NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

Mazen El 5dewy

♡ ⓀⒾⓃⒼ ⓄⒻ ☆ ⓈⓉⓄⓇⒾⒺⓈ ♡
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
كاتب جولدستار
إنضم
15 مايو 2023
المشاركات
2,747
مستوى التفاعل
2,557
الإقامة
☣️ أرض العجائب ☣️
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
نقاط
3,613
الجنس
ذكر
الدولة
Egypt
توجه جنسي
أنجذب للإناث
أرض زيــكوال
رواية
عمرو عبد الحميد

قولون الحب أعمى.. و هو يقول أصابني العمى حين أحببت.. و لكن ماذا يفعل..
ها هو قد أحبو حدث ما حدث.. و ها هو يجلس كل يوم في حجرتهليكتبمجددًا:
" أنا خالد حسني.. ثمانية و عشرون عامًا.. خريج كلية تجارة القاهرة منذ ستة
أعوام.. بلدي يُسمّى "البهو فريك" تابع ملحافظة الدقهلية.. واليوم رُفض زواجي
بحبيبتي للمرة الثامنة.. و لنفس السبب .."
ثم نظر إلى الحائط.. وقام بتعليق الورقةبجوار سبعةورقات أخريات، بدت أنها
عُلّقتفي أوقات سابقة..
الورقة األولى كُ ت ب بها اسمه و سنه و بلده و بها: "رُ ف ض زواجي بحبيبتي اليوم"..
و بجوارهاورقةثانيةبها: "رُ فضتُللمرة الثانية".. و الورقةالثالثةبهارفضهللمرة
الثالثة.. و هكذا حتىالورقةالسابعة..

* * *
بعدها أسند ظهره للخلف و نظر لألعلى، و عادت به ذكرياته إلى ماقبل ستة أعوام
مضت حين كان يدرس بالسنةاألخيرة بالجامعة.. وشاءت األقدار أن يتعرف على
)منى( ابنة بلدته، صدفة، في طريقهما من البلدة إلى جامعته بالقاهرة.. و زادت
فرحته حين علم أنها تدرسبنفسالكليةفي عامها األول بالجامعة.. و من يو مهاو قد
تعددت صدف لقاءاتهماكثيرًا، سواء بقصد أودون قصد..
حتى أفاق من ذكرياتهو زف ر زفرةقوية حين نظر إلىورقةكبيرة ع لقها على الحائظ
أسفل الثماني ورقاتكت بعليها: "رُ فضتُلنفس السبب.. والد منى املجنون".

* * *
كان خالد إن سمع كلمةمجنون دائمًا يتذكر والد منى.. وال أعتقد أنه خالد فقط
بل جميع أهل البلدة.. و لكنه أكثر من عرف جنونه؛ فمنذ أن أنهى دراستهو عزم
على أن يتقدم للزواج من منى حتى فوجئ به - في أول زيارة لخطبتها- ينظر إليه
بغرابة ويسأله:

    • أنتعايز تتجوزمنى؟!
    • أيوة
فسألهمجددًا:
-و انت عملتإيه في حياتك؟!
فازدادوجه خالد احمرارًا،و اضطرب كأنه لم يتوقع سؤاله.. حتىرد:
- عملتإيه في حياتي؟!.. الحقيقة، أناخريجكليةتجارةجامعةالقاهرة.. و حضرتك
عارف إن والد ي توفاهما هللا و أنا صغير و عايش مع جدي.. و معفي من جيش..
و حاليًا بدوّر عن وظيفةمناسبة..
فقاطعه :
-و تفرق إيه عن غيركعشان أجوّزكبنتي؟!!..
ثم أنهى املقابلة بالرفض..

* * *
اعتقد خالد وقتها أن سبب رفضه للمرة األولى أنه لم يجد الوظيفة املناسبة،
و لكنه تأكد أن السبب ربما يكون غير ذلك تمامًا حين وجد عمالًو توجه لخطبة
منى مجددًا.. حتى قوبل بالرفض للمرة الثانيةو نفس سؤال األب.. ماذا فعلت في
حياتك.. و فيم تختلف عن غيرك.. هذا السؤال الذي لم يجد له إجابة مستوفاة
حتىاملرةالثامنةلطلبهالزواج ، و لم يرا ع في كل مرة حب خالد البنته أو حب ابنته
له.. حتى فاض به الكيل في تلك املرةو صاح به:
- أنا معملتش حاجة في حياتي.. أعمل إيه يعني؟!!.. عارف إنك حاربت في 37..
شايف إن ده سببيخليك تذلّنا؟ !.. طب انت عايز لبنتك بطل.. قوليأبقى بطل
ازاي.. أروح أحارب في العراق عشان تنبسط؟ !!.. ثم نظر إليه، و ظهر الغضب في
عينيه:
- هتجوّزمنىيعني هتجوّزها.. غصبعنكهتجوّزها.
البلدةكلّها تعرف غرابةأطوار هذا الرجل.. يريد أن يزوّج ابنتهالوحيدةلشخص
فريد من نوعه.. أي فريد هذا؟ .. ال أحد يعلم.. الكل يعلم أن مصير ابنته العنوسة
ال غير.. طاملا أبوها ذلك الرجل.. و مع هذا لم يطرق االستسالم قلب خالد، و لم
يعد ببالهسوىهذا الش يءالذي يجعلهفريدًامن نوعه،و يجعله يستحق منى كما
يريد أبوها.. لكن ما هو؟!.. اليعلم، فلم يجد سوى أن يتوجه بالدعاء إلى هللا أن
يأخذ أباها..

* * *
رغم أن خالدًا كان يتسم بخفة الظل و الروح املبهجة، إال أن حبه ملنىو رفضأبيها
الدائم له، جعل الحزن وشاحًا دائمًا على وجهه.. حتى الحظ جده - و الذي كان
يقترب من عامه الثمانين،و كانا يعيشانسويًامنذ وفاة والديخالد -حزنه الشديد
بعد رفضهتلكاملرة، و اقترب منهو سأله :
- انتلسه زعالن؟.. انتاملفروض خالص اتعودت..

د خالد:
- مش متخيل إني أشوفها لحد غير ي.. و مش عارف أبوها عايز إيه.. مش عارف إن
زمن املعجزاتانتهى..
-و انت هتقعد جنبيكده حاططإيدكعلى خدّك؟!
- طب هعمل إيه؟
ضحكالجد مداعبًا له :
- ال.. انت أحسنلك تدفن نفسكفي سرداب..
فلمعت عينا خالد.. و كأنهتذكر شيئًاما:
- السرداب..
و أكمل:
- جدي.. انت فاكر ملا كنت صغير، و كنت ملا أعيط تحكيلي عن قصة السرداب
املوجود تحت بلدنا.. و إنك نزلته من أكتر من خمسين سنة؟
ر د جدهمبتسمًا:
- أيوة طبعًافاكر ملا كنت بتعيط.. تحب أفكرك بأيامك..
ضحك خالد :
- ال.. تحكيلي عن السرداب.. و نزولكم له..
فصمتجدهمتذكرًا :
- يااه.. دي أيام فاتتمن زمن.. كنا أربعشبان بنحبالشقاوة.. و سمعنا كالم كتير
عن كنز موجودفي سرداب بيعدي تحت بلدنا.. و إن السرداب ده زمان كان مخزن
كبير لألغنيا وقت أي غزو..
- الكل كان عارف إن السردابموجودفعالً.. بس محدش جرّبينزله ألنهمسكون
بالعفاريت، و إن اللي هينزله مش هيخرج منه.. بساحنارميناالكالم دهوراضهرنا..
و قلنا الزم ننزل..
كنا عارفين إن باب السرداب موجود في بيت مهجور في البلد.. و إن هناك صخرة
كبيرة موجودة على الباب ده.. وفي ليلة توكلنا على هللا.. و رحنا للبيت ده في السر،
و قدرنا نحرّكالصخرةو بدأنا ننزل واحد ورا التاني.. و مع كل واحد فينا ملبة جاز..
و بعد ما نزلنا سلم طويل لقينا نفسنا في نفق.. و مشينا كام خطوةفي النفق ده لحد
ما بقينامش قادرينناخد ن فسْنا.. وفجأة انطفت ملبات الجاز كلها في وقتواحد..
و صرخ واحد فينا: "عفريت".. و بعدها كل واحد خد ديلهفي سنانه.. و رجعنا جري
على برة.. و رُ كبْنا بتخبط في بعضها.. و من وقتهاو محدش فكر إنهينزل هناك.
فضحك خالد :
- بس هتفضل ذكرى حلوة.. كفاية إنكم مخفتوش تنزلوا.. حتى لو أخدتوا ديلكم
في سنانكم.. فعقد جده حاجبيّهمازحًا:
- متقولش لحد حكاية ديلنا دي..

* * *
بعدها عاد خالد إلى حجرته.. و حاول أن ينام، و لكنه لم يغمض له جفن.. يفكر
كثيرًا فيما أخبره به جده.. هو يعلم أن ما سمعه يبدو أسطورة.. و لكن السرداب
موجود بالفعل، و جده ال يكذب قط.. ثم نظر فجأة إلىالورقةاملكتوب بها سبب
رفض والد منى.. أنه يريد شخصًا فريدًا.. شخصًا يرض ى جنونه.. و حدّث نفسه..
أنه لن يتزوج غير منىو إال فلن يتزوج.. ثم عال صوته:
-فيها إيه لو نزلت السرداب.. إفرض كان فيهكنزموجودفعالً..
ثم صمت، و تحدُثلنفسهو كأنشخصًا آخر يحدّثه:
-كنزإيه؟.. ده كالم مجانين.. متنساشإن السردابمسكون عفاريتو أشباح.. ثم
عادمجددًا:
- لو كنت جبان يبقى متستحقش منى.. انت عاجبك حياتك كده.. خريج كلية تجارة
و شغلك ملوش أي صلةبالتجارة.. درستأربعسنين عشان تخرجتشتغلفيمخزن
أدوية.. و لوال إنكعايش مع جدككان زمان مرتبك خلصان نص الشهر.. لو كنت
بتحب منى إثبت لنفسكو لها إنكبتحبهافعالً..
- لو لقيتالكنزده هتكون أشهر واحد في البلد دي.. أل في مصر.. أل في العلم كله..
لو ملقتوش، كفاية إنك حاولت..
ثم انتفض من سريره.. و أخرج صورةملنى.. و نظر إليهاقائالً:
- أنا هنزل السرداب ده.. هنزل مهما حصل.. و إن كان أبوكي مجنون.. فأنا أوقات
كتيرةبكون الجنون نفسه..

* * *
كان خالد يظن أنه يتحدث إلى نفسهوحيدًا.. و لم يكن يعلم أن هناك من يسمع
رةإيلىسنتفمعسإهلىبماصوحت عالٍخارج الحجرة.. حيث وقف جده مجاورًا لباب
حديثه
دث به نفسه.. و رغم هذا لم تبدُعلى وجهه أي دهشة، الحج
، و أُيمثّل له أي اختالف، بل بدا
لم
حتى صمت خالد
انقزفًاولهالسردابأمر
كأن ما سمعه من حديثه عن
كأنه أمر توقع حدوثه.. و ظلو
و
غ ل قت أنوار حجرته، و ساد
الهدوء املكان، لم يقطعه إال هذا الصوت املميز الذي يعلمه جيدًا حين ينام
حفيده..

* * *
بعدها غادر متكئًا على عصاه إلى حجرته حيث جلس صامتًا على أريكتهلدقائق
ثم حرك عصاه ليجذب بها صندوقًا خشبيًا صغيرًا بدا عتيقًاو فتحه، و أخرج منه
)ألبوم (قديمًا للصور غُطى بالكثيرمناألتربة.. و بعدما أزاح عنه األتربة بدأ يقلّب
في صفحاته صفحةتلو األخرى ، و يشاهد ما به من صور.. حتى توقف كثيرًا عند
إحداها..

* * *
في اليوم التالي استيقظ كل من خالد و جده مبكرًا كما تعودا دائمًا؛ فخالد لديه
عمله املبكر، و جده ال ينام بعد صالة الفجر، و يظل يقرأ في كتاب هللا حتى ينهض
خالد فيتناوال إفطارهما سو يا.. و الذي تعده لهما فتاة تسكن بجوارهما، قد
اعتادت على هذا منذ سنوات.. حتى جلس خالد و كان ينظر إلى جده بين الحين
و اآلخر و كأنه يريد أن يخبره بش يء.. حتى قطع صمته، و سأل جده:
- عبدو ) كما كان يحب أن يناديه (.. انت تقدر تعيش لوحدك؟
فنظر إليه جده.. و أظهر أنه ال يفقه سؤاله:
- انت عايز تسافر و ال إيه؟!
صمت خالد.. ثم نظر إليهمجددًا:
إني هرجع في أسرع وقت.. و مش هتحس بغيابي.. ثم حاول أن يبرر حديثه:
- أنا هسافر أي مكان أالقي فيه نفس ي.. أحس فيه بوجودي.. انت عارف ابن ابنك
خريج كليةالتجارةبيشتغل إيه؟

    • آه.. شغال في مخزن أدوية..
    • ابنابنكشغالش يال في مخزنأدوية.. ش يال.. هات الكرتونةدي حطها هنا.. خد
الكرتونةدي وديها هناك..
ثم همّبالوقوف ليغادر.. و قال لجده:

    • هسافر فترة مش طويلة.. ثم التفتخارجًا، حتى أوقفته كلمات جده :
    • انت ليه بتكدب يا خالد؟!.. انت ليه مش عاوز تعرّفني إنك عاوز تنزل السرداب؟!
كانت تلك الكلمات كالصاعقة
صيببالجنون.. و لم يعلم كيف عرفجده لفترة كي ال يعلم جده بذلك ، و
بنيّته.. فنظر إليهمرتبكًا:
-سرداب؟!.. انت عرفت منين؟ !!.. أقصد سرداب إيه.. و كالم فاض ي إيه..

فأكمل جده:

    • عرفت من زمان.. من زمان جدًا.. ثم أمرهبالجلوسمجددًا.. و سألهفي جدية:
    • انتعاوزتنزل السردابليه؟
صمت خالد.. ثم تحدّثمحاوالًأن يجعل الحديث مزحة:
- انت ليه مصمم على حكاية السرداب دى.. أنا بقولك أنا هسافر..
أعاد جده سؤاله: خالد.. انتعاوزتنزل السردابليه؟
فلم يجد مفرًاو أخرج زفيرا طويالً، و أجاب:
- عايز أنزل عشان أثبتملنىو أبوها إني بطل.. إني مختلف عن غير ي..
فسأله جده:
- بس؟
فأجابهفي تعجب:
- أيوة بس.. و أكمل:
-و مين عارف، يمكن أالقيالكنز الليانتوا كنتوا نزلتوا قبل كده عشانه..
فكرر جده سؤاله:

    • بس؟
    • أيوة.
فقال جدهفي جدية:
- انتمش عايز تنزل عشان كده..
فنظر إليه خالد متعجبًامن الجديةالتي لم يرها على وجهه من قبل.. حتى أكمل
جده:
- إفرضإن منى اتجوزت حد تاني، هتنزل السردابو ال ال؟

-ملاكنت صغيّركنتبحكيلكعن السردابو انت بتعيط.. و يمكن كنتبتبص لها
إنها مجرد حكاية عشان أسكّتك بيها، لكن صدقنيكنتعارف إن هيجييوم و تكبر
و أحكيلك من تاني عن السرداب.. مجرد حكاية صغيرة عنهو هتنتفض من جواك..
و تابع:
- ما انت ياما رفضك أبو منى.. و كنت عارف سبب رفضه.. إشمعنى املرةدي اللي
حبّيتتكون بطل.. لحد ما جه اليوم ده امبارح، و حصل جواك نفس اللي حصل
ألبوك يوم ما حكيت له عن السرداب.. بس الفرق إني عرفت إنك عايز تنزله، أما
هو راح فجأة..
فقاطعه خالد :
- أبويا نزل السرداب؟!
فأجابه:
- مش أبوك لوحده.. أبوك و أخد أمك معاه.. كانوا فاكرين إنهم هيروحوا رحلة
صغيرةو يرجعوا.. عشان كدهسابوكو انت ابن سنتين.. و قالواراجعين بعد أيام..
لكن األيام بقت شهور، و الشهور بقت سنين، و السنين فاتت و مرجعوش.. و البلد
كلها عرفت إنهم ماتوا في حادثة.. و الكل ش كر **** إنك مكنتش معاهم و نجيت من
الحادثةدي.. لكن الحقيقة إنهم نزلوا السرداب.
ثم تن هد و أكمل:
- عمر يما أنّبتهم علىكده.. بقول لنفس يما انت كمان نزلت السردابو كنت فخور
بنفسك.. بس الفرق إن **** نجاك.
ثم نظر إلى خالد:
- عشان كده عمرى ما هزعل إنك كمان تنزل السرداب.. حتى لو كنت عارف إن
قراركدهممكنيبعدكعني.. بس ال زم تكون متأكد إنكنازل من جواكانت.. مش
نازل لسببوهمي حاطه لنفسك هو منى..
و ه م بالوقوف.. و مش ىبضع خطواتمعطيًا خالدًا ظهره:
- ساعةماتقرر قولّي.. ألن لسه كالم كتير عن سرداب فوريك، حد غير ي هيقوله
لك..
* * *
بعدها غادر خالد، و لم يتجه إلى عمله كما كان يذهب كل يوم، بل توجه ملقابلة منى
بعدما هاتفته، و طلبت مقابلتهبأحد األماكن داخل جامعةاملنصورة.. حيث كانا
يلتقيان دائمًا.. وفي طريقهلم يشغل باله سوى حديث جده إليه.. و هل يرغب في
نزول السرداب حبًاملنىأم حبًا للمغامرة.. ثم تذكر حديثجده عنوالديهالل ذيْن
ال يعلم عن هيئتهما شيئًا.. فقد وجد نفسهدائمًا مع جده، و لم ي ر صورة واحدة
ألبيه أو أمه.. لم يساعده علىتخيلهماإالكلماتبعضأقاربه.. أنه طويل مثلأبيه،
فقد كان تقريبًا في مثل طول أبيه الذي يبلغ أكثر من مائة و ثمانين من
السنتيمترات.. كما كانوا يقولون له، و كتفاه العريضان و البينة القوية.. هذه
أشياء يقولون أنه شابهأباه فيها.. أما أقارب أمهفطاملا أخبروه أن شعره األسود
الداكن و ابتسامتهالدائمةيظالن شبهًادائمًا بينهو بين أمه..
* * *
بعدها عاد بتفكيره إلى ذلك الرجل الذي أخبره جده أن لديه كالمًا كثيرًا عن
السرداب.. و هذا االسم الذي سمعه ألول مرة.. سرداب )فوريك(.. و ظ ل تفكيره
منشغالً، حتى وصل إلى املكان الذي كان يقصده ملالقاة منى.. فوجدها في انتظاره
بحجابها املميز و ألوانه املتعددة، و عباءتها السمراء التي طاملا داعبها و أخبرها أنه
يتشاءم حين تقابله بتلك العباءة.. فنظر إليها بابتسامة فلم تبتسم كعادتها،
و قالت:
- أنا متأسفة إن بابا عمل معاك كدهللمرة التامنة..
فضحك :
- ال.. أنا خالص اتعودت.. أنا بقيت مفضوح في البلد أساسًا.. الناس بتقول عليا
إني ضربت الرقم القياس ي في رفض جوازك بيا.. و إني املفروض أدخل موسوعة
جينيس.. قال تلك الكلمات كي يخرجهامن حالةالحزن التي وجدها بها.. و لكندون
فائدة فأكملت:
- أناكنتمفكّرةزيكإن بابا عاوز حد مختلف.. بس لألسف بابا اتغير فجأة ..
اندهش خالد:
- يعني إيه اتغير؟!!
أجابته:
-فيه دكتوراتقدم لبابا عشان يتجوزني.. و طبعًا أنا كنت متأكدة إن بابا هيرفض..
بس فوجئت إنه وافق..
فصاح بها:

    • إيه.. وافق؟!!
    • آه.. وافق و مصرّإني اتجوزه.. و تساقطت بعض دموعها بينما شرد خالد
-و أنا؟
- حاولت اتكلم معاه بخصوص حبي ليك.. فضربني على وش ي.. و قال إنه عارف
مصلحتي أكتر منّي.. و إن مستقبلي مضمون مع الدكتور.. و إني هتعب معاك..
* * *
كانت منى تتحدث، و اختلط حديثها بدموعها.. و خالد ينصت لها ال يصدق ما
تسمعه أذناه.. ماذا يريد هذا األب املجنون؟ كان يخبره بأنه يريد البنت و ملاذا لم تعترض هي على قرار أبيها؟ !.. هلاستسلمتخوفًامن عنوستها؟..
كلها أسئلةدارت في ذهنه بينما كانت تتحدث، حتى طلبت منه الرحيل كي ال تتأخر
عودتها إلى منزلها.. و كأنها تهرب من لقائه.. فابتسمساخرًامشيرًا لها بيدهأن ترحل
دون أن ينطق.. و كانت املرة األولىالتي يتركها ترحل بمفردها.. و جلس بمكانه ينظر
إليهاو هيتغادر، و كأنها املرة األخيرةالتي يراها بها، و يخنقه هذا الضيقالذي يشعر
به.. تلك هياملرة األولىالتي يشعر معها بالهزيمة.. إحساس لم يجتحه من قبل.. لم
ينتبهفي أي مرة تقدم إليها لخطبتهاو رُ فض بها.. كان يعلم أن هناك ما يدعى األ مل
حتى لو تقدم إليها مائة مرة حتى يقبل أبوها..
يتذكر تح مله لنظرات الناس إليه، و سخريتهم منه حين كان يخبرهم بأنه سيتزوجها

ق حين طلب
ذات يوم، و ستبقى قصة يخلدها التاريخ .. كان يظن نفسه أحمق حين طلب
..و لكنه أكثر حماقة اآلن.. إنها ستوافق على ذلك الطبيب
كما وافق أبوها.. ربما أرادت أن تقابلني تلك املرة كي ترض ي ضميرها فقط ال غير..
هكذا حدّثنفسه.. حب سنوات يذوب كقطعة جليد في ثوانٍقليلة..
حتى قطع شروده صوت رنين هاتفه.. و حين قام بالرد، وج د صاحب العمل الذي
يعمللديهيوبخهلتغ يبه؛فلم يتمالك أعصابه، و أخبره أنه لن يعمل لديه مجددًا..
و أغلق الخط علىالفور..
* * *
بعدها عاد إلى بلدته.. يمش ي في شوارعهامطأطئ الرأس.. يشعر بطعم الهزيمةفي
حلقه.. ال يريد أن يتحدث إلى أحد.. حتى وصل إلى بيته، و دخل غرفته ثم نظر إلى
حوائطها املغطاةبتلكاألوراق التي كان يعلّقهادائمًا.. أوراق طلبهللزواج من منى
ورفضه في الثماني مرات، ووقف أمام كل ورقة على حدة ينظر إليها و هو يسخر
من نفسه.. و يضحك بصوت عالٍكأنه أصابه الجنون ثم قام بتمزيقها جميعًا،
و جلس علىأرضيةالغرفةواضعًارأسهبين يديه.. سابحًا في ذكرياته مجددًا، حتى
انتفض ذاهبًا إلى حجرة جده.. فوجده قد أنهى صالته.. فسأله:
تمالك خالد نفسه:
-منى خالص راحت من إيدي.. و خالص سيبت شغلي.. و الزم أنزل.
ثم أكمل:
- الزم أالقي حاجة واحدةفي حياتي أقدر أحكيها لوالدي من بعدي.. عايز أحس مرة
واحدة إني بطل قدام نفس ي.. إحساس يبفشليبيقتلني..
فسأله جده :
-مش خايف إنك مترجعش ز ي أبوكو أمك؟
فأجابه:
- صدقني.. الحاجة ا
-و العفاريت.. و األشباح و إن
-معتقدش إنيهالقي عفريت أصعب من بنيآدم..
بلحظات، زاد حبى للنزول أكتر من األول.. يمكن أالقي في السرداب الذكرى اللي
تخليني أقدر أنس ى إهانة ست سنوات لنفس ي.. ثم سأل جده:
-مين الراجل ده.. و فين أالقيه.. فابتسم جده:
- اطمن.. هو سمع كل كالمنا.. و يمكن اتأكد إنكعاوزتنزل السردابفعالً..
* * *
نظر خالد إلى جده مندهشًا و كأنه ال يفهم شيئًا حين دخل عليهما رجل عجوز
يقتربفي سنه من جده.. و علىالفورتحدّث جده، و أشارإلىالعجوز:
- أعرّفكبمجنون السرداب.. أكيد تعرفه..
نظر إليه خالد :
- أيوة طبعًا.. الحاج مصطفى أصالن !!
فأكمل جده :
-مصطفى كان أول واحد فكر إنهينزل السرداب من خمسين سنة.. و كنا مسمينه
مجنون السرداب.. و كان دايمًا يقول إن عنده معلومات محدش يعرفها عن
السرداب،
نظر خالد إلى هذا العجوز.. و تعجب مما قاله جده؛ فإنه يعرفه منذ سنوات
عديدة.. و لم يعلم أنه مجنون السرداب الذي طاملا سمع جده يتحدث عنهو هو
صغير.. حتىقطع صمتهالعجوز:
  • جدك حكى لي أدإيه انتعاوزتنزلسرداب فوريك.. و أنا اتأكدت دلوقت..
  • أيوة.. بس أنا أول مرة أسمع إن السرداب اسمه سرداب فوريك..
تابع العجوز حديثه:
- هو ده اإل سم الحقيقي للسرداب.. و لو بحثت عن اإلسم ده في أي مكان استحالة
تالقيأي معلومة عنه..
ثم تنهد و أكمل:
- الناس بتفكرنا أنا و جدك في عداد املجانين لو اتكلمنا عن السرداب.. و مش
مصدقين إننامن خمسينسنةنزلناهفعالً.. بس دي عندهم حق فيها..
فسأله خالد:
- عندهم حق.. يعني إيه؟
  • أو مال النفق اللي نزلتوه ده كان إيه؟
  • النفق دهمجرد طريق لسرداب فوريك.. و الدليل على كالمي إن النفق على عمق
مش كبير.. و له مسافة معينة،و الدليل األكبر إن ملبات الجاز انطفت بعد دقايق
من نزولنا..
- أه.. العفاريت..
فضحك الرجل:
- ال، تقصد التهوية.. النفق غير السرداب.. األكسجين في النفق قليل.. و تقريبًا
ممكن ميكونش موجود لو باب النزول اتقفل.. و وقتها ملا ملبات الجاز انطفت أنا
قلت عفريت.. و الكل خاف و جر ي.. بس بعد كدهاكتشفت إنه كان خيال حد فينا..
و من جوايا كانت سعادتي ملهاش وصف.. ألني حسيت إني حطيت رجلي على أول
طريق السرداب.. و فضلت حاطط أمل لنفس ي إني هوصل للسرداب في يوم.. بس
السنين فاتت، و املرض حاصرني، و فضلت مستني اليوم اللي ينزل فيه حد غير ي
السرداب.. و يحقق حلمي.. ثم أخرج كتابًاقديمًامن معه.. و أكمل:
- الكتاب ده من نسخة واحدة.. الليكتبهشخص نزل السرداب قبل كده.. لقيته
بالصدفة في كتب والدي ملا كنت شاب.. لكن لألسف عامل الزمن كان أثّر عليه
قبل ما أالقيه.. فكان السليم منهتقريبًا عشر ورقاتبتتكلم عن سرداب فوريك..
ثم أعطى الكتاب لخالد.. و أشار إليه أن يقرأ سطور الكتاب بصوت عالٍ..
* * *
أخذخالدالكتابليقرأوريقاته.. بينماجلسالعجوزليستمع إليه، و يحتس يكوب
الشاي الذي برد بالفعل.. و بدأ خالد في قراءة سطوره املكتوبة بخط اليد.. و التي
تحدّثتعن فوريك، أحد األثرياء الذين تواجدوا في العصر اململوكي.. و كان يمتلك
تلك املنطقةالتي توجد بها بلده، البهو فريك - التي كانت تسمى وقتها.. بهو فوريك..
و ما يحيطها من بلدان، و قد أمر أن يتم حفر ذلك بكتابته عن رحلتهللسرداب.. و عن ذلك النفق الذي ال تو جد
به تهوية.. و البد من تجاوزه في أسرع وقت إلى السلم الحقيقي للسرداب.. و الذي
يمتد ألكثرمن ثالثين مترًا تحتاألرض.. و منذ تلك خُزّنت به.. و لكننياكتشفتما هو
أثمن من ذلككثيرًا، و أعظم من كنوزفوريك.. إننياكتشفت...
حتىانتهتالعشر ورقات دون أن تكتمل الجملة..
* * *
نظر خالد إلىالعجوزفي لهفة:
- اكتشف إيه؟
فأخبره العجوزأنه ال يعلم.. و أنه وجد الكتاب على تلك الحالة.. و ظ ل سؤال ماذا
اكتشف صاحب هذا الكتاب يشغله طوال خمسين عامًا.. ثم نظر إلى خالد:
- لو كنت عاوز تكتشف اللي اكتشفه.. الزم تكون في السرداب الليلة دي..
- الليلةدي؟!!
- أيوة.. الليلةدي القمر بدر.. و ده التوقيت الليبيكون فيه السردابمنوّر حسب
كالم الكتاب..
فصمتخالد قليالً.. ثم نظر إليه:
-و أنامستعد أنزل.. مستعد لفرصة حياتي..
* * *
كانت الساعة تقترب من السادسة حين تركه العجوز و غادر.. و ترك معه هذا
الكتابالذي تصفحه ألكثر من مرة.. و مع كل مرةتزدادرغبتهفي نزول السرداب..
يدفعه ذلك الفضولإلىمعرفةما اكتشفهكاتبه.. يشعر أنهيمتلكسرًامن أسرار
الزمان.. و يسأل نفسه: هل اكتشف كنوزًا ال حصر لها؟.. هل توجد آثار باألسفل،
و أكون أنامكتشف القرن الحادي و العشرين؟ .. و ظ ل هائمًا في أحالم اليقظة..
* * *
اقتربت الشمس من املغيب فصعد أعلى بيته.. و نظر إلى بلدته.. ينظر إلىأراضيها
الزراعية.. و إلى األشجار العالية، و الطيور التي تزينها.. ينظر إلى البيوت املجاورة
و كأنه يراها آلخر مرة.. يستنشق نسيم بلده العطر، و يتحدث إليها.. ربما يكون آخر
نهارلي هنا.. أتمنىأال يكون.. ثم عاد إلى حجرته ليتم استعداده لرحلته..
* * *
م ر الوقت، و دخل الليل، و زُيّنت السماء بالبدر.. و ها هو ينتظر حتى يسكن الهدوء
البلدة.. و هو يعلم أنهلن ينتظر كثيرًا.. فعادةًيدب الهدوء بلدته بحلول العاشرة
مساءًعلى األكثر.. ال يتأخر بها سوى صديقه دكتور ماجد منير، و الذي يغلق
صيدليتهفي وقتقد يتجاوزالثانية عشرة.. إنه ال يريد أن يراه أحد و هو متجه إلى ذلك البيت املهجور في أطراف البلدة.. حتى دقت الساعة الواحدة صباحًا..
و استعد للرحيل، و نظر إلى جدهمبتسمًامودعًا له:
- إن شاء هللا هرجع..
فابتسم جده :
- أكيد هترجع إن شاء هللا.. ثم طلب منه أن ينتظر لحظة.. و أخرج الصندوق
الخشبي.. ثم فتحهو أخرج منه)ألبوم( الصورالقديم.. فسأله خالد:
- إيه ده؟!!
فقام جدهبتقليببعضصفحاتهووقف علىتلكالصورة التي توقف أمامها من
قبل، و تحدّثإليه:
- عارف مين دول؟
فنظر إليها خالد و مازالتالدهشة تتملكه.. فأكمل جده:
-دي صورةأبوكو أمك.. كانتآخر صورةلهم قبل ما يسيبوني.. ثم دمعت عيناه
فدمعت عينا خالد هو اآلخر.. و ظ ل متأمالًبها:
- أول مرةأشوف صورتهم..
فأكمل جده:
- كنت مستني اليوم ده.. و فضلت معذب نفس ي عشان اليوم ده.. ثم أعطاه
الصورة، و مسح بيده دموعه، و احتضنه.. فهمس خالد في أذنه:
- هرجع لك يا عبده.. هرجع..
ثم غادر..
* * *
كان الهدوء يسود البلدة.. و لم يكن يسير بشوارعها أحد سوى خالد و الذى كان
يحمل حقيبة كتفه ، و ما بها من طعام يكفيه لعدة أيام، و مصباح لإلنارة، و الكتاب
الذي أعطاه له العجوز، و بعض األوراق و األقالم؛ اعتقادًا منه أن هناك ما قد
يحتاج لتدوينه.. و قد وجد عدم حاجته لـ )كاميرا ( تصوير؛ فوجود هاتفه الخلو ي
يغنيه عنها ..
كان يسيرمسرعًا إلىأطراف البلدة حيثذلكالبيتاملهجور.. و ما إن اقترب منه
و من سورهالعالي حتى عزم علىتجاوزذلكالسور..
* * *
أما جدهفكان يجلس وحيدًا يقرأ في كتاب هللا، و يدعو ربهأن يعودبهساملًا.. حتى
سمع طرقات على باب بيته.. و قد ظن أن خالدًا عاد من جديد.. و ما إن قام ليفتح

أجابت منى فيفرحة:
- خالص يا جدو.. قدرتأقنع بابا إننا نتجوزأناوخالد.. و مش قادرةاستنىللصبح
عشان أقوله.. خايفةيكون لسه زعالن من الصبح..
فابتسم العجوزثم صمت..
* * *
تجاوز خالد سور البيت املهجور.. و أنار مصباحه حين وصل إلى مكان الصخرة
الذي وصفه له جده بالتفصيل.. و التيكان يصعب أن يصل إليها دون وصف جده له.. ثم حاول إزاحتهافلم يستطع في البدايةرغم قوتهالبدنية.. فحاول مرة أخرى
دون أن يستطيع.. فصاح بنفسه أنه لن يستسلم.. و عاد للمحاولة مرة ثم مرة ثم
مرة.. و قد انسابالعرق من جبينه، و لكن دون جدوى..
حتىوجد لوحًا قديمًا من الخشب ففكر أن يكون وسيلة إلزاحةالصخرة.. و بدأ
يحاول من جديد، و يصرخ مجددًا لن أستسلم.. و يدفع بقوة، و يضغط أسنانه
ببعضها.. و يدفع اللوح الخشبي.. و يصيح، و يدفع.. حتى تحركت الصخرة بعض
الش يءتبعهاسقوطه علىاألرض..
ما إن تحركت الصخرة تلك الحركة الضئيلة.. حتى سهل تحريكها بعد ذلك..
و دفعها رويدًا رويدًا.. بعيدًا عن باب حديدي كان يرقد أسفلها.. حتى سقط على
ركبتيه.. و ازدادت ضربات قلبه، و تسارعتأنفاسه.. و قال مبتسمًا لنفسه:
- إجمد يا بطل.. إحنا لسه في البداية..
* * *
بعدها نظر إلى الباب الحديدي الذي احتل مربعًا من األرضية.. و سمى هللا.. و قام
ث، فصلرميرًايكدن لموصدًا بأي نوعٍعلى غلقه ملدة طويلة.. ثم و جه ضوء مصباحه بداخله فوجد
بفتحه
أحد
من األقفال سوى الصخرة.. و ما إن فتحه حتى
سلمًا عموديًا إلى األسفل.. فتحدثإلىنفسهمشجعًا لها:
- بسم هللا نبدأ طريقنا للسرداب..
* * *
بعدها بلحظاتبدأ نزول ذلكالسلم.. و ما إن نزل حتىأُغلق بيده اليمنى، و يزيح شباك العنكبوت الكثيفة بيده اليسرى.. حتى سار
لعدة أمتار فبدأ يشعر بسرعة ضربات قلبه.. يحاول أن يرى نهاية ذلك النفق..
و لكن دون جدوى بعدما حالتشباكالعنكبوت دون ذلك..
* * *
تقدم خالد في الظالم أكثر و أكثر.. يبحث عن سلم السرداب الذي أخبره به
العجوز.. و أسرع في تحركه بعدما شعر بضيق صدره الذي ازداد حين ق ل الهواء
بصورة شديدة.. و بدأ يضع يده على رقبتهمن االختناق.. و يتحرك، و ال يجد ذلك
الطريق إلى السرداب.. يجر ي كاملجنون و قد خرّت قواه.. يتحسس حوائط النفق
بيده.. يبحث عن أي فجوة بها.. و لكن دون جدوى.. يسأل نفسه الهثًا: أين أنت أيها
الطريق؟ .. يعلم أنه لن يستطيع حتى العودة إلى سلم النفق.. سيموت مختنقًاقبل
أن يعود.. يسرع في طريقه إلى األمام.. يبحث في كل مكان.. على الجانبين و أعلى
و أسفل.. و لكنهلم يجد شيئًا.. حتى سقط علىاألرض.. و سقط بجانبه مصباحه،
و صرخ بصوت واهن:
- ال يوجد سرداب.. ال يوجد..
ثم صمت.. و أمال رأسه جانبًا.. وكاديغمضعينيّهمستسلمًا.. قبل أن ينظر بعيدًا
إلى بقعةٍأضاءها مصباحه امللقى بجواره.. فابتسم ابتسامة شابها إعياء شديد،
و تحدّث:
- سرداب فوريك.. ثم أغمض عينيه للحظات حتى فتحهما مرة أخرى.. و نظر
مجددًا إلى ألواح خشبية متراصة ظهرت في بقعة الضوء، و كأنها بابٌصغيرٌيوجد
بأحد جانبي النفق..
* * *
كان الباب الخشبي يبعد عن خالد عدة أقدام.. و مازال خالد مُلقى على ظهره من
شدة اإلعياء حتى انتفض مجددًا،و تحرك بجسده تجاه هذا الباب، يزحف كأنه
إحدى الزواحف.. اليقوىأنيقفعلىقدميه، و ينازع اختناقهكمنينازعالغرق..
يتحرك بجسده، و يدفع بقدميه، و يستعين بذراعيه.. واضعًامصباحه بين فكيّه..
يقاوم أكثر و أكثر.. و يحدّث نفسه أنه األمل، إنه سرداب فوريك.. حيث الهواء..
حيث الحياة، يهذيبكلماتيقوّيبها نفسه.. و يقترب أكثرو أكثر من الباب.. و يدفع
بقدمه في قوة.. حتى توقف جسده مرة أخرى بعدما خرّت قواه، و لم يكن يتبقى
سوى أقدام قليلةنحو الباب..
تنظر عيناه إلى الباب.. و يحاول أن يمد ذراعه إليه لكنها ال تلمسه و كأنها
استسلمت.. حتى صرخ صرخة قوية، و كأنه يجمع ما تبقى لديه من قوة، و قذف
بجسده تجاه الباب كصخرة اندفعت نحو باب خشبي أذابه الزمن فانكسرت
ألواحه.. و اندفع بداخله ليجد جسده يهوى على سلم خشبي مغمضًا عينيه
يتدحرج كما تتدحرج الكرة حين تسقط علىدرجات سلم.. و لم يستطع السيطرة
على جسده على اإلطالق.. يرتطم بين الحين و اآلخر.. و يزداد سقوطه أكثر و أكثر..
ثم هدأ ارتطامه قليالًحتى توقف.. و قد فتح عينيّهليجد نفسه في مكان مختلف
تمامًا..
* * *
فتح خالد عينيه.. فوجد نفسه مُلقى على إحدى درجات السلم العريضة.. و قد
انتعش صدره بالهواءكأنهارتوى ببئرماء بعد ظمأ شديد.. و زاد سروره حين و جد
نفسهيرىكل ش يءدوناالستعانةبمصباحهو قد زالظالم النفق.. حتى وقف على
قدميه، و صرخ:
- أنا في سرداب فوريك.. أنا في سرداب فوريك..
بعدها نظر إلى أسفل حيث لم ينته السلم بعد.. وأسرع إلىأسفل يخطو درجاتهفي
أمل.. ال تعوقهآالم ارتطامه حين سقط.. يريد أن يكتشف كل ش يء في وقت قليل
قبل أن يختفي البدر.. و يتحدث إلى نفسه أن كل ما ذكره الكتاب حتى اآلن قد
وجده.. الهواء موجود بالفعل، و إضاءة البدر تنير له طريقه، و كأنها جُمعتلتزداد
قوة إضاءتها داخل السرداب.. يالها من براعة هندسية.. و لكن ظ ل سؤاله إلى
نفسه؛ ماذا اكتشف صاحب الكتاب؟!.. حتى انتهى السلم.. و وصل إلى نهايته،
فوجد نفسهفي السرداب..
* * *
وجد خالد نفسهأمام نفق كبيرأكبركثيرًامن النفق الذي م ر بهسابقًا.. فارتفاعه
يقترب من العشرة أمتار.. و اتساعه يبلغ مثل ارتفاعه.. حتى سار به، و ينظر إلى
جدرانه الضخمة في دهشة كأنه في مزارٍسياحيّ.. و أخرج قلمه و أوراقه.. و أخذ
يكتب بع ض السطور عمّا يراه.. و يتقدم أكثر و أكثر، و يسأل نفسه؛ كيف يو جد

