دا يا سيدي جواب، جواب بعتته واحدة ست لجوزها المتغرب في الاسكندرية، وعشان احطك على آلة الزمن ونسافر سوا لزمن كتابة الجواب ده لازم اشرحلك شوية حاجات الاول، وركز معايا ..
تسمع عن الجنيزا؟
الجنيزا دي جاية من كلمة جنازة، عبارة عن مقابر لكن مش للبني آدمين انما للورق عند ولاد يعقوب، ليه بقا كانوا بيدفنوا الورق زمان؟ مش كل الورق لكن اي رسالة او نص او ورقة مكتوب عليها اسم **** فا حرام عندهم التخلص منها او رميها، فكانوا بيدفنوها، عشان يخرج عندنا كنز من الورق فيه معلومات عن الحياة العامة وقت كتابة الورق ده.
واحدة من اكبر الجنيزات في العالم هي جنيزا كنيس بن عذرا في القاهرة، تم اكتشاف اكتر من ٢٠٠ الف وثيقة مابين عقود جواز وقايمة ونصوص دينية وجوابات، مابين عصر الدولة الفاطمية والايوبية، مرورا بالمماليك والعثمانيين لحد القرن ال١٩ اللي فات ده.
كدة انتا عرفت الجنيزا، ايه بقا قصة الجواب ده اللي في البوست؟
بص يا سيدي، واحدة ست كانت متجوزة تاجر اسمه "ابو ذكري بن سيجمار"، جوزها تاجر فكان اغلب شغله في الاسكندرية وسايب مراته وعياله في القاهرة وبيبعتلهم كل شوية خزين للبيت عادي، الكلام ده سنة ١٠٧٠م، فالست دي وحشها جوزها عادي اشتاقت له، والخزين مكنش وصل، فقررت تكتب لجوزها جواب.
المشكلة انها مبتعرفش تقرا وتكتب، فا ميلت على ابنها او حد من قرايبها المتعلمين اسمه ابو فرج، بتوصفله حالها من غيره واخر المستجدات وبتتمنى انه يوصل بالسلامة والناس كلها بتدعيله، جواب عادي يعني، لكن اللي مش عادي هو زمن الجواب، هوا ايه اللي حصل سنة ١٠٧٠م؟
- السنة السادسة من سبع سنوات بيسميهم المؤرخين "الشدة المستنصرية"، المجاعة اللي المصريين فيها اكلوا بعض!!
وعشان بردو تفهم ايه هيا الشدة المستنصرية دي فا انا وكتير غيري اتكلموا عنها، بس هنقلك مقدمة بسيطة كدة عشان احطك عالتراك ..
مابين ١٠٦٤ ل١٠٧١م في عهد المستنصر ب**** الفاطمي حصلت مجاعة شديدة في القاهرة، بدأ الموضوع بنقص منسوب مياة النيل، لكن مكنش ده السبب الاساسي للمجاعة لان منسوب النيل كدة كدة بيقل ويزيد عادي، وبداية السنة دي منسوب النيل نقص ١٦ ذراع بس، فكان عامل من العوامل لكن مش السبب الرئيسي ..
السبب الاساسي في المجاعة دي ٣ حاجات ..
١- ضعف سياسة المستنصر ب**** واستفحال الوزراء في عهده
٢- الثورات اللي قامت عليه خصوصا ثورة بنو قرة وثورة الاتراك والسودان
٣- جشع التجار ودي النقطة الاهم في ال٣ نقط دول .
هنشرحهم من خلال الجواب ده واللي الست مرات ابو ذكري حكته لجوزها.
الجواب مكتوب بلغة اسمها "الجودو عربي" نوع من العبرية والعربية مع بعض، عشان اقربلك الصورة فا لغة الjudeo arabic هي اقرب للكتابة بالعبرية لكن الكلام عربي، زي الفرانكو كدة، لغة واندثرت، اتشهرت في الخطابات بين ابناء الطايفة لما كانوا عايشين هنا وفي الدول العربية وجزء من نسيجها، قبل طبعا ما يبان وشهم الحقيقي بعد كدة.
