ناقد بناء
معاون
طاقم الإدارة
معاون
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
- إنضم
- 17 ديسمبر 2021
- المشاركات
- 8,953
- مستوى التفاعل
- 2,923
- نقاط
- 18,556
- الجنس
- ذكر
- الدولة
- كندا
- توجه جنسي
- أنجذب للإناث
١
تقف أمام نافذتها وشعور الحماس يتغلغل بداخلها لما تنتظره ، بزوغ الفجر مع تلك البرودة يزيد من لهفتها ، تشعر بنبضات قلبها التي تتسارع بداخلها لإفتقادها إليهم ، فلقد طالت مدة الغياب ولم تراهم لأربعة عشر يوماً وثلاث ساعات وبضعة دقائق لأداء مناسك الحج التي تؤديها والدتها لأول مرة بعد أن أعتنقت الإسلام حديثاً ، لم يسبق لهم وأن تركوها بمفردها طيلة تلك المدة التي مرت عليها وكأنها أعوام وليست فقط عدة أيام ،
, _ استنشقت عبير الهواء البارد الذي تسلل عبر فتحات النافذة وارتطم بوجهها ، أبتسمت بسعادة وهي تصور بعض المشاهد الحميمية لهم عند عودتهم ،
, _ طالت فترة عودتهم وتأخر الوقت كثيراً عما اعتقدت ، سحبت هاتفها وضغطت علي زر الإتصال في قلق قد تملكها ، ارتخت ملامح وجهها بطمئنينة عندما أجابها بصوته العذب الذي يلمس قلبها ويبث فيه الأمان :-
, _ عنود حبيبتي
, _ سحبت نفساً عميق محاولة تهدئة روعها لكن لم تخلو نبرتها من القلق :-
, _ انتوا فين يا بابا قلقت عليكم ، المفروض توصلوا من نص ساعة
, _ أزفر أنفاسه في ضيق وهو يجوب بأنظاره علي الحافلة المُعطله ثم رد عليها بهدوء لكي لا يُشعِرها بالقلق عليهم :-
, _ إحنا واقفين في الطريق الأتوبيس اتعطل والسواق بيحاول يصلحه متقلقيش علينا
, _ تنهدت في ضيق ولعنت تلك الحافلة التي أخرت رؤيتها لهم ، فلقد فاق اشتياقها كل الحواجز ، لم تختبر فراقهم طيلة تلك المدة الماضية ، فهم ثُلاثي دائم التنقل سويا ولم يسبق وأن افترقا قط ، ولكن تلك المرة اختلفت فلولا اعتناق والدتها الإسلام وضرورة أداؤها لمناسك الحج لما وافقت علي الإبتعاد عنهم طيلة الفترة الماضية
, _ أجابت والدها برقة كما اعتادت في الحديث معه دوماً :-
, _ توصلوا بالسلامة يا حبيبي see you soon ( أراك قريباً )
, _ أغلقت الهاتف وأزفرت أنفاسها مستاءة ، فهي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك الوقت التي أمضته قيد انتظارهم ، ولجت داخل غرفتها حيث خزانتها الصغيرة التي تحتوي علي بعض الثياب الفضفاضة ذات الألوان المبهجة التي تناسب عُمرها الذي لم يتعدي التاسع عشر بعد ..!
, ( عنود سيف الدين فتاة رقيقة ، تمتلك بشرة حليبية وشعر غجري أسود داكن ، تمتلك عيون واسعة تختبئ بين أهدابها الكثيفة ، تتمييز بتورد وجنتيها وشفاها الدائمتين ، ذات عود ممتلئ بعض الشئ وممشوق رغم صِغر عُمرها ، أنهت هذا العام آخر صفوفها الثانوية ، تقطن في مدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا ، تعشق شيئان في الحياة وهم والداها ، لا تمتلك أشقاء لمرض والدتها بعد ولادتها مباشرة وخضعت لإستئصال رحِمِها ، كانت بمثابة الحياة ومافيها لوالديها والعكس صحيح ، والدها من أصل مصري الجنسية لكن والدتها أمريكية الجنسية حيث تَقابل كِلاهما في عملٍ واحد وقد أحبَ بعضهما البعض كثيراً ، وقد قابلا صعوبات عديدة من قِبل عائلته التي رفضت زيجته من تلك الفتاة المتحررة ذات الديانة المختلفة ، لم يصغي إليهم وأعلن زواجه منها بعد فترة قصيرة من رفض عائلته ولم يكترث لهم تحت مُسمي رفضهم لهراءات سخيفة ، حرص سيف الدين علي تعليم إبنته الوحيدة لأصول دينها الإسلامي ولم يقُابل اي هجوم من زوجته رغم أنها ذات ديانة مختلفة ، حيث كانت تعاونه في غرس المبادئ والقيم الصحيحة في نفس إبنتهما ، أيضاً كانت تختلس النظر إليهم من حين لآخر وهما يدرسان دينهم ، كانت تصغي له بإهتمام عندما يقُص على عنود بعض الأحاديث والقصص النبوية الشريفة ، وكأن قلبها يلين شيئاً فشئ و كانت دائمة الحرص على الحضور لتلك الندوة الأسبوعية التي قد شرعها زوجها ليحبب أبنته في دينها وغرس القيم فيها )
, _ كما تتصف بالذكاء الداهي الذي كان يخشاه والداها من سوء استغلال الآخرين لها ،
, _ وضعت آخر دبوس في حجابها الذي غطاها بالكامل ، ودلفت خارج المنزل ، أخرجت السيارة الخاصة بوالدها من چراج المنزل وتمتمت قبل أن تشرع بالقيادة :-
, _ بسم **** توكلت على **** ولا حول ولا قوه الا ب****
, _ دعست على محرك السيارة كما زادت من سرعتها لكي تصل أسرع إليهم ، أوقفت السيارة حينما رأت أمامها العديد والعديد من السيارات الواقفة بمنتصف الطريق ، أزفرت أنفاسها في ضيق فعلي ما يبدو أن القدر يلعب لعبته ويود أن يؤخرها عن رؤية والداها لطلاما انتظرت تلك اللحظة بفروغ الصبر ..
, _ تأففت بضجر ثم فتحت باب السيارة وترجلت منها ، اتجهت بخطوات سريعة للأمام لعلها تعلم حقيقة الأمر ، حاولت الإرتفاع بقدميها لكي يقع بصرها علي أي سبب جذري تحتم علي تلك السيارات الوقوف هكذا ، لكن لم تستطيع أن تري شيئا سوي السيارات الواقفة خلف بعضها ، نظرت للجانب ولمحت بعينيها أحدهم يجلس في سيارته ويتحدث بالهاتف ويبدو عليه الذعر :-
, _ What ? Fuck it up , I have an essential job and the road definitely won't open until morning؟
, ( ماذا ؟ سحقاً للأمر ، لدي عمل ضروري وبالتأكيد لن يُفتح الطريق حتي الصباح ؟ )
, _ شعرت بغصة في حلقها وكأنه يتحدث عن شئ يخص والداها ، لماذا أتي تفكيرها لتلك النقطة ، لم تشعر بقدميها التي هرولت مسرعة نحو ذاك الرجل لتتأكد من حدسها ،
, _ تنهدت في خوف وسألته متوترة :-
, _ Sorry, do you know what's going on?
, ( عُذراً ، هل تعلم ما يحدث )
, _ نظر إليها من أعلي لأسفل بتفحُص شديد ، بينما انكمشت ملامح عنود بضجر لنظراته التي أغضبتها ، حمحمت ثم أعادت سؤالها مرة أخرى
, _ أجاب بإقتضاب لتلك الفتاة التي لا يظهر من جسدها شئ :-
, _ Yes, I know, there was a bus accident due to a blown tire
, ( نعم اعلم ، هناك حادث انقلاب حافلة بسبب انفجار الاطارات و٣ نقطة)
, _ لم تدعه يُكمل جملته عندما عادت مسرعة الي سيارتها ، أغلقت الباب ونظرت أمامها وهي تتمني بداخلها أن تكون حافلة أخرى وليست تلك الحافلة التي يعود بها والداها ، لا لن تتحمل أكثر من ذلك ، لابد من التأكُد ، دعست على محرك السيارة لتديرها حيث سارت في طريق بمنتصف غابة ساكنة تماماً ، ورغم شجاعتها التي تعهدها إلا أنها لما كانت ستجازف بمرورها في ذلك الطريق الخالي من البشر لكن الأمر ليس بهين وليس وقت لخوفها الآن ..
