NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

BABA YAGA

أحـيآڼآً يڴوٍڼ إڴڕآ۾ آلحـبْ دڣڼةّ💔
العضوية الذهبيه
الكاتب المفضل
نسوانجى مثقف
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
نسوانجي خفيف الظل
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
نسوانجي كروي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
ناشر مجلة
إنضم
17 يوليو 2023
المشاركات
25,565
مستوى التفاعل
15,246
الإقامة
YAGA CITY
نقاط
51,604
الجنس
ذكر
الدولة
YAGA WORLD
توجه جنسي
أنجذب للإناث
➤السابقة



اهلا ومرحبا بكم مره أخري في قصه عصر الأهوال

شاهدنا معا ماحدث علي طول السلسلة الاولي من احداث
مشوقه ورائعه من حب باسل لتعلم السحر لالتقائه بمعلمه ادريس الحكيم
وبدايه مسيره التدريبات الشاقه الي عرفنا بعد ذالك سبب هذه التدريبات ولماذا لم يبدأ
في تعلم السحر من الوهله الاولي مثل انماار و من ثم ذهاب باسل و انمار الي العاصمه وبدايه مسيره
تحصين العالم ضد هجوم الشياطين القادم وبدأ هذا التحصين بأنقلاب عائله كريمزون صاحبه المركز الثاني

علي العائله الحاكمه عائله غرين صاحبه المركز الاول والعائله الحاكمه الامبراطوريه والذي شاهدنا فيه
المعركه الكبيره و الحماسيه التي اسفرت عن مقتل الامبراطور غرين لايت علي يد الكبير أكاغي
والتي اسفرت عن سعاده عامره للكل بفوز عائله كريمزون في الحرب واسترداد حقها المسلوب منها منذ 55 عام

ولاكن كمااا قيل دوام الحال من المحال
فلم تستمر سعاده الجميع لوقت طويل فقد حدث امر صدم الجميع
.
.
.
فتابعوا معنا السلسله الثانيه لنعرف ماحدث بالضبط



(الجزء الاول)


ظهر ظل بسرعه خاطفه من وراء الكبير أكاغي، واخترق ظهره بسيف يحمل نقوش أثريه
.
.
.
من كان ليتوقع حدوث مثل هذا الأمر؟ خصوصا بعد نهاية المعركة، من يمكنه أن يعتقد أن الكبير أكاغي سيتعرض للطعن في الظهر من عدو مجهول بسيف أثري؟

تقيأ الكبير أكاغي الدماء، و حدق في السيف الذي خرج من بطنه، كيف لهذا أن يحدث؟ ألم يفز ضد عدوه اللدود بالفعل؟ هذه الأسئلة اتخذت شكل تعبيرات بوجهه

كل من يوجد في الساحة بقي فاتحا فاهه من شدة الصدمة، هذا حقا غير موضوع في قائمة الاحتمالات حتى، بالطبع لا، فكيف يمكنهم حتى أن يتخيلوا وجود عدو بسيف أثري مثل هذا؟ و من خلال طاقته السحرية، فلا شك أنه في قمة المستوى السابع

كل القادة الكبار شحبت أوجههم، الجنرال منصف كادت الدموع تنزل من عينيه، لكنها لم تفعل و بقيت عالقة لأنه لم يرمش أبدا من المشهد المروع الذي أمامه

حدق الجميع في صاحب السيف الأثري، فظهرت صورته ليكون عبارة عن شاب في منتصف العشرينات، لم يستطع أي أحد التعرف عليه

لكن هذا الشاب ظهرت تعبيرات غريبة على وجهه مع إبقائه على إمساكه لسيفه الأثري، ثم بدأت الأفكار تراود ذهنه، ما هذا الشعور بالضبط؟ ثم عندها فهم ما حدث له

تراجع للخلف عدة خطوات ثم ضحك بجنون "هاهاهاهاهاهاهاهاها" وضع يده على جبهته ثم تكلم "لقد خدعت تماما" وجه نظره لجهة محددة ثم حدق بعينيه من بين أصابعه، أخرج نية قتل جعلت كل شخص موجود يرتعد منه، لا يهم إن كان جنديا أو واحد من القادة الكبار، كلهم ارتعبوا منه، بعد أن نظر لتلك الجهة، تكلم بصوت منزعج يحمل معه نية قتل مستهدفة الشخص الذي وجه إليه الكلام "إنها أنت أيتها الغرة، لم أتوقع وجود شخص مثلك هنا، بصراحة لم أكن أظن أو وضعت حتى احتمالية وجود شخص بسحر الوهم في من المستوى السابع"

"همم؟" استغرب الجميع و خصوصا القادة الكبار، ما الذي يتحدث عنه؟ التفوا جميعا نحو الشخص الذي وجه إليه نظره سابقا ثم حدقوا به، كلهم وجهوا نظرهم نحو أنمار منتظرين الإجابة


تكلم الجنرال منصف "ما الذي يعنيه بكلامه؟"

لكن صوت حنين على مسامع الجنرال منصف قد أجاب على حين غرة "لقد أنقذتني حفيدتي يا زوج ابنتي"

عندها ظهر الكبير أكاغي وسط الجموع، لكن ما الذي يحدث هنا؟ لما هناك اثنين منه؟ واحد يقف أمامهم و صحته جيدة، أما الآخر فهو ساقط على الأرض و أصبح جثة بالفعل

"ما..." حاول الجنرال منصف التكلم لكن الرئيس تشارلي قال بارتعاب بينما يحدق في أنمار بعمق "ابن صديقي أكاغي لم يمت، لقد كان ذلك وهما، السيدة الصغيرة خدعتنا كلنا"

كان أول من اكتشف وهم أنمار بعد العدو الرئيس تشارلي، في هذه الأزمة التي حدثت أمام أعينهم، لم يستطع و لا واحد منهم التركيز بشكل مناسب ليكتشف وهم أنمار غير العدو الذي لا يبالي بهذه الأزمة

في الأصل هم لم يروا ساحر وهم من المستوى السابع في حياتهم، مما يعني أنهم لم يجربوا قوته أو وقعوا تحت وهمه من قبل، لذا لا يعلمون مدى تأثيره عليهم، و بسبب الأزمة، كان القادة الكبار قد خدعوا أيضا، فبغض النظر عن الجنود الذين لم يكن مخولا لهم اكتشاف هذا الأمر أصلا، يبقى أمر عدم اكتشاف القادة الكبار لوهمها أمرا في غاية اللاعقلانية

حتى إن أزحنا الرئيس كورو، الرئيس براون و الرئيسة موراساكي، فيبقى الرئيس تشارلي و الجنرال منصف اللذين اخترقا المستوى السابع بالفعل، الجنرال منصف في القسم الأولي و الرئيس تشارلي في القسم المتوسط، لكنهما مع ذلك لم يكتشفا أمر هذه الخدعة، و عندما فعل أحدهما، كان ذلك بعد انكشافها

حركت أنمار يدها بهدوء فاختفى الجسد الميت الخاص بالكبير أكاغي مع كل الدماء المحيطة به، و عند مشاهدة هذا الأمر، فهم كل شخص موجود بالساحة ما حدث

لكن، بكل جدية؟ أكان ذلك وهما، تلك التعبيرات التي رسمت على الكبير أكاغي، أو يجب أن نقول وهمه، كانت حقيقية، كل شيء كان حقيقي، صراخه، تقيؤه الدماء، تعبيراته، أيمكن لشخص أن يستطيع صنع وهم كهذا؟ لا يمكنك مفارقته عن الواقع


ارتعد الكل من أنمار، مثل هذه الفتاة في مثل هذا العمر، لا يمكن لأي شخص صنع وهم بهذه التفاصيل بعبقريته فقط، نعم العبقرية هي العامل الأساسي و المهم في هذا كله، لكنه إن لم يكن يفهم الحالة التي يريد تجسيدها فهما كاملا و شاملا، فلن يكون باستطاعته صنع مثل هذا الوهم الواقعي

لم يعرف غالب الأشخاص هنا عن أنمار، لم يعلم أحد عن قوتها الحقيقية سوى التاجر ناصر و الجنرال منصف، لكن هذا الاثنين لم يشهدا وهمها مباشرة، فبعد حضورهما سابقا، كانا قد وجداها تعذب الأميرة الخامسة فقط، لذا حتى لو كانا قد علما أنها من المستوى السابع، لم يكن لديهم الوعي بهذا بما أنهما لم يجربا قوتها مباشرة

ببساطة، كل شخص موجود هنا قد خدع من قبل أنمار، هذه الأخيرة جعلت طاقتها السحرية تهدأ قليلا، فبعد كل شيء، لقد اضطرت لاستخدام طاقة سحرية كبيرة من أجل تشكيل وهم قادر على خداع كل الموجودين هنا، خداع أكثر من مائتي ألف وحده كان عملا شاقا، و عند إضافة إليه القادة يزداد الأمر صعوبة، أما عند إضافة ذلك العدو ذو الحواس القاتلة، فكان الأمر مرهقا لخداعه ريثما يتخذ الكبير أكاغي

موقعا آمنا

بالطبع، الكبير أكاغي قد اختفى من الوجود بالنسبة للآخرين، لكنه كان الوحيد غير أنمار الذي عرف ما الذي يحدث أثناء تنفيذ الوهم، لذا أسرع في الهروب، فنية القتل التي يحملها ذلك الشاب الذي حاول قتله، جعلته يبتعد عنه في أقرب أمكن له، لم يستطع تحمل ضغطه لوقت أكثر

و بمجرد ما أن ابتعد الكبير أكاغي، حتى شعر الشاب الذي هاجمه باختفاء حضوره، عندها شعر بأن شيئا ما غير صحيح، فرأى من خلال وهم أنمار

تكلم الكبير أكاغي "صغيرتي أنمار...أنا..."

قاطعته أنمار ثم قالت "نصف شكرك يجب أن يذهب لباسل"

قبل بداية المعركة الأخيرة و مغادرة باسل، كان قد ترك ذلك الأخير بعض الكلمات قبل مغادرته "أنمار، أريد منك الحفاظ على قوتك قدر المستطاع، حاولي عدم التوغل في جو المعركة بالكامل، و حتى بعد نهاية المعركة لا ترخي دفاعاتك و لو للحظة واحدة، و إن حدث أي شيء غريب قومي بالتعامل معه بما هو مناسب لك، و لا يجب عليك إيقاف حواسك الخارقة حتى أرجع و ننتهي كليا من هذا الأمر، ليس حتى يطمئن قلبي، و يذهب عني هذا الوخز من ظهري"

تعجبت أنمار "هل هو حدسك؟"


عبس باسل ثم قال "نعم، في مثل هذه الأوضاع، عندما تكون هناك قطعة مفقودة، قد لا يكون بإمكاني إيجادها، لكني على الأقل أكون أعلم بأنها مفقودة، و كل ما أحتاج لفعله هو الاستعداد لها، أنا سأترك لك هذا الأمر هنا"

أماءت رأسها فذهب و اقترب من الكبير أكاغي ليخبره أنه ذاهب

بالعودة للأحداث الحالية

"لا يمكنني سوى الشعور بأنني لا يمكنني رد دينكما بما تبقى لي من العمر" تكلم الكبير أكاغي

ردت عليه أنمار "أنا لا أهتم بأي شيء موجود في هذا العالم عدا اثنين، أولهما باسل، و ثانيهما العائلة، لا تقل مثل هذا الكلام، نحن لا ننتظر منك رد دينك لنا يا جدي"

غمرت الكبير أكاغي السعادة و كادت الدموع تنهمر من عينيه، و في هذه الأثناء، لم يسع الجنرال منصف سوى تذكر صورة باسل المشتعلة أثناء تدربهم بشهر الانعزال

أما الآخرين، فقد أصبحوا يقدرون قيمة باسل و أنمار أكثر، الأمر لا يقتصر فقط على القادة، و إنما على كل الجنود هنا

لكن مع فرحتهم هذه نسي الجميع ذلك الشاب من قبل، ذلك الشاب الذي في قمة المستوى السابع تحدث بنبرة حادة "أمم، يا له من لم شمل رائع، لكن يبدو أنه سيتشتت مرة أخرى"


شحذ طاقته إلى أقصاها، جعل كل الموجودين في الساحة يرتعدون من قوته، حاليا، قد لا يكون هناك أي شخص موجود هنا لمجابهته، شحبت وجوه كل الموجودين، و بسرعة كبيرة، عن طريق حواسهم الحادة التي أخبرتهم بالخطر المحدق قام القادة الكبار بشحذ طاقاتهم كذلك، قامت أنمار بإشهار سيفها مع تمرير طاقتها إليه

حدثت حالة سكون لثوان، انكسر هذا الصمت العميق بجملة من ذلك الشاب "حسنا، لما لا نبدأ بك أيتها الغرة"

استعد للانطلاق، و عندما أراد أن يفعل، فجأة، في السماء ظهر حضور أجبر كل من يقع أسفله يشعر كما لو أن هناك جبلا يضغط عليهم

شخص بعربة يسوقها وحشين هائلين، فقط بمجرد وقوفهما في السماء جعلا كل شيء تحتهما يخضع لهما، أجنحتهما جلبت معها عواصف مع رفرفتها، بجسد كالأسد، إلا أن القدمين الأماميين و الرأس كانوا مأخوذين من الصقر الملكي، التفت حولهما هالة قاتلة، و لم يكن هناك أي شخص يستطيع القول أنه قادر على ترويضهما

لكنهما كانا يجران معهما عربة يركبها شخص ما، هذا الشخص كان صاحب ذلك الحضور سابقا، فبمجرد ما أن وصل، حتى توقف الشاب عن محاولته الهجوم، حدق في السماء و تمتم "لقد وصل الأقدم الكبير أخيرا، لكن، كما هو متوقع منه، دخوله غير اعتيادي، أن يجعل وحشي الفَتْخاء ('غرفين'، إن لم تعرفه، ابحث عن هذه الكلمة في غوغل) يقودانه إلى هنا، كما هي طبيعته، مبهرج في كل الأحوال"

تلونت وجوه جميع الموجودين هنا غير أنمار فأصبحت زرقاء، تحت هذا الضغط المهيب، لم يكن بإمكانهم التحرك قيد نملة حتى، ما هو هذا الشخص الموجود بالضبط هنا؟

تعرق القادة الكبار، و بعض الجنود فشلت أرجلهم فسقطوا على الأرض من شدة ضغط هذا الوجود الذي فوقهم، فقط القادة من كانوا قادرين على الحفاظ على رباطة جأشهم، لكنهم مع ذلك، ارتجفت و اهتزت أجسادهم، غرقوا في العرق، أرادوا فقط أن يبتعدوا قدر المستطاع من هذا المكان لكنهم لم يستطيعوا

تكلم الشاب الذي استهدف الكبير أكاغي سابقا للعربة التي بالسماء "أيها الأقدم الكبير، هل أكمل عملي أم أنك ستتفضل و تخرج إلينا؟"

كانت العربة تقف في السماء، كما لو أنها تقف على الأرض، كذلك كان وحشي الفتخاء، وقفا في السماء، مع هالة تجعل كل من يشعر بها يرتعد، ما هما هذان الوحشان بالضبط؟ كيف لمخلوقين مثل هذين أن يكونا يجران عربة؟ ألا يعني أن صاحب ذلك الحضور سابقا و الذي يوجد داخل تلك العربة هو من روضهما و جعلهما يطيعانه؟ أم ماذا؟ هل استدعاهما؟

بقي الكل يتساءل، و بعدما تكلم ذلك الشاب، لم يتكلم أي أحد حتى خرجت كلمة واحدة من داخل العربة مع حملها لهيبة و نية قائلها "انزل"

تحرك وحشي الفتخاء و نزلا للأسفل، أثناء نزولهما فقط اصطحبا معهما رياحا عاصفة، في كل رفرفة من أجنحتهما الصقرية كانوا قادرين على تحريك الرياح في ساحة القتال بالكامل، مع وقوفهما على الأرض، كانا حجمهما لا يصدق، علوهما فقط يصل لخمسة أمتار، رأسهما ضخم للغاية مع عينين شرستان، قدميهما الأماميتين اللتين تبدوان قادرتين على تمزيق أقوى السحرة بتلك المخالب، و بقية جسدهما الآخذ شكل الأسد و الذي يبدو كما لو أنه لا يمكن جرحه من شدة قساوته، و فقط بوصولهما للأرض جعلوا الكثير من الجنود يغمى عليهم من شدة الضغط

حاول القادة الكبار بلع ريقهم لكنهم لم يستطيعوا حتى أن يفعلوا، و بعد أن ارتعبوا بما فيه الكفاية من هذين الوحشين، ظهر عندها صاحب ذلك الحضور، خرج من العربة ببطء شديد، و بمجرد ما أن نزلت قدمه على الأرض حتى جعل القادة الكبار يريدون الركوع له من الضغط

تكلم ذلك الشاب من قبل "إذا ما نحن بفاعلين أيها الأقدم الكبير؟"

ظهرت صورة صاحب ذلك الحضور للجميع، و إذا به يكون عبارة عن رجل في الثلاثينيات، عينيه كانتا عميقتين، و فقط بنظرة منه، استطاع القادة الكبار الشعور بقوة نيته الخارقة، فقط بنِيّته كان يستطيع جعلهم يستسلمون عن قتاله و الرضوخ لطلباته مهما كانت

تكلم هذا الأقدم الكبير أخيرا "كازيمارو، لا تتعجل، فلنسألهم أولا، و نظرا لإجابتهم سوف نقرر خطوتنا القادمة"


تكلم الأقدم الكبير بشكل طبيعي، و أخيرا حتى ذلك الضغط من السابق قد اختفى، تنفس القادة الكبار بأريحية أكثر من السابق، لكنهم بعد أن جربوا ذلك الحضور، لم يكن من السهل عليهم نسيانه بسرعة، فلا زالت أجسادهم تهتز من الرعب

تحدث كازيمارو موجها كلامه للقادة الكبار "لقد سمعتم الأقدم الكبير، ما نريده منكم هو القيام بتسليم شخصين اثنين فقط، أولهما، أخي شاهين، ثانيهما، الشخص الذي يدعى بباسل، غير هذا، كلكم ستموتون"

صعدت القشعريرة مع أجسادهم، و كذلك فعل جسد أنمار هذه المرة، لقد سمعت اسم باسل من العدو، فكيف لها أن تبقى هادئة؟ حتى أن نية قتلها قد تسربت منها من دون أن تشعر

لكن نية قتلها هذه قد صُدَّت من قبل الأقدم الكبير، فقط بمجرد ما أن حدق في جهتها و أطلق القليل من هالته و نيته، حتى جعل نيتها عديمة الفائدة، كانا كما لو أن هناك قط يحاول التنافس مع نمر

تكلم الأقدم الكبير "يبدو أنك تعلمين شيئا أيتها الفتاة" أخرج هالته و وجهها نحو أنمار

وووووش

ضغط عليها بشدة، كم كان قويا ! فقط هالته كانت كافية لتجعل أنمار بعبقريتها تتنفس بصعوبة و لا تقدر على التحرك كما شاءت

عندها تكلم الكبير أكاغي متدخلا بسرعة "انتظر من فضلك، سنستجيب لطلبك، لذا أرجوك فلتتوقف فقط، إنها فتاة لا زالت لا تعرف حدودها و اغترت بنفسها فقط"

عندما شاهد الكبير أكاغي حفيدته تتألم لم يستطع أن يصبر أكثر، أسرع في التدخل و التكلم، إنه يعرف ماذا يفعل في مثل هذه المواقف، لا يجب أن تغضب أبدا مثل هؤلاء الأشخاص

أرجع الأقدم الكبير هالته بعدما حدق في أنمار لوقت طويل، فتنفست أنمار الصعداء أخيرا، لقد كادت أن تختنق حتى الموت فقط من تطبيقه حضوره الهائل عليها عن طريق هالته

تكلم الأقدم الكبير بكل وقار محدثا الكبير أكاغي "إذا يجب أن تسرع"


أماء الكبير أكاغي رأسه بسرعة و تكلم عبر خاتم التخاطر، كل ما يهتم به حاليا هو نجاة حفيدته و حلفائه، يجب عليه أن يعرف كيف يجعل هذا الأمر يمر على خير، لا يمكنه أن يخسر أي أحد، ليس بعد أن رد حقه أخيرا

القادة الكبار بكل عزة أنفسهم لم يستطيعوا التحرك قيد نملة من دون أخذ إذن الأقدم الكبير، فكيف لهم؟ إنهم يشعرون أنهم لو حاولوا القيام بأي حركة بسيطة، فرؤوسهم ستطير من مكانها

انتهى الكبير أكاغي من التحدث عبر خاتم التخاطر ثم قال "شاهين الخاص بكم سوف يأتي بعد قليل"

حملق كازيمارو في الكبير أكاغي ثم تكلم "حسنا، هذا الأول، ماذا عن الثاني؟"

بلع الكبير أكاغي ريقه و تحدث "هذا..." حملق الأقدم الكبير به ليكمل كلامه "في الحقيقة نحن لم نرى ذلك الباسل لمدة طويلة، لقد فقدنا الاتصال به و لا نعرف أين هو الآن؟"

وووووووش

زززززززززنغ

بااااااام


ضرب الكبير أكاغي من طرف رياح حادة في لحظة واحدة و أرسل محلقا لمئات الأمتار، فقط عن طريق تلويحه لسيفه الأثري من كل هذا البعد، قام كازيمارو بجعل درع الكبير أكاغي عديم الفائدة مع تسببه لبعض الجروح

حلق جسد الكبير أكاغي بسرعة فائقة حتى اصطدم مع حائط القاعة الرئيسية مع صوت باااااام

ارتعب الكل من قوة هجمة ذلك الكازيمارو، فقط بتلويح واحد كان قادرا على صنع مثل هذا الهجوم القاتل


تكلم كازيمارو مع إطلاقه لنية قتله في اتجاه الجميع "أي شخص يحاول العبث معنا سوف يموت، و الآن، لما لا تخبرونا أين هذا الشخص باسل؟"

عم الصمت بعد نهايته كلامه، و لا أحد استطاع الرد عن مثل هذا السؤال، كيف لهم أن يبيعوا صديقهم؟ و في هذه الأثناء، قام الكبير أكاغي بالتكلم عبر خاتم التخاطر بأسرع ما يمكن

سابقا عندما كان تحت أنظار ذلكما الاثنين، لم يستطع إيجاد أي ثغرة ليستطيع التحدث فيها مع باسل، لأنه كان يعرف أن أبسط تعبير يظهر على وجهه سيُعرف من قبل ذلك الأقدم الكبير، لكن بما أنه الآن قد أصيب و ابتعد جسده لكل هذه المسافة، فقد وجد تلك الثغرة التي انتظرها

(ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟) تكلم باسل مجيبا

تحدث الكبير أكاغي بسرعة، قبل أن يشعر به الأقدم الكبير (حليفنا باسل، هناك وجود عظيم يبحث عنك، يجب عليك الهروب من هنا و لا تعد، إن وجدك سوف تموت)

و مع إنهاءه لكلامه أوقف خاتم التخاطر عن العمل و وقف بصعوبة، درعه قد دمر تماما بهجمة واحدة من قبل ذلك الكازيمارو، لقد عرف مدى قوته الهائلة، و ذلك الكازيمارو ينادي الشخص الآخر و يتكلم معه بكل احترام، مما يلمح إلى قوته الغير معقولة، الخيار الصحيح هو جعل باسل يبتعد عنهم قدر المستطاع

بهذا الاستنتاج قرر الكبير أكاغي ذلك الاختيار. بعد أن وقف ارتاح قلب القادة الكبار أخيرا، على الأقل لا زال بإمكانه التحرك

تكلم الأقدم الكبير "كازيمارو، لقد سألناهم و لم يعطونا سوى نصف الإجابة، يبدو أن النصف الآخر سيكون بإمكاننا سماعه عن طريق العدوانية، أحضر لي الفتاة"

خرجت ابتسامة خبيثة من كازيمارو، و مرر سيفه الأثري على لسانه، ثم قال "تلك الفتاة قد تجرأت على خداعي، ليس هناك مانع من اللعب معها قليلا، أليس كذلك؟"

أجاب الأقدم الكبير "افعل ما شئت"

ووووووووش


في الحال انطلق كازيمارو كالسهم و وصل أمام أنمار في لحظة، ابتسم كالطفل الصغير بفرح و لوح بسيفه

بووووووووم

التقى سيفه مع هراوة حملها الجنرال منصف، هذه الهراوة كانت عبارة عن سلاح أثري من الدرجة الثالثة، و لحق التقاؤها بالسيف الأثري الخاص بكازيمارو شرارات و موجات قوية

قوة تصادم سلاحيهما قد أنتجت ضغطا كبيرا على الجنود من حولهما، أنمار التي في نفس مستواهما قد أحست بضراوة الطرفين

لو أنه كان شخص آخر غير الجنرال منصف الذي تلقى ضربة كازيمارو لما استطاع صدها، استطاع الجنرال منصف فعل ذلك فقط لأنه كان ساحر تعزيز من المستوى السابع

تراجع كازيمارو للخلف قليلا و تحدث "ساحر تعزيز هاه؟ يا له من ألم في المؤخرة، أتعرف شيئا؟" حملق كازيمارو في الجنرال منصف و صرخ في وجهه "إنني أكره سحرة التعزيز" ثم اندفع في اتجاهه بكل قوته

أسرع الجنرال منصف في التكلم "سيدتي الصغيرة، تراجعي للخلف"

قامت أنمار بما قاله بكل سرعة، الوحيد هنا الذي يمكنه أن يصد مثل تلك الهجمات و يشتري لهم بعض الوقت هو الجنرال منصف، كساحر تعزيز، له ميزة جيدة عنهم، فحتى لو كان أضعف بقسمين من العدو، لا زال بإمكانه مجابهته قليلا

تبادل الاثنان ثلاث ضربات متتالية جعلت حتى أسلحتهما الأثرية تهتز من شدة التصادم، هالتهما طغت في الساحة، قام كازيمارو بشحذ طاقته السحرية و إطلاق موجات من الرياح القاطعة، واحدة منها سابقا كانت كافية لإرسال الكبير أكاغي محلقا، و الآن، هناك العديد منها واحدة تلو الأخرى تستهدف الجنرال منصف

الجنرال منصف لوح بهراوته مع استخدامه لسحره و تدمير موجة بعد الأخرى، لكن مع مرور الوقت بدأ يشعر بالتعب، و بدأ يظهر الفارق بينهما، هجمات كازيمارو تزداد قوة، أما دفاع الجنرال منصف ينقص شدة فقط

انصدم الجميع من هذا القتال، ليس فقط من قوة العدو الهائلة، لكن حتى من قوة الجنرال منصف، في مثل هذا الموقف اليائس أخرج قوته الحقيقية أخيرا و وصل لحدوده، فقط عند مواجهة خصم أقوى منك بمراحل يمكنك بلوغ حدودك و اختراقها حتى


بدأت قوة الجنرال منصف تخور مع مرور الوقت، هو لم يعتد جيدا على سلاحه الأثري، على عكس العدو الذي يبدو معتادا بشكل كلي على سيفه الأثري

و عندما وصل الجنرال منصف للمرحلة الحرجة، لم يعد الرئيس تشارلي يستطيع التحمل أكثر فتدخل مهاجما، و عند مشاهدته، كذلك فعل الرئيس براون، عندما شاهد معلمه يتحرك قرر هو الآخر التدخل، و تباعا له، تحرك الرئيس كورو، مع قرار صديقه بالتحرك، قرر أيضا التحرك، فحتى هو لم يعد يستطيع تحمل مشاهدة طغيان هؤلاء أكثر

مدت الرئيسة موراساكي يدها محاولة إيقافهم، لكنها قد تأخرت بالفعل، و كذلك حاولت أنمار، هذه الأخيرة صرخت "انتظروا..."

لكن الآوان قد فات

استهدف الثلاثة العدو كازيمارو، و في لحظة قبل بلوغهم هدفهم

بووووووووووم

أرسل الثلاثة محلقين بينما دروعهم قد تكسرت و الدماء تسيل كالشلال منهم

تحرك الأقدم الكبير أخيرا، و بحركة واحدة منه كان قادرا إخراج ثلاثة قادة كبار من الحدث

فشلت أرجل الجميع في هذه اللحظة، المنظر المرعب الذي شاهدوه و لا زالوا يفعلون غير معقول بصفة نهائية، لقد تحرك ذلك الأقدم الكبير أخيرا، و بحركة واحدة منه قد جعل ثلاث قادة كبار قريبين من الموت

و السبب الأكبر في فشلهم في الوقوف على أرجلهم كانت الهالة التي ضغطت عليهم، عند تحركه أطلق بعضا من طاقته السحرية، و بمجرد الإحساس بها جعلتهم يريدون الخضوع له، يريدون فقط أن يصبحوا عبيدا له

طاقته قد طغت على الساحة الخارجية بأكملها، و جعل كل شخص هنا يعرف مقامه، جعل كل شخص هنا يعرف الفارق بينهم، جعلهم يعرفون أنهم لم يتبقى لهم أي أمل، الآن بعد تدخله، فبالتأكيد سوف يمحوهم من الوجود

علم الجميع أن هذا الشخص هنا قد تغلب على سحرة من المستوى السابع و السادس بحركة واحدة منه فقط، بمجرد ما أن أطلق القليل من طاقته السحرية حتى جعل القادة الكبار يحدقون بالموت، شخص مثل هذا لا يمكن أن يكون بالمستوى السابع، شخص مثل هذا قوته أكبر بكثير من المستوى السابع

عندها علم الجميع في هذا الوقت الحرج بأن هناك شيء ما وراء المستوى السابع، مستوى لم يعلموا عنه أبدا، مستوى خيالي يتجاوز كل كل معرفتهم السابقة

كل الجنود تحت المستوى الثالث لم يعد بإمكانهم التحمل أكثر فأغمي عليهم، طاقة الأقدم الكبير تغلغلت وسطهم كلهم، أحسوا بها مباشرة، سحرة المستوى الثالث أنفسهم كادوا يغيبوا، لا زالوا قادرين على الوقوف فقط لأن الأقدم الكبير لا يستخدم ضغطا أكبر، سحرة المستوى الرابع لا يستطيعون الوقوف بشكل مستقيم، كما لو أن هناك أوزانا هائلة تضغط عليهم

الآن كل من تبقى واقفا كان الرئيسة موراساكي و الجنرال منصف الذي بالكاد يستطيع أن يقف، و الكبير أكاغي الذي كان لا يزال بعيدا عنهم قليلا قد أحس بتلك الطاقة و تلك الهالة المستبدتين، و أنمار التي حملت تعبيراتها نظرات تخرج نية قتل مخيفة تجاه الأقدم الكبير

لقد حاولت الرئيسة موراساكي و أنمار تحذير الثلاثة. في ذلك الوقت كانتا تركزان بالكامل على الأقدم الكبير، مع أن الجنرال منصف كان يقاتل كازيمارو، إلى أنهما لم تكونا قلقتين عليه كما كانتا قلقتين من ذلك الشخص المرعب

و عندما أقدم الثلاثة على حركة، شاهدتا تغيرا في تعبيرات الأقدم الكبير، وجهه كان غير راض أبدا عما كان الثلاثة يحاولون فعله، عندها حاولت الرئيسة موراساكي و أنمار إيقاف الثلاثة، لكن بما أنهما ركزتا فقط على الأقدم الكبير، لم تدريا بتحركات الثلاثة –الرئيس تشارلي، الرئيس براون، الرئيس كورو- حتى لاحظتا تغيرا في تعبيرات الأقدم الكبير، عندها تساءلتا لماذا تعبيراته تغيرت للأسوء، فقامتا فالالتفاف لرؤية ما يحدث فوجدتا الثلاثة يهاجمون كازيمارو، لذا حاولتا إيقافهم لكنهما كانا قد تأخرتا بالفعل


و الآن، أصبحوا في وضع لا يحسد عليه، أحسوا أنهم لو قاموا بأبسط تحرك آخر، فسوف تطير رؤوسهم من مكانها، تجمد الجميع في هذه الأثناء

و بعدها حدث أمر كسر هذا الهدوء الذي استمر للحظات بالنسبة للعدو و أيام بالنسبة لأنمار و البقية

تكلم كازيمارو بعد مشاهدته لأشخاص يقتربون "أيها الأقدم الكبير، إنه شاهين"

حدق الأقدم الكبير في الاتجاه الذي أشار إليه كازيمارو و الذي كان نفس الاتجاه نحو بوابة الحائط المحيط بالساحة الخارجية التي اخترقها باسل

عندها شاهد ثلاثة أشخاص يقتربون بينما شاهين مكبل بقيود السحر من المستوى السادس، هو ساحر بالمستوى الخامس فقط، لذا لا يمكنه شحذ و لو القليل من طاقته السحرية

هؤلاء الثلاثة الذين كانوا يرافقونه كانوا بالترتيب من اليمين لليسار، غايرو، كاي (أخوا القطع) و جون (حراس بوابة العاصمة)

هؤلاء الثلاثة كلفوا بحراسة شاهين ريثما تنتهي الحرب ليستغرق باسل وقته في استجوابه، فحتى عندما حاول معه في الثلاثة الأيام السابقة التي اخذوها كراحة، لم يتكلم و لو بحرف واحد، لكن باسل لديه طرقه الخاصة، و التي كان ينوي تنفيذها بعد انتهاءهم من المسألة الكبرى حاليا أولا

هؤلاء الثلاثة في الحقيقة لم يكلفوا فقط بحراسة شاهين، بل حراسة الأميرة الخامسة غرين شارلوت أيضا، لكن بسبب أهمية شاهين لباسل، ترك الثلاثة الأميرة الخامسة في رعاية نبيل و الآخرين و رافقوا شاهين

عندما وصلوا، صدموا من المشهد أمامهم كما هو متوقع، لكن في الجهة الأخرى –جهة شاهين- ، هذا الأخير ارتسمت على وجهه ابتسامة طوال الطريق إلى هنا، و عندما وصلوا لوجهتهم، تحولت الابتسامة لضحكة مجنونة يرافقها بعض الكلام "لقد جنيتم على أنفسكم، أولئك اللعناء، سوف أحرص على رد لهم هذا الدين بكل تأكيد"

تكلم كازيمارو "أنتم، حرروه"


حتى الآن، لم يستطع الثلاثة فهم ما يحدث هنا بالضبط، لم يسعهم سوى تخمين وضع الآخرين، حدقوا في أنمار و الآخرين، فقرروا القيام بما أمروا به

عبر مفتاح الختم، قام الثلاثة بتحرير شاهين، هذا الأخير قام بحك معصميه و تمديد ذراعيه، و في لحظة

بوووووم

ركل الثلاثة مرة واحدة جاعلا إياهم يحلقون لعشرات الأمتار مع سعلهم للدماء بشدة

تكلم شاهين موجها كلامه للأقدم الكبير "يا أخي الكبير 'فالتشر'، لم تأخرتم لكل هذه المدة؟"

تنهد الأقدم الكبير فالتشر ثم تكلم بصوته الوقور "إنه خطؤك من الأول أن يقبض عليك، لو أنك لم تقم بالتواصل معنا في آخر لحظاتك بالقتال لما كان باستطاعتنا معرفة وضعك هنا"

حك شاهين رأسه ثم تكلم "حسنا، معك حق، لكن حتى أنا لم أتوقع أن أخسر، لكن هذا من الماضي، المهم، لما أتيت بنفسك إلى هنا؟ كان بإمكانك أمر بعض جواسيسنا فقط ليأتوا لإنقاذي"

"همف" استهجن كازيمارو و قال "بما أنك ناديتنا فلابد من أنك كنت بوضع خطير، لو كنت تحتاج لمساعدة من الجواسيس لكنت اتصلت بهم مباشرة فقط، أم أنا مخطئ؟"

"حسنا، معك حق" وافق شاهين كلامه ثم حدق بالآخرين و سأل "إذن، ما نحن بفاعلين؟"

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "أنا أريد ذلك المدعو باسل، هل تعرف شيئا ما عنه؟ لقد قالوا أنهم لا يعرفون مكانه"

حملق شاهين في الجميع و تكلم "ها؟ لا يعرفون مكانه؟ أو لم يكن الشخص الذي قاد جيوشهم طوال الوقت؟"


قاد الجيوش، بسماع هذا الكلام تأكد فقط ظن الأقدم الكبير فالتشر و كازيمارو بكذب الكبير أكاغي سابقا عليهما، لذا تحدث الأقدم الكبير

"إن لم تتحدث و تخرج ما أريد سماعه..."

لكن بقية الكلام خرج من مكان آخر و الأقدم الكبير قد اختفى من مكانه، و عند استيعاب ما حدث، تجد أن الصوت لم يخرج من مكان آخر، و لم يختفي الأقدم الكبير، بل هذا الأخير هو الذي انتقل بسرعة خاطفة، و المكان الذي وصل إليه كان يقع وراء أنمار بالضبط من حيث جاء الصوت

أحكم القبض على يدي أنمار من الخلف قاصدا تقييدها ثم أكمل الكلام "أو أنني سوف أقوم بقتل هذه الفتاة الآن"

تأخر الجميع في فهم ما حدث، حتى أنهم لم يعرفوا مكان الأقدم الكبير فالتشر حتى أكمل كلامه، كيف وصل إلى هناك بالضبط؟ لكن الأهم الآن هو ما تطورت إليه الأمور

ما هم بفاعلين، لقد وقعوا في موقف حيث يجب أن يقرروا و يختاروا بين أنمار و باسل، هذا شيء مستحيل عليهم تقريره، إن هذا الأمر كما لو أنك تختار من تنقذ من الغرق، أمك أم ابنتك، لكن في النهاية سيكون عليك الاختيار، و إن لم تفعل، فبالتأكيد ستكون النتيجة أسوء، و التي هي واضحة تماما، 'موت الاثنين'

في هذا الوقت، لم يكن هناك أي خيار آخر غير وضع الكبير أكاغي ثقته في أن باسل سيكون قد أخذ بكلامه و هرب، لذا بناء على هذا قد أخذ قراره

حالة وحيدة يمكنك إنقاذ فيها الاثنين معا من الغرق، و هي أن يكون لديك سترة نجاة من الغرق تمنحها لأحدهما، و من الأفضل للشخص الذي تثق بأنه سيكون أهلا لتحمل هذا الأمر، و إنقاذ الثاني بنفسك

هذا ما فعله الكبير أكاغي، في هذه الحالة قد منح باسل خيط نجاة، و كل ما يمكنه فعله هو التركيز على الآخر الذي لا يملك أي خيط

تكلم الكبير أكاغي "أرجوك، من فضلك، سأتكلم، انتظر..."


