NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

٤٠


في تمام السادسة كانت سيارة الدكتور محمود الصغيرة أمام منزل الدكتور مصطفى ،كان الأخير بانتظاره ، فانطلقا على الفور إلى المقطم؛ حيث يسكن الدكتور محمد شاهين ..وفي الطريق تساءل الدكتور مصطفى :
,
, -هل يعيش الدكتور محمد بمفرده في فيلته؟.
,
, -نعم ..فهو لم يتزوج أبداً ..سمعت ما يقال أنه كانت هناك طبيبة إنجليزية أحبها إلا أنهما لم يتفقا في النهاية، وانفصلا ،ولم يفكر بعدها في الارتباط بأخرى..
,
, - إنها إذا عقدة الحب الفاشل التي تظل تلاحقك طوال عمرك .. هذا يعني أنه الطبيب النفسي معرض هو الآخر لأن يسقط فريسة عقدة ما كما يبدو..لكن كيف يقضي وقته إذن ،وقد أغلق عيادته على ما أعلم.
,
, -الرجل يعيش بين كتبه، وأبحاثه ،ولا أظنه يشكو الفراغ ..ستذهل بشدة حين ترى مكتبته ،ومعمله حيث يجري أبحاثه.
,
, نظر إليه الدكتور مصطفى بتعجب ،وقال:
,
, -وهل يقوم بأبحاث ما؟..
,
, ابتسم الدكتور محمود مجيباً :
,
, -بالتأكيد ..إن أبحاثه هي التي تقودنا إليه الآن ..إنه يعمل في مجال الخوارق ، وما وراء الطبيعة كما تعلم ..
,
, لم يفهم الدكتور مصطفى هذه الأبحاث التي يقوم بها فقال بتعجب:
,
, -وكيف تكون مثل هذه الأبحاث ..هل يقوم مثلاً بتحضير الأرواح والجان مثلاً ؟.. أنا لا أفهم كيف تكون هناك أبحاث في تلك الأمور أطلق الدكتور محمود ضحكة قصيرة قبل أن يجيب:
,
, -ربما يفعل هذا..إن كل شيء ممكن مع الدكتور محمد شاهين..هذا ما ستدركه حتما حين تعامله ..لكني أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك ..فهو مثلاً يهتم برصد الأصوات الصادرة من الفضاء ،وتلك الصادرة من المقابر .. لاحظ أن فيلته قريبة من منطقة المقابر، وربما كان هذا أحد أهدافه حين اختار مكانها.. كما أخبرني مرة أنه يقوم برصد الهالات التي تحيط بالإنسان في حالاته المزاجية المختلفة ،ربما تكون تجاربه تلك غريبة حقا .. لكنه يقوم بها بجدية تامة.
,
, صمت الدكتور مصطفى مفكراً في الأمر بجدية ..متسائلاً عن الفائدة التي ستعود علينا من هذه العلوم ..إنها علوم هلامية من الصعب أن تعرف بدايتها من نهايتها كما أنه من الصعب أن تستطيع إثبات نتائجها..
,
, كان أمر الدكتور محمد يحيره ،فالرجل كان كما يعلم ينتظره مستقبل واعد في مجال الطب النفسي ،وعيادته صارت ذا صيت في فترة قصيرة، فكيف من الممكن أن يتجاهل رجل ما كل هذا النجاح ؛لينهمك في دراسة علوم غير مجدية .. بالطبع كان من العسير عليه أن يتفهم هذا إلا أنه أوعزه في النهاية لفضول العلماء للمعرفة الذي لاينتهي مهما كان نوعها.
,
, لم يستغرق الطريق منهما أكثر من نصف الساعة حتى كانوا أمام فيلته الصغيرة ..توقفوا بالسيارة أمام الباب الخارجي للفيلا ،حيث هرع حارس متقدم في السن نحوهما حين رأى السيارة ؛فابتسم الدكتور محمود، وبادره قائلاً :
,
, -كيف حالك ياعم إسماعيل؟ ..هل أنت بخير ؟..
,
, تعرفه البواب العجوز ؛فتهلل وجهه فرحاً ،وقال مرحبا :
,
, الحمد لله يادكتور ..مرحبا بك..مضى زمن طويل لم تأت فيه إلى هنا.
,
, -إنه العمل أيها العجوز ..لكن أخبرني ..هل الدكتور محمد بالداخل؟
,
, -نعم يادكتور ..إنه بداخل الفيلا الآن ..تفضل يادكتور..سوف أقودكما للداخل.
,
, قالها، وفتح لهما الباب الحديدي المليء بالزخارف الأنيقة، فمرت سيارة الدكتور محمود عبره للداخل ..
,
, هبطوا من السيارة ،واتجهوا إلى ممر مبطن بالأحجار خصص للسير عليه .. كان جانبي الممر مزينا بأنواع شتى من النباتات والأعشاب والزهور ..وكانت النباتات ترسم بأشكالها وألوانها لوحات فنية بديعة بالرغم من الظلام ،بفضل بعض كشافات الإضاءة التى تم توزيعها بطريقة هندسية رائعة ؛فأشاعت في المكان ظلالاً محببة ..
,
, تأمل الدكتور مصطفى منبهراً ، الحديقة المرتبة على شكل أحواض مربعة، ودائرية تحوي أنواعاً لاحصر لها من الشجيرات والورود والأزهار المختلفة ألوانها وأشكالها.. فقال له الدكتور محمود، وهو يلحظ إعجابه، وانبهاره:
,
, -الدكتور محمد من عشاق النباتات ..هو يرى أنها هي الأخرى تملك طاقات وقدرات نجهلها ..كما أن لها لغات تتحاور بها مثلنا تماماً ..وأظن أن بعض أبحاثه تشمل هذه الناحية.
,
, ثم مال على أذنه ،وقال بصوت خافت بمرح:
,
, -بعض هذه النباتات تساوي ثروة ..فهى نادرة للغاية ،وبعضها تم جلبه خصصياً من أجله من خارج مصر ،كما أن الرجل يهتم بحديقته بنفسه.
,
, كان مرأى النباتات والورد مبهجاً ، وقد انتشر عبقها الطيب في المكان ؛ فأضفى إلى متعة الحديقة البصرية التى تسلب الأبصار متعة الرائحة الطيبة التي تفوح من كل مكان فيها ..ظلت أعينهم معلقة بالحديقة ،وراحت تتنقل بين جنباتها المبهرة، حتى دلفوا إلى داخل الفيلا.
,
, لاحظ الدكتور مصطفى على الفور الطراز الكلاسيكي الإنجليزي الذي صبغ كل شيء بالداخل ..لابد أن الدكتور محمد قد استوحاه من معيشته بإنجلترا ..انتظمت أرضية الفيلا على مستويين يفصلهما عدة درجات من الرخام ، وقد بطنت الأرض بالرخام والجرانيت ،وتوزعت في جوانب الفيلا الكثير من الأعمدة، و التماثيل الحجرية أو البرونزية..
,
, كانت هناك مدفأة حجرية تتوسط البهو ..ذكرت هذه المدفأة الدكتور مصطفى بمدافئ البيوت الإنجليزية الريفية التى طالما رآها في القصص المترجمة..
,
, اتجه بصره نحو الحوائط التي زينتها الكثير من اللوحات الفنية والصور الشخصية..كان هناك صورة تمثل باشا لو أن لك أن تتصور شكل الباشاوات بملامح صارمة ،وأنف مستقيم حازم ،وشارب كث طويل ملفوف لأعلى ..لابد أنه المرحوم داود باشا شاهين والد الدكتور محمد .. لم يسترح الدكتور مصطفى لملامحه ،وخاصة عيونه الحادة التى أشعرته بالتوتر .. كانت العينان تحملان نظرة مخيفة توحي بالصرامة والعنجهية والتعالي ،وشيءآخر مرعب ،ومبهم لاتدرى ماهو .. بالتأكيد كانت تجربة التعامل مع شخص كهذا لو كان حياً ماكانت لتكون سارة أو محببة للنفس ..
,
, كان هناك صورة أخرى لسيدة شابة و فاتنة بفستان بسيط أنيق يعود لثلاثينيات القرن الماضي ..كانت تبتسم بود ودفء أضفى لملامحها إحساسا بالألفة والراحة ..خمن الدكتور مصطفى أنها لابد أن تكون والدة الدكتور محمد ..كانت هناك أيضا بعض صور الدكتور محمد ،عرفها الدكتور مصطفى على الفور ، فهو قد رآه من قبل، وإن لم يتبادلا التعارف أو الحديث ألا لماما - اللِّمَامُ : اللِّقاءُ اليسير - ..
,
, اتجها إلى الصالون ؛حيث جلسا فيه على أرائك مذهبة ؛لابد أنها تعود لأحد نبلاء العصور الوسطى ..هكذا خمن الدكتور مصطفى، وهو يتحسسها بتعجب وانبهار، بينما انسحب البواب العجوز بعد أن أخبرهم أن الدكتور قادم إليهم على الفور.
,
, تطلعا بانبهار إلى اللوحات الكثيرة المتنوعة، و المنتشرة على الجدران حولهم مانحة للفيلا طابعاً محبباً من الرقي الممتزج بالذوق الرفيع ..مما دفع الدكتور مصطفى لإطلاق صفير خافت منبهر وقال:
,
, -الفيلا بأثاثها ولوحاتها وتصميمها وحديقتها تحفة فنية حقاً .. إنني أحسد هذا الرجل من كل قلبي عليها.. أن يعيش المرء هاهنا يشبه العيش بالجنان.
,
, ضحك الدكتور محمود ،وهو يلاحظ انبهار الدكتور مصطفى بكل شيء ..هو نفسه كان منبهراً مثله تماما حين أتى للمكان لأول مرة..لذا قال :
,
, -من حسن حظك أن الدكتور محمد لايتطير،ولايخاف من الحسد .. بل سيدهشك أنه سيطرب لمديحك هذا ..
,
, ارتفع في المكان صوت خطوات قادمة من أعلى الدرج الخشبي، فانتبها إلى الدكتور محمد القادم نحوهم بقامته المتوسطة وملامحه الأرستقراطية التي تحمل ملامح والده، وإن أذابتها ابتسامته الدافئة٣ نقطة
,
, كان يرتدي ملابسه كاملة ، ويحمل غليوناً بجانب فمه كما يفعل الرجال الجنتل مان الإنجليز ..رحب بهما بود كامل، وأشار إليهما بالجلوس ..
,
, كان قد التقى بالدكتور مصطفى من قبل؛ فلم يحْتج لأن يقدمه الدكتور محمود له ..وقال له محاولاً إشعاره بالود والترحيب:
,
, -هل أعجبتك فيلاتي الصغيرة هذه ؟.
,
, -في الواقع لم أرَ شيئاً مبهراً مثلها من قبل ..كل شيء بها هو قطعة فنية لاتوصف ..إنها تصلح بكل ثقة أن تكون متحفاً للفنون.
,
, أطربت كلماته الدكتور محمد ؛فقال بأسى حقيقي :
,
, -أنت لم تر قصر والدي قبل أن تأممه الثورة، وينهبه لصوصها..كان شيئاً رائعاً من الصعب أن تقارنه بهذه الفيلا الصغيرة.
,
, واكتسى صوته رنة ألم ،وهو يضيف:
,
, -للأسف تم نهبه تماماً ..مايحزننى أن أمي قد تعبت كثيراً في تنسيقه، وجلب الكثير من التحف ،واللوحات الأصلية له من الكثير من أنحاء العالم ليبددها العسكر واللصوص بلا وعي لقيمتها الحقيقية..بالمناسبة إن والدتي نفسها كانت فنانة لها الكثير من اللوحات الرائعة.
,
, وأشار بيده إلى بعض اللوحات المعلقة على ركن من أركان الفيلا، وأكمل :
,
, -هذه اللوحات كلها بريشتها هي ..أعتقد أن بها بعض الأصالة والموهبة ؛ كما ترون .
,
, تطلعا إلى اللوحات التى أشار اليها..كانت تصور الطبيعة في صور مختلفة ..كان هناك لوحة تصور البحر وقت الغروب، وأخرى كانت تصور شجرة في مقتبل غابة ،وقد حل قت الطيور فوقها ،وثالثة صورت وردة حملت أوراقها ألوانا مختلفة ..عبقت اللوحات بالموهبة ،والحساسية الشديدة في اختيار الألوان ..
,
, فى نفس اللحظة ظهرت لهم سيدة متوسطة العمر ذات ملامح جميلة لكنها صارمة ،رمقتهم بنظرة متشككة غير مريحة ..فسألهم الدكتور محمد عمّا يرغبان في تناوله، فطلب الاثنان قهوة ،فطلب منها بلطف أن تحضر القهوة لهم جميعا .
,
, انصرفت بعد أن رمتهم بنظرة أخرى متفحصة ..فمال الدكتور محمود نحوه ،وقال بمكر :
,
, -أمازلت محتفظاً بمديرة بيتك هذه ..أنا لا أدري كيف تحتمل نظراتها الصارمة تلك ،والتي لاتفارق وجهها أبداً ..أحيانا أشعر أنك تخشاها ..ألا تفعل يارجل؟.
,
, أطلق الدكتور محمد ضحكة صاخبة ، وقد راقت له الدعابة وقال:
,
, -لن تصدقني لو قلت لك إنني أخشاها أحيانا ..لكنها، والحق يقال نظيفة ،وتقوم بأعمال المنزل بمهارة وتفان..أظن أنني قد اعتدت عليها ،ولم أعد أستطيع أن أدبر أمري بدونها.
,
, خيّم بعدها الصمت للحظة، ثم قال الدكتور محمد ،وقد وضع غليونه في فمه ورفع ساقاً فوق ساق:
,
, -والآن ماذا تنتظران من الساحر أن يقدم لكم ؟.
,
, أدرك الدكتور محمود مايعنيه بقوله هذا فأجاب على الفور :
,
, - في الواقع إننا في ورطة .. وقد جئنا طلباً لمساعدتك.
 
٤١


كان هناك الشيخ عبد العاطي ٣ نقطة
,
, كان أحد أشهر الدجالين في ذلك الوقت ..اشتهر في البداية في المناطق الشعبية كالقلعة والسيدة وغيرها..وبعد فترة ذاع صيته واشتهر ؛ حتى يقال إن بعض الفنانات والمشاهير صاروا لايقدمون على شيء إلا بعد مشورته..
,
, كتب البعض عنه مقالات ببعض الصحف والمجلات الأسبوعية تمدح كراماته، وتعددها أحياناً ..وتتهمه بالدجل والنصب أحياناً أخرى، إلا أنه مات فجأة في ظروف غامضة ،تناثرت حولها الكثير من الحكايات، والأقاويل وإن لم يعرف أحد الحقيقة فيها..
,
, لكننا نعرف .. أخبرت باتعة زوجة متولي جارتها أم كريم بما حدث لزوجها فأخبرتها انه لن يحل لها هذه المشكلة، إلا الشيخ عبدالعاطى.. فالرجل سره باتع ،و يخشاه كل الجان وأعوانهم ؛لأنه يسخر ملوكهم .. ثم راحت تعدد لها الكثير من كرامته التي شهدتها بنفسها .ألم تكن كريمة زوجة محروس العجلاتي عقيماً ، وبعد زيارته حدث لها الحمل؟ ..ألم يرغب أحد الجان في الزواج بسناء ابنة الحاج محمد أمين ،وأصابها بالمرض ،ودار بها أبوها بكافة الأطباء والمشايخ ،ولم يخلصها من هذا الجان إلا الشيخ عبد العاطي..
,
, ألم يسرق ذهب أمينة القاضي جارتهم، وبعد أن يئست من معرفة السارق ،وكادت أن تموت كمداً ،ذهبت إليه فاستطاع معرفة السارق .. كان هناك الكثير من الحكايات الأخرى ..وكالعادة لا أحد يدري ما الحقيقة ولا الضلال فيها.. ولكنها الفطرة المتوارثة في نفوس الكثير من المصريين الذين يثقون في الشيوخ والأولياء ..ويتكفل دوماً خيالهم بصنع كرامات لهم عن حق كانت أو باطل ..ولذا نجد أن باتعة لم تكذب خبراً ، وقررت أن تزوره فربما يحل مشكلة زوجها مع تلك الجثة اللعينة في المشرحة ،والذي كان قد قصّ عليها كل مافعلته بهم ، وكل ماقيل عنها ؛ فصارت لاتنام من الفزع خشية أن تصحو ؛فتجد نفسها بين الجثث كما حدث لزوجها.
,
, تطوعت أم كريم ،وأخبرتها أنها ستصحبها إليه، وهمست إليها:
,
, - إن الرجل أتعابه عالية بعض الشيء ٣ نقطةلكنه مضمون .
,
, وبالطبع مادام الأمر يتعلق بالنقود ؛فقد وافق متولي على مضض دفعه إليه خوفه.
,
, بعد العصر اتجهوا إليه حيث مقره بالقلعة..وفي شقة بالدور الأرضي في عمارة قديمة كان يقيم.. دخلوا الشقة ففوجئوا بسيدة بدينة ترتدي جلباباً زاخراً بالألوان الصاخبة تستقبلهم، ثم طلبت منهم أن ينتظروا دورهم في مقابلته ..كان المكان يعجُّ بالكثيرين ممن أتوا للشيخ بحثاً عن كراماته ..فمالت أم كريم على أذن باتعة قائلة بفرح:
,
, -انظري كم واحد هنا قادم للشيخ ..ألم أقل لك إنه ذو سر باتع ، وسوف يحل مشكلتك إن شاء ****.
,
, غمغمت باتعة بأمل :
,
, - يارب يا أم كريم ..يارب تشاغلا بمتابعة الكثير من رواد المكان القادمين بمختلف أنواع المشاكل.. هذه هجرها زوجها لأفعى أخرى ،وتلك ممسوسة ، وهذا قد صنع له أحدهم عملاً فصار لا ينجب وآخرون بمشاكل شتى ..ظلتا هكذا إلى أن حان دورهما، فنادتهم المرأة البدينة ،فنهضتا بسرعة ،واتجهتا إلى حجرته ،وقالت باتعة لها هامسة قبل أن يصلا لبابه :
,
, - هل سندفع النقود الآن؟.
,
, أسرعت المرأة البدينة تصيح بصوت عالٍ صارم ،تعمدت أن يسمعه الجميع:
,
, -الشيخ لايتقاضى نقودا ..إنها طلبات ملوك الجان، يحددها الأسياد له.. فيخبرك بها بعد معرفة مشكلتك.. لو أراد الشيخ اموالاً لفتح له ملوك الجان خزائنهم وكنوزهم.
,
, دخلتا الحجرة المظلمة بارتباك..كان هناك الكثير من الدخان ورائحة بخور زيتي خانق تفعم المكان، و قد امتزجت برائحة عضوية غامضة .. في منتصف الحجرة كان يجلس الشيخ عبد العاطي بلحيته الشعثاء ،ونظرة ماكرة خبيثة من السهل إدراكها تملأ وجهه .. كان هناك أمامه موقد فخاري كبير توهجت فيه أحجار الفحم المشتعلة ،وبجواره كانت هناك بلورة زرقاء معتمة تغوص في حامل خشبى ..
,
, وفي الجوانب، وعلى الحائط كان هناك الكثير من التماثيل المرعبة،والأقنعة البشعة .. في الواقع ،وكي لانظلم الرجل .. فإنه قد فعل كل مابوسعه كي يبدو نصاباً ، ولكنهم كانوا حمقى فلم يدركوا هذا.
,
, شعرت باتعة بالخوف من هذا الجو المظلم الخانق ، بينما كانت أم كريم أكثر جرأة وهي تحيه :
,
, - السلام عليكم يامولانا.
,
, أجابها الرجل بصوت خشن ،وفمه لايكف عن الهمهمة بأشياء غامضة :
,
, - السلام على من اتبع السلام، وقبلهم السلام على عشتروش وشمهورش ملوك الجان.
,
, ألقى ببخوره في الموقد المشتعل ؛فوجلت باتعة ،والدخان يتصاعد من النار ..وأكمل بصوت تعمد أن يكون مخيفا بارداً:
,
, -ملوك الجان هاهنا حاضرون ،فتأدبوا في الحديث ..أوجزا واحكيا لهم مشكلتكما ،ولديهم الحل بإذن **** لم تستطع باتعة التحدث من الخوف ،فجف ريقها ،وصمتت، فاندفعت أم كريم تقص عليه كل شيء أخبرتها باتعة به، و استمع إليها ،وفمه مستمراً في همهمته الغامضة، وحين انتهت من كلامها؛ صاح فجأة بصوت جهوري مخيف:
,
, أعوذ ب**** ..الغوث الغوث ..العون العون ..النجدة يا ملوك البحار السبعة وأمراء الجزائر ..
,
, أسرعت أم كريم تقول، وقد لاحظت امتقاع وجه باتعة التي لم تتفوه بكلمة واحدة ،وراحت تتنفس بسرعة مضطربة:
,
, - ماذا هناك يامولانا ؟.
,
, ألقى الرجل بالمزيد من البخور قبل أن يقول:
,
, - هذه أعمال سفلية شريرة وقديمة..أعمال مخيفة لايقوم بها إلا الجان الأحمر ..عشتروش يقول إن ملك الجان الأحمر بنفسه يشرف عليها ..ياحفيظ ارحمنا برحمتك.
,
, فوجئت باتعة بنفسها تهتف برعب :
,
, - ومن صنع هذا العمل لزوجي ..
,
, - هذا ما لايجوز الإجابة عنه ..إنها أسرار ملوك الجان ،ولايحق لأحد معرفتها ،أو السؤال عنها.
,
, هنا قالت أم كريم بتوتر:
,
, -والحل ياشيخ عبد العاطي؟!
,
, لم يرد عليها، وألقى المزيد من البخور على النيران التي أمامه، فتوهجت ، واندفعت سحب البخور الكثيفة نحوهما حتى شعرتا بالاختناق، بينما استمر هو في همهمته المبهمه ،وهو يرجع رأسه للخلف ؛كأنما يحادث أشخاصا خفية ، قبل أن يعلوا حاجبه الأيسر، ويصيح بفرح مصطنع :
,
, -أبشروا..لقد أتى الفرج ..إن عشتروش سوف يبطل العمل ٣ نقطةلقد وافق الآن على مواجهة ملك الجان الأحمر، وإبطال سحره..لكنه يطلب الكثير.
,
, أجابت عليه أم كريم على الفور:
,
, -أخبره أن طلباته كلها مجابة ..كل شيء يريده سوف نلبيه.
,
, ارتسمت ابتسامة لزجة على ملامحه قبل أن يقول :
,
, -عشرة جنيهات تدفعونها الآن ،وخمسة أخرى مع ديكين يافعين بعد قضاء الحاجة ..ماردكم؟
,
, غمزت أم كريم لباتعة بكوعها، فأسرعت بإخراج ورقة بعشرة جنيهات من كيس تضعه بصدرها ،وناولته إياه وهي لاتصدق أنها ستدفع له مبلغاً كهذا، فتناولها من يديها بلهفة، ووضعها في جراب أحمر من القماش بجانبه.. قبل أن يخرج ورقة صفراء مطويه من كيس قماشي كان يجلس عليه مليئة بشخبطات، وحروف غير مفهومة بلون أحمر ، وقال ،وهو يناولها إياها:
,
, -خذي هذا ال**** وسمّى **** ..أعطيه لزوجك، وأخبريه أن يضعها خلسة في فم هذه الجثة دون أن يلحظه أحد أو يراه، ولاتنسِ أن تجبريه أن يضع عليها بعض بوله عليه قبل وضعه في فمها، فهذا سيحميه من شرها، ويبطل السحر ..وسينتهى هذا العمل الخبيث إن شاء ****.
,
, تناولتها منه بلهفة، وهى تدعو له بالستر ..لكنه لم يرد ، ففهمتا أن المقابلة انتهت .. فنهضتا للانصراف .. تابعهما بعينيه اللزجتين متفحصاً تضاريس جسديهما البادية خلال عباءتاهما، حتى انصرفتا ،وابتسامة لزجة تزين وجهه.. كان الرجل قميء بالفعل ..
,
, هل ينكر أحد ما هذا ؟..
 