, _ بعد عدة دقائق وصلت لأول الطريق ، اتسعت مقلتيها وهي تشاهد الأدخنة المتطايرة في الهواء أثر انقلاب الحافلة ، ترجلت خارج سيارتها وسارت بتمهل بالقرب من الحادث ، وكأن الكون بات خالي تماماً أمامها ، لم تصغي لنداءات الشرطة لها ، فقد تريد أن تتأكد أنها ليست الحافلة ذاتها ، تريد أن تطمئن قلبها برؤيتهم ، كادت أن تتخطي الحاجز الذي وُضع من قِبل الشرطة الأمريكية ، لكن يد أحدهم أجبرتها علي التوقف قبل أن تقترب أكثر من النيران ،
, _ صاح أحد الضباط بغضب :-
, _ Where are you going, no entry
, ( إلي أين أنتي ذاهبة ، ممنوع الدخول )
, _ نظرت إليه بعيناها التي ترقرقت بها الدموع وتهدد بنزولهم ،
, _ ابتلعت ريقها وسألته بتوجس :-
, _ My family , I just want to see my family
, ( عائلتي ، فقط أريد أن أري عائلتي )
, _ أجابها الضابط بنبرة صارمة :-
, _ Where are your family names
, (ما هي أسماء عائلتك ؟ )
, _ أجابته بنبرة متسرعة وقد انسدلت بعض القطرات على مقلتيها :-
, _ سيف الدين عراقي ، ونيكول باتريك
, _ هز رأسه بـ تفهم وأشار إليها بالوقوف مكانها قائلاً بنبرة رخيمة :-
, wait here for a while
, ( انتظري هنا قليلاً ..)
, _ وضعت إحدي يديها أعلي يسار صدرها ، تحاول طمئنة قلبها الذي بدي وكأنه يركض من فترة طويلة ، أخذت تزفر أنفاسها بتوجس وعيناها تتبعان ذلك الضابط الذي أمرها بالتوقف مكانها ..
, _ إزدادت نبضات قلبها عندما رأته يعود إليها بخطى ثابتة ، ازدادت أنفاسها وبدأ صدرها في الصعود والهبوط بتوجس شديد من أن يأكد لها ما تخشاه ،
, _ وقف أمامها ومد يده ببعض أوراق إثبات الشخصية قائلا بصوته الأجش :-
, See if your family is among them ? ( انظري ، هل عائلتك من بينهم ؟ )
, _ ظلت عينيها مُثبتة على يديه الممتدة لها ثم مدت يديها بتمهل وأخذت تنظر فيهم ، اتسعت ملقتيها بصدمة عندها رأت هوية والدتها ،
, _ سرت رجفة قوية في أوصالها ، مررت بصرها بين صورة والدتها وبين الضابط الواقف أمامها ، لم تبحث عن هوية والدها فقد ظهرت الرؤية ، هي تلك الحافلة العائدين بها ، ارتفع تدفق الادرينالين المندفع في شرايينها الي أن خارت قواها ووقعت على الأرض بإهمال فاقدة للوعي ..
, ٤٠ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ ابتعد عن زوجته يلتقط انفاسه ، وأستلقي بجسده بجانبها علي الفراش ،
, _ أخذ يزفر أنفاسه التي هربت منه في هذا الوضع الغير محبب إليه بالمرة ، لكنه يفعله فقط من أجل زوجته ، نظر إليها وهي تغلق أزرار تلك العباءة اللعينة التي لا تظهر أيا من جسدها لطولها وعرضها المبالغ ..
, _ نهضت من جانبه واقتربت من الباب عندما سمعت طرقات بخفة عليه ، حتماً تلك صغيرتها ذات الأربع أعوام ، ابتسمت لها بحب وجلست علي ركبتيها لتكون بنفس مستواها ، أعادت خصلات شعرها الشاردة خلف أذنها وأردفت بحنو :-
, _ جنجون حبيبي ، صباح الخير
, _ فركت الصغيرة عيناها وهي تتثائب بكسل وتحدثت بنبرة طفولية بريئة :-
, _ ماما جعانة ، آكليني
, _ قهقهت علي أسلوبها الطريف الطفولي ثم نهضت وامسكت بيدها وقالت بعاطفة :-
, _ يلا بينا نحضر الفطار لبابا وماما ولجني
, _ أماءت الصغيرة رأسها بالإيجاب وذهبت مع والدتها الي المطبخ ، حملتها بيدها ووضعتها علي الطاولة الرخامية وذهبت لإعداد وجبة الفطور لهم
, _ ولج هو داخل حمام غرفته حتي ينعم بحمام سريع قبل ذهابه لعمله ، مال برأسه علي الجانبين مطقطقاً فقرات عنقه ثم وقف أسفل المياه الساخنة الممزوجة ببعض البرودة مستمعتاً بالخليط الدافئ الذي ينعش جسده ، أوصد عيناه لبرهة وهو يتذكر كم من الأعباء التي وقعت علي عاتقه في الفترة الأخيرة ، فتح عيناه ليزفر أنفاسه وكأنه يحاول إخراج بعض الحمول من عليه مع خروج تلك الأنفاس ، أغلق صنبور المياه ودلف للخارج ،
, _ ارتدي تيشيرت رمادي علي بنطال فحمي قاتم ، مشط خصلات شعره الحريرية القصيرة بالفرشاه ووضع من عطره ثم دلف خارج الغرفة ،
, _ اقترب من المطبخ عندما سمع همهمات صغيرته ، وقف أمامها لتصيح هي بسعادة غامرة :-
, _ بابا حبيبي
, _ أبتسم بسعادة وضمها لصدره قائلا بصوته الحنون :-
, _ قلب وروح بابا
, _ ظل يداعبها ويدغدغها حتي تعالت ضحكات الصغيرة بمرح ، نظرت إليهم بأعين لامعة وقالت بغيرة زائفة :-
, _ **** **** وانا مليش نفس يعني في الاحضان دي ؟
, _ رمقها بحده قائلاً :-
, _ دينا لو خلصتي فطار ياريت نفطر عشان ورايا شغل كتير
, ( دينا امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عام ، تخرجت من جامعة التجارة ، بشرتها حنطية تمتلك جسد ممتلئ بعض الشئ ، خصلات شعرها قصيرة مجعدة ، تبلغ من الجمال مقدار متوسط ، طيبة إلي حد السذاجة ، روتينية بقدر مبالغ فيه )
, _ أومأت براسها ثم وضعت آخر صحن علي مائدة الطعام وجلست علي مقعدها الخاص ، بينما ترأس هو المائدة وجلست أبنته بجوار والدتها حتي يسهل عليها إطعامها ..
, _ تناولا سوياً في صمت حل لفترة ، حتي قطعه نهوضه من علي المقعد لينظر إليها منبهاً :-
, _ انزلي شوفي أبويا فطر ولا لأ
, _ أغمضت عينيها بعدم رضاء لما قاله وأردفت بتهكم :-
, _ مش عارفة أنا لزمته ايه إني أنزل أصحي الناس من نومهم طلاما في حد قاعد معاه ؟!
, _ رمقها بنظراته الحادة واندفع بها :-
, _ هما اللي قاعدين مع أبويا دول بني ادمين ، لو الهانم بتآكله زي ما هي بتزن في ودان جوزها مكنتش قولتلك انزلي
, _ شعرت بالخجل واقتربت منه محاولة توضيح نواياها :-
, _ ريان أنا آسفة مش قصدي بس انت لو بتشوف هي بتفتح ليا الباب ازاي ولا الكلام اللي بتلقح بيه طول ما انا تحت هتعذرني
, ( ريان ماهر العراقي ، يبلغ من العمر أربعة وثلاثون عام ، الابن المتوسط لأبويه ، يتميز بالذكاء والخبرة ، يُعرف بالمعلم لأنه صاحب مملكة الريان وهي تحتوي علي شركة إستيراد وتصدير ، ومصنع الريان لتوريد الأخشاب بداخل مصر وبعض معارض الأثاث التي تقطن فروعه في جميع مدن مصر ، كما يمتلك ورش صغيرة للعاملين وغيرهم الكثير ، قامته طويلة للغاية كما يمتلك جسد رفيع لكنه يتماشي مع طول قامته ، لم يُكمل تعليمه وأكتفي بالثانوية لأسباب سنتعرف عليها لاحقاً .. )
, _ اشتعلت النيران بداخله وتشنجت عروق عنقه من شدة غضبه وصاح بصوته الجهوري :-
, _ مش كفاية أنها قاعدة في بيته وكمان مش عاجبها الهانم ، مهو الغلط مش عليها الغلط علي أخويا اللي مطاطي راسه ليها ومش عارف يلمها
, _ أسرعت دينا بوضع كفها علي فمه لتجبره علي الصمت وقالت متوسلة :-
, _ خلاص خلاص انا غلطانة إني اتكلمت معاك في حاجة ، ريان لو سمحت مش عايزاك تقول اي حاجة لأن هيتعرف إني أنا اللي اتكلمت وانا مش عايزة مشاكل
, _ دفع ريان يدها بعيداً عنه ودلف للخارج بعد أن أغلق الباب خلفه بعنف وبداخله بركان حتماً سـ يثور في أول شخص يظهر أمامه ،
, _ هبط الادراج سريعا وتوقف في الطابق الذي يقطن به والده ، ود لو يهشم ذلك الباب اللعين من شدة غضبه ، زفر أنفاسه في ضيق وهبط سريعاً قبل أن يقلب تلك البناية رأسا على عقِب ،
, _ وقف أمام حارس العمارة وصاح مندفعاً :-
, _ يا بني آدم انت مش قولتلك الاسانسير ده يتصلح في خلال ٢٤ ساعة بقاله اكتر من يومين عطلان ليه ، كلامي مش بيتسمع ليه عايز أفهم ؟
, _ أبتعد ريان عن الحارس وبحث بعيناه الثاقبتان التي ينبعث منهم الشر وما إن رأي عصي حتي أسرع نحوها ، جذبها بعصبية وتوجه نحو المصعد الكهربي وهو يصيح عالياً :-
, _ أنا هعرفك بعد كده كلامي يتسمع ازاي
, _ وما إن انهي جُملته حتي انهال علي المصعد بكل ما أوتي من قوة ، أفرغ شحنه غضبه علي تلك الجدران الجامدة التي باتت كقطعة خردة ..