ضغط الأقدم الكبير على يدي أنمار حتى كسرهما مع صوت تحطم "طررق"، أنمار لم تقدر على فعل أي شيء ضده، الأقدم الكبير فالتشر يقمعها كليا، و الآن قد قام بكسر عظام أيديها مما جعل حتى أنمار تطلق صوت "آآه" صارخة من الألم

حتى طريقة كسره ليديها كانت مروعة، لم يقم بكسر العظام فقط عن طريق ثنيها حتى تتكسر، لكنه قام بالضغط على يديها مما أضاف آلاما مضاعفة أكثر بكثير قبل بلوغ ذروة الألم عن طريق تحطم العظام

الكبير أكاغي في هذه الحالة شحب وجهه و تكلم بسرعة "إنه داخل القاعة الرئيسية"

لقد حاول سابقا أن يهدئ العدو، لكن هذا عاد عليه بآثار عكسية، العدو سأل و كان ينتظر جوابا، و الدوران حول الكلام كان فقط له أثارا سيئة على أنمار بدل تحقيق أثار جيدة و التي كانت المقصد الأساسي

لذا عندما تلقت أنمار أضرارا وخيمة، فهم الكبير أكاغي أن عليه الإجابة في أسرع وقت قبل فوات الأوان و إلا خرجت أنمار بعظامها كلها مكسورة إن لم يكن مصيرها الموت

حملق الأقدم الكبير فالتشر في الكبير أكاغي ثم قال بنبرة مسترخية "يبدو أنك تقول الحقيقة، لكن القاعة الرئيسية؟ أكان قريبا كل هذه المسافة ! ؟ حسنا، و الآن، فلننهي هذا الأمر"

رفع الأقدم الكبير يده اليمنى مع إبقاءه لليسرى لتقيد أنمار. عند مشاهدة هذا الأمر، فشلت رجلي الكبير أكاغي، انهمرت الدموع من عينيه، حتى أنه لم يعد يستطيع أن يخرج الكلام بشكل مناسب

صرخ الجنرال منصف "لقد قلنا لك ما تحتاجه، فلتفلت السيدة الصغيرة"

في هذا الوضع لم يكن باستطاعة أي شخص القيام بأي شيء، سوى شيء واحد، ألا هو انتظار يد الأقدم الكبير فالتشر اليمنى لتقتل أنمار

صرخ الكبير أكاغي بجنون "توققققققف"

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "حثالة مثلكم يجب تطهيرهم، فحتى إن لم تموتوا الآن، كنتم ستموتون عما قريب على أية حال، لذا كل ما سأفعله هو تسريع هذا الأمر، و على العكس، يجب أن تكون شاكرا لي، فأنا سأعطيها موتة سريعة كما سيحدث معكم بعدها بالطبع"


و بعد إنهاءه لكلامه نزل بيده مع صوت وووووش

لكن هذا الصوت توقف بسبب صوت آخر

بوووووووووووم

لكمة نارية مشتعلة آتية من جسم مشتعل محترق جاعلة الأقدم الكبير فالتشر يطير لمئات الأمتار حتى اخترقت الألف متر ثم الميل و لا زال جسده يطير

ظهر صاحب الجسم المشتعل بينما شعره القرمزي و عينيه الحمراوين يلتهبان مع لون اللهب و كان هذا الشخص هو باسل

نظر لأنمار فشاهد ما أصابها، حدق في جسم الأقدم الكبير فالتشر الطائر ثم أطلق نية قتله التي جعلت الحلفاء و الأعداء –كل سواء- يرتعدون منه، في حالته هذه، بدى كملك نار قرمزي، لا يمكن لأي شخص المساس به أو الاقتراب منه

تكلم بنبرة قاتلة "مسست المقربين مني بسوء، و أنا أقسم لك، إني لست بتارك منك لحما و لا عظما"

تجمد كازيمارو و شاهين مما حدث، الأقدم الكبير أُرسِل محلقا من قبل هذا الفتى لأكثر من ميل؟ و أيضا ما كل تلك القوة؟ بعد التركيز قليلا، تجد أن هناك عنصر آخر ممزوج مع عنصر النار

كان شاهين يعرف أن باسل له عنصر التعزيز، و لم يعلم عن النار، لذا لما شاهد باسل يستخدم عنصر النار فقد ألوانه، هذا الفتى اخترق المستوى السابع؟

أما كازيمارو في الجهة الأخرى، فكان متفاجئا تماما مما حدث قبل قليل، لقد ظهر ذلك الفتى بسرعة كبيرة جدا، و الآن هناك عنصرين ممزوجين، لقد دعّم عنصر النار بعنصر التعزيز، قبل بعض شهور سمعوا عن هذا الفتى، و عرفوا أنه في المستوى الخامس، و الآن ها هو ذا أمامهم يستخدم عنصرين، إذن فقد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط

عند هذه النقطة، ليس فقط الأعداء من صدموا، بل حتى الحلفاء، خصوصا الكبير أكاغي، فبعد رؤية باسل في حالته تلك، فهم ما يحدث، على الأقل عرف أن لباسل عنصر النار أيضا كسائر أعضاء العشيرة القرمزية

لكن، هذا غير مهم في هذه النقطة، المهم هو وجود باسل هنا، فباسل لم يقم بما أخبره به الكبير أكاغي، هذا الأخير قد أراد فقط أن ينجوا الجميع من هذه المحنة و الخروج من هذا الوقت الحرج بسلام، لكن باسل قد أتى عكس ما أخبره أن يفعل

لكن في هذه الحالة، لم يعرف الكبير أكاغي أي ردة فعل يجب يقوم بها، بالطبع هو خائف على باسل لأنه أتى للخطر، لكنه شاكر له لأنه أتى أيضا، فلو لم يفعل لكانت حفيدته قد ماتت في هذه الأثناء

لذا اختار ردة الفعل الثانية، فبعد كل شيء، لقد كانت ستموت أنمار لا محالة، و بعدها سيحين دورهم، لكن مع باسل هنا، و انطلاقا من لكمته السابقة، و امتلاكه لعنصرين، فالقيام بردة الفعل الثانية و التي هي الشكر على قدوم باسل في الوقت المناسب هي ردة الفعل المناسبة هنا


في هذه الأثناء، جسد الأقدم الكبير فالتشر الطائر توقف عبر رياح أحاطت به، حتى أنه كان قادرا على التحكم في سحر الرياح بشكل جيد للغاية لدرجة أنه جعله يحمله في الهواء و يجعله يطير و يحلق كما يشاء

وقف الأقدم الكبير فالتشر في وسط السماء و حدق في باسل من بعيد، نظر للخدش على وجهه و عبس، تكلم بكل هدوء كما لو لم يحدث أي شيء "أمم، بالفعل لديه عنصرين، لكن لم تكن الضربة قوية نظرا لغضبه، أكبح نفسه أم ماذا؟ على كل، هو بالفعل لديه عنصرين، أي لا شك في أنه اخترق القسم الأول و دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لكن مع غضبه ذاك كان يجب أن تكون لكمته تحمل قوة أكبر كساحر من القسم الثاني من مستويات الربط"

لم يفهم بالضبط الأقدم الكبير فالتشر ما الذي يحدث، بالطبع باسل لم يدخل للقسم الثاني من مستويات الربط بعد، لكن أي شخص سيعتقد هذا بعد رؤيته يمتلك عنصري سحر، و الذي لم يفهمه الأقدم الكبير، هو أن شخصا في القسم الثاني من مستويات الربط يجب أن تكون قوته أكبر مما أخرج باسل و خصوصا في حالة من الغضب كتلك التي بها باسل

حدق باسل في الأقدم الكبير الذي يتواجد بالسماء، عبس و أحكم قبضتيه، تلك اللكمة قبل قليل كانت تحمل معها كل قوته بالفعل، لكن ذلك الأقدم الكبير فالتشر لم يتضرر كثيرا و بدى كما لو أن هناك شخصا عاديا لكم شخصا عاديا مثله، يعني أنها كانت كتلقي ضربة جعلت وجنته تُخدش و تحمرّ قليلا فقط

اقترب الكبير أكاغي من باسل و تكلم "ظننت أنني قد أخبرتك بعدم المجيء، فلما فعلت؟"

لم يجب باسل مباشرة و حدق به، استرجع بعض الذكريات قبل دقائق من الآن

قبل تكلم الكبير أكاغي مع باسل عبر خاتم التخاطر بقليل من الوقت، في الوقت الذي كانت المعركة الأخيرة قد انتهت

باسل في تلك الأثناء كان جاعلا شخصا ضخما راكعا على ركبتيه بينما يمسك رقبته و يضغط عليها

و أثناء تشديده الخناق على ذلك الشخص تكلم باسل "أيها المبعوث رضا (الذي أرسلته الأميرة الخامسة لباسل عندما أتى هذا الأخير لأول مرة للعاصمة)، لقد علمتك درسا جيدا ظننت أنك سوف تتذكره لبقية حياتك و تبتعد قدر إمكانك عن طريقي، لكن ما الذي يحدث هنا؟ لم أنت هنا؟"


حدق المبعوث رضا بيأس في باسل، فبعد كل شيء، حتى هو لم يكن يريد الالتقاء به مرة أخرى، لكنه فقط كان يرافق أخت الإمبراطور و بناتها لحمايتهم في الطريق هو و العديد من الجنود الآخرين، فهو ليس بخادم للأميرة الخامسة، لكنه خادم لعائلة غرين، و في كل مرة و أين يكون، و هذه المرة كان يرافق أخت الإمبراطور

و عندما كانوا في غرفة الكنز مختبئون، فجأة كسر الختم و فتحت البوابة، لذا لم يكن له أي خيار آخر سوى مهاجمة الشخص الذي يقبع وراء هذه البوابة، لكنه لم يظن أبدا أنه سيكون ذلك الوحش الصغير من ذلك الوقت

نظر باسل إليه فقال مع زفيره متنهدا "يبدو أنني يجب أن أعدل على دروسي قليلا، فلا يبدو أنها قد كان لها مفعول كبير" ثم لوح بقبضته كاسرا عنق المبعوث رضا

كرررك

سقطت جثته على الأرض، و هذا الأمر جعل كل الجنود الذين كانوا يحمون أخت الإمبراطور يرتعدون، و في حالة الرعب هذه انقضوا كلهم على باسل

ووووش

قفزت أربع ظلال بسرعة خاطفة من وراء باسل و قطعوا الجنود الذين وصل عددهم للعشرة بسرعة خاطفة

لقد كانوا قادة التشكيل، فقط شي يو التي لم تتحرك

تقدم باسل للأمام ثم وجد أخت الإمبراطور ترتعد في مكانها بينما تتمتم "أنا أخت الإمبراطور، هل تريد المال؟ إن هذا هو الأمر فيمكنني جعلك أغنى شخص في هذا العالم؟ نعم يمكنك أخذ ما تشاء من هذه الغرفة"


و هذه الغرفة التي كانت تختبئ فيها أخت الإمبراطور إلى جانب بناتها و الجنود الذين يرافقونهم كانت في الواقع غرفة كنز عائلة غرين، فبعد كل شيء هم أتوا إلى هنا آملين في الاختباء، لأن بوابة هذه الغرفة يمكن مقارنتها مع بوابة الحائط المحيط بالساحة الخارجية، بمعنى أنها لا تخترق بالنسبة لهم، لذا أتوا إلى هنا للاختباء ريثما تهدأ الأمور، فعندما كانوا بداخل القلعة الرئيسية، سمعوا أن ستة أشخاص أقوياء يقتربون، لذا هربوا لهذه الغرفة بسرعة

تكلم باسل "أظن أنني بالفعل من أغنياء هذا العالم، هذا لا يثير اهتمامي"

ارتعبت أخت الإمبراطور، فلا زال باسل يتقدم، لذا حاولت إقناعه بشيء آخر "إذا أنت تريد المكانة، سأجعل أخي الصغير لايت يقوم بجعلك قائد الحرس الإمبراطوري و حتى القائد العام لجيوش إمبراطوريتنا"

تكلم باسل مرة أخرى بكل هدوء "أنا بالفعل القائد العام لجيوش الإمبراطورية، إمبراطورية الشعلة القرمزية"

لم ينفع مع باسل أي شيء، لذا لم يتبقى لها أي خيار آخر سوى الانقلاب للتهديد، تكلمت بصوت مرتفع و مرتعب "أنا أخت الإمبراطور، إن مسستني فلن يغفر لك الإمبراطور، ابتعد، لا تقترب مني أيها الوحش"

صرخت أخت الإمبراطور بجنون، و كذلك بدأ يفعل بناتها الثلاث الكبيرات، و هناك اثنتين صغيرتين، لم تقوما بأي تحرك أو حاولتا التكلم، فقط انكمشتا في مكانهما و عانقتا بعضهما البعض

تكلم باسل "لن يكون هناك هذا الإمبراطور الذي تتحدثين عنه موجودا في ذلك الوقت أصلا، لكن أنا متفق معك في شيء مما قلته، نعم أنا وحش، لكن لحثالة مثلكم فقط"

عندها فهمت أخت الإمبراطور أن نهايتها قد حانت، لكنها لن تستسلم بهذه السهولة، شحذت طاقتها السحرية و كذلك فعلن بناتها الثلاث الكبيرات، ثم انقضن كلهن على باسل

وووووووووش


اختفى باسل من أمام ناظر أعينهم و في لحظة طارت رؤوسهم من مكانها في آن واحد

عندها وجد باسل تلكما الاثنتين الصغيرتين تنكمشان بينما ترتعدان من شدة الخوف، حدق فيهما بعمق، و كذلك فعل قادة التشكيل به من الخلف، أحس باسل بنظراتهم الغريبة و خصوصا شي يو، لذلك تنهد ثم قال "كما قلت أنا وحش للحثالة التي لا أطيقها، لكن هاتين فتاتين صغيرتين لا ذنب لهما، لا تقلقي يا شي يو، لن أقوم بأي شيء سيضرهما، اعتني بهما ريثما ننتهي من الحرب، عندها سيكون من الأفضل لهما لو نسيتا أنهما من عائلة غرين"

حدق باسل في الأنحاء، فهذه الغرفة غرفة كنز بعد كل شيء، قد لا يكون هناك أي شيء قد يثير اهتمام باسل، لكن لا بأس من أخذ نظرة، فبعد كل شيء، لقد سمع من الرئيس كورو أن الأمير الثاني قد استخدم سلاحا أثريا، لذا أراد أن يعرف إن كان هناك أي شيء هنا قد يكون له فائدة ما

قام قادة التشكيل بالبحث في الأرجاء مع باسل، بالنسبة لهم، كل هذه الأسلحة النادرة و خرائط لمناطق محظورة، معلومات مفيدة عن أندر الوحوش، استعمالات عديدة لبعض أعضاء الوحوش السحرية، أحجار الأصل من المستوى السادس، و كل هذه القطع الأصلية الذهبية المتراكمة، شيء لأول مرة يرونه مجتمعا هكذا و بكل هذه الكمية في مكان واحد

لذا كان هذا مثيرا لهم بشكل كبير، لم يكن باستطاعتهم الصبر و تحمل مثل هذا الإغراء، لذا تكلم باسل عندما رأى لعابهم يسيل "خذوا ما شئتم، اعتبروها غنيمة حربكم"

انقض قادة التشكيل على الكنوز إلا شي يو التي لم تفعل، و بدل ذلك ذهبت لتعتني بالصغيرتين، أما الأربعة الآخرين، فقد أُعمِيَت عيونهم، و خصوصا شينشي، فعلى ما يبدو، لقد كان محبا للمال كثيرا

ابتسم باسل على حالهم و نظر في الأرجاء، لم يجد أي شيء يثير اهتمامه كما توقع، لكن في جزء مظلم من الغرفة، كان هناك أشياء مهملة، و من بينها كان يوجد أشياء كأوراق ملفوفة، كانت هناك ثلاث مخطوطات رق، و الجلد الذي صنع منه هذا الرق يبدو غير مألوف، لكن باسل يذكر أنه رأى جلدا مشابها لهذا

بعد التحديق لوقت طويل بها، عرف باسل ماهيتها، لقد استغرق منه هذا الوقت الطويل لاكتشافها لأنه لم ير واحدة تشبهها سوى مرة واحدة لمدة لا تزيد عن ثوان من معلمه، فالتي أراها له معلمه لم تكن بهذا التعقيد، و حتى الرق الذي كتب عليه كان مختلفا، لا شك في أن الجلد المصنوع منه هذا الرق مختلف عن الذي صنع منه الخاص بمعلمه، هذا يبدو كما لو أنه أكثر رقيا


تكلم باسل بصوت مرتفع من دون أن يشعر "مخطوطات روحية ! ؟"

التف الجميع و اقتربوا من باسل ليروا هذا الشيء الذي صدم حتى قائدهم، و عندما وصلوا، لاحظوا أنها مجرد أوراق بكتابة تشمل بعض التعاويذ الغريبة، لذا استغربوا

سأل تورتش "لما أنت متفاجئ هكذا يا سيدي؟ هل هذه الأوراق الغريبة لها أهمية؟ فبعد كل شيء فقد وضعت في الجانب المظلم و أهملت"

تكلم باسل مع نظرة متوهجة "لها أهمية؟"

في يوم من الأيام، عندما كان باسل مع معلمه يشرح له عن بعض التقنيات الفريدة، ذكر له أمر المخطوطات الروحية هذه، لكن بما أنه لا زال بعيدا عن هذه المستويات، فقد ترك معلمه هذا الشرح معلقا، لكن الشيء الوحيد الذي عَلِمه باسل، كان أن هذه المخطوطات الروحية تحمل قوة روح ساحر روحي و يمكنها إطلاق هجمات من نفس مستوى ذلك الساحر الروحي، و فقط لصناعة واحدة منها يجب أن يصرف الساحر الروحي وقتا طويلا جدا و إرهاق روحه لدرجة لا توصف

و في هذه الأثناء، عندما كان باسل سارحا بأفكاره، أتاه اتصال عبر خاتم التخاطر، لذا أجاب (ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟)

بعد الاستماع لما قاله الكبير أكاغي، تغيرت نظرة باسل كثيرا، ما الذي قصده الكبير أكاغي بوجود عظيم؟ لما عليه أن يهرب؟ هذين السؤالين اللذين شغلا ذهنه كانا كافيين ليفهم أن أنمار و البقية يواجهون عدوا أقوى منهم بكثير

في الحال توقف عن التفكير في أمر المخطوطات الروحية و وضعها في مكعب التخزين، لكن عندما كان يريد الخروج تفعّل ختم البوابة من جديد

لذا كان سببا في تأخره أكثر، أسرع بكل ما يملك في فتحه، ثم فعل سحر التعزيز في كامل طاقته مما فاجأ قادة التشكيل أكثر، فهم قد فوجئوا بالفعل من تصرفات قائدهم بعد انتهاءه من الكلام عبر خاتم التخاطر

عبس باسل بينما طاقته جعلتهم يتعرقون، تكلم بنبرة حادة "أنتم الأربعة لا يمكنكم استخدام إكسير التعزيز، بحر روحكم لا زال مرهقا و غير مستقر، لكن الأمر مختلف مع شي يو، هذه الأخيرة فلتشربه و أنتم الأربعة أحموها و الحقوني، سنحتاج لسحرها في كامل قوته، قد تكون هناك إصابات سيكون علينا الاعتناء بها سريعا"

انطلق باسل كالرياح، و عندما اقترب من العدو فعل سحر النار في كامل قوته أيضا

و الآن، إنه يستخدم لأول مرة السحرين معا في كامل قوتهما مع الإبقاء عليهما، لم تكن هناك أي مناسبة ليفعل بها هذا أو احتاج لذلك، ففي هذه الحرب، كان يحافظ على طاقته قدر المستطاع، فبعد كل شيء، لم يكن بإمكانه تجاهل تلك القطعة المفقودة

في هذه الأثناء، أسرع قادة التشكيل بكل ما أملكوا من قوة لاحقين باسل، و عندما وصلوا صدموا من الوضع الحالي، تقريبا جميع القادة الكبار و السيدة الصغيرة كانوا في حالة مزرية


أسرعت شي يو نحو أنمار و أرادت أن تعالجها، لكن أنمار وقفت كما لو أن ذلك الألم قد ذهب عنها و تشافت، تكلمت "أنا بخير، سارعي و عالجي الرئيس تشارلي و الاثنين الآخرين، فإصابتهما خطيرة جدا"

"هذا...لكن..." تمتمت شي يو و حدقت في باسل، هذا الأخير بقي مركزا فقط على ذلك الأقدم الكبير، لاحظت أنمار هذا الأمر ثم قالت "أسرعي، لا تهتمي بإصابتي الخفيفة، حتى باسل سيقول لك هذا، أسرعي و ابدئي في معالجة القادة الثلاث"

وقفت شي يو و أسرعت بينما يحيط بها قادة التشكيل من جميع الجوانب لحمايتها من أي خطر محتمل

ووووووش

حلق الأقدم الكبير فالتشر بسرعة خيالية و وصل في ثوان، وقف في السماء بينما يحتقر بنظراته باسل، تكلم بنبرة تهديد "أيها الفتى، أتستخف بي؟ لماذا لم تستعمل كامل قوتك؟"

ضاقت عيني باسل، هذا الوغد، يبدو أنه يعتقد أن باسل يوفر قوته، عبس باسل و استعمل سحر النار من تحت قدميه فكون عاصفة صغيرة حملته للسماء، فوقف أعلى من الأقدم الكبير بالسماء "حثالة مثلك لا يستحق استخدامي لقوتي الكاملة عليه"

عبس الأقدم الكبير، حملق في باسل ثم ارتفع للسماء أعلى منه "حثالة؟ إن نادى الحثالة شخصا آخر بالـ'حثالة'، فلا تحمل الكلمة المعنى الحقيقي لها"

ارتفع باسل أكثر منه، لقد ارتفعا لأكثر من 500 متر في السماء حتى الآن، تكلم باسل بينما يوجه نظره محتقرا الأقدم الكبير "أتتكلم عن نفسك يا أيها الحثالة؟"

"همم ! " ظهرت العروق على وجه الأقدم الكبير فالتشر، بدأ يشحذ طاقته السحرية ثم تكلم بينما يرتفع في السماء "على الأقل يبدو أنك جيد في الكلام، لكن ماذا عن القتال الفعلي؟ لنرى إن كان يصل لمستواك في الجدال"


"ها" صرخ الأقدم الكبير و أطلق طاقته السحرية، لقد كانت تفوق طاقة المستوى السابع بأضعاف كثيرة، حتى باسل تفاجأ من هذا الشخص الذي ارتفع حتى تساوى معه في المستوى بالسماء

باسل و أنمار هما الوحيدين غير حلفاء العدو اللذين كانا قادرين على معرفة قوة هذا العدو بالضبط، فأثناء تدريبهما، ركز المعلم على تحسين إحساسهما لأقصى الدرجات، لذا عندما احتاج لفعل هذا، كل ما كان فعله هو جعلهم يجربون مستويات مختلفة، و هذا كان عن طريق استخدامه لقوة تصل للمستوى المنشود و جعل باسل و أنمار يقاتلانه باستمرار حتى حفرت قوة كل مستوى في أذهانهما و أجسادهما و أرواحهما

هذين الاثنين ولدا بأفضل المواهب وجودا، لذا كان لهما إحساس قوي من الأول، و لم يمر وقت طويل حتى استطاعا صقل إحساسهما لأقصى الدرجات الممكنة في مستواهما الحالي

لكن باسل لا يزال يفوق حتى أنمار، فبامتلاكه لعنصر التعزيز الذي يأتي من الطاقة الخارجية، كان قادرا على تقوية إحساسه عبر الشعور بالطاقة التي تدخل لبحر روحه عبر جسمه كلما فرغت قليلا، لذا أصبحت حواسه حادة أكثر و أكثر مع مرور الوقت

ازدادت طاقة الأقدم الكبير مع مرور الوقت حتى أن باسل قد نزل بعض العرق من على وجنته، هذا الوضع غير جيد أبدا، لقد خدع العدو بأنه لم يستخدم طاقته الكاملة ريثما تأتي المساعدة، لكنه لا يعلم لمتى سيتسمر العدو في الانخداع هكذا

بلغت قوة العدو ذروتها ثم قال "على عكسك، أنا سوف أستخدم قوتي الكاملة، لنرى إن كنت ستبقى مشددا على رأيك في عدم استخدامك لقوتك الكاملة عندها"

عبس باسل و ضاقت عينيه أكثر، الآن يجب عليه الحرص على تضييع الوقت، لذا تكلم "كل ما فعلته هو رفع عنصرك الأول لأقصى الدرجات، هكذا لن يكون بإمكانك حتى منافستي"

"هممف !! " استهجن الأقدم الكبير فالتشر، إن كنت تريد الموت بهذه السرعة، فلما لا أحقق لك رغبتك بما أنها ستكون الأخيرة، اعتبرها مني كشفقة على حثالة مثلك"

حدق باسل في الأقدم الكبير و لم يتكلم، فقط ركز على الوضع الحالي، رأى ما خياراته و ما الذي يمكنه فعله

و في نفس الوقت، شحذ الأقدم الكبير فالتشر عنصره الثاني، ثم صرخ "وحشي الفتخاء"


عندها شوهدت ردة فعل على الوحشين اللذين لم يقوما بأي تحرك حتى الآن يرفعان أجنحتهما، خاف الكثير من الجنود، هل سيقوم باستخدام ذانك الوحشين المرعبين؟

حتى القادة الكبار المتبقين قد صدموا، لماذا يحاول باسل استفزاز العدو هكذا؟ لماذا يحاول جعل العدو يستخدم طاقته الكاملة؟ لم يعرف أي أحد المغزى وراء هذا الفعل، غير شخص واحد الذي بدأت الشكوك تراوده بالفعل حول أفعال باسل

هذا الشخص لم يكن شخصا آخر غير أنمار التي تفهم باسل أكثر من أي شخص، فكرت في هذه الأثناء بداخلها "لماذا يحاول كسب الوقت؟ أينتظر مساعدة من شخص ما؟ الوحيد القادر على حل هذا المشكل بشكل مؤكد هو المعلم فقط، لكن المعلم لن يظهر نفسه أبدا، فإن أنقدنا الآن سيعرضنا لخطر أكبر فقط على حسب ما قاله، أنا لا أعلم لماذا بالضبط لا يريد من أي أحد أن يكتشف أنه معلم باسل، لكن يبدو أن هذا الأمر مفروغ منه"

عندها تذكرت أنمار أمر باسل و امتلاكه لعنصرين و بنيته الغريبة خلاف الأشخاص العاديين، لذا بالطبع ربطت هذا مع ذاك

في هذه الأثناء حدق باسل بالأقدم الكبير ثم تكلم "إذا عنصرك الثاني هو الاستدعاء، وحشي الفتخاء من القسم الأولي من المستوى الثامن، و أنت من المستوى التاسع، و بالضبط في القسم المتوسط"

"هوه ! إنك تعرف أمورك جيدا" قالها الأقدم الكبير مع حملها لنبرة سخرية من باسل

هذا بالتأكيد شيء مذهل معرفته لمستوى وحشي الفتخاء بالضبط، فبالنسبة لمستوى الأقدم الكبير، كان عاديا بالنسبة لشخص دخل للقسم الثاني من مستويات الربط أن يعلم مستواه عندما يشحذ الأقدم الكبير طاقته، لكن معرفة حتى مستوى الوحشين اللذين لم يقوما بشحذ طاقتهما بعد كان مذهلا

لكن ما لا يعلمه الأقدم الكبير هو أن باسل حتى من دون أن يكون قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، فقد كان قادرا على الجزم و المعرفة بإحساسه الخارق

ووووووش-رفرفة


تحرك جناحي وحشي الفتخاء فجلبوا معهما العواصف، و أثناء محاولتهما الطيران، أطلقا صراخا جعل كل من يتواجد في الساحة يصبح أصما للحظات

*إيييييييييييييييك"

صوت رقيق لكن مرتفع جدا، و مع ارتفاع هالتهما ضغطا على كل الموجودين أثناء محاولتهما الطيران، بمجرد ما أن ارتفعا في السماء حتى صنعا طريقا غير مرئي في كل ضربة من أقدامهم، كانا يرفرفان للارتفاع، و الضرب بقدميهما لصنع الطريق، و بهذا شقا طريقهما نحو السماء

كانا مظهرهما راقيا كثيرا، ذلك المنظر الخلاب الذي يخلفانه وراءهما في كل رفرفة و ضرب بأقدامهما على الطريق الغير مرئي كان جميلا بشكل لا يوصف، في الحقيقة، فقط عند ضربهما بقدميهما يتكون الطريق الغير المرئي، أما قبل ذلك فلا يكون موجودا

كانت العربة مملوءة بالنقوش الغريبة، هذه النقوش كانت تشبه صقورا تركب أسودا، مما أعطى شكلا خلابا لرمز حكم الأرض و السماء معا، و كانت العربة موصولة بالوحشين برباط منقوش بنقوش أثرية

لذا حلقت العربة بعد أن توهجت النقوش التي عليها، بعد أن مرت الطاقة من خلال الرباط و وصلت لنقطة الالتقاء بالنقوش على العربة، هذه الأخيرة تشكل من تحتها طريق كالذي صنعه وحشي الفتخاء و حلقت تبعا لإرادتهما

بعث شكل هذين الوحشين على اتحاد حاكمي السماء و الأرض الطبيعيين، رفرفا و استخدما عنصر الرياح لزيادة سرعتهما

ووووووش

انطلقا بسرعة كبيرة و وقفا وراء الأقدم الكبير، هذا الأخير استهجن و قال "أيها الحثالة، سأجعلك تعرف مقامك، و هذا سيكون عن طريق موتك"


عندها فكر باسل في قوتي الوحشين، لقد كان لديهما سحر الرياح كالعنصر الأول الخاص بالأقدم الكبير، لذا كان هذا إضافة كبيرة، فهما سيعززون قوى بعضهم البعض و ينتجون هجمات ذات مدى أوسع و قوة أكبر، بكثير

عندما يكون لأي شخص عنصر الاستدعاء، فهذا الأخير يكون باستطاعته استعداء نوع واحد من الوحوش السحرية بعد أن يقوم بعقد الاستدعاء معها، فمثلا قد يكون بإمكانه استدعاء الوحوش السحرية التي تستخدم النار، أو التي تستخدم سحر التعزيز، لكن المهم هو أن سحر الاستدعاء الخاص به يكون قادرا على استدعاء وحوشا سحرية بعنصر واحد محدد

و الوحوش السحرية عندما تخترق المستوى السابع و تدخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لا تمتلك عنصرا ثانيا، لكن في المقابل تمتلك قدرة (ميزة) إضافية تستخدم عن طريق الطاقة الخالصة

باسل لاحظ قدرة وحشي الفتخاء على صنع طريق لهما في السماء، لكن لا يجب أن تكون هذه هي كل قوتهما فقط، لابد من أن هناك امتداد لهذه القدرة

أجاب باسل بالنظر إليه نظرة احتقار "همف، لا زلت لم تصل للمستوى المطلوب يا أيها الحثالة"

و لا زال باسل يحاول كسب الوقت، لكن يبدو أن هذا هو أقصى ما يستطيع كسبه عن طريق الكلام، و الآن حان وقت القبضات لتدخل الحدث

قفز الأقدم الكبير فالتشر للخلف ففتحت العربة من الفوق و دخل إليها

وقف و بإشارة من يديه، رفرف وحشي الفتخاء و صرخا ثم استخدما سحر الرياح مرة واحدة

فووو فووو

تكون إعصارين بجانبي باسل، ضغطهما لم يتيحا له أي فرصة للهرب، و قوة دورانهما جعلت بعض الجنود يطيرون، مع أنهم مرتفعون في السماء إلى أن قوة هذين الإعصارين قد جعلتهم يركزون على أقدامهم ليستطيعوا الوقوف، و منهم من لم يستطع و قذف لعشرات الأمتار، و آخرين قد جذبوا للإعصار، و قبل أن يفعل باسل أي شيء حتى تناثرت قطع أجسادهم في كل اتجاه و مكان

هؤلاء الجنود كانوا من المستوى الأول فقط، و بعد أن استيقظوا من غيبوبتهم التي سببها ضغط الأقدم الكبير سابقا، واجهوا مصيرا بائسا كهذا، و بسببهم عرف الجميع هنا قوة ذانك الإعصارين

غايرو و كاي اللذان يعرفان بأخوا القطع خجلا من اسمهما، أي قطع كانا يقومان به؟ إن كانا يسميا بثمل هذا الاسم، فما الذي يجب أن يسمى به الشخص أو الوحش القادر على القيام بمثل هذا الهجوم الشنيع ! ؟

عبس باسل في الحال، تشتَّتَت أجساد حلفائه لقطع من دون أن يكون قادرا على فعل أي شيء، لكن وقت الأسف ليس الآن، فالإعصارين ليسا فقط يستمران في التقدم نحوه، لكنهما يزدادان قوة مع الوقت


فكر باسل لقليل من الوقت، إن نزل للأرض الآن سينجو، لكنه سيعرض الكثير للخطر معه، مع أن اعتماده على سحر النار في الطيران يكلفه طاقته السحرية المهمة، لكنه يتجنب فقدانها كثيرا بسبب استخدامه للقليل من عنصر النار و تعزيزه بعنصر التعزيز الغير محدود مؤقتا

لذا خياره الوحيد هو الطيران للأعلى، زاد باسل من سرعة عاصفة النار الصغيرة فحلق للأعلى

الأقدم الكبير الذي لاحظ هذا الأمر، ابتسم و سخر "همف، لقد جنيت على نفسك فقط بظنك أنك قمت بالخيار الصحيح"

أخطر شيء في سحر الاستدعاء، ليس أنه يمكنه استدعاء كمية من الوحوش لتساعده، و إنما قدرته على التحكم في سحرهم حتى، و كما لو أنه سحره الخاص

فقط بنيَّته، و حركة واحدة منه تشكلت في التقاء راحتي يديه مطلقتان صوت تصفيق، حتى كان الأقدم الكبير قادرا على التحكم في الإعصارين و جعلهما يندمجان و يشكلان معا إعصارا يبدو أصغر في الشكل و أنحف، لكن قوة دورانه كانت لا تصدق، حتى أنه بدأ يتكهرب

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "حسنا، و الآن، لما لا نضيف بعض النكهات، هااا"

صرخ بتلك الكلمة الأخيرة فتكون حول الإعصار حاجز غير مرئي، هذا الحاجز كان يشبه الطريق الذي صنعاه وحشي الفتخاء سابقا

عبس باسل و تكلم بداخله "اللعين، لقد تدرب حتى على التحكم في قدرة وحشيه جيدا"

عرف باسل أنه إن أصيب بهذا الهجوم فسوف يتلقى أضرارا لا تحمد عقباها، لكن حتى و لو عرف هذا، فلا يعني أنه قادر على فعل شيء أمامه، حتى باسل في هذه المرحلة قد انتهت خياراته


"اخترق و اقتل" صرخ الأقدم الكبير فانطلق الإعصار بسرعة جنونية، باسل الذي في السماء لم يكن باستطاعته مراوغة مثل هذا الهجوم السريع

زززززززك

تلاقى الإعصار بسيفي باسل الذي أخرجهما في آخر لحظة عندما وجد نفسه محاصرا، لكن حتى هذين السيفي الأثريين من الدرجة الثالثة بدأ يظهر عليهما عدم القدرة على التحمل. مع استمرار صوت الاحتكاك، استمر الإعصار في محاولة اختراق باسل الذي حلق لمئات الأمتار حتى الآن و لا زال يُدفع من قبل الإعصار

صرخ باسل بجنون و رفع عنصر التعزيز لحده الأقصى، عنصر التعزيز الذي كان في المستوى السابع، أصبحت طاقته تفوق ذلك المستوى بكثير

لكن مع أنه رفع عنصر التعزيز لأقصى حد، فلا زال غير كاف، دمج عنصر النار، توهج السيفين الأثريين و انفجرت النيران مرة واحدة منهما، لقد كان باسل يدافع بهما على شكل X ارتفع كذلك عنصر النار لأقصى درجة، و بتعزيزه بعنصر التعزيز الذي كان طاقته كبيرة و غير محدودة، أصبح السيفين الأثريين نفسهما النار، وصل تحكم باسل في سيفيه الأثريين لدرجة مخيفة، هدأت النيران و بدت كما لو أنها اندمجت مع السيفين و ليست تخرج منهما

و مع هدوء النيران حتى أصبح السيفين الأثريين عبارة عن لهبين (من لهب) أصفرين مائلين للأحمر في شكل سيفين و التف حولهما خيط طاقة رفيع باللون الأزرق الفاتح

صرخ باسل و استخدم كل طاقته الجسدية مع إبقاءه تركيزه على سيفيه، ثم لوح حتى وصلت يداه خلف ظهره

بششششش

تبدد الإعصار، في هذه اللحظة، كل شخص قد صدم، حلفاء كانوا أم أعداء، لكن الشخص الذي تلقى الصدمة الأكبر كان الأقدم الكبير فالتشر، لم يعلم أي أحد غيره عن مدى قوة الهجوم الذي نفذه


لقد كان ذلك في الأول هجوما من وحشي الفتخاء، لكنه بتحكمه في سحرهما و قدرتهما، كان قادرا على تعزيزه بسحره ذو المستوى التاسع، لقد كانت هجمة لا يمكن حتى لساحر من المستوى التاسع أن يصدها

لكن فتى مثل هذا كان قادرا على صده، ببساطة كان هذا غير معقول، و ما الذي يحدث بالضبط؟ ما تلك القدرة الجنونية على التحكم في السلاح الأثري؟ يقال أن الكمال في التحكم بالسلاح أو الدرع الأثري، تكون في دمج العنصر معهما، لكن هذا الفتى لم يقم فقط بدمج عنصر واحد مع سلاح أثري واحد، و إنما عنصرين مع سلاحين أثريين

دمج العنصرين معا وحده عمل صعب، و دمج عنصر واحد مع سلاح أثري أصعب، و دمج عنصرين مع سلاح أثري أكثر صعوبة، أما دمج عنصرين بسلاحين أثريين، فلا يمكن القول عنه سوى أنه شيء في متناهى الاستعصاء

دهش الأقدم الكبير فالتشر من هذا الأمر كثيرا، لكن الغريب في الأمر هو تفاجؤ باسل أيضا، فهو في مثل هذا الموقف الصعب و الشاق، كان قادرا على تطوير مهارته لهذا الحد، عندها لسبب ما تذكر كلام معلمه أثناء تدريبه بوادي الظلام العميق

(لديك ذكاء يجعلك عبقريا في المعارك)

(إنك حقا عبقري في المعارك)

لقد قال له معلمه هذا الكلام أكثر من مرة، لكن كونه عبقري في المعارك لا يقتصر فقط على استراتيجياته و خططه و كيفية تعامله و استجابته أثناء المعركة، بل أيضا التطور، سواء من ناحية العقل أو من ناحية القوة، و هذا كان سببا في جعله ينمي تحكمه في سيفيه الأثريين لهذه الدرجة من الكمال

تمكنه من التطور أثناء المعارك، فكر باسل في أن مثل هذه الموهبة التي يملكها، قد تكون أفضل شيء يملكه حتى لو كان يمتاز عن الآخرين بعنصر إضافي

بعد قليل من الوقت، استعاد الأقدم الكبير رشده، لقد اندهش كثيرا، لكنه فجأة صنع وجها يعبر عن اكتشافه لأمر ما أو ظهور فكرة ما في عقله


عبس و حملق في باسل ثم تكلم "أيها الفتى، ليس أنك لا تستخدم طاقتك الكاملة، لكن تلك هي حدودك، بمشاهدتك تستخدم أسلحة من الدرجة الثالثة فقط، قد أكدت شكوكي، لا أعرف بالضبط ما السبب في انخفاض طاقتك و هالتك و ضغطك و ضعف حضورك بالنسبة لشخص دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لكن بما أنك ضعيف لهذه الدرجة، فلست بحاجة للتراجع"

كان الأقدم الكبير فالتشر في الحقيقة يقمع نفسه و يحاول الإبقاء على طاقته السحرية قدر المستطاع، فمعركة بين ساحرين ترتكز غالبا على الطاقة السحرية، من يمتلك القدر الأكبر، غالبا ما يكون الفائز، لكنه الآن قد اكتشف أن طاقة باسل قليلة، لذا لن يتراجع بعد الآن و سوف يستخدم الطاقة الغاشمة لإبادة عدوه

ضاقت عيني باسل، لقد اكتشف ذلك الوغد هذا الأمر، لو أن العدو لم يكتشف، كانت المعركة لتطول أكثر، لأن الأقدم الكبير سوف يدخر طاقته و يستعمل القليل فقط، و في المقابل سوف يستخدم باسل طاقته الكاملة، و بهذا ستكون المعركة متساوية لبعض من الوقت

لكن العدو كانت حواسه حادة و اكتشف هذا الأمر بسرعة، لكن هناك شيء واحد لا زال لا يفارق ذهنه أبدا، ذلك الفتى عندما ظهر أمامه لم يظهر عليه أي علامات من الإرهاق، إذا لما طاقته منخفضة لهذه الدرجة؟

لم يفهم الأقدم الكبير مهما حاول، فهو لن يتخيل أبدا أن هناك شخص بعنصرين بالقسم الأول من مستويات الربط، هذا الأمر غير موضوع في قائمة الاحتمالات حتى

حدق باسل في سيفيه الأثريين، و ركز على عنصر النار، هذا الأخير لم يتبقى منه الكثير، و في الجهة الأخرى، لا يمكنه استخدام عنصر التعزيز لمدة أطول، ففي كل مرة تتوغل الطاقة الخارجية لجسده، يتسبب له هذا في إرهاق روحه و جسده أكثر

"المستوى السادس من عنصر النار غير كاف، هاه ! "

تكلم باسل و عبس، عنصر النار الخاص به في المستوى السادس فقط على عكس عنصر التعزيز، فهذا الأخير لم يزدد عن طريق تنميته بالتدريب الشاق كعنصر النار، عنصر التعزيز كان ينمو عبر إكسير التقوية، هذا السبب الأصغر، أما السبب الأكبر، فهو ضعف الختم الموضوع عليه مع مرور الوقت


للدقة، ليس مع مرور الوقت، و لكن مع تقدم باسل في المستويات، كل ما ارتفع باسل بمستوى، أو حتى بقسم، فالختم الموضوع عليه لمنع انجذاب الطاقة الخارجية إليه يضعف، مما يتسبب في ازدياد الكمية التي تتوغل لجسده

وُضِع هذا الختم عليه بهذه الطريقة لأنه لا يمكنه تحمل موجة الطاقة الخارجية الضخمة و الغير محدودة للأبد، فبالختم، كانت تتوغل لجسده القليل من الطاقة الخارجية، و كلما فرغت، امتلأت مرة أخرى

كان الأمر كما لو أن الختم يمنح للطاقة الخارجية مكانا لتسكن به فقط، و بهذا نجى باسل، لكن، في كل مرة ترتفع فيها قوة باسل، في كل مرة تزداد طاقة عنصر النار الخاص به، كلما كبر سكن الطاقة الخارجية

و الآن، عنصر النار الخاص به في القسم النهائي من المستوى السادس، و بهذا كان سكن الطاقة الخارجية واسع لتحمل طاقة تفوق المستوى السابع، مما يعني أن الختم قد ضعف كثيرا بالفعل، و يبدو أن عنصر النار الخاص به كلما اقترب من المستوى السابع كلما ضعف الختم بشكل أكبر، حتى أنه بدأ يرى اقتراب انكسار الختم كليا

لكن عندما يحدث مثل هذا الأمر، فسوف يتعرض باسل لموجة من الطاقة الخارجية غير محدودة، و لوقت غير محدود من الوقت، و في ذلك الوقت، إن لم يكن قادرا أو مكتسبا القدرة على التحكم في الطاقة الخارجية، فسوف يهلك عبر انكسار بحر الروح

"هاا" صرخ الأقدم الكبير ثم توجه نحو باسل بالعربة بأقصى سرعة يملك، سرعة العربة على الطريق الغير المرئي مدعمة بسحر الرياح، كانت لا تصدق، و كان بإمكانها قطع الأميال في ثواني

صرخ وحشي الفتخاء ثم رفع الأقدم الكبير يده للأعلى و رفرف الوحشين تباعا له، ثم أنزل يده مع صراخه "ألف رمح"

في الحال تكون فوق باسل آلاف الرماح الضخمة التي وصل طولها للمترين، و كلها كانت عبارة عن رياح تتكهرب من شدة احتكاكها بنفسها، رمح واحد منها كاف ليجعل ساحر من المستوى السادس يرتعد