٤٢


في الصباح كان متولي في المشرحة، وفى جيبه ال**** .. وبالرغم من خوفه وتردده ، فقد قرر أن يكون آخر من يخرج من المشرحة، حتى يضع **** الشيخ عبد العاطى دون أن يراه أحد، وبمجرد أن صار بمفرده بالمشرحة اتجه إلى قاعة التشريح؛ ليضع ال**** في فم الجثة ..
,
, تذكر أنه لم يتبول عليه كما أمر الشيخ عبد العاطي ،فانتحى في أحد الأحواض المنتشرة بجوانب المشرحة، وتبول على ال****، وتقدّم به بعدها نحو الجثة ..كان يشعر بالرعب منها إلا أنه تماسك، وكشف عن وجهها، وبيد مرتجفة فتح فكها السفلي؛ فاستجاب له بيسر، فوضع ال**** في فمها بسرعة ،وأغلقه مرة أخرى ، قبل أن يعيد تغطيتها ،ويندفع بعدها نحو باب المشرحة مهرولاً ولاهثاً من فرط الإثارة ..كان يتوقع أن يحدث منها رد فعل ما ،ولكن لحسن الحظ مضى كل شيء على مايرام.. فشعر ببعض الراحة.
,
, الآن المشكلة قد حلت كما وعد الشيخ عبدالعاطى.. فهل ينتهي شر الجثة؟..
,
, هذا ما لم يكن بإمكانه أن يعلمه الآن..
 
٤٣


باهتمام بالغ تابع الدكتور محمد شاهين مايقصه الدكتور محمود، والدكتور مصطفى عن الأحداث الغريبة بالمشرحة .. لم يقاطعهما، وتركهما يفرغان في أذنيه كل مايعرفونه .. في النهاية سحب نفساً عميقاً من غليونه الموضوع على جانب فمه الأيسر، وأخرج من فمه دخانه الرمادي ببطء، وتراجع برأسه للخلف مفكراً بصمت ..تطلّع إليه كلاهما بلهفة منتظرين أن يفيدهما كما تمنياً.
,
, ظهرت قطة مشمشية اللون في هذه اللحظة، وتحركت بتؤده بينهم ورأسها ينظر إليهما ببطء كأنما تتفحصهما ،قبل أن تتقدم نحو الدكتور محمد شاهين الذي ابتسم لها ،ومد يده نحوها ؛فقفزت لتجلس على قدمه مستكينة لأصابعه التي راحت تربت على فرائها بلطف وقال مبتسماً :
,
, - دعوني أقدّم لكم عزيزتي ددي .. ابتسم كلاهما، والدكتور محمد يشير نحوهما مكملاً :
,
, - هذا هو الدكتور محمود ،والآخر هو الدكتور مصطفى ..إنهم أمام أحداث غامضة ،وقد جاءوا طلباً للمساعدة.
,
, قال الدكتور مصطفى، وهو يرمق القطة الجميلة التي أطلقت مواءاً خافتاً :
,
, - إن لها اسماً غريباً ..كما أنني أعتقد أنه لن يهمها ما نواجهه.
,
, - سيدهشك أن تعلم ماتهتم به حقاً ،وما يمكنها أن تفعله.
,
, قالها الدكتور محمد بغموض ،ثم استطرد:
,
, - أما اسمها فهو اسم ساحر مصري قديم ..وأظن أن هذا الاسم يروقها لهذا ادعوها به.
,
, تبادل الدكتور مطصفى النظرات الدهشة مع الدكتور محمود ..لكن الدكتور محمد أراد تجاوز هذه النقطة فقال:
,
, - إن مشكلتكم كما أعتقد أنكم لاتدركون ماتواجهون ..الأمر محير بحق، ولاألومكم على حيرتكم هذه ،فهناك عشرات الاحتمالات لما تواجهونه .
,
, نهض من مقعده ،وأطلق صراح قطته ،واتجه إلى النافذة المطلة على الحديقة، وأخذ يتأملها بشرود قبل أن يقول :
,
, - هل ما يحدث معكم يسببه شبح هذه الفتاة ..أم هل يكون أحد الجان أم أنه القرين؟ ..قد يكون الامر ايضا لعنة ما أو مس شيطاني ..وكل هذه احتمالات ممكنة .
,
, قال الدكتور محمود بحيرة :
,
, -يا إلهى كل هذا ..كيف يمكننا أن نعرف ماذا تكون إذا؟
,
, التفت إليهم، وتجاهل إجابة سؤاله بلا مبرر، وقال:
,
, - في البداية ماذا تعرفان عن الأشباح ؟!
,
, تطلع الاثنان إلى بعضهما البعض قبل أن يجيب الدكتور محمود:
,
, -ليس الكثير ..البعض يتحدث عن أنها أرواح للموتى تظهر في بعض الأحيان في ظروف معينة، ربما لتخبر عن القاتل لو كانت لقتيل ،أو لتثير الفوضى ..إن الفكرة مشهورة ومنتشرة في الثقافة الغربية أكثر من الثقافة الشرقية.
,
, ابتسم الدكتور محمد، وسحب نفساً آخر من غليونه، وهو يقول:
,
, - هذا صحيح إلى حد ما .. إن الشبح هو الطيف.. هذا الطيف قد يكون لإنسان أو حيوان أو أي شيءآخر ، لغوياً كلمة شبح تعني الرؤية غير الواضحة لجسم ما.. وشبح الشيء في اللغة هو ظله وخياله .. بالطبع تعد هذه الظاهرة من أهم ظواهر ماوراء الطبيعة .. فالفكرة نفسها قديمة ، وموجودة في كل الثقافات تقريباً ،حتى البدائية منها .. في الغالب يتم تفسير ظاهرة الأشباح على أنها أرواح الموتى أو أرواح القتلى، لكن هناك تفسيرات أخرى.. فالبعض يرى أن الأشباح هى الجان أو الملائكة أو الشياطين، وهؤلاء يرون أن الأشباح الطيبة هي إحدى صور الملائكة، والشريرة هي أشباح لجان أو شياطين ..
,
, صمت للحظة فقال الدكتور محمود معقباً:
,
, - أعتقد أنني أميل إلى التفسير الأخير ..إن هذا يتوافق مع عقائدنا الدينية ،ولايتعارض معها كالتفسيرات الأخرى التي ترى أن الأشباح هى أرواح الموتى ..فالروح من أمر **** وحده ؛كما قال **** في كتابه الحكيم «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»..ولهذا لا أميل إلى القول بأنها ارواح .. أجابه الدكتور محمد مبتسماً :
,
, - صدق **** العظيم .. إنني مثلك أرفض فكرة الروح ..لكن أرفض أيضاً اعتبار الأشباح الطيبة ملائكة، والشريرة شياطين ..فكما سنرى حالاً فالأمر شائك بشدة .
,
, غمغم الدكتور مصطفى بصوت خافت متسائلاً:
,
, -أرى أن هناك مبالغة ما في موضوع الأشباح هذه، ولا أعتقد أنها تهم الكثيرين حقاً ؟.. إن رجل الشارع العادي لن يقابل اشباحاً في كل لحظة ،ولن يهتم بها كثيراً كما أعتقد.
,
, إنها لن تهم في العادة غير المتخصصين في تلك الأمور ،وعشاق الإثارة والغموض من الشباب.
,
, أجابه الدكتور محمد، وهو يهز رأسه :
,
, - لن تتخيل أبدا عدد الجمعيات، والأفراد المهتمين بالأشباح حول العالم ..مئات الألوف بلا أي مبالغة .. بالطبع في المقابل هناك أيضا مئات الألوف من الأشخاص الذين يرفضونها أيضاً وبشدة ..وكلُّ له أدلته القوية وبراهينه.
,
, قال الدكتور مصطفى بإحراج :
,
, - أعتقد أنني حتى وقت قريب كنت أنتمي للمعسكر الرافض .. فمشكلة تلك الأمور الخارقة الغامضة أنك لاتدري أبداً الحقيقة فيها من التدليس.
,
, - هذا أمر متوقع بالطبع ..فمشكلة الأشباح مثلاً أنك تواجه شيء من المستحيل أن تثبته بالدليل القاطع ..أنت تتعامل مع شيء تؤمن به ،أو ترفضه بحسب معتقداتك ،أو ثقافتك ،أو موروثاتك .. ومن المحبط أنه بالرغم من توافر العشرات من وسائل البحث ،والاستدلال لإثبات هذه الظاهرة ،إلا أن مستوى معرفتنا بها لم يتعد معرفة القدماء كثيراً .. إن مانجهله عنها أكثر بكثير مما نجهله .. قالها ورمق قطته التي إرتكزت على قائميها الخلفيين ورفعت رأسها نحوه كأنما تتابع ما يقوله ،وإستطرد:
,
, في الغرب هناك الكثير من المحاولات الجادة من عشرات الجمعيات المهتمة بهذه الظاهرة لمحاولة رصدها بأدلة مادية؛ مثل تصويرها بكاميرات عادية ،أو خاصة مع تجميع أكبر قدر ممكن من روايات الشهود إنهم يستخدمون التصوير التلفزيوني، وأجهزة لرصد بعض التأثيرات المادية المصاحبة لظهور الأشباح كالأضواء التي تضيء، أو تطفئ بمفردها، أو تحريك بعض الأغراض وغيرها.. وهناك أيضا محاولات لتسجيل الأصوات التي قد تكون مصاحبة لها ..كل هذا قد يفيد أحياناً في إثباتها، ولكن دوماً تصطدم كل تلك البراهين بحجج المنتقدين للفكرة، مثل إمكانية التزوير مثلاً ..
,
, غمغم الدكتور مصطفى بانتصار:
,
, -بالضبط ..من السهل اللجوء للتزوير لإثبات وجود وهمي لها .. إن الخرافات مرعى خصب للأفاقين والنصابين ؛ولهذا من الصعب أن يتقبل العلم أشياء مثل هذه.
,
, هنا رد عليه الدكتور محمود بسرعة:
,
, -رويدك يادكتور مصطفى ..فالأمر لايخلو أبداً من حوادث موثقة كان شهودها أناس لاغبار عليهم ..أليس كذلك يادكتور محمد؟
,
, ظل الدكتور محمد مبتسماً ، وهو يستمع لكليهما ،وهزّ رأسه موافقا على ما قاله الدكتور محمود ،وأكمل:
,
, -بالطبع هناك العديد من الحوادث الموثقة في هذا الشان كما ذكرت يادكتور محمود ..لكن مصادرنا هنا غربية.
,
, فكما أخبرتكم لاتوجد أى دراسات جادة عربية حتى الآن في هذا الشان..فهناك مثلاً شبح الرئيس الأمريكى الأشهر " إبراهام لنكولن " الذي رآه الرئيس الأمريكى " تيودور روزفلت" يتجول في ردهات البيت الأبيض ،وهناك قصة القس الروسي" ديمتري " التي ظلت مثالاً حياً لوجود هذه الظاهرة لفترة طويلة، ففي عام 1911م وفي ليلة من ليالي الشتاء شاهد القس " ديمتري " المشهور بصدقهِ امرأة جميلة شابة طلبت منه أن يدلها على الطريق ،وسرعان ما فعل ذلك، ولكن الصدمة عندما انتبه إلى أن رقبة المرأة تنزف دماً ، وتأكد بعد فترة بأنه في الليلة السابقة ،قد قُتلت فتاة شابة من النبلاء تحمل نفس صفات الفتاة التي شاهدها ،وقد قُطع رأسها بالكامل عن جسدها..
,
, هنا يرى الباحثون المؤيدون لظاهرة الأشباح أن هذه الحوادث أكبر دليل على وجود الأشباح ؛فما الذي يجعل من قس مثل "ديمتري " يدعي هذه المشاهدات التي قد تفقده مصداقيته.
,
, صمت الدكتور محمد ،وعاد ليجلس بعدها على معقده، فتبعته القطة على الفور ؛كأنما كانت تنتظره ،وتابعه الاثنان بأعينهما فاستطرد قائلاً:
,
, -لاحظا أيضا أن ظاهرة الأشباح ترتبط عادة ببقعة معينة كالمنازل ،أو السفن ،أو المناطق المهجورة ،أوغيرها .. فقد اشتهرت العديد من المناطق ،أو البقع بظهور الأشباح ،وكثرت فيها الحوادث بصورة لا يمكن أن يتجاهلها أي متابع لتلك الظاهرة ..ومن أشهر تلك البقع قصر "كليمز" التاريخي والموجود في مدينة "ستراثمور الإسكتلندية "،حيث يعتبر هذا المكان من أشهر الأماكن المسكونة بالاشباح في العالم ..ربما يكون سبب هذا الخلفية التاريخية الرهيبة ،والمرعبة الأشبه بالأساطير لهذا القصر ..ففي عام 1034 مقتِل الملك "مالكولم" في هذا القصر على أيدي بعض المتمردين المسلحين، وبعدها أُحرِقت سيدة القصر" جانيت دوجلاس" بتهمة الشعوذة، ولكن بعد فترة من الزمن ثبتت برائتها من التهمة المنسوبة إليها، ومنذ ذلك الحين ترددت الكثير من الأقاويل حول ظهور شبح السيدة "جانيت" يحوم في ممرات القلعة ..وانتشرت بعدها عشرات الروايات التي تؤكد أن القصر صار ملعوناً .. إن كل هذه حوادث موثقة لاغبار عليها لو شئت رأيي.
,
, قاطعه الدكتور محمود قائلا وهو يتذكر امراً ما:
,
, -إنني أتذكر شيئاً قد قرأته من قبل عن تفسير علمي لظاهرة الأشباح ..شيء يتعلق بالمجاري المائية أو الكهرباء الإستاتيكية ..أظن أنه كان شيئاً من هذا القبيل.
,
, أجابه الدكتور محمد شاهين على الفور:
,
, -لابد أنك تشير إلى الأبحاث التي قام بها الباحثون في بريطانيا ..فقد قاموا بإجراء سلسلة طويلة من الدراسات حول معظم البيوت المسكونة بالأشباح، وتبينوا أن غالبية هذه المنازل تحتوي على مجارٍ مائية تمر على صخور الجرانيت ،وبسبب احتكاك الماء بهذه الصخور تتولد طاقة كهرومغناطيسية تؤثر على عقول ساكني تلك المنزل الأمر الذي يجعلهم في حالة أشبه إلى الهلوسة ؛فيخيل لهم أنهم يرون أشكالاً هلامية ،وأشباحاً قد لا يكون لها وجود.
,
, هنا قال الدكتور مصطفى :
,
, - أعتقد أن هذا قد يكون يكون تفسيراً معقولاً ..ولو قام المهتمون بتلك الظاهرة في الآماكن الأخرى من العالم بأبحاث مماثلة؛ فربما توصلوا لنفس النتيجة.
,
, هز الدكتور محمد رأسه بالنفي ،وقال بهدوء:
,
, -يادكتور مصطفى ..الأمر ليس يسيراً كما تعتقد.. فالأشباح لاتكتفي بالظهور في البيوت فقط ..بل تم رصدها في كل مكان وكل حين ،ومثل هذا التفسير لايفسر حوداث الأشباح التي تم رصدها في السفن ،وفي الصحارى،أو حتى في الطائرات ..
,
, -إن كلامك يوحي أنك تؤمن حقاً بوجود الأشباح، وأنك لاتؤمن بالتفسيرات المادية لحدوثها، كتفسير التيار الكهرومغناطيسي الذي ذكرته منذ قليل.
,
, -لو رأيت ما رأيته ..لكنت أكثر حذراً في رفض الفكرة .. صدقني إنهم موجودون بالفعل، ومنتشرون في كل مكان بصورة قد لاتصدقها..ربما يأتي وقت أبرهن فيه لك على ما أزعمه الآن، قال الدكتور محمود مقاطعاً مناقشتهما:
,
, -ولكن هل تعتقد أن مايحدث في المشرحة هو تأثير أشباح مثلا ؟
,
, هزّ الدكتور محمد شاهين رأسه بنفي، وهو يجيب:
,
, -إنني أميل قليلا لهذا التفسير ..لكن هناك شيئاً ما يبعدني عن القول أن هناك شبح ما بالمشرحة ..ففي معظم قصص الأشباح لايعدو الأمر أكثر من رؤية مفزعة ،أو أصوات مخيفة ..أو على الأكثر بعض المشاغبات كتحريك قطع الأثاث وغيرها .. لكننا هنا نتحدث عن جريمتي قتل، وعامل مشرحة فوجئ بانتقاله بوسيلة ما من منزله ليلاً إلى المشرحة .. و لا أظن أنه تم تسجيل أحداث مشابهة فعلتها الأشباح.
,
, خيّم الصمت بعدها عليهم، فأفرغ الدكتور محمد غليونه في مطفأة سجائر ، وأعاد حشوه بالتبغ ،ثم أشعله، وأخذ يدخنه ببطء بينما راح الدكتور مصطفى يراقب القط ،ويلاحظ عينيه العسليتين ..شعر بشيء من الغرابة فيهما ..لاحظه القط فمد رأسه نحوه، و ارتسم على فمه مايشبه ابتسامة ساخرة؛ فوجل الدكتور مصطفى ،وأبعد عينيه عنه على الفور .
,
, بعدها غمغم الدكتور محمود بحيرة :
,
, وماذا عن الإحتمالات الأخرى يادكتور محمد؟..
,
, - أعتقد أن أقرب الاحتمالات هو أنكم تواجهون أحد الجان .. إن الحوادث التى يحتك فيها البشر مع الجان منتشرة للغاية في الأرياف والمناطق الشعبية ، وأنا بنفسي شهدت الكثير من حوادثها .. هنا نجد الكثير من حوادث الاختفاء الفجائي.. التشنجات، ونوبات الصرع..تدمير الأثاث ،أو إشعال الحرائق بالمكان ،أو حتى سماع أصوات مخيفة..
,
, في الغالبية العظمى من هذه الحالات، هناك مرض نفسي ما عند الضحية يفسر الأمر كله ؛ولكن في بعض الحوادث يكون المريض سليماً تماماً ، ولامرض هنالك يفسر مايحدث ..هنا نحن أمام حوادث حقيقية لازيف فيها .. لاحظا أنني طبيب نفسي محترف ،وأستطيع أن أحكم بيسر على الحالة النفسية لأي مريض أو مدعي .. وصمت شارداً للحظة وأردف :
,
, - ربما يكون الجان أو المس تفسيراً معقولاً و مقبولاً .. و معنى هذا أننا أمام جثة غير بشرية لأحد الجان.
,
, سرت قشعريرة باردة في جسد الدكتور مصطفى من هول الاحتمال ،وشاركه الدكتور محمود في التوتر ،وقال:
,
, -لكن منذ متى يتجسد الجان ..أنا لم أسمع عن هذا إلا في قصص ألف ليلة وليلة.
,
, ألقى الدكتور محمد بنظرة ناحية القطة ؛فحركت رأسها بعيداً عن عينيه، وقال بلهجة ذات معنى :
,
, - إنهم يتجسدون طوال الوقت ..صدقني لو أخبرتك أنهم يملئون شوارعنا بل، ويعيش بعضهم بيننا دون أن نعلم حقيقته.
,
, بدا الاحتمال مقلقاً ومخيفاً ..إن العبث مع الجان له نتائج مخيفة كما اعتادوا أن يسمعوا من عشرات الحكايات القديمة التي طالما قصتها الجدات ،أو حتى القصص الشعبية التي تناولت أمر الجان .. شعر الاثنان بأن هذا الاحتمال مقبول ، وقد يكون أقرب الاحتمالات للصواب ..
,
, فقال الدكتور محمود بعدها بصوت مرتعش:
,
, - وهل هناك احتمال ما أن يكون مانواجهه شيئاً آخر.
,
, أغمض الدكتور محمد عينيه مفكراً ، ومازال يدخن غليونه وعينا الاثنين معلقتان به ..ثم قال ببطء:
,
, - إنني أتذكر حادثة مشابهة لما تواجهون ، تلك الحادثة وقعت في بدايات هذا القرن ..كانت هناك جثة، وكان هناك قتلى، وأحداث غامضة ..لكن الجثة هاهنا كانت مومياء فرعونية.
,
, لم يفهم الدكتور مصطفى ماعلاقة مومياء فرعونية بما يواجهونه الآن فغمغم :
,
, - هل تعني أن تلك الجثة الفرعونية قد أثارت من الأحداث ما هو مشابه لما نلاقيه من جثتنا ؟
,
, -ليس تماماً في الواقع .. ففي عام 1910م فوجئ عالم الدراسات المصرية "دوغلاس موراي" بأحد الأمريكيين يعرض عليه أثمن أثر عرض له أثناء مزاولته لمهنته .. عرض عليه صندوق مومياء لأميرة كبيرة في معبد آمون - رع - يعتقد أنها عاشت في طيبة حوالي 1600ق.م .. كانت صورتها محفورة على الصندوق المزخرف بالعاج، و الذي كان محفوظا بحاله ممتازة وبالطبع لم يستطع "موراي" أن يقاوم الإغراء ؛فاشترى المومياء،و بدأ بترتيب الأمور لنقل الصندوق إلى منزله في لندن.
,
, كانت الأميرة ذات منصب رفيع في كهانة الموت ،و قد ذكر على جدران قبرها أنها ستترك إرثاً من النحس، و الرعب لكل من يزعج مكان راحتها الأبدية.
,
, بالطبع سخر "موراي" من هذه الخرافات، و لكن بعد ثلاثة أيام، بينما كان في رحلة صيد إلى أعالي النيل انفجرت البندقية في يديه بدون سبب، و بعد أسابيع من العذاب في المستشفى كان لابد من قطع ذراعه فوق المرفق ، و أثناء رحلة العودة مات اثنان من أصدقائه بأسباب غير معروفة ، كما مات اثنان من الخدم المصريين الذين حملوا الصندوق خلال سنة ، و عندما وصل الى لندن وجد أن الصندوق قد سبقه إليها ،و عندما نظر إلى صورة وجه الأميرة المحفور عليها بدا و كأنه أصبح حياً، و نظراته تجمد الدم في العروق ،فقرر أن يتخلص من الصندوق،
,
, و لكن صديقة له أقنعته أن يتنازل عنه لها ،و خلال أسابيع ماتت والدتها ،و تخلى عنها حبيبها ،و أصيبت بهزال شديد لم يعرف سببه، و عندما كانت تملي وصيتها على محاميها أصرّت على إعادة الصندوق "لموراي"، و لكن "موراي" خشى المومياء ،فأعطاها للمتحف البريطاني ، و لكن صندوق المومياء لم يوقف شروره حتى في تلك المؤسسة العلمية ، فقد سقط أحد المصوريين ميتاً فجأة ،و مات عالم الآثار، و المسئول عن المعروضات في فراشه ،انزعج بعدها أعضاء مجلس المتحف من القصص التي تناقلتها الصحف؛ فاجتمعوا سراً ، و اتفقوا بالإجماع على إرسال الصندوق إلى متحف نيويورك الذي وافق على قبول الهدية إذا سلِمت سراً و بأكثر الطرق أماناً ،و وضِع الصندوق على السفينه العظيمة التي كانت تقوم برحلتها الأولى من "ساوثامبتون"إلى" نيويورك" في ذلك الشهر ،و لكن صندوق المومياء لم يصل إلى نيويورك أبدا ؛ لأنه كان في مخزن الشحن لسفينه "التيتانك" عندما اصطدمت بجبل جليدي ،و غرقت ومعها 1498 راكبا من ركابها في 15 آيار..لقد حمل البعض تلك المومياء ماحدث لتلك السفينة من غرق.
,
, بدا واضحا ثقافة الدكتور محمد الموسوعية في تلك الحوادث الغريبة ..لكن الأمر بالرغم من مشابهته في بعض أحداثه كان مختلفاً .. لذا قال الدكتور محمود معترضاً :
,
, -لكننا هنا لانواجه مومياء فرعونية ..إنها جثة عادية.. ولو صدقنا الحكايات التي قيلت عنها ،فهي قد عاشت منذ قرنين على الأكثر، وليست منذ عهد الفراعنة.
,
, هز الدكتور محمد رأسه بشرود ،وعاد لينهض ،وغمغم:
,
, - إنني أعلم ماتقوله ،وأتفهمه ..إنني فقط أحاول تنشيط ذاكرتي بتذكر تلك الحوادث التي أراها مشابه لما يحدث لكم، وأحاول أن أبحث عن رابط ما قد يفيدنا في معرفة الحقيقة .
,
, صمت بعدها ..وفجأة ارتفع جاجباه، واتسعت عيناه ؛كأنما هبط على عقله هاجس ما أزعجه فأخرج غليونه من فمه وسعل ، ثم قال ببطء دون أن ينظر لأعينهم:
,
, -هناك تفسير فكرت به الآن.. لكني أفضل أن أحتفظ به الأن دون أن أصرح به ؛ فهو مخيف فعلاً ،وأتمنى ألا يكون صحيحاً.
,
, تطلع إليه الاثنان بقلق ،وقال الدكتور محمود:
,
, -أي تفسير هذا ..أخبرنا به يادكتور محمد من فضلك..لقد أقلقتنا.
,
, إلا أن الدكتور محمد كان مصرّاً فقال:
,
, -لن أخبركم به قبل أن أرى تلك الجثة بنفسي، وأتاكد إن كانت شكوكي صادقة أم أنني أبالغ ..أرجو ألا يضايقككم هذا ..لكن أخبراني هل من الممكن أن نذهب سوياً الآن للمشرحة لرؤية تلك الجثة.
,
, كان طلباً غريباً لم يتوقعاه ،فالليل قد هبط منذ فترة،وليس هذا هو الوقت المناسب للذهاب للكلية ،فلماذا لا يؤجلون هذا الأمر للصباح ؛كي لايثيروا الريبة والشك ..لذا قال الدكتور مصطفى بإحراج:
,
, -ألا يمكن تأجيل هذا الأمر للصباح ..إن الجثة بالمشرحة، ولن تغادرها حتماً.
,
, أجابه الدكتور محمد بسرعة:
,
, - في الواقع لديّ شكوك ما ، واعتقد أن رؤيتي للجثة الآن ستؤكدها أو تنفيها ..كما أن الوقت الحالي هو الأنسب لو شئت رأيي ؛فلا طلاب أو أساتذة هناك الآن ،وبالتالى لن نقابل بنظرات الفضول من أحد ما.
,
, تطلع الدكتور مصطفى إلى الدكتور محمود؛ كأنما يسأله بصمت عن رأيه، فهزّ الأخير رأسه ببطء موافقاً ،فقال الدكتور مصطفى متنهدا :
,
, -حسناً ..كما تشاء يادكتور محمد ..لنذهب الآن إلى المشرحة.
 