اخر نقطة، ابو ذكري بن سيجمار دا واحد من اشهر الوكلاء للتجار في زمنه، من عيلة مشهورة وقت الحكم الفاطمي اسمها سيجمار، اصله من القيروان ووصل القاهرة سنة ١٠٤٨م واشتغل في التجارة، يعني شخصية معروفة مش اي كلام كدة، واسمه محطوط في وثائق كتير من الجنيزة دي بما انه كان تاجر يعني، وكدة احنا عرفنا شخصية الجواب وظروف كتابة الجواب والجنيزا، نيجي بقا للجواب نفسه.
انا النهاردة مش هنقلك صورة سينمائية عن الشدة المستنصرية زي ما اغلب كتاب التاريخ بيعملوا، لا انا هاخدك من ايدك ونروح نشوف هناك ايه اللي بيحصل بالظبط، بعيون مرات ابو ذكري.
بتقوله في بداية الجواب :
"وصل كتابك اطال **** بقائك وادام عزك وتأييدك وعن شوق اليك، جمع **** بيننا على اسر حال".
بتقوله مشتاقالك يعني وواحشني والحاجات دي.
بعد كدة بتقول :
"ولولا ما تعلمه لكنت صحبت بيت دوسا، وقد ذكر انهم خارجين، ولا ادري يتم ام لا، وبقيت متحيرة، ولا يتم ان اكون في بلد وانت في آخر، ولا تسأل ما اقسى من الذي تعرف".
بيت دوسا او عائلة دوسا كانت من اشهر عائلاتهم واعيانهم في الفسطاط، طيب خارجين فين؟ دا يودينا لحدث مهم وهو هجرة اهل القاهرة لبلاد العرب المجاورة خوفا من المجاعة، وده حصل بداية من ١٠٦٩م، وفي الجواب بتقوله كانت هتخرج معاهم يعني بس هتبعد وهتبقا في بلد تانية فا قاعدة بتفكر تهرب معاهم ولا لأ.
بتكمل وبتقول : "وقعد سيدي في الدكان، وحاله الذي تعرف ويطلب ما لا يقدر عليه، وهو عندي ونقب علينا المشارقة واخذ منا ويبتين القمح من الذي اشتريت لنا لان الناس احترقو".
سيدها ده اللي هوا ابوها، وابوها كان عنده دكان بيبيع حاجات، والمشارقة دخلوا عليه وثبتوه في ويبتين قمح، والويبة تساوي ١٦ قدح من القمح، وعشان نفهم مين المشارقة وعملوا كدة ليه نرجع حادثة اسمها "فتنة المشارقة والمغاربة" ..
لما المعز لدين **** الفاطمي مات، واتولى مكانه العزيز ب****، حاول يقلد الخلافة العباسية، فا استقدم الاتراك وخلاهم جنوده، على حساب البربر اللي هما المغاربة اللي جم غزوا مصر مع المعز، فا الجيش بقا فريقين متنافسين بيحاربوا بعض.
المستنصر ب**** بعد كدة لما مسك الحكم كان عنده ٧ سنين، امه كانت جارية سودانية نوبية اسمها الست رصد، ولما مسك الحكم وهوا صغير الست رصد بقت الوصية عليه، وقررت تحكم هيا بعيد عن المستنصر خالص، واي حاكم لازم يكون ليه جيش، فا هنا الست رصد قررت انها تستعين بجنود من ولاد منطقتها، سودانيين يعني، واعلنت انها منحازة لجنسيتها واعلنت جهرة نصرة السودانيين، في المقابل المستنصر كان بيكتر من الجنود الاتراك، فا ظهر التنافس، وانضم المغاربة للمشارقة اللي هما الاتراك عشان يتمردوا على النفوذ السوداني، وقامت الفتنة.
وبسبب الفتنة دي، الجنود اتحولوا لقطاع طرق وبلطجية، وبقوا يدخلوا البيوت يسرقوا عادي، او يقطعوا طريق السفر ويقتلوا المسافرين، ومنهم المشارقة اللي دخلوا على دكان ابوها واخدوا منه القمح بلطجة كدة.