عبس باسل، لكنه لم يتراجع، و عوض ذلك استخدم عنصر التعزيز بجنون، السيفان اللذان على شكل لهبين و يحيط بهما خيط طاقة رفيع، اهتزا و لمعا، و الخيط الرفيع الأزرق الفاتح أصبح أكثر وضوحا من قبل

أنزل الأقدم الكبير يده نحو الأسفل، فتوجهت الرماح كلها في نفس الوقت نحو باسل، كل من شاهد هذا المنظر بقي منتظرا موت باسل فقط، لكن ذلك الأخير حرك سيفيه المتوهجين و شرع في الهجوم هو الآخر كدفاع

ززن ززن ززن

تحركت يدي باسل بسرعة خارقة، طاقة عنصر التعزيز فاقت المستوى السابع بالفعل و وصل لمرحلة لا تصدق، أصبح باسل يتحرك حتى بدأ يظهر كما لو أن له العديد من الأذرع، آلاف الرماح توجهت إليه مرة واحدة، لكنه قام بصد رمحا تلو الآخر بسرعة غير معقولة

و مع ذلك، مع مرور الوقت كانت تظهر عليه علامات التعب، لكنه مع ذلك لا زال يستخدم عنصر التعزيز و يزيد من قدرة تحمله، لكن في المقابل كان بحر روحه يُرهق أكثر و أكثر


آلاف التلويحات من أجل إيقاف آلاف الرماح القادرة على قتل سحرة من المستوى السادس، هذا الأمر لا يمكن لشخص حتى من المستوى الثامن فعله، فبعد المئات و الألف و الألفين سيتعب و سيتعرض للإصابة للعديد من الرماح، لكن هذا في حالة عدم قيام هذا الساحر من المستوى الثامن بهجمة مضادة

مثل هذا الأمر كان ناجحا بالنسبة لباسل فقط لسببين، كونه يمتلك سحر التعزيز الغير محدود مؤقتا، و امتلاكه لسيفيه الأثريين، هذا السبب الأخير لا يمكنه التأثير بشكل كبير في مثل هذه الحالات، لكن في حالة كان الشخص يمكنه التحكم في السلاح الأثري لدرجة الكمال، فحتى هذا السلاح الأثري من الدرجة الثالثة سيكون كسلاح أثري من الدرجة الخامسة

انقسمت الأسلحة الأثرية لسبع درجات

- الدرجة الأولى، و التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الرابع و الخامس

- الدرجة الثانية، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى السادس

- الدرجة الثالثة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى السابع

- الدرجة الرابع، هنا لا يمكن لشخص استخدام مثل هذا السلاح الأثري أبدا ما لم يكن قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، و يستطيع استخدامه سحرة المستوى الثامن و التاسع

- الدرجة الخامسة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى العاشر

- الدرجة السادسة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الحادي عشر و الثاني عشر

- الدرجة السابعة و الأخيرة، و التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الثالث عشر و الرابع عشر

سمع ذات مرة باسل من معلمه، أن الشخص لو وصل للكمال في التحكم بسلاح أثري من الدرجة السابعة سيكون قادرا على مواجهة سلاح خاص بـ'سيد روحي' لبعض الوقت، أي يمكنه أن يجابه سلاحا من نطاق 'الأرض الواسعة' لبعض الوقت

لكن 'السيد الروحي' الذي يعتبر خبيرا من نطاق 'الأرض الواسعة'، سيكون هو الرابح في نهاية المطاف، فساحر من مستويات الربط لا يمكن مقارنته بساحر روحي

تزداد درجة تحكم الساحر في سلاحه الأثري كلما ارتفع في المستوى، فمثلا بالنسبة لسلاح من الدرجة الرابعة، سيكون لِساحر من المستوى الخامس الأفضلية في التحكم فيه من ساحر من المستوى الرابع

مع أنهما باستطاعتهما استخدام نفس الدرجة، إلى أن الشخص الذي يكون بمستوى أكبر تكون له الأفضلية في درجة التحكم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن من بالمستويات العليا يكونون دائما أفضل في التحكم، ارتفاعهم في المستوى فقط يزيد من قدرتهم على التحكم


فمثلا، هناك ساحر من المستوى الخامس، لكنه أضعف في التحكم من ساحر بالمستوى الرابع، مع أن ارتفاعه بالمستوى يمنحه أفضلية، لكن إن كان أقل موهبة من ساحر المستوى الرابع في التحكم أصلا، فحتى أفضليته (مستواه أعلى) لن تكون كافية ليتغلب على ساحر المستوى الرابع في التحكم

و من يصل للكمال بالتحكم في السلاح الأثري، يكون بإمكانه مواجهة أسلحة من درجة أكبر، كحال باسل الآن، سلاحه من الدرجة الثالثة، لكنه مع ذلك يمكنه مجابهة سلاح أثري من الدرجة الخامسة، بشرط ألاّ يكون تحكم صاحب السلاح الأثري من الدرجة الخامسة قد وصل للكمال أو اقترب منه

باسل الآن يستخدم سلاحا أثريا من الدرجة الثالثة، هذا الأمر مستحيل بالنسبة له في الأحوال الطبيعية كساحر من المستوى السادس، لكن بامتلاكه عنصر التعزيز الذي فاق حتى المستوى السابع، كان بإمكانه استخدام عنصر التعزيز أولا على السيفين الأثريين و من تعزيز عنصر النار دائما ليكون قابلا لاستخدام سلاح أثري من الدرجة الثالثة

لكن معنى أنه يقوم بتعزيز عنصر النار، ليس أنه يجعله يرتفع في المستوى، فهو يعزز عنصر النار بعد أن يستخدمه، فلا يمكن لعنصر أن يتداخل مع الآخر بداخل بحر الروح أبدا، فإن حدث هذا، عندها سيكون هناك عدم استقرار قد يؤدي لانكسار بحر الروح

تعجب بالفعل الأقدم الكبير مما فعله باسل، لكنه استل سيفه السحري و صرخ بينما يلوح به "قطع الهواء"

و بتلويحه بدا كما لو أنه يقطع الهواء حقا، لكن ما حدث بالضبط كان تجمع الرياح حول سيفه و انطلاقها على شكل موجة حادة ضخمة للغاية

حتى باسل عندما شاهد هذا الهجوم قد فوجئ قليلا، لكن مع ذلك، هو لديه سلاحين أثريين على عكس العدو، و سيفيه في هذه الأثناء يفوقان قوة سيف عدوه

تقدم باسل و قطع

زبام

قطع الموجة الضخمة و توجه نحو الأقدم الكبير الذي تحكم في وحشيه و اللذين بدورهما تبعا إرادته و ضربوا بأقدامهم في السماء فكونوا الطريق الغير مرئي، و بعدها قاموا بالضرب مرة تلو الأخرى، فصنعوا عدة طرق


تبعا لإرادتهم، تحركت الطرق و تشكلت ثم كونت رمحا غير مرئي، وصل طول الرمح للعشرة أمتار، كانت مقدمته أسطوانية، كان الطريق الغير مرئي كما لو أنه حاجز يتشكل طبقا لإرادة مستخدمه

وقف الرمح الغير مرئي في السماء من دون تحرك، ثم عندها ابتسم الأقدم الكبير و صرخ "إنها لحظات موتك أيها اللعين، ذق عذاب أقوى هجوم أملكه، حتى لو جلبت ساحر من المستوى العاشر فسوف يصبح نصف ميت بتلقيه مثل هذا الهجوم"

كان الأقدم الكبير واثقا جدا، وضع سيفه السحري في مكعب التخزين و أخرج سيفا أثريا، هذا السيف الأثري كان شكله متعرجا و نقوشه كانت أكثير توهجا عندما شحذ الأقدم الكبير فالتشر طاقته به، أخذ وضعية أفقية لسيفه الأثري و شحذ طاقته لآخرها، و كذلك فعل وحشي الفتخاء، و في نفس الوقت، قام بتوجيه سيفه للأمام نحو مؤخرة الرمح الغير مرئي بقوة خارقة مع تكوين الوحشين لرياح توجهت نحو مؤخرة الرمح الغير مرئي كذلك

فانفجرت الرياح خلف الرمح الغير مرئي و انطلق بسرعة هائلة كما لو أنه عبارة عن رمح برقي

باسل الذي شاهد اندفاع تلك الطاقة الغير معقولة نحوه لم يعرف كيف يتعامل بعد الآن، قد يكون الرمح غير مرئي، لكن لا زال بإمكان الساحر الشعور به، فهو مكون من الطاقة السحرية الخاصة

في لحظة قطع مئات الأمتار و وصل لباسل الذي دافع بكل ما يملك من قوة، استخدم سيفيه الأثريين من الدرجة الثالثة بتحكم في مرحلة الكمال، و مع ذلك لا زال الأمر بلا فائدة، استخدم سحر التعزيز بجنون و مع ذلك كان هذا بلا فائدة، نفذت خياراته حقا هذه المرة

قاوم السيفين تحت تحكم باسل بجنون و دفعا مع مالكهما لمئات، لا، آلاف الأمتار، حلق باسل في السماء بغير إرادته بينما يعاني، عضلاته تقترب من الانفجار و بدأ يسمع بعض الأصوات من تحطم عظامه

بااااااام

تناثرت الدماء في السماء، كان باسل قادرا على صد الرمح، لكنه لم يكن قادرا على منعه من تسببه له في جراح بالغة، عظام ذراعيه تحطمت، و قبل أن تتحطم العظام انفجرت العضلات، فخرج الدم كالشلال من دون توقف

تحطمت أكثر من ست ضلوع، و تمزق لحمه، هذه الهجمة كانت مروعة للغاية، كلام الأقدم الكبير لم يكن من فراغ، فهذه الهجمة الآن جعلت باسل في الموقف الأضعف نهائيا من دون شك، استخدم الأقدم الكبير بالفعل الكثير من طاقته، التحكم بعنصر الاستدعاء في الوحوش التي استدعاها لكل هذا الوقت لوحده مرهق، لكن التحكم في سحرهم و قدرتهم، هو أمر شاق كثيرا


حتى هو لهث كثيرا بعد هذا الهجوم، فقط عنصر الرياح الخاص به الذي لا زال مرتفعا قليلا، لكن الإجهاد من انخفاض عنصره السحري بسبب استخدامه الجنوني له كان كبيرا

شحب الجميع من المشهد أمامهم عندما تناثرت الدماء الخاصة بباسل في كل مكان، بالكاد يحافظ على وعيه، كل تلك الآلام و لا زال واعيا لأمر مذهل بالفعل، لكنه لم يعد باستطاعته الإبقاء على عاصفة النار الصغيرة لتحمله بالسماء

فعندما كان يدفع للوراء لآلاف الأمتار كان تركيزه بالكامل على صد الرمح، لذا كان يحتاج لأي قطرة يملكها من السحر، جمع كل ما يملك من طاقة و استخدمها لمقاومة تلك الهجمة الخارقة

فتح الكل أفواههم من الصدمة، ما هذه اللعنة التي نزلت عليهم؟ ما كان ذلك الهجوم قبل قليل؟ أذلك ممكن القيام به من طرف البشر؟

الأقدم الكبير فالتشر كان من بين المصدومين أيضا، إن كانت هذه الهجمة ستجعل من ساحر بالمستوى العاشر نصف ميت، فمن المؤكد أنها ستقتل هذا الفتى، لكن هذا الأخير مع ذلك خرج من هذه الهجمة نصف ميت فقط

في هذه الأثناء سقط جسم باسل من السماء، كان وعيه مشتتا، بالكاد يستطيع فتح عينيه، لكنه لو نزل من هذا الارتفاع، فلا شك أنه سيتلقى أضرارا بالغة أخرى

وووووووووووش

مر ضوء أزرق من بين الجميع بسرعة كبيرة جدا، كازيمارو الذي كان يتمتع بقتال الأقدم الكبير لاحظ هذا الشخص، أراد أن يفعل شيئا ما لكن أحجارا مدببة من جميع الجهات وصل عددها للعشرات استهدفته

شاهين حدق في الجهة التي أتت منها الأحجار فلاحظ عندها شخصا ما بدرع ذهبي بندبة على طول جبهته، تغيرت الابتسامة على وجهه لتصبح عبارة عن تعبير قلق، تكلم بعبوس "إمبراطور إمبراطورية الرياح العاتية 'غلاديوس'، لقد وصل ! "

أنمار كانت متوجهة للمنطقة التي سيسقط فيها باسل، كانت نظراتها مرتعبة للغاية، لم يكن بإمكانها سوى الشعور بالقلق على أن يموت باسل، لكنها في الحال نفت هذه الأفكار و وضعت تعبيرا حازما على وجهها، مع يديها المتحطمتين استمرت في الجري، و مع ذلك لاحظت أنها لن تصل في الوقت المناسب


ووووووووش

مر من جانبها ضوء أزرق مكهرب، وقفت متفاجئة في مكانها ثم تمتمت "الجنرال رعد ! ؟"

كانت هوية الضوء الأزرق المكهرب الجنرال رعد، كان شكله هذه المرة راقيا كثيرا، كان سحر البرق يحيط بجسده و يتكهرب، مما عزز قدراته الجسمانية و جعله ينطلق كالبرق

بسرعة كبيرة جدا وصل في الوقت المناسب و أمسك بباسل

حدق في باسل و تكلم "لسوء الحظ، يبدو أن حدسك هذا كان صائبا بعد كل شيء أيها الفتى القرمزي"

تكلم باسل بعدما حدق في صاحب ذلك الصوت "همف، لقد تأخرت أيها الرجل الأشقر"

"مع أنني أتيت بكل ما أملك من سرعة؟" قالها الجنرال رعد و تنهد

أجاب باسل "إن كانت هذه سرعتك القصوى، فأنصحك بالتدرب أكثر على تحسينها"

حملق الجنرال رعد في باسل ثم غير الموضوع بقوله "إذا ما نحن بفاعلين؟"

قبل وصول باسل لساحة المعركة، في طريقه قام باستخدام خاتم التخاطر و تكلم مع الجنرال رعد مخبرا إياه كي يأتي

ظهر تعبير غريب على باسل بينما يتكلم عبر خاتم التخاطر (الإمبراطوران قد وصلا ! ؟)

تعجب باسل، لقد وصله هذا الخبر قبل حوالي شهرين، سمع من الكبير أكاغي بقدومهما، لذا حاول إنهاء هذا الأمر قبل وصولهما، لكن مثل هذا العائق لم يكن متوقعا، و الاستقبال الذي كان ينوي إعداده للإمبراطورين بصفتهم في إمبراطورية الشعلة القرمزية قد ألغي

لكنه عندها ابتسم، و تكلم مع الجنرال رعد (أيها الرجل الأشقر، اجلبهما معك، قلت أنهما قد جلبا معهما بعض المحاربين الأشداء، سيكونون ذوي عون، فلتأتي بسرعة)

بالعودة للحاضر

بعد سؤال الجنرال رعد، حدق باسل الأقدم الكبير ثم عبس، فوجه الجنرال رعد نظره للاتجاه الذي وجهه إليه باسل

في هذه الأثناء

بووم

انفجار من الرياح جعل عشرات الكرات الحجرية تحلق في كل مكان، هرب الجنود منهم بكل ما يستطيعون، الكرة الحجرية الواحدة كانت كبيرة كفاية لتسحق خمسة جنود مرة واحدة

لقد كانت هذه الكرات الحجرية هي الهجمة التي استخدمها الإمبراطور غلاديوس سابقا ضد كازيمارو، هذا الأخير كان ينوي اللحاق بالجنرال رعد، لكنه في هذا الموقف السيء أسرع بالدفاع عن نفسه بكل ما يملك منتجا إعصارا جعل كل الكرات التي توجهت نحوه تحلق في كل مكان

ظهر كازيمارو من بين الغبار و صرخ "أيها الوغد، ستموت"


تكلم شاهين "احذر، ذلك الوغد، لقد وصل للقسم النهائي من المستوى السابع"

حملق كازيمارو به و قال "ها؟ هل تظن أنني لم ألاحظ؟ لقد لاحظت و مع ذلك سأسحقه"

اندفع كازيمارو بسرعة كبيرة متجها نحو الإمبراطور غلاديوس، لكن هذا الأخير لم يتحرك، و بدل ذلك ظهر من خلفه ظلين

وووووش زززززن

تلاقى سيفان بسيف، فنتجت موجة كبيرة جعلت الكثير من الجنود الضعفاء يطيرون بعيدا، حدق كازيمارو في مالكيْ السيفين اللذين قاما بإيقاف سيفه، فوجد شخصين بدرع فضي

"جنرالان؟" تفاجأ كازيمارو

تفاجأ الجميع كذلك، في جهة باسل، هذا الأخير تحدث "إذا المحاربين الأقوياء قد عنيت بهم الجنرالات، هذا جيد، و الآن اسمع قبل أن يتحرك ذلك الوغد"

استمع الجنرال رعد لم قاله باسل ثم أطلق صوتا غريبا "هاا؟ حسنا إنهم يملكون معهم ساحر علاج، لكن هذا..."

"إذن أسرع" قالها باسل مع نظرة جدية

أغمض الجنرال رعد عينيه ثم فعل تنهد، قال "لا تلومني إن لم يسر الأمر على خير"

انطلق الجنرال رعد بكل سرعته في اتجاه واحد بعد أن بدى كما لو أنه قد قرر وجهته

و في لحظة وصل لوجهته، وقف الجنرال رعد أمام شي يو و تكلم "هل انتهيتِ؟"

أجابت شي يو "لقد أنقذت حياتهم على الأقل"

تكلم باسل "حسنا هذا يكفي، فلتتبعيني"

تركت شي يو القادة الثلاث الذين كانت تعالجهم في رعاية تورتش و البقية كما فعلت مع الفتاتين الصغيرتين و لحقت بالجنرال رعد


كان الأقدم الكبير يقف في السماء بينما يلهث، و عندما رتب دورته التنفسية حدق في الساحة محللا الوضع، شاهد باسل المنقول من طرف الجنرال رعد فعبس و بدأ يشحذ طاقته السحرية

ووش ووش ووش

انطلقت عشرات الشفرات المكونة من الرياح مستهدفة الجنرال رعد، فظهر الكبير أكاغي و الجنرال منصف، و أيضا شفرة الجليد كين نبيل، يين يينغ، مارون زونغ، و كورو هيسي، هؤلاء الأربعة كانوا يأخذون استراحة، لكنهم قد أتوا مع الجنرال رعد الذي التقى بهم في طريقه إلى هنا. استخدموا أنفسهم كدرع من أجل حماية الجنرال رعد الذي يحمل باسل، عبس الأقدم الكبير و أراد أن يتبع الجنرال رعد، لكنه فوجئ بنفسه يقف في وسط بركان بينما نصف جسده قد غرق بالفعل، فزع للحظات ثم عرف أنه وهم، لذا ركز و هرب منه، و بمجرد ما أن فعل حتى هوجم بهجمات مختلفة من جميع الاتجاهات

ظهرت أنمار بجانب الجنرال رعد و حدقت في باسل قليلا بنظرة متألمة ثم تكلمت "باسل، ما الذي تنوي فعله؟"

حدق باسل مرة أخرى في إصابتها و عبس، ضاقت عينيه، لقد أقسم على قتل ذلك الوغد، لكنه لم يملك القوى الكافية لذلك، نظر لحالة ذراعيه ثم قال "لا شيء، سآخذ مغامرة خطيرة قليلا فقط" ابتسم ثم ترك أنمار تفكر بالأمر

بعد الجري لمدة، وصل الجنرال رعد لوجهته فتوقف أخيرا، تكلم مع الشخص الذي أمامه "أيها الإمبراطور شيرو، أين ساحر العلاج الخاص بكم؟"

حملق الإمبراطور شيرو بالجنرال رعد، ثم في الشخص الذي يحمله، فإذا به يجد فتى لم يصل للخامسة عشر بعد و في مثل هذه الحالة المزرية، ما الذي يمكن أن يحدث حتى يكون فتى في مثل عمره بهذه الإصابات المروعة

تكلم الجنرال رعد "أسرع من فضلك"

استيقظ الإمبراطور شيرو من أحلامه ثم قال "آه، إنه أفضل ساحر علاج في إمبراطوريتي، إنه ساحر بالمستوى السادس بالقسم الأخير، هيل، أسرع إلى هنا"

ابتسم باسل و قال "إذا هذا جيد"

أتى هذا الشخص هيل، فجعل أنمار و باسل متجمدين في الصدمة، ساحر علاج في المستوى السادس، و يتصرف بتوتر فائق

"أ-أنا هنا يا سيدي" تكلم هيل مخاطبا الإمبراطور شيرو

لم يقدر باسل و أنمار أن يتحكما في أنفسهما حتى خرجت الضحكة بالرغم عنهما، نظرا لـشي يو ثم لـهيل، هذا الأخير يبدو كما لو أنه النسخة الذكرية من شي يو، هذا الأمر كان مضحكا حقا في وسط هذه الأزمة

لم يفهم الجنرال رعد و الآخرون ما يحدث، تحدث باسل "أعتذر أعتذر، أيها الرجل الأشقر، فلتنزلني"

أكمل باسل بعدما استلقى على الأرض "أنمار، فلتخرجي قنينتي من إكسير العلاج و اشربيني إياهما، و اعطي قنينة من إكسير التعزيز لـهيل"


عبست أنمار ثم فهمت ما يحاول باسل فعله "ليس كما لو أنك لا تعلم ما الذي سيحدث لك بعد هذا ! لما ستخاطر هكذا؟"

تنهد باسل و قال "هل تحتاجين لطرح هذا السؤال؟"

حدقت أنمار به و قامت بما أخبرها به، شاهد الإمبراطور شيرو هذه القنينات فأحس بتلك الطاقة المركزة بغرابة بتلك المحاليل، اقترب من هيل و شاهد ذلك المحلول بكل اهتمام، عندها شاهد أنمار تقوم برفع رأس باسل قليلا كما لو أنها تحاول أن تجعله يشرب تلك المحاليل

تكلم باسل "هيل، اشرب ذلك المحلول"

استغرب هيل و الإمبراطور شيرو، حاول هذا الأخير طرح سؤال ما، لكن الجنرال رعد تدخل "أسرعوا من فضلكم، نحن لا نملك الوقت الكافي"

حدق هيل بالقنينة، و بكل توتر قام بشربها

بوووم

انفجرت طاقته و هالته، حدق الإمبراطور شيرو بـهيل بتعجب كبير، ثم قال جملة خرجت من فمه بكل صعوبة "لقد اخترق المستوى السابع !!! "

لم يكد يصدق الإمبراطور شيرو ما حدث، أما هيل، فبقي يحدق بيديه و شعر بنشوة لا تصدق

تكلم الإمبراطور شيرو "ما..."

لكنه بعد أن حاول الاستفسار تكلم باسل "عندما أشرب هذين المحلولين، ستقوم أنت و شي يو بعلاجي بكل ما تملكون من قوة، سأريد منكم التركيز على علاجي كما لو أن حياتكم على المحك"

استغرب هيل، لقد وصل للقسم النهائي من المستوى السابع، حتى الإمبراطور شيرو تجمد في مكانه و كاد لا يصدق أن ذلك الشخص هو هيل الذي يعرفه

تكلم باسل "أيها الرجل الأشقر، فلتأخذ هذه و أعطها للإمبراطور غلاديوس" التف بعد أن أعطى الجنرال رعد المطرقة الضخمة التي قد سبق و استخدمها الأمير الثاني، ثم قال "حسنا" أماء رأسه لأنمار التي همت لتشربه الإكسيرين، لكن بسبب ذراعيها المكسورتين، قام الجنرال رعد بأخذ هذا الدور عنها

لكن، تكلم الجنرال رعد قبل أن يشرب باسل الإكسيرين و بعد أن حدق في المطرقة التي حملها "ما الذي ستفعله؟"

أجاب باسل "لا شيء قد يسمى بالكبير، أنا فقط لا أخطط التعرض للضرب من دون الرد، فهذا ليس من شيمي"


شرب شرب

"آآآآه" صرخ فجأة باسل متألما بشدة كبيرة بينما أنمار تحدق به بنظرات القلق، ليش هناك شخص عاقل يعرف ماهية الإكسيرات و سيشرب إكسيرا علاج بنفس الوقت، فبحر الروح نفسه سيبدأ بالتمزق

صرخ باسل من دون توقف، تجمد الجميع فصرخت أنمار "أسرعا أنتما الاثنين و ابدآ في معالجته"

بتصرفاتهما المتوترة اقترب الاثنان من باسل و شحذا طاقتهما السحرية لأوجها ثم أطلقاها نحو باسل بادئين في علاجه

بدأت عظامه تلتصق ببعضها مما سبب آلاما لا توصف، فقط آلام بحر روحه كافية لتجعله يطلب الموت، مع أنه يصرخ إلى أنه بقي صبورا، التأمت عظامه و جراحه بسرعة ملحوظة بينما يهتز جسده بالكامل من الآلام، كما لو أنه سينفجر من الداخل

حدق الجنرال رعد و الإمبراطور شيرو في هذا المنظر المروع، من منظر باسل الذي كان يبدو بخير حتى بتلك الإصابات البالغة سابقا لكنه الآن يصرخ بجنون، كان بإمكانهما الجزم بشدة الألم الذي يشعر به الآن

قام هيل و شي يو بشد عزيمتهما و ركزا أكثر على العلاج على الرغم من أنهما عندما بدآ بمعالجته قد ازدادت معاناته فقط

ثم بعدها أسرع الجنرال رعد و اتجه نحو الإمبراطور غلاديوس

في تلك الأثناء

استهدف ظل ما مجموعة تورتش، هذا الأخير أسرع في إطلاق هجوم نار مستهدفا الظل و أمر الجميع بالتراجع، تكلم تورتش "يبدو أنك قد أنقذت مؤخرتك أيها الوغد"

"همف" استهجن شاهين و تكلم "ستكون مؤخرتك التي ستركل هذه المرة، و بشدة"

تكلم تورتش "سنرى بشأن هذا، فمما أرى، يبدو أن آثار قمع السحر الخاص بأصفاد السحر لا زال مؤثرا بمؤخرتك"

عبس شاهين و قال "إنني أفضل حالا من مؤخرتك المرهقة"

بوووم

اندلع قتال بينهما أيضا


في جهة الإمبراطور غلاديوس، تحدث أحد جنراليه "سيدي، هذا الوغد في قمة المستوى السابع"

عبس الإمبراطور غلاديوس و حدق في سيف كازيمارو، تكلم بداخله "مع ذلك، تبدو قوته أكبر مما يملك، ما الذي يحدث؟ أظن أن السبب هو ذلك السيف الغريب الذي يملكه"

ووووووش

ظهر الجنرال رعد بسرعة بجانب الإمبراطور غلاديوس الذي استل هراوته مستعدا، لكنه توقف بعد أن عرف أن الجنرال رعد من أتى

تكلم الجنرال رعد "خذ لك هذه"

رمى له المطرقة الضخمة، فاستغرب الإمبراطور غلاديوس كثيرا، حدق بالمطرقة مطولا، هذه المطرقة كانت خاصة بساحر من المستوى السادس فقط، لكن هناك شيء ما غريب بها، أثارت اهتمامه تلك النقوش و مرر يديه عليها

تكلم الجنرال رعد "استخدمها و ستعرف لما أعطيتها لك"

شحذ الإمبراطور غلاديوس طاقته السحرية فتفاجأ بطاقته تتضخم لأضعاف، توهجت النقوش بشدة حتى أنها جعلته يصدم

و في جهة الكبير أكاغي و الآخرين، كانوا يمرون بوقت عصيب، تكلم الأقدم الكبير من السماء "حثالة مثلكم يجتمعون علي، إن أضفت الحثالة على الحثالة، فستبقى مجرد حثالة"

شحذ طاقته السحرية و لوح بسيفه عشرات المرات مرة واحدة صانعا عدة أعاصير قاطعة استهدفت مجموعة الكبير أكاغي

و في هذه الأثناء

بدأت تظهر علامات تحسن على جسد باسل

استمر العلاج لمدة أطول، و مع مرور الوقت، العظام التي كانت متحطمة تماما التأمت من جديد كما لو أنها لم تصب أصلا، رجع لحمه لما كان عليه من دون أن يخلف العلاج وراءه أي أثر للجراح العميقة

لكن، مع أن جسده قد شوفي تماما إلى أنه لا يزال يتقطع متألما بسبب عدم استقرار بحر روحه، من تجرأ و شرب إكسيري علاج مرة واحدة، غالبا ما سيتعرض لآثار جانبية تتمثل في عدم استقرار بحر روحه لمدة طويلة قد تصل لشهور، و يصطحب عدم الاستقرار هذا معه آلاما فظيعة تجعل الشخص يطلب الموت على تحملها، و بالطبع بما أن بحر الروح يكون غير مستقر، فكذلك تكون حالة سحره

لذا شرب باسل لإكسيري علاج مرة واحدة كان شيئا في غاية الجنون

اتخذ باسل وضعة القرفصاء و جلس ثم دخل في حالة الصفاء الذهني و الروحي، يجب عليه تهدئة بحر روحه إن أراد أن يقاتل كيف يشاء، غير هذا، لن يكون بإمكانه حتى استخدام السحر بشكل لائق

حدق الإمبراطور شيرو و البقية في هذا الفتى بغرابة، أما أنمار فجلست بجانب باسل بينما تحدق بوجهه من دون أن ترمش للحظة، كانت تراقب أبسط التعبيرات التي تظهر عليه


أما باسل، فانتقل بوعيه لداخل بحر الروح، هذا الأخير الذي كان دائما هادئا، لم يكن كذالك هذه المرة، عنصري السحر كانا مضربان كثيرا، الأربعة عشر كرة من كل عنصر بدأت تفقد شكلها، كما لو أنها تتشكل في شكل سحابة

هذه السحابة التي كانت تتشكل تكهربت و انتقل هذا التكهرب نحو نقاط الأصل بالجسم الأبيض الذي يتخذ شكل باسل، المسار الذي يربط نقط الأصل ببعضها كان يتقطع و يتصل مرة تلو الأخرى، مما يوضح عدم استقراره

و أخيرا، الفضاء الأزرق اللانهائي ظهرت عليه تشققات من كل مكان، و اهتز بشدة كبيرة، كما لو أن هناك عدة زلازل تحدث مرة واحدة، بدا كما لو أنه غاضب، غاضب من عدم الاعتناء به و جعله يمر بمثل هذه المعاناة

جلس باسل فقط و حدق في الجسم الأبيض الذي يتخذ شكل جسمه، أولا، عليه إصلاح المسار المتضرر، ثانيا، عليه تهدئة الكرات الأربعة عشر من كل جهة، أي تهدئة العنصرين، ثالثا، عليه استخدام العنصرين في إصلاح تشققات بحر الروح و تصفيته من الطاقة الشائبة

ما جعل بحر الروح يتزلزل هكذا كانت الطاقة التي غمرته فجأة، هذا الطاقة هي الخاصة بالإكسيرين، فحتى لو كانت الإكسيرات تصنع من مسحوق الأصل المصنوع من أحجار الأصل و التي لها طاقة تشبه الخاصة ببحر الروح، فهذا يسمح للساحر أن يزود بحر روحه بطاقة محدودة من الإكسيرات، إن فات الحدود، فحتى لو كانت طاقة الإكسيرات تشبه طاقة بحر الروح، فهذا الأخير سيبدأ برفضها، لأنها في النهاية تبقى تشبه طاقته فقط و ليست نفسها، مما يُوجِد حدودا لما يمكن للساحر أخذه من الإكسيرات

ركز باسل على الجسم الأبيض، هذا الأخير كان في الحقيقة جسم باسل، هذا الأخير يجد كل ما يتعلق به في بحر الروح عندما يدخل إليه بوعيه، و بالطبع جسده أيضا يكون هناك

لذا يكون بإمكانه التحكم في الجسم الأبيض بالتركيز عليه فقط، و عندما فعل هذا هذه المرة، ضاقت عينيه بشدة، و بدأ يصلح المسار المتضرر، إنه الآن يقوم بعملية تطابق المرحلة الثالثة من حالة الصفاء الذهني و الروحي، مرحلة 'العقل و نقط الأصل'


في هذه المرحلة يقوم المتدرب بإيصال نقط الأصل أولا بعقله، ثم يقوم بإيصال نقط الأصل ببعضها. هذه المرة لن يوصل نقط الأصل ببعضها، لكنه سيصلح المسار الذي يربطها

و القيام بهذا أصعب بكثير من إيصال نقط الأصل ببعضها، فسيكون عليه إزالة الطاقة الشائبة من المسار و إزالة الاضرابات ثم إصلاح التشققات لإيصال نقط الأصل ببعضها البعض بشكل جيد كما كانت في الأول

ركز باسل على المسار و بدأ في التنقية، هذا الأمر كان صعبا، فطاقة الإكسيرات الزائدة قد تحولت لطاقة شائبة و مرت بالمسار، لذا الآن قد شرع في تنقيتها، خطأ بسيط و يجعل هذه الطاقة الشائبة تهيج مما قد يسبب في تدمير المسار نهائيا، لذا كان عليه التركيز بشكل كلي و القيام بالعملية بحذر شديد، و كل هذا يجب عليه القيام به أثناء معاناته من الآلام التي يسببها بحر روحه

بعد مدة قصيرة بدأ المسار يخلو من التكهرب، لكن هذا الأمر لم يكن سهلا حقا، أحس باسل كما لو أنه يواجه خطر الموت في كل مرة يحاول بها إصلاح و إزالة الشوائب، خطأ واحد و يدمر المسار تماما

لكنه مع ذلك، في حالته المزرية، استطاع النجاح بهذا، و الآن وصل لمرحلة إزالة الاضطرابات، بعد إزالة الطاقة الشائبة، تبقى الاضرابات التي سببتها، و الآن كل ما عليه فعله هو جعل الطاقة النقية تجد طريقها عبر إزالة الاضطراب من المسار

كانت الطاقة النقية تتداخل مع بعضها و تضرب بجوانب المسار من دون الاتجاه في مسار محدد، لذا الآن بدأ باسل في التحكم بطاقته السحرية من أجل جعلها موحدة لتتخذ كلها طريقا و مسار واحدا

التضارب بدأ يقل مع الوقت، هذا الأمر يثبت قدرة الشخص في التحكم بطاقته السحرية، لو أنه قد امتلك تحكما سيئا في الطاقة السحرية، انسى أمر الطاقة النقية، لأنه لن يتجاوز حتى مرحلة إزالة الطاقة الشائبة و سيرتكب خطأ فادحا مدمرا بذلك مسار نقط الأصل


تحكم باسل في السحر كان جيدا للغاية، فشخص مثله قد وصل للكمال في التحكم بالأسلحة الأثرية، شيء مثل التحكم في طاقته السحرية كان أمرا في غاية السهولة بالنسبة له

و الآن وصل لمرحلة إصلاح التشققات، أزال الطاقة الشائبة، و جعل الطاقة النقية تتخذ مسارا موحدا، مما يُبقِي له عملا واحدا، إصلاح تشققات المسار من أجل تحصينه، فتعرضه لطاقة شائبة من كلا العنصرين و لطاقة نقية مضطربة قد جعله يتضرر كثيرا

هذه المرحلة لم تكن بتلك الصعوبة، لأن كل ما كان على باسل فعله هو تمديد المسار بالطاقة النقية قصد الإصلاح، لكن جودة الإصلاح تعتمد على المتدرب، فهنا يلعب التحكم الدور الرئيسي أيضا

و أخيرا، انتهى باسل من جعل نقط الأصل تتصل جيدا كما كانت قبلا، و الآن، مع احتفاظه بتركيزه على تحصين المسار، يجب عليه تهدئة العنصرين

لحسن الحظ، باسل قد مر من مثل هذه المرحلة سابقا، عندما توغلت الطاقة الخارجية لجسده، كانت عبارة عن سحابة من الطاقة الهائجة قبل أن يوصلها بنقط الأصل، ساحر آخر لن يمر بها إلا عند اكتسابه عنصر الثاني، لذا فقد كانت له أفضلية هنا نوعا ما، حتى أن تجربته مع تلك السحابة في الحقيقة هي أصعب من التجربة التي سيخوضها الساحر أثناء اكتسابه العنصر الثاني، لأن الساحر الطبيعي يكون قد اكتسب التحكم في الطاقة الخارجية و امتص هذه الأخيرة بنفسه، أما باسل، فكان عليه التعامل معها من دون اكتساب القدرة على التحكم بها لأنها قد دخلت لجسده وصولا لبحر روحه من دون إرادته

بسرعة قام باسل بتهدئة عنصر النار بما أنه العنصر الأساسي، و في الحال انتقل لعنصر التعزيز، عند إنهاءه هذه المرحلة، انتقل للمرحلة الأخيرة و التي قد سبق و مر بها أيضا

فعند توغل سحابة الطاقة الخارجية سابقا لجسده عنوة، تسبب هذا له في جعل بحر الروح يتصدع و يهتز، مع أنه لم يكن بمثل هذه الشدة كالآن، لكن يبقى أمر مروره بها و تجربته إياها مع أنها كانت بشدة أقل أمرا جيدا


شدة تصدع بحر الروح كبيرة عن المرة السابقة، لكن في المقابل، قوة باسل كبيرة بكثير عما كانت عليه عندها

الآن، تحكم في عنصريه الاثنين و وجه طاقته السحرية نحو التشققات التي ظهرت في بحر الروح، أصلحها كلها واحدة تلو الأخرى، هذا الأمر قد استنزف منه طاقة سحرية وفيرة، لكنه لا يملك خيارا آخر، أصلح جميع التشققات

لكن، تزلزل بحر الروح لم يتوقف حتى الآن، آلامه لم تتوقف حتى الآن، فكر باسل بهذا لمدة طويلة بتركيز كبير. في الخارج، كانت أنمار تحمل نظرات قلق على تعبيرات باسل

كان من الظاهر أن باسل يعاني كثيرا، لم يسع أنمار سوى أن تشعر بالقلق أكثر و أكثر كلما مر الوقت، أثناء انتظاره، تغيرت تعبيراته من الجيد للأسوء، ثم من الأسوء للجيد، تقلبت طاقته السحرية بجنون، لكن كل ما كان بإمكانها فعله هو إمساك يده بإحكام عبر لف يديها المكسورتين حولها و الدعوة له بالأفضل

حدق الإمبراطور شيرو طويلا في باسل، و الآن ما يفكر به ليس معاناة و حالة باسل السيئة، و إنما طاقة هذا الفتى الصغير المرعبة، مثل هذا الوحش موجود حقا، لقد شاهد قوة الأقدم الكبير، و بالطبع عرف أنها تفوق المستوى السابع بكثير، فحتى كل أولئك الأشخاص الأقوياء من المستوى الخامس و السادس و السابع لا يزالون غير قادرين على مواجهته أبدا

مع قوة باسل الكبيرة في مثل هذا العمر، و قوة الأقدم الكبير المخيفة، فهم أخيرا أن المستوى السابع الذي كان يعتقد أنه أعلى مستوى في الوجود، هو في الحقيقة مجرد مستوى وسط مستويات أعلى و أقل

لقد مرت مدة طويلة حتى الآن، و حالة باسل لم تتغير طوال هذه المدة، طاقته و هالته توقفت عن التغير و ثبتت، تعبيراته لا زالت سيئة، لا زال يتألم بشكل كبير


و بعدها بقليل، اختفت تعبيرات الألم تماما و أصبحت طاقة باسل هادئة بشكل مخيف، ظهرت تعبيرات الفرح على وجه أنمار و تلهفت لرؤية باسل يفتح عينيه، و الآن، إنها تنتظره بفارغ الصبر، و مع ذلك، لا زال باسل لم يخرج

داخل بحر الروح، ابتسم باسل و قال "يبدو أن المعلم قد أخفى عني مثل هذا الأمر المهم، لا، أظن أن حتى المعلم نفسه لم يتوقع أن مثل هذا الأمر سيحدث لي، لهذا لم يخبرني، حتى لو أخبرني لم أكن سأفهم على أي حال، من كان يعلم أن لبحر الروح في الحقيقة إرادة؟"

"لكن..." استغرب باسل، حدق في الجسم الأبيض، و رأى أن هناك قطعة أرضية صغيرة قد ظهرت تحت قدميه، قطعة أرضية مكونة من التراب فقط، كانت صغيرة لدرجة أنها كانت كافية فقط للقدمين

"لما ظهرت مثل هذه القطعة الأرضية في بحر روحي؟" تساءل باسل

لم يفهم باسل كيف لقطعة أرضية أن تظهر في بحر روحه، ما يعرفه أن بحر الروح خاص بالطاقة فقط لا غير. ركز على الجسم الأبيض ثم تحسس هذه القطعة الأرضية عبره

و إذا به يحس بطاقة نقية جدا تأتي من تلك القطعة الأرضية، نقية لدرجة تجعل فيها الطاقة السحرية النقية تظهر كطاقة شائبة مقارنة بها

حاول التحكم بهذه الطاقة و جعلها تحت سيطرته، لكنها قاومته و صدت نيته مما جعل وعيه يتشتت و يفتح عينيه ليجد أنمارا تحدق به عن قرب شديد

حدق في عينيها الزرقاوين ثم خفق قلبه قليلا، وجه أنمار كان قريبا، لدرجة أن نفسها كان يسمع بأذنيه، حتى أن شفتيها كادت تتلاقى بشفتيه

قفزت أنمار من الفرحة و انقضت على باسل معانقة إياه، غمرته رائحتها العطرة، و بما أن يديها مكسرتان لم يكن بإمكانها إيقاف نفسها حتى لمس صدرها صدره مما جعله يخجل من هذا الوضع و يخفق قلبه أكثر، لقد كان دائما يأخذ مسافة عنها لعدة أسباب، و أحدها كان تشبثها به كلما رأته، بسبب أنه قد وقع في حبها سابقا عندما صغيرا، هذا الأمر كان صعبا قليلا عليه ليتحمله

وقف بعدما أزاح عنه أنمار ثم تكلم "شي يو، هيل، شكرا لكما، لقد كنتما ذوا نفع حقا" التف ناحية الإمبراطور شيرو و حدق به مطولا، في البداية باسل كان يهدف لجعل هذا العالم كله قوة واحدة، و من أجل هذا خطط لكسب سلطة كافية في إمبراطورية النضير الوهاج، و عندما ينجح في ذلك، سوف يقوم بجعل الإمبراطوريتين الأخريين تخضعان له، فكر باسل لوقت طويل و كان هذا هو الخيار الوحيد الذي كان يمكنه تحقيق 'اتحاد العالم' كله بشكل أسرع

لكن، بشكل غير متوقع، ظهر عدو من حيث لا يدري، في هذا الوقت، بدأ باسل بالفعل يفكر في خطة بديلة، قد لا يكون من الضروري قتال الإمبراطوريتين من أجل كسب ولائهما، أو على الأقل كسب مساعدتهما الكاملة


بووم بووم بووم

انفجرت عدة أعاصير مرة واحدة جاعلة الكبير أكاغي و من كان يقاتل معه ضد الأقدم الكبير يحلقون لمئات الأمتار بينما الدماء تسيل منهم بغزارة

عبس باسل عندما شاهد هذا المنظر ثم أسرع و تحدث "أنمار، اشربي إكسير العلاج بسرعة، شي يو، هيل، قوما بعلاج أنمار، أنت يا شي يو متعبة بالفعل، لذا إن كنت لا تقدرين فاتركي الأمر لـهيل ليتعامل معه"

تحرك الاثنان في الحال، بالرغم من أن شي يو متعبة جدا، حتى أن مفعول إكسير التعزيز الذي شربته قد انتهى، فلا زالت تريد القيام بأمر مفيد

تكلمت أنمار بنبرة مشوشة "ما الذي تنوي فعله؟"

التف باسل و حدق بها مطولا، أجاب بعد أن حدق في الأقدم الكبير و عبس "لقد أخذت قبل قليل مخاطرة صعبة و نجوت، لكن كما تعلمين هذا هو ما عشت عليه منذ نعومة أظافري، و المغامرة كانت أفضل شيء بالنسبة لي في حياتي اليومية المملة" أخرج باسل قنينة إكسير تعزيز مما جعل أنمار تشحب و تتكلم بسرعة "لا تقل لي... لا تفعل، لقد منعك المعلم من القيام بهذا، إن قمت بهذا فسوف..."