, _ ألقي بعصاه أرضاً واقترب من الحارس وصاح هادراً :-
, _ قدامك ساعتين لو متصلحش اعتبر نفسك مرفود
, _ غادر من أمامه وتوجه نحو سيارته الفخمة ، سحب أحد مفاتيحه وفتح بابها ، استقل أمام الطارة وأخذ يزفر أنفاسه محاولاً كبح غضبه الذي مازال يتآكل بداخله وود لو حطم المنزل بمن فيه حتي يتخلص من جميع الأعباء التي تطبق علي صدره ..
, _ حرك سيارته وتوجه بها الي أحد معارضه للاثاث بالقرب من المنطقة الشعبية القاطن بها ..
, ٤٠ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ استيقظ من نومه بكسل ، تفقد زوجته بجانبه ولكنها لم تكن موجودة ، مط ذراعيه في الهواء شاعراً بتلك البرودة تعصف بخلاياه ، نهض من علي الفراش ودلف خارج الغرفة ، اتسعت حدقتيه بذهول مما يراه أمامه ،
, _ لابد وأنه يحلم ، حتماً يحلم ! أسرع نحوها وغرز اظافره في ذراعها بكل قسوة ليجبرها علي السير خلفه ، ولج داخل غرفته ودفعها أمامه بعنف
, _ صاح بها بنبرة مشتعلة :-
, _ تقدري تفهميني ايه اللي انتي لابساه وواقفة بيه برا ده ؟
, _ مررت بصرها علي جسدها بتفحص ثم هزت رأسها وهي لم تعي شئ مما قاله وأجابته بجمود :-
, _ لابسة قميص
, _ كز علي أسنانه بغضب شديد وأمسك بذراعها وسار نحو المرآة ، أوقفها أمامها ووقف خلفها وصاح بها بنبرة مغتاظة :-
, _ قميص نوم ظاهر جسمك كله ازاي تقفي بيه في نص البيت
, _ سحبت جسدها من بين يديه ونظرت إليه بجمود :-
, _ أل يعني أبوك بيشوف عشان تفرق أنا واقفة بإيه ؟
, _ اشتعل غضبا مما تفوهت به لصيح فيها :-
, _ اتكلمي عدل عن أبويا ، وبعدين نسيتي يحيي ولا ايه ؟
, _ تأففت بضيق وهي تنظر إليه بجرأة وهتفت متذمرة :-
, _ يحيي مش موجود عشان كده خرجت عادي
, _ اقتربت منه والغضب مرسوم علي تقاسيمها :-
, _ وبعدين لو انت غيران عليا اوي كده روح كلم أخوك علي الشقة اللي في اخر دور وانا أقعد فيها براحتي ومحدش يقولي انتي لابسة كده ليه ، ولا مش قادر تتشطر غير عليا أنا وبس يا.. يا هاني بيه
, ( هاني ماهر العراقي ، الإبن البكري والاخ الأكبر لريان ، يبلغ من العمر ثمانية وثلاثون عام ، ذو شخصية ضعيفة وخاصة أمام زوجته ، لا يستطيع رفض لها أي متطلبات سواء كانت تصح أو لا تصح )
, _ أردفتها بسخرية بينما غرز أظافره في ذراعها فأطقلت آنة موجوعة :-
, _ آه سيب ايدي انت بتوجعني
, _ لم يعبأ لها واقترب من أذنها وهمس أمامها بتهديد :-
, _ موضوع الشقة ده تنسيه خالص ومش هكرره تاني يا رنا وصدقيني لو ما اتظبطتي معايا ولا مع أبويا ها٣ نقطة
, ( رنا ياسر الدمنهوري ، أتمت عقدها السادس والعشرون من عمرها ، من عائلة فقيرة منعدمة ، ذات شخصية قوية واستغلالية ، أنهت الشهادة الإعدادية ولم تُكمل لشدة حاجتهم ، تمتلك عود ممشوق للغاية ، بشرتها حليبية وشعرها يصل الي أعلي ركبتيها بقليل ، يميل الي الذهبي الكاتم )
, _ صمت وهو لا يعلم بأي تهديد يحذرها ، فهو ضعيف الشخصية أمامها ولا يوجد لديه القدرة في أن يعارضها في شئ ، ماذا عن التهديد بالتأكيد سيفشل في ذلك أيضاً ، نظرت إليه واطلقت ضحكاتها عالياً ثم وضعت يديها علي صدره مستهزئة من ضعف شخصيته :-
, _ ما تكمل يا بيبي وتقولي ها ايه ؟
, _ نظرت إليه بتشفي وهو لا يستطيع النطق بشئ واحد ، اقتربت منه بشكل مبالغ وتعلقت بعنقه ، تنفست بحرارة بجانب أذنه وهي تعي جيداً ما تفعل به ، أبتسمت بإنتصار عندما شعرت بيه يتأثر بها كما توقعت تماماً ..
, _ همست له بصوتها الناعم :-
, _ لو مكلمتش ريان علي الشقة هكلمه أنا
, _ ابتعدت عنه ورفعت حاجبيها مواصلة حديثها المسترسل :-
, _ صدقني أنا مش هستحمل كتير وهسيبلك البيت وأمشي لو كلامي متنفذش
, _ قطع حديثهما قرع الباب ، تأففت بضيق وهي تنظر للاعلي محدثة نفسها متذمرة :-
, _ مش هنخلص بقا من البومة اللي بتنزل كل يوم دي ، أوف
, _ سحبت روبها الحريري وأرتدته سريعاً وهي تتعمد أن تقابلها بمثل هذا المظهر حتي تثبت لها انها تتحلي بالجمال عنها ، فمن تلك حتي تخطف منها حب عمرها وتغفل وتستيقظ معه علي الوسادة ذاتها ،
, _ شعرت بوخزة في صدرها عندما تخيلتهم معاً ، ليست أحلي منها لكي يختار تلك البدينة ويترك الفاتنة ، لابد وأن بصره ضعيف للغاية ..