بتكمل وتقول :
"وبلغ التليس ثلاثين، والدور تنقب على الناس وانا ضيقة الصدر خائفة، وجواري كتير قد هربو مع العرب، وخرجت امرأوطة خالي وبنتها، وناس كتير وقُطع عليهم، ونحن على الهالك ان خرجنا او قعدنا الى شيء يرحم ****"
التليس ده نوع من انواع الموازين القديمة، نقدر نشبهه بشوال مثلا، شوال القمح في الفترة دي وصل ل٣٠ دينار على حد وصفها، والدينار في الفترة دي كان بيقدر ب١٨ درهم، وقبل المجاعة كان رطلين الخبز بدرهم واحد، معنى كدة ان فترة كتابة الجواب كان نهاية الغلاء، لان الغلاء في نص الشدة كدة يعني ١٠٦٧م كان التليس وصل ل٩٠ دينار، ورغيف العيش كان ب١٥ دينار، يعني كان بدأت البضايع ترخص شوية، لكن لسة غالية جدا.
الغلاء ده حصل ليه؟ بسبب جشع التجار، التاجر من دول اللي عنده غلة قمح، لما حصل حصار اقتصادي على ايد ابن والي دمشق اللي هوا "الحسين بن حمدان التغلبي" في وقت حربه مع المستنصر، وبسبب فتنة المشارقة والسودان، التجار خبوا بضايعهم، محاولة منهم للتربح على حس الاحداث، اللي هوا جايبين الحاجة بدرهم فا نحطها في المخازن ومنبعش دلوقتي عشان بعد كدة هنبيع ابو درهم ب١٠٠ دينار ومحدش هيقول لأ، والناس تجيب منين؟ مش مشكلتنا.
فا هيا هنا خايفة تخرج بسبب قطاع الطرق، وخايفة تقعد بسبب الغلاء، ومش عارفة تعمل ايه، وكدة كدة قربنا نهلك سواء خرجنا ولا قعدنا.
بتكمل وتقول:
"وذكرت انك انك انفذت السكر، والورد المربى، وما وصل لي شيء"
بسبب الحصار الاقتصادي وقطع الطريق، وبسبب المجاعة، فا مفيش اي حاجة من اللي قال في جوابه ليها انه بعتها وصلت، اتسرقت بقا ولا القافلة اتثبتت في الطريق **** اعلم.
بتقول:
"وانفذ صاحب المشارقة الديباج يطلبه، ووكل على والدي، وادعى ان ثمنه ثلاثون دينار، حتى اخذه الريس ابو ذكري وسلمه لابن الظهير وجمع كل ما قدر يأخذ معه خمسة دنانير، ولولا الريس ما ان قد اخذه بلا شيء، وقد تسلمها الحبر ابو الفضل وهو مطالب لوالدي بقيمته فأسأل مولاي ان يكتب يعلمه ان الذي له عليه خمسة دنانير"
هيا هنا بتتكلم عن لبس الديباج وهو مصنوع من الحرير، وبتقول على حسب فهمي ان ابوها حب يشتري حرير فا الراجل بالغ في سعره، فا راحوا الاتنين للحبر، والحبر ده اللي هوا الحاخام وكان قاضي الطايفة يعني، فا اتفقوا على خمسة دنانير كل ما يملكه مقابل الديباج ده، وان ابوها مديون بخمسة دنانير بس مش تلاتين دينار، وغالبا ده بأمر من زعيم المشارقة، بلطجة كدة.
وده يودينا لحادثة تاريخية حصلت سنة ١٠٦٩م، في عز المجاعة اللي كانت ضاربة البلد، خرج من قصر المستنصر ب**** ٧٥ الف قطعة ديباج، قصاد الناس على ايد التجار لبغداد، وده ليه؟ لان وقت اشتداد المجاعة العامة هجموا عالقصر وسرقوا اي حاجة تطالها ايديهم، فالاثرياء يعملوا ايه؟ يهربوا فلوسهم وممتلكاتهم برة مصر.