توقفت أنمار بعد أن شاهدت ابتسامة باسل، هذا الأخير تكلم "ليس كما لو أننا نملك خيارا آخر على أي حال، و أيضا المعلم لم يمنعني من استخدامه، و إنما أخبرني بالحرص على عدم استخدامه قدر المستطاع"

"لكن..." قالتها أنمار و تحسرت

لم يكن بإمكانها إيقاف باسل من القيام بهذا الأمر، فبعد كل شيء، حتى عندما لاحقته طوال حياتها، لم يكن بإمكانها و لو لمرة واحدة إيقافه عن أخذ مغامرة يريدها، أو عن ملاحقة شيء ما كسب اهتمامه، لم يكن باستطاعتها يوما منع فضوله


و مع تحريك باسل لذراعه اليمنى التي تحمل إكسير التعزيز، خفق قلب أنمار بشدة، مرت هذه اللحظات عليها ببطء شديد، حتى وصلت القنينة لفم باسل و شربها

بووووووووووووم

انفجرت هالة باسل، و ارتفعت طاقته السحرية الخاصة بعنصر النار بجنون، و في الحال ارتقى عنصر النار من القسم النهائي من المستوى السادس للقسم النهائي من المستوى السابع

و بمجرد حدوث هذا الأمر، حتى أحس باسل بذلك الأمر، بارتفاع عنصر النار و الذي هو العنصر الأساسي في المستوى، ضعُف الختم مما كان عليه، و هذه المرة ضعف كثيرا لدرجة أنه كاد أن يتكسر

ثم فورا، صرخ باسل بشدة و بغرابة سعل الدم و عضلاته التي شفيت قبلا قد نزفت، لكن هذه المرة لم يقتصر نزيفه على ذراعيه فقط، و إنما نزف من كل مكان، و أثناء تعذُبِه هذا، ارتفعت طاقة عنصر التعزيز بجنون

ارتفعت هذه الطاقة حتى جعلت كل من يوجد في الساحة يلتف و يرى من أين تأتي كل هذه الطاقة المرعبة التي ضغطت عليهم و جعلتهم يتوقفون عن أيٍّ كانوا يقومون به

سواء أعداء أم حلفاء كانوا، لم يسعهم سوى مشاهدة هذا المنظر المرعب من بعيد و التحسر في أماكنهم، لم يفهم أي أحد ما الذي يحدث بالضبط

كيف يمكن لطاقته هذه أن ترتفع هكذا؟ حتى لو شرب شخص ما إكسير التعزيز لن يكون قادرا على اكتساب مثل هذه الطاقة المخيفة

حدق الأقدم الكبير في باسل بعدما أزاح عن طريقه الكبير أكاغي و معاونيه الذين لم يعودوا يقتصرون فقط على الجنرال منصف و كين نبيل و البقية، و إنما حتى الجنود الموجودين الذين تغلبوا على خوفهم و ساعدوا قادتهم

عندها شاهد الأقدم الكبير فالتشر قوة باسل ترتفع من دون توقف، تكلم من دون أن يشعر "القسم الأولي، و لا زالت ترتفع" تغيرت نظرته كثيرا و ارتعب مما يحدث "القسم النهائي من المستوى التاسع؟"

صُدِم تماما، قبل مدة فقط كان ذلك الشقي على وشك الموت، مع أنه شرب إكسير العلاج و تم علاجه من قبل السحرة، إلا أن أمر تماثله للشفاء بالكامل كان كافيا ليجعل الأقدم الكبير يعض على شفتيه، لكن ارتفاع طاقته السحرية لهذا المدى أمر غير قابل للتصديق

لكن في هذه الأثناء التي كان الكل حينها مصدوما من قوة باسل، هذا الأخير كان يعاني بشدة، فبعد أن ضعُف الختم بسبب ارتفاع عنصر النار في المستوى، تسبب له هذا في توغل قدر أكبر من الطاقة الخارجية بشكل مفاجئ

في يوم من الأيام، واجه باسل الأسد الأحمر ذو الرأسين و الذي يعتبر وحشا سحريا من المستوى الثالث بينما كان هو حينها في المستوى الثاني، عندها كان عنصريه الاثنين في نفس المستوى، لكنه اضطر خلال قتاله أن يشرب إكسير التعزيز، و عندما فعل، تسبب له هذا في تعرض جسمه لصدمة كبيرة من الطاقة الخارجية و التي لا زال جسده لم يتطور ليكون قادرا على تحملها

عندها تدخل المعلم و أنقده، ثم أخبره بتجنب استخدام إكسير التعزيز قدر المستطاع و شرح له السبب. درب المعلم جسد باسل من أجل تحمل موجة الطاقة الخارجية الأولى عندما سيكتسب باسل سحره، و عندها سيتطور جسده مع تقدمه في المستويات، مما سيتيح له القدرة على تحمل موجات الطاقة الخارجية التي ستتضخم مع ارتفاع المستويات كذلك

لكنه عندما شرب إكسير التعزيز، جعل عنصر النار يرتفع في لحظة و تسبب في إضعاف الختم أكثر و توغل الطاقة الخارجية بشكل مفاجئ عبر جسده الذي لم يتطور بعد ليتحمل كل تلك الطاقة، و هذا كان كافيا ليجعل باسل طريح الفراش لأيام ليُشفى، و لم يستخدم سحر التعزيز حتى درب جسده ليتحمل موجة الطاقة الخارجية التي ستتوغل لجسده عندما يفرغ عنصر التعزيز من الطاقة باستخدامه

و الآن، بما أنه قد عالج جسده قبل قليل فقط، فلا يمكن لجسده استقبال المزيد من الطاقة الخاصة بسحرة آخرين و لن يكون بإمكانه شرب إكسير العلاج أيضا، مما يعني أنه سيضطر لترك جسده يتعالج من تلقاء نفسه و تحمل كل تلك الآلام لأيام قبل أن يكون مستعدا للحصول على علاج من طرف سحرة مرة أخرى

قلقت أنمار بشدة، تلك المرة لم يضعُف الختم كثيرا و لم يؤثر بشكل كبير على بحر روحه، لكن هذه المرة لا يمكن أن تكون كالسابقة، ففي كل مستوى ارتفع به باسل، ضعُف الختم بشكل أكبر، و الآن عندما ارتفع للمستوى السابع، فقد اقترب الختم من التكسر، مما يعني أنه يكاد يترك الطاقة الخارجية تدخل لبحر روح باسل من دون توقف، و إن استمر هذا الأمر، سيتحطم بحر روح باسل في النهاية


استمرت طاقة عنصر التعزيز في الارتفاع أكثر، شحُب الأقدم الكبير و تكلم "القسم المتوسط من المستوى العاشر؟"

أما باسل، كانت حالته قاسية للغاية، موجة الطاقة الخارجية الكبير تسببت في الكثير من الضرر لجسده، و الآن يجب عليه أن يتعامل مع الطاقة الخارجية التي بدأت تجعل بحر روحه يهتز بشدة و يتصدع

في هاته الأثناء، بشكل غير اعتيادي، وسط كل هذه الفوضى، بينما يتقطع بالآلام، دخل باسل لبحر روحه

كبرت الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر التعزيز كثيرا، حتى أنه بدأ يفقد السيطرة عليهن مما جعلهن يبدأن في فقدان شكلهن و التحول لسحابة من الطاقة الشائبة و الهائجة

استمر باسل في محاولته التحكم بعنصر التعزيز، لكن لسوء الحظ كانت كل تلك الطاقة فوق قدرته، هو في الحقيقة مجرد ساحر بالقسم الأخير من المستوى السادس، و مع موهبته، بإمكانه التحكم في الطاقة السحرية بشكل جيد جدا، حتى أنه كان قادرا على التحكم في عنصر التعزيز الذي يفوق مستواه الأصلي بمستوى أو أكثر، لكن طاقة سحرية من المستوى العاشر كثيرة عليه حتى بتحكمه الجيد

كان الأمر أشبه بمحاولته إمساك كرة كبيرة للغاية بيد واحدة، حتى لو كانت قوة قبضته كبيرة جدا، فلن يكون باستطاعته إمساك كرة لا يمكن لأصابعه الالتفاف حولها أو بجزء كاف منها

لكنه ليس في موقف حيث يمكنه الاستسلام بكل سهولة، فإن فعل، ستكون عندها النهاية بالنسبة له، حاول بكل ما امتلك من قوة، لكن لا زال الأمر لم ينفع

عندها تزلزل بحر الروح بشدة كبيرة و إذا بالقطعة الأرضية تحت قدمي الجسم الأبيض تتوهج بضوء ساطع جدا، مر هذا الضوء من نقطتي الأصل بالقدمين و صعد للتين بالركبتين، ثم للتي بالصدر، ثم للاتي باليدين و الكوعين و الكتفين مرة واحدة، و من اللتين بالكتفين للتين بالجبهة و الرقبة، و من التي بالرقبة إلى النقطة الأخيرة أسفل الظهر


توهجت النقط كلها بالضوء الساطع، هذا الأخير توجه عبر نقطة الأصل التي بالجبهة و المتصلة بالعنصرين إلى هذين الأخيرين

توهجت الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر النار و هدأت كثيرا بعدما كانت مضطربة قليلا بسبب الارتفاع المؤقت في المستوى. بعد ذلك، توقف فقدان شكل الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر التعزيز و رجعت لشكلها الطبيعي، ثم توهجت كلها و توقفت عن الاضطراب و الازدياد في الضخامة

و في الحقيقة لم يتوقف عنصر التعزيز عن الازدياد في الضخامة، و إنما الطاقة التي يوجهها نحو الجسم الأبيض قد كبُرت، و ما سبَّبَ حدوث هذا، هو قيام القطعة الأرضية بامتصاص الطاقة السحرية من عنصر التعزيز، لكن نقط الأصل لن تتحمل كل هذه الطاقة السحرية مرة واحدة

عندها، مرت الطاقة الفائضة عبر نقط الأصل وصولا للنقطتين اللتين في القدمين و قامت القطعة الأرضية بشفطها كلها مرة واحدة

استمرت الطاقة الخارجية في التوغل، و استمرت القطعة الأرضية في شفط الطاقة الزائدة و التي لا يقدر باسل على التحكم بها. و بما أن طاقة عنصر التعزيز تنقص، فالطاقة الخارجية سوف تستمر في التوغل بما أن هناك مكان يتسع لها

لكن امتصاص القطعة الأرضية للطاقة من عنصر التعزيز كان قويا و كافيا ليتراجع مستوى عنصر التعزيز للمستوى التاسع بالقسم النهائي و يهدأ أخيرا

لكن مع أن طاقة عنصر التعزيز قد هدأت، إلى أن باسل لو استخدمها و فرغت أكثر، فسيتعرض لموجة من الطاقة الخارجية مرة أخرى، لذا إن كان هناك شيء يجب عليه القيام به، فهو الإسراع بكل ما أمكنه

فجسده لن يتحمل طويلا، فبعد كل شيء لا زالت طاقة مرتفعة المستوى تتوغل لجسده باستمرار، لكن القطعة الأرضية تقوم بشفطها من دون توقف، مما جعل عنصر التعزيز يبدو كما لو أنه متوقف في قمة المستوى التاسع

كل ما فعلته القطعة الأرضية كان حماية بحر روحه من هيجان طاقة عنصر التعزيز، أما جسده، فلا زال لم يصل للمستوى المطلوب بعد ليتحمل مثل هذه الطاقة الخارجية، تدرب باسل بجنون مقويا جسده، فعندما انتهى تدريبه الأول، عندما لم يكن يعرف حالته جيدا، ظن أنه لن يكون بحاجة لتدريب جسده بعد ذلك

لكن المعلم قد أخبره أن البنية الجسدية التي تتطور مع المستويات غير كافية، و سيجب عليه الحرص دائما و في كل الأوقات على تقوية بنيته. لكن هذا سيكون واجبا عليه فعله إلى أن يجيد التحكم في الطاقة الخارجية عن طريق الاختراق للقسم الثاني من مستويات الربط، بعد ذلك سيكون قادرا على التحكم في الطاقة التي يريد منها التوغل لجسده كيفما شاء، لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، فهذا الأمر سيكون أصعب بكثير من التحكم في الطاقة الخارجية لامتصاصها كما يفعل السحرة العاديين

فهم باسل شرح معلمه آنذاك، لكن هذا الشرح ترك سؤالا في باله و الذي لم يستطع منع نفسه من طرحه على معلمه، باختراقه للقسم الثاني من مستويات الربط سيكون قادرا على إيقاف الطاقة الخارجية من التوغل لجسده لكي لا تدمر جسده، لكن، من ناحية أخرى، ألا يعني هذا أنه فقط عليه تقوية بنيته الجسدية؟ و كلما أصبحت أقوى كلما كان بإمكانه استخدام قدر أكبر من الطاقة الخارجية، بمعنى أنه سيكون قادرا على ترك قدر كبير جدا من الطاقة الخارجية تتوغل لجسده بشرط أن يكون ذلك الأخير قادرا على تحملها

و الآن، مع أن جسد باسل لا زال يتضرر إلى أنه لم يعد يتضرر كالسابق، لديه وقت محدود يجب عليه استغلاله بشكل جيد، هدأ باسل و تحمل كل تلك الآلام، بتوقف آلام بحر روحه، عندها كل شيء جيد بالنسبة له، إن كان عليه تحمل آلام جسده فقط، فهذا أمر بسيط بالنسبة له، فالتدريبات الشاقة و الآلام التي مر منها لا تختلف كثيرا عن الحالية

ووووش


ظهر الأقدم الكبير بسرعة خاطفة و لوح بسيفه الأثري من الدرجة الرابعة مع جلبه الأعاصير معه و العواصف، التف حول السيف سحر الرياح من المستوى التاسع و تضخم بفعل السيف الأثري ثم صُقِل و أصبح قادرا على قطع سحرة من المستوى السابع بكل سهولة

زبااام

تلاقى سيفه بسيف باسل، هذا الأخير لم يبدو عليه ذرة قلق أو خوف، كل ما فعله هو إمداد أحد سيفيه الأثريين بطاقته و التحكم به لدرجة الكمال ثم إطلاق العنان للمستوى التاسع من عنصر التعزيز

بالتقاء السيفين تموج الهواء المحيط و انطلقت الشرارات في كل مكان، لكن، و بشكل واضح، لم يكن هناك أي شك، حتى أن تعبيرات الأقدم الكبير يمكنها أن تخبرك بالأمر بكل وضوح. سيف باسل تفوق على سيف الأقدم الكبير فأُرسِل هذا الأخير محلقا لمئات الأمتار من حيث أتى

باسل الآن في القسم النهائي من المستوى التاسع، مع سلاح بالدرجة الثالثة بكمال في التحكم، مما يتيح له إمكانية منافسة سلاح أثري من الدرجة الخامسة، أما بالجهة الأخرى، فالأقدم الكبير ساحر بالقسم المتوسط من المستوى التاسع بسيف أثري من الدرجة الرابعة، ليس هناك حاجة للتفكير مرتين، هنا و الآن، باسل هو صاحب اليد العليا

قذف الأقدم الكبير لمئات الأمتار قبل أن يدرك ما يحدث، أراد أن يباغت باسل و يحصد بعض النتائج التي ستمنحه الأفضلية، لكنه لم يتوقع أن ذلك الفتى سيكون متيقظا لما حوله هكذا

"همف" استهجن باسل و تكلم "إرخائي للدفاع في هذه المرحلة سيكون شيئا في أوج الغباء، حرص معلمي على تدريبي على قتل الثغرات في دفاعي مرارا و تكرارا، من أول يوم بدأت فيه تدريبي استمر في نصحي عن عدم إرخاء دفاعي حتى لو أنهيت عدوي"

عبس الأقدم الكبير بشدة، و في نفس الوقت فعل باسل، بمجرد ما أن استخدم عنصر التعزيز حتى توغلت الطاقة الخارجية لجسده مسببة له بعض الأضرار، حدق باسل في الأرجاء و صرخ "أيها الرجل الأشقر، أعتمد عليك في التكفل بذلك الشخص" أماء الجنرال رعد رأسه له، إنه الآن يقاتل كازيمارو بمساعدة الإمبراطور غلاديوس و أتباعه، لا شك في أن لهم اليد العليا هنا


ثم وجه نظره لجهة تورتش و تكلم "يا تورتش، لا أريد أن أرى جثتك" ابتسم تورتش و تكلم بصوت ليس بمرتفع "هاهاها، يا له من أمر سهل تحقيقه"

في طريق باسل إلى هنا من القاعة الرئيسية سابقا، نادى الجنرال رعد ليأتي للمساعدة، و بالطبع أخبره أن يجلب معه رئيس عائلة آو 'لان' و رئيس عائلة كيِرو 'هوانغ' بما أنه كان يحتاج لأي مساعدة يمكنها أن توجد، لكنه علم عندها بقدوم الإمبراطورين فأخبر الجنرال رعد أن يخبر 'آو لان' و 'كيِرو هوانغ' أن يأتيا مع جلبهما لجنود من المستوى الخامس، و يقوم هو الإمبراطورين

بالإسراع بكل ما أمكنهم، فهم لا يمكنهم انتظار وصول الرئيسين لان و هوانغ البعيدين

كان باسل يريدهم أن يساعدوه في مواجهة الأقدم الكبير، و يركز الآخرين على مواجهة كازيمارو شاهين، لكن الأحداث قد تطورت، و بشكل غير متوقع كان بإمكانه التطور لمستوى حيث بإمكانه به مواجهة الأقدم الكبير بمساواة

توقف الأقدم الكبير في السماء و عبس بشدة في باسل ثم صرخ "أيها الصعلوك، سأجعلك حياتك جحيما" في هذه الأثناء بدأ الأقدم الكبير يفكر في قوة باسل الغير مفهومة كليا، كانت منخفضة بالنسبة لساحر بالقسم الثاني من مستويات الربط، ثم ارتفعت بشكل جنوني و غير معقول حتى وصلت للمستوى العاشر، ثم انخفضت مرة أخرى، و الأكثر غرابة هو كمية الطاقة الخارجية التي تدخل لجسمه مرارا و تكرارا من دون توقف

لقد أتى إلى هنا آملا إمساك باسل، لكن هذا الأخير أظهر قوة غير متوقعة، و إبّان هذه الأحداث، مع أنه أتى بأمر إمساكه حيا، بدأ يشعر أنه يجب عليه قتل هذا الوحش الصغير قبل أن ينمو، إن سمع شخص في هذا العالم أن فتى لم يبلغ الخامسة عشر بعد قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، بل حتى أنه قد وصل لقمة المستوى التاسع، فسيخرج من فمه استهزاء و ضحك فقط على الذي أخبره بهذا الكلام

باسل الذي لا يملك وقتا ليضيعه انطلق متوجها نحو الأقدم الكبير مستخدما عنصر التعزيز بينما يتحمل آلام توغل الطاقة الخارجية مرارا و تكرارا، و في لحظة كان قد قطع مئات الأمتار و اقترب من الأقدم الكبير

بوووم

انفجرت عاصفة تحت قدمي باسل و أرسلته مندفعا بالسماء متوجها بسرعة كبيرة جدا نحو الأقدم الكبير الذي صفق بيده و صرخ "وحشي الفتخاء"

تحرك وحشي الفتخاء و ركبا السماء نفسها ثم حركوا أجنحتهم التي جلبت معها العواصف و الأعاصير المدمرة، هذه الأخيرة قامت بمحو الأعداء في طريقها نحو باسل


باسل الذي كان متوجها نحو الأقدم الكبير لم يلقي بالا لوحشي الفتخاء و استمر فقط في الاندفاع عبر زيادة قوة العاصفة النارية أكثر و أكثر، استخدم عنصر التعزيز و عزز سحر النار و تحكم به حتى أصبح يتحرك في السماء كما يشاء

لن يصل وحشي الفتخاء في الوقت المناسب، لذا أسرع الأقدم الكبير في إخراج إكسير التعزيز و شربه بسرعة كبيرة

بووووم

انفجرت هالته و غطت الساحة بأكملها جاعلة كل الموجودين يرتجفون و يُضغطون من هالة ساحر بالمستوى العاشر

حرك الأقدم الكبير سيفه الأثري، بعدما ارتفع مستوى آخر أصبح تحكمه في سيفه الأثري من الدرجة الرابعة أكبر مما كان عليه، و توجه نحو باسل منطلقا كالرياح

بااام بااام بااام

تلاقى سيفيهما مع بعض و انطلقت الشرارات و ارتدت الأعاصير التي استهدفت باسل، و حمت العواصف جسد الأقدم الكبير من سيف باسل

بدأ باسل يتعود أكثر و أكثر على المستوى التاسع و بدأ يجيد التحكم فيه مع مرور الوقت، مهارته تتطور مع الوقت. أخرج سيفه الثاني و شحذ طاقة عنصر التعزيز أكثر، و كذلك عنصر النار، و في الحال كوّن اللهبين اللذين على شكل سيفين


و بتلويحه، امتد اللهبين على شكل سيفين و قطعا الهواء نفسه، عندها، أحس باسل بقوة عنصر التعزيز التي أصبح يتحكم بها بشكل جيد أكثر و أكثر، أحس بإمكانياتها بالمستوى التاسع في قمته

عندما لوح، امتدت طاقة عنصر التعزيز مصطحبة معها طاقة عنصر النار المعززة كل الطريق نحو الأقدم الكبير

بووووم

دافعت العواصف الناتجة من تلويح السيف الأثري عن الأقدم الكبير و قاومت تلك الطاقة التي بدا كما لو أنها تشكلت في لحظة أمامه، و في الأخير ربحت الطاقة التي بدا كما لو أنها تشكلت على حين غرة و اخترقت العواصف و قطعت من خلال الأقدم الكبير

قطعت الطاقة من خلال الدرع السحري من المستوى التاسع وصولا للجسد، لكنها بعدما مرت من كل تلك العقبات، لم تترك آثارا كبيرة على جسد الأقدم الكبير سوى بعض الجراح، حدق باسل في سيفيه و ابتسم، أحكم القبض عليهما ثم تكلم "لهذا أحب السحر، دائما ما أجد به أشياء جديدة تثير اهتمامي، حسنا، سأطلق على هذا الهجوم 'الامتداد الكلي'، و الآن كل ما علي فعله هو استخدامه لمرات قليلة أكثر ليكون قدرا و أهلا للاسم الممنوح له"

شحذ باسل طاقته من جديد، جسده بدأ يقترب من الحدود بالفعل، لكنه مع ذلك لم يهتم و استمر، جراح الجسد سهلة الشفاء، جراح بحر الروح هي الصعبة، لذا لم يلقي بالا لأمر جسده و استمر فقط في استخدام عنصر التعزيز بجنون

عبس الأقدم الكبير، لكن ابتسامة ظهرت حينها على وجهه

ووووووش بااااام

ظهر وحشي الفتخاء و استخدما قدرتهما لصنع حاجز غير مرئي ثم ضربا باسل حتى أرسلوه محلقا من دون توقف


لكن هذا كان ما ظنه الأقدم الكبير فقط، فباسل الذي قام بتفجير عاصفة نار جعلته يتوقف من الطيران، دافع في آخر لحظة عن نفسه عبر سيفيه الأثريين، هذين الأخيرين قاما بتشكيل طاقة متموجة في الهواء مشكلين حاجزا تبعا لإرادة باسل

ابتسم باسل و قال "الامتداد الكلي في الدفاع، جيد حقا"

كان الامتداد الكلي الذي اكتشفه باسل عبارة عن امتداد لطاقة عنصر التعزيز، هذا الأخير بإمكانه الإحاطة بجسد مستخدمه مثلا و تعزيزه، لكن عند بلوغ المستوى المطلوب، سيكون بإمكان هذا المستخدم أن يجعل عنصر التعزيز يمتد خارج جسده و ينطلق كامتداد لجسده

فيكون باستطاعته حتى لكم شخص بعيد عنه بعشرات الأمتار عبر هذا الامتداد، و هذا ما فعله باسل أول مرة نفذ فيها 'الامتداد الكلي'، عندها، بسبب تفاجؤ الأقدم الكبير، ظن أن تلك الطاقة قد تشكلت أمامه على حين غرة، لكن في الحقيقة، لقد كانت تلك امتداد لتلويح سيفي باسل، لكن المثير في هذا الأمر، هو تحكم باسل في السحر الذي كان قادرا على جعله يجعل عنصر التعزيز يصطحب معه عنصر النار في هذا الامتداد

ما يجعل عنصر التعزيز أقوى سحر من بين الأربعة عشر سحر أساسي في هذا العالم حقا هو إمكانياته الكبيرة، فإمكانيات عناصر السحر الأخرى لا تقارن به أبدا، فمثلا إمكانيات عنصر الرياح الجديدة ليست بالشيء الكبير مقارنة بإمكانيات عنصر التعزيز، بما أنها تقوم بجعل ساحر الرياح يطير في السماء بحرية كبيرة و تزداد درجة تحكم في الرياح لدرجة مخيفة، مع كل هذه الإمكانيات المذهلة، على الأقل في حالة باسل و الأقدم الكبير، فـ'الامتداد الكلي الخاص بباسل يتفوق على تحكم الأقدم الكبير في رياح هذا العالم كأنها رياحه الخاصة

عبس الأقدم الكبير بشدة ثم حدق في باسل بحقد شديد، مثل هذا الغر، يا لها من موهبة لا تصدق يملكها، فكر الأقدم الكبير أنه عليه حقا قتل هذا الوحش الصغير هنا قبل فوات الأوان

فجأة، سعل باسل الكثير من الدماء، ملابسه البيضاء المتمزقة أصحبت حمراء كليا بدمه و ددمم الأعداء، مما أعطى لباسل شعورا غير مريح قليلا

عند سعله لتلك الدماء، أحس باسل باقتراب حدوده حقا، حدق في الأقدم الكبير و تكلم بعدما ضيق عينيه "من أنتم؟ ما هدفكم؟"

حدق الأقدم الكبير في باسل بعدما سمع كلامه و تحدث "من نحن؟ ما هدفنا؟ حسنا، هذا شيء ستعلمونه عما قريب على أي حال، لذا ليس هناك مانع من إخبارك، نحن الأشخاص الذي وكلت لهم مهمة من قبل الأسياد، نحن الذين سنحكم هذا العالم عما قريب، سنحكم هذا العالم من أجل الأسياد، أي شخص سيعلم باسمنا و وجودنا عما قريب، هذا الاسم الذي سيجعل أي شخص في هذا العالم يرتعب عند سماعه، هذا الاسم الذي سيتربع على عرش هذا العالم من أجل الأسياد، نحن 'حلف ظل الشيطان'، نحن خليفة الأسياد في سيادة هذا العالم، كل شخص عليه طاعتنا، كل شخص عليه خوفنا و رهبنا، فزعنا سيجلب الكارثة التي ستفتح الطريق إلى السيادة العظمى"

في لحظة، عم الهدوء في كامل الساحة، ما الذي يتحدث عنه هذا الشخص؟ سيادة هذا العالم؟ كارثة؟ الطريق إلى السيادة العظمى؟ لم يفهم أي شخص هنا ما الذي يحدث حقا أو ما الذي يقصده ذلك الشخص بكلامه غير باسل و أنمار

حلف ظل الشيطان، تردد هذا الاسم في مسامع باسل مرارا و تكرارا، لم يسعه سوى أن تستغرقه الأفكار، هذا الاسم أكد شيئا واحدا لا غير، الشياطين لديهم يد في هذا الأمر كما كان متوقعا، و انطلاقا من هذه الفكرة، عرف باسل مَن الأسياد الذين تحدث عنهم الأقدم الكبير، لكن ما لم يفهمه هو أيضا، هو 'الكارثة التي ستفتح الطريق للسيادة العظمى'، هل عنى به أنهم سيقومون بحرب من أجل سيادة هذا العالم أم شيء أكثر من ذلك


تحدث باسل بعدما أحكم قبضتيه على سيفيه "حثالة باعت روحها للشيطان، ليس هناك مجال لتبقى على قيد الحياة في حضوري بعدما عادتني، تبيع روحك من أجل العظمة و القوة، هذا أحقر شيء قد يفعله أي شخص في الوجود، يجب أن تقدر روحك التي منحت لك، لكنك لم تفعل ذلك، بل و أيضا بعتها، لمن؟ للروح الشريرة"

"...يجب تصفيتكم من هذا العالم أيتها الآفة، لا يهمني ما الذي تنون فعله بعد الآن، لكن الشيء المؤكد و الواضح تماما هو أنكم عدو لي، أنتم عقبة في طريقي فقط، مجرد حجر يجب علي إزاحته من رحلتي في 'المسار الروحي'، بمجرد ما أن تقوم بإهداء روحك للشيطان، فعندها تلك نهايتك، 'المسار الروحي' يجب أن يخلو من الشوائب، و لن يستطيع السير فيه سوى من يُبقي على روحه سليمة"

"همف" استهجن الأقدم الكبير و شحذ طاقته ثم صرخ "ما الذي يعلمه *** صغير مثلك ! ؟ نحن نخدم الأسياد الذين سيقومون بأخذنا معهم للسيادة العظمى، بيع روحي؟ و ماذا في ذلك ! ؟ إن كان سيحقق لي رغباتي و أهدافي، فذلك شيء سهل للقيام به"

"في الأخير هذا هو حدكم" تكلم باسل بنبرة خطيرة "أن تتبعوا و تعبدوا من سلمتم روحكم إليه، أشخاص مثلكم لا يستحقون حتى أن يقفوا في مساري الروحي، إن أردت العظمة و القوة، إن أردت تحقيق رغباتك و أهدافك، فاحفظ روحك من أجل ثباتها بالمسار الروحي، و اتبع طريق الأقوياء، لاحق أحلامك و حققها بيدك، عندها، ستحس بالإنجاز الحقيقي عندما تحققها، أما إن حققت أهدافك و روحك لم تعد تنتمي لك، فما الغاية إذا؟ ما الغاية إن لم تكن لك روح لتتمتع بالإنجاز الذي قمت به؟ هذا إن كنت قادرا على الاستمرار في رحلتك بالمسار الروحي بروح ضعيفة و لا تملك أنت مالكها السيطرة عليها، في النهاية، ليست سوى كلمات روح فقيرة، الشفقة عليك"

صرخ الأقدم الكبير "هاا" و شحذ طاقته السحرية كما تحكم في وحشي الفتخاء و انطلق راكبا العربة، استخدم سحره و سحر الوحشين ثم صنع أعدادا هائلة من الرماح و السيوف من الرياح و التي لف حولها حاجزا بقدرة وحشي الفتخاء ثم أضاف مرة أخرى رياح قاطعة تكهربت من شدة دورانها و تداخلها في بعضها، في الحال كان قد كون آلاف الرماح و السيوف

ووووووووش

توجهت الرماح و السيوف كلها مرة واحدة تجاه باسل، هذا الأخير استعد و جمع كل ما يملك من طاقة، شحذ عنصر التعزيز و عنصر النار، دمجهما ببعضهما ثم بالسيفين الأثريين. التفت النار الحارقة حول باسل و أصبح كملك نار يقف في السماء

صرخ باسل "الامتداد الكلي" و لوح عدة مرات بسيفيه اللذين امتدا و قطعا كل ما استهدفه باسل على بعد شاسع


بينما باسل يدافع عن نفسه، ظهر وحشي الفتخاء أمامه و ركلاه مع صراخهما الذي يصم الآذان "إييييييك"

حمل ركلتاهما قوة قدرتهما و أرسلتا باسل محلقا لمئات الأمتار، لاحقه الأقدم الكبير بعربته بسرعة و وجه نحوه الرماح و السيوف صارخا "فلتمت أيها الصعلوك"

ووش ووش

دافع باسل بكل ما يملك، أصيب بعدة جروح إضافة لجراحه التي تسببها الطاقة الخارجية و مع ذلك استمر في استخدام عنصر التعزيز بجنون، شحذ طاقته إلى أوجها بكل ما يملك و لوح نحو الأقدم الكبير فالتشر مكونا عدة موجات من عنصر التعزيز و عنصر النار

قام الأقدم الكبير بتلويح بسيفه عدة مرات مكونا عدة عواصف، لكنه يعلم أنها لن تعمل، لذا تحكم في قدرة وحشيه و كون عدة حواجز مرة تلو الأخرى حتى استطاع قتل قوة تلك الطاقة التي استهدفته

وصلت المعركة لقمتها و كذلك قوة الطرفين، كلاهما بدأ يبلغ حده، توقف الأقدم الكبير عن استخدام قوة الوحشين، لم يعد بإمكانه استخدامها أكثر، فكل ما كان بإمكانه فعله للآن هو المحافظة على وجودهما

أما باسل فكان جسده محطما، لقد صبر و تحمل كثيرا، لكنه لم يعد يستطيع الاستمرار بنفس المردودية التي كان يعطيها قبلا، أصبح مرهقا كثيرا و غير قادر على استخدام طاقته بشكل صحيح

كذلك الأقدم الكبير، أرهق كثيرا و لم يتوقع أن باسل سيستمر في مواجهته بمساواة هكذا، و كخيار أخير أخرج كنزا و ابتسم ثم قال بداخله "إن لم تمت بالطريقة العادية، فليس هناك خيار آخر سوى تدمير بحر روحك"


كان الكنز الذي أخرجه عبارة كرة صغيرة زرقاء يحيط بها خطوط عريضة أكثر زرقة تشبه الأفاعي، بداخلها توهجت طاقة تشبه الخاصة بأحجار الأصل، طاقة بلون أزرق فاتح، لكن هذه الطاقة لم تكن هادئة كالخاصة بأحجار الأصل، و على العكس كانت تتكهرب و تبدو كما لو أنها ستنفجر في أي لحظة

حدق الأقدم الكبير في تلك الكرة و تكلم بداخله "قد يكون خسارة إضاعة مثل هذا الكنز على مثل هذا الصعلوك، لكن لا يوجد خيار آخر"

شحذ الأقدم الكبير طاقته و حلق نحو باسل، هذا الأخير استعد له و شحذ طاقته كذلك، لقد وصل لحدود حدوده بالفعل، كل ما يحركه الآن هو إرادته، يجب عليه التحمل لوقت أطول قليلا فقط و إنهاء كل شيء في هذه الهجمة

توغلت الطاقة الخارجية لجسد باسل بسرعة كبيرة مدمرة إياه، مما دل على الكمية التي بدأ باسل يستهلكها من طاقة عنصر التعزيز، إنه عازم على تنفيذ هجمة أخيرة

أصبح اللهبين على شكل سيفين أكثر إشراقا، و الضوء الأزرق المحيط بهما أصبح عريضا و بدأ يصبح أكثر سمكا كلما شحذ باسل طاقته

و في النهاية أصبح اللهبين محاطين بطاقة زرقاء بنفس حجمهما مما جعلهما يبدوان كسيفين ضخمين بطبقتين مختلفتين، وضع باسل كل ما يملك من طاقة بهما

صفق الأقدم الكبير بيديه و صرخ بينما يستجمع آخر قطرات طاقته ثم كون ثلاث أعاصير مرة واحدة، كانوا كبارا كفاية لتحريك الساحة بأكملها معهم، بإشارة منه وجههم نحو باسل

حُوصر باسل من جميع الجهات بالأعاصير، فاستجمع كل ما امتلك من قوة و لوح بسيفه نحو الأقدم الكبير


بووووووم

انفجرت الأعاصير مرة واحدة و ثُقِب الهواء نفسه من شدة الضغط حتى وصلت طاقة اللهبين على شكل سيفين بسبب الامتداد الكلي للأقدم الكبير الذي دافع عن نفسه بشدة، و بينما يدافع لوح بسيفه تجاه باسل الذي لم يعد يقوى على الدفاع عن نفسه

مزق الامتداد الكلي الخاص بباسل الأقدم الكبير، ثم انطلقت موجة من الرياح نحو باسل الذي دافع بسيفيه مع أنه لم يكن لديه قدرة تحمل كافية للدفاع بها

قعطت الرياح من خلاله، ثم من حيث لا يدري، ظهر بالرياح تلك الكرة الزرقاء، و عندما شاهدها باسل، شحُب وجهه كثيرا و تكلم بصوت مرتفع من شدة الصدمة "كرة الروح الهائجة؟"

لمست الكرة جسد باسل و تحولت لضوء ثم اخترقت جسده مرورا لبحر روحه

عندها، ضحك الأقدم الكبير بينما يدافع في آخر لحظاته "تأكدت نهايتك أيها الغر الصغي..." و لم يكمل كلامه حتى سالت منه الدماء كالشلال فصرخ بشكل مزري "غااااااه"

تحرك وحشي الفتخاء فاستخدما عنصر الرياح الخاص بهما و دمجاه بقدرتهما مما جعل سرعتهما كبيرة جدا و وصلا في لحظة تحت الأقدم الكبير و حملاه بالعربة

بمجرد ما أن دخلت الكرة التي تحولت لضوء إلى بحر روح باسل حتى صرخ هذا الأخير بشكل مزري "آآآآآه"


لم يصرخ هكذا من قبل، اهتاجت طاقته و لم تعد مستقرة بعد الآن، بحر روحه كان يتزلزل بشدة و أوشك على الانكسار كليا. الأقدم الكبير الذي كان يشاهد هذا الأمر ضحك بينما كانت حالته مثل حالة النصف ميت

توقف الجميع عن أيّ كانوا يفعلونه و ركزوا على مشاهدة باسل، صرخت أنمار بشدة "باااسل" و كذلك فعل الكبير أكاغي و البقية الذين كانت حالتهم مزرية بعد قتالهم للأقدم الكبير، لم يسع تورتش و بقية قادة التشكيل سوى التحسر في مكانهم

بينما تسيل منه الدماء بغزارة، ضحك الأقدم الكبير بجنون "كياهاهاها" ثم تكلم "كازيمارو، شاهين، فلنتحرك، سيكون هناك انكسار بحر روح كبير"

أسرع شاهين و كازيمارو بالتحرك و انطلقا نحو العربة ثم ركباها، تحدث الأقدم الكبير آمرا الوحشين "تحركا"

أنشأ الوحشين الطريق الغير مرئي و حلقا في السماء مبتعدين، استمرت طاقة باسل في الهيجان، لكن في لحظة

ووووووش

هدأت طاقة باسل تماما، كما لو أنه لم يحدث أي شيء، فتح الثلاثة الذين يركبون العربة أفواههم من شدة الصدمة، خرجت كلمة واحدة من فم كازيمارو "مستحي..." لكن هذه الكلمة لم تكتمل حتى طار رأسه من مكانه، طاقة ملكية امتدت من جهة باسل و تشكلت كـيد ضخمة كافية لحمل سبعة أشخاص مرة واحدة ثم قطعت رأس كازيمارو مع صوت سسسسش ثم اختفت اليد التي جلبت معها أحكام ملكية و بدا كما لو أنها يد ملكية يمكنها أن تهيمن على كل شيء