٤٤


كانت الشوارع خالية ،وغير مزدحمة فلم تمض ثلث الساعة عليهم إلا وكانوا أمام باب الكلية .. اتجهوا مباشرة إلى المشرحة ،وهناك أدركوا أنهم نسوا شيئاً مهماً ..كان الباب الخارجي لها مغلقاً بقفل كبير وليس معهم مفتاحه..فكيف يدخلون؟
,
, وقال الدكتور محمود بضيق، وقد أدرك تسرعهم:
,
, - يبدو أننا تسرعنا حين جئنا إلى هنا دون أن نفكر جيداً ..كان علينا أن نتوقع أنها مغلقة الآن مادام لا أحد يبيت بها.
,
, لم يُعقب الدكتور مصطفى، وعقله يفكر في حل، أما الدكتور محمد فقد قال بدهشة:
,
, -ولكن منذ متى تغلقون باب المشرحة .. فيما مضى لم يكن هذا يحدث كما أتذكر.. فما الذي تحويه المشرحة غير الجثث كي تخشوا عليه ..لا أظن الجثث المحنطة قد تغري أحدا بسرقتها.
,
, أجابه الدكتور مصطفى مبتسماً :
,
, - للأسف إن هذا ما حدث بالفعل ،فمنذ أعوام تكررت سرقة بعض أجزاء الجثث ،والعظام من المشرحة..إنني أعتقد أن الأمر لا يعدو بعض الطلاب المتحمسين للعلم ، ولهذا صار إغلاق الباب فرضاً علينا ،بل وحتى الفترة الماضية كان يجب على أحد عمال المشرحة أن يبيت بها.
,
, ابتسم الدكتور محمد لطرافة الأمر ..طالب يسرق جثة من مشرحة الكلية ليتعلم عليها .. فقال ساخراً :
,
, - يبدو أن طلبة الطب هذه الأيام صاروا أكثر حماساً مما كنّا .. ففي أيامنا كنا نتحاشى المشرحة.
,
, ابتسم الجميع، قبل أن يقول الدكتور محمود :
,
, -المهم الآن كيف سنفتح هذا الباب ..سيكون سخيفاً أن نصل المشرحة الآن، ولاندخل بسبب هذا الباب السخيف!
,
, لاحَ حَلٌّ ما لعقل الدكتور مصطفى ؛فقال وعيناه تلمعان:
,
, - أظن أنني أعلم أين سأجد نسخة من مفتاح هذا الباب ، انتظراني للحظة واحدة.
,
, كان يدرك بحكم منصبه السابق كرئيس للقسم أن نسخة من مفتاح باب المشرحة يكون دوماً بحوزة رئيس القسم تحسباً لطارئ ما .. وقد اعتاد هو ومن سبقوه من رؤساء القسم على الاحتفاظ بتلك النسخة الاحتياطة في مسمار بالحائط خلف باب حجرة رئيس القسم.. لهذا صعد إلى غرفة الدكتور نعيم بحثاً عنه.
,
, وجده بالفعل في مكانه ،فعاد إليهم باسماً ،وهو يفتح باب المشرحة به ،ثم دخلوا على الفور ..أضاء المصابيح البيضاء للمشرحة، ثم ساروا نحو قاعة التشريح ..أنارها هي الأخرى ..وتسمروا حينئذٍ بفزع لمارأوه بها.
,
, فأمام أعينهم سبحت في الفراغ أربع جثث عارية معلقة من أرجلها لأعلى ورؤسها لأسفل ،وقد تقاطعت أذرعها على صدورها في وضع المومياءت الفرعونيه المميز .. صنعت الجثث نفس الوضع التي رآه عبد الدايم من قبل.
,
, هذه المرة لم تكن الجثث ساكنه في الفراغ ..بل راحت تدور ببطء كأنما تحركها خيوط خفية ، ورقدت في المنتصف جثة الفتاة بلاغطاء، عارية تماماً هى الأخرى تماماً .. كان المنظر مفزعاً للغاية ومرعباً ..لذا تراجع الثلاثة للخلف بإضطراب، وقال الدكتور محمود بصوت مرتعش:
,
, -أعوذ ب**** من الشيطان الرجيم..لقد كان العمال على حق ..إنها تسبح في الفراغ بالفعل ؟!
,
, بينما همهم الدكتور مصطفى بذعر:
,
, - أيفهم أحدكم ما يحدث هاهنا ؟..
,
, لم يجبه أحدهم ،فارتفع صوته فجأة، وهو يقرأ آية الكرسى من سورة البقرة بصوت مرتفع ..وبدا صوته مرتجفا متقطعاً من الإثارة والفزع.
,
, صمت الدكتور محمد شاهين متأملاً ما يحدث..كانت هذه أول مرة يرى فيها شيئاً كهذا ..لم يكن هذا بالتأكيد من عمل الأشباح أو حتى العفاريت أو الجان.. إن مايدور الأن ضرباً من ضروب السحر القوي للغايه ،سحر لا يقوى عليه إلا القليلون ..إن ما يراه هو شيء أكثر خطورة وقدماً .. شيء قرأ عنه من قبل ،ولا يتمنى أبداً أن يواجهه أو يلقاه .. أخذ الدكتور محمد يفكر في ماعليه أن يفعله ،وهو يغالب شعوراً بالانقباض يضيق به صدره.. وقال الدكتور محمود مضطرباً ، وقد لاحظ تجمدهما جميعاً :
,
, -ألن نفعل شيئاً ما ؟..
,
, التفت نحوه الدكتور محمد ،وغمغم بقلق :
,
, -وهل لديك فكرة ما ؟
,
, -لا أدري ..ربما علينا أن ننزل هذه الجثث.
,
, تأملوا الجثث المعلقة في الهواء بصورة تجمد الدم في العروق، فهز الدكتور محمد رأسه رافضاً الفكرة، وقال، وهو يشير لجثة الفتاة :
,
, -أعتقد أن علينا أن نترك كل شيء كما هو ..لا ندري ماذا سيحدث لو تدخلنا ، وقمنا بأي شيء قد يغضبها .. وسرت رعدة في جسد الدكتور محمود ،وهو يتخيل أن يحدث شيء ما من الجثث أثناء إنزالها ،أو أن تنهض جثة الفتاة فجأة لتعاقبهم .. فوجئوا في نفس اللحظة بالجثث ،وهى تهبط ببطء إلى طاولتها لترقد عليها برفق كأنما تعتني بها أيد حانية خفية ،قبل أن يهدأ كل شيء .. حبست الأنفاس، والأصوات ،وكف الدكتور مصطفى عن قراءة القرآن.. وتسمروا جامدين بصمت وترقب ، قبل أن يقول الدكتور مصطفى باضطراب:
,
, -والآن ماذا سنفعل ؟
,
, تطلع إليه الدكتور محمد في تردد قبل أن يحسم أمره، ويتحرك بخطوات تنقصها الشجاعة نحو جثة الفتاة قائلاً :
,
, -سأفحص جثتها بنفسي.
,
, بدا رده مفاجئاً أذهلهما ..أيرغب في فحص جثة تلك الفتاة بعد كل ماحدث ..لا يتخيلان أبداً أن يقدما على شئ مثل هذا، وخاصة في تلك اللحظة ..هذا شيء يحتاج لشجاعة عظيمة أو حماقة لاحد لها ..وأخذا يتابعان مايفعله بترقب ، وكل منهما يتمنى لو امتلك شجاعة الهرب الآن من هنا .. فتح الدكتور محمد جفني الفتاة ،وتأمل عينيها البراقتين الجامدتين قبل أن يخرج مصباحاً صغيراً من جيبه، ويوجه شعاعه الرفيع إلى مقلتيها، تأملهما للحظة ثم أغلقهما ..
,
, وقال له الدكتور مصطفى مقاطعا بتوتر:
,
, -لقد فحصتها بنفسي يادكتور كما أخبرتك من قبل..إنها بالرغم من كل مايحدث تبدو جثة لا حياة فيها.
,
, صاح فيه الدكتور محمد بحزم وعصبية ،وهو يغالب توتره :
,
, -اصمت من فضلك.
,
, وصمت الدكتور مصطفى على الفور شاعراً بالخجل.. ورأى الدكتور محمد يخرج محقناً صغيراً من جيبه، وأقحمه في ذراعها ،ثم سحب المحقن ..كانت هناك دماء قانية تملأه ، فاحتقن وجهه بشدة، وهو يقول باضطراب، وهو يقرب المحقن من أعينهم :
,
, -انظروا ..إنها دماء طازجة..هل تتخيلون هذا ؟!
,
, تطلع الاثنان بدهشة للمحقن الممتلئ بالدم، وهتف الدكتور محمود باستنكار، وهو يضع يده خلف رأسه :
,
, -دماء طازجة في عروقها ،هذا ليس حقيقاً بلا شك، هذا مستحيل!.
,
, لم يعقب الدكتور مصطفى ،وكذلك الدكتور محمد الذي إلتفت إلى أحواض الماء الرخاميه الموجودة بحوائط المشرحة ،واتجه إلى إحداها، وفتح الصنبور، ثم ملأ كفه ببضع قطرات من الماء، و اتجة ثانية للجثة، وصب تلك القطرات على كف يديها .. لدهشتهم تصاعد بخار رمادي من الذراع؛ كأنما تتفاعل تلك المياه مع جلدها .. هنا تراجع الدكتور محمد في فزع ، فغطى الجثة بسرعة، وهو يقول بلهجة خائفة لم يسمعوها منه من قبل :
,
, -إن هذا ماكنت أخشاه.. رحماك يا إلهى!..
,
, قالها، ثم صاح بهما ،وهو يهرول مندفعاً للخارج:
,
, -دعونا نخرج من هذا المكان بسرعة.. هيا تحركوا.
,
, هرول للخارج فأسرعا خلفه يتبعونه بذعر ،وهم لايفهمون مايعنيه ،وهتف الدكتور مصطفى به:
,
, -ماذا اكتشفت يادكتور محمد ؟ ولماذا تهرول هكذا ؟
,
, كانوا قد تجاوزوا باب المشرحة في تلك اللحظة ،دون أن يهتم أحدهم بإغلاقها ،ولاحظوا وجه الدكتور محمد المحتقن ..وسمعوه يردد بذعر:
,
, -لقد عبثتم بشيء خطير للغاية .. فحتى الشياطين تخشى ما تواجهونه .. يالكم من تعساء ..بل يالنا جميعاً من تعساء.
,
, تصاعد الجزع في أعماقهم ،وزادت كلماته من توترهم، فقال الدكتور محمود ،وهو يلهث كي يلحقه:
,
, -ماذا هناك يادكتور محمد.. توقف من فضلك لثانية ،وأخبرنا ماهذا الذى تقوله ..لقد أفزعتنا.
,
, كانوا قد ابتعدوا عن المشرحة وتجاوزا مبناها كله وصاروا في فناء الكلية الآن، فتوقف الدكتور محمد في مكانه، والتفت إليهم قبل أن يقول بصوت غريب، وعيون جاحظة:
,
, -إنها أحد القدماء..أحد الكيانات القديمة تحديداً ..ألم تدركوا هذا؟
,
, إنها شر حقيقي لا قبل لأحد به على الإطلاق.. إن هلاكنا هذه المرة مؤكداً .. هل أدركتم لماذا ذعرت ؟..
,
, كانت كلماته مخيفة صاعقة .. قالها وعاد لخطواته السريعة متجها للخارج .. وأسرعوا خلفه واجمين ..
 