, _ ابتسمت دينا لرنا بينما أجبرت رنا شفاها علي الابتسام بتهكم
, _ رددت رنا ساخرة :-
, _ إحنا نطلع لك مفتاح أحسن ما كل شوية اقوم افتح لك يا دودو
, _ شعرت دينا بالخجل الشديد فتوردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة ،
, _ قهقهت رنا عالياً ووصلت ساخرة :-
, _ ايه ده أنتي بتتكسفي ، ادخلي ادخلي
, _ ظلت تقهقه ولم تعبأ لنظرات زوجها التي تحثها علي التوقف ،
, _ اقترب هاني من دينا وابتسم بحرج :-
, _ صباح الخير
, _ أجابته دينا بنبرة مقتضبة :-
, _ صباح النور
, _ جلس هاني القرفصاء ليداعب تلك الصغيرة التي يحبها كثيراً :-
, _ جنجون وحشتيني
, _ مدت يدها لتصافحه في براءة قائلة :-
, _ وانت كمان وحثتني يا عمو ، فين الثكولاتة تاعتي
, _ ضحك هاني علي طريقة نُطقها وأردف :-
, _ وانا اللي فكرك بتسلمي عليا ، آه يا بكاشة
, _ اخرج من جيب بنطاله حلوي لتصيح هي في سعادة :-
, _ هيييي عمو جابلي ثكولاتة
, _ عانقها بقوة بعد أن ضمها إليه وهو يشم عبيرها لطلاما أحبها للغاية ، تلك الرائحة البريئة خاصتها تزيد من لهفته في الانجاب ليأتي بمثلها ،
, _ أبتعد عنها وهتف بحزن زائف :-
, _ معلش بقا يا جنجون مضطر أمشي عشان ورايا شغل
, _لم تكترث له فمعها حلواها ولا تريد اي تدخلات تمنعها من الاستمتاع بها ، ضحك كلا من دينا وهاني علي حالتها ثم استأذن هاني للمغادرة ، لكنه توقف علي صوت دينا :-
, _ أنا محضرة فطار لبابا تحب تفطر معاه
, _ تذكر أنه لم يتناول طعام منذ وجبة الغداء من الأمس ، كاد أن يعود بأدراجه ليتناول سريعاً لكن رنا أوقفته بكلماتها اللاذعة :-
, _ هاني مش بيفطر اهتمي بعمي ماهر
, _ شعرت دينا بالخجل ولعنت نفسها أنها تدخلت من الأساس فهي علي علم بتجاهل رنا لحقوق زوجها عليها ، كما تعلم أنه لا يتناول طعامه سوي وجبة الغداء التي تشرع هي في تحضيرها
, _ انصرف هاني بينما اقتربت دينا من ماهر وجلست بجانبه مُشكلة ابتسامة علي ثغرها :-
, _ صباح الخير يا بابا اخبار صحتك ايه النهاردة ؟
, _ أجابها بنبرة راضية :-
, _ صباح النور يا بنتي الحمد لله علي كل حال
, _ تنهدت دينا ثم بدأت في إعداد شطائر لذاك الرجل العجوز ، وضعت في يده إحدي الشطائر التي تعلم جيداً مدي حبه لها ،
, _ ابتسم ماهر بسعادة عندما تذوق تلك العجة التي يحبها كثيرا وقال ممتناً :-
, _ تسلميلي يا بنتي **** يجبر بخاطرك
, _ بادلته دينا أطراف الحديث بإقتضاب وهي تحاول جاهدة أن تتجاهل تلك التي تستعرض نفسها أمامها
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ استيقظت شاعرة بتدفق الدماء الغزيرة في رأسها مسبباً صداع شديد يكاد يفتك برأسها من شدته ،
, _ حاولت النهوض ولكنها تفاجئت بيديها مربطتين بأغلال ، سحبت يديها بقوة محاولة التملص من تلك الاغلال لكن بائت محاولاتها بالفشل ، صرخت بكل ما أوتيت من قوة ، حيث ركضت الممرضة أثر صراخها داخل غرفتها برفقة طبيب
, _ اقتربت منها الممرضة بحرس وقالت محاولة تهدئتها :-
, Calm down, try to relax, screaming won't do you any good
, ( أهدئي ، حاولي الاسترخاء الصراخ لن يفيدك بشئ )
, _ شعرت عنود بإنحشار أنفاسها لعدم تقبلها هذا الوضع ، ولأول مرة كادت أن تتلفظ بألفاظ بذيئة وتقذفهم بها لكنها امتنعت ما إن تفهمت لما هي بهذا الوضع ، أزفرت أنفاسها وحاولت أن تسترخي حتي لا تثير الشك حولها وأردفت بنبرة هادئة :-
, I'm better now I want to see my family believe me I'm in full force I just want to see and embrace them no more
, ( أنا أفضل الأن ، أريد أن أري عائلتي ، صدقوني أنا بكامل قوايا العقيلة لست أتصنع ، فقط اريد رؤيتهم واحتضانهم لا أكثر .. )
, _ أزفرت أنفاسها براحة عندما فكوا تلك الأغلال عنها ، أدركت نواياهم عندما رأت يديها بين قبضتي الاغلال بالتأكيد علموا بوفاة والديها وظن كلا منهما انها ستواجه إنهيار داخلي عند استيقاظها ،
, _ لا يعلموا مدي قوتها وإيمانها ب**** ، سارت بجوار الممرضة التي آخذتها إلي غرفة التبريد الخاصة بالموتي ، شعرت برجفة سرت في جسدها منذ ولوجها لتلك الغرفة ، لا تدري سببها ، هل من شدة البرودة أم توجست خيفة من رؤيتها لوالديها في حالة يرثي لها ..
, _ ترقرقت الدموع من عينيها حزناً علي وضعهم علي تلك الحالة المزرية ، تعلم أن نصيبهم من الموت قد حان لكنها لم تتمني يوماً أن يذهبوا بتلك الصورة القاسية ، لقد تحطمت أعضاء جسدهم بل وهشمت رؤسهم تكاد ملامحهم تظهر أمام عينيها بصعوبة بالغة ، لكن شعورها بالدفئ والأمان التي لطالما شعرت به بجانبهم مسيطر عليها في هذا الوقت ، وذلك كفيل لإثبات هوياتهم
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, عادت إلي منزلها بمعاونة ضابط الشرطة الذي ودعها بآسي بعد أن أنهت مراسم دفن والديها ، ولجت داخل المنزل ، أشعلت الضوء التي لم تشعر به وكأنها لم تضغط علي زر التشغيل ، كأنما كانت تمكث بنورهم ، جرت قدميها بثقل وهي تتفحص المنزل كأنه مختلف تلك المرة ، أين ابتسامة والدتها التي تستقبلها بها ، أين الدفئ التي تشعر به في عناق والدها ، أين الهمهمات الجانبية التي كانت تصغي لها من حين لآخر ، أين الضحكات التي تروي قلبها فرحاً ، وضعت يدها أعلي يسار صدرها وهي تتحسس نبضات قلبها التي شعرت لوهلة بتوقفهم ، تشوشت رؤيتها بسبب تجمع تلك الدموع اللعينة التي تمنعها من رؤية تفاصيل المنزل بوضوح
, _ ولجت بداخل المرحاض وفتحت صنبور المياه الساخنة ولم تنتظر حرارتها المطلوبة وتوضأت بالمياه الباردة التي لم تتحملها يوما ، ماذا حدث الآن ؟ هل فقدت حاستها أم ماذا ؟
, _ دلفت خارج المرحاض وارتدت عباءة فضفاضة ثم شرعت في الصلاة ، ركعت وسجدت ودموعها تنهمر بغزارة ولا تتوقف ، لم تدري كم ركعة أدت ولكنها تعلم أنها لا تريد التوقف قط ، تريد أن تبكي بين يدي **** ربما تهدئ قليلاً ،
, _ بعد مدة طويلة جلست ونظرت للأعلي متحدثة مع ربها :-
, _سامحني يارب لو كنت اتهزيت أنا عارفة اني المفروض أصبر واحتسب عند الصدمة الأولي ، أنا مش معترضة أنا بس متفاجئة ، خايفة مش عارفة هعمل ايه من غيرهم ، عارفة انك معايا علي طول وده اللي مطمني أنا.. أنا..
, _ توقفت عن الحديث بسبب شهقاتها التي ارتفعت ، حاولت السيطرة على بكائها ثم واصلت حديثها :-
, _ أنا مش عارفة أعمل ايه ، دلني يارب علي الطريق اللي همشي فيه ، عشان انا لوحدي هتوه ومش هعرف أمشي
, _ نهضت واستلقت علي الفراش بإهمال ، تكورت على نفسها حتي كادت أن تختفي وهي تحاول جاهدة أن تدخل في نفسها حاضنة ركبتيها وسمحت لدموعها في النزول حتي باتت في سٌبات عميق من شدة الإرهاق ..