لم يعرف أي شخص ما حدث، باسل لا زال بعيدا عنهم، إنه يقف في السماء من دون أن يتحرك سنتمتر واحد، لكن الشيء الذي تغير به، كانت تلك الطاقة الملكية النقية للغاية التي التفت بجسده، و القطعة الأرضية الصغيرة التي ظهرت أسفل قدميه كما لو أنها تحمله، في ذلك الحضور، لم يستطع أي شخص الوقوف على قدمه بشكل صحيح و فشلت أركبهم فجثوا على الأرض

فقد الأقدم الكبير و شاهين ألوانهما، صرخ الأقدم الكبير بعدما شاهد رأس كازيمارو يطير من مكانه "انطلقااا" صرخ بجنون، لا يعرف ما الذي حدث بالضبط، لكن كرة الروح الهائجة لم تنفع، لماذا ! ؟ هذا الفتى استمر في القيام بالعجائب حتى النهاية، تحرك وحشي الفتخاء بسرعة كبيرة هاربين

لكن من دون أن يلاحظ أحد حتى كان باسل أمام وحشي الفتخاء، ظهر كما لو أنه انتقل آنيا، لكن الحقيقة هي أنه تنقل بسرعة ضوئية جعلت من سرعة العربة التي يقودها وحشي الفتخاء اللذان كانا يطيران بسرعة تصل لآلاف الأميال في الساعة تبدو بطيئة، توهجت عيني باسل بضوء أبيض لامع، سيفيه الأثريين قد سقطا منه بالفعل أثناء هيجان طاقته، فرفع ذراعه للسماء

قبل أن ينزل بذراعه، توهجت القطعة الأرضية و صعدت الطاقة مع جسم باسل و توجهت لذراعه اليمنى التي رفعها و عندها نزل بها للأسفل مع صوت زباااام ظهرت طاقة ملكية حملت معها عنصري التعزيز و النار معا و دمجتهما ثم عدلتهما ليصبحا طاقة أنقى، امتدت الطاقة الملكية من يد باسل و نزلت على العربة في لحظة، تخطت الطاقة الملكية الوحشين وصولا للأقدم الكبير ثم قطعته لنصفين قبل أن يدري، ثم قطعت بقايا جسده لأجزاء صغيرة جدا حتى أصبحت جثته كالرمال

اختفى الوحشين كما لو أنهما تبخرا بموت سيدهما، فنزلت العربة من السماء بينما يحاول شاهين إيجاد طريقة لإنقاذ نفسه من السقوط من هذا الارتفاع الشاهق و من هذا الوحش المرعب

عندها، خمدت طاقة باسل و اختفت القطعة الأرضية الصغيرة من تحت قدميه ثم سقط من السماء هو الآخر متوجها نحو الأرض

بلع الجميع ريقهم و استعادوا أنفسهم التي هربت مع اصطحابها للروح معها من شدة الارتعاد من تلك الطاقة الملكية التي طغت على كل شيء

بعدما هدأت تلك الطاقة التي أطلقها باسل على حين غرة، تنفس الجميع الصعداء أخيرا بعد أن كانوا يشعرون بالاختناق من ذلك الوجود الذي أصبح عليه باسل سابقا، في مثل ذلك الحضور لم يكن بإمكانهم التحرك لإنش واحد

رأوا تلك القوة العظيمة التي أظهرها باسل، لقد محى الاثنين القويين من الأعداء بتلك السرعة الخيالية، أنْهاهُم كما لو أنهم حشرة، قطع رأس ذلك الكازيمارو الذي وجد الجنرال رعد و الإمبراطور غلاديوس بمعاونيه صعوبة بالغة في مواجهته في لحظة كما لو أنه لا شيء تماما

ثم بعدها تحرك بسرعة خيالية و استخدم قوة مهيمنة حولت ذلك الأقدم الكبير لرمال، لم يترك منه لحما و لا عظما، كلهم جربوا قوة ذلك الأقدم الكبير و شاهدوها بأعينهم، لكنه قتل بمثل هذه الطريقة التي لا يتمناها أي أحد، لم يبقى من جثته أي شيء

هذا الأمر جعل الجميع يفرحون، لكنهم في نفس الوقت أحسوا بالرعب الشديد من ذلك الفتى الصغير، لا، هل يجب حتى مناداته بفتى بعد ما شاهدوه يفعل؟ ذلك ليس من عمل البشر، لا يمكن لذلك الفتى أن يكون فتى، إنه وجود غير طبيعي

شعر الجميع بغرابة كبيرة

بينما يتساقط باسل من السماء، كان شاهين في مثل حالته تقريبا، الفرق الوحيد هو أن باسل غائب عن الوعي، أما شاهين فلا زال واعيا بالكامل، لا زال واعيا كفاية ليدرك أن عليه التخلص من هذا الوحش الصغير قبل أن ينمو أكثر مما هو عليه

لا يمكنه استخدام سحر الرياح بحرية كبيرة و يتحكم فيه بشكل جيد حتى يكون باستطاعته الطيران في السماء بأريحية بواسطته مثل الأقدم الكبير، لكنه مع ذلك لا زال بإمكانه استخدامه لخلق قوة دفع كما فعل باسل عن طريق العاصفة النارية التي كان يكونها لترفعه للسماء، لا يمكنه التحكم في السحر مثل باسل و تكوين مثل تلك العاصفة و التحكم فيها باستمرار لمدة طويلة، لكنه بإمكانه استخدام قوة الرياح لتدفعه بقوة كافية ليصل لباسل

تذكر مقتل كازيمارو و الأقدم الكبير و أصبحت عينيه حمراوين، لن يسمح لهذا الغر أن يهرب أبدا، كازيمارو كان مثل أخيه، فهما كبرا معا، أما الأقدم الكبير، فكان أخاه الأكبر، لقد قتل هذا الوحش الصغير أخويه الاثنين مرة واحدة أمام عينيه، فكيف له أن يضيع مثل هذه الفرصة المواتية بعد أن ظهرت


شحذ طاقته السحرية بسرعة و بدأ يكون رياحا وراءه، مر وقت طويل منذ أن تم إزالة أصفاد السحر عن يديه، لذا قوته رجعت لحالتها الطبيعية، خصوصا بعد تحفيزها بالقتال ضد تورتش، استل سيفه و شحن به طاقته باستمرار، لقد شرب قبل مدة ليست بطويلة إكسير التعزيز، بحر روحه لا يزال غير مستقر لكي يغامر بشرب إكسير تعزيز آخر ليكون قادرا على استخدام سيفه الأثري من الدرجة الثانية، لكنه لا يحتاج لذلك، فسيفه السحري من المستوى الخامس لوحده كاف ليقتل ذلك الوحش الصغير النائم

بعد بلوغ طاقته السحرية أوجها، انكمش في مكانه - بينما يتساقط من السماء - بتقريب ركبتيه لذقنه، ثم ركز سحر الرياح الذي شحذه سابقا و فجره مرة واحدة

باام

انفجر الضغط مرة واحدة ثم انطلق بعد إطلاقه لصوت كقنبلة صوتية، كان سرعته كبيرة جدا، لم تصل لسرعة الأقدم الكبير عندما يطير باستخدامه سحر الرياح، لكن مع ذلك سرعته كانت كافية ليصل لباسل و يخترقه بسيفه السحري المشحون بالطاقة السحرية في كامل قوته، ضربة من هذا السيف في حالة باسل الحالية، ستكون موتا مؤكدا بلا شك، جسد باسل كله مهشم من جميع النواحي، مجرد ساحر من المستوى الأول سيكون قادرا على قتله في الوقت الحالي

"فلتمت أيها الوغد، الدم بالدم، بعد قتلك سأحرص على الرجوع إلى هنا و قتل تلك اللقيطة الصغيرة التي تهتم بها، و أبحث عن عائلتك ثم أمحوها من الوجود، سوف أقتل كل من تعتز به و أجعل كل شيء بَنيته يوما غير موجود" صرخ شاهين بينما يقترب من باسل موجها سيفه على شكل أفقي مخترقا الهواء بسرعته الكبيرة

ضمن شاهين قتله لباسل و ارتاح قليلا، ثم بدأ يفكر في طريقة للهرب بعد أن يقتل هذا الوحش الصغير النائم، لكن في هذه اللحظة

زززشش

مر من جانبه صعق برقي كاد أن يشويه تماما، راوغه في آخر لحظة عن طريق تحريف مساره الشخصي بانفجار من الرياح، لو أنه قد أصيب بهذا الهجوم لمات من دون شك، التف ليجد الجنرال رعد يشحذ طاقته من أجل الهجوم مرة أخرى

عندها عرف أنه يجب عليه الإسراع أكثر مما هو عليه، انطلق مع صوت باااام ينفجر من وراءه بسبب الرياح و لم يبقى بينه و بين باسل سوى أمتار قليلة

ابتسم و أرجع سيفه للخلف مستعدا للطعن، صرخ من شدة غضبه "مت أيها الوحش الصغير"


تشششششش

قطع شاهين من خلال باسل الذي انقسم لاثنين و انتشرت دماؤه في السماء بغزارة............... يتبع!!!!!!!!!


(الجزء الثاني)


فأحس شاهين بشعور لا يوصف من السعادة و السرور، لقد انتقم لأخويه، لذا فقد نفذ واجبه تجاههما، و الآن عليه الهرب بسرعة من هذا

لكنه أدرك شيئا ما في آخر اللحظات، لقد كان قتل ذلك الوحش الصغير سهلا للغاية بالنسبة للحالة التي هو فيها، لماذا لم يتحرك أي أحد آخر غير الجنرال رعد؟ لو أنهم فعلوا لما كان بإمكانه النجاح في مهمته و سيضطر للتركيز على الهرب بكل ما يملك متخليا عن فكرة الانتقام للوقت الحالي

عندها تذكر أمرا و شحُب وجهه كثيرا، كيف لهم أن لا يتحركوا؟ لن يفعلوا إلا إن كان لهم هدف وراء ذلك، و في لحظة، وجد شاهين نفسه محاصر من جميع الجهات

مع أنهم كانوا بالأرض و هو لا يزال بالسماء محلقا بسبب قوة الدفع الكبيرة، إلى أنه لا يمكنه البقاء في السماء لكل هذا الوقت، و الأكثر من ذلك، لا يمكنه مراوغة كل هؤلاء الشخصيات العظيمة مرة واحدة

من جميع الجهات أحاط به الإمبراطور غلاديوس من الأمام، و مساعديه من اليسار و الإمبراطور شيرو من اليمين، و بالخلف يوجد الجنرال رعد و البقية

"همم..." استغرب شاهين ثم لاحظ أن الجنرال رعد الذي كان يشحذ طاقته السحرية غير موجود، بحث في كل مكان، أين ذهب؟ اللعنة عليه، أين اختفى؟

في هذه اللحظات التي كان محاصرا بها و لا يعرف ما الذي يحدث هنا؟ تكلمت أنمار "ألا زلت لا تعرف ما يحدث؟ سأنيرك لجعلك تغرق في ظلام أكبر"

لوحت بسيفها الأثري من الدرجة الثالثة ثم بدا كما لو أنها قد اخترقت الفضاء نفسه و قطعته، كما لو أنها قد شوهت الفضاء، لكن مع انتهاء تلويحها حتى ظهرت الصورة الحقيقية، باسل الذي كان مقطوعا لنصفين اختفى، و الجنرال رعد الذي اختفى من أمام عينيه كان يحمل باسل في الأسفل

تكلمت أنمار "هل تعتقد أن حثالة مثلك يمكنه إيذاء رجلي؟ ذلك لن يحدث سوى في أحلامك أو في أوهامي التي أمتعك بها قبل أن أجعلك تدرك الحقيقة القاسية"

عبس شاهين و لاحظ أن سرعته في السماء قد قلت كثيرا حتى أن قوة الدفع من السابق لم تعد كافية للإبقاء عليه محلقا و بدأ يسقط من السماء، لكن ليس هناك ما يفعل، أمامه الموت و خلفه ابن عمه، سواء أ قام بدفع نفسه للأمام أو ترك نفسه يسقط للأسفل أو تراجع، لا يهم ما يفعله، سوف يكون مصيره نفس مصير أخويه

لقد حوصر من جميع الجهات تماما، في هذه المرحلة ضحك الإمبراطور غلاديوس "أنا لا زلت أتعجب حتى النهاية"

قبل قليل من الوقت، عندما بدأ باسل و شاهين يسقطان من السماء، تكلم الإمبراطور غلاديوس بسرعة "هذا سيء، الفتى سيكون في خطر، يجب علينا إنقاذه"

عندها ظهرت أنمار و أوقفته قائلة "لا، لا تفعل، سأريد من باسل أن يلعب دور الفريسة لقليل من الوقت"

تكلم الإمبراطور غلاديوس "ها؟ هل تعلمين ما تقولين يا فتاة؟ الفتى سيموت إن انتظرنا أكثر"

تدخل الجنرال رعد "ما الذي يدور في خلدك؟"

"حسنا، أريد منكما..." أعطتهم أنمار تعليمات الخطة بكل سرعة

بالعودة للحاضر

تكلم الجنرال رعد الذي يحمل باسل "لقد خُدِعت يا رجل من طرف الفتاة الشقراء"

"همم...؟" عبس شاهين، فهم ما حدث أخيرا، كل تحرك حتى الآن كان من مخطط تلك اللقيطة، عض على شفتيه حتى سال الدم منهما

حتى هجوم الجنرال رعد سابقا كان من الخطة، أولا، تركوه يعتقد أن بإمكانه حقا قتل باسل، ثم عندما يقترب من فعلها، هاجمه الجنرال رعد باستماتة، أو بدا كما لو أنه كان مستميتا، ففي الحقيقة كان ذلك مجرد فعل لصرف انتباهه للحظات، في تلك اللحظة، تفعّلت خدعة أنمار، تلك اللحظات القليلة كانت كافية لتخلق وهما على مدى واسع كهذا، و بما أن شاهين مجرد ساحر في المستوى الخامس، فلا يمكنه الكشف من خلال وهمها إلا بعد مرور مدة طويلة


لذا عندما راوغ هجوم الجنرال رعد، و رأى أنه قد اقترب من باسل، ارتاح و اعتقد أنه نجح، و بالنسبة له، فقد فعل، لكن حتى تصرفه هذا كان متوقعا، سابقا قالت أنمار للإمبراطور أنها ستجعل من باسل 'الفريسة'، لكن حتى أنمار لن تقوم أبدا بمثل هذا الشيء في حق باسل، و ما قصدته فعلا، هو وهم يكون باسل فيه هو الفريسة

و كل هذا من أجل شيء واحد، كل هذا التخطيط من أجل محاصرة شاهين، فأثناء انشغاله بقتل باسل الوهمي، أثناء ذلك، تحرك الإمبراطورين و الاثنين الآخرين ثم أغلقوا طريق هروبه

أما الجنرال رعد الذي شحذ طاقته مرة أخرى ليهاجمه بعد أن هاجمه في المرة الأولى، فقد كانت تلك خدعة فقط، ففي الحقيقة هو كان يشحذ طاقته من أجل الانطلاق بسرعة و إمساك باسل الذي سيكون قريبا من الاصطدام بالأرض

في النهاية، كان يلعب في راحة يد أنمار، و قامت بجعله يتحرك على هواها و كيفما شاءت، قامت بهذه المسرحية كلها حتى تضمن القبض على شاهين، لو أنها سمحت للإمبراطور غلاديوس و البقية بالدفاع عن باسل، للاحظ شاهين عدم امتلاكه أي فرصة و ركز على الهروب بكل ما يملك، قد يكون بإمكانهم إمساكه عبر اللحاق به، لكن أنمار لا تريد أخذ مثل هذه المراهنة، امتلاك الأقدم الكبير 'كرة الروح الهائجة' جعلها حذرة أكثر مما تكون عليه بكثير

تكلمت أنمار بعبوس "لقد كان أصدقاؤك السبب في معاناة باسل، لا تظن أنك ستهرب من دون الإفصاح عن بعض المعلومات"

حوصر شاهين تماما، و احمرت عينيه ناحية أنمار و لعن كثيرا، فجر الرياح ثم انطلق متوجها نحوها "أنت السبب أيتها الغرة اللقيطة، سأقتلك أنت على الأقل لأترك ذلك الوحش الصغير يتعذب، لن أخرج فارغ اليدين"

توجه نحوها بسرعة كبيرة، أراد الإمبراطور غلاديوس أن يتحرك فرفع الجنرال رعد يده موقفا إياه. اقترب شاهين من أنمار و صرخ بينما يندفع بكل طاقته

أوووووه

اجتمعت حوله الرياح و وضع سيفه أفقيا في المقدمة أصبح كسهم بشري خارق

بووووم


اخترق أنمار، أو هذا ما اعتقده، و في لحظة وجد نفسه مخترقا الأرض، و أنمار الحقيقية كانت خلفه رافعة سيفها بالسماء مستعدة للنزول به

تكلم الجنرال رعد بداخله "كما هو متوقع من شريكة الفتى القرمزي"

ظهرت نظرات الرعب على وجه شاهين بعد أن علم الحقيقة، في النهاية، اكتشف أنه خدع حتى النهاية

خداع أنمار لم يتوقف عند النقطة التي حوصر فيها، و المقصد الكامل من هذه الخدعة هو الوصول لهذه المرحلة، عرف بأن تلك الأنمار التي كانت تكلمه كانت نفسها مجرد وهم آخر كان يستفزه ليتحرك كما يريد منه أن يفعل، و أنمار الحقيقية كانت مختفية عن أنظاره تنتظره ليبتلع الطعم للمرة الثانية

لم يتحرك في راحة يدها فقط، بل جعلته يتحرك في منطقة محدودة من راحة يدها، مما جعله أكثر توقعا في تحركاته بالنسبة لها

زبااااام

نزلت على قدميه قاطعة إياهما

صرخ شاهين بجنون من الآلام، شاهد قدميه أمامه، فقط في هذه اللحظة، تمنى لو أنه لا يزال يُخادع من طرف هذه الفتاة، لكن للأسف، هذه المرة كان كل شيء حقيقي، انتشرت دماؤه في كل مكان و نزف بشكل غير متوقف حتى غاب عن الوعي

تكلمت أنمار بينما تحدق به باحتقار "فليوقف أحدكم نزيفه، لا يزال باسل في حاجة إليه" و بعد انتهاءها اتجهت نحو الجنرال رعد الذي أنزل باسل للأرض

تحرك بعض الجنود، و كان من بينهم 'هيل' الذي قام تقريبا بكل العمل، استخدم سحره ليعالج شاهين مؤقتا لإيقاف النزيف و إبقائه على قيد الحياة للآن

دو، دو، دو، دو

أصوات تقترب و ترتفع حدتها مع الوقت، اتخذ الجنود ذوي المستوى الضعيف احتياطهم، لكن الجنرال رعد تكلم "لا تقلقوا، إنها مجرد قوات كان يفترض بها تعزيز صفوفنا"

يترأس هذه القوات رئيسي عائلتي 'آو' و 'كيِرو'، 'آو لان' و 'كيِرو هوانغ'، بعد وصولهما صدما بعد معرفتهما بما حدث، مثل هذا الشيء معقول؟ فكروا في أنهم محظوظين لكونهم كانوا بعيدين، فلو أنهم كانوا هنا، من كان ليضمن نجاتهم؟

في هذه الليلة شهد جميع الشخصيات العظيمة التي قدر لها أن تكون هنا قوة جديدة، قوة ستغير هذا العالم، لن يطول الأمر حتى يصبح سحرة المستوى السابع شيئا من الماضي، سحرة المستوى السابع الذين مُجدوا كأقوى وجود في هذا العالم سوف يتكاثرون بسرعة خيالية، عندها، الألقاب ستتغير، الجنرال لن يكون ساحرا بالمستوى السادس بعد الآن، و كذلك الحال مع بقية الألقاب الحربية و النبيلة

وضعت أنمار باسل على فخذيها و تحسرت لرؤيته لا يزال يعاني، بحر روحه تعرض لــ'كرة الروح الهائجة'، حذرهم معلمهم منها مرارا و تكرارا، فهي شيء سيجعل من الساحر في خبر كان، لسبب ما، كان باسل قادرا على تجاوز محنتها، لكن بحر روحه غير مستقر الآن بتاتا، و يبدو كما لو أنه في حالة اهتياج مما جعل عنصريه الاثنين كذلك


جسده محطم تماما، بحر روحه مرهق لدرجة لا توصف، إنه يتعذب بواحد من أقسى أشكال التعذيب التي يمكن أن يتعرض لها الساحر، لكن و مع ذلك، لم تدمع عيني أنمار، عينيها شملت كل التعبيرات الحزينة التي يمكن أن تظهر على الشخص، لكنها لم تترك دمعة واحدة تهرب من جفنيها، و استمرت في تمرير يدها على رأس باسل بحنان، هذا المنظر جعلهما في صورة خلابة جدا

و مع بزوغ الفجر، امتدت أنظار الجميع للسماء، فإذا بأشعة الجرم السماوي ترمى عليهم مانحة إياهم شعورا لا يوصف بالدفء، معلنة بذلك عن نهاية ليل طويل كان سببا في برودة قلوبهم

في تلك اللحظة، لم يستطع أي شخص منع نفسه من التفكير في المنظر الذي شاهدوه، ذلك المشهد الذي جعل قلوبهم تُسلب من شدة جماله، كلهم حدقوا في جهة باسل و أنمار، و ببساطة، غمرتهم المشاعر، هذان الطفلان، في هذه اللحظة، لم يكونا سوى مجرد فتاة و فتى، لا أقل و لا أكثر

بعد كل ما شهدوه منهما، بعد كل ما شعروا به أثناء المعركة من خوف و رعب منهما، كل ذلك قد ذهب مع انبثاق الضوء الذي أعلن عن دخول يوم جديد، و الذي انسل من بين السحب متوجها نحو مكان واحد، نحو أنمار التي بدت كـملاك أتى للاعتناء ببطل من البشر جعلها تعرف ماهية المشاعر

في تلك اللحظة، كل شخص موجود ركز نظره عليهما، أنمار التي تمرر يدها بحنان، و باسل الذي يتعذب، كم كان هذا المنظر عاطفيا يا ترى؟

اقترب منهما شخص ما و تكلم "أيها السيدة الصغيرة، ما الذي سيحدث للسيد الصغير الآن؟" كان صاحب الصوت التاجر ناصر

التاجر ناصر قاتل مع الكبير أكاغي بكل ما يملك، لكن أحكم قبضته و لعن نفسه لعدم امتلاكه القوة الكافية، لم يستطع في النهاية المساعدة بأي شيء مفيد، بشعور كهذا، تقدم نحو أنمار ليسألها عن حالة باسل

بعينيها الزرقاوين، التي تجعلك تظن أنك تحدق في السماء الواسعة، و تجرك معها بعيدا، تجعلك تنغمس في أفكارك عميقا، حدقت في التاجر ناصر، و ببطء غيرت مسار نظرها لباسل و لم تتكلم

عرف التاجر ناصر ما المقصد من هذا الفعل، لو أنها عرفت لسارعت بكل ما تملك في البدء بعلاج باسل، لكنها لم تفعل، أحس التاجر ناصر بالعجز أكثر و أكثر، و وقف متجمدا في مكانه بينما يحدق في باسل لوقت غير معروف


أتى العديد من الأشخاص و أحاطوا بأنمار و باسل، الكبير أكاغي، الجنرال منصف، جميع القادة الذين شاركوا في هذه الحرب، وقف الرئيس 'آو لان'، الرئيس 'كيِرو هوانغ' و الرئيسة 'موراساكي فايوليت' بعيدا عنهم، شعروا أنهم لا ينتمون لذلك المكان

تكلم الجنرال رعد بعد مدة من الصمت الطويل "أيتها الفتاة الشقراء، للوقت الحالي، فلنذهب به لمكان مريح للاعتناء به"

حدقت أنمار به، و مع موافقتها، تحرك قادة التشكيل و حملوا سيدهم بحرص شديد، ثم اتجهوا به لعربة

كنهاية للحرب التي بدت كما لو أنها طويلة مع أنها لم تأخذ سوى بضعة أيام، تنفس الجميع الصعداء و تحدث الكبير أكاغي صارخا

[في هذه الحرب كلنا شاهدنا العجائب و الغرائب، لكن كل ذلك قد انتهى، و من الآن فصاعدا سنجعل من عالمنا مكانا أفضل، مكانا آمنا لعائلاتنا، أنا، كريمزون أكاغي، أعلن عن عودة 'إمبراطورية الشعلة القرمزية'، و كإمبراطور لها، سأحرص على بث الطمأنينة و السكينة في قلوب ساكنيها، أما الآن، النصر لنا في هذه الحرب]

رفع يده و صرخ [هووااااه]

و كذلك تبعه الجنود بحماس [هوواااااااه]

توجه القادة الكبار و الإمبراطورين مع الكبير أكاغي في المقدمة نحو القاعة الرئيسية

فور دخولها حتى أحس الكبير أكاغي بقلبه سينفجر، يا لها من سعادة شعر بها، خمسين عاما لم تكن سهلة على الإطلاق، كلها كانت معاناة و عدم قدرة على أخذ الثأر من العدو الذي وجب عليه طاعته

اتجه نحو عرش الإمبراطور و حدق به، غمرته المشاعر، و من دو أن ينطق بكلمة واحدة، جلس عليه فقط مع دموع تسقط من جفنيه ببطء كما لو أنها تسحب معها كل الآلام التي عاناها طوال هذه السنين


____

بعد مرور بعض الأيام

"متى سنقيم الاجتماع؟" تحدث الرئيس تشارلي

أجاب الكبير أكاغي الذي كان يجلس على عرش الإمبراطور "يا صديق والدي، نحن لن نقوم بأي تحرك و لن نقوم بأي اجتماع حاليا"

تنهد الرئيس تشارلي و قال "أنا أعلم أنك تريد انتظار الفتى باسل حتى يستيقظ، لكننا لا يمكننا إطالة انتظار الإمبراطورين بسبب هذا الأمر"

"اعذرني" تأسف الكبير أكاغي و تحدث بنبرة جدية "أنا لا أنتظر حليفنا باسل بسبب عاطفتي فقط، لكنه يجب أن يحضر هذا الاجتماع مهما حصل، فكما رأينا في الحرب، فهو بدا كما لو أنه يعرف من حلف ظل الشيطان الذي تحدث عنه ذلك الأقدم الكبير، حتى لو أقمنا اجتماعا، فلن نصل لنتيجة مرضية به، و سيتحول لاجتماع يتمحور حول الإكسيرات و الأدوات التي ظهرت مؤخرا، أنا أريد جعل من هذا شيئا ثانويا بجانب الموضوع الرئيسي الذي هو كيفية تعاملنا مع هذه القوة الغير معروفة التي ظهرت في عالمنا"

تنهد الرئيس تشارلي مرة أخرى و قال "لديك وجهة نظر، حسنا فلننتظر، لكن، ألم يمر حوالي عشرة أيام حتى الآن و لا زال الفتى باسل في نفس حالته؟"

عبس الكبير أكاغي و تحسر على هذا الأمر

في هذه الأيام، نُقِل باسل للمنزل الذي اشتراه بناء على طلب أنمار، هذه الأخيرة اعتنت به كل هذه الفترة من دون كلل أو ملل، حتى أنها لم تنم و أخذتها بضع غفوات فقط، لكنها كانت مستيقظة تماما، لم يكن بإمكانها النوم أبدا بينما باسل لا زال يتعذب في حالته تلك، جسمه بدأ يتماثل للشفاء، لكن سرعة شفاءه كانت بطيئة، لقد كان ذلك آثار أخذه لإكسيري علاج مرة واحدة، لكن هذا سبب واحد من عدة أسباب


دعت أنمار بكل ما استطاعت، و لسبب ما، لم يكن بإمكانها التواصل مع معلمها عبر خاتم التخاطر مهما حاولت، مما زاد حسرتها و جعل خوفها على باسل أكبر مع كل ثانية تمر، وجه باسل كان شاحبا كثيرا كوجه الميت، رؤيته في مثل هذه الحالة جعل أنمار تشحب مثله من القلق عليه

مرة كل فترة يأتي قادة التشكيل و التاجر ناصر، الجنرال منصف، العديد من الأشخاص قد أتوا، كل من لهم علاقة قريبة بباسل أتوا لزيارته، لكنهم كلهم يذهبون، و في النهاية تبقى أنمار لوحدها بينما تصنع جميع أنواع الأعشاب و الأدوية التي تعلمتها لتحسين حالة باسل

لكن مع ذلك، حالته لا زالت سيئة كما هي من دون أن تتغير و لو بقليل

في هذه الأثناء

في مكان لا يريد بشر هذا العالم الاقتراب منه أبدا، مكان يعرف بأكبر منطقة محظورة في العالم، مكان منعزل تماما جعلته الوحوش السحرية عالما خاصا بها، كان هناك عجوز بمثل هذا المكان

هذا المكان الذي عرف على مر الأزمان كــ'قارة الأصل و النهاية'

شملت قارة الأصل و النهاية كل أنواع الوحوش السحرية، من أضعفها لأقواها، ترسَل بعثات لهذه القارة مرة كل سنوات من جميع القوات في العالم لتحصيل بعض الكنوز، خلالها، يكون القتال فيما بينهم حول من يستطيع جني الأرباح أكثر من هذه الرحلة

لو أن قوة ما قامت بالتحرك نحو هذه القارة، فلن تبقى القوات الأخرى ساكنة في مكانها، و سوف يشدون الرحال أيضا لذلك المكان الذي يشاع عليه امتلاؤه بالعجائب و الغرائب، يقال أن هناك أشياء ليست من هذا العالم، أشياء تجعل لعاب كل الوجود في هذا العالم يسيل، لذا دائما ما تكون هناك منافسة قاسية على الكنوز

خلال هذه الخمسة عشر سنة الماضية، لم يقم أي أحد بالذهاب لقارة الأصل و النهاية

لكن في هذه اللحظة، كان هناك عجوز يقف في أعمق جزء من هذه القارة، وقف فقط و حدق في التماثيل الهائلة التي اتخذت شكل محاربين أشداء، هذه التماثيل بدت كما لو أنها حية، فقط بجمودها هناك، كانت كافية لإبعاد أي ساحر من شدة هيبتها، عددها وصل للمائة، بالمنطقة المحيطة، بغرابة، لم يكن هناك أي وحش سحري، و كانت الجبال تحيط بالمكان و الأنهار التي تمر من بينها بينما تنتج شلالات بسقوطها، و أشجار الغابات تتحرك بنسيم الرياح، كان المكان هادئا بشكل مخيف جدا

كان هذا الرجل العجوز هو إدريس الحكيم. لقد زار جميع العوالم الرئيسية و اخترق الكثير من العوالم الثانوية، اكتسب الحكمة السيادية، استطاع فهم جميع أنواع النقوش و المخطوطات القديمة، ليس هناك كتاب لم يقرأه، يمكنك القول أنه كان الشخص الأكثر اكتسابا للمعرفة في شتى العوالم كلها، و لم يكن هناك أي شخص يستطيع القول 'أعرف' في حضوره، عندما كان يتكلم، كان يجب على الجميع الإنصات إليه، لا يمكن لأي شخص اكتساب الحكمة السيادية، فقط واحد في كل آلاف السنين من يبارك بهذه الهدية

إدريس الحكيم، لُقب من الناس بهذا الاسم و انتشر هذا الأخير في جميع بقاع العوالم الروحية، و كل من سمع اسمه، وجب عليه إحناء رأسه احتراما له


لكن إدريس الحكيم بنفسه كان يقف أمام هذه التماثيل و عبس بشدة كبيرة كما لو أنه يجد صعوبة ما في شيء ما ثم تكلم "لم أكن أظن في يوم من الأيام أن العالم الوهن سيكون به عالم ثانوي تحكمه نية سامية مثل هذه، أن لا أستطيع أنا بحكمتي و معرفتي فك هذه المصفوفة، ماهيتها؟ و ماهية صانعها؟ أنا هنا إلى أن أكتشف هذا الأمر"

أمضى إدريس الحكيم أياما عديدة في دراسة هذه التماثيل التي تمثل المصفوفة نفسها، و بعد مدة غير معروفة من الوقت، أخيرا كان قادرا على رؤية نمط واحد من بين الآلاف من النقوش الروحية التي تمتد عبر التماثيل و التي تكون فضاء حاجزا

و بمجرد ما أن وضع نيته بهذا النمط من أجل التحكم به و الانطلاق للنمط التالي، حتى تحرك تمثال من بين المائة تمثال، كان لعذراء تحمل قوسا، هذا التمثال الشاهق الذي وصل علوه لأكثر من ثلاثين متر تحرك فجأة

لم يتحرك من مكانه، لكنه حرك يديه، واحدة تحمل القوس و الأخرى تسحب سهما مكونا من طاقة روحية خالصة

في هذه الأثناء، ظهر القلق على وجه إدريس الحكيم، و بسرعة حرك يديه بشكل دائري و استخدم طاقته الروحية، كون دائرة من الضوء و ركز عليها لقليل من الوقت ثم صرخ "هاا"

انطلق من الدائرة التي بلغ قطرها عشرة أمتار ضوء سامي، و في الجهة الأخرى انطلق السهم المكون من الطاقة الروحية الخالصة و توجه مستهدفا إدريس الحكيم

السهم حمل معه قوة كبيرة جدا جعلت هجمة إدريس الحكيم عديمة النفع، هذا السهم جلب معه أحكام سامية كما لو أنه كان يريد الطغيان على كل الوجود

اخترق السهم ضوء إدريس الحكيم و انطلق إليه مستهدفا إياه


في هذه اللحظة، فهم إدريس الحكيم شيئا واحدا، أنه لن يكون بإمكانه الدخول لهذا العالم الثانوي مهما حاول، لقد اخترق المئات من العوالم الثانوية و جعل نية البعض منها تحت إمرته، لكن نية هذا العالم كانت تبدو فوق قدر مستطاعه بكثير، برؤية ذلك السهم، فهم إدريس الحكيم أخيرا مدى قوة تلك النية، ذلك السهم مجرد جزء بسيط جدا من قوة هذه المصفوفة، قوتها الكاملة لا يمكن تصورها، جعل هذا الأمر إدريس الحكيم يفهم لما وجد صعوبة مع هذه المصفوفة

أخرج رمحا خشبيا، و بمجرد ما أن فعل حتى التفت حول هذا الرمح طاقة ملكية، و في الحال ظهرت أرض واسعة تحت قدمي إدريس الحكيم، كانت تمتد لآلاف الأمتار، هذه الأرض الواسعة توهجت كلها و بدأ شكلها يتغير، بدت كما لو أنها تُضغط لتصبح أصغر أكثر و أكثر مع الوقت، و بعد قليل، كانت قد أصبحت عبارة عن رمح ضوئي ضخم للغاية، كان هذا الرمح هو نفسه الرمح الذي أخرجه إدريس الحكيم سابقا، يبدو كما لو أنه اندمج بتلك الأرض الواسعة التي تحولت مما كون مثل هذا الرمح الضوئي الهائل، التف حول الرمح رياح عاصفة و أعاصير مدمرة، بينما كان الرمح نفسه يتشكل من الضوء و به نقط صغيرة متوهجة كالنجوم التي بالسماء المظلمة

هذه النجوم الصغيرة انفجرت كلها مرة واحدة و انطلق الرمح بسرعة خارقة و التقى بالسهم

بوووووووووووووم

انفجر المكان كله و خلف آثارا مهولة، كما لو أن هناك نيازك قد أصابت المنطقة، اهتز المكان كله على بعد آلاف الأميال و جعل كل الوحوش السحرية بجميع مستوياتها تبتعد بعيدا قدر استطاعتها

تلك الهالة التي أنتجها تصادم قوة إدريس الحكيم بقوة التمثال جعلت كل الوجود في المنطقة على بعد آلاف الأميال ترتعد

فجأة، الغابات و الجبال و الشلالات كانوا قد أصبحوا غبارا، توقف إدريس الحكيم و عاد رمحه لطبيعته الأصلية ثم تكلم "أنت لا تريدني أن أدخل مهما حدث ! لا يبدو أنه باستطاعتي الدخول عنوة، أنا أعرف أنك تسمعني، أجب يا أيها الخبير السامي"


لم يحدث أي شيء، و بعد مدة من الوقت، تكلم صوت و الذي كان كصوت الرعد "عد يا أيها الحكيم المبتدئ، هذا ليس بمكان يمكنك الدخول إليه، فقط سكان العالم الواهن لهم الحق بذلك"

"همف" تهجن إدريس الحكيم و قال "يا لها من نبرة متعجرفة التي تملكها، لقد امتلكت الحكمة السيادية منذ 1000 سنة، و أنا في المرحلة الثالثة، و مع ذلك تناديني بالمبتدئ؟"

تكلم الصوت مرة أخرى كما لو أنه صوت الصاعقة "المرحلة الثالثة تترجم لمبتدئ، عد أدراجك و سأغفر لك أفعالك التي عكرت مزاجي الهادئ، إن حاولت المساس بالمصفوفة مرة أخرى فسوف تلقى عقابا شديدا"

عبس إدريس الحكيم و تنهد بعد مدة، قد يكون هذا الصوت متعجرفا، لكن تعجرفه هذا ليس من فراغ، تكلم إدريس الحكيم "قلت أن سكان العالم الواهن من لهم الحق في الولوج، لك هذا"

"حظا موفقا في ذلك، لكن لا تظن أن الأمر بهذه البساطة" تكلم الصوت و بدا كما لو أنه يبتعد في كل كلمة يقولها حتى اختفى تماما

تكلم إدريس الحكيم "نية سامية، هاه؟" التف ثم قال "يجب علي الخروج الآن من هذا النطاق و العودة للفتى باسل، سيكون على تلقينه دروسا غير منتهية ليكون باستطاعته الدخول لهذا العالم الثانوي، لو أنه نجح، فلا أعلم ما المكاسب التي قد يتحصل عليها"

تحرك إدريس الحكيم و بإشارة دائرية من يده ظهرت دائرة ضوئية، اخترقها بجسده فالتفت حوله و حلق بعيدا حتى استطاع الخروج من حاجز غير مرئي أكد خروجه من نطاق ما، لقد كان قد كسر مصفوفة أولية جعلته في نطاق آخر تحت سيطرة هذه النية السامية، هذا النطاق لوحده امتد لآلاف الأميال، و بمركز هذا النطاق كانت توجد المصفوفة الرئيسية التي أساسها تلك التماثيل

عندها، أتاه اتصال بخاتم التخاطر مباشرة، بما أنه كان في نطاق آخر، لم يكن باستطاعة أي أحد آخر التواصل معه عبر خاتم التخاطر، بسرعة أجاب (ما بك أيتها الصغيرة أنمار؟)


(معلمي، أسرع من فضلك، أنا لا أعرف ما الذي يجب علي فعله، لقد مر شهرين و باسل لا زال غائبا عن الوعي نتيجة لمعركة) أجابت انمار بأسرع ما أمكنها

عبس إدريس الحكيم ثم تكونت أمامه عدة دوائر ضوئية مثل التي صنعها قبلا مرة أخرى بإشارة من يديه، تكلم (أنا آت، انتظري لقليل من الوقت فقط) ثم اخترق تلك الدوائر الضوئية واحدة تلو الأخرى، و في كل مرة فعل ذلك، كانت سرعته تزداد بشكل خارق، في الأخير أصبح عبارة عن ضوء و حلق في اتجاه باسل

بعد أيام قليلة، وصل المعلم و ظهر أمام باسل الغائب عن الوعي، و أنمار التي كانت تأخذها غفوة استيقظت و تكلمت بفزع "معلمي، باسل، إن باسل..."