باكتشافه، السرداب نفسه.. و يسيرمنبهرًاو يتقدم.. و يضحك بهستيرية ، لقد انتهى
األلم.. لعلهيجد أحد الكنوزاآلن..
يبحثفي كل جوانب السرداب.. ال يريد أن يترك شبرًاواحدًا يفوته.. حتى ارتطمت
قدماه بش يءما.. و ما إن نظر إليه حتى انتفض قلبه حين وجده هيكلاً عظيما لأحد األشخاص.. و قد كانت املرة األولى التي يرى فيها مثل هذا الهيكل، لكنها لم تكن
يده فوجدها
قاربت الخامسة فجرًا.. و علم أن البدر قد بدأ في زواله.. و ال يعلم ماذا سيحدث
بعد ذلك.. ماذكره الكتاب أن السرداب يظل مضاءًوق توجود البدر.. و لم يذكر
شيئًا آخر، حتىم ر قليلٌمنالوقت.. و تالشتمعهإضاءةالسردابتدريجيًا.. فلم
يع طاهتمامًا لذلك.. و تق ددمم أكثرو أكثر.. حتىوجد صورةًنُ ق شت على أحد جدار ي
السردابلشخصٍتبدو علىمالمحه الثراء..فتحدثإليهمبتسمًا:
- أكيد انت فوريك.. أحب أعرّفك بنفس ي.. أنا خالد حسني، مكتشف سردابك
العظيم.. و الليبسببك هيعيش أحلى أيام حياته..
ثم أخرج هاتفه ليلتقط له صورة.. و ما إن التقطها حتى شعر بهزة عنيفة تحت
قدميّهكادتتسقطه، فالتفتجانبًا ليجد جدران السردابتنهاربعيدًا في طريقها
إليهو يقترب منه االنهيار بشدة، فعاد بظهره للخلف بضع خطوات.. بعدها لم يجد
أمامه سوى أن يلتف بجسدهو يجر ي لألمام..
* * *
يجر ي خالد سريعًا و انهيار الجدران يسرع خلفه كأنه فريسة يالحقها أسد مفترس..
ال يصدق عينيّه.. يشعر بأنه في حلم ما، و يسرع.. و تسمع أذناه صوت ارتطام
صخورالجدرانالضخمة.. لو أصابته صخرة واحدة لقتلته.. حتى سقطت حقيبة
كتفهو ما بها فلم يعبأ بذلك.. وواصل عدوه.. تساعده قدماه الطويلتانو خطواته
الواسعة.. و يجر ي إلى حيث ال يعرف.. يجر ي إلى املجهول.. و يصرخ بداخل نفسه.. كيف يعود إلى بلده مجددًا؟ !.. إنه الهالك.. إن السرداب ينهار.. ماذا حدث
باألعلى؟! حتى وجد نفسه أمام طريقين انقسم إليهما السرداب.. فاندفع إلى
أحدهما، دون رغبته حين انهار الطريق اآلخر قبل أن يصل إليه.. و كأن االنهيار
يتحكم في مساره.. ثم فوجئ بنفسه يجر ي إلى مرتفع يتجه لألعلى.. و يال حقه االنهيار
أسرع و أسرع يريد أن يبتلعه..
يحاول أن يقاومصعوبةالصعود.. و يتقدم و يخطو بقدميّهسريعًا.. حتى وجد نو رًا
شديدًا على مرمى بصره كأنه نور النهار الذي يعرفه جيدًا فأسرع إليه و مازال
الظالم و االنهيار يالحقاه حتى اقترب من الفتحةو قفز منها لتنهار من أسفله،و تغلق
و كأن األرض قذفته خارجها..
* * *
وجد خالد نفسهمُلقى على األرض.. و رأسهمنغمسة في رمالٍ.. فرفع رأسه، و أزال
الرمال عن وجهه و عن عينيه.. و نظر إلى السماء و ضحك.. و شكر هللا بعدما ظن
أنه عاد مرة أخرى إلى أعلى.. و أنهقد نجا من انهيار هذا السرداب امللعون.. حتى
نظر إلىالسماءمجددًا.. و الحظ زرقتهاو صفاءها إلىدرجةلم يرهامن قبل، و نظر
حولهفوجد رماالًبكل مكانو على مرمى بصره.. فنهضو داربجسدهليرىماحوله..
فلم يجدسوى صحراءواسعةتظلهاسماء صافيةفضربرأسهبيده، و همس إلى
نفسه:
-فوق يا خالد.. انت بتحلم و ال إيه.. انت فين؟ !.. و إيهاللي جاب الصحرادي هنا..
ثم نظر حوله مجددًا، و سأل نفسه غير مصدقًا ما يراه: أين هو؟.. و سار بضع
خطواتفي كل اتجاه لكن دون جدوى.. إنها صحراء ال يوجد بها أحد فجلس مكانه
في دهشة.. و نظر إلى فتحة السرداب التي خرج منها فوجدها و كأنها لم تكن..
فضحك ساخرًا.. و تحدّث خائبا ألامل :
- واضح إن السرداب كان معمول عشان نعمّر الصحرا.. و الكنز و فوريك ده كان
مقلب.. و يا ترى أنا في الصحرا الشرقية.. و الّالغربية.. و الّفي سينا؟!!.. و ال أكون
عبرت الحدود.. و رحتليبيا.. أو السعودية.. ثم صرخ و كأن الجنون أصابه:
- أنا فين؟!!!..
* * *
مرت ساعات على جلوسه.. يجلس و ال يعلم أين يذهب.. و خلع قميصه، و وضعه
فوق رأسه كي يقيه حرارة الشمس.. و اندهش حين نظر إلى ساعة يده فوجد
عقاربها توقفتعنالحركة.. و لم يفكر بهذا األمر كثيرًا حيثفوجئبرجليّن يجريان
بعيدًا عنه.. فنهض و أسرع إليهما.. و بدأ األمل يدّق قلبه حتى اقترب منهما فالحظ
زيّهما الغريب و شدة إعيائهما، و كأنهما مريضان بمرض مزمن شديد فأوقفهما..
و سألهما:
- لو سمحتوا، أنا محتاج مساعدتكم..
فتركاه.. و واصال جريهما، فأسرع خلفهما ليوقفهمامجددًا:
  • انتو ا بتجروا ليه؟ !.. فنظر إليه أحدهما:
  • أال ترى ما نحن به؟ !
تعجب خالد من لهجتهما الغريبة.. و ابتسم ساخرًا مقلدًا له:
  • أجل أرى يا سيدي.. ثم سأله:
  • إحنا في السعودية، صح؟ !
نظر إليه الرجل متعجبا:
-ماذا تعني السعودية؟ !!
ابتسم خالد.. و زفر زفيرًا طويلاً.. و تحدث إلى نفسه:
-دول في الضياع..
فسألهالرجل اآلخر الهثًا :
- أأنت غريب؟
فأجابه خالد علىالفور:
  • أيوة أنا غريب.. ثم أكمل:
  • إحنا فين؟.. و انتوا مين؟
أجابه أحدهما:
- إننا فقراء.. و قد هربنا إلى الصحراء.. أال يوجد معك طعام؟!
أجابه:
- ال لألسف.. كان معايا بس ضاع مع الشنطة.. ثم وضع يدهفي جيبه، و أخرجورقة
من فئة العشرة جنيهات.. و أكمل:
- أنامعايافلوسممكن تشتروا أكل لو قُلتوا لي إحنا فين.. و ازاي أرجع بلدي..
فخطف أحدهما ما أخرجه خالد من نقودو وضعها بفمهو أكلها.. فاندهش خالد،
و سألهمتعجبًا:
- انتجعان للدرجةدي؟
فأجابه اآلخر:
- يبدولي أنككريمٌ، و لهذا تأكدت أنك غريب عن هنا.. أشعر بأنك غنيّللغاية...
ضحك خالد.. و نظر إلى نفسه، و مالبسه البالية التي غطّاها تراب النفق
و السرداب، و حالتهالتي يُرثى لها.. و سأل نفسه.. أيّغنى يتحدث عنه هذا األبله؟
عشرةجنيهاترآهاشعر بأنني غني؟.. ثم تجاوب معهماو كأنهما مجنونان.. و سألهما
مجددًا، و قد ضاق صدره:

-دلوقتى أنا عايز أعرف انتو ا هتعيشوا ازاي في الصحرادي؟ ! ، و هربانين من إيه؟
و سؤالياألهم: إحنافين أساسًا؟..
أجابهالذي أك ل النقودبعدما حاول أن يفهم ما يقصده :
- إننا فقراء، و ستكون الصحراءأفضل لناكثيرًامن أرضزيكوال..
فسأله خالد مندهشًا :
- أرضزيكوال؟!!
فسأله اآلخر:
- أال تعرف أرضزيكوال؟ !
أجابه خالد:
- ال.. فين زيكوال دي؟.. أنا مش شايف إال صحرا في كل مكان..
فأكمل الرجل:
-من يوجد في هذا الزمان و ال يعرف أرضزيكوال؟! ثم أكمل محدّثًا صديقه:
- إنهم األغنياء، يسخرون منا هكذادائمًا.. ثم أشار إلى خالد أن يتحرك عدة أمتار
في اتجاه يده:
- إنها هناك باألسفل.. أيها الغني..
ثم تركاه وواصال جريهما في الصحراء.. و تحرك خالد إلى ما أشار إليه الرجل،
وواصل تح ركه حتى وجد نفسه على حافة هضبة عالية فنظر إلى أسفل فوجد
مدينة كبيرة ذات منظر بديع من أعلى.. بها مبانٍشتىو تتخللها مساحات خضراء
كأنها أراضٍ زراعية، و مسطحات من املاء ..
* * *
اتسعت عينا خالد من الدهشة، و سأل نفسه:كيف توجد تلك املدينة بجوار تلك
الصحراء الجرداء؟ !.. حتىقاطع تفكيره صياح أحد الرجلين إليهمجددًا :
- إياك أن تذهب إلى زيكوال.. إياك.. و واصل جريه مع صاحبه.. فلم يعطه خالد
اهتمامًا.. و ظلّينظر إلى تلك املدينة من أعلى.. و سأل نفسه: أين هو من العالم؟
و أينتوجد أرضزيكوال تلك؟.. حتىابتسم حين نظر بعيدًا إلى أسفل فوجد طر يقًا
طويالًممهدًا إلى تلك املدينة.. به كثير من التعرجات و مرتفعًا إلى أعلى حيث يمّر
بالقرب من تلك الهضبة التي يقف عليها.. فلم يجد أمامه سوى أن يسرع باحثًا
عنه.. يريد أن يذهب إلى املدينةفي أسرع وقتبعدما ح ل به الجوع و العطش بعدها
يحاول أن يعرف أين هو..
* * *
بعدها سار في الصحراء متجهًا إلى ذلك الطريق.. و ظ ن في البداية أنه قريب منه
فاكتشف غير ذلك تمامًا.. فكلما تق ددمم لم يجد شيئًا فاعتقد أنه سرابٌ.. حتى
تحقق من وجوده حين رأى عربة يجرّها حصان تسير على مقربة منه.. فأسرع في
اتجاهها فوجد أمامه ذلك الطريق الذي شاهده من أعلى.. و لكن سائق العربة لم
يلحظ وجودهو ابتعد بها عنه فواصل تحركه في نفس الاتجاه الذي سلكته العربة..
* * *
م ر الوقتو أصبحت الشمس عمودية.. و زادتحرارتها، و حلّاإلرهاقو التعب على
خالد.. و بدأتآالم ارتطامهفي السردابتحلعليهمرةأخرى.. و لكنه تابع سير هرغم
نالبهدنالهكأممنالًنيْل قسطٍمن الراحة.. يريد أن
، و
ر أ
علمه بأن هذا الطريق طويل للغاية
ما في انتظاره.. حتى سمع صوتًا يصل إلى هناكفي أسرع وقت.. يشع
من خلفه.. و حين الت فوجد عربةأخرىيجرهاحصانفأشارإلىسائقها أن يقف،
فأوقف السائق حصانه بالفعل.. فنظر إليه خالد في تعبٍ:
- أنا عايز أروح أرضزيكوال..
فسأله السائق:
-و كم تدفع؟
فوضع خالد يده في جيبه.. و أخرج بعض النقود الورقية.. و أشار إلى السائق أن
يأخذها.. فسأله السائق غاضبًا:
-ورق؟!
ثم ألقاها في وجهه.. و تركه و غادر.. و خالد لم يفقه شيئًا مجددًا.. و حدّث نفسه
بصوت مسموع :
- البلد دي كلها مجانين و ال إيه؟!
وواصل تح ركه، فجاءتعربةأخرى و حدث معها مثلما حدث مع العربة السابقة
تمامًا.. و تركه سائقها و غادر.. فابتسم خالد ابتسامة بها خيبة أمل كبيرة محدثًا
نفسه: " إنهازيكوال أرض املجانين ".. و سارمسافةأخرى، و ازدادتعبه.. حتى سمع
من جديد صوت عربة فالتفت فوجدها عربة ضخمة يبدو عليها الثراء، و قد
اختلفت عن العربات السابقة من حيث تصميمهاو أناقتها.. فرأى أن يوّفر تعبه..
و ال يشير إليها و يكمل سيره، و مرّت بجواره فوجد شابًا في مثل عمره متشبثًا
بمؤخرتها دون أن يراه سائقها.. و حين وجد خالدًا أشار إليه بيده أن يسرع إلى العربة.. فأسرع خالد إلى مؤخرة العربة هو اآلخر.. و تشبث بها.. و نظر إلى الشاب
مبتسمًا: "شكرًا".. فهمس الشاب إليه، ووضع يده على فمه:
- اصمت.. كي ال يسمعنا أحد..
* * *
سارت العربة في طريقها إلى زيكوال، يصيح سائقها إلى جيادها أن تسرع.. و خالد
مازال متشبثًا بمؤخرتها مع هذا الشاب.. ينظر إليهفي دهشة من مالبسه.. و شعر
بدهشته هو اآلخر منهأيضًا.. حتىاقتربتالعربةمن سور ضخم.. فأشار الشاب
إلى خالد أن يقفز معه تاركين العربة.. فقفزا، و ما إن نظر خالد أمامه حتى وجد
سورًا ضخمًا يصل ارتفاعهإلى ما يقرب من خمسة طوابق، تزينه نقوشٌغايةفي
الجمال، به باب ضخم كان مفتوحًا على مصراعيه تمر منه العربات مجيئًا
و ذهابًا.. فنظر خالد إلى الشاب قائالً:
- أنا بشكركجدًا ..
ر دالشاب:
- ال تشكرني يا أخي.. إننيمثلك، كادت تقتلني حرارةالشمس..
فسأله خالد:
  • أنتمن زيكوال؟
  • نعم.. و أنتتبدو غريبًا..
فابتسم خالد:
- أيوة.. أنا من البهو فريك.. بلد جنبالمنصورة..
فارتسمت الدهشة على وجه الشاب:
-ماذا؟!!
فأسرع خالد و كأنه يصحح حديثه :
دالشاب:
- نعم أخي.. ال أعرفها..
فصمت خالد مفكرًا ثم أجابه و كأنه يريح نفسه من غرابة هؤالء الناس الذين
يقابلهم:
  • أيوة مصر في الشمال.. ثم سأله:
  • إحنا فين؟
ر دالشاب:
- أال ترى يا أخي.. إننا في زيكوال.. أرضالذكاء..
فلم يتمالك خالد نفسه من الضحك :
  • أرضالذكاء؟!.. ال فعالً الذكاء واضح على كل الليقابلتهم ثم سأله:
  • يعني تبع دولةإيه؟ .. قارةإيه؟
رد الشاب متعجالً:
-ال أفهم قصدك.. إنها زيكولا فقط.. و الآن البد أن أتركك.. إنني أضعت اليوم وقتًا
من العمل.. و البد لي أن أقوم بتعويضه..
ثم مدّ يده مودعًا خالد، فمد يده هو الآخر:
- اسمي خالد..
دالشاب:
-و أنا يامن.. حظاسعيدًا في أرضزيكوال .. ثم تركهو غادر ..
* * *
كان خالد مازال واقفًا أمام باب املدينة الضخم.. حتىتق ددمم إليه، و ما إن مرّخ****
حتى شعر برعشةقويةتسرى بجسده، و ألم شديد برأسه كاد يقتله.. حتى سقط
على ركبتيهممسكًا رأسهبيده من األلم الذي لم يشعر بمثلهفي حياته.. و استمر
أملهلدقائق حتىبدأ يتالش ىشيئًافشيئًاو كأنه لم يحدث، ثم تابع مسيرهإلى داخل
املدينة..
سار خالد باملدينةو كأنه يسير بمدينة األحالم.. ينظر إلى وجوه الناس و تعبيراتهم
املختلفة.. منهم من ترتسم البسمة على وجهه، و منهم منانطبع الحزن على جبينه..
و إلىزيّهم الذي انقسم إلى أقسام عدة؛فمنهم من يرتدي جلبابًاو علىرأسه عمامة،
و قد كانوا كبار السن.. أما الشباب و الصغار فكانوا يرتدون سراويل واسعة من
مكأنصهاانًا واسعة منقوشة صُ ن عت ببراعة من الجلد أو
و
ق
..
ن
ضيقة من أسفل
.. و من أعلى يرتدو
و
أناقة
زيّالصيادين الذي اعتاد أن يراه و لكنها أكثر أعلى
القماش.. أما النساء فقد وجدهن يرتدين فساتين فضفاضة ذات ألوان ب راقة..
و جميعهن ال يضعن شيئًا فوق رؤوسهن.. و الحظ جمال الكثير من النساء في تلك
املدينة.. و خش ى أن ينظر إلى إحداهن.. و هو ال يعلم كيف ستكون ردة الفعل في
و األخشاب..
* * *
و تكذم كّل خالد مسيره حتى وجد مكانًا يق دّم طعامًا فسمع أصوات بطنه تناديه،
أ
ره بالجوع.. فاقترب من ذلك املكان.. و جلس به.. و طلبطعامًا.. ثم جاءهرجل
بطعام من الخبزو اللحم.. و قال له :
-شكرًا لتشريفك لنا أيها الغني.
فابتسم خالد :
- تاني غني!!
ثم أكل و امتألت بطنه.. و انتظر أن يأتي الرجل ليأخذ نقوده فلم يأ ت.. فأكل
و مش ى.. و عادت إليه قوته مجددًا.. و أكمل سيره في املدينة حتى وجد مكانًا آخر
لصناعة املالبس و بيعها.. فنظر خالد إلى نفسه.. و وجد أن يشتري لنفسه ز يا.. كي
ال يكون زيّهمختلفًا عن باقيأهل املدينة.. حتى يعرف أين هو.. و دخل ذلك املكان
فسأله من به:
- لستمن زيكوال؟
و لالممهيأفخأذعمطناههناقلرودًجل ز يا مناسبًا.. بنطاالًواسعًا.. و قميصًا
ك
..
ا
ا.. و قال له مثلما قال صاحب املطعم: فمانوقمأوشًاخالد موافقًمن القطن
-شكرًا لتشريفك لنا أيها الغني..
فابتسم و تذكر كالم من قابلهما بالصحراء.. و أنه غريب ألنه كريم.. و قال لنفسه
إنهما مجنونان بالفعل.. فما وجده من أهل املدينة حتى اآلن كرم مبالغ فيه.
* * *
يسيرباملدينةبزيّهالجديد.. و يقلب عينيه هنا وهناك.. و قد الحظشيئًا لم يفهمه..
و هو أن كل مكان للبيع و الشراء يجد مكتوبًا عليهأرقام و وحدات.. عشر وحدات
أو خمس.. أيّوحدات تلك ال يفهم.. حتى أكمل مسيرهو ح لالليل.. ففوجئ بأن تلك
املدينةرغم ما يبدو عليها من ثراء إال أنها لم تصلها الكهرباء بعد.. ثم اندهش حين ُضيئت املدينة بالنيران.. و انتشر الضياء في كل مكان.. و ال تختلف إضاءتها عن
املصابيح التي يعرفها.. تلك هياألخرى براعة هندسية..
بعدها جلس على جانب أحد الشوارع.. و كاد يغلبه النعاس.. فوجد أهل املدينة
يستعدون و كأنهم يحتفلون بش يء ما.. الجميع يلعبون و يمرحون.. و األطفال
يرقصون.. و سأل نفسه هل هناك عيد ما؟ .. يبدو كذلك.. و فرح بذلك فجميع أهل
املدينة خارج منازلهم.. و سيؤنس ذلك وحدته دون مسكن.. حتى اقترب منه فتى
فسأله ملاذا يحتفل الناس هكذا.. فأجابهالفتىفرحًا:
- إن االحتفال لم يبدأ بعد ..
فضحكخالد مداعبًا الفتى:
- أمّال هيبدأ إمتى؟
تعجب الفتى:
-ملاذا لهجتك غريبة؟
ر د خالد:
- أنا من الشمال.. إنني غريب..
ر دالفتى:
- تقصد كنتغريبًا.. أما اآلن أنتمن أهل زيكوال..
فابتسم خالد و وضع يده علىرأسالفتى:
- عارف إن زيكوال أرضالكرم..
فأكمل الفتى:
- اليوم الكل يستعد لالحتفال.. أما االحتفال الحقيقي سيكون غدًا.. إنه أعظم
احتفال بالكون.. و الكثيرون من البالد البعيدة يأتون للهضبةاملجاورة..و يقفون
بها ملشاهدة احتفاالتنا..
فتعجب خالد و سأله عن سبب االحتفال، فظهر التعجب على وجه الفتى:
- إنني كنت أظنك غنيًا.. أرجوك ال تدعني أشك في قدراتي بمعرفة األغنياء.. ثم
أكمل :
- إن احتفاالتنا ستبدأ غدًا احتفاالًبيوم زيكوال.. اليوم الذي يجعل من زيكوال
أشهر مدينةبالتاريخ.. اليوم الذي يسعد بهكل أهل زيكوال..
ثم صمتقليالً.. و أكمل :
-ماعداشخصًاواحدًا بالطبع..
فسأله خالد:
-مين الشخص ده؟
فضحك الفتى:
  • يبدوأنكال تعرف كثيرًا عن زيكوال.. ثم تنهد.. و نظر إليه:
  • سيدي، إن يوم زيكولا يُذ بح فيه أفقر شخص يوجد باملدينة.
* * *
شع ر خالد بالصدمة حين أخبره الفتى أن يوم زيكوال يُذ بح به أفقر من يوجد
باملدينة.. و حدّث نفسهبأنه أفقر من بها.. و ما معه من نقود ال تفيد بعدما تيقن
من مواقفهالسابقةأنهم ال يعترفون بها.. و إن كان حديثالفتى صحيحًا سيكون
هو الضحية.. حتى قاطع تفكيره الفتى حين أكمل:
- في يوم زيكوال تجرى منافسةبين أفقر ثالثةأشخاص باملدينة.. أما غدًا لألسف
فسيذبح الشخص مباشرة دون منافسة بعدما نجح اآلخران في الهرب.. آه لو
رأيتهما بعين ي..
فتذكر خالد من قابلهما بالصحراء.. وقال بصوتعالٍ:
- املجانين؟ !!
فنظر إليهالفتىفتداركخالد قوله، و سأله:
- تقصد إن الفقيرتم اختيارهفعالً؟
ر دالفتى:
- نعم..
فتنفس الصعداء، و أخرج زفيرًا طويالً، و شكر ربهفي سره، و أكمل الفتى:
- املعتاد في زيكوال أن يُحبس الفقراء الثالثة قبلها بأيام.. ثم تقوم بينهم منافسة
الغنى و الفقر.. الزيكوال.. و من يخسر منهم يُذ بح.. و بالطبع طاملا هرب االثنان
سيُذبح الشخصالثالث.. ثم أشارإلىبيتمجاور:
  • إنه من منطقتنا.. فنظر خالد إلى البيت، و تعجب:
  • ازاي ده بيت فقير؟
بعدها تركه الفتى،و مض ى ليلعب مع من معه..
* * *
جلس خالد مرةأخرى في مكانه.. يفكّر بما يحدثله، و يتذكر ماذا حدث له منذ أن
وجد نفسه بالصحراء.. و زادإلحاحُسؤالهالذي تعمد تجاهلهدائمًا.. أين هو؟..
و أين زيكوال تلك التي لم يسمع عنها من قبل.. و عن أهلها املثيرين للدهشة؟..
بعضهم يبدو عاقالً.. و الكثيرون ال ينتمون للعقالءبش يء.. ثم انتفض جسده حين
سأل نفسه ماذا لو انتقل به الزمن عبر السرداب إلى املاض يكماكان يقرأدائمًا في
األدب األجنبي.. ماذا؟.. هل هذا صحيح؟! )) ال.. ال.. إنه خيال.. إنني لم أسمع عن
زيكوال.. و لم أقرأ عنها من قبل ((.. هكذا أجاب نفسه.. ثم عال صوته:
  • بس ليه أل؟
  • األحصنة اللي بتجر العربات.. و لبس الناس هنا.. مش معقول يكون لبس حد في
القرن الواحد و العشرين.. الحاجاتدي فاتعليهاقرون.
زيّهم
.. الوطنيفعالًثم عاد إلى نفسه: ممكن تكون دي بلد معزولة انت مسمعتش عنها.. و ده
فصاح إلى نفسه: بلد إيه.. كل اللي مشيته في السرداب حوالي كيلو أو اتنين
بالكتير..
- أكيد أنا انتقلت في الزمن.. و الدليل إنهم بيتكلموا عربي و ميعرفوش مصر.. هو
فيه منطقة بتتكلم عربي في العالم كله إال الوطن العربي؟!!
ثم أمسكرأسهبيديه: أنا حاسس إني مش قادر أفكر.. أنا كنت أذكى من كده.. ثم
نظر بعيدًا: بس.. ده الدليل إني انتقلت للماض ي..
قال ذلك حين وجد جماعة يحملون سيوفًا و دروعًا و كأنهم جنود.. و يسيرون في
صف واحد.. فوقف على قدميّه.. و اتجه مسرعًا إلى الفتى الذي كان يمرح مع
أصدقائه.. و جذبه من يده :
- أنا عايز اسألك سؤال واحد.. إحنا في سنة كام؟
فأجابهالفتىمتعجالً:
- يبدو أنك تشرب الكثير من الخمر.. إننا في نهاية العام التاسع بعد األلفين يا
سيّدي..
فعاد خالد بقدمه للخلف.. و دارت بهرأسه حتى سقط و كأنهفق د وعيه.. فضحك
الفتىو تحدّثإليه:
- نعمسيّدي، أرى أن النوم قد يفيدك، ثم تركهو مض ى..
* * *
في صباح اليوم التالي،فتح خالد عينيه على صوت ضوضاء شديدة.. فوجد نفسه
مُلقى على جانبأحد الشوارع فنهض مسرعًا.. و حاول أن يصلحمن هيئته، و أزال
الغبار عن مالبسه.. ثم نظر أمامه و فرك شعره حين وجد ذلك الكم الهائل من
الناس يسيرون بانتظام في اتجاه معين.. و الجميع يرتدون مالب س تبدو جديدة..
الرجال يمسكون بأيدي النساء.. و الفتيان يمسكون بأيدي الفتيات، و الالتي بدا
عليهن الجمال الشديد.. يسيرون في فرحة كبيرة.. و يضع كل منهم حول رقبته عقدًا
من الورد.. و تظلهم موسيقى لم يسمعها من قبل و لم يسمع في جمالها.. يعزفها ختلف، و يحملونطبوالًو وترياتو آالت نفخ
منا
مثلها
ا بديعًا.. و يسيرون وسط ذلك الحشد من الناس.. لممجيم روعة
ثم وجد بعضالشبابيمتطونأحصنتهم.. و خلف كل شاب توجد فتاته تلف يدها
اليسرى حول خصره، و اليمنىتمسكبها الوردو تلوح بها.. فابتسم خالد،و قال:
- أنا عرفت ليه الكل مستنياليوم ده..
ثم أعجبته تلك الحركات البهلوانيةالتي كان يقوم بها البعض.. حتى فوجئ بالعربة
الثرية - التي كان قد تش بث بها هو و يامن حينما كان في الصحراء -.. تسير و سط
الحشد، و قد خرجت منها فتاةفي غاية الجمال، و ما إن خرجت حتى صاح البعض
فرحًاو زاد سرورهم.. و بدأت تُلقي بالكثير من الورد.. و الكل يتهافت و يتسابق على
أخذه.. ثم بدأت تقذف الورد ألعلى و ما إن يسقط حتى يرتطم الشباب بعضهم
ببعض.. و تزداد بسمتها الرقيقة.. و خالد يشاهد ذلك في سعادة كبيرة.. و ينظر
مجددًا إلى تلك الفتاة و قد شعر براحة نفسية كبيرة.. حتى وجد إحدى الفتيات
تقترب منه، و تسأله:
-ملاذا تقف بمفردك؟.. يمكننىأن اصطحبكاليوم مجانًا..
فنظر إليها خالد.. ثم نظر إلى فتاة العربة مرة أخرى:
- الشكرًا..
ثم نظر بعيدًا.. فوجد يامن، فأسرع إليه وسط الزحام و وصل إليه بصعوبة
و سأله:
- يامن.. انت فاكرني؟
فابتسم يامن :
- نعم.. أهالً بك يا صديق.. ثم نظر إلى زيّه:
-مبارك عليك الزي الجديد.. و سأله :
-كيف كان يومكاألول بزيكوال؟
كانت األصوات عالية من حولهما فاضطر خالد أن يرفع من صوته:
- يومي األول؟.. مش فاهم لحد دلوقتيإيه الليبيحصل لي..
ضحك يامن:
- ربما ألننا في أعياد زيكوال.. ما إن تنتهي األعياد حتى تعود الحياة مرة أخرى إلى
الطبيعة.. إنها أيام استثنائية ليست كباقي األيام..
فابتسم خالد:
  • ياريت ثمسأله:
  • أمّال فين املزةبتاعتك؟
فاندهش يامن: ماذا؟ !
فضحك خالد:
- أقصد حبيبتك.. أنا شايف معظم الشباب معاهم بنات..
فابتسم:
- آه.. ال، إننيلم أرتبط حتىاآلن..
نظر خالد إلى األمام و سأله:
  • هو إحنارايحين فين؟ ثم شعر أنه لم يفهمهفسألهمجددًا:
  • إلى أين نحن ذاهبون؟
فضحك يامن:
- إننا ذاهبون إلى أرض االحتفال حيث سيلتقي هناك كل أهل زيكوال.. و سيُذبح
شخصٌما..
فقال خالد:
-آه، عرفت.. الفقير.. ثم صمت، و أكمال مسيرهما مع السائرين.. حتىسألهمجددًا:
- يامن.. هيمين دي؟ و أشار إلى الفتاة التي ترمي بالوردمن العربة..
فأجابه:
- إنها أسيل.. طبيبةزيكوال..
فهمس إلى نفسه: أسيل.. طبيبة؟
ثم وجدها تقذف بوردة إلىأعلىو تسقط تجاهه.. و تصارع الشباب معه حتى قفز
مستغالًطوله، و أمسكها و نظر إليها مبتسمًا فابتسمت لهابتسامة جعلته هائمًا
للحظات..
الجميع يسيرون، و خالد يعجبه ذلك االحتفال.. و املوسيقى الرائعة التي تح لّق في
كل مكان، و رائحةالوردالتي أنعشت صدره حتى تناس ى أسئلتهلنفسه عن أرض
زيكوال.. و سار بجوار يامن و هو ينظر إلى العربةو إلى أسيل التي تبتسم كلما أمسك
أحد بوردةقذفتها.. ثم ينظر نظرة مختلفةتمامًامقوسًا حاجبيّهإلىالفتاةاألخرى
التي رفضأن يسيرمعها.. و التيلم تُزح نظرها عنه طول الوقت، و ما إن تصطدم
عيناهبها حتى تُخرج لهلسانها غضبًا.. فينظر مجددًا إلى أسيل، و يستنشق رحيق
الوردة التي أمسكها و يبتسم.. و تابع سيره معهم حتى وصلوا إلى أرض واسعة..
و فوجئ بوجود كمّهائل من الناس قد يتعدى الخمسين ألفًا.. فاندهش و سأل
يامن:
- إيه الناسدي كلها؟ !
فر ديامن:
- إنهم أهل زيكوال.. جاءوا من مناطقها الكثيرة.. إننا جئنا من منطقة واحدة، و باقي
الناسجاءوامن املناطق األخرى..
ثم ابتسم فرحًا حين اقترب منه شاب آخر.. و احتضنهكثيرًا ثم نظر إلى خالد :
  • إنه صديق عمر ي إياد.. و أشار إلى خالد محدّثًا صديقه:
  • إنه خالد.. صديقي الجديد.. و تبدو عليه الشهامة، و سيكون صديقكبالطبع..
صافح خالد إياد، و قال مبتسمًا:
- أيوة.. هنكون أصدقاءلغايةما أرحل قريبًا..
فضحكإيادبصوتعالٍ:
  • ترحل؟! ثم نظر إلى يامن:
  • صديقك يريد أن يرحل!!.. ثم ضحكمجددًافغضب خالد من سخريته.. و نظر
إلى يامن :
- هو غريب إني أرحل و ال إيه؟
* * *
كاد يامن يجيبهو لكنه أشار إليه أن يصمت بعدما دقت الطبول كثيرًا.. و صمت
الجميع، و صمتت املوسيقى.. بعدها صعد رجل ضخم
فرحًا.. و دقت املوسيقى
مرةأخرى.. و بدأوا يرقصون و يمرحون.. و بدأتاأللعابالبهلوانيةمجددًا..
ي ر مثل ذلك من
قبل.. يتحسس وجهه، و يسأل نفسه هل يحلم أم أنها حقيقة.. و يسأل نفسه مجددًا:ملاذا ذبحوا هذا الفقير؟.. إننا في مجتمعنا نساعدهم.. إنهم قوم بال قلب..
حتى صاح بيامن:
- يامن.. إحنا في سنة كام؟
فأجابه:-
إننا في نهاية العام التاسع بعد األلفين..
فصاح:
- 9002.. إزااي؟
فابتسم يامن كي يمتص غضبه :
- إنه الزمن يا صديقي.. هل بيدنا أن نغيّره؟!.. ثم صاح خالد بإيادفي عصبية:
-و إيه الغريب إني أرحل و أسيبزيكوال؟!
فأجابه إياد:
- يا صديق.. إن باب زيكوال قد أُغ لق فجر اليوم.. إنه ال يُف تح إال قبل يوم زيكوال
بيوم واحد.. ثم يغلق مجددًا حتىيوم زيكوال في العام الذي يليه.. وال يستطيع أحد
مغادرةزيكوال حتىذلكاليوم..
و أكمل يامن إلى خالد :
  • إنه اليوم الذي دخلتفيهإلىزيكوال.. و سألهمتعجبًا:
  • ملاذا تريد أن ترحل و أنتلستفقيرًا؟
فجنّجنونه.. و فاض به:
-مين الليقالك إني مش فقير؟!.. أل، أنا فقير.. أنا ممتلكش أي حاجة..
فاندهش إياد:
-كيف هذا؟ !.. أال تشعر بنفسك؟
فأجابه غاضبًا:
- أشعر بإيه؟!.. دي حتى الفلوس اللي كانت معايا، و حمدت **** إنها كانت معايا
بالصدفةقلتوا عليهاورق و ملهاش أي قيمة.
فابتسم يامن:
-و ملاذا تحتاجها يا صديقي؟
ر د خالد:
-دي فلوس.. يعني أشتر ي بيها الليأنا محتاجه..
فسأله يامن:
- تقصد العملة؟!
خالد:
- أيوة..
فصمت يامن ثم تحدّث مجددًا :
- آه.. اآلن عرفت ملاذا زاد ارتباكك إلى هذا الحد حين وجدت ذلك الفقير يُذبح..
إنكخفتأن تكون فقيرًاو تذبح مثله.. ثم نظر إليه:
- يا صديقي إن عملتنا مختلفةتمامًا.. إن عملةأرض زيكوال هي وحدات الذكاء..
و من يكون ذكيًا هو الغني.. أما الفقير فهو األقل ذكاءً.. هنا نعمل و نأخذ أجرنا
ذكاء.. و نبتاع و ندفع من ذكائنا.. و نأكل مقابل وحداتأخرى من الذكاء.. ثم صمت
برهةو أكمل:
- ال أعلم من أين جئت.. و لكنناوُ ل دنا فوجدنا أنفسنا هكذا.. علينا أن نحافظ على
ذكائنا.. و أنتمنذ دخولكإلىأرضزيكوال أصبحتمثلنا.. و عليك أن تحافظ على
ذكائك، و أن تنمّيه.. كي ال يأتي يوم زيكوال و قد ق ل ذكاؤك فيكون هذا مصيرك..
و أشار إلى جثة الذبيح.. فنظر إليه خالد.. و كأنه ال يفهم شيئًا :

..... نتوقف هنا الي الان التكملة قريبا من يريد التكمله فال يخبرني و انتظروا الباقيه فا للاحداث بقيه يا سادة .. !!
 
  • عجبني
  • حبيته
التفاعلات: منيكككوووووه، العنتيل الاسواني و 𝔱𝓗ⓔ β𝐋𝓪℃Ҝ Ã𝓓𝔞Mˢ
مرحبا بكم عزيزي الكاتب عزيزتي الكاتبة طالما قصتك في هذا القسم فيعني أنها متسلسلة فعليه حينما تريد تضيف جزء جديد عليك باتباع الخطوات التالية وهي اولا تضع الجزء الجديد في مربع الكتابة بالاسفل ثانيا تدخل على هذا الرابط
وتطلب دمج الجزء الجديد من قصتك وتكتب اسم قصتك وتكتب رقم المشاركة التي فيها الجزء أو تنسخ رابط قصتك
وسيستجيب لك أحد مشرفي القصص
لو كان متاح مباشرة
 
  • حبيته
التفاعلات: Mazen El 5dewy
مرحبا بكم عزيزي الكاتب عزيزتي الكاتبة طالما قصتك في هذا القسم فيعني أنها متسلسلة فعليه حينما تريد تضيف جزء جديد عليك باتباع الخطوات التالية وهي اولا تضع الجزء الجديد في مربع الكتابة بالاسفل ثانيا تدخل على هذا الرابط
وتطلب دمج الجزء الجديد من قصتك وتكتب اسم قصتك وتكتب رقم المشاركة التي فيها الجزء أو تنسخ رابط قصتك
وسيستجيب لك أحد مشرفي القصص
لو كان متاح مباشرة
شكرا علي مجهودك الرائع 🌹🙋🏻‍♂️
 
أرض زيــكوال
رواية
عمرو عبد الحميد

قولون الحب أعمى.. و هو يقول أصابني العمى حين أحببت.. و لكن ماذا يفعل..
ها هو قد أحبو حدث ما حدث.. و ها هو يجلس كل يوم في حجرتهليكتبمجددًا:
" أنا خالد حسني.. ثمانية و عشرون عامًا.. خريج كلية تجارة القاهرة منذ ستة
أعوام.. بلدي يُسمّى "البهو فريك" تابع ملحافظة الدقهلية.. واليوم رُفض زواجي
بحبيبتي للمرة الثامنة.. و لنفس السبب .."
ثم نظر إلى الحائط.. وقام بتعليق الورقةبجوار سبعةورقات أخريات، بدت أنها
عُلّقتفي أوقات سابقة..
الورقة األولى كُ ت ب بها اسمه و سنه و بلده و بها: "رُ ف ض زواجي بحبيبتي اليوم"..
و بجوارهاورقةثانيةبها: "رُ فضتُللمرة الثانية".. و الورقةالثالثةبهارفضهللمرة
الثالثة.. و هكذا حتىالورقةالسابعة..

