمد وسيف توصلني فاهم ؟!
, موسى: حاضر يا فنذم متقلقش ..
, خرج موسى من المكتب ليبقى أدهم ينظر أمامه بتفكير عميق ، يُفكّر بشيءٍ ما لا يعلم صحّته ولكنه سيحاول ، مازالت النيران مُشتعلة داخله ولكن ما حدث قد قلب كلّ الموازين ، خاصّة بعدما علم بأن أخته مازالت طاهرة لم تُمسّ بسوء ، فرك جبينه بإرهاق وقراره يعتمد على ماسيقوله الدكتور منصور ، وبعدها سينفّذه مهما كان الثمن ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, مساء ..
, استيقظت نور من غفوتها ، لتقترب منها ليلى هامسة: وأخيراً صحيتي .. عاملة إيه دلوقتي ؟!
, نظرت حولها للظّلام الذي حلّ لتهتف بهدوء: كويسة .. ماما فين ؟!
, ليلى: قبل شوية خرجت كانت قاعدة عندك من لما نمتي ..
, أومأت برأسها بهدوء ونظرت أمامها بصمت ، لتقترب ليلى تحتضنها هامسة: مالك يا نور ، قوليلي بتفكري في إيه يا حبيبتي ؟!
, بقيت صامتة والدموع بدأت تغزو وجهها لتمسح ليلى دموعها هامسة: مش قولنا كفاية عياط ؟! مش عايزة أشوف وشك الجميل ده مليان دموع تاني .. أنتي كويسة يا نور كل اللي عشتيه كان كابوس وصحينا منه كلنا ، متعمليش فنفسك كده يا نور أنتي قوية لازم تواجهي كل حاجة زي م أنا واجهت .. أنا مرّيت بحاجات كتير أووي لو كنت ضعفت واستسلمت مكنتش دلوقتي عايشة السعادة مع أدهم رغم إني مش عارفة أنا مين ولا أهلي مين ، بس أنا قويت وأدهم معايا قوّاني وساعدني زي م هو دلوقتي مستنّي إشارة واحدة منك عشان ياخدك فحضنه ويقف معاكي ، أخواتك بحبوكي أووي متئذيش نفسك وارجعي زي م كنتي عشانهم ..
, ازداد بكاء نور لكلامها لتحتضنها ليلى مربّتة على كتفها وتركتها لتُفرغ شحنة حزنها وبكائها .. هدأت أخيراً وشهقات خافتة تخرج منها لتنظر نحو ليلى بهدوء .. بقيت تنظر لها بتردّد لتقول أخيراً بتقطع وصوت مبحوح من أثر البكاء: ع عايزة أا أبيه ، عايزة أبيه أدهم ..
, ليلى: عايزة أدهم ؟! عايزاه يجيلك هنا أنتي متأكدة ؟!
, أومأت نور برأسها وعادت للبكاء هامسة: عايزة أبيه أرجوكي محتاجاه ..
, ابتسمت ليلى بلهفة وخرجت مُسرعة وقلبها ينبض بسعادة لحبيبها الذي سترى أخيراً لمعة عيناه السّعيدة .. وصلت إلى الصّالة حيث يجتمع الجميع بمن فيهم أحمد وإسراء ومروة وعبير لتهتف بأدهم: أدهم نور صحيت وعايزة تشوفك ..
, هبّ من مقعده ناظراً لها بعدم تصديق ليهتف بانفعال: بتقولي إيه ؟!
, ليلى بابتسامة: بقولك هي عايزاك روحلها يلّا هي قالتلي عايزة أبيه أدهم ..
, بقيَ لحظات ينظر نحوها بذهول لتشقّ ابتسامة وجهه لا إرادياً ولمعت عيناه بتأثر ، وانطلق يصعد درجات السلّم بلهفة ، يُتابعه أحمد بقلب خافق .. وضع يده على قلبه وشعور عظيم اجتاحه .. هي تُريد أدهم ، وهو يُريدها ، يُريد أن يأخذها بين ذراعيه ، يضمّها بجنون ويُشبع شوقه واحتياجه لها .. هو غبي ، مُغفّل هو وقلبه الذي عاش معها سنين كثيرة والآن فقط قد بدأ بالنبض لها مُضيّعاً عليه سنين طويلة ..
, في الأعلى ..
, اندفع داخلاً إلى غرفتها ناظراً نحوها بلهفة .. انتفضت ناظرة نحوه ببكاء ليتراجع بخوف من انتفاضتها خائفاً عليها ، ابتلع ريقه ينظر إليها باهتزاز ودمعة ساخنة سقطت على وجنته وهو يراها أمامه وقد طلبته ، تُريده هو ، قلبه خافق ، خائف عليها وخائف من صدودها تجاهه من جديد ..
, زال خوفه فجأة عندما مدّت يديها نحوه كطفلة صغيرة ترتجي حضن والدها ليندفع نحوها جاذباً جسدها الصغير لتغرق داخل أحضانه الدافئة ..
, خوف كبير اجتاحها عند رؤيته ولكن حاجتها له كانت أكبر .. لتُدرك بعدها أن خوفها ذاك مُجرّد أوهام اصطنعتها بنفسها ، فهو والدها وأخيها سندها وأمانها الذي لو خانها العالم أجمع هو سيبقى وفيّاً لها ..
, تشبّثت به باحتياج تدفن نفسها داخل أحضانه أكثر ، وهو يُشدّد من احتضانها حتى تكاد تتكسّر ضلوعها غير عابئاً بألمها وهي غير مُهتمّة به ، تُريد فقط أن تشعر بالأمان الذي افتقدته طويلاً وهو يُريد فقط أن تعود صغيرته ، نوره نور حياته ..
, بقيت لحظات طويلة مُتشبّثة به وهو يقبّل رأسها ووجهها بفرح وسعادة ، مسح دموعها بيديه مُبتسماً لها هامساً: وحشتيني يانور وحشتيني أووي ..
, عادت للتشبّث به من جديد ليُفتح الباب فجأة ويدخل سيف الغاضب والذي لم يقدر أحد على منعه هو وعناده من الدخول ..
, تشبثت بأدهم أكثر حالما رأته وهي تتذكّر ثورته عندما اعترفت بالفاعل ليستدير أدهم نحوه هاتفاً: أنت دخلت إزاي ؟!
, اقترب سيف منهم قائلاً بغضب مكبوت: دخلت من الباب ، يعني أنت بس اللي يحقّلك تدخل ؟!
, ثم قام بتنعيم صوته مُقلّداً نور هاتفاً بسخرية: والغبية دي ، أبيه عايزة أبيه جيبولي أبيه إن شاء **** تولّعي أنتي وأبيهك ده ..
, رفع أدهم حاجبيه وهو يجذب نور الساكنة إلى أحضانه أكثر: إطلع برا يا سيف ..
, نظر نحوه هاتفاً بعناد: مش خارج ، مش لوحدك عايز تطمّن على أختك أنا برضه ..
, زفر أدهم بضيق وكاد أن يطرده من جديد قبل أن يستمع لصوت نور الخافت: سيف ؟!
, ابتسم سيف بلهفة واقترب منها يُبعد أدهم بعنف عنها ناظراً نحوه بانتصار ، وجلس قرب نور يبتسم باتساع لتبادله الإبتسامة بتردد ليجذبها فجأة ويحتضنها بشوق وحنان هامساً: طول عمرك حيوانة وغبية مش تقولي إن ليكي أخ أسمه سيف غير أبيهك الغبي ده !؟
, أدهم: احترم نفسك يا سيف ..
, لمْ يجبه واحتصن نور أكثر التي ابتسمت وهي تُشاهد ملامح أدهم المغتاظة من كلامه ..
, دخلت ليلى في تلك اللحظة تبتسم بسعادة وتتشبث بذراع أدهم السعيد ، نظر نحوها وعيناه تلمعان بحب ليخرجا سوياً من الغرفة ..
, ليلى بابتسامة: أنا فرحانة أوي ، خفت أووي من كلام الدكتور قبل كده بس نور أثبتتلنا إنها قوية ، أنا فرحانة برضه عشانك ، عايزة أشوف ضحكتك من قلبك تاني ..
, ابتسم بهدوء وراحة كبيرة تسلّلت إلى قلبه ، وجذبها فجأة إلى أحضانه يعانقها بفرح ويشمّ رائحتها العبقة التي يعشقها هامساً: أنتي نعمة فحياتي يا ليلى ، مش هقدر أعيش من غيرك أبداً حياتي كلها معلقة بيكي ..