وضع إدريس الحكيم يده على رأسها و جعلها تهدأ ثم قال بعد التحديق في باسل بعبوس شديد "بقايا استخدام طاقة روحية ! ؟ ما الذي يحدث هنا ! ؟"

لم يفهم إدريس الحكيم لما هناك آثار لطاقة روحية متبقية على باسل، في لحظة، استجمع أفكاره و قام بوضع جميع الاحتمالات، لكنه مع ذلك لم يعلم و لم يفهم لماذا؟

حدق إدريس الحكيم في باسل بعمق و فكر لقليل من الوقت، وضع يده على ذقنه ثم جلس متقاطع القدمين أشار لأنمار بفعل المثل، عندها تحدث بادئا كلامه بجدية "أرى أن عنصر التعزيز الخاص به قد بلغ المستوى التاسع، إذا لقد شرب إكسير التعزيز مرة أخرى، يضعف الختم في كل مرة يرتفع بها في المستوى، وضع الختم على هذه الطريقة لأن جسده سيصبح أقوى في كل مستوى يرتفع به و يستطيع تحمل الطاقة الخارجية التي سيزداد حجمها مع كل مستوى يرتفع به"

"...هكذا كان يجب أن يسير الأمر، و عندما سيدخل للقسم الثاني من مستويات الربط و يكتسب القدرة على التحكم في الطاقة الخارجية، سينكسر الختم نهائيا و سيكون عليه التحكم في الطاقة الخارجية من أجل إيقافها، من المفترض أن تسير الأمور على هذا المسار، لكن شربه لإكسير التعزيز لمرتين تسبب في جعل عنصر التعزيز الآتي من الطاقة الخارجية يفوق مستوى عنصر النار مما تسبب له في جعل جسده الذي لا زال كجسد ساحر من المستوى السادس يواجه طاقة أكبر من مستواه بكثير"

في الحقيقة، جسد باسل أقوى من مستواه الفعلي، فهو دربه قبل حتى أن يصبح ساحرا، و حتى عندما أصبح ساحرا استمر في تدريبه من أجل تسهيل الأمر عليه كي لا يشعر بأي شيء من الطاقة السحرية الخارجية التي تتوغل لجسمه، و عندما شرب إكسير التعزيز، اضطر لعدم استخدامه حتى أصبح جسده مؤهلا لذلك عن طريق تدريبه بطريقة أقسى، لأنه بمجرد ما أن يستخدم عنصر التعزيز حتى تقوم الطاقة الخارجية بالدخول لبحر روحه عبر جسده. و في الأخير، أصبح جسده قادرا على استيعاب طاقة خارجية من المستوى السابع، لكن المستوى التاسع كان شيئا فوق قدر المستطاع بكثير

تحدث إدريس الحكيم بعد أن تنهد "سيجب عليه تدريب جسده مرة أخرى و الامتناع عن استخدام عنصر التعزيز مؤقتا"


سأل إدريس الحكيم أنمار عما حدث بالتفصيل ليرى إن كان بإمكانه وضع تفسير لهذا الأمر الغريب الذي يحدث لباسل

حكت أنمار لمعلمها ما حدث قبل شهرين مع ذكر كل التفاصيل، مما جعل إدريس الحكيم في حيرة أكبر، بقايا الطاقة الروحية هذه ناتجة من استخدام لها (الطاقة الروحية) من طرف باسل أثناء نهاية معركته ضد الأقدم الكبير

حاول إدريس الحكيم تفسير هذا الأمر بكونه له علاقة بـكرة الروح الهائجة، لكنه نفى هذا الاحتمال، لا يمكن لـكرة الروح الهائجة أن تتسبب في هذا، فالسبب في عدم تأثيرها على باسل هو استخدامه للطاقة الروحية، بمعنى أنه اكتسب الطاقة الروحية قبل أن يصاب بكرة الروح الهائجة

مهما و كيفما رأيت، ستجد أن باسل لا زال في مستويات الربط، لا زال لم يضع إصبعا واحدا داخل المستويات الروحية، شيء مثل هذا غير مألوف على الإطلاق، حتى بالنسبة لإدريس الحكيم نفسه

تكلمت أنمار بقلق "أيها المعلم، ماذا قصدت سابقا بـبقايا طاقة روحية؟"

وجه إدريس الحكيم نظره لأنمار و تحدث بنبرة واضحة "أيتها الصغيرة أنمار، لقد سبق و حدثتكما عن مستويات الربط و فصلت لكما ما تحتاجانه من معلومات، لكني لم أعطكما معلومات كافية عن المستويات الروحية، هذا من أجل جعلكما تركزان على الأهداف القريبة من أجل تحقيقها بشكل أسرع بدل محاولة اللحاق بأهداف بعيدة عنكما قد تكون سببا في ركود نموكما بعد بلوغها"


أماءت أنمار رأسها، بعد باسل، ليس هناك من هو أكثر ثقة بالنسبة لها من المعلم، لكن من ناحية التعليم، كان الأكثر ثقة بالنسبة لها و الأكثر حكمة بإرشاده، فلا يمكنها أن تجادله أبدا فيما يقول لها، كان يجب عليها هي و باسل الاستماع و التعلم، إن لم يتحدث معلمهما عن شيء ما، فهذا يكون من أجلهما، بالطبع كانت المستويات الروحية دائما تشغل بالهما، لكنهما لم يسألا عنها طالما معلمهما لم يبدأ الكلام حولها

و الآن، أخيرا أتى المعلم بهذا الموضوع للحديث حوله، تكلمت أنمار سائلة معلمها "ما علاقة هذا بحالة باسل الآن يا معلمي؟"

أجاب إدريس الحكيم "حسنا، مما رأيت و لازلت أفعل، فالفتى باسل قد استخدم طاقة روحية سابقا ضد ذلك الشخص الذي تحدثت عنه"

"همم؟" استغربت أنمار و سألت مرة ثانية "ألم تقل أننا لا يمكننا إدراك الطاقة الروحية إلا بعد بلوغنا المستويات الروحية؟"

تنهد إدريس الحكيم و أجاب "نعم هذا صحيح، و هذا ما حيرني طيلة هذا الوقت، حتى أنا لا زلت لم أفهم لما كان الفتى باسل قادرا على استخدام طاقة روحية، لكن هناك شيء أشك به مع أنه لم يحدث على مر الأزمان أبدا، ليس على حد علمي على الأقل"

استفسرت أنمار حول هذا الأمر، فاستأنف المعلم شرحه "قد يكون قد حان وقت معرفتكما بهذا الأمر، قبل هذا سيكون على شرح بعض الأمور أولا"

"...كما تعلمين، كل شخص يولد بنقط أصل، و من أجل البدء في رحلة المسار الروحي، سيكون عليه فتح هذه النقط، لقد حدثتكما سابقا عن هذا الأمر، كل شخص قادر على أن يصبح ساحر، سواء كانت موهبته ضعيفة أم لا، الذكاء يكون له دور فعال، و العزيمة لها نفس الأهمية، لكن مع ذلك، ليس الكل يكون باستطاعته الاختراق للمستويات الروحية"


استغربت أنمار فسألت عن السبب منتظرة جواب معلمها الذي كان كالتالي "لأنهم لا يكملون ربط نقط الأصل"

لم تفهم أنمار الأمر بعد، لكن إدريس الحكيم بدأ تفسيره بشكل مبسط أكثر "ربط نقط الأصل مختلف عن فتحها، تسمى المستويات الأربعة عشر مستويات الربط لأن خلالها يتم ربط كل نقطة أصل بالأخرى بينما يتكون حاجز روحي حولها (نقطة الأصل) و حول بحر الروح عند انتهاء الربط بالكامل. عادة، يتم ربط نقط الأصل الأربعة عشر كلها عند بلوغ قمة المستوى الرابع عشر، يتم ربط نقطة أصل الشخص الطبيعي ذو الموهبة الطبيعية بأخرى في كل مستوى يرتفع به"

"...عند بلوغه لقمة كل مستوى، يتم تشكيل حاجز روحي حول نقطة الأصل و بهذا يكون قادرا على المرور للبدء في تشكيل حاجز حول نقطة الأصل التالية، و هذا ما يسمى بـ'ربط نقط الأصل'، هذا ما يكون عليه الوضع غالبا بالنسبة لشخص طبيعي و موهبة طبيعية، لكن ليس الكل سواء، فهناك أشخاص طبيعيين بموهبة ضعيفة و آخرين بموهبة مرتفعة، لذا تجد بعض الأشخاص قد بلغوا قمة المستوى الرابع عشر و مع ذلك لم يُتِمُّوا ربط نقط الأصل، و في الجهة الأخرى، تجد أشخاصا قد أتموا ربط نقط الأصل قبل بلوغ المستوى الرابع عشر حتى"

"...هؤلاء، يعتبرون ذوي موهبة كبيرة جدا، ما ينادى عليهم بالعباقرة، فهناك من منهم قد بلغ قمة المستوى الأول فقط، و مع ذلك كان قد ربط ثلاث نقط أصل بالفعل، لأنه عندما كان قد اكتسب سحره لأول مرة، بمعنى عندما اخترق للمستوى الأول و أصبح ساحرا، استطاع ربط نقطتي أصل مرة واحدة، هؤلاء يكونون لهم شأن عظيم، فهذا يدل على موهبتهم العظيمة و المستقبل المشرق الذي ينتظرهم، غالبا ما أصبحوا شخصيات عظيمة في التاريخ. و عند إتمام الساحر لربط نقط أصله، يكتسب بحر روحه إرادة"

لم تفهم أنمار ما قصده المعلم مرة أخرى، لكنه و من دون أن يترك لها المجال لتسأل، أكمل شرحه "إرادة بحر الروح شيء يكون موجود دائما، فقط تكون مجزَّأة، و عند إنهاء ربط نقط الأصل و تشكيل الحاجز على كل واحدة منهن، يتكون الحاجز أيضا حول بحر الروح نفسه و يكتسب إرادته الخاصة، إرادته تتبع إرادة مالكه، إرادته ليست مستقلة بتاتا، لكنها متصلة مع إرادة المالك، عند اكتساب بحر الروح لهذه الإرادة، سيكون عندها قادرا على التحكم في روح الوحش الروحي التي سيستحوذ عليها الساحر من أجل الاختراق للمستويات الروحية، هذه الإرادة ستكون كالختم الروحي على إرادة الروح المستحوذ عليها، و عند الاختراق، يتحول بحر الروح ليصبح روحا كاملة مكتملة"

"انتظر من فضلك أيها المعلم، ماذا تقصد بالاستحواذ على روح وحش روحي؟" سألته أنمار مستغربة و متفاجئة


أجاب المعلم إدريس الحكيم "سأشرح لك هذا الأمر جانبا إلى باسل عندما يستيقظ"

تفاجأت أنمار و وقفت من دون أن تشعر، تكلمت بسرعة كبيرة "هل هناك وسيلة لجعله يستيقظ أيها المعلم؟"

"اهدئي أيتها الصغيرة أنمار، كل ما يحدث لباسل الآن مجرد إرهاق غير طبيعي لبحر روحه الذي استخدم طاقة روحية قبل أن يتحول لروح كاملة مكتملة، الطاقة الروحية نقية للغاية، بحر الروح الذي يستطيع التعامل مع الطاقة السحرية لا يمكنه تحمل نقاوة الطاقة الروحية و قوتها المركزة بشكل لا يوصف"

جلست أنمار مرة أخرى و هدأت كما طلب منها معلمها الذي أكمل قائلا "كل ما نحتاج لفعله الآن هو إخماد و تبديد بقايا الطاقة الروحية التي خلّفها استعمالها (الطاقة الروحية)، عندها سيهدأ بحر روحه مرة أخرى، لكن هذه العملية ستأخذ بضعة أيام من أجل إنهاءها، لذا فلتصبري لذلك الحين"

تنفست أنمار الصعداء و فرحت كثيرا، خبر سلامة باسل أكثر من كاف ليجعل مزاجها عظيما و تقفز من الفرح، إن اختفى باسل من حياتها، فلن يكون هناك سبب لعيشها، عندها سألت معلمها "آه، إذا ما سبب اكتساب باسل لطاقة روحية؟ قلت أنك تشك في أمر ما"

وقف المعلم و اقترب من باسل، حدق فيه بعمق و تحسر بداخله ثم قال " أعرف عن أشخاص اكتسب بحر روحهم إرادة قبل بلوغ قمة المستوى الرابع عشر بسبب كونهم قد أكملوا ربط نقط الأصل بالفعل، لكن هذا يكون بعد دخولهم للقسم الثاني من مستويات الربط، أسرع شخص يمكنه إتمام ربطها كلها يكون بالمستوى الثامن، لكني لم أسمع بشخص قد أكمل ربط نقط الأصل في حين لا يزال بالمستوى السادس و اكتسب بحر روحه إرادة، و ليس هذا فقط، بل و تجسدت به قليل من قوة نطاق الأرض الواسعة"

"...حالة باسل مختلفة بامتلاكه عنصر التعزيز الذي بلغ المستوى التاسع، فهو شخص غير طبيعي ذو موهبة مرتفعة، لذا أظن أنه يتفوق على الأشخاص الطبيعيين ذي الموهبة المرتفعة الذين قد أكملوا ربط نقط الأصل مع أنهم في القسم الثاني من مستويات الربط فقط، عبقري بين العباقرة، حتى أنا ليس بإمكاني تحليل بحر روحه الذي لا زال لم يتطور ليتشكل كــروح"

"...ما يمكنني الشك به هو أن إرادة بحر روحه كانت قادرة لمس الدرج الأول من المستويات الروحية و اكتساب القليل من قوتها، و ما سبب هذا كان المغامرتين اللتين خاضهما بشربه لإكسيري علاج و إكسير تعزيز، على ما أظن، بسببهما كان قادرا على ربط نقط الأصل جميعها و اكتساب بحر روحه لإرادة استطاعت بلوغ جزء من قوة من نطاق الأرض الواسعة، مع أن هذا يبقى أمر لا يمكنني فهمه على الإطلاق. سيجب على درس هذه الحالة جيدا"

تحدث إدريس الحكيم بداخله "إرادة بحر روح استطاعت استخدام طاقة روحية قبل أن تتطور لتصبح روح، كيف ستكون إذا عندما تصبح روحا كاملة مكتملة ! ؟"

جلس إدريس الحكيم بجانب باسل و وضع يده فوق جبهته، و انطلاقا من نقطة الأصل التي بها بدأ يتحكم في مجرى سيران طاقة باسل، مثل هذا الأمر لن يقدر على فعله سوى المخضرمين و الذين لهم تحكم مثالي في طاقتهم سواء السحرية كانت أم الروحية

فهو سيقوم بإدخال طاقته الروحية عبر نقط أصل باسل، و هذا سيسبب ألما كبيرا له بسبب مقاومة مسار نقط أصله و بحر روحه للطاقة الخاصة بشخص آخر، لكن سيكون عليه التحمل، فبمستوى باسل الحالي بغض النظر عن حالته، لن يكون بإمكانه إخماد و تبديد بقايا الطاقة الروحية، لذا يجب عليه ترك الأمر بيد شخص آخر و تحمل الآلام الناتجة عن ذلك

و ليس هناك من هو أفضل من إدريس الحكيم في القيام بهذا العمل، قد تكون حالة باسل هذه غريبة، لكنها لا تختلف كثيرا عن الكثير من الحالات التي رآها إدريس الحكيم طيلة حياته، هناك من فقد السيطرة حتى على طاقته الروحية، و هناك من أصيب بلعنة روحية، مر بالكثير من هذه الحالات و كان قادرا على النجاح في علاجها كلها

مجرد إخماد و تبديد لبقايا طاقة روحية أمر في غاية البساطة بالنسبة له مقارنة بما جربه من قبل

بمجرد ما أن توهجت يد إدريس الحكيم و توغلت طاقته الروحية عبر نقطة الأصل التي بالجبهة حتى اهتز جسد باسل و ارتفع ثم نزل من شدة الآلام و الصدمة التي أحس بها، هو بالفعل يمر بتجربة قاسية من التعذيب، و مع ذلك، لم يتغير تعبير وجه إدريس الحكيم و ظل هادئا كما كان و أكمل عمله في التنقية بطاقته الروحية النقية

قد يبدو من الوهلة الأولى أن علاج باسل الذي سيأخذ بضعة أيام طويلا، لكن الأمر ليس كذلك، تنقية بحر روح أو روح شخص ما، تعني التوغل بطاقتك الروحية لبحر روحه أو روحه، و أبسط خطأ يمكنه أن يزيد الحالة سوءا و يتسبب في تدمير الشخص بدل علاجه، الآن يجري إدريس الحكيم عملية التنقية حيث يقوم بإخماد كل جزيْء من الطاقة الروحية الخاصة بباسل، و بعد جعله يهدأ يقمعه بطاقته الروحية و يمحوه، و هكذا ينتقل من الجزيء للآخر

مرت ثلاثة أيام و لم يتوقف إدريس الحكيم عن عمله، أراد أن ينتهي من هذا الأمر بأسرع ما أمكنه، و كذلك أنمار التي بقيت حريصة على مشاهدة التغيرات التي تطرأ على باسل طيلة هذه المدة، و بنهاية اليوم الثالث، ذهب الشحوب الذي كان يظهر على جسم باسل كله و ليس فقط وجهه، كما وقف المعلم و تحدث "حسنا لقد انتهيت، الآن سيعود بحر روحه للاستقرار تدريجيا، طاقته الروحية هي التي ساعدته في النجاة من الطاقة الهائلة الخاصة بعنصر التعزيز، فهي تمتصها لجعلها قابلة للتحكم بالنسبة لباسل"

فرحت أنمار كثيرا و أزيل الثقل من على صدرها الذي كان يجعل تنفسها صعبا طيلة الشهرين الماضيين


تكلم إدريس الحكيم "أيتها الصغيرة أنمار، الآن بما أنك اطمأننت على صحته، ارتاحي أنت أيضا، بالنظر إليك، يمكن للشخص أن يعرف أنك لم تأخذين قسطا للراحة طيلة هذه الشهرين، لا تقلقي على الفتى باسل، سوف يكون واعيا بالغد"

استمعت أنمار لكلام معلمها و نامت بوضع رأسها فقط على السرير الذي ينام عليه باسل بينما جسدها على الكرسي، و بعد أن ارتاحت نفسيتها، لم يهم الوضعية التي كانت عليها، غطت في نومها بأريحية و بنظرة هنيئة على وجهها

رآهما إدريس الحكيم و فكر بداخله "رأيت الكثير من أنواع الحب، لكنني لم أرى في حياتي شخصا يعز أحدا آخر لهذه الدرجة، لقد كان خياري صائبا في جعلها تأخذ جانبه، غير ذلك، سيكون الفتى باسل وحيدا في مساره الروحي من دون أن يجد أي أحد ليرافقه قدما بقدم و يثق به بشكل أعمى، قد تكون لا زالت صغيرة، لكن عشقها له يستطيع تجاوز آلاف السنين و اختراق العوالم"

ابتسم ثم التف و اختفى

في الصباح التالي، أشرقت الشمس و نزلت بأشعتها على غرفة باسل، فإذا بهذا الأخير يفتح عينيه و يجلس في مكانه، عندها رأى أنمار المنهكة تماما، حدق فيها بحنان و لم يدري حتى كانت يده متوجهة نحو شعرها، عندها استيقظت أنمار فجأة مما جعله يرجع يده بسرعة

أنمار التي شاهدت باسل جالسا فاتحا عينيه، طارت من الفرح و قفزت عليه بينما تصرخ "باسل"

انقضت عليه و عانقته بشدة، احمر وجه باسل قليلا، صدرها يلامس وجهه، بينما ساقيها تلتف حول جسده، لقد أمسكته بجسدها كله مما جعل باسل لا يعرف ماذا يفعل

آآآه

صرخ باسل قليلا من الألم، فأزاحت أنمار نفسها عنه و مدت يدها عليه خائفة عليه "ما بك؟ ألا زلت تعاني؟ ألم تشفى؟"

تنهد باسل ثم تكلم بعد أن أزاح يده عن صدره الذي كان يمسكه بإحكام "لا، لا شيء، فقط بعض الآلام الجسدية، لا زال جسمي لم يتعافى كليا فقط"


بالطبع لا زال لم يفعل، فحتى الآن لا زالت الطاقة الخارجية تتوغل لجسمه بسبب إيجادها لمكان فارغ، هذا يحدث لأن القطعة الأرضية الصغيرة تقوم بامتصاص طاقة عنصر التعزيز لجعله قابلا للتحكم و لا يدمر بحر الروح، و في المقابل، تتوغل الطاقة الخارجية لتعوض الطاقة التي فقدت، و هكذا تستمر الدورة اللانهائية

تنهدت أنمار و ارتاحت، عندها سألها باسل "أين المعلم؟"

"همم؟" استغربت أنمار ثم قالت "كيف علمت عن قدومه؟"

أجاب باسل "البارحة عندما تماثلت للشفاء استطعت الشعور به، لم أكن قادرا على الاستيقاظ لكني كنت قادرا على الشعور بما حولي"

نظرت أنمار في الأرجاء و لم تجد معلمهما فاستغربت قائلة "لقد كان هنا قبل نومي، يبدو أنه ذهب مرة أخرى"

"حسنا" قالها باسل و نهض عن مكانه ثم لبس سترته و سرواله الأبيضين، ارتدى حذائه الأحمر ثم تكلم "كم مر من الوقت و أنا فاقد للوعي؟"

أجابته أنمار، فوضع باسل يديه على ذقنه "شهرين، هاه ! لقد غبت طويلا، هيا، يجب أن نذهب للقصر الإمبراطوري، لقد تنقلت عائلة كريمزون إلى هناك، أليس كذلك؟"

"نعم" أجابت أنمار و أكملت "لقد انتظرك جدي لتستيقظ طوال هذا الوقت من أجل إقامة الاجتماع، جعل حتى الإمبراطوريين ينتظران طيلة هذه المدة من أجلك"

ابتسم باسل و قال "هكذا إذا، حسنا، سأذهب لملاقاة شخص ما أولا"


"همم؟" استغربت أنمار و أرادت أن تسأل باسل، لكنها وجدته قد خرج من باب منزلهما بالفعل، بمجرد ما أن خرج باسل حتى رأى بعض الجنود المخضرمين من المستوى الخامس يقومون بحراسة منزله، و عند ظهوره انحنوا احتراما له، و في الحال، ظهر أمامه أخوا القطع 'غايرو و كاي' و 'جون' (حارس بوابة العاصمة سابقا) و ركعوا على ركبة واحدة

"سيدي، إلى أين تريد الذهاب" قالها الأخ الأكبر غايرو

أكمل الأخ الأصغر كاي وراءه "سنجهز لك عربة لتنقلك يا سيدي"

ثم تكلم جون "هناك الكثير من المراقبين كانوا ينتظرونك لتستيقظ، يجب أن يكونوا قد علموا بالأمر و ذهبوا لإعلام أسيادهم، ماذا نفعل يا سيدي؟"

وضع باسل يده على ذقنه ثم فكر بداخله "لا زلت لا أريد الالتقاء بأشخاص مزعجين الآن، أريد وقتا خاصا، حسنا"

سأل باسل "أين هي العربة؟"

أشار كاي بيده فأتت العربة مسرعة، كان يقودها خيل ملكي، الخيل الملكي كان عبارة عن وجود أشبه بالوحوش لكنه ليس منهم، مما جعله يقف في المنتصف، بين الحيوانات و الوحوش، يعتبر الخيل الملكي وجودا نادرا كثيرا، و لا يملكه سوى الملوك و كبار شخصيات هذا العالم، سرعتهم كبيرة جدا و يمكنها أن تجعل الخيل الطبيعي يظهر كالقط مقارنة به إن شبهناه بالنمر، كان الخيل الملكي يتميز بحوافره الحادة و القاسية و جسده الضخم أكثر من الخيل الطبيعي، مع الشعر الملون بسبع ألوان قوس قزح على عنقه، كان خلابا جدا، و هذا جعل قيمتهم كبيرة جدا في العالم، و لا يمكن مقارنتهم إلا مع خيل البحر الملكي، لذا لا تجد سوى الشخصيات العظيمة من تمتلكهم

ركب الأربعة العربة إضافة لأنمار التي لحقت بباسل و بأمر من هذا الأخير الذي كان كالتالي "توجه نحو الجنوب" انطلقت العربة بأقصى سرعة لها

عندها تكلم باسل "أنمار، سنستخدم عباءة الشفاف، ارتدي واحدة"

فعلت أنمار كما طلب منها باسل الذي قال قبل أن يرتدي واحدة هو الآخر "احرصوا أنتم الثلاثة على تضليل أولئك المطاردين المزعجين، نحن سنذهب، أنمار، قومي بها"


استخدمت أنمار طاقتها السحرية قبل فتح بوابة العربة ثم انطلقا

مر الكثير من الوقت على اتجاه العربة نحو الجنوب، و هذا تسبب في جعل المطاردين يشكون، انقضوا كلهم و أوقفوا العربة ثم صرخوا "سعادة 'قاتل الدم القرمزي'، نحن مبعوثي جلالته الإمبراطور شيرو، أرجوك رافقنا، جلالته بحاجة للتكلم معك"

و في الحال ظهر أشخاص آخرون و صرخوا "نحن مبعوثي جلالة الإمبراطور غلاديوس، أرجوا من فخامته 'قاتل الدم القرمزي' أن يرافقنا"

حدقت المجموعتين في بعضهما بينما الشرارات تتلاقى من أعينهما، إنها منافسة فيما بينهما لمن يستطيع إحضار باسل لسيده، لقد حرصوا على انتظار هذه اللحظة طيلة الشهرين الماضيين، لا أحد من الطرفين مستعد للتراجع، و بالتأكيد سيقنعون باسل للذهاب معهم

خرج جون من العربة ثم قال "لا يوجد سيدي هنا، انقلعوا"

"هاه؟" استغرب الجميع و صرخوا "لا تمزح معنا لقد رأيناه بكل تأكيد يدخل للعربة و لم يخرج منها أبدا، لا شك في هذا"

"نصف كلامكم صحيح" استعجب المطاردون ليكمل جون "لقد دخل سيدي لهذه العربة، لكنه خرج منها"

"هاه؟" لم يفهم أي أحد ما حدث

و في هذه الأثناء، كان باسل و أنمار متوجهان نحو المكان المقصود، في طريقهما، مرا على قادة التشكيل الذين كانوا يتدربون بقصر عائلة كريمزون السابق، لقد جعلوا من ذلك المكان كمعقل للتدرب بالكامل، قوتهم في هذه الشهريين الماضيين ارتفعت كثيرا، و عددهم ازداد عما كان عليه بكثير


التقى باسل بقادة التشكيل الذي فرحوا كثيرا برؤية سيدهم، لم يسعهم سوى أن يشعروا بالقلق عليه طيلة هذا الوقت، لكن هذا جعلهم يريدون أن يصبحوا أقوى من أجل تسهيل الأمر على سيدهم، و كذلك كان الحال مع التاجر ناصر، هذا الأخير انضم للتدريب بجانب قادة التشكيل طيلة الشهرين الماضيين من أجل رفع قوته أكثر، ما شاهدوه قبل شهرين تسبب لهم في الشعور بالعجز كثيرا، لذا قرروا تقوية أنفسهم أكثر من أجل عدم الشعور بمثل ذلك الشعور مرة أخرى

أخذ باسل عربة منهم و اتجه نحو القصر الإمبراطوري

عندها تكلمت أنمار "أنت تريد اللقاء بجدتك التي تكلم عنها جدي؟"

ابتسم باسل و قال "هذا صحيح"

تنهدت أنمار و قالت "كان بإمكانك القيام بهذا من دون اللجوء لهذه الألاعيب"

"أنت تعرفينني، وقتي الخاص، وقت راحتي، لا أريد أي إزعاج به، ملاقاة جدتي التي لم أراها في حياتي يعتبر أمرا في غاية الأهمية بالنسبة لي، تدخل طرف ثالث لا علاقة له بالأمر سيكون فعلا لا تحمد عقباه بالنسبة لفاعله"

أغمضت أنمار عينيها بأريحية، هذه طبيعة باسل دائما، سؤالها كان من دون فائدة، ففي النهاية، لقد كانت تعرف الجواب بالفعل قبل أن تطرح السؤال حتى

أمام بوابة الساحة الخارجية المحيطة بالقاعة الرئيسية للقصر الإمبراطوري، أصلحت من جديد، مع طاقة سحرية خالصة خاصة بعدة سحرة من المستوى السابع، كان ترميمها سريعا

اقتربت عربة ببطء مما جعل أحد الحارسين اللذين أمام البوابة يسرع لإيقافها، صرخ متكلما بطريقة رسمية "من أنت؟ بعد هذه المنطقة لا يحق لأي شخص الاقتراب سوى العائلة الحاكمة أو الذين لهم رخصة بالمرور

كان يقود العربة جندي من التشكيل، لذا أراد أن يتحدث، لكن صوت شخص آخر من داخل العربة قد منعه من القيام بذلك، صاحب هذا الصوت كان التاجر ناصر الذي جعله باسل يرافقهم، باسل لا يمكنه إظهار نفسه، و أنمار إن ظهرت هنا، فسيشك الكثير في احتمال وجود باسل معها، هي الفتاة التي لم تتركه و لو لثانية لوحده طيلة الشهرين الماضيين، سيكون من الغريب أن تفارق جانب باسل بعد استيقاظه من غيبوبته

نزل التاجر ناصر ببطء من العربة، و بمجرد ما أن ظهر حتى انحنى له الحارس بسرعة ثم قال "اعتذاراتي، لم أعلم أنه أنت يا سيدي" التف بسرعة و صرخ "إنه الأمير ناصر، افتحوا البوابة"

بعد أن أصبحت عائلة كريمزون العائلة الحاكمة من جديد، التاجر ناصر الذي أخذ اسمها من قبل، أخذ لقب الأمير مع عدة أراضي داخل العاصمة الكبيرة

ختم البوابة عادة يكون في حيازة أعضاء العائلة الحاكمة، لكن، يكون هناك ختم معطى لحراس البوابة، في الحرب لم يكن مثل هذا الختم الاحتياطي في حيازة الحراس من أجل الحرص على عدم فقدانه و سقوطه في يد العدو

فتحت البوابة ببطء و كذلك كان تحرك العربة التي أكملت طريقها نحو القاعة الرئيسية، هذه الأخيرة محاطة بعدة قاعات جانبية، لذا العربة اتجهت نحو الموجودة باليمين

عندما كانوا أمام البوابة، قام التاجر ناصر بالنزول شخصيا كي يبدد شكوك المراقبين كلها، لو أن الجندي الذي يقود العربة من تحدث، و حتى لو أرى الحارس رخصة المرور الخاصة بالأمير ناصر، فالمراقبين الذين ينتظرون بفارغ الصبر ظهور باسل سيشكون في هذا الأمر


و كما أراد باسل، مر كل شيء بسلاسة و هدوء

و أخيرا وصلت العربة، و مع فتح البوابة، نزل التاجر ناصر، أو هذا ما بدا للآخرين، و في الحقيقة، كان يرافق باسل و أنمار المختفيين بعباءة الشفاف

دخلوا قاعة جانبية، عندها أخيرا أزال باسل و أنمار عباءة الشفاف و ذهبا براحة أكبر، بعد مرورهم في ممر طويل، وصلوا لبوابة، بعد التعرف عليهم و إبلاغ الأمر للشخص الذي في الداخل، فتحت لهم البوابة بكل احترام

و مع فتح البوابة، حتى قفزت فتاة بالغة على أنمار بكل فرح "ابنة أخي أنمار" عانقت الأميرة 'كريمزون سكارليت' أنمار بشدة و لم تتركها لثوان عديدة، و في الجانب، ظهر الجنرال منصف الذي ابتهج برؤية باسل، لقد ارتعبت قلوبهم كثيرا، ظنوا أن باسل سيموت، فهم لم يروا مثل حالته من قبل أبدا، جميع الأطباء المشهورين، حتى الأطباء السحرة لم يستطيعوا فهم حالته أو علاجها، و حالة يائسة، قامت أنمار بإحضار العالم الجنون الذي أمسكه باسل سابقا و أمرته بفعل شيء ما

لكن هو أيضا لم يعرف ما الذي يجب عليه فعله بالضبط، لم يرد أن يخاطر بالإقدام على فعل قد يكون سببا في موته عندما يفشل

في الحقيقة، عندما كانت أنمار تنصت لمعلمها عن حالة باسل و عرفت السبب، تفاجأت كثيرا، فذلك العالم الجنون قد أعطى شرحا قريبا لذلك مع أنه كان مبهم، هو لم يعرف عن الطاقة الروحية، لكنه فهم أن السبب هو طاقة غريبة تجعل باسل يعاني هكذا، حتى أن عينيه أظهرت إشراقا غريبا يبعث القشعريرة في الجسم عندما شاهد حالة باسل، من يعلم؟ ربما إن لم تكن أنمار هناك أو كان المريض شخصا آخر غير باسل، لا أحد سيكون قادرا على الجزم بقدرة ذلك العالم المجنون على منع فضوله

لكنه قمع فضوله بسبب النظرة القاتلة التي أتت بعدما صنع نظرته المشرقة، تلك النظرة جعلته يفكر ألف مرة في الفكرة التي أتته بعقله و يحذفها بعد ذلك

بعدما شبعت الأميرة كريمزون سكارليت من أنمار، قفزت على باسل و عانقته مع ظهور بعض الدموع قليلا على عينيها ثم تحدثت "لم يرد أي شخص إخبارنا عن حالك، لكن حرصهم هذا كان دليلا فقط على الحالة التي كنت بها، حمدا على سلامتك"

باسل الذي تفاجأ بسبب قفزها عليه، هدأ و حدق فيها بحنان ثم قال "لم يكن هناك شيء لتقلقين عليه، لذا لم يخبرك الآخرون، أنا بخير كما ترين أيتها الأميرة"

أزاحت الأميرة سكارليت نفسها عن باسل و تقدم الجنرال منصف بينما يقول "عودتك شيء عظيم، لقد انتظرناك بفارغ الصبر أيها السيد الصغير"


ابستم باسل فقط من دون الإجابة، جلسوا جميعهم في غرفة حول طاولة واحدة و تكموا لبعض الوقت كعائلة واحدة، التاجر ناصر أيضا انضم لهم في الحديث، بعد التعرف عليه من طرف الأميرة سكارليت و أمها، تقبلوه بكل سرور مما جعله في قمة السعادة، تحدث الجنرال منصف "إذا ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ظننت أنك ستتوجه للقاعة الرئيسية أولا"

حدق باسل في الجنرال منصف و شرب الشاي ببطء ثم قال بهدوء "أريد لقاء جدتي"

تكلمت الأميرة سكارليت فجأة "أوه ! هذا جيد، إنها معزومة عندنا بالغداء، يمكنك انتظارها لذلك الحين"

لا زالت الظهيرة بعيدة قليلا، لذا اقترحت الأميرة سكارليت على باسل و أنمار الخروج للفناء و التمتع بنسيم الصباح الهادئ

في طريقهم، أتى صبي صغير عمره حوالي الخامسة مسرعا نحوهم و تعلق بقدم أنمار ثم تكلم "أختي الكبرى أنمار"

ربتت أنمار على رأسه ثم انحنت قليلا لتصبح في نفس مستوى طوله و قالت "أوه، كيف حالك أيها الملك الصغير"

كانت أنمار تعامله بشكل جيد، فبعد كل شيء، ذلك الفتى يعتبر ابن عمتها، أنمار تعز باسل بشكل كبير، بعده تأتي عائلتها، لا تهتم بأي شيء آخر في هذا العالم غير هذين الاثنين فقط

حدق به باسل، فبادله الطفل الصغير التحديق، حاول باسل التكلم معه "أوه، ما اسم الملك الصغير؟"

حملق الطفل الصغير به بعدائية نوعا ما، ثم أدار رأسه منزعجا من باسل كما لو أنه فعل شيئا سيئا بحقه


لم يفهم باسل ما يحدث، لكن الطفل الصغير تحدث "أختى الكبرى أنمار ستتزوج 'كارماين'، أليس كذلك؟" و بعد أن قالها حدق في باسل ثم أدار رأسه منزعجا مع صوت "همم"

يبدو أن الشقي الصغير لا يطيق باسل، لكن السبب واضح على ما يبدو، ربتت أنمار على رأسه و ابتسمت ثم قالت "كارماين، أختك الكبرى ستتزوج من أخيك الأكبر باسل، لكنك ستبقى أخي الصغير للأبد"

عبس 'كارماين' و حدق في باسل، هذا الأخير لم يستطع منع نفسه حتى صنع ابتسامة خبيثة في وجه الفتى الصغير، كانت ابتسامة تعلن فوزه، مما جعل كارماين الصغير يدمع و يضرب باسل بقدمه التي تألمت بدل أن تسبب الألم لباسل، أحس كارماين الصغير بالهزيمة فغادر مسرعا بينما يقول "أختى الكبرى أنمار الخائنة"

ضحك الجنرال منصف و البقية على هذا الأمر و أكملوا طريقهم بعدها، لكن أنمار بقيت متجمدة في وضعيتها من دون أن تتحرك مما جعل باسل يستغرب و يناديها، لكنها قامت من مكانها و تبعتهم بهدوء شديد كما لو أنها أصبحت في عالم آخر، لم يفهم باسل ما الذي حدث لها و أكمل طريقه فقط

في هذه الأثناء بالقاعة الرئيسية

"أوه، لقد أتى حليفنا باسل، هذا جيد، فلنذهب لرؤيته" تحدث الكبير أكاغي بعدما سمع الخبر من التاجر ناصر الذي أتى ليبلغه بالأمر

"لا" تكلم التاجر ناصر "في الحقيقة، لقد أخبرني السيد الصغير أنه سيأتي بنفسه إليك، أنت لست بحاجة للذهاب عنده، تحركك هذا سيتسبب في شك بعض المراقبين، إنه يريد تمضية هذا اليوم بهدوء"

أحبِط الكبير أكاغي قليلا، لكنه يريد تلبية طلب باسل، لذا مكث في مكانه منتظرا قدوم باسل فقط

و في القاعات الجانبية باليسار، هناك كان يمكث الإمبراطورين، كل واحد منهما أخذ قاعة كمبيت له مؤقتا

في جهة الإمبراطور شيرو


تحدث الإمبراطور شيرو عبر خاتم التخاطر (فلتجدوه بسرعة، لا أريد سماع أي خبر آخر منكم غير إحضاركم إياه، مما رأيت في تلك الحرب، ذلك الفتى هو ركيزة هذه الإمبراطورية، كسبه يعني كسب تلك الإكسيرات و الأدوات، مع معرفة كيفية بلوغ تلك المستويات الخارقة"

بعد انتهاءه اقتربت منه فتاة بيضاء، شعرا و عينا و جسدا، كما لو أنها منحوتة ثلجية تتحرك على قدميها، جمالها يجعل أي رجل يراها يسقط في غرامها، بدت كما لو أنها أميرة الثلج من الأساطير، فقط برؤيتها تجعلك تريد الموت من أجلها و تجعل روحك تخضع لها

تحدثت بصوت هادئ جدا "أبي، هل سيأتي 'قاتل الدم القرمزي' الذي تحدثت عنه؟"

حدق فيها أبوها و طرأت فكرة في باله جعلته يطرح سؤالا على ابنته "ماذا هناك؟ هل لديك اهتمام به يا شيرايوكي؟"

ضيقت الأميرة شيرايوكي عينيها و جعلتهما نصف مغمضتين ثم قالت بهدوء كبير "أنا فقط أريد أن أعلم، عندها سأحرص على عدم التواجد في حضوره"

استغرب الإمبراطور شيرو فسأل "لماذا؟ إنه البطل الذي أرجع عائلة كريمزون لحكمها"

لم تتغير تعابير الأميرة شيرايوكي و قالت "بطل؟ لقبه فقط يعطيك الخبر، أليس مجرد قاتل متعطش للدماء، شخص مثله قام بذبح عائلة كلها، كيف له أن يكون بطل؟"

تنهد الإمبراطور شيرو و قال "ابنتي الصغيرة، لقد كان في وسط حرب، إن لم يَقتل سيُقتل، ماذا تتوقعين؟"

التفت الأميرة شيرايوكي و تكلمت "أنا لا أهتم في الدوافع، قتل الناس كالحشرات شيء لا أطيقه فقط، لا يهمني إن ناداه الناس ببطل أو مجدوه كمنقذهم، في النهاية سيبقى مجرد قاتل بارد الدم بالنسبة لي، هناك الكثير يشبهونه في هذا العالم، من يبررون قتلهم بالعدالة، كلهم سيان بالنسبة لي، مجرد قتلة تحت قناع منقوش عليه اسم بطل"


تنهد الإمبراطور شيرو مرة أخرى ثم تكلم بداخله "شخصيتها هذه جعلت من الصعب قبولها بخطوبة أي شخص تقدم إليها، و أنا الذي كنت أظن أنني سأجعلها سببا في كسبنا لذلك الفتى"

بجهة الإمبراطور غلاديوس

"يبدو أن الفتى لا يريد مقابلة أي أحد حاليا، لكن في النهاية سيظهر نفسه لعائلة كريمزون، ضعوا أعينكم بحرص شديد هناك، محادثة صغيرة مع ذلك الفتى ستكون بمثابة كنز لا يضاهى، و مبارزة معه ستكون أكثر قيمة"

أمرهم الإمبراطور غلاديوس، فأجاب الجنرالين الراكعين على ركبة واحدة باحترام كبير "سمعا و طاعة"

مر الوقت، و ارتفعت الشمس فوق رؤوسهم، مما أعلن عن اقتراب موعد مجيء جدة باسل، هذا الأخير بدأ قلبه يتسارع قليلا، لا يعرف كيف عليه أن يواجه جدته هذه، و بينما يفكر في هذا الأمر، حتى تكلم صوت من بعيد مناديا باسمه "باسل"

لم يعرف باسل لمن هذا الصوت، كان لأول مرة يسمعه، لكن الصدى الناتج عن الصوت الذي ناداه تردد في قلبه مرارا و تكرارا، و أحس بشعور حنين جميل، أحس كما لو أن أمه قد نادته، صوت جديد على المسامع، مألوف للقلب، وقف باسل في مكانه بسرعة و تكلم "جدتي ! "

لم يلحظ باسل حتى وجد نفسه بذراعي تلك المرأة التي ظهرت، شعر بجسده يهتز، أحس بدفء لا يوصف في تلك اللحظة، لأول مرة في حياته، أحس باسل بدفء العائلة من شخص آخر غير أمه

حدقت به جدته التي لم تكن كبيرة كثيرا نظرا لعمرها، نظرت لوجه باسل من جميع الزوايا فدمعت عينيها ثم قالت "إنك تشبه أباك جاسر تماما" ثم عانقته من جديد

أحس باسل برجليه تفشلان، إنه يملك صلة ددمم أخرى، لقد استسلم عن هذا الأمر، في الحقيقة، كان قد اقتنع كليا أن أمه لوحدها كافية له كشخص يرتبط به بالدم، لكن بعد ملاقاته لجدته، علم عندها دفءً آخر مختلف عن الذي يستشعره من أمه

و من دون أن يدري حتى انسلت دمعة من جفنه جاعلة إياه يدرك أنه في الحقيقة لطالما تمنى في أعماق قلبه الالتقاء بشخص آخر يرتبط به بالدم

بادل باسل العناق مع جدته، فحدق بهما الجنرال منصف و أنمار بتعجب، و كذلك كان حال الأميرة سكارليت، لكن تعجبها هذا لم يطل حتى تحول لدموع متأثرة من لم الشمل هذا، أمّ الأميرة سكارليت و زوجة الكبير أكاغي التي رافقت جدة باسل كل الطريق إلى هنا، لم تستطع هي أيضا منع دموعها من النزول بغزارة