بتقول:
"وفي اليوم خرج دوسا وجميع اهله معه وان الوزير اليوم ابن اخي علي بن اعشى، وقد انفذا جميع الوزرا لم يبق في البلد منهم واحد، ونحن تحت حمس ورعب، التليس خمسة وعشرون، الخبز بأربعة ونصف رطل، والخطف بنهار".
دا يقودنا لقصة تانية وهي هروب الوزراء من مصر، في فترة المستنصر بعد موت الوزير القوي "ابو القاسم الجرجائي"، ام المستنصر الست رصد بدأت تتدخل في تعيين الوزراء، ووصل الموضوع ان فيه اربعين وزير جم في ٩ سنين بس كل شوية تعزل واحد وتعين واحد، وزراء كتير وكل واحد ينهب شوية، بس لما الشدة بدأت، الوزراء دول قرروا يلموا اي حاجة تقع ايديهم عليها من فلوس ودهب وممتلكات، ويهاجروا من القاهرة خالص، تتدمر بقا باللي فيها، وعلى اثرهم الاعيان هربوا كمان منهم دوسا اللي اتكلمنا عليه من شوية .
المشكلة ان اللي هرب منهم اتعرضوا لقطع الطريق على ايد الجنود الاتراك والسودانيين اللي اتحولوا لقطاع طرق زي ما قلنا من شوية، والوزراء سابوها تخرب ونطوا من المركب، كل ده والناس متابعة وخايفة، مفيش لا نظام ولا قانون، وغلاء وصل لان رطل العيش بقا بأربعة ونص درهم.
هروبهم من المدينة خوّف العامة اكتر، بقوا تحت رحمة المجرمين، وهنا بقا هيا بتقول "الخطف بنهار" .
لما الوزراء هربوا، والمجاعة زادت، حوادث الخطف اللي كانت بتحصل تحت ظلمة الليل، واللي الناس كانوا بيستخبوا الليل كله ويستنوا الصبح زي حلم طويل كدة، لو الصبح طلع عليهم ومحصلش حاجة يبقا الحمد لله، لكن وقت كتابة الرسالة دي بتقول الخطف بالنهار، يعني وصلت الجرأة ان عمليات الخطف بقت صبح وليل، تحت ضوء الشمس عادي محدش هيوقفهم.
طيب بيتخطفوا ليه؟ **** ينور عليك، عشان ياكلوهم حرفيا، القوي يأكل الضعيف، مش سرقة بس لأ خطف بغرض الاكل، واللي بيأكد كلامها في اول الجواب بتقوله "والدور تنقب على الناس وانا ضيقة الصدر خائفة"، يعني وصلت البجاحة انهم بيقتحموا البيوت يخطفوا منها ناس من الجوع، وبقا الموضوع بيحصل بالنهار كمان، تخيل الرعب.
بتنهي الجواب وبتقول:
"ما اوحشه من عيد عيدنا لغيبتك، ختمه **** عليك باليمن والسعادة والعافية، وبلغك ما تؤمله ان شاء ****"
وبتقول في موضع تاني:
"قرأت عليك السلام، ووالدي يخصك بالسلام، وولع تقبل يدك، وسالمة وست ابو السرور يقرئونك السلام"
الست على الرغم من كل اللي هيا عايشة فيه ده، بتطمنه، بتبعتله سلام بناته، ابوها المديون بيبعتله السلام، بتبعت جواب لجوزها وهيا خايفة من الخطف وخايفة تسيب القاهرة وتمشي، وفي نفس الوقت بتقوله وحشتنا وخايفة وانتا مش جمبي وحاجات كدة.
وهنا انتهى الجواب، جواب قادر يعيشك يوم واحد من ايام الشدة المستنصرية، انتا عايش في فتنة بين نوعين من الجنود، الوزراء بيهربوا، الناس بتتثبت في الهروب، خايف تخرج من بيتك تتخطف، الاسعار مبالغ فيها، التجار جشعين،. القاهرة نفسها فضيت على ناسها، ومع ذلك عايشين ومستحملين، ودي الصورة الحية للموقف بعيد عن المشاهد الهوليوودية في وصف الشدة، بعيون واحدة عايشة حرفيا في قلب الاحداث.