, تحسّست نبضات قلبه المتسارعة فرحاً وحباً وبقيت صامتة للحظات طويلة مُتمتعة بدقات قلبه أسفل رأسها ، ليخرج سيف من الغرفة ووقف ينظر إليهم هاتفاً: أنتوا بتعملوا إيه مش ليكوا أوضة تقعدوا بيها ؟!
, نظر نحوه أدهم هاتفاً: و**** مبقتش عارف ، حتى الأوضة بتاعتنا بتطلعلنا منها فجأة ..
, هزّ سيف كتفيه بصمت ولا مبالاة واتجه نحو غرفته وقد تبدّلت ملامحه فجأة ، هاقد اطمأن عليها وعادت أخته كما كانت ، والآن انتقامه سيبدأ ٣ نقطة
, ٣٥ العلامة النجمية
, دخل الغرفة بهدوء .. صمت ساكن في المكان فقط دقّات قلبه الصّاخبة التي تملأه .. وقف قرب الباب بهدوء وقد كانت جالسة على سريرها بسكون ، تنبّهت على دخول أحدهم لتستدير له وينتفض قلبها شوقاً وحُبّاً .. لمعت عيناها العسليّتان وهما تغرقان في ليل عينيه ، من غير شعور منه ابتسم .. ابتسم للمعان عيناها العاشقة التي بات يُدمن النظر إليها ، تلك النظرة من شغف وجموح ، خجل وبراءة قاتلة تظهر له هو فقط ..
, اقترب بخطوات بطيئة وعيناه لمْ تنزلا عن عينيها اللتين تُطالبانه بالإقتراب أكثر ، جلس قربها على السرير ينظر نحوها بصمت ، لتُبادله النظرة بأخرى والصمت بصمت آخر ..
, ابتلع ريقه وهو يشعر بغصّة مؤلمة داخله ، تذكّر مُعاناته وحيداً طوال الفترة الماضية ، سهره ليالٍ طويلة وحيداً في منزله يتخيّلها أمامه في كلّ ركنٍ منه ، يتخيّلها تُرفرف أمامه كفراشة من غرفة لأخرى ، تُحيل ظُلمته نوراً بنورها ، وتلوّن منزله الكئيب بألوان ضحكاتها وعيناها ..
, إحساس كبير بالوحدة داهمه عندما لم يكن قربها ، هي فقط من ستملأ عليه حياته ، وهي فقط من ستحوّل وحدته ويُتْمه لعائلة كبيرة سعيدة ، صوتها فقط من سيُطرب أذنيه واسمه من بين شفتيها يعشقه ..
, همس بتقطع بعينين مليئتين تأثّراً وصدقاً كبير: وحشتيني ..
, نظرت نحوه وعيناها تلمعان ليتابع بشرود: وحشتيني أووي ، حياتي بقت ضلمة من غيرك ، مكنتش متوقّع فحياتي إني هحس كده وهشعر بالوحدة دي رغم كل اللي حوليا بس عشان أنتي مش جمبي ، مكنتش متوقّع إني هحب واحدة زي م بحبك .. بنت هتبقى كل حاجة ليا وهتبقى حياتي معلّقة بيها .. مشاعري جت فجأة ، خطفتيني بلمح البصر دقات قلبي مبقتش ملكي ، أنتي بقيتي كل حاجة يا نور كل حاجة ..
, غصّ صوته في آخر كلماته ، وكلامه يخرج من قلبه المُرهق بكمّ مشاعره الجيّاشة ..
, سالت دمعة حارقة مُستسلمة من عينيه أحرقت قلبها لتمدّ يدها بارتعاش تمسحها وقلبها مازال ينبض له ، نبضات صاخبة نادمة ، متألمة وعاشقة ..
, نور ببكاء: بحبك يا أحمد ، بحبك أووي
, رفع نظره نحوها وقلبه ازداد نبضه هامساً: بتحبيني صح ؟! بتحسّي كده تجاهي زي م أنا بحس ؟!
, ابتسمت هامسة بدموع: بحبك من زماان من قبل م انت تحبني ، أنت كنت لسا شايفني أختك الصغيرة بالوقت اللي أنا كنت شايفاك أكتر من كده ، شايفاك حبيبي وكل حياتي ..
, ابتلع ريقه يقترب منها ويُحاوط وجهها بيدين مُرتجفتين ، هامساً بغير تصديق وعينيه امتلأتا بالدموع: بتحبيني ؟! أنا مش بحلم صح ؟ أنتي صاحية ورجعتي ليا زي م كنت بدعي كل يوم ؟ أنتي رجعتيلي تاني وبتحبّيني زي م بحبك صح يا نور حياتي ؟!
, بكت وهي تستمع لكلامه وإحساسها بأنها ظلمته يكبر داخلها لتهتف برجاء: سامحني يا أحمد ، سامحني عشان خاطري ..
, وضع إصبعه فوق شفتيها يمنعها من الكلام هامساً بحنان وتأثّر: هشش مش عايز أسمع حاجة ، عايز أسمع بس أنك بتحبيني زي م بحبك ، بتفكّري بيا زي م بفكّر بيكي ، إني بوحشك زي م بتوحشيني ، إنك هتبقي مراتي زي م هبقى مراتك بقصد جوزك ..!
, انفجرت ضاحكة من بين دموعها التي بلّلت وجهها ، ورفعت يديها تمسح دموعها وهي تُحاول تمالك ضحكاتها المرتفعة ، ليبتعد عنها مُبتسماً ببلاهة وعيناه دامعتان ..
, هدأت ضحكاتها أخيراً ناظرة نحوه بابتسامة هادئة ، لتتذكّر كلامه المُتأثر وتعود للضحك من جديد ..
, هتف بها: م خلاص بقا كانت زلّة لسان ، فعلاً إنك غبية على رأي أخوكي سيف ..
, ازدادت ضحكاتها عندما استمعت لصوته الحانق ، لتبتسم أخيراً هامسة بتأثر: هبقى مراتك ؟!
, ابتسم بحب هاتفاً: أمال مرات مين ، مفيش واحدة هتدخل قلبي وبيتي غيرك ، مفيش واحدة هديها اسمي غيرك انتي .. ومفيش حد هيبقى جوزك غيري فاهمة ؟!
, اتسعت ابتسامتها بسعادة ليهمس: خليكي مبتسمة كده ، ضحكتك هي اللي بتحييني يا نور ، بحبك و**** بحبك أووي ..
, ابتسمت بخجل وحُمرة طفيفة طغت على وجهها ، ليقترب منها يطبع قبلة فوق جبينها قبلة حانية أدمنتها منه خلال الأيام الماضية ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, بعد يومين ..
, دخلت من باب الفيلا مهرولة وهو تصرخ وخلفها دخل سيف راكضاً وراءها بغضب ..
, نظرت حولها لترى أحمد جالساً في الصالة لتتجه صاعدة درجات السلم هاتفة: ملكش دعوة ده تلفوني وأنا حرة بيه ..
, صعد خلفها صارخاً: تعالي هنا وهاتي الفون يا مروة بلاش غباء ..
, ركضت في الطابق العلوي بسرعة هاتفة: بس مش هتمسح الصورة ..؟
, صرخ بغضب: لا همسحها لأنك مجنونة وحيوانة و**** لربيكي يا مروة هاتي الفون لحسن أكسره فوق دماغك وأكسر دماغك كمان ..
, اقترب متها لتصرخ بفزع راكضة وتصطدم بأدهم الذي خرج من غرفته هاتفاً بهم: فيه إيه أنتي وهو بتزعقوا كده ليه ؟
, اقتربت منه مستنجدة: إلحقني يا أبيه ده عايز يضربني ..
, نظر نحوه بغضب: نعم ؟!
, اقترب سيف هاتفاً: بلاش كدب يامروة وهاتي الفون ولا عايزاني أقوله كل حاجة ؟!
, نظر أدهم نحوهم صارخاً: كفاية أنتوا التنين حد يقولي فيه إيه؟
, هتف سيف: دي الحيوانة مروة خُد الفون بتاعها وشوف اللي هي عاملاه ..
, رفع حاجبيه باستغراب ونظر نحو مروة قائلاً: إديني الفون يا مروة ..
, نظرت نحو سيف بغيظ ليرفع لها حاجبيه باستفزاز ، عادت بنظراتها نحو أدهم هاتفة بابتسامة: ما بلاش !؟
, مدّ يده أمامها هاتفاً بحزم: الفون يامروة ..
, مروة بتوتر: اسمع مني بلاش ..
, بقي ينظر إليها بصمت ويده ممدودة لتستسلم في النهاية وتضع هاتفها في يده المفتوح على صورة سيف وهو نائم ..