٤٥


اشتعلت عقولهم بالتفكير ،وشابت نفوسهم الكثير من المشاعر المتشابكة مابين الرهبة والخوف؛ مما قد يحدث لهم من خطر، وما بين الحيرة الممتزجة بالإثارة لما رأوه منذ قليل،وما أخبرهم به الدكتور محمد، فجلسوا في السيارة واجميين طوال طريق عودتهم مرة أخرى إلى فيلا الدكتور محمد بالمقطم .. وراح الدكتور مصطفى يقودها بشرود، حتى كاد أن يصطدم بها بالرصيف غير مرة.
,
, أخبرهم الدكتور محمد أنه سيفسر لهم الأمر بالفيلا، إلا أن فضولهم اشتعل وتأجج .. وبالكاد كتموا بداخلهم أسئلتهم.
,
, ماهذه الكيانات القديمة التى قالها لهم؟.. وما ماهيتها؟.. ولماذا يخشاها الدكتور محمد هكذا ..
,
, إن أحداً منهم لم يسمع عنها شيئاً من قبل..أتكون خلقاً كالشياطين والجان ،أم تكون شيئا آخر لا يتخيلونه.. ودوا لو يحدثهم الدكتور محمد، ويخبرهم بأمرها الآن، قتلاً لفضولهم ، وتهدئة لأذهانهم المتوقدة .. لكنه استمر في صمته، فتمنوا لو يعلمون مايدور بعقله الآن ، لكن ملامحه الجامدة حجبت عنهم ما يدور بخلده؛ فصمتوا ،ولم يعد أمامهم إلا أن ينتظروا وصولهم لفيلته ؛كي يبوح لهم بما يعرفه كما وعدهم.. ظل الدكتور محمد صامتاً في وجوم دون رغبة حقيقة في الحديث ..لو يعلم أن هذا ما يواجهه في البداية ما اشترك في الأمر أبداً ..لقد شاهد الكثير ،وتعلم الكثير في حياته..وتعلم درسا مهماً للغاية.. هناك أشياء في هذا العالم إياك أن تعبث معها ،أو تقربها ..فالعبث معها قد يساوي ماهو أكثر من حياتك نفسها .. وهاهو قد تورط في أبشع تلك الأشياء الخطيرة، ولم يعد أمامه إلا أن يدعو **** أن يرحمهم جميعا.
,
, وصلوا الفيلا فدخلوها واجمين ،واتجهوا مباشرة إلى الصالون؛ حيث جلس الدكتور محمود والدكتور مصطفى ..أما الدكتور محمد فقد اتجه إلى المكتبة، قبل أن يعود بمجلد جلدي ضخم قديم ..وضعه أمامهم على طاولة خشبية تتوسطهم ..لاحظوا أنه مكتوب بخط اليد بلغة خمنوا أنها لابد أن تكون اللاتينية .. قرأوا العنوان المدون عليه فلم يفهموا شيئاً ..
,
, Pluralitas ad senem
, Historiasive maledictio
,
, التفت الدكتور مصطفى إلى الدكتور محمد، وأشار للعنوان وقال:
,
, -ما الذي يعنيه هذا ؟!٣ نقطة
,
, نطق الدكتور محمد الكلمات المكتوبة، ثم ترجمها قائلاً :
,
, -إنها تعنى الكيانات القديمة ..تاريخ لعنتهم ..إن هذا هو العنوان الأصلى لهذا الكتاب..لكنه اشتهر فيما بعد ب«كتاب اللعنات» .
,
, تأمل الدكتور مصطفى الكتاب البني المدبوغ البادي الأصالة والقدم بإعجاب ،وقال :
,
, - أعتقد أنه نسخة أصلية ؟.
,
, - هذا صحيح ..إنه نسخة أصلية بالفعل.. بل و لايوجد في العالم أجمع إلا نسخة أخرى غير هذه ..لكن لا أحد يدرى بالتحديد أين تكون النسخه الأخرى تلك.. وصمت للحظة ليتركهم ، وتأملاتهم في الكتاب ،ثم أكمل :
,
, -لقد كلفني هذا الكتاب ثروة حتى استطعت أن أجلبه إلى هنا .. إنه كتاب خطير للغاية ،وهناك من قد يفعل أي شيء للحصول عليه .. قالها، وابتسم ،وهو يلاحظ القطة التى غادرت الغرفة ما إن أخرج الكتاب من مكمنه، وسمع الدكتور محمود يقول له :
,
, - ولماذا تحتفظ به مادام خطيراً ، وما دام هناك من قد يتعقبه.
,
, -لأنني لا أقدر على التخلص منه ..فما به يستحق أن أجازف باقتنائه .. وأيضا لا أستطيع أن أئتمن عليه أحدا ما لأهبه إياه..هذا كتاب لا يستطيع المرء أن يتخلص منه ببساطة.
,
, ثم تراجع على كرسيه، والتقط غليونه من فوق المنضدة المجاورة لمقعده، وقال:
,
, - إنَّ لهذا الكتاب قصة مثيرة ،وكذلك حصلت عليه بقصة مثيرة أخرى.. لقد كان دوماً كتاب اللعنات، والدم بالفعل.
,
, غمغم الدكتور مصطفى ،وعيناه تنتقل بين الدكتور محمد وبين الكتاب:
,
, - وهل هو كتاب للسحر مثلاً ؟..أم أنه يحتوي على قوى خفية ما ؟
,
, - لاهذا ولاذاك على الإطلاق؛ فبالرغم من أنه يحوي الكثير من الطقوس السحرية؛ فإنه لا يختص بالسحر أبداً .. إنه كتاب عنهم.. كتاب عن القدماء!.
,
, شعروا بالدهشة من لهجته الغامضة؛ فنظروا إليه بترقب ،فأكمل بعد أن أشعل غليونه ونفث من فمه بعض دخانه:
,
, -إن عمر هذا الكتاب كبير للغاية ، فقد وضِع في القرن السادس الميلادي،كتبه راهب روماني يدعى "ارتيماتسوس كالاميتاسيس".. يقولون إن هذا الراهب كان معنياً بكائنات الظلام والشياطين.. ويبدو أنه كان أحد القليلين الذين تعاملوا مع الكيانات القديمة .. قام هذا الراهب بكتابة أربع نسخ من الكتاب بخط يده ،لكنها اختفت جميعاً فور كتابتها.. بل ووجدوا الراهب نفسه بعد أن فرغ من كتابتها مصلوباً محروقاً ومشوهاً فوق أحد أبراج كنيسته التى عاش فيها، الغريب أن الراهب بالرغم من إصاباته المميتة ظل حياً بعدها لأيام يغالب آلاماً لا حد لها، ويعاني عذاباً لا يحتمله أي مخلوق، دون أن يقدر أحد على نجدته، إلى أن مات فالتهمته الجوارح.. يبدو أن موته هكذا كان عقاباً شنيعاً له عن تدوينه لهذا الكتاب.
,
, لم يعلم أحد من فعل هذا به.. وكيف رفعه هكذا فوق البرج العالى في موضع من المستحيل أن يصل إليه أحد.. اختفى الكتاب بعدها تماماً ،ومنع الرهبان محاولة البحث عنه ،أو تداوله لما زعموه عن حياة ذلك الراهب الذي كتبه ،والذي اتهم سرا بممارسة السحر والهرطقة، والاتصال مع الشياطين .. مع الوقت نسى الكثيرون الكتاب ،حتى عّد ه البعض من الأساطير والاختلاقات.. لكن كان هناك دوماً من علم بأمره وحازه طوال الوقت.. إن بعضهم حتى الآن مازال يعلم بأمره ،ولابد أنه يبحث عنه الآن محموماً.
,
, شعر الدكتور مصطفى ببعض المبالغة في تلك القصة ؛فقال معترضاً :
,
, - أعتقد أن هناك بعض المبالغات في أهمية هذا الكتاب، أو ظروف نشأته .. بالطبع لا أتهمك يادكتور محمد باختلاق ماذكرته ..لكنني أعلم أن العصر الذي كتب فيه الكتاب كان مليئاً بالخرافات ،والاتهامات الباطلة ، وكان أشهرها اتهام أي أحد ما مختلفاً أو غريباً بالهرطقة ،وممارسة السحر بل وقتله من أجل هذا.
,
, أجابه الدكتور محمد بثقة :
,
, -لكن هذا الكتاب مختلف بحق ..لقد قرأته مراراً ، وأجزم أنه بعيد كل البعد عن الاختلاق والتزييف..
,
, - وكيف وصل إليك الكتاب إذا مادام قد إختفى لقرون كما تقول؟.
,
, سأله الدكتور محمود ،فأغمض عينيه كأنما يتذكر، وقال:
,
, -لقد علمت وجوده للمرة الأولى من خلال أحد أستاذة علوم ما وراء الطبيعة الروس ..يبدو أنه قد توصل بوسيلة ما إلى معرفة مكان إحدى نسخه في أحد الأديرة المجهورة «بسيبريا»؛ فاحتال حتى يحصل عليه ، كنت أدرس في ذلك الوقت بموسكو ..وفوجئت به ذات ليلة في مسكني ، ومعه الكتاب .. كان فزعاً مضطرباً ، وأخبرني باقتضاب أن أحتفظ به ،وأن أخفيه تماماً عن الأعين ،وألا أخبر أي مخلوق عنه ..طلب مني كذلك أن أعود به إلى مصر في أقرب وقت ممكن مؤكداً أنه سوف يستعيده مني حينها بوسيلة ما لو لم يصلوا إليه ..قالها وانصرف في عجالة دون أن يفهمني من هم الذين يطاردونه ومما يخاف بالضبط.. بالطبع شعرت أنه مطارد وخشيت أن يكون قد تورط في جريمة ما مع السلطات الروسية ،ولم أكن أرغب بالطبع في التورط أنا الآخر معهم لأي سبب كان ،إن الروس ليسوا لطفاء أبدا مع من يختلف معهم لو عايشتهم .. إلا إنني بالرغم من هذا لم أملك أن أرفض الكتاب..
,
, بعدها بيومين علمت أنهم قبضوا عليه، وأرسلوه إلى "سيبيريا"، كما اعتاد الروس أن يفعلوا مع المعارضين ..شعرت بالخطر حينها وفكرت في التخلص من الكتاب كي لا يعثروا عليه معي لو عملوا منه أنه قد أعطاه لي ؛ لكنني تذكرت تحذيره لي من فقد الكتاب ووصيته بالحفاظ عليه، فقررت حينها العودة إلى مصر، ولا أخفي عليكم كيف استطعت بمعجزة تهريب هذا الكتاب من روسيا عبر الحدود، وكم دفعت من أجله..لكن بعدما قرأت هذا الكتاب وطالعت مابه أستطيع أن أجزم أنه يستحق ما عانيته في جلبه إلى هنا.
,
, تطلعا بدهشة للكتاب بلونه البنى المدبوغ ،وتحسساه بأيديهما؛ فشعرا بغرابة الورق المصنوع منه ،فقال الدكتور مصطفى وهو يتحسسه مرة أخرى:
,
, -مما صنع ورق هذا الكتاب ؟ لا أظن أنه البردى، أو جلود الحيوانات.
,
, غمغم الدكتور محمد بغموض:
,
, -خمنا ؟.
,
, تحسساه بتدقيق ،ولكنهما فشلا في التخمين ..فى النهاية قال الدكتور محمد بهدوء:
,
, - إنه مصنوع من الجلد البشرى ..جلد الموتى تحديداً ،ظننت هذا واضحاً لكم وأنتم تتعاملون مع الجثث طوال الوقت.. يدهشنى أنكم لم تتعرفوه في البداية.
,
, أبعدا يديهما عنه بتقزز، كالملسوعين على الفور، وقد ارتسمت على وجوهم نظرة استنكار ونفور، وهتف الدكتور محمود بتأفف وهو يتأمل يده التي لامست الكتاب؛ كأنما خشى أن يلتصق شيء ما بها:
,
, -ياللبشاعه.. لا أدري كيف تقبل أن تقتني شيئاً مثل هذا ..هذا شيء مبالغ فيه حقاً !٣ نقطة
,
, أجابه الدكتور محمد ببساطة:
,
, - ألا تعلم يادكتور أن كل كتب السحر المكتوبة باللاتينية في تلك العصور قد كتبت على ورق من الجلد البشرى ..لقد إعتقدوا دوما أن كتابة السحر على جلد الموتى يكسب الطقوس قوة لا حد لها ..
,
, في الماضي كان كافياً أن تحوز كتاب كهذا ؛لأن تعدم بأبشع وسيلة ممكنة دون محاكمة حقيقة.
,
, -أظن إنني قرأت شيئاً كهذا من قبل ..الأمر يتعلق بمحاكم التفتيش على ما أتذكر.
,
, قالها الدكتور محمود ،وهو ينظر إلى الكتاب المفتوح ،فأومأ الدكتور محمد موافقاً ، وعقّب قائلاً:
,
, -هذا صحيح ..لقد حاربت الكنيسة في ذلك الوقت كل شيء .. العلم والفنون ،وبالطبع السحر بتهمة الهرطقة ،ومحاربة الكنيسة ،والاتصال بالشياطين ..لقد مات الالاف من أجل هذا بالحق حيناً والباطل أحياناً، إن هذا أحد أسباب تسمية تلك العصور بالعصور المظلمة .
,
, وفتح الكتاب بعدها ،وأخذ يبحث بداخله عن صفحة ما ،وقال :
,
, - دعونا من هذا الآن ٣ نقطةفلقد جلبته ؛لأشرح لكم ما نواجهه.
,
, وقلب صفحات الكتاب ثم استقر على صفحتين من الكتاب .. في الشمال كانت هناك الكتابة اللاتينية ،وفى اليمين كان هناك رسم بخطوط سوداء غير ملونة تمثل رجلاً طويلاً يقف فوق تبة مرتفعة قليلاً ومبتسماً ابتسامة مخيفة ، وفى يده اليسرى امتدت سلاسل معدنية تنتهي بقيود لكائنات مخيفة مربوطة بحلقات معدنية حول أعناقها ،كأطواق الكللابب التي نستعملها الآن.
,
, بدا الفزع على هذه الكائنات المقيدة ،وأبصارها شاخصة بفزع نحو الرجل الذى يقيدها .. كان الكائن الأول يمثل رجلاً منحني الظهر نحيل الجسد ،وكان رأسه رأس جدي ينتهي بلحية طويلة، وعلى جانبي رأسه قرنان غير كاملي الاستدارة، بجواره مباشرة قبع مخلوق آخر بملامح بشرية، لكن وجهه كان كبيراً مقارنة بجسمه بعض الشيء، وكان فمه مفتوح عن آخره، واسعاً مظلماً كالمغارات ،وقد سالت بعض الدماء من جانب فمه.. أما الكائن الثالث، فكان في هيئة امرأة طويلة، بشعر طويل للغاية، ولكن مقلتيها كانتا سوداوين تماماً بلا ألوان أخرى، وفي آخر اللوحة كان هناك رجل ضئيل للغاية منحنٍ حول نفسه في وضع جنيني برعب .
,
, صورة مخيفة للغاية ،ودقيقة جداً، رسمتها أنامل بارعة ،نجحت في أن تنقل إليهم شعوراً مبهماً بالفزع ،وقال الدكتور محمد ،وهو يشير إليها شارحاً :
,
, -هكذا تخيلوا القدماء أو الكيانات القديمة فيما مضى .. لقد ظنوهم السادة الحقيقيين على هذا الكوكب ..فكما ترون في هذه الصورة المخيفة، فإن ذلك الرجل المنتصب ذو النظرة الظافرة الصارمة هو أحد القدماء ..لم يكن مسخا أو حيواناً أو حتى شيطاناً .. فقط كان شكله بشرياً تماماً ، وقد راح يتحكم في الكائنات الأخرى ،ويذلها.
,
, إن الرجل الذى ترونه برأس التيس هو الشيطان كما تخيلوه ، وتلك المرأة هي الجان أو الساحرات كما إعتقدوا.. وذلك الرجل الضئيل هو الإنسان الحقيقي الضعيف ..وأخيراً فذلك الكائن ذو الرأس الكبيرة يمثل الوحوش ، أو ربما رمزوا به للغيلان مثلاً ..المهم أنهم هنا يريدون أن يخبرونا أن القدماء ذوي قوة مريعة ،وأن الكل يخشاهم ،وأنهم هم السادة الحقيقون على ظهر هذا الكوكب.
,
, إعتدل بعدها على كرسيه ثم التفت إليهما ،وأخذ نفساً عميقا من غليونه قبل أن يكمل، وهو يترك الكتاب على الطاولة أمامه مفتوحا كما هو :
,
, -في الواقع إن القدماء أو الكيانات القديمة ظلوا دوماً مثار اهتمام الكثيرين طوال الوقت ،ربما لغموضهم ،وربما لكثرة الأساطير المنسوجة حولها .. البعض يتحدث عن أنهم أول الكائنات خلقها **** لتعمر الأرض؛ لكنها كانت قاسية كافرة عصت ****، وقامت بأعمال شريرة للغاية للدرجة التي استوجبت أن يرسل **** عليهم ملائكتة لتدميرهم وتشييتهم .. طبعاً هناك بعض الإشارات لشيء مثل هذا في الكتب المقدسة؛ فقد تم ذكرها في القرآن والتوراة، وإن لم تحدد اسمها ..البعض الآخر أشار إلى أنها كانت إحدى التفسيرات لنشوء فكرة الآلهة الوثنية ..هل كانت الآلهة الوثنية كائنات قديمة أبهرت البشر ،وأفزعتهم بقوتها وقدراتها المخيفة مقارنة بضعف البشر ، فعبدها البشر اتقاء لشرها ،ولنيل رضاها ؟.. شيء محتمل..
,
, هنا قال الدكتور محمود مقاطعا ومعترضا على الفكرة:
,
, -وهل يعبدهم البشر فقط لأنهم يخشونهم ويخافون شرورهم ؟..
,
, ألا ترى أن هذا الحديث يحوي مبالغة بعض الشئ ؟
,
, -لقد جافيت الحقيقة يادكتور محمود هذه المرة ..لقد عبد البشر دوما كل شيء يخشونه أو يجهلونه ..عبدوا السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال والحجارة والأصنام والحيوانات ؛كما عبدوا ملوكهم ،وكهنتهم أحيانا .. فليس غريبا أن يعبدوا هؤلاء، وقد رأوا قوتهم .. تفهّم الدكتور محمود الأمر، واكتفى بهز رأسه، فأكمل الدكتور محمد:
,
, -بالطبع كانت الكيانات القديمة ،أو القدماء مثار اهتمام الباحثين في قوى السحر والخوارق دوما على مر العصور ..البعض تحدث عن كتاب فرعوني قديم يتحدث عنها بصورة تفصيلية .. لكن أين هذا الكتاب، ولماذ اختفى وما اسمه ؟ .. لا أحد يملك الحقيقة.. هتف الدكتور مصطفى بحذر:
,
, - ربما كانوا يقصدون كتاب "أينوخ "..لقد سمعت عن هذا الكتاب من قبل..
,
, -ربما ..أن"أينوخ "هو كتاب سحر شهير ترجمه الساحر البريطاني الأشهر «دانييل دي» .. الكتاب منسوب للفراعنة وكهنتهم ،ومن المفاهيم الأساسيه فيه، أن هناك عشرين شيطاناً جاءوا الأرض ،وتزوجوا بنات البشر فأنجبوا ذرية مخيفة .. يقولون إن أفراد هذه الذرية كانوا متقدمين علمياً جداً عن الآخرين، وقد صنعوا أسلحة متقدمة متقنة ، ومجوهرات عجيبة ، كما أنهم كانوا يقتاتون على الدم.. هل كان هؤلاء الشياطين العشرين هم القدماء .. من يدرى؟..
,
, في القرون الوسطى شاع ذكرهم في بعض كتب السحر اللاتينة، ولكن كالعادة كانت كلها إشارات مقتضبة لا تغني ولا تثمن من جوع .. إلى أن نأتي إلى أكثر من تحدث عنها، وأكثر من كتب عنها .. المفارقة هنا أنه كان عربياً هذه المرة .. كان يدعى عبد**** الحظرد.. زعموا أنه كان شاعراً يمنياً قد اشتغل قديماً بالسحر وتعلق بالقوى الخفية.. بالمناسبة هل سمعتم عنه من قبل؟..
,
, تطلعا إليه بدهشة، وتبادلا النظرات ..ثم هزا رأسيهما نفياً ..فأكمل :
,
, -المفترض أنه شاعر عربي ولد في صنعاء ٣ نقطةلقبه البعض بالشاعر المجنون لعجب أفعاله وغرابتها..تعلم السحر ،وادعى إنه اتصل بالكائنات القديمة، ليؤلف بعدها كتاباً شنيعاً عن الكيانات القديمة مؤكداً وجودها ، واصفاً بدقة كيفية استحضارها والاتصال بها .. الكتاب اسمه" العزيف"، وحين تمت ترجمته إلى اللاتينية صار اسمه" نيكرونوميكون "..
,
, بالطبع وقبل أن أتحدث عن الكتاب يجب أن تعلموا أنني لم أحصل على أي إفادة عن حقيقة هذا الشاعر العربي حين حاولت أن أتتبع وجوده في كتب التراث العربي ،فلاذكر له على الإطلاق فى كتب التراث العربي ،ولا آثار شعريه باسمه .. إنه في التراث العربي كأنه العدم.. لم يوجد قط .. الغريب أن أول من ذكر هذا الشاعر كان كاتب الرعب الأمريكي "لافكرافت"..حيث ذكر كتابه في الكثير من قصصه.. هل كان هذا الشاعر من بنات خيال ذلك الكاتب الأمريكي الموهوب ..مرة أخرى نحن نلعب في منطقة لا شيء فيها يقينى.. فكل شيء يحتمل طرفي الحقيقة.
,
, وصمت مرة أخرى .. كانت القهوة أمامه، وقد قدمتها إليهم مديرة المنزل، فارتشف رشفة منها ،وأعاد الغليون لفمه، وسحب نفساً طويلاً ثم أطلقه ببطء، وأكمل :
,
, -هذا عن الكاتب فماذا عن الكتاب .. إن اسمه في اللاتينية يعنى أشياء كثيرة ،مثل كتاب الموتى ..كتاب أسماء الموتى ..كتاب تصنيف الموتى .. أسماء مخيفة كما ترون ..يقولون إن الكتاب تبلغ عدد صفحاتة حوالى 900 صفحة في سبعة أجزاء .. طبعاً التسمية العربية الأصلية "العزيف " تعني في العربية الأصوات التي تصدر ليلاً من الحشرات، والتي كان يعتقد العرب أنها أصوات الجن والشياطين. تمت ترجمة الكتاب إلى الإغريقية بواسطة" ثيودور فيلاتاس"، وأخذت اسم" نيكرونوميكون" من وقتها.. تم إحراق هذه النسخه «بعد محاولات من قبل البعض لعمل أشياء مريعة» بواسطة البطريك "مايكل "الأول في عام 1050 م.
,
, ويذكر "لافكرافت "أن النسخة اللاتينية ظهرت مجدداً في القرن الخامس عشر في ألمانيا ،والقرن السابع عشر في إسبانيا ،وظهرت النسخة الإغريقية في القرن السادس عشر في إيطاليا.
,
, ويعتقد أن الساحر "جون دي" قام بترجمة الكتاب إلى الإنكليزية إلا أن "لافكرافت "قال أن الكتاب لم يطبع أبدا . ويزعم البعض أن هناك نسخة وحيدة متبقية في مكتبة الفاتيكان.
,
, أما النسخة العربية فقد اختفت تماما من الوجود في الوقت الذي منعت فيه النسخة الإغريقية من الكتاب.
,
, حيث بحث عنه"إدريس شاه" في جميع المكتبات العربية والهندية، ولم يجد له أثراً.
,
, ويذكر" لافكرافت "أن النسخة العربية من الكتاب ظهرت في القرن العشرين "بسان فرانسيسكو" إلا أنها أ حرقت فيما بعد.
,
, يقال كذلك بأن الكتاب ترجم إلى العبرية على الأرجح في عام 1664 م بواسطة "ناثان غزة" و سمي "بسيفر هاشاري حاداث" أي كتاب بوابات المعرفة.
,
, والكتاب على عكس مايعتقد ليس بكتاب سحر بل تأريخ للكيانات، والحضارات القديمة ،والعديد من الأحداث التي تم التلميح لها في القرآن، و في سفر التكوين ،وكتاب "أينوخ" الفرعوني ،وبعض الأساطير القديمة ..كلها تتحدث عن الكائنات القديمة التى سكنت الأرض قبل البشر ..وأنها تعيش وراء هذا العالم ..وأنه يمكن الاتصال بها ،وأنها تسعى دوما للعودة إلى الأرض لاستعادتها من البشر بعد التخلص منهم.
,
, أيضا يذكر الكتاب كيف أن هذه الكائنات اتخذت هيئة البشر بل، وأيضا تزوج بعضها من البشر ؛ليتكاثروا لأن أعدادهم قليلة للغاية.
,
, كل هذا حتى الآن كلام مرسل ..حتى الكلام الذي قيل عن قيام الساحر البريطاني الشيطاني "كروالي" باقتباس الكثير من كتابه البشع في السحر المسمى بالقانون من ترجمة دى لكتاب "النيكرونوميكون".
,
, صمت مرة أخرى وابتلع ريقه ، وهو يترقب تأثيره على نفوسهما قبل أن يقول مبتسماً ، وهو يشير إلى الكتاب المفتوح أمامهم :
,
, - بالطبع يتبقى هذا الكتاب الذى يتحدث عنهم بصورة أكثر تفصيلياً ..هيئتهم ..الاتصال بهم ..أعمارهم ..بل وكيفية مواجهتهم ..من الغريب أن شهرته أقل بكثير من عزيف ،بالرغم من الفرق الجلي في الكتابين ..إن عزيف كتاب شهرته أكبر بكثير من قيمته الحقيقية ،وهذا كتاب قيم بحق لكن بلاشهرة..في الواقع إن هذا أمر رائع ،فلايجب أبداً أن يعلم الكثيون أو يتحدثوا عن هذا الكتاب.
,
, كانت أنفاسهم محبوسة من الإثارة ..وهم يستمعون إلى كم المعلومات الذى ينهال على آذانهم .. هناك أشياء أخرى في العالم يجهلونها بشدة.. ربما كان هذا ؛لأنهم لم يتخيلوا وجودها قط .. كيف ومتى عرف هذا الرجل كل هذه المعلومات الغزيرة، ومن أين استقاها؟..
,
, وغمغم الدكتور مصطفى بصوت مبحوح من الإثارة :
,
, -لكنك لم تخبرنا كيف عرفت أن هذه الجثة لأحد هذه الكيانات القديمة كما تسميهم ؟.
,
, -هناك أشياء تميزهم .. إن هيئتهم بشرية تماما ..أعمارهم طويلة للغاية حتى إنها تتجاوز آلاف السنين.. ما أمامكم ليست جثة ميتة .. بل إنها أحدهم ،لكنها في سبات عميق.. شيء يشبه البيات الشتوي الذي تمارسه بعض الحيوانات ..لكنه هنا قد يصل لعدة قرون .. لو لاحظتم فالجثة لم تتحلل على الإطلاق ،ولم يظهر عليها أي عامل من عوامل التحلل .. إنها تبدو كفتاة نائمة لا أكثر..ثم إنكم قد حقنتموها بالفورمالين لحفظها ..وكما رأيتم، فإن جسدها قد لفظ هذا الفورماليين من خلال مسامه،حتى أن عروقها مازال بها دماء كما رأيتم حين سحبت بعضه بالمحقن .. هل لاحظ أحدكم الرائحة الزكية المنبعثة منها ..إنها من مميزاتهم ..أنهم في غاية الرقي ،وليسوا متوحشين بدائين كما قد يتوهم البعض.. كما أن أجسادهم في حاله الثبات تطرد المياه عنها ،وتبخره كي يبقى الجلد جافا دائما ..لقد رأيتم كيف تصاعد البخار منها ؛حين وضعت قطرات الماء عليها.
,
, -هل تعني أنها حية، وتدري بما يحدث حولها.
,
, قالها الدكتور مصطفى بحيرة ،فأجابه الدكتور محمد:
,
, -ليس بصورة كاملة.. إنها مازالت في مرحلة السُبات.. شيء كالنوم أو الخدر عندنا مثلاً.
,
, -ولماذا لم تفق بعد، وتعلن عن نفسها إذا.. هل هي بانتظار شئ ما؟.
,
, -إنها مازالت تحت تأثير بياتها الطويل هذا ..إنه ليس نومنا الذي نألفه، والذي يكفي فيه مؤثر ما، لتستيقظ منه .. إنه طقس سحري قوي ، ولابد من طقس مقابل له كي تفيق ..لكنها بالرغم من ذلك ليست معزولة بالكامل عن العالم الذي يحيط بها ..فهي تتأثر بما يحدث حولها بصورة ما .. وحين الخطر هي قادرة على حماية نفسها بصورة تفوق تخيلكم ..إن مايحدث لها الآن يشبه حلم تحلمه، ولكن نظراً لقواها الخارقة ، فالكثير مما تحلم به تحققه في الواقع .. هل قتلت في حلمها تلك الطالبة ..ربما هذا ماحدث ..وهل قتلت الطبيب الشاب كذلك؟.. احتمال مؤكد .. فهو كما ذكرتم كان يهم بتشريح جثتها، وكان عليها حماية نفسها منه ..لماذا تراءت لعمال المشرحة .. ربما تتسلى بارهابهم أو تحذرهم منها .. لاحظوا أن كل هذا الرعب الذي تعيشونه، وهي لم تفق بعد من سباتها هذا؛ فماذا ستفعل بكم لو كانت يقظة واعية ؟.. إنني أترك هذا لخيالكم! .
,
, كان تفسيراً مخيفاً لما يحدث .. وغمغم الدكتور محمود ،وهو يزدرد لعابه بصعوبة :
,
, -هل تعني أن هناك احتمال لأن تفيق من سباتها كما تقول؟
,
, -إنها في سبيلها لهذا بالفعل ..لقد بدأت منذ البداية في ممارسة طقوس العودة ..إن القدماء اقوياء للغاية وليسوا بحاجة لمن يقوم بعملهم بدلاً منهم ..إنها من قامت بطقس البيات الطويل وهي أيضا من تقوم بإعداد العدة لطقس العودة.
,
, وشعر الدكتور محمود بجفاف في حلقه، من هول الفكرة المفزعة، فقال وهو يبتلع ريقه بصعوبة :
,
, -ماذا تعني أنها تمارس طقوس العودة؟.. إن كلماتك تثير الفزع حقا في نفسي.
,
, -وهل يمكنني أن ألومك على فزعك؟! .. ذلك الطقس يسير على قدم وساق منذ البداية ..ألم تلحظ حين قمت يادكتور محمود بتشريح جثتي الفتاة والطبيب أنها خالية من الدماء ..إنها بحاجة لدم بشري .. البعض يتحدث على دماء بشرية لثلاثة بالغين، والبعض يتحدث عن أكثر ، لقد ذكر كتاب اللعنات هذا الأمر وفصله كثيراً..
,
, -ولماذا تحتاج إلى كل هذه الدماء؟.. هل تتغذى عليها مثلاً ؟.
,
, سأل الدكتور محمود ،فصمت للحظة ثم أجاب ببطء:
,
, -ربما.. وربما كانت تحتاجها لتجديد دمائها مثلا .. لقد حصلت بالفعل على دماء بشريين ،ولن يكون عسيراً عليها أن تحصل على دماء ثالث أو أكثر ..أيضا هناك الجثث المحلقة حول جسدها..لو لاحظتم كانت الجثث ترسم أضلاعا خفية لمربع ..هنا هى بحاجة إلى جثتين أخريتين ليكونوا ستة .. وما يستحق الرعب من هذا، هو من سوف تختاره، وتقتله لتكمل طقوس عودتها .. إن كل واحد احتك بها ،أو آذى جسدها هو ضحية محتملة لها ..وكلنا كما ترون قد فعل ..ولهذا قد تختار أحدنا ..فلا أحد يعلم مايجول برأسها ، وفيما تفكر.
,
, وقال الدكتور مصطفى هذه المرة بصوت مخنوق:
,
, -ولماذا يجب أن تكون الجثث ست ..بل ولماذا تلك الجثث في الأساس .. لا أعتقد أنها ستتغذى عليهم مثلاً.
,
, ضحك الدكتور محمد ،وأجاب:
,
, -الطقوس تتطلب جثثاً ستة .. كل واحدة منها في رأس من رؤوس نجمة سداسية .. نجمة داود لو شئتم الدقة ..أعتقد أن النجمة السداسية، ولاأدري في الواقع لماذا نجمة داود وليس النجمة الخامسية التي تملك قوى سحرية ما، والتي يزعم هذا كل من عمل بالسحر والخوارق.. أما لماذا الجثث فـ لأن الطقوس لا يشهدها الأحياء، لابد من ضحايا وقرابين كي تتم الطقوس بصورة سليمة.
,
, وغمرهم الصمت للحظة قبل أن يقول ثانية :
,
, -بقى شيء أخير.. يجب أن تمر عليها دورة قمرية كاملة ؛كي تتم الطقوس، ولو كانت المواعيد التي أخبرتموني بها دقيقة ،فهذا يعنى أن الطقوس ستكتمل بعد غد مساء ..حينها سوف تفيق ولا أريد في الواقع أن أتخيل ماسيحدث بعدها معنا ؟
,
, رمقوه بوجوم ويأس،وهم يتخيلون الفوضى التى سوف تحدث لو استيقظت هذه الفتاة من سباتها ..وقال الدكتور مصطفى بصوت مرتجف:
,
, -لكن ألا يمكن إيقاف هذه الطقوس ،أو تعطيلها مثلاً، أو حتى القضاء على الجثة نفسها بوسيلة ما.. يمكننا أن نحرقها مثلا ،أو نذيبها في الحمض.
,
, عدل الدكتور محمد من وضع غليونه ، وثَبَت نظره على عينيه وأجاب بهدوء:
,
, -يبدو أنك ياسيدي لم تعى ماذكرته عنهم ..إنهم مختلفون تماما عنا ، ولايمكن القضاء على أحدهم بطرقنا المعهودة، نحن كبشر أضعف من أن نقوم بشيء كهذا ..لاحظ أنهم يمتلكون قوى خارقة حتى بالنسبة للشياطين ، وكائنات الظلام الأخرى ..كما أن قدراتهم هائلة في الحفاظ على أنفسهم من أي سوء. لا تنتظر أن تؤثر النيران أو الحمض على اجسادهم أو حتى أي شيء أرضي آخر.
,
, و ازداد إحباط الدكتور مصطفى ،فتمتم بعجز:
,
, -هذا يعني أنه لا أمل إذا ؟
,
, -أنا لم أقل هذا ..إنني أفكر في طقس مضاد قد ذكر بكتاب اللعنات ، قد يعطل طقس العودة هذا .. لكنني لست متيقناً إن كان هذا الطقس حقيقي أم أنه مجرد هراء ..لسوء حظنا أن الكتاب لم يذكر إن كان أحد قد قام من قبل بهذه الطقوس أم لا .. لهذا فليس أمامنا إلا أن نجرب ،ونتحمل النتيجة كاملة ، حينها ربما ننجح ،أو نهلك لو فشلنا.. ثم أغلق الكتاب ،وتنهد قائلاً بصوت غريب مرتفع:
,
, -والقرار لكم الآن ،وقد أخبرتكم ما أعلمه، ومانواجهه ..فماذا أنتم فاعلون؟
,
, امتقعت وجوههما، وتبادلا النظرات الحائرة ،دون إجابة.
 