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ وقف ريان في غرفة مكتبه الفخم ذو اللون البني القاتم ، يتوسط الغرفة مكتبه الضخم وأمامه أريكتان من الجلد الأسود ، وخلفه خزانة كبيرة ممتلئة ببعض الكتب والرسومات التي يعتز بهم ، وبجانب تلك الخزانة طاولة رخامية متوسطة يعتليها جهاز كهربائي لصنع القهوة ، وكذلك غلاية كهربائية لصنع الشاي مع بعض الاكواب ، وأمامها مقعدين للجلوس عليهم
, _ كما يوجد صالون من الخشب الزان بجانب باب الخروج ، وقف ريان يرتشف قهوته وهو يحاول جاهداً أن ينسي ما قالته دينا عن تلك الرنا المغرورة
, _ كز علي أسنانه بغضب عندما تذكر محاولاتها معه ، لا يدري أهو يبالغ أم أنها تحاول إغرائه كما يشعر ، قطع شروده دخول شقيقه الأكبر هاني وهو يبتسم :-
, _ ريان ، كنت عايزك في موضوع
, _ ارتشف آخر ماتبقي في فنجان القهوة ثم وضعه علي الطاولة الرخامية وتوجه نحو مكتبه ، جلس علي المقعد ونظر إلي هاني وهو يعلم بأنه سيطالبه بشئ كما اعتاد دوماً
, _ تنهد وأشار له بالجلوس وردد بتهكم :-
, _اقعد الأول انت واقف ليه ؟
, _ جلس هاني وهو يفرك مؤخرة رأسه بتوتر ، لا يدري من أين له أن يبدأ وبأي حق يطالب أخيه بشقته ، لكنه تذكر تهديد رنا له وشعر بخوف شديد ، لا يتحمل بُعدها عنه وعليه أن يفعل ما بوسعه فقط لكي يرضي غرورها ولا تمتنع عنه
تقف أمام نافذتها وشعور الحماس يتغلغل بداخلها لما تنتظره ، بزوغ الفجر مع تلك البرودة يزيد من لهفتها ، تشعر بنبضات قلبها التي تتسارع بداخلها لإفتقادها إليهم ، فلقد طالت مدة الغياب ولم تراهم لأربعة عشر يوماً وثلاث ساعات وبضعة دقائق لأداء مناسك الحج التي تؤديها والدتها لأول مرة بعد أن أعتنقت الإسلام حديثاً ، لم يسبق لهم وأن تركوها بمفردها طيلة تلك المدة التي مرت عليها وكأنها أعوام وليست فقط عدة أيام ،
, _ استنشقت عبير الهواء البارد الذي تسلل عبر فتحات النافذة وارتطم بوجهها ، أبتسمت بسعادة وهي تصور بعض المشاهد الحميمية لهم عند عودتهم ،
, _ طالت فترة عودتهم وتأخر الوقت كثيراً عما اعتقدت ، سحبت هاتفها وضغطت علي زر الإتصال في قلق قد تملكها ، ارتخت ملامح وجهها بطمئنينة عندما أجابها بصوته العذب الذي يلمس قلبها ويبث فيه الأمان :-
, _ عنود حبيبتي
, _ سحبت نفساً عميق محاولة تهدئة روعها لكن لم تخلو نبرتها من القلق :-
, _ انتوا فين يا بابا قلقت عليكم ، المفروض توصلوا من نص ساعة
, _ أزفر أنفاسه في ضيق وهو يجوب بأنظاره علي الحافلة المُعطله ثم رد عليها بهدوء لكي لا يُشعِرها بالقلق عليهم :-
, _ إحنا واقفين في الطريق الأتوبيس اتعطل والسواق بيحاول يصلحه متقلقيش علينا
, _ تنهدت في ضيق ولعنت تلك الحافلة التي أخرت رؤيتها لهم ، فلقد فاق اشتياقها كل الحواجز ، لم تختبر فراقهم طيلة تلك المدة الماضية ، فهم ثُلاثي دائم التنقل سويا ولم يسبق وأن افترقا قط ، ولكن تلك المرة اختلفت فلولا اعتناق والدتها الإسلام وضرورة أداؤها لمناسك الحج لما وافقت علي الإبتعاد عنهم طيلة الفترة الماضية
, _ أجابت والدها برقة كما اعتادت في الحديث معه دوماً :-
, _ توصلوا بالسلامة يا حبيبي see you soon ( أراك قريباً )
, _ أغلقت الهاتف وأزفرت أنفاسها مستاءة ، فهي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك الوقت التي أمضته قيد انتظارهم ، ولجت داخل غرفتها حيث خزانتها الصغيرة التي تحتوي علي بعض الثياب الفضفاضة ذات الألوان المبهجة التي تناسب عُمرها الذي لم يتعدي التاسع عشر بعد ..!
, ( عنود سيف الدين فتاة رقيقة ، تمتلك بشرة حليبية وشعر غجري أسود داكن ، تمتلك عيون واسعة تختبئ بين أهدابها الكثيفة ، تتمييز بتورد وجنتيها وشفاها الدائمتين ، ذات عود ممتلئ بعض الشئ وممشوق رغم صِغر عُمرها ، أنهت هذا العام آخر صفوفها الثانوية ، تقطن في مدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا ، تعشق شيئان في الحياة وهم والداها ، لا تمتلك أشقاء لمرض والدتها بعد ولادتها مباشرة وخضعت لإستئصال رحِمِها ، كانت بمثابة الحياة ومافيها لوالديها والعكس صحيح ، والدها من أصل مصري الجنسية لكن والدتها أمريكية الجنسية حيث تَقابل كِلاهما في عملٍ واحد وقد أحبَ بعضهما البعض كثيراً ، وقد قابلا صعوبات عديدة من قِبل عائلته التي رفضت زيجته من تلك الفتاة المتحررة ذات الديانة المختلفة ، لم يصغي إليهم وأعلن زواجه منها بعد فترة قصيرة من رفض عائلته ولم يكترث لهم تحت مُسمي رفضهم لهراءات سخيفة ، حرص سيف الدين علي تعليم إبنته الوحيدة لأصول دينها الإسلامي ولم يقُابل اي هجوم من زوجته رغم أنها ذات ديانة مختلفة ، حيث كانت تعاونه في غرس المبادئ والقيم الصحيحة في نفس إبنتهما ، أيضاً كانت تختلس النظر إليهم من حين لآخر وهما يدرسان دينهم ، كانت تصغي له بإهتمام عندما يقُص على عنود بعض الأحاديث والقصص النبوية الشريفة ، وكأن قلبها يلين شيئاً فشئ و كانت دائمة الحرص على الحضور لتلك الندوة الأسبوعية التي قد شرعها زوجها ليحبب أبنته في دينها وغرس القيم فيها )
, _ كما تتصف بالذكاء الداهي الذي كان يخشاه والداها من سوء استغلال الآخرين لها ،
, _ وضعت آخر دبوس في حجابها الذي غطاها بالكامل ، ودلفت خارج المنزل ، أخرجت السيارة الخاصة بوالدها من چراج المنزل وتمتمت قبل أن تشرع بالقيادة :-
, _ بسم **** توكلت على **** ولا حول ولا قوه الا ب****
, _ دعست على محرك السيارة كما زادت من سرعتها لكي تصل أسرع إليهم ، أوقفت السيارة حينما رأت أمامها العديد والعديد من السيارات الواقفة بمنتصف الطريق ، أزفرت أنفاسها في ضيق فعلي ما يبدو أن القدر يلعب لعبته ويود أن يؤخرها عن رؤية والداها لطلاما انتظرت تلك اللحظة بفروغ الصبر ..
, _ تأففت بضجر ثم فتحت باب السيارة وترجلت منها ، اتجهت بخطوات سريعة للأمام لعلها تعلم حقيقة الأمر ، حاولت الإرتفاع بقدميها لكي يقع بصرها علي أي سبب جذري تحتم علي تلك السيارات الوقوف هكذا ، لكن لم تستطيع أن تري شيئا سوي السيارات الواقفة خلف بعضها ، نظرت للجانب ولمحت بعينيها أحدهم يجلس في سيارته ويتحدث بالهاتف ويبدو عليه الذعر :-
, _ What ? Fuck it up , I have an essential job and the road definitely won't open until morning؟
, ( ماذا ؟ سحقاً للأمر ، لدي عمل ضروري وبالتأكيد لن يُفتح الطريق حتي الصباح ؟ )
, _ شعرت بغصة في حلقها وكأنه يتحدث عن شئ يخص والداها ، لماذا أتي تفكيرها لتلك النقطة ، لم تشعر بقدميها التي هرولت مسرعة نحو ذاك الرجل لتتأكد من حدسها ،
, _ تنهدت في خوف وسألته متوترة :-
, _ Sorry, do you know what's going on?
, ( عُذراً ، هل تعلم ما يحدث )
, _ نظر إليها من أعلي لأسفل بتفحُص شديد ، بينما انكمشت ملامح عنود بضجر لنظراته التي أغضبتها ، حمحمت ثم أعادت سؤالها مرة أخرى
, _ أجاب بإقتضاب لتلك الفتاة التي لا يظهر من جسدها شئ :-
, _ Yes, I know, there was a bus accident due to a blown tire
, ( نعم اعلم ، هناك حادث انقلاب حافلة بسبب انفجار الاطارات و٣ نقطة)
, _ لم تدعه يُكمل جملته عندما عادت مسرعة الي سيارتها ، أغلقت الباب ونظرت أمامها وهي تتمني بداخلها أن تكون حافلة أخرى وليست تلك الحافلة التي يعود بها والداها ، لا لن تتحمل أكثر من ذلك ، لابد من التأكُد ، دعست على محرك السيارة لتديرها حيث سارت في طريق بمنتصف غابة ساكنة تماماً ، ورغم شجاعتها التي تعهدها إلا أنها لما كانت ستجازف بمرورها في ذلك الطريق الخالي من البشر لكن الأمر ليس بهين وليس وقت لخوفها الآن ..