امرأة فقدت زوجا تاركا إياها مع ابن وحيد و والديها العجوزين، في يوم من الأيام اختفى الابن، و بعدها مات والديها الطاعنين في السن، انتظرت ابنها آملة رجوعه يوما ما، مرت سنين و لا زال لم يعد، حتى أتاها خبر موته، لكن الخبر الجيد المصاحب للخبر السيء كان الشيء الوحيد الذي جعلها لا تفقد إرادتها في الحياة

خبر موت ابنها قد حطم آمالها، لكن خبر وجود حفيد من ابنها الميت جعل تلك الآمال تُنعش من جديد، و الآن، التقى الحفيد و الجدة، الاثنين معا كانا يشعران بسعادة غامرة، و أحس كل واحد منهما بالقرب الشديد من الطرف الآخر

*****

في سلسلة جبلية امتدت لآلاف الأميال و اتخذت شكل حلزونيا، ظهر هناك إدريس الحكيم، كان يقف بالسماء في مركز هذه السلسلة الجبلية التي تعتبر كلها منطقة محظورة

حدق بالأسفل و تكلم "حسنا، هذا المكان مناسب، سيكون جيدا لتدريب الفتى باسل القادم، و الآن، فلنبني بعض المصفوفات الروحية"

نزل إدريس الحكيم من السماء، و بمجرد ما أن اقترب من الأرض حتى ظهرت الآلاف من الوحوش السحرية مرة واحدة، كانت تشمل ثلاث أنواع مختلفة

حدق إدريس الحكيم بها و تمتم "كما توقعت، لقد تطورت الوحوش السحرية أيضا، اقتراب شخص ما من اختراق المستويات الروحية يجعل هذا العالم قريبا من التحول من عالم سحري لعالم روحي"

كانت الوحوش تمتلك نية قتل مخيفة تجاه إدريس الحكيم، بدت كما لو أنهت اجتمعت لتصد المحتل و تقتله أو تخرجه من منطقتها

حصان مخالب الظلام ، الأسد الشيطاني، الكوبرا المجنحة، كلها وحوش يعلم عنها إدريس الحكيم جيدا، قبل سنين قليلة، لم تكن قوية كالآن، حصان المخالب الظلام الذي ازدادت هالته و حجمه أيضا، بدا كما لو أنه يتعرض لتغير تطوري، و كذلك الحال مع النوعين الآخرين

لم تكن هذه الوحوش تفوق حتى المستوى الخامس بالعالم الواهن، لكن إدريس الحكيم لاحظ هذا التغير الكبير في قوتها مؤخرا، هذه الوحوش ازدادت قوتها بكثير عما سبق و اخترقت للقسم الثاني من مستويات الاكتساب

مستويات الوحوش تختلف قليلا عن مستويات السحرة، فالوحوش يملكون حجر الأصل، بينما السحرة يملكون نقط الأصل

و الآن بعدما كانت هذه الوحوش في المستوى الخامس فقط، أصبحت الآن في المستوى التاسع و العاشر، تطورها هذا سريع للغاية، فكر إدريس الحكيم لقليل من الوقت

لابد من أن السبب يعود لاختراق أحدهم من العالم الواهن للقسم الثاني من مستويات الربط قبل فترة طويلة، و إلا لن تتطور هذه الوحوش لهذه الدرجة أيضا

أحاطت الوحوش السحرية بإدريس الحكيم من كل الجهات و هاجمته مرة واحدة، أحصنة مخالب الظلام استخدمت سحر الظلام و أحاطت به مخالبها و قرونها الأمامية ثم انقضت على إدريس الحكيم، و كذلك فعلت الأسود الشيطانية التي توهجت قرونها الرقيقة و ذيلها الثعباني ثم التهبت أجسادها، و أخيرا حلقت أفاعي الكوبرا المجنحة و رفرفت بأجنحتها مطلقة ريشها الغير منتهي و القاسي و المدعم بسحر الماء بحيث يمكنه اختراق الدروع السحرية الأقل منه مستوى من الهجمة الأولى

كلها انقضت على إدريس الحكيم مرة واحدة


وقف إدريس الحكيم مغلقا عينيه بثبات من دون تحرك، و في لحظة

ووووووش

فتح عينيه مطلقا نية قتل مرعبة جعلت كل الوحوش السحرية تتجمد في مكانها من الخوف و لم تستطع التحرك أبدا حتى خرجت كلمة واحدة من إدريس الحكيم "انصرفي"

وووش ووووش وووش

هربت الوحوش كلها في جميع الاتجاهات من شدة الفزع، نية القتل التي أخرجها إدريس الحكيم لوحدها كانت كافية لجعلها تقطع مئات الأميال مبتعدة عن مكانه، و في لحظات، كل الوحوش المحيطة بالمنطقة هرعت هاربة

أصبح المحيط المقدر بحوالي ألف ميل كله خال من أي وحش سحري تماما

حدق إدريس الحكيم في المكان بعناية ثم أغمض عينيه بعد التوقف في مكان محدد و جلس في الهواء متقاطع القدمين ثم صفق بيديه، فإذا بثلاث كرات بحجم رأس الإنسان ظهرت فوق رأسه بينما تحمل معها قوانين ملكية و تجعل الهواء ثقيلا بتحركها الدائري السريع، التفت حول الكرات حروف رونية تغيرت من دون توقف و بشكل لانهائي

و بينما تحيط به تلك الكرات ذات الهالة الملكية بينما يحلق في السماء، رفع يده اليمنى و ترك اليسرى في نفس الوضعية التي اتخذتها من التصفيق ثم أنزل اليمنى مرة أخرى فرسم خطّا روحيا على الأرض، و بعد ذلك استمر في فعل نفس الأمر مرارا و تكرارا و باتجاهات مختلفة مكونا نقوشا روحية بادئا عمله في بناء المصفوفات الروحية

*****

في هذه الأثناء، انفرد باسل بجدته في غرفة بمنزل الجنرال منصف و زوجته الأميرة سكارليت. تحدثوا حول الكثير من الأمور، و تمحور غالبها على باسل و أبيه جاسر

أحس باسل بالقرب من جدته 'رقية'، و أمضى بقية النهار معها، بعد أكلهما للغذاء، ذهبا للتحرك قليلا بينما يكملان حديثهما

"أوه، إذا ماذا حدث بعد ذلك؟" سأل باسل


أجابت جدته رقية "هوهوهو، هذا يثير اهتمامك إذا"

حك باسل رأسه ثم قال بابتسامة "حسنا، هذا صحيح، فهذه أول مرة أسمع فيها كلاما كثيرا عن أبي هكذا، لم يكن بإمكاني تذكير أمي بهذا الأمر، لذا دائما ما تحاشيته"

حدقت رقية في حفيدها بحنان ثم أجابت "أقيمت مبارزة بينهما لتحديد الأقوى"

"هاهاها، هكذا إذا، من فاز بالأخير؟ العم أكاي أم أبي؟"

"هذا..." قالتها الجدة فأوقفها هرع جندي ما بينما يصرخ "سيدي، سيدي"

حملق به باسل و تكلم بنبرة حادة "ما الذي تريده؟ ألا ترى أنني مشغول؟"

"أرجوا المعذرة" نزل الجندي على ركبة واحدة و تكلم بينما يلهث "مبعوثين من الإمبراطورين شيرو و غلاديوس قد أتوا و لا يريدون المغادرة إلا بعد اللقاء بك، يبدو أنهم متأكدين من وجودك هنا، و الآن الجنرال منصف يوقفهم بينما يزداد الموقف سوءا مع مرور الوقت بما أن الجنرال منصف يخبرهم بالذهاب و هم لا يريدون"

ضاقت عيني باسل فقلقت جدته، تكلم مع الجندي "أين الموقع؟"

أخبره الجندي فالتف باسل لجدته ثم ابتسم لها و قال "يبدو أن كلامنا سيتأجل لبعض الوقت، آسف يا جدتي، سأحاول الاعتناء بهذا الأمر بسرعة و أعود لنكمل حديثنا" و بعدما انتهى قبل رأس جدته ثم ذهب

أمام البوابة الخلفية لمنزل الجنرال منصف، كان هذا الأخير يحملق في أشخاص يرتدون زيا غريبا أسودا ملتصقا على أجسادهم و يلفون حول رؤوسهم ضمادات سوداء و بدوا كالمومياء، هؤلاء كانوا الذين على اليمين، أما الذين باليسار، فكانوا يرتدون قمصانا بيضاء تصل لأسفل الركبة مع سراويل بنفس اللون، و هم كذلك كانوا يخفون وجوههم بأقنعة اتخذت شكل النمر

تكلم الجنرال منصف بغضب "سأكرر كلامي لمرة أخيرة، إن لم تنصتوا، سأستخدم العنف عندها. السيد الصغير باسل مشغول حاليا و لا يمكنه المجيء، انقلعوا"

حدق السود و البيض بالجنرال منصف و لم يتكلموا، كان الجنرال منصف شخصا عاقلا و لم يرد إحداث ضجة لا فائدة منها، هؤلاء مبعوثين من الإمبراطورين نفسهما، رفضهما فقط يمكن تسميته بالفعل الشائن تجاه الإمبراطورين، لذا لم يرد استخدام العنف، عندها سيكون يتحدى الإمبراطورين بفعله هذا، هذا الوقت مهم لهم و يجب عليهم الاتحاد فيما بينهم


حاول الجنرال منصف تهديدهم، لكنه لم ينجح، يبدو أنهم يعرفون ما يفعلون بالضبط

عبس الجنرال منصف من الموقف الذي أصبح فيه، عندها، تكلم صوت مألوف على مسامعه "أيها العم منصف، أحيانا سيكون عليك ألا تفكر في العواقب كثيرا، فعادة تكون مجرد وهم ينشأ من تجاربك السابقة"

حدق الجميع في الفتى القادم، و بمجرد ما أن شاهده السود و البيض حتى أدركوا هويته عبر الوصف الذي تلقوه ثم قالوا "قاتل الدم القرمزي"

تكلم الجنرال منصف بينما يحدق في باسل الذي يقترب "ما الذي تقصده يا سيدي الصغير؟"

ضيق باسل عينيه ثم قال "هذا ما أقصده"

وووش

بووم


اختفى باسل في لحظة و ظهر أمام الشخص الأمامي من السود و الذي بدا كقائدهم و لكمه على بطنه مسقطا إياه على الأرض مغميا عليه بينما تخرج الدماء من فمه

تفاجأ الجميع، لكنهم لم يدروا ما حدث حتى كان باسل قد اختفى من مكانه السابق و ظهر أمام قائد البِيض و لكمه جاعلا حالته مثل قائد السود

فتح الكل فمه من شدة الصدمة، تكلم واحد من السود "هل تعلم ما الذي تفعله؟"

أكمل بعده واحد من البيض "ستكون هناك عواقب وخيمة لما فعلته"

حدق فيهما باسل مما جعل جسدهما يقشعر ثم قال "عواقب وخيمة؟ ما هي يا ترى؟"


"هذا..." لم يكن أحد قادر على إجابته

تكلم باسل بنبرة حادة "سأقول شيئا واحدا لكم و بلغوه لمن أرسلكم، 'أنا مشغول حاليا، عندما يصبح لدي وقت فراغ، سأفكر في منح القليل منه لك'، و الآن انقلعوا"

"أيُّه..." حاول واحد من السود الصراخ لكنه توقف بعدما وضع شخص يرتدي درعا فضيا يده على كتفه، ثم تمتم باسم من أوقفه "الجنرال أصيل ! " كان هذا الشخص واحد من الجنرالين اللذين كانا مع الإمبراطور غلاديوس

تكلم الجنرال أصيل بهدوء "آسف على الإزعاج، لكن ألا تظن أنك تماديت في الأمر قليلا؟"

حملق به باسل و أجاب "لا"

تنهد الجنرال أصيل ثم قال "متى سيكون بإمكانك لقاء سيدي؟"

أجاب باسل "عندما أقرر أنا ذلك، أنا أتذكر ديني تجاه الإمبراطورين شيرو و غلاديوس، هذا هو الشيء الوحيد الذي يمنعني من التمادي في الأمر، لذا سأريد منكم التوقف عن إزعاجكم هذا في المقابل، غير ذلك، سأتمادى عندها"

"هكذا إذا" تكلم الجنرال أصيل ثم التف و قال "سننتظرك إذا بفارغ الصبر"

غادر فتبعه السود أيضا بعد حملهم لقائدهم

حدق باسل في البيض ثم سألهم "ما هي خطوتكم القادمة؟"

بلع البيض ريقهم ثم حملوا قائدهم و قال واحدا منهم "نحن متأسفين على الإزعاج، سنبلغ رسالتك لسيدنا"

سارَعوا في الذهاب أيضا، فتنهد الجنرال منصف و قال "أخيرا ذهبوا" ثم أكمل سائلا باسل "سيدي الصغير، متى تنوي الذهاب للقائهم؟"


أجاب باسل "لا زالت لدي بعض الأعمال الغير مكتملة يجب علي إنهاؤها، بعدما أقضي بعض الوقت مع جدتي، سأذهب للسجن المركزي لاستجواب شاهين و تلك العاهرة"

"هكذا إذا" فهم الجنرال منصف ما تحدث عنه باسل، هذا الأخير سيستجوب شاهين بخصوص حلف ظل الشيطان، يجب عليه استخراج بعض المعلومات منه، فحتى الآن، بعد كل التعذيب الذي مر منه بالسجن المركزي، لا زال شاهين لم يفصح عن أي معلومة، و لم يقل أي حرف واحد، لكن في المقابل، لا زال لم يعرف حتى الآن لم يحتاج باسل لـغرين شارلوت

عرف باسل الأحداث التي مرت خلال غيابه عن الوعي من أنمار أثناء طريقهم إلى هنا، و أول ما سأل عنه كان شاهين و غرين شارلوت، فهذان يعتبران وسيلة مهمة له لقضاء بعض الأعمال

علم أيضا عن التغيرات التي حدثت برجوع عائلة كريمزون للحكم، و كما وعد الكبير أكاغي، أصبح كل شخص بإمكانه تلقيب نفسه، مما جعل النبلاء يثورون كثيرا و يزعجونه، لكن الكبير أكاغي تجاهلهم فقط حتى الآن، و لا زال لم يقم بالاعتناء بهذا الأمر، و خلال هذين الشهرين، بدأت تظهر بعض العلامات على عدم رضى بعض العائلات بالوضع الذي أصبحت عليه الإمبراطورية

أصبح أبناؤهم يدرسون في أكاديمية السحر مع القرويين و الناس العامة من دون التفرقة بينهم أبدا، أصبح كل شخص يمكنه أن يتلقى الدروس من نفس معلمي التلاميذ من العائلات النبيلة، مثل هذا الأمر لم يكن له سابق في التاريخ، حتى أثناء حكم عائلة كريمزون سابقا لم يكن مثل هذا الأمر موجودا

اعتزاز النبلاء بأنفسهم و معاملة الطبقى السفلى من المجتمع كالحشرات كان شيئا طبيعيا في هذا العالم، و بما أنه الشيء الطبيعي، محاولة تغييره ستجعل الكثير لا يقبل ذلك، مما سيتسبب في ثورة كبيرة

تكلم باسل مع الجنرال منصف "غدا سأتكلم مع الكبير أكاغي حول وضع الإمبراطورية الحالي، يجب عليه معالجة هذا الأمر بسرعة من أجل التركيز على حلف ظل الشيطان"

أماء الجنرال منصف رأسه ثم ذهب نحو الفناء الذي تجلس به زوجته و أمها، و أنمار و الصغير كارماين. كما اتجه باسل نحو مكان جدته بينما يفكر في شيء ما "قاتل الدم القرمزي ! ؟"

قضى باسل بقية اليوم مع جدته بعد العودة إليها، و بحلول صباح اليوم الجديد، تلقى رسالة عبر خاتم التخاطر من معلمه بعد استيقاظه من النوم بقليل

(كيف تشعر أيها الفتى باسل؟) سأله المعلم

أجاب باسل (لا زال جسدي متضرر قليلا، لكن يبدو أن قدرة شفائي أصبحت تسبق الضرر الذي يحدث لي، جسدي تطور قليلا ليتحمل الطاقة الخارجية)

(معك حق) أكمل المعلم (أنا حاليا مشغول ببناء شيء ما سيكون محور تدريبك القادم، انتهائي سيكون في بضعة أسابيع، حينها سيكون عليك القدوم إلى هنا)

استغرب باسل فسأل (أين أنت الآن أيها المعلم؟)

أجاب المعلم (إنني في السلاسل الجبلية الحلزونية)

تفاجأ باسل قليلا، بعد قارة الأصل و النهاية، يأتي 'أرخبيل البحر العميق' كثاني أكبر منطقة محظورة، ثم تأتي السلاسل الجبلية الحلزونية في المرتبة الثالثة، ليس هناك شخص لا يعرف هذه الأماكن


انقسم هذا العالم لثلاث قارات و آلاف الجزر، فقط 'أرخبيل البحر العميق' يمكن اعتباره قارة ضئيلة في حد ذاته. هناك ثاني أكبر قارة و التي بها إمبراطوريتي 'الشعلة القرمزية' و 'الأمواج الهائجة'، و هناك القارة الأصغر التي سيطرت عليها إمبراطورية 'الرياح العاتية' صاحبة أكبر تعداد سكاني في العالم، مع أنها فقدت ربع سكانها في الدمار الشامل، إلى أنها لا تزال تحتوي على أكبر عدد من البشر، بما أنها في قارة منعزلة عن الإمبراطوريتين الأخريين، جعلها تكون بعيدة عن الحروب الطويلة التي تكون سببا في تقليل عدد البشر، و هناك أكبر قارة، قارة الأصل و النهاية، إنها كعالم منفصل خاص بالوحوش السحرية

(حسنا) أكمل باسل (لكن أيها المعلم، هناك بعض الأعمال التي يجب علي إنهاءها أولا)

لم يجب المعلم حالا، لكنه فعل بعد فترة قصيرة (لا بأس بهذا، لكن مهما كانت هذه الأعمال، يجب أن تنهيها بسرعة، بعدها سيكون عليك المجيء إلى هنا، لقد ذهبت إلى قارة الأصل و النهاية و وجدت شيئا مثيرا للاهتمام، و حدسي يقول أنه سيكون مفيدا لك كثيرا)

تفاجأ باسل، هناك شيء في هذا العالم يمكن لمعلمه أن يقول عنه مثير للاهتمام ! عندما وجد باسل مطرقة بنقوش أثرية في حوزة غرين كانديد و إكسيرات بحوزة أختيه خلال الحرب، فكر في زيارة قارة الأصل و النهاية، العالم الواهن الذي لم يكتسب المعرفة و لا القوة، كانت قارة الأصل و النهاية التي هي جزء منه تحتوي على أسلحة بنقوش أثرية و إكسيرات ! مما يعني أنها قد حصلت على زيارات من أشخاص من عالم آخر من قبل

فكر باسل في احتمال وجود أسلحة روحية أيضا، بما أن هناك أشخاص في مستويات الربط قد سبق لهم و أن أتوا لهذا العالم، فلا شك أن هناك أشخاص بالمستويات الروحية قد أتوا أيضا، و على ما يبدو، فإنهم قد ذهبوا لقارة الأصل و النهاية من دون الاهتمام في بقية العالم، فلو أنهم ظهروا في هذا العالم و رأوهم الناس و لو قليلا، لكان العالم الواهن قد اكتسب القليل من معرفتهم

لكن، السؤال يبقى هو 'ما سبب قدومهم إلى العالم الواهن؟' أو بالأحرى، 'ما سبب قدومهم إلى قارة الأصل و النهاية؟' دارت العديد من الأفكار في ذهن باسل قبل أن يستنتج شيئا

"هل يمكن أنه شيء مرتبط بالشيء الذي أثار اهتمام المعلم الذي تحدث عنه؟ شيء أثار اهتمام المعلم، لن يكون غريبا أن يثير اهتمام سحرة و سحرة روحيين آخرين"

أكمل باسل كلامه مع المعلم (معلمي، في الحقيقة لقد كان بعض الأشخاص من عائلة غرين في الحرب يملكون سلاحا بنقوش أثرية و الإكسيرات أيضا و التي لا أزال لم أنشرها بعد في العالم، و على حسب كلامهم، فهم قد اكتسبوها من قارة الأصل و النهاية)


(هوه، هكذا إذا) بعد كلام باسل، بدا على إدريس الحكيم كما لو أنه قد ربط عدة نقط مكونا شكلا واضحا في عقله، أكمل (لم أهتم بأي شيء آخر عدا شيء واحد في تلك القارة، لذا لم أبحث في أمرها كثيرا، لكن بالنظر لكلامك، فهذا يعني أن هناك أشخاصا ليسوا من هذا العالم قد أتوا إلى قارة الأصل و النهاية، مما يشير لشيء واحد، لقد تتبعوا آثار الشيء الذي أثار اهتمامي، لكن 'لم سحرة من مستويات الربط فقط كانوا قادرين على الدخول لهذا العالم؟' يبقى أمرا غامضا)

"كما توقعت" قالها باسل بداخله ثم قال لمعلمه (أيها المعلم، هناك شيء مثير للاهتمام أكثر. لقد وجدت مخطوطات روحية بقاعة الكنز في القصر الإمبراطوري، إنها ثلاث)

(ماذا ! ؟) حتى إدريس الحكيم نفسه قد تفاجأ، فكر لقليل من الوقت، بالطبع لا يمكن لسحرة من مستويات الربط أن يأتوا لهذا العالم، لكن الأمر مختلف إن كانوا يرافقون ساحرا روحيا، لابد من أنهم كانوا جنودا أو تلاميذ ذلك الساحر الروحي

لا يزال إدريس الحكيم لا يعلم ما مستوى هذا الساحر الروحي الذي أتى إلى قارة الأصل و النهاية متتبعا ذلك العالم الثانوي، لكن النية التي تحكم هذا الأخير منعت إدريس الحكيم من الدخول عبر استخدامها للقوة الغاشمة. حتى بالحكمة السيادية، كان إدريس الحكيم سيأخذ وقتا طويلا جدا في فك أنماط النقوش الروحية من أجل الدخول لذلك العالم، لكن تلك النية لن تسمح له بهذا

لم يكن إدريس الحكيم يعلم عن وجود هذا العالم الثانوي هنا، لا يمكن لأي ساحر روحي أن يأتي لمثل هذا العالم الواهن الذي يعتبر أضعف عالم على الإطلاق، لا توجد به أي أسلحة ملكية أو كنوز سيادية، لكن في الحقيقة هناك ساحر روحي قد فعل، لا، قد يكونون سحرة روحيون، مما يشير لوجود كنز خيالي جعل سحرة روحيين يأتون إلى هنا متتبعين أثره، مثل هذه الأفكار تركت إدريس الحكيم يفكر عميقا في ذلك العالم الثانوي

تكلم إدريس الحكيم محدثا باسل بجدية (أيها الفتى باسل، أسرع في إنهاء أعمالك، أنا لا يمكنني ترك ما بيدي الآن، لكن عندما أنتهي، سآتي لأعود بك إلى هنا، سيكون عليك تعلم الكثير من الأشياء، أما تلك المخطوطات الروحية، فسوف أنظر في أمرها بعد لقاءنا)

(حاضر) لم يزد باسل كلمة أخرى عنها، من نبرة معلمه، لابد و أن الأمر في غاية الأهمية، يجب عليه إنهاء أعماله بسرعة

قال المعلم (درب في الوقت الحالي جسدك، يجب أن تجعله يصل للمستوى المطلوب ليستطيع تحمل المستوى التاسع من عنصر التعزيز لتستخدمه بحرية، لا يجب عليك استخدام عنصر التعزيز لذلك الحين أبدا، حاول تأجيل اختراق عنصر النار للمستوى السابع، فذلك سيزيد الطين بلة فقط، مما رأيت البارحة، عنصر النار يقف في قمة القسم النهائي من المستوى السادس، حاول قمعه جيدا كي لا يخترق)

(نعم، أعلم أيها المعلم، لا تقلق) أجابه باسل ثم أكمل بعد تذكره لأمر ما (آه، بالمناسبة، يبدو أن العدو الذي كنت أجهله قد علمت البعض عنه، لا زلت لا أعرف حتى الآن التفاصيل، لكن الشيء المهم هو أنهم قد اكتسبوا معرفتهم من شيطان ما، اسمهم 'حلف ظل الشيطان'، قال واحد منهم عندما كنت أقاتله أنهم وُعِدوا ببلوغ السيادة العظمى أو شيء كهذا)


بعد انتهاء باسل من الكلام، لم يجبه المعلم لوقت طويل حتى بدأ يناديه (أيها المعلم ! أيها المعلم ! )

(آه، لقد سهوت قليلا فقط في عملي، المهم، لقد وصلت لمرحلة مهمة في العمل و يجب علي التركيز أكثر، حاليا، ركز على الإسراع في الانتهاء من أعمالك فقط، سأتواصل معك عندما أنتهي) أنهى المعلم الاتصال

في جهة إدريس الحكيم الذي كان يحلق في السماء بينما تشع أضواء من تحته، نزلت بعض قطرات العرق البارد على وجهه بينما يكرر كلمتين غير مصدق لما سمعه "السيادة العظمى ! ؟"

أما في جهة باسل، شعر هذا الأخير بغرابة في تصرف معلمه، لكنه تناسى هذا الموضوع للآن و نهض من سريره بعدما كان يجلس عليه ثم توجه خارجا

بمجرد ما أن فتح الباب حتى وجد أنمار تنتظره، حدق بها ثم فكر في توقيتها المثالي في كل مرة، ذهب الاثنان معا متوجهين نحو قاعة القصر الإمبراطوري الرئيسية

و في طريقهم، تلقى باسل اتصالا عبر خاتم التخاطر ثم تكلم من خلاله، فتكلم بصوت مسموع من دون أن يشعر "شكرا لك على المعلومات القيمة"

لاحظ باسل عندما دخلوا للقصر الإمبراطوري همس بعض الجنود فيما بينهم، و مرة أخرى سمع ذلك الاسم الغريب بينما تتجه نظراتهم إليه حتى وصلا للقاعة الرئيسية

تلقى ترحيبا حارا من الكبير أكاغي ثم ذهبوا لتناول الفطور بينما يتحدثون، انضم إليهم الجنرال منصف و التاجر ناصر


تكلم باسل بينما يشرب كوبا من الشاي على مهل "كم عدد العائلات النبيلة الغير راضية بالوضع الحالي؟"

أجاب الكبير أكاغي بعد أن تنهد "حوالي الـ50، بسبب القوانين الجديدة التي فرضتها عليهم، يحاولون جعلي أغير رأيي، و على ما يبدو أن هناك أشخاص بينهم يحاولون جعل هذا الأمر كعذر لإثارة الفوضى و الثورة و جني الربح من الظلال، لقد مسست بالقانون الطبيعي في هذا العالم، كنت أعلم أنني سأتلقى مثل هذه الردود"

وضع باسل كوب الشاي على الصحن الصغير ثم تكلم مغمض العينين و بهدوء "القانون الطبيعي هاه ! العصر يتغير، العالم يتطور، حضارات تُهدم و أخرى ترقى، لكن مع ذلك طبيعة الإنسان لا تتغير بتلك السهولة"

حدق به الجميع متسائلين عن الذي يقصده، شرب باسل آخر رشفة من الشاي ثم أكمل قائلا "ليس العصر ما يجعل القانون قانونا طبيعيا، و لا العالم، و لا الحضارات كذلك، لكنها طبيعة الإنسان، و عند النظر لذلك من هذه الناحية، فستجد الجواب أمام عينيك، إن لم تكن قادرا على تغيير القانون الطبيعي، فيجب عليك ببساطة تغيير طبيعة الإنسان، عندها، ستكون قد حققت مرادك، إن أردت علاج مشكلة ما، فابحث عن جذرها و استأصله"

"...طبيعة الإنسان تعمل بشكل غريب، لكن الشيء الواضح هو أنها دائما ما تتبع الطريق الذي سيجعل الإنسان ينجو، قد لا تكون تتغير بسهولة، لكن إن حدث تغير ضخم كاف لتغيير كافة المعايير التي جعلت من طبيعة الإنسان تقرر ما هو الصحيح و ما هو الخاطئ، عندها، طبيعة الإنسان نفسها ستحاول التكيف مع هذا التغير الضخم الذي حدث، ثم سيتغير القانون الطبيعي"

تعجب الكبير أكاغي و البقية غير أنمار من كلام باسل، سأل الكبير أكاغي "كيف سنفعل هذا؟"

عندها نهض التاجر ناصر من مكانه فقال له باسل "يبدو أنك فهمت"

حدق الكبير أكاغي و الجنرال منصف في التاجر ناصر الذي قال "حان الوقت لبدئنا في بيع الإكسيرات ! "


ابتسم باسل ثم قال "هذا صحيح، لكن ليس هذا فقط، سنبدأ في بيع الأسلحة بالنقوش الأثرية أيضا"

فهم الكبير أكاغي و الجنرال منصف أخيرا ما عناه باسل، لكن الكبير أكاغي تساءل "أليس هذا الأمر غير كاف لتغيير طبيعتهم؟"

اقتربت خادمة ثم ملأت كوب باسل بالشاي مرة أخرى ليبدأ في أخذ رشفة أخرى، قال بعد إعادته الكوب إلى الصحن مجيبا عن سؤال الكبير أكاغي "هذا صحيح، كما قلتُ، إنها لا تتغير بسهولة، لكن ماذا إن حدث نفس الأمر في العالم كله؟ ماذا إن تم المساس بالقانون الطبيعي في العالم كله إضافة للتغير الملحوظ الذي سيحدث في الشهور القليلة القادمة بعد كشف الإكسيرات؟"

المساس بالقانون الطبيعي في العالم كله؟ هذا السؤال حير الكبير أكاغي قبل أن يدرك مقصد باسل، وقف ثم قال "الإمبراطوران شيرو و غلاديوس"

ابتسم باسل فسأله الكبير أكاغي مرة أخرى "كيف ستقنعهما؟"

تكلم التاجر ناصر مرة أخرى "طريقة الصنع"

تفاجأ الكبير أكاغي و الجنرال منصف، هذا صحيح، بطريقة صنع الأدوات و الإكسيرات، إضافة لتلك النقوش الأثرية، لن يكون بوسع الإمبراطوران سوى القبول، عند مساسهما أيضا بالقانون الطبيعي، سيضطر الناس للنظر في طبيعتهم، و عندما يشهدون الإكسيرات، الأدوات و النقوش الاثرية، سيقبلون بالأمر تماما، عندها سيفهمون أن عليهم تغيير طبيعتهم من أجل التأقلم مع العالم الجديد، و بذلك سيقبلون بالقانون الطبيعي الجديد عبر قبولهم بتغيير طبيعتهم

تكلم الكبير أكاغي سائلا باسل "يبدو أن الإمبراطورين يريدان لقاءك، لما لا تريد إعطاءهما وجها؟"

تكلم باسل "السبب الأكبر هو أنني مشغول، و بافتراض أنني كنت متفرغا فلن أعطيهما وجها بتلك السرعة، لو أنني فعلت ذلك بتلك السهولة، ألن يبدو أمر الإكسيرات و النقوش الأثرية ذا أهمية قليلة، سأتحدث معهما بعد جعلهما يدركان أهمية الموضوع الذي سنتحدث عنه، بذلك، سيكونان قابلان للإنصات للكثير من شروطي تعويضا لطريقة الصنع"

"هكذا إذا" فهم الكبير أكاغي

و في تلك الأثناء، كان باسل يفكر بداخله "مع أن ذلك في الواقع ليس سوى عذر لأتهرب به من إزعاجهم، لكنه يبقى حقيقة بالرغم من أنني أستغله كعذر"

انتهى باسل من شرب الشاي ثم وقف. سأله الكبير أكاغي عن وجهته التالية فأجابه باسل "أولا سأذهب لزيارة شخص ما، ثم بعد ذلك سأذهب للسجن المركزي، أريد من العم منصف مرافقتي، فهو الشخص الذي تعامل مع المحكمة المركزية كي لا تتدخل في حربنا، أريد التكلم مع قاضتها حول هذا الأمر، و أيضا حول شيء آخر"

وقف الجنرال منصف ثم رافق باسل و أنمار
بعد الخروج من القاعة الرئيسية و الركوب بعربة راقية يجرها خيل ملكي، سأل الجنرال منصف عن وجهتهم التي حددها باسل

أجاب باسل بينما يفكر في شيء ما "سنذهب لمبيت أخوا القطع، هناك يوجد أختهما الصغيرة، يبدو أنها لم تستيقظ حتى الآن، لا يبدو عليها أي علامات تشير لمعاناتها، لكن في المقابل، لا يبدو عليها أي علامات تشير لاستيقاظها، بغرابة، لم يحدث عليها أي تغير طيلة الشهور الماضية، مثل هذا الأمر غريب جدا"

فهم الجنرال منصف كلام باسل جيدا، فهو قد شاهد العديد من الأطباء المشهورين عالميا يأتون مرارا و تكرارا للنظر في حالة باسل، و بجانبه، كانوا ينظرون في حالة أخت أخوَيْ القطع الصغيرة، و أيضا، كما حدث لهم مع باسل، استعصى عليهم أمرها كذلك

بقي باسل يفكر في العديد من الأشياء، هناك الكثير من الأمور التي يجب عليه حلها، و في قمتها، يأتي 'حلف ظل الشيطان'، بطريقة أو بأخرى، سيجعل شاهين يتكلم

انطلق الخيل الملكي بسرعة كبيرة و قطع عشرات الأميال في مدة قصيرة جدا، دخلوا لوسط العاصمة التي عاد لها اسمها القديم عندما كانت عائلة كريمزون تحكم، 'مدينة السيف القرمزي'، بعد تولي عائلة غرين الحكم، أزالت هذا الاسم و بدلته بـ'المدينة المورقة'، لم يقتصر الأمر على الاسم فقط، بل حتى العلامات التي كانت تتميز بها مدينة السيف القرمزي قد اختفت

لكنها عادت الآن، ليست كاملة، لكنها تعود رويدا رويدا مع مرور الوقت، في مركز العاصمة، كان هناك القصر الإمبراطوري الذي اعتاد أن يحاط بشعار عائلة كريمزون و أعمدة نارية مشتعلة على طول الحائط المحيط بالقاعة الخارجية، و الآن بعد عودة عائلة كريمزون للحكم، عاد شعارها ليُزَخرَف على طول الحائط و التهبت الأعمدة بينما تطلق انفجارات بين الحين و الآخر كما لو أنها تحتفل بعودتها لمكانها القديم

كان شعار عائلة غرين عبارة عن شجيرة خضراء تقطر دما، و كان شعار عائلة كريمزون عبارة عن سيف قرمزي محاط بنار ملتهبة، شعار عائلة كريمزون أحاط العاصمة كلها من جديد، رفرفت الأعلام الحاملة لشعار عائلة كريمزون معلنة بذلك عن العودة الكبرى، تحولت المدينة المورقة لتصبح مدينة السيف القرمزي شيئا فشيء، و اللون الأخضر الذي كان يطغى بالمدينة المورقة، اختفى في مدينة السيف القرمزي و تحول للون القرمزي الملتهب


أثناء تحركهم، تحدث باسل مع الجنرال منصف "أيها العم منصف، أنا ألاحظ وجوها سعيدة هنا، إنها أكثر إشراقا عن قبل، عندما أتيت أول مرة إلى هنا، لم تكن هناك سوى الابتسامات المزيفة و بدا على الكل كما لو أنهم مقموعين، لذا لم يكن هناك أي خيار آخر لهم سوى التظاهر بالرضى بالرغم من شعورهم بالعكس لذلك تماما"

أجاب الجنرال منصف "هذا صحيح، فبعد كل شيء، لم يعد هناك أي شخص يأخذ منهم ضرائب غير معقولة، صار بإمكانهم صنع لقبهم الخاص، و التجارة أصبحت عادلة، ليس هناك أي شخص يحتكر الأسواق لنفسه فقط، و ليس هناك اختفاء غريب للناس و خصوصا الأطفال بعد الآن، قلت الجرائم مع حرص فرقة السنبلة الخضراء على أداء مهامها جيدا بقيادة الجنرال رعد، هناك تغير إيجابي ملحوظ، فكيف للشعب ألّا يكون راضيا؟ قد يكونوا فوجِئوا بالحرب السابقة، لكن رؤيتهم لطريقة حكم عائلة كريمزون جعلتهم يتقبلون عودتها بكل سرور"

ابتسم باسل و أغمض عينيه ثم استمع لضحكات الناس الغير متصنعة و النشاط الذي أصبح يتخلل العاصمة، بدا كما لو أنها قد ولدت من جديد

أخذت عائلة غرين، عائلة غين، عائلة هويز، و عائلات أخرى تابعة لعائلة غرين الضرائب من القرويين الفلاحين، كذلك فعلوا مع التجار، هيمنوا عليهم و لم يتركوا أي أحد يتنفس الصعداء. احتقروهم و عاملوهم بعلو كعائلات نبيلة بلقب عظيم. كان هناك تحكم بأثمنة السلع و ليس هناك أي شخص قادر على معارضة الثمن المقرر من طرف غرين هيملر (الأمير الأول سابقا). كان هناك اختفاء للناس و خصوصا الأطفال، مثل هذه الجرائم لم تعد توجد أبدا بغياب مسببها 'غرين شارلوت'، و مع حرص فرقة السنبلة الخضراء على عدم ظهور شخص آخر مثلها، كانوا قد نجحوا في بث الأمان في قلوب الناس

و أثناء تصنت باسل على الأجواء الهنيئة بمدينة السيف القرمزي، سمع بعض الهمسات بين الناس و من الواضح أنهم يتكلمون بخفاء، حواس باسل أصحبت حادة جدا كفاية ليسمع همساتهم بوضوح، هذه الهمسات جعلته يأمر سائق العربة بالإبطاء من السرعة كفاية ليستطيع سماعهم

تكلم رجل في منتصف العمر بينما يحيط به عدة أشخاص من أعمار مختلفة "هل سمعتم؟ يبدو أن قاتل الدم القرمزي قد ظهر مرة أخرى، يقال أنه رفض مقابلة الإمبراطورين شيرو و غلاديوس"

تفاجأ أحد منهم "ماذا؟ لقد كان متخفيا لأكثر من شهرين، هل ظهر أخيرا؟ هل يمكن أنه ينوي على شيء خطير؟ كيف له أن يرفض اقتراح الإمبراطورين؟ هل جُن؟"

تمتم واحد آخر منهم "لكن، يقال أنه في المستوى السابع، و كان قادرا على هزيمة الآلاف من جيش العدو في الحرب سابقا، و ليس هذا فقط، بل حتى أنه قد قتل ددمم عائلة غرين بالكامل من دون ترك أي واحد منهم حي على الإطلاق"

شخص بجانبه دعم كلامه "نعم نعم، لقد سمعت بهذا أيضا، يقال أنه شخص لا يرحم أبدا و يقتل كل من يقف في طريقه و يعارضه من دون النظر إلى وجهه حتى، إنه القائد الأعلى لجيوشنا الحالية"


تكلم شاب في مقتبل العمر بارتعاد "الرحمة الرحمة، مثل هذا الشخص الخطير هو القائد الأعلى لجيوشنا، لنتمنى ألّا يجلب بلاء عظيما علينا"

تكلم الرجل الذي تحدث بالبداية "هذا صحيح، حتى أنه الآن يرفض اقتراح إمبراطورين للقائه، مثل هذا الشخص الخطير يجعلني فقط أخاف إن كان سيتسبب في جلب كارثة علينا بأفعاله هذه، ماذا لو أنه قام بشيء وقح تجاه الإمبراطورين مرة أخرى؟ ألن يكون سببا في اندلاع حرب عظيمة كالتي انتهت قبل 150 سنة؟"

تمتم الشاب الذي في مقتبل العمر مرة أخرى "الرحمة الرحمة، يجب أن نصلي لسلامتنا"

تساءل واحد منهم "لكن، ما هو أصل قاتل الدم القرمزي هذا على أي حال؟ ما اسمه الحقيقي؟ و لماذا ينادوه بقاتل الدم القرمزي؟"

استمرت الهمسات على طول طريقهم، و عندما سمع باسل هذه الأسئلة، أمر سائق العربة بالتوقف ثم تصنت لهمساتهم بعناية، و بدا عليه كما لو أنه رأى شيئا مثيرا للاهتمام

"أصله غير معروف حتى الآن" أجاب الرجل الذي تحدث بالبداية "لكن يقال أن اسمه الحقيقي هو باسل، لقد قام بقتل ددمم عائلة غرين بالكامل، لم يهتم بالصغير أو الكبير، لذا لقبوه بـ'قاتل الدم القرمزي'، فقط لقبه يجعلك ترى مدى قسوته"

همس الشاب الذي في مقتبل العمر خائفا "الرحمة الرحمة، فلنتوقف عن الحديث عنه، من يعلم؟ قد يسمعنا أحد توابعه و نقع في مشكلة كبيرة"

دعم رأيه واحد آخر "هذا صحيح هذا صحيح، لنتوقف عند هذا الحد"

"لا، لما لا تكملوا؟ أريد معرفة بعض التفاصيل حول هذا الشأن" عندها اقترب منهم فتى يبدو في عمر يناهز الخامسة عشر. حدقوا كلهم به بغرابة


تكلم الشاب الذي أراد إنهاء الموضوع لخوفه بلهجة تعاطفية "هيا هيا، أيها الفتى، من الأفضل لك أن تتوقف عن البحث أكثر في هذا الأمر، من المؤسف أن يكون هذا سببا في موت شخص في مثل سنك"

ابتسم الفتى و تحدث بهدوء "لما سأموت فقط لأنني سألت؟ أليس هذا شيء غير طبيعي؟ هيا لا تكن هكذا أيها الأخ الأكبر و نور أخاك الأصغر الجاهل"

تكلم الرجل الذي بدأ هذا الموضوع من الأول "معه حق أيها الفتى، أنا أيضا لا أريد الحديث في هذا الأمر أكثر، لا أريد أن أجد رأسي غير موجود بمكانه"

ابتسم الفتى و تكلم مع الحفاظ على هدوءه "لا تقلق، أنا لا أظن أن قاتل الدم القرمزي الذي تتحدثون عنه سيقتلنا فقط لأننا تحدثنا عنه، أنا مجرد قروي أتى للدخول لأكاديمية السحر و لا أريد أن أبقى جاهلا، نوروني أيها الكبار من فضلكم"

هدوء هذا الفتى الغريب و إلحاحه المستمر جعلهم يغضبون، حتى أن الشاب الخائف أسرع و تدخل جاعلا الفتى يبتعد عبر جره بعيدا بلطف بينما يتحدث "لا تسألهم أكثر من هذا، سوف تتسبب في إيذاء نفسك فقط بإغضابهم، بالرغم من مظهرهم العادي حاليا، لكنهم سحرة بالمستوى الثاني و قد أتوا لتأدية الاختبار الذي افتتحه تشكيل قاتل الدم القرمزي للانضمام إليه"

"هكذا إذا" وضع الفتى يده على ذقنه و تحدث "إذا لما لا تخبرني أنت، أنت لن تؤذيني، أليس كذلك أيها الأخ الأكبر؟"

"هذا..." لم يستطع الشاب الخائف التكلم، فخوفه جعله يوقِف أولئك الكبار عن التكلم حول هذا الموضوع، كيف له أن يبدأه بنفسه من جديد؟

عبس الشاب الخائف الذي أصبحت تعبيراته جدية و بدا كما لو أنه قد أصبح شخصا مختلفا تماما ثم تكلم "أيها الفتى، قلت أنك قروي من قبل، لكن من ملابسك فلابد من أنك من عائلة نبيلة، لا أعرف ما أهدافك، لكن من الأفضل لك التوقف عن البحث في هذا الأمر حقا"

"أمم..." ابتسم الفتى ثم قال "أنت أيضا أيها الأخ الأكبر تبدو كما لو أنك شخص آخر تماما عن الشخص الذي كنته قبل قليل"


تفاجأ ذلك الشاب، لكنه في الحال وضع يده على رأسه و حكه ثم قال بينما يضحك "لست سوى شخص خواف و جبان"

"هيه ! " تعجب الفتى من تصرفه ثم قال له "قد تكون قادرا على خداع أولئك السحرة هناك، لكن لن يكون بإمكانك فعل المثل معي، ساحر في مثل عمرك بالمستوى الثالث بالفعل، كيف لشخص موهوب مثلك أن يكون مجرد جبان؟"

صدم ذلك الشاب تماما، يده التي كانت تتحرك باستمرار حاكّة* رأسه قد توقفت و توجهت نظراته نحو عيني الفتى اللتين رأتا من خلاله، فجأة، تغير الجو حول ذلك الشاب، نظراته الخائفة أصبحت تحمل معها جدية غير معقولة

[حاكة = مؤنث 'حاكّ' من فعل 'حكّ]

سأل الشاب بعد إزالة يده عن رأسه بنبرة حادة عن التي اعتاد الحديث بها "من أنت أيها الفتى؟" كان صوته في طريقة سؤاله كما لو أنه لشخص آخر تماما

تكلم الفتى "هيا، لا تأخذ حذرك فجأة هكذا، نية قتلك بدأت تتسرب منك، لا يجب عليك أن تفقد هدوءك هكذا، غير ذلك، سوف تضيع تمثيليتك هباء بعد كل العناء الذي بدلته من أجل صنع تلك الصورة عنك"

لاحظ الشاب أنه بالفعل قد فقد هدوءه للحظات، لكن بعدما ضبط نفسه، أعاد نفس السؤال مرة أخرى بينما يحدق في الفتى الذي أمامه بعمق محاولا الرؤية من خلاله كما فعل له

ابتسم باسل ثم قال "أليس من الآداب تقديم نفسك قبل سؤال الشخص عن أصله؟"


عبس الشاب، لكنه أدرك أن الفتى معه حق، و بعد كل شيء، لا يبدو أن الفتى سيقدم نفسه له إن لم يفعل هو أولا، قال بعبوس "أنا من عائلة عامية من مدينة بجنوب العاصمة و اسمي 'أبهم'، ماذا عنك؟"

"أوه" تعجب باسل و قال "أصلك طبيعي و مع ذلك أنت ذو موهبة مذهلة، لقد أعجبتني أكثر، حسنا، أنا..."