٤٦


في نفس الوقت كانت هناك أشياء مثيرة تجري في المقطم كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل ببضع دقائق.
,
, إنه بيت الشيخ عبد العاطى .. ولم يكن الرجل بمفرده في المنزل .. كان قد أقنع إحدى زبائنه التي جاءته بضع مرات ؛كي يجد لها حل ما لزوجها الذي هجرها وطلقها ..ليتزوج آخرى، أن تقضي ليلتها ببيته معه .. كان الرجل قذراً ، لا يتوانى عن فعل أي من الموبقات مادامت سترضيه، وترضي شهواته .. فالرجل قد بدأ حياته قواداً بشارع الهرم ..ليتحول بعد سجنه إلى لص.. ثم أطلق لحيته بعد أن خرج من السجن مرة أخرى وتحول لمهنة أخرى .. صار نصاباً هذه المرة وقد عمل دجالاً.
,
, سكن في مكان جديد مغيراً اسمه إلى الشيخ عبد العاطي ،مقنعاً الجميع أنه ببركة الأولياء ،صار قادراً على تسخير ملوك الجان ،وأنه قادر بإذن **** على قضاء كافة الحوائج ،وحل كل المصائب.. كان قد تحول بسهولة من قواد إلى لص ،وأخيراً إلى نصاب ودجال ..لكنه ظلّ كما هو، لايتورع عن فعل أي من الموبقات ولايتناهى عنه .. كانت المرأة البيضاء البدينة بانتظاره داخل حجرته وقد تخففت من الكثير مما تلبسه وإرتدت قميص نوم أحمر فاقع لونه.. بينما كان هو بالخارج جالساً على بساط مفروش بالصالة ،وأمامه لوازم طقوسه التd يقوم بها في كل مرة يكون لديه واجب منزلd؛ كما يحب أن يطلق على السيدات اللاتي يعاشرهن.
,
, الطقوس المعتادة كانت قطعة أفيون مرة يضعها تحت لسانه، ويمتصها ببطء لتصفية دماغه ،كيلو من الكباب والكفتة أو دجاجة مشوية كاملة ، لشحن طاقته .. وزجاجة بيرة لتنشيط دورتة الدموية .. وفى النهاية حجر من الشيشة الممزوجة بالحشيش.
,
, كان جالساً يأكل بتأن، وهو يفكر في اللحظات السعيدة القادمة.. ومن الداخل أتاه صوت المرأة رفيعاً رقيعاً ،مائعاً ومنادية بشبق:
,
, -ألن تأت ياشيخ عبد العاطي ..لقد تأخرت يا رجل!..
,
, أطلق ضحكة خشنة ، وهو يرد:
,
, -اصبري على رزقك يا امرأه ،ولا تتعجلي.. إنها بضع دقائق فقط وسأتيك ؛ لأعلمك أسرار ملوك الجان كلها.
,
, أجابته بضحكة مائعة ؛ فابتسم برضا عن نفسه ..وأخذ يكمل طعامه.
,
, تحركت عيناه نحو آخر الصالة في منزله، فرأها تختفي في الظل ،وجل قلبه للحظة ،وهو يتساءل منْ هذه ، وكيف دخلت منزله ؟..
,
, هل نسى أن يغلق الباب ؟..
,
, بنعومة وتؤدة تقدمت نحوه ،ليكتشف بعد ثوان بعد أن دخل وجهها دائرة الضوء أنه أمام امرأة فاتنة للغاية ..سبقها لأنفه عطر مثير أخآذ تفاعل مع الأفيون الذي امتص بعضه منذ قليل في خلايا دماغه الرمادية، فاحتقن وجهه باهتياج، وابتسم ببلاهة، ولعابه يسيل ملوثاً جانبى فمه من الإثارة .. لم يسأل نفسه بعدها كيف دخلت إليه ومن هي، ولا ما تريده ؟.. إنها فاتنة جذابة ، وفي منزله الآن بعد منتصف الليل..كان هذا يكفيه منها ليفكر في أمور آخرى .. ظلت الابتسامة البلهاء على وجهه ،وظلت الفاتنة تتطلع إليه بابتسامة مثيرة لعوب ،وقد صارت أمامه الآن ..وارتكنت على الحائط بذراعها ، وبدا أنها تتنظره أن يبادرها بالكلام.
,
, طال الصمت، فقطعه قائلاً بصوت مبحوح من الإثارة:
,
, -أنا الشيخ عبد العاطي، لو كنت جئت من أجله .. كيف يمكننى أن أخدمك ؟.. اطلبي ماشئت فأمرك مجاب .. أجابت بصوت مثير :
,
, -لقد جئت من أجلك أنت ؟
,
, شعر بالدماء الحارة تندفع إلى رأسه بشدة .. وبح صوته بشدة وهو يردد:
,
, -وأنا في الخدمة.. تعالى إليّ.
,
, لم ترد عليه، ولم تجب يده التى امتدت نحوها ،ومن الداخل جاءه صوت المرأة التي بالداخل، متسائلة بقلق وقد وصلت إلي مسامعها حديثه مع الفاتنة الغريبة :
,
, -مع من تتحدث ياشيخ عبد العاطي ٣ نقطةهل معك أحد بالشقة؟
,
, شعر بالإزعاج ..ليس هذا وقته أبداً .. وقال مرتبكاً ، وهو يتطلع إلى الحسناء التي أمامه؛ خشية أن تتركه؛ لأن هناك أخرى معه :
,
, -إنها إحدى الزبائن ..وسوف أطردها حالاً .. لاتدعي هذا يزعجك أرجوك.
,
, إلا أن الفاتنة قالت له في غموض وإبتسامتها تتسع:
,
, -لا داعي لهذا يا فتاي ،فأنت من ستأتي معي.
,
, ومدت يدها إليه؛ فمد يده بلهفة ؛كي يلامس أناملها..لكنها قبضت فجأة على يديه بقوة فصرخ ألماً وفزعاً .. وأظلمت الدنيا بعدها في عينيه للحظة ،قبل أن يعود الضوء إليها ثانية .. لكن هذه اللحظة بدلّت كل شيء.. لم يعد بداره ..ولم تعد هناك الفتاة ..كان معلقاً من قدميه في الهواء ورأسه لأسفل ..وبالرغم من الظلام إلا أن بعض خيوط ضوء القمر الفضية استطاعت اختراق النوافذ الزجاجية فرأى مذعوراً ما حوله.. كانت هناك أجسام ساكنة معلقة مثله في الهواء .. أغمض عينيه المحتقنة ،وعاد يفتحهما برعب ليرى إن كان يحلم .. لكنه لم يكن يحلم..كان كل شيء حقيقياً تماماً، وأدرك فجأة الأجساد الساكنة المعلقة حوله .. إنها جثث بلاشك .. أخذ يصرخ بفزع ويصيح طلباً للنجدة، حتى أتاه صوتها مخيفاً من أحد الأركان المظلمة قائلة بغضب:
,
, -الآن قد حان وقت الحساب أيها الغبي ..هل تعتقد أنك بحجابك السخيف ،والبول القذر ستتخلص مني ..ما رأيك لو فعلت الأمر نفسه الآن معك..مارأيك لو جربت البول أنت الآخر؟
,
, هنا فوجئ بصراخه يكتم في حلقه..ووجد نفسه مرغماً على فتح فمه باتساعه .. وراح سائل لزج من مكان خفي يندفع إلى فمه مرغما إياه على أن يبتلعه .. وأخذ يبتلعه رغماً عنه شاعراً بطعمه الحامضي، ورائحته الكريهة المثيرة للغثيان ، وحين تعالت الرائحة أدرك أنه يبتلع بولاً بشرياً .. حاول أن يغلق فمه، وأن يمتنع فلم يقدر.
,
, حاول أن يتحرك فلم يتمكن .. ظل يبتلع، ويبتلع المزيد شاعراً بالاختناق،حتى بدأ السائل ينهمر نحو رئتيه، فكان الألم مريعا وقد أزاح البول الهواء من مسكنه الدائم بالشعيبات الهوائية.
,
, ومع آخر دفقة من وعية ،وقبل أن يفقده للأبد، كانت أمامه تبتسم ساخرة قائلة :
,
, -هل أعجبك البول أيها الأحمق؟..
 