* * *
بعدها أسند ظهره للخلف و نظر لألعلى، و عادت به ذكرياته إلى ماقبل ستة أعوام
مضت حين كان يدرس بالسنةاألخيرة بالجامعة.. وشاءت األقدار أن يتعرف على
)منى( ابنة بلدته، صدفة، في طريقهما من البلدة إلى جامعته بالقاهرة.. و زادت
فرحته حين علم أنها تدرسبنفسالكليةفي عامها األول بالجامعة.. و من يو مهاو قد
تعددت صدف لقاءاتهماكثيرًا، سواء بقصد أودون قصد..
حتى أفاق من ذكرياتهو زف ر زفرةقوية حين نظر إلىورقةكبيرة ع لقها على الحائظ
أسفل الثماني ورقاتكت بعليها: "رُ فضتُلنفس السبب.. والد منى املجنون".

* * *
كان خالد إن سمع كلمةمجنون دائمًا يتذكر والد منى.. وال أعتقد أنه خالد فقط
بل جميع أهل البلدة.. و لكنه أكثر من عرف جنونه؛ فمنذ أن أنهى دراستهو عزم
على أن يتقدم للزواج من منى حتى فوجئ به - في أول زيارة لخطبتها- ينظر إليه
بغرابة ويسأله:


    • أنتعايز تتجوزمنى؟!
    • أيوة
فسألهمجددًا:
-و انت عملتإيه في حياتك؟!
فازدادوجه خالد احمرارًا،و اضطرب كأنه لم يتوقع سؤاله.. حتىرد:
- عملتإيه في حياتي؟!.. الحقيقة، أناخريجكليةتجارةجامعةالقاهرة.. و حضرتك
عارف إن والد ي توفاهما هللا و أنا صغير و عايش مع جدي.. و معفي من جيش..
و حاليًا بدوّر عن وظيفةمناسبة..
فقاطعه :
-و تفرق إيه عن غيركعشان أجوّزكبنتي؟!!..
ثم أنهى املقابلة بالرفض..

* * *
اعتقد خالد وقتها أن سبب رفضه للمرة األولى أنه لم يجد الوظيفة املناسبة،
و لكنه تأكد أن السبب ربما يكون غير ذلك تمامًا حين وجد عمالًو توجه لخطبة
منى مجددًا.. حتى قوبل بالرفض للمرة الثانيةو نفس سؤال األب.. ماذا فعلت في
حياتك.. و فيم تختلف عن غيرك.. هذا السؤال الذي لم يجد له إجابة مستوفاة
حتىاملرةالثامنةلطلبهالزواج ، و لم يرا ع في كل مرة حب خالد البنته أو حب ابنته
له.. حتى فاض به الكيل في تلك املرةو صاح به:
- أنا معملتش حاجة في حياتي.. أعمل إيه يعني؟!!.. عارف إنك حاربت في 37..
شايف إن ده سببيخليك تذلّنا؟ !.. طب انت عايز لبنتك بطل.. قوليأبقى بطل
ازاي.. أروح أحارب في العراق عشان تنبسط؟ !!.. ثم نظر إليه، و ظهر الغضب في
عينيه:
- هتجوّزمنىيعني هتجوّزها.. غصبعنكهتجوّزها.
البلدةكلّها تعرف غرابةأطوار هذا الرجل.. يريد أن يزوّج ابنتهالوحيدةلشخص
فريد من نوعه.. أي فريد هذا؟ .. ال أحد يعلم.. الكل يعلم أن مصير ابنته العنوسة
ال غير.. طاملا أبوها ذلك الرجل.. و مع هذا لم يطرق االستسالم قلب خالد، و لم
يعد ببالهسوىهذا الش يءالذي يجعلهفريدًامن نوعه،و يجعله يستحق منى كما
يريد أبوها.. لكن ما هو؟!.. اليعلم، فلم يجد سوى أن يتوجه بالدعاء إلى هللا أن
يأخذ أباها..

* * *
رغم أن خالدًا كان يتسم بخفة الظل و الروح املبهجة، إال أن حبه ملنىو رفضأبيها
الدائم له، جعل الحزن وشاحًا دائمًا على وجهه.. حتى الحظ جده - و الذي كان
يقترب من عامه الثمانين،و كانا يعيشانسويًامنذ وفاة والديخالد -حزنه الشديد
بعد رفضهتلكاملرة، و اقترب منهو سأله :
- انتلسه زعالن؟.. انتاملفروض خالص اتعودت..

د خالد:
- مش متخيل إني أشوفها لحد غير ي.. و مش عارف أبوها عايز إيه.. مش عارف إن
زمن املعجزاتانتهى..
-و انت هتقعد جنبيكده حاططإيدكعلى خدّك؟!
- طب هعمل إيه؟
ضحكالجد مداعبًا له :
- ال.. انت أحسنلك تدفن نفسكفي سرداب..
فلمعت عينا خالد.. و كأنهتذكر شيئًاما:
- السرداب..
و أكمل:
- جدي.. انت فاكر ملا كنت صغير، و كنت ملا أعيط تحكيلي عن قصة السرداب
املوجود تحت بلدنا.. و إنك نزلته من أكتر من خمسين سنة؟
ر د جدهمبتسمًا:
- أيوة طبعًافاكر ملا كنت بتعيط.. تحب أفكرك بأيامك..
ضحك خالد :
- ال.. تحكيلي عن السرداب.. و نزولكم له..
فصمتجدهمتذكرًا :
- يااه.. دي أيام فاتتمن زمن.. كنا أربعشبان بنحبالشقاوة.. و سمعنا كالم كتير
عن كنز موجودفي سرداب بيعدي تحت بلدنا.. و إن السرداب ده زمان كان مخزن
كبير لألغنيا وقت أي غزو..
- الكل كان عارف إن السردابموجودفعالً.. بس محدش جرّبينزله ألنهمسكون
بالعفاريت، و إن اللي هينزله مش هيخرج منه.. بساحنارميناالكالم دهوراضهرنا..
و قلنا الزم ننزل..
كنا عارفين إن باب السرداب موجود في بيت مهجور في البلد.. و إن هناك صخرة
كبيرة موجودة على الباب ده.. وفي ليلة توكلنا على هللا.. و رحنا للبيت ده في السر،
و قدرنا نحرّكالصخرةو بدأنا ننزل واحد ورا التاني.. و مع كل واحد فينا ملبة جاز..
و بعد ما نزلنا سلم طويل لقينا نفسنا في نفق.. و مشينا كام خطوةفي النفق ده لحد
ما بقينامش قادرينناخد ن فسْنا.. وفجأة انطفت ملبات الجاز كلها في وقتواحد..
و صرخ واحد فينا: "عفريت".. و بعدها كل واحد خد ديلهفي سنانه.. و رجعنا جري
على برة.. و رُ كبْنا بتخبط في بعضها.. و من وقتهاو محدش فكر إنهينزل هناك.
فضحك خالد :
- بس هتفضل ذكرى حلوة.. كفاية إنكم مخفتوش تنزلوا.. حتى لو أخدتوا ديلكم
في سنانكم.. فعقد جده حاجبيّهمازحًا:
- متقولش لحد حكاية ديلنا دي..

* * *
بعدها عاد خالد إلى حجرته.. و حاول أن ينام، و لكنه لم يغمض له جفن.. يفكر
كثيرًا فيما أخبره به جده.. هو يعلم أن ما سمعه يبدو أسطورة.. و لكن السرداب
موجود بالفعل، و جده ال يكذب قط.. ثم نظر فجأة إلىالورقةاملكتوب بها سبب
رفض والد منى.. أنه يريد شخصًا فريدًا.. شخصًا يرض ى جنونه.. و حدّث نفسه..
أنه لن يتزوج غير منىو إال فلن يتزوج.. ثم عال صوته:
-فيها إيه لو نزلت السرداب.. إفرض كان فيهكنزموجودفعالً..
ثم صمت، و تحدُثلنفسهو كأنشخصًا آخر يحدّثه:
-كنزإيه؟.. ده كالم مجانين.. متنساشإن السردابمسكون عفاريتو أشباح.. ثم
عادمجددًا:
- لو كنت جبان يبقى متستحقش منى.. انت عاجبك حياتك كده.. خريج كلية تجارة
و شغلك ملوش أي صلةبالتجارة.. درستأربعسنين عشان تخرجتشتغلفيمخزن
أدوية.. و لوال إنكعايش مع جدككان زمان مرتبك خلصان نص الشهر.. لو كنت
بتحب منى إثبت لنفسكو لها إنكبتحبهافعالً..
- لو لقيتالكنزده هتكون أشهر واحد في البلد دي.. أل في مصر.. أل في العلم كله..
لو ملقتوش، كفاية إنك حاولت..
ثم انتفض من سريره.. و أخرج صورةملنى.. و نظر إليهاقائالً:
- أنا هنزل السرداب ده.. هنزل مهما حصل.. و إن كان أبوكي مجنون.. فأنا أوقات
كتيرةبكون الجنون نفسه..

* * *
كان خالد يظن أنه يتحدث إلى نفسهوحيدًا.. و لم يكن يعلم أن هناك من يسمع
رةإيلىسنتفمعسإهلىبماصوحت عالٍخارج الحجرة.. حيث وقف جده مجاورًا لباب
حديثه
دث به نفسه.. و رغم هذا لم تبدُعلى وجهه أي دهشة، الحج
، و أُيمثّل له أي اختالف، بل بدا
لم
حتى صمت خالد
انقزفًاولهالسردابأمر
كأن ما سمعه من حديثه عن
كأنه أمر توقع حدوثه.. و ظلو
و
غ ل قت أنوار حجرته، و ساد
الهدوء املكان، لم يقطعه إال هذا الصوت املميز الذي يعلمه جيدًا حين ينام
حفيده..

* * *
بعدها غادر متكئًا على عصاه إلى حجرته حيث جلس صامتًا على أريكتهلدقائق
ثم حرك عصاه ليجذب بها صندوقًا خشبيًا صغيرًا بدا عتيقًاو فتحه، و أخرج منه
)ألبوم (قديمًا للصور غُطى بالكثيرمناألتربة.. و بعدما أزاح عنه األتربة بدأ يقلّب
في صفحاته صفحةتلو األخرى ، و يشاهد ما به من صور.. حتى توقف كثيرًا عند
إحداها..

* * *
في اليوم التالي استيقظ كل من خالد و جده مبكرًا كما تعودا دائمًا؛ فخالد لديه
عمله املبكر، و جده ال ينام بعد صالة الفجر، و يظل يقرأ في كتاب هللا حتى ينهض
خالد فيتناوال إفطارهما سو يا.. و الذي تعده لهما فتاة تسكن بجوارهما، قد
اعتادت على هذا منذ سنوات.. حتى جلس خالد و كان ينظر إلى جده بين الحين
و اآلخر و كأنه يريد أن يخبره بش يء.. حتى قطع صمته، و سأل جده:
- عبدو ) كما كان يحب أن يناديه (.. انت تقدر تعيش لوحدك؟
فنظر إليه جده.. و أظهر أنه ال يفقه سؤاله:
- انت عايز تسافر و ال إيه؟!
صمت خالد.. ثم نظر إليهمجددًا:
إني هرجع في أسرع وقت.. و مش هتحس بغيابي.. ثم حاول أن يبرر حديثه:
- أنا هسافر أي مكان أالقي فيه نفس ي.. أحس فيه بوجودي.. انت عارف ابن ابنك
خريج كليةالتجارةبيشتغل إيه؟


    • آه.. شغال في مخزن أدوية..
    • ابنابنكشغالش يال في مخزنأدوية.. ش يال.. هات الكرتونةدي حطها هنا.. خد
الكرتونةدي وديها هناك..
ثم همّبالوقوف ليغادر.. و قال لجده:


    • هسافر فترة مش طويلة.. ثم التفتخارجًا، حتى أوقفته كلمات جده :
    • انت ليه بتكدب يا خالد؟!.. انت ليه مش عاوز تعرّفني إنك عاوز تنزل السرداب؟!
كانت تلك الكلمات كالصاعقة
صيببالجنون.. و لم يعلم كيف عرفجده لفترة كي ال يعلم جده بذلك ، و
بنيّته.. فنظر إليهمرتبكًا:
-سرداب؟!.. انت عرفت منين؟ !!.. أقصد سرداب إيه.. و كالم فاض ي إيه..

فأكمل جده:

    • عرفت من زمان.. من زمان جدًا.. ثم أمرهبالجلوسمجددًا.. و سألهفي جدية:
    • انتعاوزتنزل السردابليه؟
صمت خالد.. ثم تحدّثمحاوالًأن يجعل الحديث مزحة:
- انت ليه مصمم على حكاية السرداب دى.. أنا بقولك أنا هسافر..
أعاد جده سؤاله: خالد.. انتعاوزتنزل السردابليه؟
فلم يجد مفرًاو أخرج زفيرا طويالً، و أجاب:
- عايز أنزل عشان أثبتملنىو أبوها إني بطل.. إني مختلف عن غير ي..
فسأله جده:
- بس؟
فأجابهفي تعجب:
- أيوة بس.. و أكمل:
-و مين عارف، يمكن أالقيالكنز الليانتوا كنتوا نزلتوا قبل كده عشانه..
فكرر جده سؤاله:


    • بس؟
    • أيوة.
فقال جدهفي جدية:
- انتمش عايز تنزل عشان كده..
فنظر إليه خالد متعجبًامن الجديةالتي لم يرها على وجهه من قبل.. حتى أكمل
جده:
- إفرضإن منى اتجوزت حد تاني، هتنزل السردابو ال ال؟

-ملاكنت صغيّركنتبحكيلكعن السردابو انت بتعيط.. و يمكن كنتبتبص لها
إنها مجرد حكاية عشان أسكّتك بيها، لكن صدقنيكنتعارف إن هيجييوم و تكبر
و أحكيلك من تاني عن السرداب.. مجرد حكاية صغيرة عنهو هتنتفض من جواك..
و تابع:
- ما انت ياما رفضك أبو منى.. و كنت عارف سبب رفضه.. إشمعنى املرةدي اللي
حبّيتتكون بطل.. لحد ما جه اليوم ده امبارح، و حصل جواك نفس اللي حصل
ألبوك يوم ما حكيت له عن السرداب.. بس الفرق إني عرفت إنك عايز تنزله، أما
هو راح فجأة..
فقاطعه خالد :
- أبويا نزل السرداب؟!
فأجابه:
- مش أبوك لوحده.. أبوك و أخد أمك معاه.. كانوا فاكرين إنهم هيروحوا رحلة
صغيرةو يرجعوا.. عشان كدهسابوكو انت ابن سنتين.. و قالواراجعين بعد أيام..
لكن األيام بقت شهور، و الشهور بقت سنين، و السنين فاتت و مرجعوش.. و البلد
كلها عرفت إنهم ماتوا في حادثة.. و الكل ش كر **** إنك مكنتش معاهم و نجيت من
الحادثةدي.. لكن الحقيقة إنهم نزلوا السرداب.
ثم تن هد و أكمل:
- عمر يما أنّبتهم علىكده.. بقول لنفس يما انت كمان نزلت السردابو كنت فخور
بنفسك.. بس الفرق إن **** نجاك.
ثم نظر إلى خالد:
- عشان كده عمرى ما هزعل إنك كمان تنزل السرداب.. حتى لو كنت عارف إن
قراركدهممكنيبعدكعني.. بس ال زم تكون متأكد إنكنازل من جواكانت.. مش
نازل لسببوهمي حاطه لنفسك هو منى..
و ه م بالوقوف.. و مش ىبضع خطواتمعطيًا خالدًا ظهره:
- ساعةماتقرر قولّي.. ألن لسه كالم كتير عن سرداب فوريك، حد غير ي هيقوله
لك..
* * *
بعدها غادر خالد، و لم يتجه إلى عمله كما كان يذهب كل يوم، بل توجه ملقابلة منى
بعدما هاتفته، و طلبت مقابلتهبأحد األماكن داخل جامعةاملنصورة.. حيث كانا
يلتقيان دائمًا.. وفي طريقهلم يشغل باله سوى حديث جده إليه.. و هل يرغب في
نزول السرداب حبًاملنىأم حبًا للمغامرة.. ثم تذكر حديثجده عنوالديهالل ذيْن
ال يعلم عن هيئتهما شيئًا.. فقد وجد نفسهدائمًا مع جده، و لم ي ر صورة واحدة
ألبيه أو أمه.. لم يساعده علىتخيلهماإالكلماتبعضأقاربه.. أنه طويل مثلأبيه،
فقد كان تقريبًا في مثل طول أبيه الذي يبلغ أكثر من مائة و ثمانين من
السنتيمترات.. كما كانوا يقولون له، و كتفاه العريضان و البينة القوية.. هذه
أشياء يقولون أنه شابهأباه فيها.. أما أقارب أمهفطاملا أخبروه أن شعره األسود
الداكن و ابتسامتهالدائمةيظالن شبهًادائمًا بينهو بين أمه..
* * *
بعدها عاد بتفكيره إلى ذلك الرجل الذي أخبره جده أن لديه كالمًا كثيرًا عن
السرداب.. و هذا االسم الذي سمعه ألول مرة.. سرداب )فوريك(.. و ظ ل تفكيره
منشغالً، حتى وصل إلى املكان الذي كان يقصده ملالقاة منى.. فوجدها في انتظاره
بحجابها املميز و ألوانه املتعددة، و عباءتها السمراء التي طاملا داعبها و أخبرها أنه
يتشاءم حين تقابله بتلك العباءة.. فنظر إليها بابتسامة فلم تبتسم كعادتها،
و قالت:
- أنا متأسفة إن بابا عمل معاك كدهللمرة التامنة..
فضحك :
- ال.. أنا خالص اتعودت.. أنا بقيت مفضوح في البلد أساسًا.. الناس بتقول عليا
إني ضربت الرقم القياس ي في رفض جوازك بيا.. و إني املفروض أدخل موسوعة
جينيس.. قال تلك الكلمات كي يخرجهامن حالةالحزن التي وجدها بها.. و لكندون
فائدة فأكملت:
- أناكنتمفكّرةزيكإن بابا عاوز حد مختلف.. بس لألسف بابا اتغير فجأة ..
اندهش خالد:
- يعني إيه اتغير؟!!
أجابته:
-فيه دكتوراتقدم لبابا عشان يتجوزني.. و طبعًا أنا كنت متأكدة إن بابا هيرفض..
بس فوجئت إنه وافق..
فصاح بها:


    • إيه.. وافق؟!!
    • آه.. وافق و مصرّإني اتجوزه.. و تساقطت بعض دموعها بينما شرد خالد
-و أنا؟
- حاولت اتكلم معاه بخصوص حبي ليك.. فضربني على وش ي.. و قال إنه عارف
مصلحتي أكتر منّي.. و إن مستقبلي مضمون مع الدكتور.. و إني هتعب معاك..
* * *
كانت منى تتحدث، و اختلط حديثها بدموعها.. و خالد ينصت لها ال يصدق ما
تسمعه أذناه.. ماذا يريد هذا األب املجنون؟ كان يخبره بأنه يريد البنت و ملاذا لم تعترض هي على قرار أبيها؟ !.. هلاستسلمتخوفًامن عنوستها؟..
كلها أسئلةدارت في ذهنه بينما كانت تتحدث، حتى طلبت منه الرحيل كي ال تتأخر
عودتها إلى منزلها.. و كأنها تهرب من لقائه.. فابتسمساخرًامشيرًا لها بيدهأن ترحل
دون أن ينطق.. و كانت املرة األولىالتي يتركها ترحل بمفردها.. و جلس بمكانه ينظر
إليهاو هيتغادر، و كأنها املرة األخيرةالتي يراها بها، و يخنقه هذا الضيقالذي يشعر
به.. تلك هياملرة األولىالتي يشعر معها بالهزيمة.. إحساس لم يجتحه من قبل.. لم
ينتبهفي أي مرة تقدم إليها لخطبتهاو رُ فض بها.. كان يعلم أن هناك ما يدعى األ مل
حتى لو تقدم إليها مائة مرة حتى يقبل أبوها..
يتذكر تح مله لنظرات الناس إليه، و سخريتهم منه حين كان يخبرهم بأنه سيتزوجها

ق حين طلب
ذات يوم، و ستبقى قصة يخلدها التاريخ .. كان يظن نفسه أحمق حين طلب
..و لكنه أكثر حماقة اآلن.. إنها ستوافق على ذلك الطبيب
كما وافق أبوها.. ربما أرادت أن تقابلني تلك املرة كي ترض ي ضميرها فقط ال غير..
هكذا حدّثنفسه.. حب سنوات يذوب كقطعة جليد في ثوانٍقليلة..
حتى قطع شروده صوت رنين هاتفه.. و حين قام بالرد، وج د صاحب العمل الذي
يعمللديهيوبخهلتغ يبه؛فلم يتمالك أعصابه، و أخبره أنه لن يعمل لديه مجددًا..
و أغلق الخط علىالفور..
* * *
بعدها عاد إلى بلدته.. يمش ي في شوارعهامطأطئ الرأس.. يشعر بطعم الهزيمةفي
حلقه.. ال يريد أن يتحدث إلى أحد.. حتى وصل إلى بيته، و دخل غرفته ثم نظر إلى
حوائطها املغطاةبتلكاألوراق التي كان يعلّقهادائمًا.. أوراق طلبهللزواج من منى
ورفضه في الثماني مرات، ووقف أمام كل ورقة على حدة ينظر إليها و هو يسخر
من نفسه.. و يضحك بصوت عالٍكأنه أصابه الجنون ثم قام بتمزيقها جميعًا،
و جلس علىأرضيةالغرفةواضعًارأسهبين يديه.. سابحًا في ذكرياته مجددًا، حتى
انتفض ذاهبًا إلى حجرة جده.. فوجده قد أنهى صالته.. فسأله:
تمالك خالد نفسه:
-منى خالص راحت من إيدي.. و خالص سيبت شغلي.. و الزم أنزل.
ثم أكمل:
- الزم أالقي حاجة واحدةفي حياتي أقدر أحكيها لوالدي من بعدي.. عايز أحس مرة
واحدة إني بطل قدام نفس ي.. إحساس يبفشليبيقتلني..
فسأله جده :
-مش خايف إنك مترجعش ز ي أبوكو أمك؟
فأجابه:
- صدقني.. الحاجة ا
-و العفاريت.. و األشباح و إن
-معتقدش إنيهالقي عفريت أصعب من بنيآدم..
بلحظات، زاد حبى للنزول أكتر من األول.. يمكن أالقي في السرداب الذكرى اللي
تخليني أقدر أنس ى إهانة ست سنوات لنفس ي.. ثم سأل جده:
-مين الراجل ده.. و فين أالقيه.. فابتسم جده:
- اطمن.. هو سمع كل كالمنا.. و يمكن اتأكد إنكعاوزتنزل السردابفعالً..
* * *
نظر خالد إلى جده مندهشًا و كأنه ال يفهم شيئًا حين دخل عليهما رجل عجوز
يقتربفي سنه من جده.. و علىالفورتحدّث جده، و أشارإلىالعجوز:
- أعرّفكبمجنون السرداب.. أكيد تعرفه..
نظر إليه خالد :
- أيوة طبعًا.. الحاج مصطفى أصالن !!
فأكمل جده :
-مصطفى كان أول واحد فكر إنهينزل السرداب من خمسين سنة.. و كنا مسمينه
مجنون السرداب.. و كان دايمًا يقول إن عنده معلومات محدش يعرفها عن
السرداب،
نظر خالد إلى هذا العجوز.. و تعجب مما قاله جده؛ فإنه يعرفه منذ سنوات
عديدة.. و لم يعلم أنه مجنون السرداب الذي طاملا سمع جده يتحدث عنهو هو
صغير.. حتىقطع صمتهالعجوز:
  • جدك حكى لي أدإيه انتعاوزتنزلسرداب فوريك.. و أنا اتأكدت دلوقت..
  • أيوة.. بس أنا أول مرة أسمع إن السرداب اسمه سرداب فوريك..
تابع العجوز حديثه:
- هو ده اإل سم الحقيقي للسرداب.. و لو بحثت عن اإلسم ده في أي مكان استحالة
تالقيأي معلومة عنه..
ثم تنهد و أكمل:
- الناس بتفكرنا أنا و جدك في عداد املجانين لو اتكلمنا عن السرداب.. و مش
مصدقين إننامن خمسينسنةنزلناهفعالً.. بس دي عندهم حق فيها..
فسأله خالد:
- عندهم حق.. يعني إيه؟
  • أو مال النفق اللي نزلتوه ده كان إيه؟
  • النفق دهمجرد طريق لسرداب فوريك.. و الدليل على كالمي إن النفق على عمق
مش كبير.. و له مسافة معينة،و الدليل األكبر إن ملبات الجاز انطفت بعد دقايق
من نزولنا..
- أه.. العفاريت..
فضحك الرجل:
- ال، تقصد التهوية.. النفق غير السرداب.. األكسجين في النفق قليل.. و تقريبًا
ممكن ميكونش موجود لو باب النزول اتقفل.. و وقتها ملا ملبات الجاز انطفت أنا
قلت عفريت.. و الكل خاف و جر ي.. بس بعد كدهاكتشفت إنه كان خيال حد فينا..
و من جوايا كانت سعادتي ملهاش وصف.. ألني حسيت إني حطيت رجلي على أول
طريق السرداب.. و فضلت حاطط أمل لنفس ي إني هوصل للسرداب في يوم.. بس
السنين فاتت، و املرض حاصرني، و فضلت مستني اليوم اللي ينزل فيه حد غير ي
السرداب.. و يحقق حلمي.. ثم أخرج كتابًاقديمًامن معه.. و أكمل:
- الكتاب ده من نسخة واحدة.. الليكتبهشخص نزل السرداب قبل كده.. لقيته
بالصدفة في كتب والدي ملا كنت شاب.. لكن لألسف عامل الزمن كان أثّر عليه
قبل ما أالقيه.. فكان السليم منهتقريبًا عشر ورقاتبتتكلم عن سرداب فوريك..
ثم أعطى الكتاب لخالد.. و أشار إليه أن يقرأ سطور الكتاب بصوت عالٍ..
* * *
أخذخالدالكتابليقرأوريقاته.. بينماجلسالعجوزليستمع إليه، و يحتس يكوب
الشاي الذي برد بالفعل.. و بدأ خالد في قراءة سطوره املكتوبة بخط اليد.. و التي
تحدّثتعن فوريك، أحد األثرياء الذين تواجدوا في العصر اململوكي.. و كان يمتلك
تلك املنطقةالتي توجد بها بلده، البهو فريك - التي كانت تسمى وقتها.. بهو فوريك..
و ما يحيطها من بلدان، و قد أمر أن يتم حفر ذلك بكتابته عن رحلتهللسرداب.. و عن ذلك النفق الذي ال تو جد
به تهوية.. و البد من تجاوزه في أسرع وقت إلى السلم الحقيقي للسرداب.. و الذي
يمتد ألكثرمن ثالثين مترًا تحتاألرض.. و منذ تلك خُزّنت به.. و لكننياكتشفتما هو
أثمن من ذلككثيرًا، و أعظم من كنوزفوريك.. إننياكتشفت...
حتىانتهتالعشر ورقات دون أن تكتمل الجملة..
* * *
نظر خالد إلىالعجوزفي لهفة:
- اكتشف إيه؟
فأخبره العجوزأنه ال يعلم.. و أنه وجد الكتاب على تلك الحالة.. و ظ ل سؤال ماذا
اكتشف صاحب هذا الكتاب يشغله طوال خمسين عامًا.. ثم نظر إلى خالد:
- لو كنت عاوز تكتشف اللي اكتشفه.. الزم تكون في السرداب الليلة دي..
- الليلةدي؟!!
- أيوة.. الليلةدي القمر بدر.. و ده التوقيت الليبيكون فيه السردابمنوّر حسب
كالم الكتاب..
فصمتخالد قليالً.. ثم نظر إليه:
-و أنامستعد أنزل.. مستعد لفرصة حياتي..
* * *
كانت الساعة تقترب من السادسة حين تركه العجوز و غادر.. و ترك معه هذا
الكتابالذي تصفحه ألكثر من مرة.. و مع كل مرةتزدادرغبتهفي نزول السرداب..
يدفعه ذلك الفضولإلىمعرفةما اكتشفهكاتبه.. يشعر أنهيمتلكسرًامن أسرار
الزمان.. و يسأل نفسه: هل اكتشف كنوزًا ال حصر لها؟.. هل توجد آثار باألسفل،
و أكون أنامكتشف القرن الحادي و العشرين؟ .. و ظ ل هائمًا في أحالم اليقظة..
* * *
اقتربت الشمس من املغيب فصعد أعلى بيته.. و نظر إلى بلدته.. ينظر إلىأراضيها
الزراعية.. و إلى األشجار العالية، و الطيور التي تزينها.. ينظر إلى البيوت املجاورة
و كأنه يراها آلخر مرة.. يستنشق نسيم بلده العطر، و يتحدث إليها.. ربما يكون آخر
نهارلي هنا.. أتمنىأال يكون.. ثم عاد إلى حجرته ليتم استعداده لرحلته..
* * *
م ر الوقت، و دخل الليل، و زُيّنت السماء بالبدر.. و ها هو ينتظر حتى يسكن الهدوء
البلدة.. و هو يعلم أنهلن ينتظر كثيرًا.. فعادةًيدب الهدوء بلدته بحلول العاشرة
مساءًعلى األكثر.. ال يتأخر بها سوى صديقه دكتور ماجد منير، و الذي يغلق
صيدليتهفي وقتقد يتجاوزالثانية عشرة.. إنه ال يريد أن يراه أحد و هو متجه إلى ذلك البيت املهجور في أطراف البلدة.. حتى دقت الساعة الواحدة صباحًا..
و استعد للرحيل، و نظر إلى جدهمبتسمًامودعًا له:
- إن شاء هللا هرجع..
فابتسم جده :
- أكيد هترجع إن شاء هللا.. ثم طلب منه أن ينتظر لحظة.. و أخرج الصندوق
الخشبي.. ثم فتحهو أخرج منه)ألبوم( الصورالقديم.. فسأله خالد:
- إيه ده؟!!
فقام جدهبتقليببعضصفحاتهووقف علىتلكالصورة التي توقف أمامها من
قبل، و تحدّثإليه:
- عارف مين دول؟
فنظر إليها خالد و مازالتالدهشة تتملكه.. فأكمل جده:
-دي صورةأبوكو أمك.. كانتآخر صورةلهم قبل ما يسيبوني.. ثم دمعت عيناه
فدمعت عينا خالد هو اآلخر.. و ظ ل متأمالًبها:
- أول مرةأشوف صورتهم..
فأكمل جده:
- كنت مستني اليوم ده.. و فضلت معذب نفس ي عشان اليوم ده.. ثم أعطاه
الصورة، و مسح بيده دموعه، و احتضنه.. فهمس خالد في أذنه:
- هرجع لك يا عبده.. هرجع..
ثم غادر..
* * *
كان الهدوء يسود البلدة.. و لم يكن يسير بشوارعها أحد سوى خالد و الذى كان
يحمل حقيبة كتفه ، و ما بها من طعام يكفيه لعدة أيام، و مصباح لإلنارة، و الكتاب
الذي أعطاه له العجوز، و بعض األوراق و األقالم؛ اعتقادًا منه أن هناك ما قد
يحتاج لتدوينه.. و قد وجد عدم حاجته لـ )كاميرا ( تصوير؛ فوجود هاتفه الخلو ي
يغنيه عنها ..
كان يسيرمسرعًا إلىأطراف البلدة حيثذلكالبيتاملهجور.. و ما إن اقترب منه
و من سورهالعالي حتى عزم علىتجاوزذلكالسور..
* * *
أما جدهفكان يجلس وحيدًا يقرأ في كتاب هللا، و يدعو ربهأن يعودبهساملًا.. حتى
سمع طرقات على باب بيته.. و قد ظن أن خالدًا عاد من جديد.. و ما إن قام ليفتح

أجابت منى فيفرحة:
- خالص يا جدو.. قدرتأقنع بابا إننا نتجوزأناوخالد.. و مش قادرةاستنىللصبح
عشان أقوله.. خايفةيكون لسه زعالن من الصبح..
فابتسم العجوزثم صمت..
* * *
تجاوز خالد سور البيت املهجور.. و أنار مصباحه حين وصل إلى مكان الصخرة
الذي وصفه له جده بالتفصيل.. و التيكان يصعب أن يصل إليها دون وصف جده له.. ثم حاول إزاحتهافلم يستطع في البدايةرغم قوتهالبدنية.. فحاول مرة أخرى
دون أن يستطيع.. فصاح بنفسه أنه لن يستسلم.. و عاد للمحاولة مرة ثم مرة ثم
مرة.. و قد انسابالعرق من جبينه، و لكن دون جدوى..
حتىوجد لوحًا قديمًا من الخشب ففكر أن يكون وسيلة إلزاحةالصخرة.. و بدأ
يحاول من جديد، و يصرخ مجددًا لن أستسلم.. و يدفع بقوة، و يضغط أسنانه
ببعضها.. و يدفع اللوح الخشبي.. و يصيح، و يدفع.. حتى تحركت الصخرة بعض
الش يءتبعهاسقوطه علىاألرض..
ما إن تحركت الصخرة تلك الحركة الضئيلة.. حتى سهل تحريكها بعد ذلك..
و دفعها رويدًا رويدًا.. بعيدًا عن باب حديدي كان يرقد أسفلها.. حتى سقط على
ركبتيه.. و ازدادت ضربات قلبه، و تسارعتأنفاسه.. و قال مبتسمًا لنفسه:
- إجمد يا بطل.. إحنا لسه في البداية..
* * *
بعدها نظر إلى الباب الحديدي الذي احتل مربعًا من األرضية.. و سمى هللا.. و قام
ث، فصلرميرًايكدن لموصدًا بأي نوعٍعلى غلقه ملدة طويلة.. ثم و جه ضوء مصباحه بداخله فوجد
بفتحه
أحد
من األقفال سوى الصخرة.. و ما إن فتحه حتى
سلمًا عموديًا إلى األسفل.. فتحدثإلىنفسهمشجعًا لها:
- بسم هللا نبدأ طريقنا للسرداب..
* * *
بعدها بلحظاتبدأ نزول ذلكالسلم.. و ما إن نزل حتىأُغلق بيده اليمنى، و يزيح شباك العنكبوت الكثيفة بيده اليسرى.. حتى سار
لعدة أمتار فبدأ يشعر بسرعة ضربات قلبه.. يحاول أن يرى نهاية ذلك النفق..
و لكن دون جدوى بعدما حالتشباكالعنكبوت دون ذلك..
* * *
تقدم خالد في الظالم أكثر و أكثر.. يبحث عن سلم السرداب الذي أخبره به
العجوز.. و أسرع في تحركه بعدما شعر بضيق صدره الذي ازداد حين ق ل الهواء
بصورة شديدة.. و بدأ يضع يده على رقبتهمن االختناق.. و يتحرك، و ال يجد ذلك
الطريق إلى السرداب.. يجر ي كاملجنون و قد خرّت قواه.. يتحسس حوائط النفق
بيده.. يبحث عن أي فجوة بها.. و لكن دون جدوى.. يسأل نفسه الهثًا: أين أنت أيها
الطريق؟ .. يعلم أنه لن يستطيع حتى العودة إلى سلم النفق.. سيموت مختنقًاقبل
أن يعود.. يسرع في طريقه إلى األمام.. يبحث في كل مكان.. على الجانبين و أعلى
و أسفل.. و لكنهلم يجد شيئًا.. حتى سقط علىاألرض.. و سقط بجانبه مصباحه،
و صرخ بصوت واهن:
- ال يوجد سرداب.. ال يوجد..
ثم صمت.. و أمال رأسه جانبًا.. وكاديغمضعينيّهمستسلمًا.. قبل أن ينظر بعيدًا
إلى بقعةٍأضاءها مصباحه امللقى بجواره.. فابتسم ابتسامة شابها إعياء شديد،
و تحدّث:
- سرداب فوريك.. ثم أغمض عينيه للحظات حتى فتحهما مرة أخرى.. و نظر
مجددًا إلى ألواح خشبية متراصة ظهرت في بقعة الضوء، و كأنها بابٌصغيرٌيوجد
بأحد جانبي النفق..
* * *
كان الباب الخشبي يبعد عن خالد عدة أقدام.. و مازال خالد مُلقى على ظهره من
شدة اإلعياء حتى انتفض مجددًا،و تحرك بجسده تجاه هذا الباب، يزحف كأنه
إحدى الزواحف.. اليقوىأنيقفعلىقدميه، و ينازع اختناقهكمنينازعالغرق..
يتحرك بجسده، و يدفع بقدميه، و يستعين بذراعيه.. واضعًامصباحه بين فكيّه..
يقاوم أكثر و أكثر.. و يحدّث نفسه أنه األمل، إنه سرداب فوريك.. حيث الهواء..
حيث الحياة، يهذيبكلماتيقوّيبها نفسه.. و يقترب أكثرو أكثر من الباب.. و يدفع
بقدمه في قوة.. حتى توقف جسده مرة أخرى بعدما خرّت قواه، و لم يكن يتبقى
سوى أقدام قليلةنحو الباب..
تنظر عيناه إلى الباب.. و يحاول أن يمد ذراعه إليه لكنها ال تلمسه و كأنها
استسلمت.. حتى صرخ صرخة قوية، و كأنه يجمع ما تبقى لديه من قوة، و قذف
بجسده تجاه الباب كصخرة اندفعت نحو باب خشبي أذابه الزمن فانكسرت
ألواحه.. و اندفع بداخله ليجد جسده يهوى على سلم خشبي مغمضًا عينيه
يتدحرج كما تتدحرج الكرة حين تسقط علىدرجات سلم.. و لم يستطع السيطرة
على جسده على اإلطالق.. يرتطم بين الحين و اآلخر.. و يزداد سقوطه أكثر و أكثر..
ثم هدأ ارتطامه قليالًحتى توقف.. و قد فتح عينيّهليجد نفسه في مكان مختلف
تمامًا..
* * *
فتح خالد عينيه.. فوجد نفسه مُلقى على إحدى درجات السلم العريضة.. و قد
انتعش صدره بالهواءكأنهارتوى ببئرماء بعد ظمأ شديد.. و زاد سروره حين و جد
نفسهيرىكل ش يءدوناالستعانةبمصباحهو قد زالظالم النفق.. حتى وقف على
قدميه، و صرخ:
- أنا في سرداب فوريك.. أنا في سرداب فوريك..
بعدها نظر إلى أسفل حيث لم ينته السلم بعد.. وأسرع إلىأسفل يخطو درجاتهفي
أمل.. ال تعوقهآالم ارتطامه حين سقط.. يريد أن يكتشف كل ش يء في وقت قليل
قبل أن يختفي البدر.. و يتحدث إلى نفسه أن كل ما ذكره الكتاب حتى اآلن قد
وجده.. الهواء موجود بالفعل، و إضاءة البدر تنير له طريقه، و كأنها جُمعتلتزداد
قوة إضاءتها داخل السرداب.. يالها من براعة هندسية.. و لكن ظ ل سؤاله إلى
نفسه؛ ماذا اكتشف صاحب الكتاب؟!.. حتى انتهى السلم.. و وصل إلى نهايته،
فوجد نفسهفي السرداب..
* * *
وجد خالد نفسهأمام نفق كبيرأكبركثيرًامن النفق الذي م ر بهسابقًا.. فارتفاعه
يقترب من العشرة أمتار.. و اتساعه يبلغ مثل ارتفاعه.. حتى سار به، و ينظر إلى
جدرانه الضخمة في دهشة كأنه في مزارٍسياحيّ.. و أخرج قلمه و أوراقه.. و أخذ
يكتب بع ض السطور عمّا يراه.. و يتقدم أكثر و أكثر، و يسأل نفسه؛ كيف يو جد