اما مصير الست دي ايه؟ وهل جالها الرد من جوزها ولا لأ، العلم عند **** ❤️
تسمع عن الجنيزا؟
الجنيزا دي جاية من كلمة جنازة، عبارة عن مقابر لكن مش للبني آدمين انما للورق عند ولاد يعقوب، ليه بقا كانوا بيدفنوا الورق زمان؟ مش كل الورق لكن اي رسالة او نص او ورقة مكتوب عليها اسم **** فا حرام عندهم التخلص منها او رميها، فكانوا بيدفنوها، عشان يخرج عندنا كنز من الورق فيه معلومات عن الحياة العامة وقت كتابة الورق ده.
واحدة من اكبر الجنيزات في العالم هي جنيزا كنيس بن عذرا في القاهرة، تم اكتشاف اكتر من ٢٠٠ الف وثيقة مابين عقود جواز وقايمة ونصوص دينية وجوابات، مابين عصر الدولة الفاطمية والايوبية، مرورا بالمماليك والعثمانيين لحد القرن ال١٩ اللي فات ده.
كدة انتا عرفت الجنيزا، ايه بقا قصة الجواب ده اللي في البوست؟
بص يا سيدي، واحدة ست كانت متجوزة تاجر اسمه "ابو ذكري بن سيجمار"، جوزها تاجر فكان اغلب شغله في الاسكندرية وسايب مراته وعياله في القاهرة وبيبعتلهم كل شوية خزين للبيت عادي، الكلام ده سنة ١٠٧٠م، فالست دي وحشها جوزها عادي اشتاقت له، والخزين مكنش وصل، فقررت تكتب لجوزها جواب.
المشكلة انها مبتعرفش تقرا وتكتب، فا ميلت على ابنها او حد من قرايبها المتعلمين اسمه ابو فرج، بتوصفله حالها من غيره واخر المستجدات وبتتمنى انه يوصل بالسلامة والناس كلها بتدعيله، جواب عادي يعني، لكن اللي مش عادي هو زمن الجواب، هوا ايه اللي حصل سنة ١٠٧٠م؟
- السنة السادسة من سبع سنوات بيسميهم المؤرخين "الشدة المستنصرية"، المجاعة اللي المصريين فيها اكلوا بعض!!
وعشان بردو تفهم ايه هيا الشدة المستنصرية دي فا انا وكتير غيري اتكلموا عنها، بس هنقلك مقدمة بسيطة كدة عشان احطك عالتراك ..
مابين ١٠٦٤ ل١٠٧١م في عهد المستنصر ب**** الفاطمي حصلت مجاعة شديدة في القاهرة، بدأ الموضوع بنقص منسوب مياة النيل، لكن مكنش ده السبب الاساسي للمجاعة لان منسوب النيل كدة كدة بيقل ويزيد عادي، وبداية السنة دي منسوب النيل نقص ١٦ ذراع بس، فكان عامل من العوامل لكن مش السبب الرئيسي ..
السبب الاساسي في المجاعة دي ٣ حاجات ..
١- ضعف سياسة المستنصر ب**** واستفحال الوزراء في عهده
٢- الثورات اللي قامت عليه خصوصا ثورة بنو قرة وثورة الاتراك والسودان
٣- جشع التجار ودي النقطة الاهم في ال٣ نقط دول .
هنشرحهم من خلال الجواب ده واللي الست مرات ابو ذكري حكته لجوزها.
الجواب مكتوب بلغة اسمها "الجودو عربي" نوع من العبرية والعربية مع بعض، عشان اقربلك الصورة فا لغة الjudeo arabic هي اقرب للكتابة بالعبرية لكن الكلام عربي، زي الفرانكو كدة، لغة واندثرت، اتشهرت في الخطابات بين ابناء الطايفة لما كانوا عايشين هنا وفي الدول العربية وجزء من نسيجها، قبل طبعا ما يبان وشهم الحقيقي بعد كدة.