, وسّع عينيه بصدمة ناظراً نحوها: إيه ده ؟!
, ابتسمت بتوتر هاتفة: مفيش بس حبيت شكل سيف ، بصّ قد إيه حلو وكيوت قولت لنفسي أما أصوره وأحتفظ بيها ك ذكرى جميلة ..
, هتف سيف بغضب: كدابة دي صورتني وقبل شوية كانت بتستفزني وبتغيظني بيها ..
, جذبها أدهم من أذنها هاتفاً : قولتيلي كيوت مش كده !؟
, صرخت هاتفة بألم: ولا كيوت ولا حاجة خلاص خد الصورة والفون كله لو عايز ..
, نظر نحوها سيف بنصر هاتفاً: عشان تعرفي أنتي بتلعبي مع مين يا شاطرة٣ نقطة
, صرخ هو الآخر عندما أمسكه أدهم من أذنه هاتفاً بهم: أعمل فيكوا إيه مش عارف ، الحقّ عليا أنا إزاي سمحت لعيال صغيرة يخطبوا قال وعايزين يتجوّزوا ..
, سيف: أنا مليش دعوة يا أدهم هي اللي دماغها زي دماغ السمكة ..
, مروة بغيظ: من عاشر القوم بقا ..
, هتف أدهم بتحذير: بسس مش عايز كلمة زيادة ، شايفين لو اللي بيحصل دلوقتي اتكرّر ولّا أي حركة من حركاتكوا التافهة هعمل إيه ؟! هلغي الخطوبة من أساسها ومفيش خطبة وزواج لغاية م حس أنكوا كبرتوا فاهمين ..
, هتفت مروة بلهفة: أنا بالنسبالي فاهمة شوف الأخ هنا ..
, سيف بسرعة: م أنا فاهم من زمان و**** .. كل حاجة إلّا الخطوبة ..
, تركهم أدهم بملامح منزعجة واتجه يبتعد عنهم بعدما أعطى الهاتف لسيف الذي مسح الصورة فوراً وعلى وجهه علامات الإنتصار ..
, نزل إلى الأسفل ليجد ليلى تُحاول كتم ضحكاتها ليبتسم لها قائلاً: شوفتي قلّة العقل ؟! مش عارف وافقت على خطبتهم إزاي ..
, رفعت حاجبيها بتعجّب ولكنها ضحكت تماشياً معه ليسمعا صراخ إسراء وهي تخرج من المطبخ بملامح غاضبة وهي تتّجه نحو ليلى التي صرخت بضحك وأسرعت تختبئ وراء أدهم ..
, إسراء: أنتي اللي حطيتيها مش كده ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة: معليش كنت بجرّبها بس وجت فيكي ..
, نظر نحوها أدهم وهو يرفع حاجبيه باستغراب: فيه إيه ؟!
, هتفت إسراء بغضب وغيظ ناظرة نحو ليلى الضاحكة: الحيوانة دي لا مؤاخذة حطت بالطبق بتاعي حرباية ..
, رفع حاجبيه بذهول هاتفاً: حرباية ؟! جابتها منين دي ؟!
, ضحكت ليلى هاتفة بفخر: لا دي حرباية اصطناعيّة مش حقيقية .. هههه و**** منظرك مسخرة بجد ..
, اقتربت إسراء منها بغيظ لتهرب ليلى من طريقها متابعة ضحكاتها وأدهم يقف مكانه بذهول ، كان يظنها تضحك لأفعال سيف ومروة ليكتشف بأنها أكثر جنوناً منهم ، ضرب كفاً بالأخرى متمتماً: عايش ف حضانة أنا ولا إيه ؟!
, قطّب جبينه ناظراً نحو أحمد الصامت يجلس بشرود ويمسك بيده هاتفه .. اقترب منه متمعّناً بالنظر إليه ليهتف بعدها: نور فين ؟!
, رفع أحمد رأسه متنبّهاً على اسم نور الذي نطقه ليجيب: طلعت أوضتها قبل شوية ..
, هتف بقلق: ليه مالها تعبانة !؟
, أحمد بنفي: لأ كويسة .. مالك أنت بتسأل عليها ؟
, نظر نحوع بصمت عدة لحظات ليقول بعدها بهدوء: عايز أتكلم معاها ف موضوع ..
, أحمد: موضوع إيه ؟!
, اتجه أدهم نحو السلالم هاتفاً: هتعرف بعدين ..
, تابعه أحمد بعينيه بسكون وهو لا يعلم بماذ يفكر ..
, في مكان آخر ..
, دخل تلك الغرفة المتوسّطة .. كانت خالية إلّا من طاولة خشبية صغيرة حولها كرسيّين .. وقعت نظراته على ذلك الواقف قرب النافذة ينظر إليه بجمود ..
, خرج العسكري مُغلقاً الياب ورائه ليهتف كامل بغضب: جاي هنا بكل بجاحة بعد إيييه ؟! قولتلّك خرجني من هنا بأسرع رقت وأنت مصدقتش إني اتحبست ..
, بقي مصطفى ينظر نحوه بعينين جامدتين ، داخلهما لمعة غريبة يراها كامل لأول مرة .. احمرار كبير يسكن زرقاوتيه وهالات سوداء مُتعبة تستكين أسفلها .. اقترب منه غير مبالٍ بحالته فمنذ متى وهو يهتمّ لأحد غير نفسه ..
, جلس على إحدى الكراسي يتّكئ بمرفقيه على الطاولة أمامه ورفع نظره إليه هاتفاً بحدة: وبعدين ، جاي هنا عشان تسكت ؟! المحامي ال٣ العلامة النجمية مقدرش يخرّجني ترفده من شغله معانا وتجبلي محامي تاني فاهم ؟!
, ابتسم مصطفی بسخرية ، سخرية اجتاحت كل ملامحه هامساً: بصفتي إيه ؟!
, قطب جبينه بحدة: بصفتك إزاي يعني ؟!
, اقترب منه مصطفى ومازالت اللّمعة الغريبة داخل عينيه هامساً ببطء: بصفتي إيه عايزني أسمع كلامك ده .. بصفتي إيه عايزني أساعدك تخرج ..؟
, صرخ به بنفاذ صبر: بصفتك ابني .. ولا البيه فرحان إن أبوه بالحبس وبقا يتسرمح على كيفه ؟ حتى شركاتي بدل م تسندها قبل م تقع سايبها كده ..
, ازدادت الإبتسامة الساخرة على وجهه هاتفاً: تصدّق مش عارف أفرح أو لأ .. فعلاً زي م انت قولت أبويا بالحبس .. هههه حاجة تشرّف بتنقّل من أب لأب والتنين يطلعوا بالحبس عمرك شوفت زي ده ؟!
, ضيّق عينيه ناظراً له وكأنه مُختل عقليّ ليهتف صارخاً : أنت مجنون متوّهش الكلام يا مصطفى .. المرة دي مش هسيبك قبل م تعمل حاجة وتخرجني ، ممنوع عني الزيارة بس أنت قدرت تدخل يبقى هتقدر تخرّجني من هنا ..
, بقي ينظر إليه بجمود ليُبادله كامل النظرات متنهداً وقال أخيراً بما أوصله إليه دماغه الجشع: عايز كام ؟!
, رفع حاجبه هاتفاً: كام إيه ؟!
, ضغط على قبضته بحدّة: فلوس .. عايز كاام عشان تخرّجني من هنا أنا عارفك كلب فلوس ..
, مصطفى: زيك تقصد .. كلب فلوس زيك وزي أخوك ..
, هتف به بشراسة: إخلص وجاوبني عايز كان ولّا عايز شركة ، هفرغلك شركة باسمك المهم أخرج من هنا ..
, وقف مصطفى ببطء وعيناه عليه يُتابع ملامحه الحادة ليهتف ببطء: مش عايز أسمي يتوسّخ بشركاتك ال٣ العلامة النجمية ٣ نقطة ولو تديني فلوس الأرض كلها مش هخرجك من هنا فاهم يااا .. يا كامل بيه ..
, رفع نظره إليه بغير تصديق هاتفاً: أنت بتتكلم كده إزاااي ؟!
, مصطفى بجمود: أتكلّم براحتي ، لأن جه اليوم اللي مصطفى السّاكت كلّ السنين دي يتكلّم ، جه اليوم اللي يدافع عن نفسه يعيط ، يصرخ وميحبسش فقلبه زي زمان ..
, كان كامل ينظر إليه بغرابة وحيرة ، كان كلامه غريباً عليه ولا يُناسب الموقف أمامه .. همس باستغراب: أنت عايز إيه ؟!