باكتشافه، السرداب نفسه.. و يسيرمنبهرًاو يتقدم.. و يضحك بهستيرية ، لقد انتهى
األلم.. لعلهيجد أحد الكنوزاآلن..
يبحثفي كل جوانب السرداب.. ال يريد أن يترك شبرًاواحدًا يفوته.. حتى ارتطمت
قدماه بش يءما.. و ما إن نظر إليه حتى انتفض قلبه حين وجده هيكلاً عظيما لأحد األشخاص.. و قد كانت املرة األولى التي يرى فيها مثل هذا الهيكل، لكنها لم تكن
يده فوجدها
قاربت الخامسة فجرًا.. و علم أن البدر قد بدأ في زواله.. و ال يعلم ماذا سيحدث
بعد ذلك.. ماذكره الكتاب أن السرداب يظل مضاءًوق توجود البدر.. و لم يذكر
شيئًا آخر، حتىم ر قليلٌمنالوقت.. و تالشتمعهإضاءةالسردابتدريجيًا.. فلم
يع طاهتمامًا لذلك.. و تق ددمم أكثرو أكثر.. حتىوجد صورةًنُ ق شت على أحد جدار ي
السردابلشخصٍتبدو علىمالمحه الثراء..فتحدثإليهمبتسمًا:
- أكيد انت فوريك.. أحب أعرّفك بنفس ي.. أنا خالد حسني، مكتشف سردابك
العظيم.. و الليبسببك هيعيش أحلى أيام حياته..
ثم أخرج هاتفه ليلتقط له صورة.. و ما إن التقطها حتى شعر بهزة عنيفة تحت
قدميّهكادتتسقطه، فالتفتجانبًا ليجد جدران السردابتنهاربعيدًا في طريقها
إليهو يقترب منه االنهيار بشدة، فعاد بظهره للخلف بضع خطوات.. بعدها لم يجد
أمامه سوى أن يلتف بجسدهو يجر ي لألمام..
* * *
يجر ي خالد سريعًا و انهيار الجدران يسرع خلفه كأنه فريسة يالحقها أسد مفترس..
ال يصدق عينيّه.. يشعر بأنه في حلم ما، و يسرع.. و تسمع أذناه صوت ارتطام
صخورالجدرانالضخمة.. لو أصابته صخرة واحدة لقتلته.. حتى سقطت حقيبة
كتفهو ما بها فلم يعبأ بذلك.. وواصل عدوه.. تساعده قدماه الطويلتانو خطواته
الواسعة.. و يجر ي إلى حيث ال يعرف.. يجر ي إلى املجهول.. و يصرخ بداخل نفسه.. كيف يعود إلى بلده مجددًا؟ !.. إنه الهالك.. إن السرداب ينهار.. ماذا حدث
باألعلى؟! حتى وجد نفسه أمام طريقين انقسم إليهما السرداب.. فاندفع إلى
أحدهما، دون رغبته حين انهار الطريق اآلخر قبل أن يصل إليه.. و كأن االنهيار
يتحكم في مساره.. ثم فوجئ بنفسه يجر ي إلى مرتفع يتجه لألعلى.. و يال حقه االنهيار
أسرع و أسرع يريد أن يبتلعه..
يحاول أن يقاومصعوبةالصعود.. و يتقدم و يخطو بقدميّهسريعًا.. حتى وجد نو رًا
شديدًا على مرمى بصره كأنه نور النهار الذي يعرفه جيدًا فأسرع إليه و مازال
الظالم و االنهيار يالحقاه حتى اقترب من الفتحةو قفز منها لتنهار من أسفله،و تغلق
و كأن األرض قذفته خارجها..
* * *
وجد خالد نفسهمُلقى على األرض.. و رأسهمنغمسة في رمالٍ.. فرفع رأسه، و أزال
الرمال عن وجهه و عن عينيه.. و نظر إلى السماء و ضحك.. و شكر هللا بعدما ظن
أنه عاد مرة أخرى إلى أعلى.. و أنهقد نجا من انهيار هذا السرداب امللعون.. حتى
نظر إلىالسماءمجددًا.. و الحظ زرقتهاو صفاءها إلىدرجةلم يرهامن قبل، و نظر
حولهفوجد رماالًبكل مكانو على مرمى بصره.. فنهضو داربجسدهليرىماحوله..
فلم يجدسوى صحراءواسعةتظلهاسماء صافيةفضربرأسهبيده، و همس إلى
نفسه:
-فوق يا خالد.. انت بتحلم و ال إيه.. انت فين؟ !.. و إيهاللي جاب الصحرادي هنا..
ثم نظر حوله مجددًا، و سأل نفسه غير مصدقًا ما يراه: أين هو؟.. و سار بضع
خطواتفي كل اتجاه لكن دون جدوى.. إنها صحراء ال يوجد بها أحد فجلس مكانه
في دهشة.. و نظر إلى فتحة السرداب التي خرج منها فوجدها و كأنها لم تكن..
فضحك ساخرًا.. و تحدّث خائبا ألامل :
- واضح إن السرداب كان معمول عشان نعمّر الصحرا.. و الكنز و فوريك ده كان
مقلب.. و يا ترى أنا في الصحرا الشرقية.. و الّالغربية.. و الّفي سينا؟!!.. و ال أكون
عبرت الحدود.. و رحتليبيا.. أو السعودية.. ثم صرخ و كأن الجنون أصابه:
- أنا فين؟!!!..
* * *
مرت ساعات على جلوسه.. يجلس و ال يعلم أين يذهب.. و خلع قميصه، و وضعه
فوق رأسه كي يقيه حرارة الشمس.. و اندهش حين نظر إلى ساعة يده فوجد
عقاربها توقفتعنالحركة.. و لم يفكر بهذا األمر كثيرًا حيثفوجئبرجليّن يجريان
بعيدًا عنه.. فنهض و أسرع إليهما.. و بدأ األمل يدّق قلبه حتى اقترب منهما فالحظ
زيّهما الغريب و شدة إعيائهما، و كأنهما مريضان بمرض مزمن شديد فأوقفهما..
و سألهما:
- لو سمحتوا، أنا محتاج مساعدتكم..
فتركاه.. و واصال جريهما، فأسرع خلفهما ليوقفهمامجددًا:
  • انتو ا بتجروا ليه؟ !.. فنظر إليه أحدهما:
  • أال ترى ما نحن به؟ !
تعجب خالد من لهجتهما الغريبة.. و ابتسم ساخرًا مقلدًا له:
  • أجل أرى يا سيدي.. ثم سأله:
  • إحنا في السعودية، صح؟ !
نظر إليه الرجل متعجبا:
-ماذا تعني السعودية؟ !!
ابتسم خالد.. و زفر زفيرًا طويلاً.. و تحدث إلى نفسه:
-دول في الضياع..
فسألهالرجل اآلخر الهثًا :
- أأنت غريب؟
فأجابه خالد علىالفور:
  • أيوة أنا غريب.. ثم أكمل:
  • إحنا فين؟.. و انتوا مين؟
أجابه أحدهما:
- إننا فقراء.. و قد هربنا إلى الصحراء.. أال يوجد معك طعام؟!
أجابه:
- ال لألسف.. كان معايا بس ضاع مع الشنطة.. ثم وضع يدهفي جيبه، و أخرجورقة
من فئة العشرة جنيهات.. و أكمل:
- أنامعايافلوسممكن تشتروا أكل لو قُلتوا لي إحنا فين.. و ازاي أرجع بلدي..
فخطف أحدهما ما أخرجه خالد من نقودو وضعها بفمهو أكلها.. فاندهش خالد،
و سألهمتعجبًا:
- انتجعان للدرجةدي؟
فأجابه اآلخر:
- يبدولي أنككريمٌ، و لهذا تأكدت أنك غريب عن هنا.. أشعر بأنك غنيّللغاية...
ضحك خالد.. و نظر إلى نفسه، و مالبسه البالية التي غطّاها تراب النفق
و السرداب، و حالتهالتي يُرثى لها.. و سأل نفسه.. أيّغنى يتحدث عنه هذا األبله؟
عشرةجنيهاترآهاشعر بأنني غني؟.. ثم تجاوب معهماو كأنهما مجنونان.. و سألهما
مجددًا، و قد ضاق صدره:

-دلوقتى أنا عايز أعرف انتو ا هتعيشوا ازاي في الصحرادي؟ ! ، و هربانين من إيه؟
و سؤالياألهم: إحنافين أساسًا؟..
أجابهالذي أك ل النقودبعدما حاول أن يفهم ما يقصده :
- إننا فقراء، و ستكون الصحراءأفضل لناكثيرًامن أرضزيكوال..
فسأله خالد مندهشًا :
- أرضزيكوال؟!!
فسأله اآلخر:
- أال تعرف أرضزيكوال؟ !
أجابه خالد:
- ال.. فين زيكوال دي؟.. أنا مش شايف إال صحرا في كل مكان..
فأكمل الرجل:
-من يوجد في هذا الزمان و ال يعرف أرضزيكوال؟! ثم أكمل محدّثًا صديقه:
- إنهم األغنياء، يسخرون منا هكذادائمًا.. ثم أشار إلى خالد أن يتحرك عدة أمتار
في اتجاه يده:
- إنها هناك باألسفل.. أيها الغني..
ثم تركاه وواصال جريهما في الصحراء.. و تحرك خالد إلى ما أشار إليه الرجل،
وواصل تح ركه حتى وجد نفسه على حافة هضبة عالية فنظر إلى أسفل فوجد
مدينة كبيرة ذات منظر بديع من أعلى.. بها مبانٍشتىو تتخللها مساحات خضراء
كأنها أراضٍ زراعية، و مسطحات من املاء ..
* * *
اتسعت عينا خالد من الدهشة، و سأل نفسه:كيف توجد تلك املدينة بجوار تلك
الصحراء الجرداء؟ !.. حتىقاطع تفكيره صياح أحد الرجلين إليهمجددًا :
- إياك أن تذهب إلى زيكوال.. إياك.. و واصل جريه مع صاحبه.. فلم يعطه خالد
اهتمامًا.. و ظلّينظر إلى تلك املدينة من أعلى.. و سأل نفسه: أين هو من العالم؟
و أينتوجد أرضزيكوال تلك؟.. حتىابتسم حين نظر بعيدًا إلى أسفل فوجد طر يقًا
طويالًممهدًا إلى تلك املدينة.. به كثير من التعرجات و مرتفعًا إلى أعلى حيث يمّر
بالقرب من تلك الهضبة التي يقف عليها.. فلم يجد أمامه سوى أن يسرع باحثًا
عنه.. يريد أن يذهب إلى املدينةفي أسرع وقتبعدما ح ل به الجوع و العطش بعدها
يحاول أن يعرف أين هو..
* * *
بعدها سار في الصحراء متجهًا إلى ذلك الطريق.. و ظ ن في البداية أنه قريب منه
فاكتشف غير ذلك تمامًا.. فكلما تق ددمم لم يجد شيئًا فاعتقد أنه سرابٌ.. حتى
تحقق من وجوده حين رأى عربة يجرّها حصان تسير على مقربة منه.. فأسرع في
اتجاهها فوجد أمامه ذلك الطريق الذي شاهده من أعلى.. و لكن سائق العربة لم
يلحظ وجودهو ابتعد بها عنه فواصل تحركه في نفس الاتجاه الذي سلكته العربة..
* * *
م ر الوقتو أصبحت الشمس عمودية.. و زادتحرارتها، و حلّاإلرهاقو التعب على
خالد.. و بدأتآالم ارتطامهفي السردابتحلعليهمرةأخرى.. و لكنه تابع سير هرغم
نالبهدنالهكأممنالًنيْل قسطٍمن الراحة.. يريد أن
، و
ر أ
علمه بأن هذا الطريق طويل للغاية
ما في انتظاره.. حتى سمع صوتًا يصل إلى هناكفي أسرع وقت.. يشع
من خلفه.. و حين الت فوجد عربةأخرىيجرهاحصانفأشارإلىسائقها أن يقف،
فأوقف السائق حصانه بالفعل.. فنظر إليه خالد في تعبٍ:
- أنا عايز أروح أرضزيكوال..
فسأله السائق:
-و كم تدفع؟
فوضع خالد يده في جيبه.. و أخرج بعض النقود الورقية.. و أشار إلى السائق أن
يأخذها.. فسأله السائق غاضبًا:
-ورق؟!
ثم ألقاها في وجهه.. و تركه و غادر.. و خالد لم يفقه شيئًا مجددًا.. و حدّث نفسه
بصوت مسموع :
- البلد دي كلها مجانين و ال إيه؟!
وواصل تح ركه، فجاءتعربةأخرى و حدث معها مثلما حدث مع العربة السابقة
تمامًا.. و تركه سائقها و غادر.. فابتسم خالد ابتسامة بها خيبة أمل كبيرة محدثًا
نفسه: " إنهازيكوال أرض املجانين ".. و سارمسافةأخرى، و ازدادتعبه.. حتى سمع
من جديد صوت عربة فالتفت فوجدها عربة ضخمة يبدو عليها الثراء، و قد
اختلفت عن العربات السابقة من حيث تصميمهاو أناقتها.. فرأى أن يوّفر تعبه..
و ال يشير إليها و يكمل سيره، و مرّت بجواره فوجد شابًا في مثل عمره متشبثًا
بمؤخرتها دون أن يراه سائقها.. و حين وجد خالدًا أشار إليه بيده أن يسرع إلى العربة.. فأسرع خالد إلى مؤخرة العربة هو اآلخر.. و تشبث بها.. و نظر إلى الشاب
مبتسمًا: "شكرًا".. فهمس الشاب إليه، ووضع يده على فمه:
- اصمت.. كي ال يسمعنا أحد..
* * *
سارت العربة في طريقها إلى زيكوال، يصيح سائقها إلى جيادها أن تسرع.. و خالد
مازال متشبثًا بمؤخرتها مع هذا الشاب.. ينظر إليهفي دهشة من مالبسه.. و شعر
بدهشته هو اآلخر منهأيضًا.. حتىاقتربتالعربةمن سور ضخم.. فأشار الشاب
إلى خالد أن يقفز معه تاركين العربة.. فقفزا، و ما إن نظر خالد أمامه حتى وجد
سورًا ضخمًا يصل ارتفاعهإلى ما يقرب من خمسة طوابق، تزينه نقوشٌغايةفي
الجمال، به باب ضخم كان مفتوحًا على مصراعيه تمر منه العربات مجيئًا
و ذهابًا.. فنظر خالد إلى الشاب قائالً:
- أنا بشكركجدًا ..
ر دالشاب:
- ال تشكرني يا أخي.. إننيمثلك، كادت تقتلني حرارةالشمس..
فسأله خالد:
  • أنتمن زيكوال؟
  • نعم.. و أنتتبدو غريبًا..
فابتسم خالد:
- أيوة.. أنا من البهو فريك.. بلد جنبالمنصورة..
فارتسمت الدهشة على وجه الشاب:
-ماذا؟!!
فأسرع خالد و كأنه يصحح حديثه :
دالشاب:
- نعم أخي.. ال أعرفها..
فصمت خالد مفكرًا ثم أجابه و كأنه يريح نفسه من غرابة هؤالء الناس الذين
يقابلهم:
  • أيوة مصر في الشمال.. ثم سأله:
  • إحنا فين؟
ر دالشاب:
- أال ترى يا أخي.. إننا في زيكوال.. أرضالذكاء..
فلم يتمالك خالد نفسه من الضحك :
  • أرضالذكاء؟!.. ال فعالً الذكاء واضح على كل الليقابلتهم ثم سأله:
  • يعني تبع دولةإيه؟ .. قارةإيه؟
رد الشاب متعجالً:
-ال أفهم قصدك.. إنها زيكولا فقط.. و الآن البد أن أتركك.. إنني أضعت اليوم وقتًا
من العمل.. و البد لي أن أقوم بتعويضه..
ثم مدّ يده مودعًا خالد، فمد يده هو الآخر:
- اسمي خالد..
دالشاب:
-و أنا يامن.. حظاسعيدًا في أرضزيكوال .. ثم تركهو غادر ..
* * *
كان خالد مازال واقفًا أمام باب املدينة الضخم.. حتىتق ددمم إليه، و ما إن مرّخ****
حتى شعر برعشةقويةتسرى بجسده، و ألم شديد برأسه كاد يقتله.. حتى سقط
على ركبتيهممسكًا رأسهبيده من األلم الذي لم يشعر بمثلهفي حياته.. و استمر
أملهلدقائق حتىبدأ يتالش ىشيئًافشيئًاو كأنه لم يحدث، ثم تابع مسيرهإلى داخل
املدينة..
سار خالد باملدينةو كأنه يسير بمدينة األحالم.. ينظر إلى وجوه الناس و تعبيراتهم
املختلفة.. منهم من ترتسم البسمة على وجهه، و منهم منانطبع الحزن على جبينه..
و إلىزيّهم الذي انقسم إلى أقسام عدة؛فمنهم من يرتدي جلبابًاو علىرأسه عمامة،
و قد كانوا كبار السن.. أما الشباب و الصغار فكانوا يرتدون سراويل واسعة من
مكأنصهاانًا واسعة منقوشة صُ ن عت ببراعة من الجلد أو
و
ق
..
ن
ضيقة من أسفل
.. و من أعلى يرتدو
و
أناقة
زيّالصيادين الذي اعتاد أن يراه و لكنها أكثر أعلى
القماش.. أما النساء فقد وجدهن يرتدين فساتين فضفاضة ذات ألوان ب راقة..
و جميعهن ال يضعن شيئًا فوق رؤوسهن.. و الحظ جمال الكثير من النساء في تلك
املدينة.. و خش ى أن ينظر إلى إحداهن.. و هو ال يعلم كيف ستكون ردة الفعل في
و األخشاب..
* * *
و تكذم كّل خالد مسيره حتى وجد مكانًا يق دّم طعامًا فسمع أصوات بطنه تناديه،
أ
ره بالجوع.. فاقترب من ذلك املكان.. و جلس به.. و طلبطعامًا.. ثم جاءهرجل
بطعام من الخبزو اللحم.. و قال له :
-شكرًا لتشريفك لنا أيها الغني.
فابتسم خالد :
- تاني غني!!
ثم أكل و امتألت بطنه.. و انتظر أن يأتي الرجل ليأخذ نقوده فلم يأ ت.. فأكل
و مش ى.. و عادت إليه قوته مجددًا.. و أكمل سيره في املدينة حتى وجد مكانًا آخر
لصناعة املالبس و بيعها.. فنظر خالد إلى نفسه.. و وجد أن يشتري لنفسه ز يا.. كي
ال يكون زيّهمختلفًا عن باقيأهل املدينة.. حتى يعرف أين هو.. و دخل ذلك املكان
فسأله من به:
- لستمن زيكوال؟
و لالممهيأفخأذعمطناههناقلرودًجل ز يا مناسبًا.. بنطاالًواسعًا.. و قميصًا
ك
..
ا
ا.. و قال له مثلما قال صاحب املطعم: فمانوقمأوشًاخالد موافقًمن القطن
-شكرًا لتشريفك لنا أيها الغني..
فابتسم و تذكر كالم من قابلهما بالصحراء.. و أنه غريب ألنه كريم.. و قال لنفسه
إنهما مجنونان بالفعل.. فما وجده من أهل املدينة حتى اآلن كرم مبالغ فيه.
* * *
يسيرباملدينةبزيّهالجديد.. و يقلب عينيه هنا وهناك.. و قد الحظشيئًا لم يفهمه..
و هو أن كل مكان للبيع و الشراء يجد مكتوبًا عليهأرقام و وحدات.. عشر وحدات
أو خمس.. أيّوحدات تلك ال يفهم.. حتى أكمل مسيرهو ح لالليل.. ففوجئ بأن تلك
املدينةرغم ما يبدو عليها من ثراء إال أنها لم تصلها الكهرباء بعد.. ثم اندهش حين ُضيئت املدينة بالنيران.. و انتشر الضياء في كل مكان.. و ال تختلف إضاءتها عن
املصابيح التي يعرفها.. تلك هياألخرى براعة هندسية..
بعدها جلس على جانب أحد الشوارع.. و كاد يغلبه النعاس.. فوجد أهل املدينة
يستعدون و كأنهم يحتفلون بش يء ما.. الجميع يلعبون و يمرحون.. و األطفال
يرقصون.. و سأل نفسه هل هناك عيد ما؟ .. يبدو كذلك.. و فرح بذلك فجميع أهل
املدينة خارج منازلهم.. و سيؤنس ذلك وحدته دون مسكن.. حتى اقترب منه فتى
فسأله ملاذا يحتفل الناس هكذا.. فأجابهالفتىفرحًا:
- إن االحتفال لم يبدأ بعد ..
فضحكخالد مداعبًا الفتى:
- أمّال هيبدأ إمتى؟
تعجب الفتى:
-ملاذا لهجتك غريبة؟
ر د خالد:
- أنا من الشمال.. إنني غريب..
ر دالفتى:
- تقصد كنتغريبًا.. أما اآلن أنتمن أهل زيكوال..
فابتسم خالد و وضع يده علىرأسالفتى:
- عارف إن زيكوال أرضالكرم..
فأكمل الفتى:
- اليوم الكل يستعد لالحتفال.. أما االحتفال الحقيقي سيكون غدًا.. إنه أعظم
احتفال بالكون.. و الكثيرون من البالد البعيدة يأتون للهضبةاملجاورة..و يقفون
بها ملشاهدة احتفاالتنا..
فتعجب خالد و سأله عن سبب االحتفال، فظهر التعجب على وجه الفتى:
- إنني كنت أظنك غنيًا.. أرجوك ال تدعني أشك في قدراتي بمعرفة األغنياء.. ثم
أكمل :
- إن احتفاالتنا ستبدأ غدًا احتفاالًبيوم زيكوال.. اليوم الذي يجعل من زيكوال
أشهر مدينةبالتاريخ.. اليوم الذي يسعد بهكل أهل زيكوال..
ثم صمتقليالً.. و أكمل :
-ماعداشخصًاواحدًا بالطبع..
فسأله خالد:
-مين الشخص ده؟
فضحك الفتى:
  • يبدوأنكال تعرف كثيرًا عن زيكوال.. ثم تنهد.. و نظر إليه:
  • سيدي، إن يوم زيكولا يُذ بح فيه أفقر شخص يوجد باملدينة.
* * *
شع ر خالد بالصدمة حين أخبره الفتى أن يوم زيكوال يُذ بح به أفقر من يوجد
باملدينة.. و حدّث نفسهبأنه أفقر من بها.. و ما معه من نقود ال تفيد بعدما تيقن
من مواقفهالسابقةأنهم ال يعترفون بها.. و إن كان حديثالفتى صحيحًا سيكون
هو الضحية.. حتى قاطع تفكيره الفتى حين أكمل:
- في يوم زيكوال تجرى منافسةبين أفقر ثالثةأشخاص باملدينة.. أما غدًا لألسف
فسيذبح الشخص مباشرة دون منافسة بعدما نجح اآلخران في الهرب.. آه لو
رأيتهما بعين ي..
فتذكر خالد من قابلهما بالصحراء.. وقال بصوتعالٍ:
- املجانين؟ !!
فنظر إليهالفتىفتداركخالد قوله، و سأله:
- تقصد إن الفقيرتم اختيارهفعالً؟
ر دالفتى:
- نعم..
فتنفس الصعداء، و أخرج زفيرًا طويالً، و شكر ربهفي سره، و أكمل الفتى:
- املعتاد في زيكوال أن يُحبس الفقراء الثالثة قبلها بأيام.. ثم تقوم بينهم منافسة
الغنى و الفقر.. الزيكوال.. و من يخسر منهم يُذ بح.. و بالطبع طاملا هرب االثنان
سيُذبح الشخصالثالث.. ثم أشارإلىبيتمجاور:
  • إنه من منطقتنا.. فنظر خالد إلى البيت، و تعجب:
  • ازاي ده بيت فقير؟
بعدها تركه الفتى،و مض ى ليلعب مع من معه..
* * *
جلس خالد مرةأخرى في مكانه.. يفكّر بما يحدثله، و يتذكر ماذا حدث له منذ أن
وجد نفسه بالصحراء.. و زادإلحاحُسؤالهالذي تعمد تجاهلهدائمًا.. أين هو؟..
و أين زيكوال تلك التي لم يسمع عنها من قبل.. و عن أهلها املثيرين للدهشة؟..
بعضهم يبدو عاقالً.. و الكثيرون ال ينتمون للعقالءبش يء.. ثم انتفض جسده حين
سأل نفسه ماذا لو انتقل به الزمن عبر السرداب إلى املاض يكماكان يقرأدائمًا في
األدب األجنبي.. ماذا؟.. هل هذا صحيح؟! )) ال.. ال.. إنه خيال.. إنني لم أسمع عن
زيكوال.. و لم أقرأ عنها من قبل ((.. هكذا أجاب نفسه.. ثم عال صوته:
  • بس ليه أل؟
  • األحصنة اللي بتجر العربات.. و لبس الناس هنا.. مش معقول يكون لبس حد في
القرن الواحد و العشرين.. الحاجاتدي فاتعليهاقرون.
زيّهم
.. الوطنيفعالًثم عاد إلى نفسه: ممكن تكون دي بلد معزولة انت مسمعتش عنها.. و ده
فصاح إلى نفسه: بلد إيه.. كل اللي مشيته في السرداب حوالي كيلو أو اتنين
بالكتير..
- أكيد أنا انتقلت في الزمن.. و الدليل إنهم بيتكلموا عربي و ميعرفوش مصر.. هو
فيه منطقة بتتكلم عربي في العالم كله إال الوطن العربي؟!!
ثم أمسكرأسهبيديه: أنا حاسس إني مش قادر أفكر.. أنا كنت أذكى من كده.. ثم
نظر بعيدًا: بس.. ده الدليل إني انتقلت للماض ي..
قال ذلك حين وجد جماعة يحملون سيوفًا و دروعًا و كأنهم جنود.. و يسيرون في
صف واحد.. فوقف على قدميّه.. و اتجه مسرعًا إلى الفتى الذي كان يمرح مع
أصدقائه.. و جذبه من يده :
- أنا عايز اسألك سؤال واحد.. إحنا في سنة كام؟
فأجابهالفتىمتعجالً:
- يبدو أنك تشرب الكثير من الخمر.. إننا في نهاية العام التاسع بعد األلفين يا
سيّدي..
فعاد خالد بقدمه للخلف.. و دارت بهرأسه حتى سقط و كأنهفق د وعيه.. فضحك
الفتىو تحدّثإليه:
- نعمسيّدي، أرى أن النوم قد يفيدك، ثم تركهو مض ى..
* * *
في صباح اليوم التالي،فتح خالد عينيه على صوت ضوضاء شديدة.. فوجد نفسه
مُلقى على جانبأحد الشوارع فنهض مسرعًا.. و حاول أن يصلحمن هيئته، و أزال
الغبار عن مالبسه.. ثم نظر أمامه و فرك شعره حين وجد ذلك الكم الهائل من
الناس يسيرون بانتظام في اتجاه معين.. و الجميع يرتدون مالب س تبدو جديدة..
الرجال يمسكون بأيدي النساء.. و الفتيان يمسكون بأيدي الفتيات، و الالتي بدا
عليهن الجمال الشديد.. يسيرون في فرحة كبيرة.. و يضع كل منهم حول رقبته عقدًا
من الورد.. و تظلهم موسيقى لم يسمعها من قبل و لم يسمع في جمالها.. يعزفها ختلف، و يحملونطبوالًو وترياتو آالت نفخ
منا
مثلها
ا بديعًا.. و يسيرون وسط ذلك الحشد من الناس.. لممجيم روعة
ثم وجد بعضالشبابيمتطونأحصنتهم.. و خلف كل شاب توجد فتاته تلف يدها
اليسرى حول خصره، و اليمنىتمسكبها الوردو تلوح بها.. فابتسم خالد،و قال:
- أنا عرفت ليه الكل مستنياليوم ده..
ثم أعجبته تلك الحركات البهلوانيةالتي كان يقوم بها البعض.. حتى فوجئ بالعربة
الثرية - التي كان قد تش بث بها هو و يامن حينما كان في الصحراء -.. تسير و سط
الحشد، و قد خرجت منها فتاةفي غاية الجمال، و ما إن خرجت حتى صاح البعض
فرحًاو زاد سرورهم.. و بدأت تُلقي بالكثير من الورد.. و الكل يتهافت و يتسابق على
أخذه.. ثم بدأت تقذف الورد ألعلى و ما إن يسقط حتى يرتطم الشباب بعضهم
ببعض.. و تزداد بسمتها الرقيقة.. و خالد يشاهد ذلك في سعادة كبيرة.. و ينظر
مجددًا إلى تلك الفتاة و قد شعر براحة نفسية كبيرة.. حتى وجد إحدى الفتيات
تقترب منه، و تسأله:
-ملاذا تقف بمفردك؟.. يمكننىأن اصطحبكاليوم مجانًا..
فنظر إليها خالد.. ثم نظر إلى فتاة العربة مرة أخرى:
- الشكرًا..
ثم نظر بعيدًا.. فوجد يامن، فأسرع إليه وسط الزحام و وصل إليه بصعوبة
و سأله:
- يامن.. انت فاكرني؟
فابتسم يامن :
- نعم.. أهالً بك يا صديق.. ثم نظر إلى زيّه:
-مبارك عليك الزي الجديد.. و سأله :
-كيف كان يومكاألول بزيكوال؟
كانت األصوات عالية من حولهما فاضطر خالد أن يرفع من صوته:
- يومي األول؟.. مش فاهم لحد دلوقتيإيه الليبيحصل لي..
ضحك يامن:
- ربما ألننا في أعياد زيكوال.. ما إن تنتهي األعياد حتى تعود الحياة مرة أخرى إلى
الطبيعة.. إنها أيام استثنائية ليست كباقي األيام..
فابتسم خالد:
  • ياريت ثمسأله:
  • أمّال فين املزةبتاعتك؟
فاندهش يامن: ماذا؟ !
فضحك خالد:
- أقصد حبيبتك.. أنا شايف معظم الشباب معاهم بنات..
فابتسم:
- آه.. ال، إننيلم أرتبط حتىاآلن..
نظر خالد إلى األمام و سأله:
  • هو إحنارايحين فين؟ ثم شعر أنه لم يفهمهفسألهمجددًا:
  • إلى أين نحن ذاهبون؟
فضحك يامن:
- إننا ذاهبون إلى أرض االحتفال حيث سيلتقي هناك كل أهل زيكوال.. و سيُذبح
شخصٌما..
فقال خالد:
-آه، عرفت.. الفقير.. ثم صمت، و أكمال مسيرهما مع السائرين.. حتىسألهمجددًا:
- يامن.. هيمين دي؟ و أشار إلى الفتاة التي ترمي بالوردمن العربة..
فأجابه:
- إنها أسيل.. طبيبةزيكوال..
فهمس إلى نفسه: أسيل.. طبيبة؟
ثم وجدها تقذف بوردة إلىأعلىو تسقط تجاهه.. و تصارع الشباب معه حتى قفز
مستغالًطوله، و أمسكها و نظر إليها مبتسمًا فابتسمت لهابتسامة جعلته هائمًا
للحظات..
الجميع يسيرون، و خالد يعجبه ذلك االحتفال.. و املوسيقى الرائعة التي تح لّق في
كل مكان، و رائحةالوردالتي أنعشت صدره حتى تناس ى أسئلتهلنفسه عن أرض
زيكوال.. و سار بجوار يامن و هو ينظر إلى العربةو إلى أسيل التي تبتسم كلما أمسك
أحد بوردةقذفتها.. ثم ينظر نظرة مختلفةتمامًامقوسًا حاجبيّهإلىالفتاةاألخرى
التي رفضأن يسيرمعها.. و التيلم تُزح نظرها عنه طول الوقت، و ما إن تصطدم
عيناهبها حتى تُخرج لهلسانها غضبًا.. فينظر مجددًا إلى أسيل، و يستنشق رحيق
الوردة التي أمسكها و يبتسم.. و تابع سيره معهم حتى وصلوا إلى أرض واسعة..
و فوجئ بوجود كمّهائل من الناس قد يتعدى الخمسين ألفًا.. فاندهش و سأل
يامن:
- إيه الناسدي كلها؟ !
فر ديامن:
- إنهم أهل زيكوال.. جاءوا من مناطقها الكثيرة.. إننا جئنا من منطقة واحدة، و باقي
الناسجاءوامن املناطق األخرى..
ثم ابتسم فرحًا حين اقترب منه شاب آخر.. و احتضنهكثيرًا ثم نظر إلى خالد :
  • إنه صديق عمر ي إياد.. و أشار إلى خالد محدّثًا صديقه:
  • إنه خالد.. صديقي الجديد.. و تبدو عليه الشهامة، و سيكون صديقكبالطبع..
صافح خالد إياد، و قال مبتسمًا:
- أيوة.. هنكون أصدقاءلغايةما أرحل قريبًا..
فضحكإيادبصوتعالٍ:
  • ترحل؟! ثم نظر إلى يامن:
  • صديقك يريد أن يرحل!!.. ثم ضحكمجددًافغضب خالد من سخريته.. و نظر
إلى يامن :
- هو غريب إني أرحل و ال إيه؟
* * *
كاد يامن يجيبهو لكنه أشار إليه أن يصمت بعدما دقت الطبول كثيرًا.. و صمت
الجميع، و صمتت املوسيقى.. بعدها صعد رجل ضخم
فرحًا.. و دقت املوسيقى
مرةأخرى.. و بدأوا يرقصون و يمرحون.. و بدأتاأللعابالبهلوانيةمجددًا..
ي ر مثل ذلك من
قبل.. يتحسس وجهه، و يسأل نفسه هل يحلم أم أنها حقيقة.. و يسأل نفسه مجددًا:ملاذا ذبحوا هذا الفقير؟.. إننا في مجتمعنا نساعدهم.. إنهم قوم بال قلب..
حتى صاح بيامن:
- يامن.. إحنا في سنة كام؟
فأجابه:-
إننا في نهاية العام التاسع بعد األلفين..
فصاح:
- 9002.. إزااي؟
فابتسم يامن كي يمتص غضبه :
- إنه الزمن يا صديقي.. هل بيدنا أن نغيّره؟!.. ثم صاح خالد بإيادفي عصبية:
-و إيه الغريب إني أرحل و أسيبزيكوال؟!
فأجابه إياد:
- يا صديق.. إن باب زيكوال قد أُغ لق فجر اليوم.. إنه ال يُف تح إال قبل يوم زيكوال
بيوم واحد.. ثم يغلق مجددًا حتىيوم زيكوال في العام الذي يليه.. وال يستطيع أحد
مغادرةزيكوال حتىذلكاليوم..
و أكمل يامن إلى خالد :
  • إنه اليوم الذي دخلتفيهإلىزيكوال.. و سألهمتعجبًا:
  • ملاذا تريد أن ترحل و أنتلستفقيرًا؟
فجنّجنونه.. و فاض به:
-مين الليقالك إني مش فقير؟!.. أل، أنا فقير.. أنا ممتلكش أي حاجة..
فاندهش إياد:
-كيف هذا؟ !.. أال تشعر بنفسك؟
فأجابه غاضبًا:
- أشعر بإيه؟!.. دي حتى الفلوس اللي كانت معايا، و حمدت **** إنها كانت معايا
بالصدفةقلتوا عليهاورق و ملهاش أي قيمة.
فابتسم يامن:
-و ملاذا تحتاجها يا صديقي؟
ر د خالد:
-دي فلوس.. يعني أشتر ي بيها الليأنا محتاجه..
فسأله يامن:
- تقصد العملة؟!
خالد:
- أيوة..
فصمت يامن ثم تحدّث مجددًا :
- آه.. اآلن عرفت ملاذا زاد ارتباكك إلى هذا الحد حين وجدت ذلك الفقير يُذبح..
إنكخفتأن تكون فقيرًاو تذبح مثله.. ثم نظر إليه:
- يا صديقي إن عملتنا مختلفةتمامًا.. إن عملةأرض زيكوال هي وحدات الذكاء..
و من يكون ذكيًا هو الغني.. أما الفقير فهو األقل ذكاءً.. هنا نعمل و نأخذ أجرنا
ذكاء.. و نبتاع و ندفع من ذكائنا.. و نأكل مقابل وحداتأخرى من الذكاء.. ثم صمت
برهةو أكمل:
- ال أعلم من أين جئت.. و لكنناوُ ل دنا فوجدنا أنفسنا هكذا.. علينا أن نحافظ على
ذكائنا.. و أنتمنذ دخولكإلىأرضزيكوال أصبحتمثلنا.. و عليك أن تحافظ على
ذكائك، و أن تنمّيه.. كي ال يأتي يوم زيكوال و قد ق ل ذكاؤك فيكون هذا مصيرك..
و أشار إلى جثة الذبيح.. فنظر إليه خالد.. و كأنه ال يفهم شيئًا :

..... نتوقف هنا الي الان التكملة قريبا من يريد التكمله فال يخبرني و انتظروا الباقيه فا للاحداث بقيه يا سادة .. !!
ابداع يا صديقي 🔥🤗🔥أرض زيكزلا رواية جميلة
 
  • حبيته
التفاعلات: Mazen El 5dewy
  • أتفق
التفاعلات: 𝔱𝓗ⓔ β𝐋𝓪℃Ҝ Ã𝓓𝔞Mˢ
تسلم يا صديقي 🤗 رواية محببه لقلبي مع اني لسه بداء قرايه فيها متميزة فعلا 🙋🏻‍♂️🤗
🧡❤️
 
  • حبيته
التفاعلات: Mazen El 5dewy
أغلقت ونقلت لسلة مهملات القصص بسبب أنها مكررة
 
  • هممم
التفاعلات: Mazen El 5dewy
مش لاقي غير ارض زيكولا تصدق هزعل منك القصه دى ماتنفعش هنا خالص ولو حاولت تغير فيها وتضيف عليها مشاهد جنسيه هتدمرها ولعلمك انا قريت الثلاثيه كامله
 
  • عجبني
التفاعلات: Mazen El 5dewy
مش لاقي غير ارض زيكولا تصدق هزعل منك القصه دى ماتنفعش هنا خالص ولو حاولت تغير فيها وتضيف عليها مشاهد جنسيه هتدمرها ولعلمك انا قريت الثلاثيه كامله
هذا قسم مش جنسي
 
هذا قسم مش جنسي
حتى لو مش جنسي القصه نفسها ليها مؤلف وتم نشرها على مواقع تانيه كتير غير جنسيه وهى عبارله عن ثلاثيه يعنى حتى مش من دماغ الزميل
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
حتى لو مش جنسي القصه نفسها ليها مؤلف وتم نشرها على مواقع تانيه كتير غير جنسيه وهى عبارله عن ثلاثيه يعنى حتى مش من دماغ الزميل
واضع بادئة منقول ما الذي يمنع
 
مش لاقي غير ارض زيكولا تصدق هزعل منك القصه دى ماتنفعش هنا خالص ولو حاولت تغير فيها وتضيف عليها مشاهد جنسيه هتدمرها ولعلمك انا قريت الثلاثيه كامله
عارف ان القصة ثلاثية و عالميه كمان بس مفيش مانع من نشرها عادي قصة مبدعه جدا ولاصحاب العقول الراقيه 🙋‍♂️
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%