اخر نقطة، ابو ذكري بن سيجمار دا واحد من اشهر الوكلاء للتجار في زمنه، من عيلة مشهورة وقت الحكم الفاطمي اسمها سيجمار، اصله من القيروان ووصل القاهرة سنة ١٠٤٨م واشتغل في التجارة، يعني شخصية معروفة مش اي كلام كدة، واسمه محطوط في وثائق كتير من الجنيزة دي بما انه كان تاجر يعني، وكدة احنا عرفنا شخصية الجواب وظروف كتابة الجواب والجنيزا، نيجي بقا للجواب نفسه.
انا النهاردة مش هنقلك صورة سينمائية عن الشدة المستنصرية زي ما اغلب كتاب التاريخ بيعملوا، لا انا هاخدك من ايدك ونروح نشوف هناك ايه اللي بيحصل بالظبط، بعيون مرات ابو ذكري.
بتقوله في بداية الجواب :
"وصل كتابك اطال **** بقائك وادام عزك وتأييدك وعن شوق اليك، جمع **** بيننا على اسر حال".
بتقوله مشتاقالك يعني وواحشني والحاجات دي.
بعد كدة بتقول :
"ولولا ما تعلمه لكنت صحبت بيت دوسا، وقد ذكر انهم خارجين، ولا ادري يتم ام لا، وبقيت متحيرة، ولا يتم ان اكون في بلد وانت في آخر، ولا تسأل ما اقسى من الذي تعرف".
بيت دوسا او عائلة دوسا كانت من اشهر عائلاتهم واعيانهم في الفسطاط، طيب خارجين فين؟ دا يودينا لحدث مهم وهو هجرة اهل القاهرة لبلاد العرب المجاورة خوفا من المجاعة، وده حصل بداية من ١٠٦٩م، وفي الجواب بتقوله كانت هتخرج معاهم يعني بس هتبعد وهتبقا في بلد تانية فا قاعدة بتفكر تهرب معاهم ولا لأ.
بتكمل وبتقول : "وقعد سيدي في الدكان، وحاله الذي تعرف ويطلب ما لا يقدر عليه، وهو عندي ونقب علينا المشارقة واخذ منا ويبتين القمح من الذي اشتريت لنا لان الناس احترقو".
سيدها ده اللي هوا ابوها، وابوها كان عنده دكان بيبيع حاجات، والمشارقة دخلوا عليه وثبتوه في ويبتين قمح، والويبة تساوي ١٦ قدح من القمح، وعشان نفهم مين المشارقة وعملوا كدة ليه نرجع حادثة اسمها "فتنة المشارقة والمغاربة" ..
لما المعز لدين **** الفاطمي مات، واتولى مكانه العزيز ب****، حاول يقلد الخلافة العباسية، فا استقدم الاتراك وخلاهم جنوده، على حساب البربر اللي هما المغاربة اللي جم غزوا مصر مع المعز، فا الجيش بقا فريقين متنافسين بيحاربوا بعض.
المستنصر ب**** بعد كدة لما مسك الحكم كان عنده ٧ سنين، امه كانت جارية سودانية نوبية اسمها الست رصد، ولما مسك الحكم وهوا صغير الست رصد بقت الوصية عليه، وقررت تحكم هيا بعيد عن المستنصر خالص، واي حاكم لازم يكون ليه جيش، فا هنا الست رصد قررت انها تستعين بجنود من ولاد منطقتها، سودانيين يعني، واعلنت انها منحازة لجنسيتها واعلنت جهرة نصرة السودانيين، في المقابل المستنصر كان بيكتر من الجنود الاتراك، فا ظهر التنافس، وانضم المغاربة للمشارقة اللي هما الاتراك عشان يتمردوا على النفوذ السوداني، وقامت الفتنة.
وبسبب الفتنة دي، الجنود اتحولوا لقطاع طرق وبلطجية، وبقوا يدخلوا البيوت يسرقوا عادي، او يقطعوا طريق السفر ويقتلوا المسافرين، ومنهم المشارقة اللي دخلوا على دكان ابوها واخدوا منه القمح بلطجة كدة.