, لحظات طويلة بقي ينظر إليه يتذكّر حياته التي عاشها معه منذ طفولته ، يتذكّر معناته تشكيكه به وسحبه بالقوة كل فترة للتّحليل وكشف هويته .. لو أنه اكتشف من وقتها بأنه ليس أبنه لما كانت حياته هكذا الآن ، لما كان وصل لهذه الدرجة من الحقد والقسوة .. واليأس !
, تكلّم أخيراً بصوت خارج من بئر عميق: عايز أعرّفك الحقيقة .. الحقيقة اللي كنت مخدوع بيها من زماان ..
, طالعه بنظرات حذرة حائرة لينطق مصطفى ببطء وحقد وألم: حقيقة إني مش ابنك ..
, لاحظ جحوظ عينيه ببطء ، إهتزازة عضلة فكّه ومحاولته النطق بلا فائدة .. كانت نظراته غير مستوعبة: إا إييه ؟!
, مصطفى بجمود يُخفي خلفه ألماً كبيراً: مش أبنك يا كامل بيه أنت ملكش عيال يااا ٤ نقطة يا عمي ..
, جحظت عيناه أكثر وهبّ من جلسته ناظراً نحوه بجنون: ع عمي !؟؟
, ارتفعت زاوية فمه بنصف ابتسامة ساخرة مكسورة: أه عمي .. أنا ابن شريف يا كامل بيه .. ابن شريف اللي قدر يضحك عليك من زمااان ولسّا لحد دلوقتي ..
, هزّ رأسه بنفي مجنون مُتمتماً بذهول: لأ .. لا كداب هو هو كداب هو قال كده عشان يكسرني مش عارف إزاي هيدمّرني ملاقاش غير الطريقة دي ..
, ابتسم بسخرية: ليه أنت هتتكسر لو مطلعتش ابنك ..؟! ليه أنت اعتبرتني ابنك فيوم من الأيام ..
, نظر نحوه بجنون ليصرخ مصطفى: قولي اعتبرتني ف يوم ابنك ، سألت عني اهتمّيت بيا عرفت أنا بحب إيه وبكره إيه عرفت أنا عايش إزاااي ؟! هتتكسر لييه يا كامل بيه ؟! عشان أخوك خدعك ؟! عشان رغم كل اللي عملته بيه هو اللي انتصر في الآخر ..؟
, ابتلع ريقه غير مستوعب ، أطرافه ترتجف ليعود ويجلس فوق كرسيه بإنهاك ..
, حلّ صمت فجأة إلّا من أنفاسهم التي تتسارع بقوة .. فجأة شعر بشيء يُحاوطه .. يدين تمسكان به بقوة .. فتح عينيه المرهقة ليجد نفسه داخل أحضان مصطفى ..!
, همس خافت قرب أذنه أرسل قشعريرة في جسده: صح إنك مش أبويا بس لازم أودعك ..
, ابتعد عنه أخيراً ليرفع كامل نظراته نحوه بتشتت ، استدار مصطفى سريعاً من دون أن ينظر نحوه وخرج من الغرفة مُغلقاً الباب خلفه بهدوء ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, مساء ..
, رن هاتف أدهم ليرفعه إلى أذنه: نعم ؟!
, رفع حاجبيه بجمود هاتفاً: هو فين دلوقتي ؟! ٧ نقطة متعملش حاجة سيبه أنا جاي ..
, أغلق هاتفه لينهض عن مائدة الطعام يُمسك سترته ويرتديها على عجل ..
, ليلى: أدهم فيه إيه رايح فين ؟!
, نظر نحوها بابتسامة: مفيش مشكلة كده في الشغل مش هتأخر ..
, ابتعد سريعاً خارجاً من الفيلا لتتابعه عينيّ ليلى بقلق بالغ ويضيّق سيف عينيه بريبة وهو يشعر بأنه يُخطط لشيء ..
, كما قالها نزار .. شكراً مع خالص احتقاري ..
, في مكان آخر ..
, كان يجلس على كرسي قرب سريرها .. ينظر لها بصمت وأفكار قاتلة .. شريط حياته معها يُعاد أمام عينيه يقتله ويزيد من ألمه واختناقه ..
, لم يشعر بنفسه سوى يبتسم هامساً وهو يعلم بأنها لن تسمعه ولن تُجيبه كالعادة طوال تلك السنين: دي نهايتي يا أم مصطفى ؟! شكراً شكراً ليكي عشان عيّشتي ابنك بالجحيم ..
, أغمض عينيه لا يُريد الحديث أكثر ، حياته تدمّرت أمامه ، أمله الوحيد في النجاة من هذا الوحل الذي يعيش به قد ذهب .. وحيد هو الآن تماماً ولم يعد يتحمّل وحدته ..
, نهض عن كرسيّه وانحنى يُقبّل جبينها بصمت .. صمت يقتله ولا يستطيع أن يفعل شيء مهما تكلّم ، صرخ ، بكى لن يجد أحد قربه ولن ينفعه ..
, خرج بخطوات بطيئة ، ذهن شارد وعينين تحجّرت الدموع داخلهما .. اطمئنّ خلال الأيام السابقة عن نور .. ملاكه البريء الذي أذاه أبشع أذيّة .. يعلم بأن الجميع حاقد عليه ، من أرادهم قربه هم الآن يتمنّون موته وهو سيحقّق لهم هذه الأمنية ويُخلّصهم منه ..
, في مكان آخر ..
, كان يجلس في غرفة واسعة متهالكة فوق كرسيّ خشبي قديم .. يحني جذعه ويتّكئ بيديه فوق ركبيته ناظراً أمامه بصمت .. عيناه مُظلمتان كليلٍ بهيم مُخيف وعقله يصوّر أمامه صوراً كثيرة لطُرق انتقامه ..
, رفع هاتفه يُطالع الوقت وقد طلب منهم إحضاره إليه .. استمع فجأة لصوت سيارة تقترب .. انتفض ناهضاً عن مقعده بقلب خافق متسارع .. خرح من باب المخزن الحديدي ليُلاقيه ضوء سيارة قادم باتجاهه .. رفع يده يحمي عينيه من ضوئها الذي شقّ الظلمة حوله ..
, صمتٌ هو كلّ ما تلقّاء لينزل يده أخيراً ينظر أمامه ، ليهتف بصدمة: أدهم !؟
, اقترب منه بخطوات جامدة وعينين أكثر جموداً ليقف أمامه تماماً هاتفاً: أيوه أدهم ..
, نظر أحمد وراءه لم يجد أحد ليرفع نظره إليه صارخاً وقد فلتت أعصابه: هو فييين ؟! وديتوه فيين أنطق ..؟
, تكلم أدهم بجمود: محدش جابه أصلاً ..
, وسع عينيه بصدمة صارخاً: موسى !؟ الكلب موسى كان بقولّك كل حاجة صح ؟! أنت كنت عارف ومنعته يجيبه ؟!
, بقي صامت ينظر إليه ليقترب منه أحمد يُمسكه من ملابسه صارخاً: أنت عايز إييه ؟! ليه مخليتوش يجيبه ؟! عايز تسيبه يفلت بعملته وتسيب حق أختك ؟؟
, لم يتحرّك أدهم من مكانه وتابع نظرات الجمود نحوه ليقول أخيراً: أنت قولتها ، حق أختي .. يبقى أنت مالك !!؟
, اهتزّت عيناه وأفلت قبضتيه عنه ليهتف بشراسة: أختك أنا ربيتها معاك يا أدهم متنساش ده ..
, ابتسم أدهم بجمود: مش ناسي ، ولسا بقولك نور أختي وأنا اللي لازم أجيب حقها أنت مالك ؟!
, صرخ به بغضب: لأنك مش عارف تتحرك ولا تعمل حاجة أنت ساكت لحد دلوقتي وسايبه على كيفه .. يبقى أنا دلوقتي اللي هاخد حقها ومصطفى هقتله بإيديا دوول هعيشه جحيم ف عمره م عاشه ..
, بقي ينظر إليه بصمت ، مُلاحظاً ثورته ، رجفة جسده من الغضب والقهر .. يعلم جيداً إحساسه ناحية نور ولكنه لا يعترف ..
, نظر حوله قائلاً بهدوء: إرجع ع الفيلا محدش هيجيلك هنا ..
, رفع نظره إليه بثورة: هجيبه .. لو رجالتك مجابهوش أنا هجيبه وهاخد حقّي منه وأقتله ..
, نظر إليه هاتفاً بصوت جامد: مش من حقك ..