, _ بعد عدة دقائق وصلت لأول الطريق ، اتسعت مقلتيها وهي تشاهد الأدخنة المتطايرة في الهواء أثر انقلاب الحافلة ، ترجلت خارج سيارتها وسارت بتمهل بالقرب من الحادث ، وكأن الكون بات خالي تماماً أمامها ، لم تصغي لنداءات الشرطة لها ، فقد تريد أن تتأكد أنها ليست الحافلة ذاتها ، تريد أن تطمئن قلبها برؤيتهم ، كادت أن تتخطي الحاجز الذي وُضع من قِبل الشرطة الأمريكية ، لكن يد أحدهم أجبرتها علي التوقف قبل أن تقترب أكثر من النيران ،
, _ صاح أحد الضباط بغضب :-
, _ Where are you going, no entry
, ( إلي أين أنتي ذاهبة ، ممنوع الدخول )
, _ نظرت إليه بعيناها التي ترقرقت بها الدموع وتهدد بنزولهم ،
, _ ابتلعت ريقها وسألته بتوجس :-
, _ My family , I just want to see my family
, ( عائلتي ، فقط أريد أن أري عائلتي )
, _ أجابها الضابط بنبرة صارمة :-
, _ Where are your family names
, (ما هي أسماء عائلتك ؟ )
, _ أجابته بنبرة متسرعة وقد انسدلت بعض القطرات على مقلتيها :-
, _ سيف الدين عراقي ، ونيكول باتريك
, _ هز رأسه بـ تفهم وأشار إليها بالوقوف مكانها قائلاً بنبرة رخيمة :-
, wait here for a while
, ( انتظري هنا قليلاً ..)
, _ وضعت إحدي يديها أعلي يسار صدرها ، تحاول طمئنة قلبها الذي بدي وكأنه يركض من فترة طويلة ، أخذت تزفر أنفاسها بتوجس وعيناها تتبعان ذلك الضابط الذي أمرها بالتوقف مكانها ..
, _ إزدادت نبضات قلبها عندما رأته يعود إليها بخطى ثابتة ، ازدادت أنفاسها وبدأ صدرها في الصعود والهبوط بتوجس شديد من أن يأكد لها ما تخشاه ،
, _ وقف أمامها ومد يده ببعض أوراق إثبات الشخصية قائلا بصوته الأجش :-
, See if your family is among them ? ( انظري ، هل عائلتك من بينهم ؟ )
, _ ظلت عينيها مُثبتة على يديه الممتدة لها ثم مدت يديها بتمهل وأخذت تنظر فيهم ، اتسعت ملقتيها بصدمة عندها رأت هوية والدتها ،
, _ سرت رجفة قوية في أوصالها ، مررت بصرها بين صورة والدتها وبين الضابط الواقف أمامها ، لم تبحث عن هوية والدها فقد ظهرت الرؤية ، هي تلك الحافلة العائدين بها ، ارتفع تدفق الادرينالين المندفع في شرايينها الي أن خارت قواها ووقعت على الأرض بإهمال فاقدة للوعي ..
, ٤٠ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ ابتعد عن زوجته يلتقط انفاسه ، وأستلقي بجسده بجانبها علي الفراش ،
, _ أخذ يزفر أنفاسه التي هربت منه في هذا الوضع الغير محبب إليه بالمرة ، لكنه يفعله فقط من أجل زوجته ، نظر إليها وهي تغلق أزرار تلك العباءة اللعينة التي لا تظهر أيا من جسدها لطولها وعرضها المبالغ ..
, _ نهضت من جانبه واقتربت من الباب عندما سمعت طرقات بخفة عليه ، حتماً تلك صغيرتها ذات الأربع أعوام ، ابتسمت لها بحب وجلست علي ركبتيها لتكون بنفس مستواها ، أعادت خصلات شعرها الشاردة خلف أذنها وأردفت بحنو :-
, _ جنجون حبيبي ، صباح الخير
, _ فركت الصغيرة عيناها وهي تتثائب بكسل وتحدثت بنبرة طفولية بريئة :-
, _ ماما جعانة ، آكليني
, _ قهقهت علي أسلوبها الطريف الطفولي ثم نهضت وامسكت بيدها وقالت بعاطفة :-
, _ يلا بينا نحضر الفطار لبابا وماما ولجني
, _ أماءت الصغيرة رأسها بالإيجاب وذهبت مع والدتها الي المطبخ ، حملتها بيدها ووضعتها علي الطاولة الرخامية وذهبت لإعداد وجبة الفطور لهم
, _ ولج هو داخل حمام غرفته حتي ينعم بحمام سريع قبل ذهابه لعمله ، مال برأسه علي الجانبين مطقطقاً فقرات عنقه ثم وقف أسفل المياه الساخنة الممزوجة ببعض البرودة مستمعتاً بالخليط الدافئ الذي ينعش جسده ، أوصد عيناه لبرهة وهو يتذكر كم من الأعباء التي وقعت علي عاتقه في الفترة الأخيرة ، فتح عيناه ليزفر أنفاسه وكأنه يحاول إخراج بعض الحمول من عليه مع خروج تلك الأنفاس ، أغلق صنبور المياه ودلف للخارج ،
, _ ارتدي تيشيرت رمادي علي بنطال فحمي قاتم ، مشط خصلات شعره الحريرية القصيرة بالفرشاه ووضع من عطره ثم دلف خارج الغرفة ،
, _ اقترب من المطبخ عندما سمع همهمات صغيرته ، وقف أمامها لتصيح هي بسعادة غامرة :-
, _ بابا حبيبي
, _ أبتسم بسعادة وضمها لصدره قائلا بصوته الحنون :-
, _ قلب وروح بابا
, _ ظل يداعبها ويدغدغها حتي تعالت ضحكات الصغيرة بمرح ، نظرت إليهم بأعين لامعة وقالت بغيرة زائفة :-
, _ **** **** وانا مليش نفس يعني في الاحضان دي ؟
, _ رمقها بحده قائلاً :-
, _ دينا لو خلصتي فطار ياريت نفطر عشان ورايا شغل كتير
, ( دينا امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عام ، تخرجت من جامعة التجارة ، بشرتها حنطية تمتلك جسد ممتلئ بعض الشئ ، خصلات شعرها قصيرة مجعدة ، تبلغ من الجمال مقدار متوسط ، طيبة إلي حد السذاجة ، روتينية بقدر مبالغ فيه )
, _ أومأت براسها ثم وضعت آخر صحن علي مائدة الطعام وجلست علي مقعدها الخاص ، بينما ترأس هو المائدة وجلست أبنته بجوار والدتها حتي يسهل عليها إطعامها ..
, _ تناولا سوياً في صمت حل لفترة ، حتي قطعه نهوضه من علي المقعد لينظر إليها منبهاً :-
, _ انزلي شوفي أبويا فطر ولا لأ
, _ أغمضت عينيها بعدم رضاء لما قاله وأردفت بتهكم :-
, _ مش عارفة أنا لزمته ايه إني أنزل أصحي الناس من نومهم طلاما في حد قاعد معاه ؟!
, _ رمقها بنظراته الحادة واندفع بها :-
, _ هما اللي قاعدين مع أبويا دول بني ادمين ، لو الهانم بتآكله زي ما هي بتزن في ودان جوزها مكنتش قولتلك انزلي
, _ شعرت بالخجل واقتربت منه محاولة توضيح نواياها :-
, _ ريان أنا آسفة مش قصدي بس انت لو بتشوف هي بتفتح ليا الباب ازاي ولا الكلام اللي بتلقح بيه طول ما انا تحت هتعذرني
, ( ريان ماهر العراقي ، يبلغ من العمر أربعة وثلاثون عام ، الابن المتوسط لأبويه ، يتميز بالذكاء والخبرة ، يُعرف بالمعلم لأنه صاحب مملكة الريان وهي تحتوي علي شركة إستيراد وتصدير ، ومصنع الريان لتوريد الأخشاب بداخل مصر وبعض معارض الأثاث التي تقطن فروعه في جميع مدن مصر ، كما يمتلك ورش صغيرة للعاملين وغيرهم الكثير ، قامته طويلة للغاية كما يمتلك جسد رفيع لكنه يتماشي مع طول قامته ، لم يُكمل تعليمه وأكتفي بالثانوية لأسباب سنتعرف عليها لاحقاً .. )
, _ اشتعلت النيران بداخله وتشنجت عروق عنقه من شدة غضبه وصاح بصوته الجهوري :-
, _ مش كفاية أنها قاعدة في بيته وكمان مش عاجبها الهانم ، مهو الغلط مش عليها الغلط علي أخويا اللي مطاطي راسه ليها ومش عارف يلمها
, _ أسرعت دينا بوضع كفها علي فمه لتجبره علي الصمت وقالت متوسلة :-
, _ خلاص خلاص انا غلطانة إني اتكلمت معاك في حاجة ، ريان لو سمحت مش عايزاك تقول اي حاجة لأن هيتعرف إني أنا اللي اتكلمت وانا مش عايزة مشاكل
, _ دفع ريان يدها بعيداً عنه ودلف للخارج بعد أن أغلق الباب خلفه بعنف وبداخله بركان حتماً سـ يثور في أول شخص يظهر أمامه ،
, _ هبط الادراج سريعا وتوقف في الطابق الذي يقطن به والده ، ود لو يهشم ذلك الباب اللعين من شدة غضبه ، زفر أنفاسه في ضيق وهبط سريعاً قبل أن يقلب تلك البناية رأسا على عقِب ،
, _ وقف أمام حارس العمارة وصاح مندفعاً :-
, _ يا بني آدم انت مش قولتلك الاسانسير ده يتصلح في خلال ٢٤ ساعة بقاله اكتر من يومين عطلان ليه ، كلامي مش بيتسمع ليه عايز أفهم ؟
, _ أبتعد ريان عن الحارس وبحث بعيناه الثاقبتان التي ينبعث منهم الشر وما إن رأي عصي حتي أسرع نحوها ، جذبها بعصبية وتوجه نحو المصعد الكهربي وهو يصيح عالياً :-
, _ أنا هعرفك بعد كده كلامي يتسمع ازاي
, _ وما إن انهي جُملته حتي انهال علي المصعد بكل ما أوتي من قوة ، أفرغ شحنه غضبه علي تلك الجدران الجامدة التي باتت كقطعة خردة ..