بتكمل وتقول :
"وبلغ التليس ثلاثين، والدور تنقب على الناس وانا ضيقة الصدر خائفة، وجواري كتير قد هربو مع العرب، وخرجت امرأوطة خالي وبنتها، وناس كتير وقُطع عليهم، ونحن على الهالك ان خرجنا او قعدنا الى شيء يرحم ****"
التليس ده نوع من انواع الموازين القديمة، نقدر نشبهه بشوال مثلا، شوال القمح في الفترة دي وصل ل٣٠ دينار على حد وصفها، والدينار في الفترة دي كان بيقدر ب١٨ درهم، وقبل المجاعة كان رطلين الخبز بدرهم واحد، معنى كدة ان فترة كتابة الجواب كان نهاية الغلاء، لان الغلاء في نص الشدة كدة يعني ١٠٦٧م كان التليس وصل ل٩٠ دينار، ورغيف العيش كان ب١٥ دينار، يعني كان بدأت البضايع ترخص شوية، لكن لسة غالية جدا.
الغلاء ده حصل ليه؟ بسبب جشع التجار، التاجر من دول اللي عنده غلة قمح، لما حصل حصار اقتصادي على ايد ابن والي دمشق اللي هوا "الحسين بن حمدان التغلبي" في وقت حربه مع المستنصر، وبسبب فتنة المشارقة والسودان، التجار خبوا بضايعهم، محاولة منهم للتربح على حس الاحداث، اللي هوا جايبين الحاجة بدرهم فا نحطها في المخازن ومنبعش دلوقتي عشان بعد كدة هنبيع ابو درهم ب١٠٠ دينار ومحدش هيقول لأ، والناس تجيب منين؟ مش مشكلتنا.
فا هيا هنا خايفة تخرج بسبب قطاع الطرق، وخايفة تقعد بسبب الغلاء، ومش عارفة تعمل ايه، وكدة كدة قربنا نهلك سواء خرجنا ولا قعدنا.
بتكمل وتقول:
"وذكرت انك انك انفذت السكر، والورد المربى، وما وصل لي شيء"
بسبب الحصار الاقتصادي وقطع الطريق، وبسبب المجاعة، فا مفيش اي حاجة من اللي قال في جوابه ليها انه بعتها وصلت، اتسرقت بقا ولا القافلة اتثبتت في الطريق **** اعلم.
بتقول:
"وانفذ صاحب المشارقة الديباج يطلبه، ووكل على والدي، وادعى ان ثمنه ثلاثون دينار، حتى اخذه الريس ابو ذكري وسلمه لابن الظهير وجمع كل ما قدر يأخذ معه خمسة دنانير، ولولا الريس ما ان قد اخذه بلا شيء، وقد تسلمها الحبر ابو الفضل وهو مطالب لوالدي بقيمته فأسأل مولاي ان يكتب يعلمه ان الذي له عليه خمسة دنانير"
هيا هنا بتتكلم عن لبس الديباج وهو مصنوع من الحرير، وبتقول على حسب فهمي ان ابوها حب يشتري حرير فا الراجل بالغ في سعره، فا راحوا الاتنين للحبر، والحبر ده اللي هوا الحاخام وكان قاضي الطايفة يعني، فا اتفقوا على خمسة دنانير كل ما يملكه مقابل الديباج ده، وان ابوها مديون بخمسة دنانير بس مش تلاتين دينار، وغالبا ده بأمر من زعيم المشارقة، بلطجة كدة.
وده يودينا لحادثة تاريخية حصلت سنة ١٠٦٩م، في عز المجاعة اللي كانت ضاربة البلد، خرج من قصر المستنصر ب**** ٧٥ الف قطعة ديباج، قصاد الناس على ايد التجار لبغداد، وده ليه؟ لان وقت اشتداد المجاعة العامة هجموا عالقصر وسرقوا اي حاجة تطالها ايديهم، فالاثرياء يعملوا ايه؟ يهربوا فلوسهم وممتلكاتهم برة مصر.
بتقول:
"وفي اليوم خرج دوسا وجميع اهله معه وان الوزير اليوم ابن اخي علي بن اعشى، وقد انفذا جميع الوزرا لم يبق في البلد منهم واحد، ونحن تحت حمس ورعب، التليس خمسة وعشرون، الخبز بأربعة ونصف رطل، والخطف بنهار".