, صرخ بثورة: لأ حقي .. حقي إني آخد بتار نور اللي أنا ربيتها على إيديا ، حقي أنتقم لكل الأيام اللي عشناها بعذاب وبقهر وهو السبب .. حقي أنتقم ليا ولنور ..
, تابع أدهم بنفس الصوت الجامد: لا مش من حقك .. عارف ليه ؟!
, اقترب منه أكثر هامساً: لأن اللي اتأذّت بتكون أختي .. واللي أذاها بكون مصطفى .. أخويا !؟
, نظر إليه بغير تصديق هز رأسه يُحاول الإستيعاب ليصرخ به: أخووك ؟! أنت بتعتبره أخووووك يا أدهم ؟!
, ابتعد أدهم عنه هاتفاً: ملكش دعوة ، أنت شيل إيدك من الموضوع ده خالص وإرجع الفيلا الرجالة برا مش هيسمحولك تروح مكان تاني ..
, اقترب منه يُمسكه من ملابسه بعنف يهزه بجنون: أنت اتجنّنت ؟ أنت حصل لعقلك حاجة أكيد أنت مش أدهم اللي بعرفه ..
, نظر نحوه يُبعد يديه عنه بقوة هامساً: هنتكلّم بعدين ..
, كاد يُجيبه ليوقفه رنين هاتف أدهم وقد رفعه لأذنه سريعاً ٣ نقطة لاحظ تغيّر ملامحه ، تقطيبة حاجبيه وضغطه علی قبضتيه بشدة ..
, أنهى أدهم الإتصال وانطلق بسرعة نحو سيارته ..
, صرخ به أحمد: فيه إيييه يا أدهمم ؟!
, أجابه وهو يستقلّها: مفيش أنت ارجع الفيلا يا أحمد وهنتكلم بكل حاجة بعدين ..
, تركه وانطلق بسيارته بجنون وأحمد ينظر في إثره نظرات مُشتعلة وغاضبة ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, - في وقت ألمك ، قِف ساكناً حتى يمرّ الحزن .. أو اضحك عالياً حتى يمرّ الناس ..
, ٣٦ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, يقف أعلى ذلك الجسر .. ظلام حوله تضيئه أنوار الشارع الخالي في هذه الساعة المتأخّرة .. نظر إلى المياه المُظلمة أسفله .. يُطالعها بنظرات يائسة متألّمة .. الجميع يُريد الخلاص منه .. وهو بات يكره نفسه ويُريد الخلاص منها أيضاً ..
, أغمض عينيه مُتنهّداً ودموع حارقة بدأت بلسع وجهه .. حاول منعها ولكنها أبت إلّا أن تسقط وتزيد ناره اشتعالاً .. لمْ يبقَ له شيء في هذه الحياة أبداً .. الشيء الوحيد الذي كان يعيش لأجله انتهى .. حياته استحالت رُكاماً وهو لن يقف على الأطلال يبكي ندماً وحسرة ، كفاه ما بكاه طوال حياته ، يكفيه ندمه الذي ينهش داخله بلا رحمة .. يكفيه ألمه ودموعه التي لا تنضب ..
, فتح عينيه لتنهمر دموعٌ أكثر كالشّلال ، هذه آخر مرة سيبكي بها ، آخر مرة سيضعف ، وآخر مرة سترتفع شهقاته كطفلٍ صغير ..
, منذ صغره لمْ يبالِ أحد ببكاءه بشهقاته المتألّمة وأنينه الموجع ، ويعلم بأنّ لا أحد سيبالي الآن ، ولكنه يُريد أن يبكي لقد ودّع الجميع ألا يحقّ له أن يُودّع دموعه التي رافقته أكثر من عشرين سنة ..!؟
, ارتفعت شهقاته حتى شقّت عنان السماء ، ظلام حوله كظلام حياته وروحه ، وجعه يزداد مع كلّ دمعه يذرفها وحرقة قلبه لا ترحمه ..
, أمسك الحافّة أمامه بيديه ، ليرفع جسده بإنهاك ليصعدها ، أصبح واقفاً أعلاها ، الهواء البارد يلفحه ويُبعثر دموعه الحارقة ويُبردها ، لا يشعر بالبرد فناره المُشتعلة تزيد إتّقاداً .. الماء تحته يجري بسكون مُخيف ، سكون يُناديه ليُحيله إلى جنون وثورة .. نظر نحو السماء بألم ، يشعر بقطراتٍ خفيفة من المياه لا يدري أهي دموعه أم مياه الأمطار التي بدأت بالسقوط لتمحي ذنبه القاتل ، هل لمثله **** ؟! هل مثله يملك حقّ طلب الغفران ؟! لا أحد يُجيبه ، لا أحد معه ليفهمه ليشعر بألمه وخوفه ، يأسه وانهياره .. ولا أحد يمنحه هذا الحق ..
, نظر إلى الأسفل ، يرى على صفحة الماء ضحكاتٍ صاخبة لطفل صغير يركض في أحياء فقيرة ، مليئة بدفءٍ وحبّ .. يرى وجوه الماضي أمامه يرى ضحكاتهم ، حنانهم ودفئهم ، يسمع أصواتهم في أذنيه ويراهم يمدّون أيديهم إليه يُنادونه نحوهم ..
, ابتسم باتساع وسط دموعه التي مازالت تتساقط مع قطرات المطر المُنهمرة ، مدّ يديه نحوهم بشرود يُريدهم أن يحتضنوه يُريد لآخر مرة أن يشعر بالدّفء الذي افتقده .. اتّسعت ابتسامته وتغبّشت الصورة أمامه ورجله تتأرجه في الهواء وأصواتهم مازالت تُناديه ، مدّ رجله الثانية يفتح ذراعيه أكثر وجسده بدأ بالتهاوي في الهواء مُغمضاً عينيه ينتظر دفئاً وحناناً يحتاجه ..
, كل ما لاقاه هو برودة ، برودة قاسية استحكمت في جسده وآلمته ، خفتت ابتسامته الحالمة لتبهت شيئاً فشيئاً ، ذبُلت عيناه المتأمّلة وضمّ ذراعيه التي كانت مفتوحة ينتظر عناقاً وأخفضهما إلى جانبيه ، رفعهما إلى جسده ، يضمّ نفسه بنفسه ، يُعانق جسده وروحه بنفسه كما فعل دوماً ، يفرك جسده بحنان ودفء يُقدّمه لنفسه بيأس وحسرة وموت بطيء بدأ يتسلّل إلى خلاياه ..
, انحبست أنفاسه ، ورغم انقطاع الهواء عنه ورغم معرفته بالسباحة والعوم لم يتحرّك ، كان مُستسلماً لكلّ شيء ينتظر لحظة خلاصه وراحته ينتظر فناءه كما ينتظره الجميع ..
, أغمض عينيه باستسلام وجسده بدأ بالتراخي ، يداه خانتاه أيضاً لتترك جسده وتفكّ عناقه مستسلمة حوله بيأس ..
, يدٌ قوية شعر بها حوله ، ذراعان صُلبتان تُمسكان جسده بقوة كادت تكسره .. صوت مياه متخبّطة حوله ، وقوة هائلة تدفعه إلى الأمام ، يسمع كل شيء ويشعر بكل شيء ولكن جسده انهار ، جسده استسلم ولا يُريد معرفة شيء ولا ينتظر شي آخر .. ازداد اختناقه مع ازدياد قوّة اليدين الليتين تتشبّثان به ، صدرٌ قوي عريض شعر به يسنده ، رأسه مال ناحيته بانهيار يتّكئ عليه بإنهاك وهو لا يعرف هويته ، فقط مُستسلم مهما كانت نهايته ..
, سحبه حتى الحافة ليرفعه بنفَسٍ كاد ينقطع وأنفاس لاهثة ، سحبه على الأرضية الترابية يُمدّد جسده المُستكين أمامه .. جلس قربه يضرب وجنته بقوة يحاول إفاقته ..
, صرخ به وهو يضرب وجنتيه ويهزّ وجهه بعنف: مصطفى !؟
, أخفض يديه يضعهما فوق صدره يُحاول الضغط عليه بقوة عدة مرات وهو يصرخ به ليستفيق ، شهقة قوية خرجت منه أخيراً لينتفض جسده بادئاً بالسعال المخيف ..
, وضع يده على صدره وقد رفع جذعه يحاول أخذ أنفاسه التي قُطعت وهو يسعل بشدة .. لحظات غامت عيناه بالدموع من جديد حالما أدرك بأنه مازال حياً .. شهقات بكاءه ارتفعت مع شهقات أنفاسه المقطوعة لتملأ صدره غصّة مؤلمة ..