, _ ألقي بعصاه أرضاً واقترب من الحارس وصاح هادراً :-
, _ قدامك ساعتين لو متصلحش اعتبر نفسك مرفود
, _ غادر من أمامه وتوجه نحو سيارته الفخمة ، سحب أحد مفاتيحه وفتح بابها ، استقل أمام الطارة وأخذ يزفر أنفاسه محاولاً كبح غضبه الذي مازال يتآكل بداخله وود لو حطم المنزل بمن فيه حتي يتخلص من جميع الأعباء التي تطبق علي صدره ..
, _ حرك سيارته وتوجه بها الي أحد معارضه للاثاث بالقرب من المنطقة الشعبية القاطن بها ..
, ٤٠ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ استيقظ من نومه بكسل ، تفقد زوجته بجانبه ولكنها لم تكن موجودة ، مط ذراعيه في الهواء شاعراً بتلك البرودة تعصف بخلاياه ، نهض من علي الفراش ودلف خارج الغرفة ، اتسعت حدقتيه بذهول مما يراه أمامه ،
, _ لابد وأنه يحلم ، حتماً يحلم ! أسرع نحوها وغرز اظافره في ذراعها بكل قسوة ليجبرها علي السير خلفه ، ولج داخل غرفته ودفعها أمامه بعنف
, _ صاح بها بنبرة مشتعلة :-
, _ تقدري تفهميني ايه اللي انتي لابساه وواقفة بيه برا ده ؟
, _ مررت بصرها علي جسدها بتفحص ثم هزت رأسها وهي لم تعي شئ مما قاله وأجابته بجمود :-
, _ لابسة قميص
, _ كز علي أسنانه بغضب شديد وأمسك بذراعها وسار نحو المرآة ، أوقفها أمامها ووقف خلفها وصاح بها بنبرة مغتاظة :-
, _ قميص نوم ظاهر جسمك كله ازاي تقفي بيه في نص البيت
, _ سحبت جسدها من بين يديه ونظرت إليه بجمود :-
, _ أل يعني أبوك بيشوف عشان تفرق أنا واقفة بإيه ؟
, _ اشتعل غضبا مما تفوهت به لصيح فيها :-
, _ اتكلمي عدل عن أبويا ، وبعدين نسيتي يحيي ولا ايه ؟
, _ تأففت بضيق وهي تنظر إليه بجرأة وهتفت متذمرة :-
, _ يحيي مش موجود عشان كده خرجت عادي
, _ اقتربت منه والغضب مرسوم علي تقاسيمها :-
, _ وبعدين لو انت غيران عليا اوي كده روح كلم أخوك علي الشقة اللي في اخر دور وانا أقعد فيها براحتي ومحدش يقولي انتي لابسة كده ليه ، ولا مش قادر تتشطر غير عليا أنا وبس يا.. يا هاني بيه
, ( هاني ماهر العراقي ، الإبن البكري والاخ الأكبر لريان ، يبلغ من العمر ثمانية وثلاثون عام ، ذو شخصية ضعيفة وخاصة أمام زوجته ، لا يستطيع رفض لها أي متطلبات سواء كانت تصح أو لا تصح )
, _ أردفتها بسخرية بينما غرز أظافره في ذراعها فأطقلت آنة موجوعة :-
, _ آه سيب ايدي انت بتوجعني
, _ لم يعبأ لها واقترب من أذنها وهمس أمامها بتهديد :-
, _ موضوع الشقة ده تنسيه خالص ومش هكرره تاني يا رنا وصدقيني لو ما اتظبطتي معايا ولا مع أبويا ها٣ نقطة
, ( رنا ياسر الدمنهوري ، أتمت عقدها السادس والعشرون من عمرها ، من عائلة فقيرة منعدمة ، ذات شخصية قوية واستغلالية ، أنهت الشهادة الإعدادية ولم تُكمل لشدة حاجتهم ، تمتلك عود ممشوق للغاية ، بشرتها حليبية وشعرها يصل الي أعلي ركبتيها بقليل ، يميل الي الذهبي الكاتم )
, _ صمت وهو لا يعلم بأي تهديد يحذرها ، فهو ضعيف الشخصية أمامها ولا يوجد لديه القدرة في أن يعارضها في شئ ، ماذا عن التهديد بالتأكيد سيفشل في ذلك أيضاً ، نظرت إليه واطلقت ضحكاتها عالياً ثم وضعت يديها علي صدره مستهزئة من ضعف شخصيته :-
, _ ما تكمل يا بيبي وتقولي ها ايه ؟
, _ نظرت إليه بتشفي وهو لا يستطيع النطق بشئ واحد ، اقتربت منه بشكل مبالغ وتعلقت بعنقه ، تنفست بحرارة بجانب أذنه وهي تعي جيداً ما تفعل به ، أبتسمت بإنتصار عندما شعرت بيه يتأثر بها كما توقعت تماماً ..
, _ همست له بصوتها الناعم :-
, _ لو مكلمتش ريان علي الشقة هكلمه أنا
, _ ابتعدت عنه ورفعت حاجبيها مواصلة حديثها المسترسل :-
, _ صدقني أنا مش هستحمل كتير وهسيبلك البيت وأمشي لو كلامي متنفذش
, _ قطع حديثهما قرع الباب ، تأففت بضيق وهي تنظر للاعلي محدثة نفسها متذمرة :-
, _ مش هنخلص بقا من البومة اللي بتنزل كل يوم دي ، أوف
, _ سحبت روبها الحريري وأرتدته سريعاً وهي تتعمد أن تقابلها بمثل هذا المظهر حتي تثبت لها انها تتحلي بالجمال عنها ، فمن تلك حتي تخطف منها حب عمرها وتغفل وتستيقظ معه علي الوسادة ذاتها ،
, _ شعرت بوخزة في صدرها عندما تخيلتهم معاً ، ليست أحلي منها لكي يختار تلك البدينة ويترك الفاتنة ، لابد وأن بصره ضعيف للغاية ..