دا يقودنا لقصة تانية وهي هروب الوزراء من مصر، في فترة المستنصر بعد موت الوزير القوي "ابو القاسم الجرجائي"، ام المستنصر الست رصد بدأت تتدخل في تعيين الوزراء، ووصل الموضوع ان فيه اربعين وزير جم في ٩ سنين بس كل شوية تعزل واحد وتعين واحد، وزراء كتير وكل واحد ينهب شوية، بس لما الشدة بدأت، الوزراء دول قرروا يلموا اي حاجة تقع ايديهم عليها من فلوس ودهب وممتلكات، ويهاجروا من القاهرة خالص، تتدمر بقا باللي فيها، وعلى اثرهم الاعيان هربوا كمان منهم دوسا اللي اتكلمنا عليه من شوية .
المشكلة ان اللي هرب منهم اتعرضوا لقطع الطريق على ايد الجنود الاتراك والسودانيين اللي اتحولوا لقطاع طرق زي ما قلنا من شوية، والوزراء سابوها تخرب ونطوا من المركب، كل ده والناس متابعة وخايفة، مفيش لا نظام ولا قانون، وغلاء وصل لان رطل العيش بقا بأربعة ونص درهم.
هروبهم من المدينة خوّف العامة اكتر، بقوا تحت رحمة المجرمين، وهنا بقا هيا بتقول "الخطف بنهار" .
لما الوزراء هربوا، والمجاعة زادت، حوادث الخطف اللي كانت بتحصل تحت ظلمة الليل، واللي الناس كانوا بيستخبوا الليل كله ويستنوا الصبح زي حلم طويل كدة، لو الصبح طلع عليهم ومحصلش حاجة يبقا الحمد لله، لكن وقت كتابة الرسالة دي بتقول الخطف بالنهار، يعني وصلت الجرأة ان عمليات الخطف بقت صبح وليل، تحت ضوء الشمس عادي محدش هيوقفهم.
طيب بيتخطفوا ليه؟ **** ينور عليك، عشان ياكلوهم حرفيا، القوي يأكل الضعيف، مش سرقة بس لأ خطف بغرض الاكل، واللي بيأكد كلامها في اول الجواب بتقوله "والدور تنقب على الناس وانا ضيقة الصدر خائفة"، يعني وصلت البجاحة انهم بيقتحموا البيوت يخطفوا منها ناس من الجوع، وبقا الموضوع بيحصل بالنهار كمان، تخيل الرعب.
بتنهي الجواب وبتقول:
"ما اوحشه من عيد عيدنا لغيبتك، ختمه **** عليك باليمن والسعادة والعافية، وبلغك ما تؤمله ان شاء ****"
وبتقول في موضع تاني:
"قرأت عليك السلام، ووالدي يخصك بالسلام، وولع تقبل يدك، وسالمة وست ابو السرور يقرئونك السلام"
الست على الرغم من كل اللي هيا عايشة فيه ده، بتطمنه، بتبعتله سلام بناته، ابوها المديون بيبعتله السلام، بتبعت جواب لجوزها وهيا خايفة من الخطف وخايفة تسيب القاهرة وتمشي، وفي نفس الوقت بتقوله وحشتنا وخايفة وانتا مش جمبي وحاجات كدة.
وهنا انتهى الجواب، جواب قادر يعيشك يوم واحد من ايام الشدة المستنصرية، انتا عايش في فتنة بين نوعين من الجنود، الوزراء بيهربوا، الناس بتتثبت في الهروب، خايف تخرج من بيتك تتخطف، الاسعار مبالغ فيها، التجار جشعين،. القاهرة نفسها فضيت على ناسها، ومع ذلك عايشين ومستحملين، ودي الصورة الحية للموقف بعيد عن المشاهد الهوليوودية في وصف الشدة، بعيون واحدة عايشة حرفيا في قلب الاحداث.
اما مصير الست دي ايه؟ وهل جالها الرد من جوزها ولا لأ، العلم عند **** ❤️