٤٧


في تمام الثالثة فجراً شعرت باتعة بصوت ما خارج حجرة نومها فوجلت ، نهضت وهمست في أذن زوجها النائم بجوارها محاولة اختراق الظلام بعينيها وهي تهز جسده برفق..
,
, -استيقظ يا متولي ..أشعر أن هناك أحد ما بالخارج.
,
, انتبه على الفور لما تقوله ؛فجلس بجانبها يلهث ،وأخذ يصغي السمع قبل أن يقول بتوتر، وهو يدعك عينيه:
,
, -إنني لاأسمع شيئاً.
,
, -هناك من كان يسير بالخارج ..أنا متأكدة مما أقوله.
,
, -ربما كان أحد الأولاد ..أو ربما يكون جرذاً يعبث في مكان ما.
,
, إلا أنها لم تشعر بالارتياح لتفسيراته ،فعادت تقول بإصرار:
,
, -إنني أعرف خطوات أبنائي ..ليسوا هم من يتحرك بالخارج.. وبرجاء وخوف أكملت:
,
, -اذهب أرجوك لترى من هناك ..ربما كان لصاً وقد يؤذى الأولاد.
,
, شعر بالخوف على أبنائه فنهض ..أمسك بهراوة خشبية يحتفظ بها أسفل الفراش لمثل هذه الظروف ،واندفع سائراً على أطراف أصابعه نحو باب الحجرة ..فتحه ثم خرج بتردد.. كان الصالة غارقة في الظلام ،فتحسس بيده الحائط باحثا عن مفتاح الإضاءة وهو يحاول عبثا اختراق الظلام بعينيه ..لم يعثر عليه في مكانه المعتاد ..فمد يده موسعاً من دائرة بحثه ، محاولاً الوصول إليه ..
,
, -لن تجده !
,
, دوى هذا الصوت العابث في أذنه فجأة، فأفلتت صرخة منه دون وعي.. بعدها حدث كل شيء سريعاً ..أخذت زوجته تصرخ برعب كما لم تصرخ من قبل حين سمعت صرخاته .. في نفس اللحظة امتدت يد باردة لتمسك بمعصمه بإحكام ،وشعر بقوة هائلة تسحبه إلى مكان بعيد .. مكان آخر وعادت الإضاءة للشقة التي مازالت الزوجة تصرخ فيها ،موقظة للمرة الثانية كل الجيران في منتصف الليل.. وظلت تصرخ بشدة، وتولول حين أدركت أن زوجها لم يعد بالشقة .. لقد اختطفته الجنية مرة أخرى ..راحت تطلم خديها،وتصرخ بيأس.. التف الجيران حولها بحيرة حقيقة، وشفقة ..وراحوا يبحثون عنه في كل مكان .
,
, لكنهم لم يعثروا عليه أبداً .. كان في مكان آخر وبعيد ..كان في المشرحة الأن معلقا وسط الجثث .. حيث انتهى أمره الآن للأبد..
 
٤٨


كان اليوم التالى هو الخميس ..
,
, كان هذا هو يوم الأجازة بالكلية ..لهذا لم يذهب أحد إلى المشرحة، ولم يدرك أحد أن جثتين جديديتين قد أضيفتا إلى الجثث الموجودة هناك بالفعل ..لقد صاروا ست الآن بخلاف جثة رومية، أو الكيان القديم بمعنى أدق.
,
, فى اليوم السابق طلب الدكتور محمد شاهين من الدكتور مصطفى والدكتور محمود أن يقضيا ليلتهما معه بالفيلا .. فقد رأى أن هذا أكثر أماناً لهم جميعا ، ولأسرهم ،وهم حتما لايرغبون في إثارة فزعهم بأي أحداث غامضة ، أو زيارات غير متوقعة من تلك الفتاة .. لقد حدث هذا من قبل مع عمال المشرحة، وكانت زيارة غير محببة على الإطلاق.. كان متأكداً من أن الفتاة قد شعرت بهم .. وربما أدركت أنهم سيحاولون أن يمنعوها من إتمام طقس عودتها.. وكتاب اللعنات اللاتيني القديم الذي كتبه الراهب، يتحدث طويلاً عن المصير المظلم لمن يحاول هذا، لو أدرك أحد من القدماء بهذا.
,
, لذا قرروا أن يقضوا هاتين الليلتين المتبقيتين سوياً.
,
, جلس الدكتور محمد شاهين بحجرة مكتبه على أحد المقاعد الجلدية ،وراح يدخن غليونه ببطء وشرود ،وعقله يسبح في الكثير من الذكريات .. راح يفكر في حياته العجيبة التي واجه وشاهد فيها الكثير ..لقد اعتقد من قبل أنه شاهد كل شيء غريب .. لقد رأى أشباحاً .. واجه جاناً .. اصطدم بكائنات مخيفة ..تعامل مع جماعات غريبة وخطيرة ..لكنه كان ينجو دوماً.
,
, لكن هذه المرة تختلف.. إنه لأول مرة في مواجهة أحد الكيانات القديمة .. لم يبخل الكتاب اللاتيني القديم الذى طالما قرأه من قبل في التحدث عن القدرات اللامحدودة لتلك الكائنات ..كانت أقوى من عاش على الأرض يوماً ،فهي تمتلك قوة السحر والظلام نفسه ..إنها أصل القوة والشرور .. المشكلة الحقيقية أنه لا أحد يزعم أنه يعلم كل شيء عن هذه الكائنات .. وبالرغم من تواجدها بيننا دائما ،لكن أحدا لم يقترب منها إلا وأصابه شرها.. الكتب الجادة التي تناولتها على مر العصور قليلة للغاية، لاتتعدى أصابع اليد الواحدة، ولاتقدم الكثير للباحث الحقيقي .. ومن حسن حظه أنه يمتلك أحد أهم تلك الكتب .. كتاب اللعنات .. ذلك الكتاب الذي ألفه ذلك الراهب الروماني القديم قبل أن يهلك .. لكن ما أدراه أن ما ذُكر في هذا الكتاب من معلومات صحيح .. أليس هناك احتمال ما ،أن ما بالكتاب من معلومات ،وطقوس قد تكون مزيفة لا قيمة لها.. شعر بجفاف في حلقه حين وصل تفكيره لهذه النقطة ..لو كان صحيحاً أن المعلومات التى يحتويها الكتاب عن الكيانات القديمة مغلوطة فهذا يعنى هلاكهم بالتاكيد .. فهذا الكتاب والطقوس التي يتحدث خلالها عن طقوس العودة والطقوس المضادة لها هي كل سلاحه الذي يملكه الآن..شعر بالتشتت، ومرة أخرى تمنى لو لم يشترك في الأمر من البداية ..ولكن وقد دارت العجلة، فليس أمامه إلا الاندفاع معها للنهاية .
,
, لاحت ابتسامة خفيفة على ثغره حين تذكر كيف أنه قد تمنى يوماً حين كان أصغر سناً أن يقابل أحد هذه الكائنات ..بل وراح يبحث عنها حثيثاً مقتفياً العلامات الدالة على وجودها والتي ذكرها الكتاب.. كانت رغبة حمقاء .. تأكد من هذا الآن ..فأمنيته السخيفة على وشك التحقق الآن ،ولكن في صورة مواجهة يدرك أن احتمالات هلاكه فيها عالية للغاية.
,
, لكنه لن يصرح لمرافقيه بمخاوفه، وإن لن يخفي عليهم كل الاحتمالات القائمة .. لايريد أن يخدعهم؛فيدفعهم إلى هلاكهم لو فشلت المواجهة، ولا يريد أيضاً أن يتحمل مسئولية الأمر بمفرده، فهذا أكبر منه.
,
, قضوا ليلتهم حتى الفجر دون نوم ..فلا أحد منهم كان قادراً على النوم الآن. ولكنهم بعدما أدوا **** الفجر شعروا ببعض الراحة ؛فداعب النعاس أعينهم، وناموا في حجرة واسعة معاً ، فقد اقترح الدكتور محمد ألا يبيت أحدهم بمفرده.
,
, فى تمام الحادية عشر صباحاً أيقظهم الدكتور محمد ..تناولوا إفطارهم معاً ، وبعدما انتهوا ذهبوا إلى مكتب الدكتور محمد؛ لتناول القهوة هناك .. ارتشف الدكتور محمود قهوته وقال:
,
, -والآن ماذا علينا أن نفعل؟..ألن نستعد لتلك المواجهة بشيء ما.
,
, أجابه الدكتور محمد بهدوء :
,
, - لاحاجة بكم للقيام بأي شيء الأن ..يمكنكم العودة إلى بيوتكم الآن ،كي تطمئنوا زوجاتكم وأبناءكم عليكم، وليكن لقاءنا مساء .. سنبيت معاً مرة أخرى ، فلا زال الخطر قائماً كما تعلمون.
,
, -فكرة صائبة ..لكن ماذا عن الغد ..لم تخبرنا حتى الآن ما الذي سنقوم به؟
,
, قالها الدكتور مصطفى ٣ نقطةفأجابه الدكتور محمد، وهو يزفر سحابة صغيرة من الدخان من جانبي غليونه :
,
, -سنفعل ما اتفقنا عليه ..سوف نذهب إلى المشرحة ؛لنحاول أن نمنع طقس العودة ..مرة أخرى أذكركم أنها قد تكون رحلة بلاعودة ، وربما نفشل ؛ فتكون نهايتنا حينها ،لا أقول هذا لأخيفكم ،ولكن من حقكم التفكير في عواقب مانحن مقدمون عليه الآن ،والقرار مازال بأيديكم .. ففكرا جيداً.
,
, ابتلع الدكتور محمود ريقه بتوتر، وغمغم :
,
, -وماذا لو لم نذهب..أعني ماذا لو تجاهلنا الأمر؟٣ نقطة
,
, - ستتم طقوس العودة، وحينها أؤكد لك أننا سنكون في أول قائمة ضحايا هذا الشيء. إننا نتعامل مع شيء كالنار ،من يلهو بها، حتماً سيحترق بلهيبها.
,
, صمت الجميع بعدها..كان الدكتور محمد يشعر بالصراع الدائر في صدورهم وعقولهم، لقد واجه نفس إحساسهم هذا من قبل ؛حين كان عليه أن يواجه شراً ما أو لعنة ما ..وكان يعلم أن أفضل شيء هو أن يتركهم ليقرروا مصيرهم بأنفسهم .. فتركهم لحظات أخرى مع أنفسهم، وأكمل هو شرب قهوته ،حتى قال الدكتور مصطفى ،وقد حسم أمره :
,
, -أعتقد أنني سآتي معك..إن الأعمار بيد خالقها ،ولن يصيبنا إلا ماكتب **** لنا..توكل على **** يا رجل ودعنا نمضى في الأمر معاً للنهاية.
,
, كانت نبرته قوية لا تردد فيها ..وكطبيب نفسى أدرك الدكتور محمد أن مايقوله ليس إحدى محاولات إدعاء البطولة الزائفة .. الرجل بالفعل يؤمن بما يقول.. وسيكون مفيداً له بشدة لو تسلح بمثل هذه الإرادة حتى المواجهة المرتقبة.
,
, فقال له مبتسماً بإعجاب ،ومشجعاً :
,
, - قرار شجاع بحق يستحق التحية ..أنت رجل شجاع بالفعل.
,
, ثم التفت إلى الدكتور محمود مكملاً:
,
, -وماذا عنك يادكتور محمود؟٣ نقطة
,
, ارتسمت ابتسامة متوترة على وجه الأخير ،وأجاب:
,
, -إنني معكم طبعاً ..أنا فقط أتساءل .. هل من شيء ما نفعله استعداداً للغد.
,
, -لاشيء على الإطلاق ..فأنا من سيقوم بإعداد العدة لهذا الطقس السحري ،وأنا من سيقوم بأدائه، وأنتم ستشاركونني فقط في إتمامه .. وحين أنتهى من إعداد المواد التى سنحتاجها سأخبركم بما عليكم أن تفعلوه.
,
, -وهل سنحتاج لمعاونة ما لمساعدتنا ،أعني هل سيكفى ثلاثتنا أم علينا أن نبحث عن متطوعين آخرين؟
,
, سأله الدكتور مصطفى ؛فأجاب الدكتور محمد:
,
, -هذا مؤكد ؛فسنحتاج لتواجد آخرين معنا ..فيجب أن يكون عددنا ست كي نقوم بألامر.
,
, -هل تقترح أحد ما بعينه ،أم أن أى شخص يمكنه أن يشارك؟..
,
, -أى انتحاري أو مغفل لايعنيه حياته يصلح لهذا.. هناك عمال المشرحة مثلاً، اختاروا منهم اثنين ممن تثقون فيهم.. ومن الممكن أن يكون الشخص السادس هو الدكتور نعيم لو رغب في التواجد معنا..
,
, -لا أظن أنه سيوافق على المشاركة معنا ..إنه يرفض الاشتراك فى الأمر بأي صورة،لأنه يرفضها تماماً.
,
, قالها الدكتور مصطفى ،فقال الدكتور محمود بسرعة :
,
, -لا مشكلة في هذا .. أظن أنني أعرف شخصاً سيرحب بأن يشاركنا الأمر.. إنه الدكتور هشام الطبيب الشرعي بوزارة العدل.
,
, - حسناً ..هذا يعني أننا سنصبح ستة .. إن هذا هو كل شيء .. يمكنكم العودة الآن إلى أسركم ،ولكن أرجو أن تكونوا هنا قبل الثامنة مساء.
,
, انصرفا بعدها ،فاتجه الدكتور محمد إلى كتابه اللاتيني ،وفتحه مرة أخرى ، وجلب ورقة صغيرة وقلم ؛ليكتب منه المواد المطلوبة لتنفيذ الطقس..
,
, -ست جماجم لأشخاص بالغين ..كان يمتلك أربعة بالفعل ،ومن السهل أن يوفر الدكتور مصطفى جمجمتين أخريين.
,
, -دماء بشرية ..لامشكلة في جلبها ..هناك بنك الدم الذى يترأسه أحد الأطباء من أصدقائه.
,
, - قط حالك السواد بلاشعرة بيضاء واحدة .. هذا أيضا يمكن إحضاره من أى من محلات بيع الحيونات الأليفة.. كان هذا هو الجزء السيء في الأمر.. لكنه أهم جزء في الطقس.
,
, -بعض البخور والروائح الزيتية..وكانت متوافرة لديه.
,
, -شمع أسود وأحمر .. يمتلكه بالفعل.
,
, -وبعض الأشياء الأخرى التي لاداعي لذكرها .. لكنها عنده بالفعل ..إذا كان كل شيء متاحاً ..ولم يبق إلا التوفيق ليتم الأمر بخير ..لكنه لم يكن واثقا من هذا.
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
٤٩


الجمعة٣ نقطة بعد العصر٣ نقطة
,
, فيلا الدكتور محمد شاهين٣ نقطة
,
, كانوا ست بخلاف الدكتور محمد شاهين نفسه٣ نقطة
,
, الدكتور مصطفى ..الدكتور محمود.. الدكتور هشام ..وكيل النيابة الشاب ..عم منصور .. وأخيراً عبد الدايم ٣ نقطة
,
, نجح الدكتور هشام في إقناع وكيل النيابة بضرورة الحضور ..أخبره أن حل جريمتي القتل سيكون متاحاً هذه الليلة .. وبالرغم من عدم قناعة وكيل النيابة بالأمر ،إلا أنه في النهاية حضر .. قدمت الخادمة المتشككة لهم الشاي والقهوة ،وبعض الكيك والحلوى التي أمرها الدكتور محمد بإعدادها خصيصاً لهم ..وكان الانزعاج بادياً تماماً على وجهها، وهي لا تعلم ماهم مقدمون عليه.
,
, انهمك الجميع في بعض المناقشات الجانبية، وهم يتناولون الكيك والشاي .. ومال الدكتور هشام نحو الدكتور محمود وقال بانفعال:
,
, -حتى هذه اللحظة لا أصدق ما نحن بصدده .. هل تفعل أنت؟.
,
, أجابه الدكتور محمود بابتسامة قلقة :
,
, - أما أنا فقد صرت على استعداد لأن أصدق أي شيء ..أنت لم تكن في المشرحة لترى مارأيت ..إن مشهد الجثث المعلقة في الهواء، لايفارق مخيلتي قط..
,
, - وهل سينتهي الأمر على خير ؟.
,
, -هذا ما أتمناه وأدعو **** به في كل لحظة ..
,
, أما وكيل النيابة الشاب الذى جلس بجوار الدكتور محمد شاهين ، فقد أخذ يلتهم قطعة الكيك التي أمامه بالشاي باستمتاع ،وهو يقول:
,
, -ألست ترى الأمر غريباً أن أكون في مكان به أطباء ذوي مكانة علمية مرموقة ،ثم أراهم يستعدون لمطاردة أشباح وعفاريت؟.
,
, رد الدكتور محمد ببساطة كمن اعتاد مثل هذه التعليقات السطحية:
,
, -إننا لن نطارد أشباحاً .. ولو كان الأمر يتعلق بالأشباح لما كانت هناك مشكلة على الإطلاق ولما كنت بحاجة لمساعدة أحد ما ..ما نواجهه اليوم أخطر بكثير ..أشعر أنك لا تدرك ما نحن مقبلون عليه ..
,
, -لنتكلم بصدق ..إنني لا أصدق شيئاً مما أخبرتموني عنه ..ولا أعتقد أن شيئاً ما سيحدث الليلة..لقد أتيت فقط ؛لأن الدكتور هشام ألحّ في هذا ..لكنني أشك أننا سنخرج من ليلتنا هذه بأي شيء سوى تضيع الوقت.
,
, لم يبال الدكتور محمد بتصديقه من عدمه ،فقال بهدوء:
,
, -أتمنى أن تحافظ على قناعتك هذه في نهاية اليوم..
,
, -هل تعلم يادكتور ..إن هناك أمر آخر يحيرني ..فحتى لو إفترضنا أنني رأيت بعيني أشباح أو عفاريت أو وحوش حتى ،وتيقنت أنها المتسببة في حادثتي القتل بالمشرحة، فلن أستطيع أن أذكر هذا في تحقيق رسمي.
,
, - على الأقل ستعلم الحقيقة حينها، ولن تبحث عن متهم بريء .. أما عم منصور فقد شعر بالكثير من التوتر والقلق منذ فوجئ بالدكتور مصطفى يطرق باب بيته ،ويطلب منه أن يأتي معه .. و مَرَّ بالبيت الذي يسكن فيه عبد الدايم؛ فلحقهما هو الآخر، وفي الطريق شرح لهم بإيجاز ماسيفعلونه .. أخبرهم بطريقة مبسطة أنهم سيواجهون شيئاً خارقاً يشبه في أفعاله أفعال الجان ،وخيّرهم إن كانت لديهم الشجاعة ليشتركوا في هذا الأمر أم ينسحبوا دون تثريب -تَثْرِيبُ الرَّجُلِ: لَوْمُهُ- عليهم ..بالطبع وافقا ،وإن لم يُظْهِرا له كم شعرا بالرهبة والخوف .. تراءت في مخيلة عم منصور أثناء الطريق إلى فيلا الدكتور محمد عشرات الأحداث منذ بدأ الأمر .. الحكايات التي قصها متولي عن صاحبة الجثة، وأفعالها المخيفة .. الطالبة التي وجدوها ميتة بالمشرحة، وكذلك جثة الدكتور شريف .. ماحدث مع متولي حين قضيا ليلتهما معاً بالمشرحة، ومارآه عبد الدايم من الجثث المعلقة ،ومتولي يطير بينها .. الأمر مخيف ولكنه حياء لم يكن بمقدوره أن يظهر أمام الدكتور مصطفى بهيئة الرجل الجبان.. نفس الأمر لم يختلف كثيراً بداخل عبد الدايم ، كان يشعر بالخوف فعلاً ، وإحساس غامض مقبض بداخله يطالبه بالانسحاب وعدم خوض الأمر معهم، وهمس بقلق لعم منصور كي لا يسمعه أحد:
,
, - هل سيمر الأمر بخير يا عم منصور.. إنني لست مطمئناً لما نحن مقدمون عليه.. إن الهواجس والمخاوف لا تفارق عقلي لحظة.
,
, -وأنا مثلك ياعبد الدايم ..أنا أيضاً خائف وبشدة ، لكن لا أرى مجالاً للتراجع الآن ..لندع كل شيء بيد ****، ولندعوا **** أن يمر الأمر بسلام.
,
, صمتا بعدها ،وسرح كل منهما مرة أخرى في أفكاره، وبعد أن انتهوا من الشاي والقهوة والكيك ،جاءت الخادمة ،ورفعت من أمامهم الأكواب ،والأطباق الفارغه.
,
, وأشعل الدكتور محمد غليونه ،وقال موجهاً كلامه للجميع بصوت مرتفع :
,
, -مرة أخرى إنني أرحب بالجميع في منزلي ..ولكن دعوني أذ كركم للمرة الأخيرة بما نحن بصدده ..إن علينا أن نوقف أمراً شريراً للغاية متجسداً في هيئة جثة الفتاة التي بالمشرحة.. والأمر هنا ليس أحد الجان أو حتى الشياطين .. إنه شيءأخطر.. وصمت وعيناه تتنقل بين الوجوه المترقبة ،فأكمل :
,
, إننا سنواجه إحدى الكائنات التى عاشت على الأرض قبلنا منذ آلاف السنين ..كائنات قوية، وشريرة، وملعونة.. يكفي أن أخبركم صادقاً إن مواجهتنا لهذا الشيء قد تحمل هلاكنا .. وأن تعلموا أن احتمالات الفشل فيها أوفر حظاً من فرص النجاح ، و لا داعي لأن أذكركم أن الفشل فيها يساوي هلاكنا جميعاً.
,
, سرت همهمات خافتة بين الجميع وتبادلوا النظرات ،إلا أنه لم يدعهم وهمهماتهم وأكمل قائلاً:
,
, -لا أريد أن يظن أحدكم أنني أبالغ فيما أدعيه أو أننى أرغب في إفزاعكم..إنها الحقيقة أيها السادة ..الحقيقية مجردة كما أعلمها، وإنني أعرضها كاملة عليكم .. والقرار الأن بأيديكم ..من يرغب في الانسحاب فليفعل الآن ،ولن يلومه أحد .فهذه آخر فرصة للانسحاب لمن يرغب.
,
, نهض بعدها من مقعده، واتجه نحو النافذة ،وأولاهم ظهره ، وأخذ ينفث دخان غليونه بهدوء في انتظار قرارهم الأخير.. بينما تبادل الجميع النظرات الحيرى المضطربة دون أن يتكلم أحد منهم .. بعد هنيهة قال الدكتور مصطفى محاولاً السيطرة على مشاعره:
,
, -سيمضي كل شيء بخير إن شاء **** يادكتور محمد ..تو كل على **** وأفعل ماتراه صواباً ، وكلنا معك في محاولتك هذه.
,
, هنا إلتفت نحوهم الدكتور محمد، وقال بحسم :
,
, -سأعتبر صمتكم جميعاً ترحيباً بالاستمرار في الأمر ..دعوني أحييكم لشجاعتكم أولاً ،ودعوني الآن أشرح لكم ماعلينا أن نقوم به الليلة..فأعيروني آذانكم ،وأذهانكم من فضلكم. وشرح لهم بعدها كل شيء بالتفصيل..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥٠


فى العاشرة مسا ء كانوا أمام باب الكلية ..
,
, وفوجئوا هناك بالرائد محمد وهدان في انتظارهم ..كان وكيل النيابة قد أخبره قبلها بما سيفعلونه ، فقرر ألا يفوِّت الفرصة عسى أن يصل للحقيقة ..إنها قضيته في النهاية ،ومازال هناك قتيلان لم يقدم قاتليهما بعد .. اتجهوا الى المشرحة بخطوات هادئة ،وتعاون عم منصور وعبد الدايم في حمل الأغراض التي اصطحوبها معهم، بينما اكتفى الدكتور محمد بحمل حقيبة صغيرة بيده .. أمام باب المشرحة تقدم الدكتور مصطفى ،وأخرج من جيبه مفتاحاً صغيراً فتح به الباب فدلفوا واجمين.. وصلوا إلى قاعة التشريح، فأضاءوا النور ليشاهدوا أسوأ كوابيسهم هذه المرة ..
,
, ارتفعت جثة الفتاة عن الأرض ، و قد أسدلت عليها عباءة سوداء فضفاضة غطت جسدها كاملاً ، وفردت ذراعيها على اتساعهما ؛فبدا مع أكمام العباءة الواسعة كجناجين هائلين..وفى أركان ستة من فراغ الحجرة ،سبحت الجثث الستة في الهواء في وضع مقلوب، أرجلها لأعلى ورأسها لأسفل ، وقد عقدت كل جثة ذراعيها أمام صدرها ..
,
, كانت هناك جثتان قد أضيفتا إلى الجثث دون أن يعلم أحد منهم..جثة متولي ،وجثة عبد العاطي .. تدلى فك مفتش المباحث في بلاهة ،وشعر بذعر لاحدود له حتى أنه كاد أن يثب للخارج هارباً من المكان .. وشعر وكيل النيابة بنفس مشاعره ، وصاح وهو يمسك بكلتا يديه في ذراع الدكتور هشام شاعراً بأنفاسه تضيق في صدره :
,
, -انظروا للجثث إنها تطير بالفعل ..إي هراء هذا؟ .. أما الدكتور هشام ،فشعر بجفاف شديد في حلقه، وبغيبوبة تجتاح عقله فراح يلتقط أنفاساً سريعة كي يمنعها.
,
, أخذ عم منصور يردد الكثير من الأدعية ،وهو يستعيذ ب**** من الشيطان الرجيم ..ولاحظ عبد الدايم جثة متولي بين الجثث فتقلصت أحشائه جزعاً ، وصاح بصوت باكٍ:
,
, -يا إلهي .. إنه متولي..لقد قتلته اللعينة..إنه بين الجثث.
,
, تطلعوا حيث أشار بقلق ٣ نقطةفهتف عم منصور بألم ،وهو يغالب دموعه :
,
, -إنه متولي بالفعل ..إنه متولي .
,
, صاح فيهم الدكتور مصطفى ،وقد تعرفه هو الآخر ،وهو يتجه نحو جثته المعلقة:
,
, -ليساعدني أحدكم في إنزاله ، فربما مازال على قيد الحياة.
,
, لكن الدكتور محمد صاح فيهم بحزم وصرامة ، وهو يجذبه من ذراعه مانعاً إياه من الاندفاع :
,
, -إياكم أن تفعلوها .. لقد مات بالفعل.. لا أحياء في مثل هذه الطقوس، دعوه مكانه، ولاتستفزوها بفعل كهذا، فهي لن تسمح لكم بإفشال طقس العودة.
,
, تجمدوا في أماكنهم بفزع وترقب، وهم يتطلعون إلي الجثث المعلقة .. كان شيئاً مريعاً ،ولم يكن أحد منهم أن يتخيل بشاعته .. هنا كان مفتش المباحث قد فقد كل ذرة من شجاعة باقية في نفسه ؛فاندفع نحو الخارج ،وهو يصيح:
,
, -لن أمكث في هذا المكان لحظة واحدة ،وليذهب كل شيء الى الجحيم.. وقطع جملته حين اكتشف أن مكان باب المشرحة الخارجي لم يعد هناك، لقد صار حائطاً كباقي حوائط المشرحة.. هنا شعر بذعر لا حدود له، فأخذ يصرخ وهو يضرب بكلتا يديه الجدار الذي حل مكان الباب :
,
, -أخرجوني من هنا ..لا أريد أن أموت..أخرجوني عليكم اللعنة .
,
, اندفع الجميع نحوه، ثم توقفوا أمام الحائط الذي حل محل الباب بذهول ،وغمغم الدكتور هشام، وعيناه تتفحصان الجدار الذي جاء من العدم:
,
, -ماهذا العبث الشيطاني ..أين ذهب الباب؟..
,
, غمغم الدكتور محمود ،وقد أدرك أنه لا تراجع الآن :
,
, -يبدو أننا صرنا محبوسين هنا.
,
, هنا هتف فيهم الدكتور محمد شاهين بصرامة، وقد شعر أن الأمر بدأ يخرج من يديه نحو الفوضى:
,
, -ماذا دهاكم أيها الجبناء..لقد أخبرتكم أنه بمجرد أن ندخل المشرحة فلا مجال للتراجع بعدها ..إنها لن تسمح لكم بهذا .. فلماذا هذا الذعر الصبياني إذا ؟.. كونوا رجالاً ، وعودا لصوابكم، ودعونا نفعل ما أتينا من أجله أو استمروا في الولوله هكذا كالأرامل حتى تقضي علينا جميعاً بعد قليل.
,
, أطرق الجميع رؤوسهم لأسفل في خجل، وتوتر قال عم منصور :
,
, -نحن طوع أمرك يادكتور.. ماذا تريدنا أن نفعل ؟
,
, زفر من فمه نفس طويل، وقال وهو يعود لقاعة التشريح:
,
, -هيا بنا جميعاً إلى القاعة لنبدأ عملنا.
,
, انتقل إليهم الحماس للحظة، ولكن قبل أن يتحرك الجميع انطلقت من المشرحة ضحكة أنثوية ساخرة ،وعالية فارتجفوا ،وغمغم وكيل النيابة ، وهو يتلفت حوله برعب:
,
, -هل استيقظت ؟.
,
, إلاّ أن الدكتور محمد قال بسرعة كيلا يطول ذعرهم:
,
, -تجاهلوا أي شيء.. أمامها أكثر من الساعة كي تتم طقوسها ..الطقوس تنتهي في منتصف الليل تماماً ، فدعونا نسرع ولاتلتفتوا لما تفعله..إنها ترغب في إفزاعكم.
,
, أخذوا يراقبون الجثث المعلقة برعب وحذر، وبخاصة جثة الفتاة التي أخذت تدور حول نفسها في الفراغ ببطء .. وتجاهل الدكتور محمد شاهين كل هذا ،وبدأ في إعداد المكان بمساعدة عم منصور وعبد الدايم.
,
, فى البداية أخرج دلواً يحتوى على الدماء التى جلبها من أحد بنوك الدم .. وأخرج فرشاة كبيرة، وعلى مساحة واسعة وفارغة من أرض المشرحة أخذ يرسم بالدم نجمة سداسية كبيرة حتى أنها كانت لتسعهم جميعا .. انتهى منها ثم رسم حولها دائرة لامست حواف النجمة الستة.. راقبه الجميع أثناء ذلك، وقال وكيل النيابة للدكتور هشام بجزع:
,
, -أهذه دماء حقيقه ؟..
,
, -أعتقد ذلك ..لابد أنها لازمة لإتمام الطقوس!.
,
, تصاعد الغثيان في جوف وكيل النيابة ،وشعر بالرغبة في القيء ، فحاول كتم إحساسه هذا مكتفياً بالصمت ومراقبة مايدور حوله ،وعقله لايصدق أن هذا يحدث أمام بصره .. أتم الدكتور محمد رسم النجمة السداسية والدائرة، ثم أخرج فرشاة أصغر وغمسها في إناء الدم وبدأ في رسم بعض النجوم السداسية والخطوط المتقاطعة الصغيرة في كل ركن من أركان النجمة ..كان يرسم الكثير من الخطوط الصغيرة العجيبة والطلاسم الغامضة.. هنا توقفت جثة الفتاة عن الحركة ..لاحظها أولاً الرائد محمد الذي لم يرفع عينه عنها قط ، فأشار إليها برعب وصاح :
,
, -لقد كفت عن الدوران .. ماذا يعني هذا؟!.. اتجهت عيونهم إليها برعب وتوجس .. وارتفع صوت الدكتور محمد بينهم دون أن يلتفت إليهم، أو يكف عن رسم الدوائر والخطوط المتشابكة:
,
, -لاتلتفتوا إليها وتجاهلوا وجودها تماماً .. إنها لن تؤذيكم الآن.
,
, إلا أن الفزع في أعماقهم كان هادراً كاسحاً كإعصار ؛فلم يلتفتوا إلى كلماته ، واستمروا في مراقبتها .. وفجأة سقطت الجثث المعلقة إلى الأرض بعنف فأحدثت دوياً مفزعاً ، وشعروا جميعا بالرعب وقد التصقوا ببعضهم في فزع، وصرخ الدكتور هشام :
,
, -أخبرنا يادكتور محمد ب**** عليك.. ماذا يحدث هاهنا ؟
,
, إلا أنه لم يعيرهم انتباها، وهو يسرع في عمل الخطوط، والعزائم، والطلاسم التي يرسمها .. كان يرسم تلك الرموز والطلاسم السحرية التي رآها في الكتاب، والتي يزعم الكتاب أنها قادرة على الحماية من شر هذه الكائنات القديمة وسحرها. كان الوقت يمضي بسرعة مخيفة، ومنتصف الليل يقترب مهرولاً ،وعليه قبلها أن يبدأ الطقس ،ويردد التعاويذ ..فلو انتصف الليل قبل أن يتم عمله ،فستفيق ..وحينها لن يكون لما يفعله أي جدوى.
,
, فصرخ فيهم محذراً ، ويده تسارع الزمن ؛كي تنتهي من رسم الرموز ،والطلاسم التي سوف تحميهم:
,
, -قلت لكم تجاهلوا أي شيء ..لا تلتفتوا إليها مهما حدث.
,
, -وماذا عنهم؟.. هل تضمن أن يتجاهلونا ؟!..
,
, قالها الدكتور مصطفى برعب حين لاحظ أن حركة ما دبت بالجثث الملقاة على الأرض ..كانت تحاول أن تنهض من سقطتها ببطء ،فصاح الرائد محمد بفزع:
,
, -إنها تعود إلى الحياة ،انظروا إلى الجثث ..إنها تتحرك ؟!
,
, إلا أن الدكتور محمود صاح باستنكار محاولاً أن يجعل صوته متماسكاً:
,
, -الجثث لاتعود إلى الحياة أبداً ،هذا شيء لايقدر عليه الا الخالق.. وهتف الدكتور هشام بصوت مخنوق ،وهو يشير للجثث التي كانت على وشك الانتصاب واقفة :
,
, -وماذا تسمى هذا إذا؟!.
,
, -ربما تحركهم بحيلة ما ..إنها مجرد حركة ميكانيكية لا أكثر.. لا تدعوا الخوف يزلزل معتقداتكم .. إنهم موتى .. موتى لن يعودوا للحياة أبداً.
,
, وارتفعت بينهم آيات القرآن التى يتلوها معظمهم في هلع.. بينما أكملت الجثث نهضتها، وانتصبت في صف واحد كجنود في انتظار معركة حاسمة.
,
, التفتت الجثث إليهم بعيون مغلقة ..و فتحت فمها، وأصدرت أصواتا مخيفة متحشرجة ، قبل أن تبدأ التحرك نحوهم ببطء مفزع .. تراجعوا بفزع تاركين الدكتور محمد بمفرده .. ولاحظ الدكتور محمد مايحدث؛ فشعر بالقلق ..يبدو أن تلك الشيطانة قد شعرت بما ينوون أن يفعلوه، فرغبت في بث الفزع بينهم كي تمنعهم .. رأى الجثث المتحركة نحوهم، فألقى بنفسه وسط النجمة الكبيرة التي رسمها محتمياً بها .. فطلاسمها سوف تحميه من سحرها ..وما إن دخلها بجسده حتى مد ذراعه خارجها مكملاً بسرعة رسم الطلاسم الباقية.
,
, بالفعل تجاهلته الجثث ،واستمرت في اندفاعها نحو الباقيين، الذين تراجعوا في فزع ،وتعالت صيحاتهم، وبخاصة مفتش المباحث الذي أخذ يصرخ فيها :
,
, -ابتعدوا عني .. لا تلمسوني أيها الشياطين.. ابتعدوا عليكم اللعنة.. قالها وأخرج مسدسه من حزامه، وراح يطلق على الجثث طلقات مدوية راحت تغوص في أجساد الجثث دون أن تعيق تقدمها ..ظل يطلق نيرانه حتى فرغت خزينة مسدسه فألقاه بيأس ،وعاد ليعدو مع زملائه.
,
, في النهايه اصطدموا بالحائط ،ولم يعد هناك من مهرب.. أخذوا يلتصقون ببعضهم في رعب ،وأجسادهم ترتعش ،وتنتفض، وهم يرقبون الجثث التى تقترب منهم بحركة بطيئة رتيبة ومخيفة،وحين بلغتهم امتدت أيديها نحوهم كأنما تبغى القبض عليهم، فأخذوا يحاولون بجنون تحاشى الأيدى الممتدة نحوهم .
,
, كانت جثة متولي في المقدمة ،واتجهت مباشرة الى عم منصور كي تمسكه.. لم يكن هناك مكان ما يهرب إليه ،فأخذ يدفع الباقين الملتصقين بالحائط وهو يصرخ بهلع، بيأس حتى أمسكت به الجثة، فصاح فيها بفزع ، وهو يدفعها بيده بكل قوته:
,
, -لا تؤذنى يامتولي .. أفق يارجل.. إنني منصور ..اتركني ب**** عليك..ابتعد عني ولا تلمسني.. لكن يدي الجثة لم تتركه بل ارتفعت نحو رقبته كي تخنقه، فدفعها بقوة ليبعدها عنه.. ترنحت الجثة للحظة، وكادت أن تسقط قبل أن تستعيد توازنها وتعود إليه مرة أخرى بآلية لتكمل ما بدأته.
,
, اندفعت باقي الجثث نحو الباقين، وانقضت عليهم.. أخذ الجميع في ضربها ،وإبعادها بأيديهم عنهم برعب هائل .. وفقد رئيس المباحث ، والدكتور مصطفى وعيهما رعباً ؛فسقط جسديهما على الأرض ، فانحنت جثتان نحوهما وأحاطت بيديهما عنقهما لتخنقهما .. تعالت الصرخات أكثر ،واستمرت الاستغاثات اليائسة دون جدوى، وشعر الجميع أنها النهاية .. وقد يئسوا من قدرتهم على التصدي للجثث إلا أنهم فوجئوا بالدكتور محمد يندفع نحوهم لاهثاً ، وبيده الفرشاة الصغيرة الملوثة بالدماء ،ثم اتجه إلى أقرب جثة، ورسم مثلثا بداخل دائرة ،وحرف عجيب على ظهرها ؛فتجمدت الجثة بمكانها على الفور.. واندفع بسرعة إلى غيرها، وفعل نفس الشيء؛ فتجمدت هي الأخرى.. وشعروا بالأمل، وصاح الدكتور محمود، وهو يدفع بكل قوة الجثة التي تحاول الوصول إليه بإصرار:
,
, -أسرع ب**** عليك يا رجل ..أوقف هؤلاء الملاعين أرجوك.
,
, أسرع الدكتور محمد بالفعل ،وبعد دقيقتين كانت الجثث جميعاً واقفة متجمدة في مكانها بثبات غريب.. كان مشهداً مفزعاً تهتز له القلوب ولا تتخيله العقول مهما أوتيت من خيال.. وتطلعوا إليها بفزع وترقب.. وقال الدكتور هشام بدهشة:
,
, -ماذا فعلت بهم يادكتور محمد؟.. هل انتهى خطرهم؟.
,
, - ليس لفترة طويلة ..إنها مجرد تعويذة لتجميدهم، وإيقاف السحر الخاضعين له مؤقتاً.
,
, ثم أشار إلى جسدي الدكتور مصطفى ،ومفتش الشرطة ،وأكمل بتوتر:
,
, -احملوهما ،وتعالوا بسرعة إلى الداخل ؛لتحتموا بالدائرة التي رستمها.. إن تأثير التعويذة التي أوقفتهم قصير المفعول ،وربما يفيقون منها في أي وقت.
,
, تعاون الجميع في حملهما في رعب ،واندفعوا إلى الدائرة المرسومة بالدم على أرض المشرحة، والتى اتسعت لهم جميعاً ، فشعروا ببعض الطمأنينة، بينما أكمل الدكتور محمد عمله بخارج الدائرة بعدما رسم على ذراعه الأيسر بعض الخطوط المتشابكة بالدم.
,
, أفاق الدكتور مصطفى ومفتش المباحث الذي هتف ما أن أفاق ،وهو يتلفت حوله بهلع :
,
, -هل متنا ؟.. إبتسم الجميع ،وأجابه وكيل النيابة:
,
, -لقد أنقذنا الدكتور محمد في اللحظة الآخيرة..
,
, وفجأة انطلقت من فم جثة الفتاة ضحكة عالية وساخرة كعادتها .. وبصوت مخيف قالت:
,
, - لن ينفع هذا ..ستفشلون وستدفعون جميعاً الثمن.. فلا شيء يوقفني.. لاشيء بقادر على فعل هذا!.
,
, دارت رؤوسهم نحوها بفزع .. وصرخ فيهم الدكتور محمد دون أن يتوقف:
,
, -إياكم أن تستمعوا لها ..سدوا آذانكم بأيديكم ؛ كي لاتسمعوا أي شيء.
,
, إلا أنها استمرت في التحدث مثيرة الفزع في إعماقهم:
,
, -هل تعلمون مصيركم الذي ستنالوه بعد قليل..دعوا عقولكم المرتجفة تخمن هذا، وأعدكم أن أفعل بكل واحد منكم أبشع شيء تخيله .. اقشعرت أبدانهم، وا حتبست أنفاسهم ،وتوتروا أكثر، وكل منهم يفكر في أبشع مخاوفه .. بعضهم كانت مخاوفه سيئة بحق ،فأكملت بجزل:
,
, -أنا جائعة للغاية .. أنتم لاتتخيلون كم اشتقت لتذوق الطعام مرة أخرى .. لكن هل تعلمون ماهو طعامي المفضل؟.. لن اخبركم يا صغاري ..سأترك هذا لتخمينكم .
,
, وتعالت ضحكاتها المخيفة مثيرة مزيداً من الفزع إلى قلوبهم، ومرة أخرى صرخ فيهم الدكتور محمد، وهو ينتقل إلى بقعة جديدة، مواصلاً رسم المزيد من الدوائر ،والخطوط بالدماء:
,
, -لاتستمعوا إليها ..إنها تبغي تشتيت انتباهكم..أديروها ظهروكم ولا تلتفوا إليها ..لقد أوشكنا على البدء.
,
, وقالت ،وهي تطلق ضحكة ساخرة :
,
, -إفزاعهم فقط؟.. يبدو أنك لاتراهم.. إنهم يرتجفون من الرعب كفرخ مبلول في ليل شتاء ..إنهم ليسوا بحاجة لما أقوله لكي يفزعوا.. إن قلوبهم لتوشك أن تغادر أماكنها هلعاً .. ياللمساكين الصغار !.
,
, لن يطول عذابكم طويلا، فسوف آتيكم بعد قليل.
,
, لم يجيبها ،واستمر بإصرار في اتمام عمله.. فوجهت كلامها هذه المرة له قائلة بلهجة مخيفة:
,
, -هل تظن أن هذه الخطوط التافهة التى ترسمها ستحميكم مني .. أنت واهم أحمق.. إنها لاقيمة لها أيها المغفل.
,
, ومرة أخرى تجاهلها.. كان في عجلة من أمره.. الوقت يمضي بلاتوقف، ولابد أنها تحاول إعاقته بشغله وإثارة توتره ..فتجاهلها، وهي تقول:
,
, -أعلم أنك تمتلك ذلك الكتاب الذي كتبه ذلك الراهب المأفون .. إنه لايساوي ثمن الحبر الذي كتب به..إنه تافه مليء بالأكاذيب المسلية .. سوف أثبت لك هذا بعد قليل حين ترى بعينك أن تعويذاتك هراء .
,
, شعر بالبلبة والرهبة ..بداخله كان يعلم أنها ربما كانت محقة..فلا أحد جرب هذه الطقوس والتعويذات التي بالكتاب من قبل .. إلا أنه لم يكن يملك غيرها، فلم يكن أمامه إلا أن يستمر ،ويمضي في عمله للنهاية.. فجأة تعالت همهمات قوية من الخارج ،وخطوات أقدام تتردد في المكان.. لقد أفاقت الجثث من جمودها ..هنا صاحت بصوت مخيف تردد في جنبات المكان ؛فارتجت له جدران المشرحة:
,
, -تعالوا إليّ يا عبيدى ..إنه وقت العودة .. دلفت الجثث القاعة بخطواتها الآلية ،وتجاهلت الجميع هذه المرة.. ثم ارتفعت أجسادها في الفضاء مرة أخرى متخذة وضعها السابق الذي رأوه من قبل.. صمتت الفتاة تماماً ، وإتخذت هي الاخرى وضعها السابق ،وأخذ جسدها في الدوران في الفراغ حول نفسه، وذراعاها مفرودان تماماً .. وأظلم المكان بغتة في تلك اللحظة، وتعالت أصوات مبهمة، وحشرجات غريبة بدت وكأنها تأتي من كل مكان حولهم، وتدريجياً راحت حدتها في التصاعد ..كانت أصواتاً مخيفة ومرعبة ..وفي أركان الغرفة كلها بدأت دوامات هوائية صغيرة في التكون .. بلغت القلوب الحناجر هلعاً ، وارتجفت الأبدان ،وتقلصت الأحشاء ، وقد أدرك الجميع أن طقس العودة يقترب من الاكتمال .. ولم يتمالك الدكتور مصطفى نفسه فسقط فاقداً الوعي مرة أخرى بداخل الدائرة.
,
, كان الدكتور محمد قد انتهى هو الآخر من رسم الخطوط والطلاسم ، فانتقل بسرعة إلى وسط النجمة السداسية الكبرى وصاح فيهم:
,
, -هيا بنا نبدأ ٣ نقطةفالوقت يكاد أن ينفذ.
,
, وكما أخبرهم اتخذ كل منهم قمة رأس من رؤوس النجمة السداسية، وجلس في منتصفها، ثم التقط كل منهم جمجمة وضعها بين قدميه .. قاموا بعدها بإشعال شمعة سوداء ،وثبتوها على الأرض ،ثم وضع كل واحد منهم الجمجمة التي يمسكها فوقها فتوهجت فجوات عيون الجماجم بضوء لهبي مخيف كأنه منبعث من الجحيم .. أما الدكتور محمد فقد أشعل شمعة أخرى في منتصف الدائرة حيث جلس ، وألقى عليها بعض البخور والمواد الغريبة؛ فتعالى دخان كثيف في المكان، وصاح فيهم الدكتور محمد بصوت عال صار م:
,
, -ليمكث كل واحد منكم في مكانه.. إياكم أن تتحركوا أو تغادروا أماكنكم مهما حدث ..امسكوا أيدي بعضكم البعض بقوة ..ولاتتركوها أبدا .
,
, أسرع الجميع بتنفيذ الأمر ،وقلوبهم تتواثب في فزع ..وتعالت أصوات مخيفة في المكان راحت ترددها الجدران ؛كأنما حضرت شياطين الجحيم لتشهد الحدث .. تعالى صوت الدكتور محمد في المنتصف، وهو يردد باللاتينية التعويذة التي حفظها عن ظهر قلب ..
,
, Spiritus est munus satiatur Tkhmdy tenebris، et vado ad Spatk.. Anima eius in sempiternum، et tenebras lucem Tnami Talny.. Avis et redire ad mandatum Spiritus Thmdy Spiritus munus satiatur tenebris .. Ahpty Amkty et Inferno
,
, لم يفهم أحد ما يردده ، إلا أنه ظل يردد بقوة وحماس ..تحول حينها إلى شخص آخر بدا لهم أكثر قوة وسيطرة.. بدا وكأنه ينتمي للجحيم الذي يعيشون فيه الآن في الوقت نفسه ازدادت سرعة الدوامات في جوانب الحجرة ؛حتى صنعت عواصف صغيرة .. وكلما ارتفع صوت الدكتور محمد مردداً التعويذة، تعالت في فراغ الحجرة أصوات غاضبة تطلق صرخات مريعة ارتجفت لها الجدران.. وبغتة وفوق رأس الفتاة التي تسبح في الفراغ نشأت صواعق صغيرة من العدم..وراحت الصواعق في التواثب بين الجثث التي بسطت أذرعها الآن ..تعالت الزمجرات والأصوات المخيفة، حتى شعر الجميع أن شياطين الكون تشاركهم المكان الآن، وإنها اللحظات الأخيرة في حياتهم.. وصرخ الدكتور محمد بأقصى قوة محاولاً جذب انتباهم وتحفيزهم:
,
, - أغمضوا أعينكم وتجاهلوا ماحولكم ..إننا سننجح ..إننا سوف ننجح بإذن الله٣ نقطة أغمضوا عيونهم بقوة ..فلم يكن هناك من يرغب في أن يرى أي شيء مما يدور حولهم ..فقط تمنوا جميعهم أن ينتهي كل شيء بسرعة..مهما كانت النهاية٣ نقطة تعالت الصرخات في المكان .. صرخات شياطين غاضبة تخلع الأفئدة .. ومعها تواثبت القلوب في الصدور كأقصى مايكون.. تعالى زئير قوي في المكان ،وأعقبه آخر ثم آخر ..كأنما كان هناك أسود تتصارع في المكان ،إلا أن أحداً لم يفتح عينيه .. شعروا بالهواء العاصف يكاد أن يقتلعهم من أماكنهم..فقبضوا على أيديهم بقوة محاوليين الصمود.
,
, الوحيد الذى ظل يتابع بعينيه كل شيءكان الدكتور محمد ..كان يتابع الأمر برعب حقيقي .. سمع الصرخات والهمهمات والزئير، فتلفت حوله بقلق ، وهو لا يرى أي شيء، فاستمر في ترديد التعاويذ اللاتينية بوتيرة أسرع، محاولا التغلب على فزعه٣ نقطة فجأة انفتحت أبواب الجحيم أمامه فانخلع قلبه في رعب .. فعشرات العيون الحمراء كانت هناك في الفراغ ترمقه بغضب ..كانت مجرد عيون في الظلام بلا رؤوس أو أجساد ..هل يكونون شياطين الجحيم ، وقد حضروا ؛ لكي يشهدوا الحدث .. أغمض عينيه وفتحها٣ نقطة لكن العيون لم تختف .. كانت هناك رياح قوية تحاول اقتلاعه من مكانه؛ لكنه تشبث بالأرض بقوة ،واستمر بأقصى قوة لديه في تلاوة التعاويذ.
,
, اندفعت الجثث بأكملها نحوهم؛ لتطير بسرعة حول دائرته وتمد أيديها نحوهم؛ كأنما تحاول أن تمسكهم ،وفمها يصدر أصواتاً مفزعة .. تجاهلها وقد بدا اليأس يدب في أعماقة وشعور مفزع بالفشل يجتاحه.. لاحظ الفتاة التي توقفت ،وأخذت تحملق في أحدهم ..فشعر الدكتور محمد أنها تدبر شيئاً ما .. فجأة جذب عبد الدايم يديه من يدي عم منصور والدكتور هشام الجالسين بجانبيه ..رآه الدكتور محمد يفعل هذا ..فصرخ فيه بفزع :
,
, -إياك أن تفعل..
,
, إلا أن صرخته كانت متأخرة للغاية٣ نقطة وفجأة امتدت أيد خفية نحو عبد الدايم الذى ما إن حرر يديه حتى قفز خارج الدائرة ..وأمام عيني الدكتور محمد المفزوعتين تمزقت جثة عبد الدايم إلى أشلاء على الفور .. وأغرقت دماء عبد الدايم الجميع ،وأشلاؤه الممزقة تضرب وجوهم وأجسادهم؛ فصرخوا بجزع دون أن يفلتوا أيديهم ،بينما اندفع الدكتور محمد على الفور نحو مكان عبد الدايم الخالي ،ومد ذراعيه ممسكاً بأيدى عم منصور ،والدكتور هشام .. كان يخشى أن تنكسر الدائرة السحرية اللازمة لإنجاح التعويذة.
,
, هنا استيقظ الدكتور مصطفى في منتصف الدائرة .. بدا غريباً مختلفاً حين نهض فجأة متجاهلاً ما يجري قبل أن يفتح فمه، ويقول بصوت غريب:
,
, -لن تفلحوا في هذا !..
,
, فتح الجميع أعينهم ورأوه في فزع وهو ينقض على الدكتور محمد، كأن هناك مايسيطر علي عقله، واضطر الدكتور محمد لترك يدي منصور والدكتور هشام للدفاع عن نفسه .. كان الدكتور مصطفى يحاول جاهداً دفع الدكتور محمد خارج الدائرة .. وامتدت ناحيته عشرات الأيدى المخلبية من الفراغ نحوه بانتظار تمزيقه فور خروجه من الدائره .. شعر الدكتور محمد بالعجز، وقد أدرك أن الطقس الذي يقوم به قد فشل ..لقد أفلت يدي زملائه ؛فكسرت الدائرة السحريه ومازال هناك الجزء الأخير من الطقس الخاص بالقط الأسود الذي لو لم يتمه لفشل الأمر، ولن يستطيع أبدا القيام به مع المحاولات الحثيثة للدكتور مصطفى - الذي سيطر على عقله شيء ما - لإخراجه من الدائرة للتخلص منه.
,
, كانت صرخات كائنات الجحيم على أشدها الآن احتفالاً بفشلهم .. وتملكت الدكتور مصطفى قوة غريبة، فوجد الدكتور محمد نفسه يُدفع رغماً عنه إلى خارج الدائرة؛فأغمض عينيه متمتاً بالشهادة في انتظار الموت السريع القادم بعد لحظات.
,
, لكنه فوجئ في اللحظة التالية بتراخي ذراعي الدكتور مصطفى عن عنقه ، ففتح عينيه على الفور ليجد الدكتور هشام واقفاً ، وقد ضرب الدكتور مصطفى بجردل الدماء المعدني في رأسه فشج رأسه وأفقده وعيه ..وصاح الدكتور هشام ،وهو يثب نحو مكانه ثانية :
,
, -أسرع ب**** عليك يادكتور محمد قبل أن ينتهي الأمر..هيا انتهي من عملك.
,
, هنا أسرع نحو صندوق خشبي في وسط الدائرة .. أخرج منه القط الأسود الذي خدره قبل ذلك ..هنا إلتفتت إليه الفتاة بفزع حقيقي ومقت ،وصرخت صرخة اهتزت لها الأركان٣ نقطة
,
, -إياك أن تفعلها ..سوف أقتلك لو فعلت.
,
, إلا أنه لم يبال .. أخرج سكينا فضيا ، وامتدت يده نحو عنق القط بضيق وتردد ..لم يكن يرغب في هذا ،ولكنها الطقوس .. هنا فتح القط المخدر عينيه فجأة وأطلق مواء غريباً ؛ فوجل الدكتور محمد ..حاول القط أن يهرب من يده حتى أنه مزق بمخالبه كف يده، فسالت منه الدماء، إلا أن الدكتور محمد أمسك به بإصرار أكبر.. ودون تردد هذه المرة اندفعت السكين الفضية نحو عنق القط فذبحه.. عوى القط للمرة الأخيرة، وتدحرج رأسه الصغير على الأرض ، واندفعت نافورة من الدماء من الجسد المنتفض ؛فألقي الدكتور محمد جثمان القط ،ودمائه المنهمرة نحو جثة الفتاة السابحة في الفراغ.. أصاب تيار الدم المتدفق من جثة القط وجهها ؛فصرخت برعب وألم، وارتج المكان بآلاف الزمجرات الغاضبة الصاخبة ، وإهتزت الجدران كلها حتى كادت أن تميد بهم.
,
, وامام عينيه راحت عشرات العيون تختفي وبدأت الدومات الهوائية في الإنقشاع ،وبدات الظلمة الرهيبة في الإنحسار وصاحت بغضب ومقت للمرة الأخيرة٣ نقطة
,
, -سأعود أيها البائس وستدفع الثمن..سوف أعود إليك قريباً جداً ..تذكر هذا وانتظرني ٣ نقطةهنا ردد الدكتور محمد تعويذته الأخيرة بأقصى ماعنده من قوة وامل:
,
, Modo malum CADO، somnus apud Tranquilla
,
, وفجأة وكالسحر همد كل شيء .. سقطت الجثث على أرض المشرحة .. هبطت جثة الفتاة بهدوء إلى مكانها على منضدتها بالمشرحة.. اختفت الأصوات والعيون والعواصف الصغيرة .. حبست الأنفاس في ترقب وخيم السكون على المكان ..بعد قليل فتح الجميع عيونهم بترقب .. كان المكان يموج بالفوضى.. لاحظ عم منصور أشلاء عبد الدايم الممزقة ودمائة التي تغرق كل شيء حوله ؛فأخذ يصرخ ويبكي ،وهو يحتضنها ويداه تتلوثان بدمائه وأنسجته.. راقبه الجميع بوجوم، ولم يعرف أحد منهم مايقوله ليواسي عم منصور ويخفف ألمه لفقده عبد الدايم .. لكنهم وبرغم الحزن على عبد الدايم، إلا أن شيئاً من الارتياح اجتاح أعماقهم .. وقد انتهت لعنة تلك الجثة.. وبقى في أنفسهم سؤال معلّق بلا إجابة.. هل انتهى الأمر حقا .. لكن أحدا منهم لم يعرف الإجابة ..
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
٥١
فصل لم يكتبه المؤلف
(هكذا موجود في الكتاب)