, _ ابتسمت دينا لرنا بينما أجبرت رنا شفاها علي الابتسام بتهكم
, _ رددت رنا ساخرة :-
, _ إحنا نطلع لك مفتاح أحسن ما كل شوية اقوم افتح لك يا دودو
, _ شعرت دينا بالخجل الشديد فتوردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة ،
, _ قهقهت رنا عالياً ووصلت ساخرة :-
, _ ايه ده أنتي بتتكسفي ، ادخلي ادخلي
, _ ظلت تقهقه ولم تعبأ لنظرات زوجها التي تحثها علي التوقف ،
, _ اقترب هاني من دينا وابتسم بحرج :-
, _ صباح الخير
, _ أجابته دينا بنبرة مقتضبة :-
, _ صباح النور
, _ جلس هاني القرفصاء ليداعب تلك الصغيرة التي يحبها كثيراً :-
, _ جنجون وحشتيني
, _ مدت يدها لتصافحه في براءة قائلة :-
, _ وانت كمان وحثتني يا عمو ، فين الثكولاتة تاعتي
, _ ضحك هاني علي طريقة نُطقها وأردف :-
, _ وانا اللي فكرك بتسلمي عليا ، آه يا بكاشة
, _ اخرج من جيب بنطاله حلوي لتصيح هي في سعادة :-
, _ هيييي عمو جابلي ثكولاتة
, _ عانقها بقوة بعد أن ضمها إليه وهو يشم عبيرها لطلاما أحبها للغاية ، تلك الرائحة البريئة خاصتها تزيد من لهفته في الانجاب ليأتي بمثلها ،
, _ أبتعد عنها وهتف بحزن زائف :-
, _ معلش بقا يا جنجون مضطر أمشي عشان ورايا شغل
, _لم تكترث له فمعها حلواها ولا تريد اي تدخلات تمنعها من الاستمتاع بها ، ضحك كلا من دينا وهاني علي حالتها ثم استأذن هاني للمغادرة ، لكنه توقف علي صوت دينا :-
, _ أنا محضرة فطار لبابا تحب تفطر معاه
, _ تذكر أنه لم يتناول طعام منذ وجبة الغداء من الأمس ، كاد أن يعود بأدراجه ليتناول سريعاً لكن رنا أوقفته بكلماتها اللاذعة :-
, _ هاني مش بيفطر اهتمي بعمي ماهر
, _ شعرت دينا بالخجل ولعنت نفسها أنها تدخلت من الأساس فهي علي علم بتجاهل رنا لحقوق زوجها عليها ، كما تعلم أنه لا يتناول طعامه سوي وجبة الغداء التي تشرع هي في تحضيرها
, _ انصرف هاني بينما اقتربت دينا من ماهر وجلست بجانبه مُشكلة ابتسامة علي ثغرها :-
, _ صباح الخير يا بابا اخبار صحتك ايه النهاردة ؟
, _ أجابها بنبرة راضية :-
, _ صباح النور يا بنتي الحمد لله علي كل حال
, _ تنهدت دينا ثم بدأت في إعداد شطائر لذاك الرجل العجوز ، وضعت في يده إحدي الشطائر التي تعلم جيداً مدي حبه لها ،
, _ ابتسم ماهر بسعادة عندما تذوق تلك العجة التي يحبها كثيرا وقال ممتناً :-
, _ تسلميلي يا بنتي **** يجبر بخاطرك
, _ بادلته دينا أطراف الحديث بإقتضاب وهي تحاول جاهدة أن تتجاهل تلك التي تستعرض نفسها أمامها
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ استيقظت شاعرة بتدفق الدماء الغزيرة في رأسها مسبباً صداع شديد يكاد يفتك برأسها من شدته ،
, _ حاولت النهوض ولكنها تفاجئت بيديها مربطتين بأغلال ، سحبت يديها بقوة محاولة التملص من تلك الاغلال لكن بائت محاولاتها بالفشل ، صرخت بكل ما أوتيت من قوة ، حيث ركضت الممرضة أثر صراخها داخل غرفتها برفقة طبيب
, _ اقتربت منها الممرضة بحرس وقالت محاولة تهدئتها :-
, Calm down, try to relax, screaming won't do you any good
, ( أهدئي ، حاولي الاسترخاء الصراخ لن يفيدك بشئ )
, _ شعرت عنود بإنحشار أنفاسها لعدم تقبلها هذا الوضع ، ولأول مرة كادت أن تتلفظ بألفاظ بذيئة وتقذفهم بها لكنها امتنعت ما إن تفهمت لما هي بهذا الوضع ، أزفرت أنفاسها وحاولت أن تسترخي حتي لا تثير الشك حولها وأردفت بنبرة هادئة :-
, I'm better now I want to see my family believe me I'm in full force I just want to see and embrace them no more
, ( أنا أفضل الأن ، أريد أن أري عائلتي ، صدقوني أنا بكامل قوايا العقيلة لست أتصنع ، فقط اريد رؤيتهم واحتضانهم لا أكثر .. )
, _ أزفرت أنفاسها براحة عندما فكوا تلك الأغلال عنها ، أدركت نواياهم عندما رأت يديها بين قبضتي الاغلال بالتأكيد علموا بوفاة والديها وظن كلا منهما انها ستواجه إنهيار داخلي عند استيقاظها ،
, _ لا يعلموا مدي قوتها وإيمانها ب**** ، سارت بجوار الممرضة التي آخذتها إلي غرفة التبريد الخاصة بالموتي ، شعرت برجفة سرت في جسدها منذ ولوجها لتلك الغرفة ، لا تدري سببها ، هل من شدة البرودة أم توجست خيفة من رؤيتها لوالديها في حالة يرثي لها ..
, _ ترقرقت الدموع من عينيها حزناً علي وضعهم علي تلك الحالة المزرية ، تعلم أن نصيبهم من الموت قد حان لكنها لم تتمني يوماً أن يذهبوا بتلك الصورة القاسية ، لقد تحطمت أعضاء جسدهم بل وهشمت رؤسهم تكاد ملامحهم تظهر أمام عينيها بصعوبة بالغة ، لكن شعورها بالدفئ والأمان التي لطالما شعرت به بجانبهم مسيطر عليها في هذا الوقت ، وذلك كفيل لإثبات هوياتهم
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, عادت إلي منزلها بمعاونة ضابط الشرطة الذي ودعها بآسي بعد أن أنهت مراسم دفن والديها ، ولجت داخل المنزل ، أشعلت الضوء التي لم تشعر به وكأنها لم تضغط علي زر التشغيل ، كأنما كانت تمكث بنورهم ، جرت قدميها بثقل وهي تتفحص المنزل كأنه مختلف تلك المرة ، أين ابتسامة والدتها التي تستقبلها بها ، أين الدفئ التي تشعر به في عناق والدها ، أين الهمهمات الجانبية التي كانت تصغي لها من حين لآخر ، أين الضحكات التي تروي قلبها فرحاً ، وضعت يدها أعلي يسار صدرها وهي تتحسس نبضات قلبها التي شعرت لوهلة بتوقفهم ، تشوشت رؤيتها بسبب تجمع تلك الدموع اللعينة التي تمنعها من رؤية تفاصيل المنزل بوضوح
, _ ولجت بداخل المرحاض وفتحت صنبور المياه الساخنة ولم تنتظر حرارتها المطلوبة وتوضأت بالمياه الباردة التي لم تتحملها يوما ، ماذا حدث الآن ؟ هل فقدت حاستها أم ماذا ؟
, _ دلفت خارج المرحاض وارتدت عباءة فضفاضة ثم شرعت في الصلاة ، ركعت وسجدت ودموعها تنهمر بغزارة ولا تتوقف ، لم تدري كم ركعة أدت ولكنها تعلم أنها لا تريد التوقف قط ، تريد أن تبكي بين يدي **** ربما تهدئ قليلاً ،
, _ بعد مدة طويلة جلست ونظرت للأعلي متحدثة مع ربها :-
, _سامحني يارب لو كنت اتهزيت أنا عارفة اني المفروض أصبر واحتسب عند الصدمة الأولي ، أنا مش معترضة أنا بس متفاجئة ، خايفة مش عارفة هعمل ايه من غيرهم ، عارفة انك معايا علي طول وده اللي مطمني أنا.. أنا..
, _ توقفت عن الحديث بسبب شهقاتها التي ارتفعت ، حاولت السيطرة على بكائها ثم واصلت حديثها :-
, _ أنا مش عارفة أعمل ايه ، دلني يارب علي الطريق اللي همشي فيه ، عشان انا لوحدي هتوه ومش هعرف أمشي
, _ نهضت واستلقت علي الفراش بإهمال ، تكورت على نفسها حتي كادت أن تختفي وهي تحاول جاهدة أن تدخل في نفسها حاضنة ركبتيها وسمحت لدموعها في النزول حتي باتت في سٌبات عميق من شدة الإرهاق ..
, ٤٩ شَرْطَة سُفْلِيَّة
, _ وقف ريان في غرفة مكتبه الفخم ذو اللون البني القاتم ، يتوسط الغرفة مكتبه الضخم وأمامه أريكتان من الجلد الأسود ، وخلفه خزانة كبيرة ممتلئة ببعض الكتب والرسومات التي يعتز بهم ، وبجانب تلك الخزانة طاولة رخامية متوسطة يعتليها جهاز كهربائي لصنع القهوة ، وكذلك غلاية كهربائية لصنع الشاي مع بعض الاكواب ، وأمامها مقعدين للجلوس عليهم
, _ كما يوجد صالون من الخشب الزان بجانب باب الخروج ، وقف ريان يرتشف قهوته وهو يحاول جاهداً أن ينسي ما قالته دينا عن تلك الرنا المغرورة
, _ كز علي أسنانه بغضب عندما تذكر محاولاتها معه ، لا يدري أهو يبالغ أم أنها تحاول إغرائه كما يشعر ، قطع شروده دخول شقيقه الأكبر هاني وهو يبتسم :-
, _ ريان ، كنت عايزك في موضوع
, _ ارتشف آخر ماتبقي في فنجان القهوة ثم وضعه علي الطاولة الرخامية وتوجه نحو مكتبه ، جلس علي المقعد ونظر إلي هاني وهو يعلم بأنه سيطالبه بشئ كما اعتاد دوماً
, _ تنهد وأشار له بالجلوس وردد بتهكم :-
, _اقعد الأول انت واقف ليه ؟
, _ جلس هاني وهو يفرك مؤخرة رأسه بتوتر ، لا يدري من أين له أن يبدأ وبأي حق يطالب أخيه بشقته ، لكنه تذكر تهديد رنا له وشعر بخوف شديد ، لا يتحمل بُعدها عنه وعليه أن يفعل ما بوسعه فقط لكي يرضي غرورها ولا تمتنع عنه