, رفع نظراته للواقف أمامه ، لينتفض بصدمة وهو يرى أدهم واقفاً بجمود غريب ، نظراته قاتلة مُرعبة ورغم ذلك يرى داخلهما نظرة غريبة لم يستطع تفسيرها ..!
, فتح فمه يُحاول إخراج الكلام من بين دموعه وأنفاسه اللّاهثة: أا أده٣ نقطة
, لم يكدْ يُكمل الكلمة حتى حطّت على وجنته صفعة قوية عادت لتُسقط جسده المتعب أرضاً ، رفع نظره لأدهم الذي اقترب منه وقد ازدادت نظراته حدة .. ليُحاول رفع جسده ناظراً إليه لتطيح به صفعة أخرى صمّت أذنه وكادت تكسر أسنانه من قوّتها ..
, صرخ به أدهم: أنت اتجننت ؟! عايز تقتل نفسك ؟! عايز تموت كافر أكتر م أنت عشت حياتك وسخ وقذر ؟!
, رفع نظره إليه بصمت ودموعه عادت لتحرقه وهو يستمع لهتاف أدهم الشرس: عايز تهرب ؟! تنتحر بدل م تكفّر عن أغلاطك بدل م تتلقّى اللي هيحصلك وتنال جزائك ؟!
, تمتم قائلاً بدموع: أنت ليه أنقذتني ؟!
, صرخ أدهم: عشان مش أنت اللي هتقتل نفسك ، بقالي زمااان عايز أخد بتاري وأنتقم ومش واحد زيك هيضيّعلي تعبي ..
, انحنى نحوه هامساً بشراسة: موتك هيكون على إيديا أنا مش إيديك أنت ، مش هسمحلك تخلّص نفسك من غير م تلقى عقابك على إيديا ..
, تراجع بجسده يهز رأسه بجنون هاتفاً بقهر: لأ .. لأ سيبني أنا كنت هموت كنت هخلّصكوا مني أنقذتني لييه ؟! عايز مني إيه ؟! سيبوني فحالي أنا سيبتلكوا كل حاجة سيبتكلوا الدنيا باللي بيها ..
, أدهم بغضب: محزرتش .. مش على كيفك ، مش أنت اللي بتنهي حياتك بالسهولة دي ، فين مصطفى الحاقد اللي عايز يقتل وينتقم ..!!؟
, صرخ مصطفى بثورة وقهر: أنا انتقمت ، أه انتقمت اغتصبت اختك ددممّرتكوا أه صح انتقامي مش كامل بس ددممّرتكوا ، وجّعتكوا حرقتلكوا قلوبكم زي م قلبي بيتحرق من زمااان ..
, نهض واقفاً أمامه بجسد مُترنّح: سيبني فحالي بقا خليني أمووت ..
, أدهم بجمود: هتموت ، بس مش على إيدك .. هتموت لما أنا بقرر .. بس الأول هخلّيك تتمناه ومتطولهوش .. هخلّيك تتعذب ..
, صرخ مصطفى بيأس: مش عايز .. لأ مش عايز أنا هموت ، أنا بتعذب عايز أرتاااح ، مش عايز أموت على إيدكوا أنتوا لأ ، إلّا أنتوا ، العيلة الوحيدة اللي بتمنّاها مش عايز أموت على إيديها ..
, اقترب أدهم منه هاتفاً بقسوة: للأسف أمنيتك دي مش هتتحقّق .. مش هسمحلك تموت .. مش هسمحلك تئذي نفسك بنفسك كل حاجة هعملها أنا بنفسي .. فاهم ؟!
, سقط أرضاً يبكي ، يبكي بحرقة وكأنه لم يبكِ منذ زمن ، شهقاته ارتفعت والأمطار حوله تزايدت ، وأدهم يقف أمامه بجمود يُتابعه بعينين غريبتين داخلهما استكان ألمٌ قاتل ..
, هتف به بجمود: قوم ارجع القصر يلّا ..
, رفع رأيه نحوه وقد تبلّل وجهه بدموع ومياه : أنت ليه بتعمل كده .. ليه مش تقتلني دلوقتي ؟! طب لييه متعذّبنيش دلوقتي ؟!
, هتف أدهم: لسا وقتك مجاش .. من هنا ورايخ اللي أقوله أنا هيتنفّذ .. إنسى إنك مصطفى .. إنساه خالص ..
, صرخ به بألم: أنت عايز مني إيييه ؟! سيبني فحالي يا أخي مش عايز أعيش مش عايز أفضل كده إبعد عني .. هموت هقتل نفسي ومحدش ليه دعوة بيا ..
, بقيَ ينظر إليه بجمود مُقطباً حاجبيه ليهتف أخيراً: عشت كل حياتي بحمي عيلتي .. عشت اللي محدش عاشه وعانيت اللي محدّش عاناه .. وصلت لهنا حسّيت إني خلاص ارتحت ، عيلتي كلها فأمان حسيت إني نجحت ووصلت للّي عاوزه ٣ نقطة بس للأسف بالنهاية اكتشفت إني فشلت .. فشلت إني أنقذ عيلتي ..
, غصّ صوته متابعاً: فشلت إني وقّف معاهم وساعدهم ، اكتشفت إن مش كلّ عيلتي بخير .. اكتشفت إن في حد سيبته ورايا قبل عشرين سنة ، حد من عيلتي لسّا موجود بالبر التاني .. لسا بالبرّ اللي أبحرت و هربت أنا وعيلتي منه ، برّ الحقد والقسوة ..
, ازدادت شهقات مصطفى يأساً وضرب على قلبه قهراً هامساً: أنت عايز إيه قولي وريّحني يا أما سيبني أمووت وأرتاح ..
, أدهم بجمود: مش أدهم عز الدين اللي يسيب حد من عيلته محتاح .. مش أدهم عز الدين اللي يسيب حد من أخواته يموت كده ..
, رفع نظره إليه فجأة ، ينظر بغرابة وجنون .. هتف بقهر: مش أخوك .. أنا مش أخوك أنت ملكش أخوات غير سيف ونور .. أنا مصطفى عدوّك ، ابن عدوك ، مصطفى اللي عاش كل حياته حاقد عليك ، اللي عاش كل حياته عايز يقتلك وينتقم منك .. أنا مش مصطفى بتاع 10 سنين ، أنا تغيّرت .. بقيت إنسان تاني ، بقيت شيطان لازم تبعد عني ..
, أدهم: ومين قال إن أخويا مصطفى اللي قدامي دلوقتي ..؟! اقترب منه هاتفاً بهدوء وألم: أخويا اللي بعرفه عمره 10 سنين ، أخويا اللي بتكلم عنه هو مصطفى الطفل اللي ميعرفش إيه يعني حقد وقتال ..
, صرخ به بأعصاب مُتلفة: بس أنا عااارف ، عارف أقتل عارف أحقد وأنتقم ، إبعد عني هتستفاد مني إييه ؟! كنت آه كنت العيل اللي ميعرفش حاجة كنت العيل البريء بس العشرين سنة دوول كبّروني .. العشرين سنة دول زرعوا جوّايا سوااد كبير ..
, أدهم: وأنا همحي من حياتك العشرين سنة دول .. مصطفى اللي هاخده عمره 10 سنين بس .. الطفل اللي ملاقاش حد يربيه طوال السنين اللي فاتت أنا هعيد تربيته من جديد .. هبدأ من عمر10 سنين .. همحي كل السّنين اللي صنعت منك مصطفى القاعد قدّامي دلوقتي ..
, همس مصطفى بتعب متوجّع: مش هتقدر .. إبعد عني يا أدهم مش هتقدر ..
, همس أدهم بقسوة: أدهم اللي واجه كل صعوبات الحياة ، اللّي واجه أعدائه من أقرب الناس ليه ومع ذلك كبر وتعلّم ووصّل عيلته للّي هما بيه دلوقتي ، مش هيصعب عليه يربّي عيل عمره10 سنين ..
, رفع عينيه إليه ، رُغم الإهانة التي تعرّض لها ، رغم نعته بأنه *** صغير يحتاح التربية لم يتأثّر ، ربما لأنه فقد الإحساس أو ربما لأنه يشعر بصدق حديثه .. هو ربّى نفسه بنفسه ، تربّى على الظلم والحقد والحرمان ليُغذي مصطفى الحاقد داخله ويُميت مصطفی الطيّب البريء .. هو لم يجد من يُربيه ، لم يجد أحد حوله أبداً حتى ولو كان حيوان أليفاً يتبعه كظلّه .. لا أحد أبداً ..