أنتم حمقى..ومنذ متى لم يكن البشر كذلك..
,
, هل ظنوا أن دفنd بالصحراء بعيداً عن العمران كافياً لأن يتخلصوا مني ؟..
,
, ألم أقل أنكم حمقى .. لو راجعوا كتاب الراهب جيداً لعلموا أنه لاشيء يوقفنا ..وأننا قادرون على العودة حين نشاء ..إن ماقاموا به ما هو إلا لهو لاجدوى منه .. أيعتقدون حقاً أنهم قادرون على هزيمة أحد القدماء ودحره ؟..
,
, وبعد أعوام محدودة ،لاتقاس بعمري الطويل للغاية - بصورة لا تتصورونها أيها الهالكون - كان عليّ أن أعود .. كان فجرنا في طريقه للبزوغ ثانية ،ومعه نهايتكم أيها الفانون إن سيد الكيانات القديمة يدعونا كي نستعد للمعركة الكبرى.. وكان عليّ أن أستيقظ وأستعد..
,
, وكان هناك طلاب الجامعة الأمريكية.. ثلاث فتيات وثلاثة فتيان.. إنهم محبون، أو عشاق ،أو عابثون .. إن هذا ليس مهما.. كانوا يرغبون في الخلاء ..مكان ما بعيد عن العيون يمارسون فية طقوسهم المجنونة ..ومجونهم.. ودون أن يعلموا، ألهمتهم إلى مكاني في الصحراء.. لم يعلم أحد منهم أن حسام قد جلب معه سراً دماء بشرية اشتراها من بنك الدم .. هو نفسه لم يدر لماذا فعل.. كما لم يعلم الجميع أنّ لينا الشقراء الجميلة، قد جلبت معها في حقيبة يدها جمجمة بشرية اختلستها من أختها طالبة الطب ..دون أن تدري لماذا فعلت ،ولا لماذا أخفت عنهم هذا.
,
, ولم يكن هاني مسئولاً عن جلب المخدرات والخمر فقط ..فما لايعلمه الجميع أنه جلب معه مخدراً ، وأنه وضع الكثير منه في الشراب دون أن يعي لماذا فعل .. وكانت سالي فتاة متحررة ..تعشق رسم الأوشام على جسدها كله ..لكنها لسبب غامض استبدلت الوشم المرسوم على بطنها بوشم آخر غريب ومخيف ..وشم لنجمة سحر سداسية الرؤوس ..الغريب أنها للمرة الأولى ترتدي فستاناً بلا أكمام لتغطي بطنها كي لا يرى الوشم أحد منهم ..ولو سألتها لماذا فعلت ؛فستنظر إليك حائرة بصدق .
,
, لماذا جلب عمرو في السيارة الجيب التي جاءوا بها هذا الفأس والجاروف ..لا أحد يعلم .. ولماذا اختارت رودي تلك المنطقة البعيدة من الصحراء؛ كي يخيموا بها ،وكيف عرفت بمكانها ..ولماذا لم يعترض أحد منهم ..كان هذا لغزاً ٣ نقطة حفروا الصحراء ،ونبشوا الرمال بنشوة ليعثروا على جسد الفتاة الفاتنة .. وضعوها بوسط نجمة سداسية ضخمة ،وجاءوا بالأشياء التي جلبوها سراً ، وبدءوا في احتساء الخمر ،ثم بدأت الطقوس المجنونة .. وانتهت الطقوس بلا أحياء كما تجرى دائماً .. واستيقظت !
,
, وعدت إليكم مرة أخرى أيها الفانون .. سيكون بيننا الكثير من المرح ..فأنا البداية فقط.. بداية النهاية التي لاتعلمونها.. لكن عليّ في البداية أن أنهي بعض الأمور العالقة القديمة.. هناك ثأر أرغب في إنهائه أولاً .. ولاشك أن بعضكم يدرك ما أقصده.
,
, ركبت السيارة الحديثة التى جاء بها هؤلاء الحمقى إلى هنا .. كانت جيب حمراء بلون الدم الذى أعشقه .. وارتفعت الموسيقى الصاخبة من المذياع..
,
, إن «pharel willams» يغني باستمتاع «Happy» وكذلك أنا..
, Because iam happy..
, Clap along if you feel like a room without a
, roof..
, Because iam happy..
, Clap along if you feel like happiness is truth..
, Because iam happy..
, Clap along if you know what happiness is to
, you..
, Because iam happy..
, Clap along if you feel like that is what you
, wanna do..
, Here com bad news talking this and that..
, Yeah.give me all you got donot hold back..
,
, ٣ العلامة النجمية
, كنت فتاة جميلة فاتنة ورقيقة ترقص باستمتاع على نغمات صاخبة بداخل سيارة جيب حمراء تنهب الطريق نهباً ، حتى تخالها تطير بين السيارات.. أسكرت فتنتي كل من يراني.. فهل رأيتني ؟.. إن كنت قد فعلت فانتظرني ..
,
, تمت
 
  • عجبني
التفاعلات: wagih
توجد منها سلسلة ثانية أكثر رعب وأكثر دموية بس للأسف مش متوفرة عندي كتطبيق
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%