, بقي ينظر داخل عيني أدهم .. والآن فقط استطاع تفسير نظراته الغريبة التي لمحها .. نظرات ، خوف .. ألم .. قسوة وتردّد .. أدهم الذي عرفه طوال عمره يُصارع نفسه وحقده ونار انتقامه ليُعيده إلى سنين غابرة .. ليُعيده لنقطة واحدة حيث كان مازال معهم وبينهم .. يُعيد الزمن إلى تلك الفترة التي ترك بها فرد من عائلته من غير أن يُنقذه .. تركه للظّلم وقسوة الحياة بغير إرادته وغير معرفته ٣ نقطة وهاقد علم به الآن ، علم بأنه موجود وقد أحالته الحياة لوحشٍ حاقد .. وعليه الآن إعادته للبداية ولكن هذه المرة أن يأخذه معه كما أخذ عائلته سابقاً أن ينقذه كما أنقذهم ..
, فاق من سرحانه على وصول رجال أدهم حولهم .. وقف موسى بالقرب من أدهم الذي استدار نحوه قائلاً: خدوه للقصر ، ميخرجش منه أبداً لحد م أنا أقول ..
, اقترب الرجال يُحاولون رفع جسد مصطفى المتراخي ليُدخلونه إلى السيارة ويدخل أدهم سيارته ينطلق خلفهم بغير شعور ٣ نقطة
, دخان كثيف بدأ بالظّهور لهم ، دخان مع ألسنة نار عالية مُلتهبة تظهر بوضوح كلّما تقدموا من القصر .. ضيق أدهم عينيه بحذر وأسرع في قيادته حتى تخطّى سيارة رجاله أمامه ليقف أمامه القصر فجأة ويترجّل منها يشاهد الدمار أمامه ..
, فتح عينيه بشدة وهو يشعر بأنه داخل أحد الأفلام .. قصر بأكمله بحترق أمامه ، ألسنة اللهب تتصاعد وتضرب عنان السماء .. دخان كثيف حوله شكّل غيمة أعلاه .. رجال كثيرون ينتشرون في المكان وسيارتي إطفاء وصلتا في نفس وقت وصوله ..
, اقترب بخطوات مرتعشة وهو ينظر لجثث رجال كامل التي انتشرت فوق الأرضية .. دماء في كل مكان وأصوات صراخ وتألم ..
, ابتلع ريقع صارخاً بأحد الرجال أمامه: فيه إييه ؟! إيه اللي بيحصل ..؟
, كان أحد رجال كامل الناجين من هذه الحادثة ليقول بسرعة وتلعثم: هجموا علينا ، ضربوا علينا رصاص وحرقوا القصر .. ده فاروق بيه مفيش غيره ..
, أدهم: مين ده مين فاروق ده ..؟
, تردّد الرجل ليمسكه أدهم صارخاً به ليصرخ بخوف: فاروق بيه رجل الأعمال المصري اللي عايش بفرنسا ، كان ليه شغل مع كامل بيه وكامل بيه خانه وسرقه ، والمعروف عن فاروق إنه متوحش مبيسبش حقه وليه علاقاته مع عصابات ومع مافيا وهو اللي عمل كل ده ..
, دفعه أدهم عنه ينظر حوله بجنون .. لقد فاق كامل كل توقعاته .. كان يعلم بأن أعماله قذرة مشبوهة ولكن أن يوقع نفسه بأشخاص كهذا لم يكن يتصوّر ..
, نظر بتشتت نحو مصطفى الذي نزل من السيارة راكضاً بجنون .. يصرخ وهو يرى القصر أمامه يخترق .. لقد عاش به أسوأ أيام حياته ولكنه أمضی كل حياته به ، قصر طفولته وشبابه .. يحترق أمامه وكأنه لا شيء أبداً ..
, صرخ برعب وجنون وعينان تذرفان دموعاً وهو يركض إلى الداخل .. حاول الرجال منعه ولكن ثورته كانت أعظم ليدخل عبر الباب مُنطلقاً نحو الدرجات يصعد إلى غرفته التي لم تمسّها النار بعد .. بكى بجنون وهو ينظر حوله .. اتجه نحو خزانته ليفتحها يُبعثر مابداخلها يُخرج صندوقاً خشبياً صغيراً ..
, جلس أرضاً يتحسّسه بيدين مرتجفتين ، صندوق طفولته البريئة ، صندوق حياته القصيرة التي عاشها بهناء .. بكى أكثر وهو يتذكر مافعله وما عاشه .. بدأ يسعل باختناق والدخان الكثيف طغى على غرفته ..
, ضمّ الصندوق إلى صدره وضمّ جسده متكوّراً حول نفسه وكأنه قد عاد فعلاً *** العاشرۃ ، كان يُريد الموت والخلاص وهاقد أتاه .. على الأقل سيموت الآن مودّعاً الجميع وبين يديه برائته وطفولته المفقودة ..
, ازداد سعاله بشدة واستحال جسده للون أسود نتيجة الدخان الكثيف .. صوتٌ اخترق عباب الدخان .. صوت صارخ خائف: مصطفى .. مصطفی ..
, صوت بدأ بالوضوح أكثر والإقتراب أكثر .. واختناقه ازداد أكثر .. ليرتخي جسده ضائقاً صدره وساقطاً فوق الأرضية الباردة ..
, ٣٦ العلامة النجمية
, في الفيلا ..
, كان يجلس يهز قدميه بتوتر وثورة ، يُحاول الإتصال به منذ فترة وهو لا يجيبه .. صرخ بجنون: مش بيرد ، مكنش لازم أسيبه كده أخوك هيمنعني أخد حق أختك .. عايزني أسيب مصطفى يفلت باللي عمله ..
, اقترب منه سيف الذي كان يمشي أمامه ينتظران أدهم حتى يأتي ليهتف: أنت الحق عليك .. عايز تنتقم مش كده .. مش تلجأ لرجالة أدهم .. عايز تنتقم روح انتقم بنفسك .. بعدين رايح تنتقم لوحدك .؟! مش شايف إن في حد تاني عايز ينتقم زيك ؟!
, رفع نظره إليه بغضب: و**** الحد التاني قاعد بالعسل ، كل اللي بيعرفه هو الجنون والهيافة وسايب كل حاجة ، ع القليلة حاولت أوصلّه حاولت أنتقم مش زيك ..
, ابتسم سيف بسخرية ليهتف بجمود: ومين قالك إني سايب كل حاجة ؟! أنا عارف بعمل إيه كويس ومصطفى هنتقم منه .. بس اللي عقلك الغبي معرفوش إن أدهم مش سايبنا .. أدهم براقب كل تحرّكاتنا من يوم الحادثة لحد دلوقتي .. أنا عارف كل ده وعارف إن مهما كان اللي هنعمله هو هيكشفه ويقف بطريقنا .. أنا مستني بس يمل مستي فرصة اقدر اتحرّك براحتي .. أنت مع الأسف رغم معرفتك الكبيرة بأدهم بس عينيك معميّة عن كل ده وغبائك زاد ..
, صرخ به أحمد رغم أنه شعره بأنه على حق: خلاص يا سيف ، أنا سكنتك كتير أووي لاحظ إنك بتغلط بيا ، مش معنى إني سكتلك وسيبتك ده يديك الحق تزيد وتبجح في الكلام ..
, نظر نحوه بغضب وهمّ أن يجيب ليقاطعه هاتف أحمد الذي تعالى رنينه ، انتفض الإثنان بترقب ورفع أحمد هاتفه: أيوه يا مجدي عرفت حاجة ؟!
, توسعت عيناه بصدمة ليقترب منه سيف ناظراً له بلهفة واستفهام .. تمتم أحمد: أنت متأكد ؟!
, أغمض عينيه بغير استيعاب مُغلقاً هاتفه هو ينظر أمامه بشرود ..
, صرخ سيف: في إيه يا أحمد مجدي قالك إيه ؟!
, رفع نظره إليه بتشتت هاتفاً: القصر .. قصر كامل بيحترق كله ..
, رفع حاجبيه بذهول هاتفاً: إزاي ؟! يعني إيه قصر فحاله بيحترق إزاي حصل ده ؟!
, هز أحمد رأسه بشرود هاتفاً: مش عارف ، بيحترق كله ورجالته مقتولة .. ثم عاد بنظراته إليه هاتفاً: وأدهم هناك .. هو ورجالته ..
, ضيق عينيه ناظراً نحوه بحذر وقلب نابض: تقصد إيه ؟!
, بقي ينظر إليه ليهتف بعدها: هو هناك ، ومصطفى هناك ..
, تعالت أنفاسه هامساً بغير تصديق: ح حرقه ؟! ه هو حرق القصر بمصطفى ..؟!
, لم يُجبه أحمد ليبقى سيف واقفاً ينظر أمامه بتشتت .. هل يُعقل بأن من فعل ذلك أدهم ؟! هل أوقف أحمد عن انتقامه لينتقم منه بهذه الطريقة ؟!
, لا يُنكر بأنه يتمنی موت مصطفى ولكن ، بهذه الطريقة البشعة ؟! هل وصل حقد أدهم وغضبه لهذه الدرجة ؟!
, حل الصمت عليهم لحظات طويلة ، لم يجرؤ أحدهم على الكلام .. لينتفضا فجأة حالما فُتح باب الفيلا وأدهم دخل منه بخطوات بطيئة وهيئة .. مُزرية ..
, اقترب منهم ينظر إليهم بجمود ليبادلوه النظر بريبة وذهول .. كانت ملابسه مشققة أو محترقة .. وجهه وذراعيه ممتلئان سواداً .. هيئته فوضوية وهناك احمرار طفيف في وجهه وذراعه ..
, هتف أحمد بجنون: أنت عملت إيه يا أدهم ؟!
, لم يُجبه ليبتلع سيف ريقه هامساً: حرقته ؟!
, لم يتلقوا إجابه ليتمتم سيف بتشتت: حرقته يا أدهم ؟! أ أانت حرقت مصطفى والقصر ؟!
, تكلم أخيراً بهدوء: ماما فين ؟!
, نظر له أحمد بضيق وهو يعلم بأنه لن يتكلم إن لم يُرد دلك ليهتف: أمك نايمة بقالها زمان عايزها ليه ؟!
, ابتعد عنهم متجهاً نحو غرفة والدته: عايزها بموضوع روح انت اللبيت ..
, نظروا لبعضهم بحيرة وأدهم يدخل غرفة والدته رغم معرفته بأنها نائمة ، كاندائماً يؤجّل حديثه معها حتی تستفيق والآن يدخل إليها بتلك الهيئة المقلقة ويريدها في موضوع لا يستطيع تأجيله ..!
, سيف: أحمد اتكلم مع حد لازم نعرف اللي حصل ..
, هز رأسه هاتفاً: أدهم مش عايز يتكلم يبقی رجالته كمان مش هيتكلموا ..
, اتجه سيف نحو الباب: أنا رايح القصر عايز أعرف كل حاجة ..
, جذبه أحمد قبل أن يخرج هاتفاً: مفيش خروج يا سيف مش ناقصنا قلق أكتر من كده .. بكرا هنعرف كل حاجة خليك أنت هنا ومتزيدش غضب أدهم أكتر ..
, اتجه أحمد نحو الباب: أنا هخرج انت إياك تخرج من هنا فاهم ؟!
, أومأ سيف برأسه بشرود ليتابع أحمد: استنى أدهم وشوف لو هتقدر تفهم منه حاجة أنا رايح ..
, عاد ليومیء بشرود وعقله يعمل بسرعة يحاول معرفة ما يحدث أمامه ..
, ٣٥ العلامة النجمية
, في اليوم التالي ..
, طرقت الباب عدة طرقات خفيفة .. لتفتح لها ليلى الباب وعلى وجهها أثار النوم همست بقلق: نور أنتي كويسة مالك ؟!
, تنهدت قائلة: أنا آسفة جيت بدري كده بس عايزة أتكلم مع أبيه شوية ..
, قطبت ليلى جبينها لتهتف: عايزاه ليه هو لسا مفاقش ..
, تراجعت نور وفركت أصابعها بتردد لتهتف: خلاص هرجع بوقت تاني ..
, اسرعت من أمامها لتغلق ليلى الباب مضيقة عينيها بحيرة ..
, اتجهت نحو السرير تجلس قرب أدهم النائم .. مدت يدها تتحسّس الحرق الطفيف على وجنته .. لقد جائها البارحة بهيئة مزرية دبّت في قلبها الرعب ، لم يُجب على تسائلاتها ولم ينطق بحرف ، فقط استحم وأبدل ملابسه المحترقة ووضع رأسه داخل أحضانها متمتاً: عايز أنام ..
, لم تمضِ دقائق قليلة إلّا وكان قد سقط في نوم عميق مُتعب .. بقيت لحظات ساكنة حتى تأكدت من نومه لتنهض مُحضرة مرهم للحروق تضعه فوق حروقه وتعقّم الخدوش الموجودة في وجهه وذراعيه ..
, ابتسمت بحب وحنان ماسحة شعره بهدوء .. فتح عيناه ببطى لتقابله عينيها المبتسمة بحنان .. مد يده يُمسك يدها التي تمسح فوق خصلاته ليقبّلها بحنان ..
, همست: مش هتقولي إيه اللي عمل بيك كده مبارح ؟!
, تنهّد بإرهاق ونهض معتدلاً ينظراً نحوها: هبقى أقولك بعدين ..
, أومأت برأسها تستشعر حزنه ولا تريد أن تضغط عليه لتقول: قوم خد دش هنزل أحضر الفطار ونور جت من بدري كانت عايراك ..
, قطب جبينه متسائلاً: ليه ؟!
, ليلى: مش عارفة ، بس كانت متوترة وقلقانة ..
, ضيق عينيه ونهض مُتجهاً بصمت نحو الحمام ، تابعته ليلى بعينيها لتذهب محضرة له ملابسه وتنزل لتحضر الإفطار ..
, بعد لحظان طرقت نور الباب ليسمح لها بالدخول .. دخلت لتجده يرتدي يترته السوداء لينظر نحوها باستفهام ..
, اقتربت منه بهدوء ملامحها جامدة ويديها تفركان ببعضهم ..
, اقترب منها يجذيها من يدها ليُجلسها قربه على السرير متسائلاً: مالك يا نور قالتلي ليلى إنك عايزاني ..
, أغمضت عيناها مُتنفسة تحاول تهدأة نفسها .. ليجذبها يحتضتها بخفة هامساً : قوليلي أي حاجة متخافيش ..
, ابتعدت عنه ناظرة نحوه قائلة: أنتي قولتلي قبل مبارح حاجة ، وقولتلي فكر كويس ..
, أدهم: قولتلّك خدي وقتك يانور أنا مش مستعجل المهم عندي أنتي ..
, هزت رأسها هاتفة بجمود: بس أنا فكرت .. وموافقة
, رفع نظره بتفاجؤ من موافقتها السريعة ليهتف: نور أنتي متأكده ؟!
, أومأت برأسها هاتفة: موافقة بس عندي شرط ..
, قطب جبينه بتساؤل ليراها تزيد من فرك أصابعها وأغمضت عينيها هامسة: عايزة أروح الدكتورة أتأكد إني كويسة ..
, رمش بعينيه لينهض ناظراً نحوها بجمود .. رفعت عيناها إليه رغم ارتباكها وخجلها مما تقوله ولكنها لن تتراجع أبداً .. هتف بها قائلاً: نور .. أنتي صاحية للي بتقوليه ؟!
, أخذت عدة أنفاس قائلة: عارفة قصدك ، عارفة إن ده صعب عليا ، وأنا موجوعة جداً بس مش هتراجع يا أبيه .. أنا عايزة أرتاح مهما كان الثمن .. ده شرطي إني وافق وحضرتك قولتلي هتنفّذلي كل اللي عايزاه ..
, أغمض عينيه يشد على قبضته هاتفاً: خلاص زي م انتي عايزة ..
, استدار يبتعد عنها قائلاً بجمود: النهاردة الضهر حضري نفسك هاخدلك معاد مع دكتورۃ وأجي أوصلك ..
, هتفت ببكاء: أبيه ..
, التفت سريعاً ينظر نحوها ليعود ويجذبها داخل أحضانه يُشدّد عليها هامساً: مش قادر أعمل كده مش قادر أتخيل أختي وبنتي رايحة لدكتورة عشان الموضوع ده .. بس أنا وعدتك ، وعدتك إني أنفّذ كل اللي عايزاه ، وعدّتك إني أساعدك وأقف جنبك ولو كان ده هيريّحك ف أنا موافق .. متخافيش هبقى جمبك وهسندك دايماً ..
, مسحت عينيها بابتسامة باهتة وابتعدت عنه بخطوات سريعة عائدة إلى غرفتها .. يُتابعها هو بعينيه المتألّمة ، تنهّد بإرهاق وضغط شديد وهو يعلم أن الفترة القادمة ستكون خانقة عليه أكثر ..