"باسل، ألا زلت لم تنتهي؟" عندها نادت الفتى فتاة بجمال خلاب ظهرت من عربة بخيل ملكي، بوقوفها بجانب الخيل الملكي، كونت صورة مثالية من الجمال، و كانت كافية لتجعل قلب أي رسام يقفز، سيتقافز الرسامون من أجل الحصول على فرصة لرسم هذا المشهد الذي صنعته تلك الفتاة بوقوفها بجانب الخيل الملكي بينما يُقذف الماء من النافورات

في لحظة، توجهت نظرات الجميع نحو تلك الفتاة التي تحدثت، و جعلت الكل في صمت تام من شدة تأثرهم، أما 'أبهم'، فقد بقي مندهشا تماما حتى تكلم الفتى "لقد سمعت اسمي، و أنا قروي كما سبق و أن قلت لك، حسنا يا أبهم، سوف أتركك للآن، لدي أعمال يجب أن أنهيها، لكني سأقابلك مرة أخرى"

التف الفتى و ذهب في اتجاه الفتاة التي نادته، رجع 'أبهم' لصوابه فسأل الفتى "كيف ستجدني؟ ليس و كأنني أمضي وقتي هنا، إنني لست حتى من العاصمة"

تكلم الفتى من دون الالتفاف "يبدو أنك قد أتيت لاجتياز اختبار التشكيل، هذا كاف، و لقد أعطيتني اسمك أيضا"

ركب الفتى و الفتاة العربة التي تحركت بعد فعلهما لذلك

بقي أبهم متجمدا في مكانه، بالنظر للعربة التي ركبها، فلا بد من أنه شخصية عظيمة، من هو ذلك الفتى بالضبط؟ فكر لقليل من الوقت "يبدو أن اسمه باسل، أتساءل من يكون؟"

ثم بعد أن التف ليعود إلى تلك الجماعة من قبل حتى توقف في مكانه و فتح عينيه على مصراعيهما من شدة الصدمة "باسل؟"

صرخ بهذا الاسم من دون أن يشعر حتى جعل واحدا من تلك الجماعة يقترب منه و يقول "ما بك؟ هل قاتل الدم القرمزي قد أخافك لدرجة صراخك باسمه ! ؟"

عاد الجو الطبيعي الخاص بالشاب الخواف الذي كان يحيط بـ'أبهم' من جديد ثم وضع يده على رأسه بينما يجيب "هيهيهي، قد لا أنام جيدا في الأيام المقبلة ! " بينما يفكر بداخله "يجب أن تكون مصادفة فقط"

تكلم معه ذلك الشخص "إنك حقا لجبان كثيرا يا أبهم"

ضحك أبهم من دون الإجابة و تبع ذلك الشخص عائدين لجماعتهما بينما يفكر بداخله "لكن ماذا عنى بأنه سيجدني بما أنني سأذهب لاجتياز الاختبار؟" لم يفهم أبهم ما الذي قصده ذلك الفتى

و في الأخير بدأ الشك يتخلله "هل يمكن أنه حقا...؟"

"همم؟ تقول لما أثار اهتمامي؟" سئِل باسل هذا السؤال من طرف الجنرال منصف بينما يتحركون بالعربة، فأجابه "إنه بالمستوى الثالث بالفعل، و عمره على الأغلب لا يتجاوز العشرين حتى، إنه موهبة نادرة جدا، يمكنك مقارنة موهبته بالخاصة بي و بأنمار حتى"

تعجب الجنرال منصف كثيرا، فهو يعرف بالضبط ماهية موهبة باسل المرعبة. سابقا، عندما كانا يتدربان في غرفة التدريب بشهر الانعزال، أدرك الجنرال منصف قوة باسل الحقيقية، عندها، عرف لأول مرة عن وجود مستويات بعد المستوى السابع، عندما تدرب ضد باسل، كان هذا الأخير يريد الاختراق للمستوى الخامس، لذا كان عليه استخدام عنصر النار من أجل ذلك

أول مرة شاهد الجنرال منصف باسل يستخدم عنصرا آخر غير عنصر التعزيز، كاد أن يتقيأ الدماء، فذلك شيء غير معقول، مع ذلك، لا يزال لم يفهم لِم باسل يمتلك عنصرين، فبناء على كلام باسل، يجب على الساحر الدخول لحالة الصفاء الذهني و الروحي و إمضاء وقته في عزلة تامة من أجل استشعار الطاقة الخارجية و تعلم التحكم فيها من أجل جذبها لبحر روحه و تكوين العنصر الثاني، عندها يكون الساحر قد دخل للمستوى الثامن

أشار باسل فقط إلى أن حالته شاذة و لم يشرح الأمر أكثر، لذا لم يقم الجنرال منصف بالحفر أكثر. بعد مشاهدته لقوة باسل، لم يسعه سوى الشعور بأن ذلك الفتى هو أقوى شخص في هذا العالم

باسل في ذلك الوقت كان يريد الاختراق للمستوى الخامس بسرعة، لكنه كان يحتاج لمحفز ما، و بالطبع لم يكن بإمكانه قتال أي شخص كان من أجل هذا، فهو سيكشف بعض الأسرار مقابل ذلك، لذا اختار الجنرال منصف بناء على شخصيته النزيهة التي لاحظها منذ قدومه إلى هنا، و الجنرال منصف كان قد وضع باسل في مكانة مرتفعة بقلبه لأنه أعطاه الفرصة للانتقام من غرين هيملر

عندها، كان باسل في قمة المستوى الرابع، لكن بسبب شربه لإكسير التعزيز أول مرة عندما كان يتدرب قبل أن يمنعه معلمه من ذلك، أصبح عنصر التعزيز يفوق المستوى الرئيسي بمستوى آخر تقريبا بسبب ارتخاء الختم لأن باسل قد ارتفع بالمستوى بشكل مفاجئ بسبب شربه لإكسير التعزيز

لذا عندما سمع الجنرال منصف بالموهبة التي يمتلكها ذلك الشاب الذي أثار اهتمام باسل، تفاجأ حقا، هناك أشخاص بمثل موهبة باسل و أنمار الغير طبيعية حقا


تكلم باسل "توقفت فقط لأن اسم 'قاتل الدم القرمزي' قد أثار انتباهي، لكني عندها لاحظته يقمع هالته بشكل مثالي، لو كان 'أنا قبل شهور' الذي شاهده، فلن يرى من خلاله"

"بالمناسبة" أكمل باسل "ما قصة ذلك الاسم؟ يبدو أنهم يخافونني كثيرا"

"آه" كما لو أنه تذكر شيئا ما، قال الجنرال منصف "لقد نسيت الإشارة لهذا الأمر"

حدق باسل في أنمار التي قالت "إنه ليس بذلك الأمر الكبير، لذا نسيت أيضا"

حدق بها الجنرال منصف بعد تصريحها، 'إنه ليس بذلك الأمر الكبير' قالت، هذا الأمر جعله يخجل من نفسه كونه كان متحمسا بهذا الشأن، لذا هدأ قليلا قبل أن يقول "بما أنك قد أخذت القيادة في الحرب السابقة، و نظرا لنجاحك المذهل في هذا، خسارتنا لم تكن كبيرة، لذا كان الجميع يفكر في لقب لك"

"...كما تعلم، الرجل المشهور في عالمنا يميزه لقبه، أنا معروف كصاحب أقوى بنية جسدية و هذا الأمر كان بسبب عنصر التعزيز، هناك شفرة الجليد كين نبيل الذي تميز بهذا الاسم بعد قطعه للأعداء من كل جهة في الرحلة لقارة الأصل و النهاية السابقة، و حتى الجنرال رعد قد اكتسب لقبا قبل سنوات قليلة، لقد لقبوه بـ'الرعد البرقي'، و بطبيعة الحال، شخص مثلك استطاع القيام بكل تلك الإنجازات، سيلقبه الناس بألقاب عدة"

فهم باسل كلام الجنرال منصف الذي أكمل "لكن من بين تلك كل الألقاب، و بسبب قضاءك على عائلة غرين كاملة تقريبا كلها لوحدك، طغى لقب قاتل الدم القرمزي على الألقاب الأخرى حتى أصبح لقبك الرئيسي، دائما ما انتشرت الإشاعات السيئة بشكل أسرع من الجيدة"

أزاح باسل نظره بعيدا و حدق مرة أخرى في المدينة، مما جعل الجنرال منصف يسأل "ألا يزعجك هذا الأمر؟"

أجاب باسل "لا" ثم سأل "لما سيفعل؟"


"هذا..." تكلم الجنرال منصف بعد توقفه بسبب تفاجئه "حسنا، إنهم ينادوك بهذا لأنهم يعتقدون أنك حقا قتلت الصغير و الكبير من دون رحمة، لكنك في الحقيقة لم تفعل، و لا زالت ابنتا أخت غرين لايت الكبرى حيتين، و هناك بعض الكبار من عائلة غرين لا يزالون أحياء"

تكلم باسل بهدوء "أنا حقا لا يهمني هذا الأمر، و إن فعلت، فسأعتبره شيئا جيدا فقط. فأنا أكره الإزعاج، و إن كانت لدي سمعة ستجعل من الآخرين يخافون مني هكذا، فهذا سيكون شيئا رائعا حقا، إضافة لذلك، عدم معرفتهم ببقاء تلك الفتاتين الصغيرتين على قيد الحياة لهو أمر جيد، فبعد انتهائي، سأحرص على فقدانهما الذكرى على كونهما من عائلة غرين أصلا، بذلك سيعيشان مستقبلا هانئا على الأقل، و عدم معرفة أي أحد عنهما، سيجعل حياتهما ثابتة من دون التعرض لأي عقبات"

استمرت العربة في التحرك، و بعد مدة غير معروفة من الوقت، توقفت أخيرا أمام منزل منفرد بمنطقة بالعاصمة

خرج باسل و الاثنين الآخرين من العربة، و بمجرد ما أن فعلوا حتى شاهد باسل وجها مألوفا له، هذا الشخص الذي شاهده باسل كان يسقي الأزهار و يهمهم في هناء

وقف باسل وراءه ثم تكلم مناديا إياه "أيها العالم المجنون"

كان ذلك الشخص هو العالم الجنون، و الذي نظر للخلف ببطء شديد بعد سماعه لذلك الاسم، ليس هناك أي شخص آخر غير باسل من سيناديه هكذا، لذا أدار رأسه رويدا رويدا حتى نظر لعيني باسل اللتين كانتا تحدق به بشكل مخيف

تراجع العالم المجنون للخلف بسرعة و انحنى قليلا ثم قال "آه، سيدي الصغير، لقد وصلتني الأخبار عن استيقاظك، حمدا على سلامتك"

حملق به باسل ثم قال "كفانا تمثيلية، أنت تعرف سبب مجيئي إلى هنا"

"هذا..." لم يستطع العالم المجنون إخراج الكلمات من فمه


بداخل منزل أخوا القطع، هذان الأخيران كانا بالداخل يعتنيان بحالة أختهما الصغيرة التي لا تزال بغيبوبة حتى الآن، كانا يزوران باسل بين الحين و الآخر، و صادف وجودهما استيقاظ باسل سابقا

بمجرد ما أن دخل باسل حتى انحنى له أخوا القطع، كانت نظراتهما واضحة كما هي مشاعرهما في هذه اللحظة، أختهما الصغيرة هي عائلتهما الوحيدة المتبقية لهما، و بما أنها الصغيرة، كانت دائما محمية من طرف أخويها الكبيرين، و رؤيتها الآن في هذه الحالة من دون قدرتهما على فعل أي شيء لها، كان أمرا في غاية الصعوبة لتحمله

في قلبهما، لا يسعهما سوى الشعور بالامتنان الكامل تجاه باسل، فهو على الأقل جعلهما يريان أختهما مرة أخرى، هذا من جهة، و من جهة أخرى، فهما يحقدان حقدا شديدا على غرين شارلوت التي تلاعبت بأختهما الصغيرة، جعلتها فأرة تجارب بالنسبة لها، شخص مثلها لا يستحق الموت حتى، بل أكثر من ذلك، خطفها للناس و خصوصا للأطفال لاستعمالهم من أجل أهدافها الخاصة، ليس لا يقدران على مسامحتها فقط، بل لا يستطيعان النوم في هناء من دون التأكد أنها لا تستطيع

رؤية باسل لتعبيراتهما هاته، و رؤية ذلك الجسد الصغير مستلقي هناك، رجعت له الذكريات عن الحالة التي وجد فيها باسل أختهما الصغيرة بداخل أنبوب زجاجي يقام عليها التجارب جانبا إلى جنب مع ذلك الشخص الذي كان قد تحول لوحش بالكامل

حملق باسل في العالم المجنون ثم قال "كيف لك ألّا تعلم ما الذي يجري لها؟ لقد كنت هناك في ذلك الوقت"

"همم...؟" استغرب أخوا القطع من هذا التصريح ثم نظرا مباشرة للعالم المجنون، نظراتهما اخترقته، و لولا وجود باسل، لكانا قد قطعاه لأجزاء

برؤيتهما، أسرع العالم الجنون في التكلم "سيدي الصغير، كما و سبق أن قلت لك في أول مرة، أنا حقا ليس لي علاقة بالأمر، قد أكون عالما مجن... أقصد عالما متطلعا للاكتشاف لكنني لن أصل لهذه الدرجة"

حدق فيه باسل بعمق: "أنا أعلم بهذا بالفعل، لا أنسى ما يقال لي مرة، فهكذا هي ذاكرتي، أنا أسألك هنا عن حالتها"

"هذا..." تمتم العالم المجنون ثم قال "حتى أنا لم أرى بحر روح مثل الخاص بها من قبل، إنه شيء فوق استطاعتي، أخاف أن أمسه و أتسبب في شيء خاطئ أكثر، بحر روحها مختلف عن بحر روح الشخص الطبيعي، لا زلت لا أعرف ما ذلك بالضبط ! كما لو أن بحر روحها يتحول لشيء ما ! "


حدق به باسل و ذهب لتفقد حالة الأخت الصغيرة، كان جسمها أبيضا لامعا كالجوهرة، و شعرها أزرق فاتح قريب للأبيض، كانت كجنية نائمة. و بعد أخذه لوقت طويل في محاولته تحسس بحر روحها و رؤية المختلف و إدراكه، لاحظ باسل أيضا أن طاقة بحر روحها غريبة نوعا ما

وقف باسل و توجه نحو الباب خارجا من المنزل ثم قال "يا غايرو و أنت أيضا يا كاي، فلترافقاني للسجن المركزي، لقد كنت أخطط للذهاب هناك، و أشعر أنه من الواجب حضوركما أيضا لاستجوابي لتلك العاهرة"

كانت نظرات باسل غاضبة، أكثر ما يكرهه هو التلاعب بحياة البشر و التحكم بها، و للأسف، كانت عائلة غرين كلها تقريبا من هذا النوع، قام غرين هيملر بالتسلط على الناس بسلطته في حين لا يقدر على القيام بأي شيء لوحده، و قامت غرين شارلوت بالتلاعب بهم كما لو أنهم ليسوا ببشر في عينيها

تكلم باسل "بعد كل شيء، لا أظن أن العذاب الذي مرت به بسبب أنمار كان كافيا لها، لا هي و لا أخوها الأكبر، بغض النظر عن تعاونهما في الاستجواب أم لا، فسيكون عليهما تذوق بعض العذاب قليلا"

هذه الزيارة تسببت في اهتياج مشاعر باسل التي كانت هادئة حتى الآن، يجب عليه حقا جعل آل غرين عبرة للذي قد يفكر في عمل شيء مشابه لما قاموا به

"أتساءل من قام بعلاجه؟" تكلم العالم الجنون بينما يفحص جسد أخت أخوا القطع

بقي لوحده في المنزل يرعى أخت أخوي القطع الصغيرة بناء على أمر باسل الذي كان واضحا جدا بلهجته المهددة قبل أن يغادر لوجهته المحددة

يقع السجن المركزي بالقرب من المحكمة المركزية، و هذه الأخيرة تعتبر الكيان الذي يقرر القوانين في الإمبراطورية، بالطبع تُناقش هذه القوانين كلها مع الإمبراطور قبل الإقرار بها و جعلها تنفيذية

بالمحكمة المركزية، توجد قوة خاصة، قوة كافية لتجعل غرين لايت يناديها لتساعده في الحرب، لكنها لم تستجب لطلبه و لم تتدخل، فقط، أخذت الجانب و انتظرت الحرب تنتهي

و بالطبع، هذا لم يكن سيحدث لولا الصفقة التي عقدها الجنرال منصف مع المحكمة المركزية، أو يجب القول مع قائدها، كان هذا الأخير شخصية مشهورة في العالم كله، فبعد كل شيء، لقد كان ساحرا اعتبر في نفس مستوى الجنرالات و أعلى من بعضهم

مؤخرا، في الشهرين الماضيين، لوحظ شيء غريب حدث بالمحكمة المركزية جنبا إلى جنب مع السجن المركزي، لقد كان هذا الشيء الغريب هو ارتفاع قوتهما المفاجئ

انتشرت الإشاعات عن وجود سحرة بالمستوى الخامس في حراسة السجن المركزي فقط، مما حير الناس و بدا كما لو أنه يشير إلى أن آمر السجن المركزي سيكون أقوى من ذلك بما أن الحراس فقط في مثل ذلك المستوى

و بهذا استنتجوا أن من يتحكم في السجن المركزي - المحكمة المركزية – ستكون لديها قوة أكبر بالطبع. مثل هذا التغير الملاحظ في قوة المحكمة المركزية، بدأ يجعل الناس تشك كثيرا، و بالطبع، بما أنهما حدثا في نفس الوقت، فقد ربطوا عودة عائلة كريمزون للحكم مع هذا التغير الملاحظ


و الآن، قبل أن يتوجه باسل للسجن المركزي، قرر زيارة المحكمة المركزية للتحدث مع قاضيها الأكبر و الذي يعتبر قائدها و المتحكم في قوانين الإمبراطورية

"سيدي القاضي الأكبر، يبدو أن قاتل الدم القرمزي قادم إلى هنا، ماذا نفعل؟" انحنى قاضٍ من المحكمة المركزية و الذي كان نفس القاضي الذي ساعد باسل و الجنرال منصف في القبض على غرين هيملر بينما يتكلم مع شخص ما كان يقف و يحدق من نافذة بالعاصمة و أجواءها

كان هذا الشخص هو القاضي الأكبر، كان رجلا في منتصف العمر، و بابتسامة أجاب تابعَه "أوه، إنه آتٍ بنفسه، لما لا نرحب به إذا"

بعد مرور وقت طويل، فُتِحت أبواب المحكمة المركزية لعربة يقودها خيل ملكي بينما تُقرَع الأجراس

و بتوجيه من القاضي نفسه الذي بلغ القاضي الأكبر، كان باسل و البقية قادرين على الوصول للقاعة الرئيسية حيث كان ينتظرهم القاضي الأكبر هناك. بقي انمار و أخوا القطع بغرفة أخرى منتظرين عودة باسل و الجنرال منصف

"أووه" توجه القاضي الأكبر الذي كان يحدق بالنافذة نحو الجنرال منصف بعد دخوله بينما تعلو الابتسامة وجهه "أوَ ليس هذا الجنرال منصف؟ شرفتنا شرفتنا، مرحبا بك، هل رافقت قاتل الدم القرمزي؟"

ابتسم الجنرال منصف كذلك ثم أجاب "آه، هذا صحيح، فبعد كل شيء، هو لم يتعامل معك من قبل، بل أنا الذي فعلت"

"هذا صحيح" وافقه القاضي الأكبر ثم قال متسائلا "إذا، أين هو قاتل الدم القرمزي هذا؟"

"تحياتي أيها القاضي الأكبر، اسمي باسل" ظهر من خلف الجنرال منصف فتى يناهز عمر الخامسة عشر مما جعل القاضي الأكبر يستغرب

سأل القاضي الأكبر الجنرال منصف "من هذا الفتى أيها الجنرال منصف؟ هذا ليس بمكان للأطفال كما تعلم، هذا مكان يخص حديث الكبار"


قبل أن يجيب الجنرال منصف، تحدث ذلك الفتى الغير معروف للقاضي الأكبر مرة أخرى "قد لا أكون قد أصبحت بالغا رسميا، لكنني شارفت على بلوغ الخامسة عشر، لذا يمكنك اعتباري بالغا"

"همم ! " حدق القاضي الأكبر في ذلك الفتى و نظر إليه بانحطاط، كما لو أنه يحاول إخباره بمعرفة مكانته

تكلم القاضي الأكبر "أنا لا أهتم لذلك، حتى و لو كنت بالخامسة عشر و اعتُبِرت بالغا من طرف الآخرين، فهذا المكان يخص الكبار، الكبار ليس بالسن، و إنما بالمكانة، إن فهمت الآن ما عنيت، انصرف و اترك هذا المكان حالا قبل أن تلقى مصرعك أيها الفتى، فلو لم تكن مرافقا للجنرال منصف، لكنت بالفعل في عداد الموتى لوقاحتك"

اصطنع الفتى وجها خائفا "هذا مخيف هذا مخيف" ثم أكمل بعدها بسخرية "لكن للأسف ليس بالنسبة لي، حاول مع أحد آخر أيها القاضي الأكبر، إن أردت التحدث مع شخص بالمكانة، فلك هذا"

حملق القاضي الأكبر به و غضب كثيرا، و مزاجه الذي كان جيدا تعكر كليا، و في لحظة، شحذ طاقته و ضغط بهالته على الفتى أمامه "هاا"

جعل القاضي الأكبر هالته تمتد وصولا للفتى الذي أمامه ضاغطة عليه بينما يتحدث "أيها الفتى، سأعلمك معنى المكانة قبل أن تخرج من فمك"

استمر القاضي الأكبر في تنفيذ ضغطه، لكنه لاحظ بعد لحظات أن ذلك الفتى لم يتأثر أبدا، و فوق ذلك، كان ذلك الفتى يقف باسترخاء بينما يبتسم

عندها توقف القاضي الأكبر بسرعة و سأل مرتعبا "من أنت أيها الفتى؟"

تكلم الجنرال منصف "ألم يقدم نفسه بالفعل أيها القاضي الأكبر؟"

تذكر القاضي الأكبر تقديم الفتى لنفسه ثم صرخ بعد لحظات "قاتل الدم القرمزي باسل ! ؟"


"هذا صحيح" قالها باسل ثم أكمل بعدما حملق في القاضي الأكبر "و الآن، لما لا نتكلم ككبار بالمكانة أيها القاضي الأكبر؟"

صُعِق القاضي الأكبر تماما، لم يخبره أي أحد أن قاتل الدم القرمزي عبارة عن فتى في هذا العمر، المعلومات حول قاتل الدم القرمزي كانت قليلة جدا، و بعد سماعهم بالإشاعات حول إنجازاته، لم يجرؤ أي أحد على البحث في أمره، و بما أنهم لم يفعلوا، لم تصل الأخبار للقاضي الأكبر أن قاتل الدم القرمزي مجرد فتى في الحقيقة

فالجنود الذي شاركوا بالحرب، كانوا قد أمِروا بكتم كل ما شهِدوه، و بالطبع، أولئك كانوا جنودا مخلصين لعائلاتهم، و اختيروا بعناية شديدة، لم يكن هناك أي شخص منهم يتجرأ على عصيان أمر سيده، و مع ذلك، تسربت بعض المعلومات حول وجود قاتل الدم القرمزي و عن إنجازاته، لكن بعد معرفة هذه الإنجازات المخيفة، توقف الكل عن البحث في الأمر أكثر

بقي القاضي الأكبر متجمدا في مكانه للحظات حتى تكلم الجنرال منصف "أيها القاضي الأكبر، لما لا نجلس و نتحدث؟"

استفاق القاضي الأكبر من أحلام اليقظة ثم أجاب بالموافقة و جلس الثلاثة حول طاولة

حدق القاضي الأكبر في باسل بغرابة شديدة غير مصدق لما يراه، لقد أصبح ساحرا بالمستوى السابع بعد شربه لتلك الإكسيرات، و بهالته تلك بذلك المستوى العالي لم يكن قادرا على التسبب لهذا الفتى الذي أمامه حاليا حتى في الاضطراب و لو قليلا

"ما سبب مجيئك أيها السيد الصغير؟" تغيرت لهجة القاضي الأكبر من الشدة لليونة بسرعة

حدق به باسل ثم أجاب " [أولا]، أنا لست بسيد صغير، أنا كبير بالمكانة، [ثانيا]، ألا تقدم أيها القاضي الأكبر لضيوفك كوبا من الشاي حتى؟ و [ثالثا]، سأجيبك بعدما تقوم بتنفيذ [أولا] و [ثانيا]"

حملق القاضي الأكبر في باسل و حاول قمع غضبه ثم اصطنع ابتسامة مزيفة رغما عنه و قال "لك هذا أيها السيد الكبير"

"لا تناديني بهذا" أغمض باسل عينيه ثم قال "أنت تجعلني أبدو كمُعمّر ما، يمكنك مناداتي بالسيد الشاب"


ازداد غضب القاضي الأكبر أكثر، و في الجانب، كان الجنرال منصف متحسرا من المشهد، كان باسل يغيظ القاضي الأكبر بكل وضوح، لكنه لم يتدخل لأنه يعرف السبب

فبعد كل شيء، قام باسل بتقديم نفسه بكل احترام حتى لو كان مزاجه ليس جيدا، لكن القاضي الأكبر عامله بالعكس تماما، حتى أنه تجرأ على الضغط بهالته عليه، و بما أنه يعرف كل هذا، فلم يحاول الجنرال نصف إيقاف الأمر، لأنه يعلم أن باسل لن يَعْدل عنه

أمر القاضي الأكبر بإحضار الشاي، مع أنه أصبح غاضبا جدا، إلى أنه لا زال يضع مكانة باسل كالقائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية في عينيه، لذا لم يقْددمم على أي فعل شائن بعد معرفته هوية باسل

بعد إحضار الشاي من طرف خادمة، هذه الأخيرة صبت كوبا لباسل الذي حمله و أخذ الرشفة الأولى قبل أن يتحدث "يبدو أن هديتي إليك قد أدت مفعولها بشكل جيد"

"همم...؟" استغرب القاضي الأكبر قبل أن يفهم ما يتحدث عنه باسل، لقد قصد هذا الأخير الإكسيرات، و هذا الشيء جعل القاضي الأكبر ينذهل تماما، فبعد كل شيء، هو لم يعلم أن قاتل الدم القرمزي هو نفسه الشخص الذي أرسل له تلك الإكسيرات

تلك الإكسيرات التي أخذها كصفقة مقابل عدم التدخل بتاتا في الحرب، كانت في الحقيقة شيئا مذهلا كثيرا، في مدة قصيرة، كانت قادرة على تنمية قوة المحكمة المركزية لدرجة مخيفة. و عندما علم الآن القاضي الأكبر أن فتى يناهز الخامسة عشر فقط هو صاحبها، فلم يسعه سوى فتح فمه من الاندهاش و الصدمة

لكنه لم يرضى بطريقة حديث باسل، جعل هذا الأخير الأمر يبدو كما لو أنه تَصَدّق عليهم بالإكسيرات. فهم أخذوها كصفقة

حدق القاضي الأكبر بباسل ثم قال "نعم معك حق، لقد كانت جيدة، كان خيارا صحيحا أخذها كبديل لعدم تدخلنا في الحرب"

حرص القاضي الأكبر على توضيح هذا الأمر جيدا

و باسل الذي يشرب الشاي بهدوء، كان يفهم مقصد القاضي الأكبر بالطبع، فبعد كل شيء، لقد طرح ذلك السؤال بتلك الطريقة لتحصيل بعض المعلومات عن الطرف الآخر، أراد أن يرى طريقة استجابة القاضي الأكبر


و كما توقع باسل، قام القاضي الأكبر بتوضيح الفكرة بسرعة، أكد هذا الأمر أنه لا يريد من المحكمة المركزية و هو نفسه أن يبدوان مدينان لباسل أو يُعتبران كما لو أنهما أقل منه شأنا

كان لدى باسل بعض الجواسيس في المحكمة المركزية الذين كانوا يخبرونه بالتغيرات التي تحدث، فبعد كل شيء، لاحظ أن المحكمة المركزية تنمي قواتها بشكل غريب قبل حتى أن يعطيها الإكسيرات

لذا حرص على جعل تحركاتها تحت علمه دائما، فالسبب الذي جعله يجعل الإكسيرات كمبادلة لعدم تدخل المحكمة المركزية، هو ملاحظته لتطلع المحكمة المركزية للقوة، لذا كان متأكدا من قبول طلبه.

كان بإمكانه ترك المحكمة المركزية تتدخل بالحرب، و سوف يكون قادرا على الفوز بالرغم من ذلك، لكنه لم يرد فعل ذلك من أجل الحفاظ على ردة فعل جيدة من الشعب، و الحفاظ على سمعة عائلة كريمزون على أنها استرجعت حقها و لم تأخذه عن طريق جزر كل ما في طريقها

تعتبر المحكمة المركزية رمزا للحفاظ على الأمان بالإمبراطورية، و تدميرها يعني بث الخوف في قلوب الناس و جعلهم يهابون عائلة كريمزون و يبتعدون عنها قدر المستطاع

بالطبع، كان الجنرال منصف و الكبير أكاغي و بعض الكبار من العائلات التي قاتلت معهم يعلمون بنوايا المحكمة المركزية بعدما أخبرهم باسل بها، لكنهم اتبعوا نصيحة باسل الذي أخبرهم بترك أمرها له

عندما زار باسل المحكمة المركزية، كان يريد التظاهر باللطف بينما يستخرج بعض المعلومات، لكن مزاجه كان متعكرا، و قام القاضي الأكبر بمعاملته بشكل سيء، لذا قرر إغاظته قليلا و استخراج المعلومات منه بهذه الطريقة

تكلم باسل "نعم، و بفضلها نمت قوة المحكمة المركزية لهذه الدرجة، أنا أتساءل عن نوايا القاضي الأكبر بحرصه على تنمية قواته هكذا ! ؟"

تفاجأ القاضي الأكبر، لقد كان سؤال باسل مباشرا للغاية، مع أن باسل أتى بنية استخراج بعض المعلومات، لكنه لا يحب اللف و الدوران في الكلام، و فوق ذلك، فهو قد استنتج نية المحكمة المركزية بالفعل، و لم يأتي هنا إلّا لتأكيد شكوكه

شرب القاضي الأكبر رشفة من الشاي ثم هدأ و ابتسم قبل أن يقول "ما الذي تقصده أيها السيد الشاب؟ أليس هذا شيء طبيعي؟ إن أصبحت قوتنا أكبر، فسوف يزداد الأمن أيضا"

"هيه، يهدأ هنا ! " تكلم باسل بدخله ثم ابتسم تباعا لابتسامة القاضي الأكبر و قال "معك حق، لكن هذا كان قبل أن يكون هناك وجود لفرقة السنبلة الخضراء، فهذه الاخيرة قد نمت و انتشرت فروعها كثيرا، بسببها انعدمت الجريمة تماما من العاصمة، فما الحاجة من تقوية المحكمة المركزية؟ ألم يكن واجبها هو الاعتناء بقوانين الإمبراطورية؟ أو ماذا؟ هل أصبحت تهتم بشيء آخر أيضا؟"

ضحك القاضي الأكبر ثم أجاب "ما الذي يمكنه أن يكون؟ اهتمامنا الوحيد هو الحفاظ على الأمن، و العالم يتغير شيئا فشيء، لذا إن لم نغير من أنفسنا و نطورها تباعا لذلك، ألن نكون مجرد أغبياء عندها؟"

ضحك باسل أيضا ثم قال "معك حق"

تذكر القاضي الأكبر أمرا "آه هذا صحيح، لما أتى السيد الشاب إلى هنا؟"

بالطبع باسل قد حقق مراده بالفعل من مجيئه إلى هنا، لكنه أخذ رشفة من الشاي قبل أن يتكلم "سأزور السجن المركزي بعد خروجي من هنا، و سأريد غرفتين خاصتين، أيمكنك تجهيز هذا لي؟"

استغرب القاضي الأكبر ثم قال "بإمكاني فعل هذا بالطبع، لكن أيمكنني سؤالك عما ستحتاجهما فيه؟"

أجاب باسل "سأزور شاهين من حلف ظل الشيطان لجني بعض الثمار، و أزور العاهرة و الحثالة لتلقينهما بعض الدروس"

لم يفهم القاضي الأكبر مَنْ قصده باسل في الجزء الثاني من كلامه فشرح له الجنرال منصف هذا الأمر، ثم تكلم عندها "لقد حاولنا استجواب ذلك الشاهين بشتى طرق التعذيب لكنه لم يتحدث أبدا، لا أظن أنك ستستفيد شيئا من محاولتك، و لما تريد لقاء غرين شارلوت و غرين هيملر؟ ألم ينتهي شغلك معهما؟"

أغمض باسل عينيه ثم قال "طريقة حصدك للثمار مختلفة عن الخاصة بي، و لم أقل أن دروسي قد انتهت مع تلك العاهرة و ذلك الحثالة"

حدق به القاضي الأكبر مطولا، إن هذا الفتى غريب حقا، بدأت العديد من الأفكار تشغل خلده، يجب عليه كشف سر هذا الفتى عاجلا و ليس آجلا، سيكون خطرا محدقا عليه و على خطته

وقف باسل بعد انتهاءه من شرب كوبه، ثم اتجه نحو الباب، و قبل أن يتخطى القاضي الأكبر، وضع يده على كتفه و تكلم بأذنه ثم غادر بعد انتهاءه من كلامه فتبعه الجنرال منصف

تحدث باسل قبل مغادرته للغرفة "حسنا أعتمد عليك أيها القاضي الأكبر في تجهيز الأمر لي بسرعة، عندما تنتهي أخبرني، سأكون أنتظر بالقرب من السجن المركزي"

غادر باسل و بقي القاضي الأكبر في مكانه يغلي من الغضب، أحكم قبضاته بشدة و اسود وجهه، و بعد لحظات، وقف ثم ضرب على الطاولة بشدة

بااام

انفجرت هالته من شدة غضبه ثم صرخ ساخطا "ذلك الشقي البغيض"

في العربة، بعدما اتجه باسل و البقية نحو السجن المركزي، تحدث الجنرال منصف بنظرة متحسرة سائلا باسل "أ كان عليك إغاظته لتلك الدرجة؟"

أخرج باسل من مكعب التخزين جزرة و عضها ثم قال "بالطبع، يجب عليك جعل ذلك النوع من الأشخاص يغضب، عندها سيقع في الفخ، فبغضبه غالبا ما سيكشف عن نفسه"

بالعودة لقاعة المحكمة المركزية، تذكر القاضي الأكبر همس باسل بأذنه سابقا بينما تضغط هالته على الأرض من تحته "أيها القاضي الأكبر، أنا أعلم بنوايا المحكمة المركزية الجيدة، لذا سأحرص على الاعتناء بها جيدا، فكما تعلم، أنا قادر على ذلك، فأنا قاتل الدم القرمزي المشهور بعد كل شيء، لا أحاول مدح نفسي هنا، لكني بعد شهور فقط من مجيئي للعاصمة كنت قادرا على تغيير حاكمها، لذا أضمن لك أنني سأكون عند كلمتي"

السجن المركزي

حراسة مشددة، معروف بأفضل و أسوء سجن بالعالم، ليس هناك أي سجلات عن هروب أي سجين منه، عرف كأفضل حاجز لأولئك الذي اتهموا بأشنع الجرائم في العالم، و اعتبر كأسوء كوابيسهم كذلك، من يدخله لا يحلم مرة أخرى حلما جميلا لبقية حياته التي يمضيها هناك، يحتوي على أشنع المجرمين إطلاقا بهذا العالم، من القتلة البسطاء إلى مرتكبي المذابح

علماء مجانين ارتكبوا جريمة عظيمة بمسهم للحرمة و أجروا التجارب على البشر، عصابات و قطاع طرق قتلوا السحرة و التجار من أجل إشباع رغباتهم و شهواتهم، و أشنع أنواع قراصنة البحر المعروفين في العالم بإبادتهم للعديد من القرى و المدن

كل هؤلاء المجرمين يدخلون لهذا السجن المركزي من دون الحلم بالنظر للسماء الزرقاء لمرة ثانية، كل هؤلاء المجرمين عبارة عن وحوش كانت فيما سبق بشر تخلوا عن إنسانيتهم، و الحكم عليهم لا يكون الموت، لأنه رحمة لهم، بل يتعذبون بشتى طرق التعذيب و أشنعها لطيلة حياتهم، يموتون آلاف المرات بعدد ما قتلوه من الناس

ليست هناك زيارات عديدة لهذا السجن، فمن يدخله غالبا لا يملك أي شخص ليزوره، و حتى لو كان، لن يستطيع الدخول سوى بموافقة المحكمة المركزية، لذا لن تجد سوى الشخصيات العظيمة من تستطيع زيارة هذا السجن، فيعيش السجناء في وحدة أبدية بغرفهم بقيود و قضبان من السحر تسجنهم

آخر زيارة لهذا السجن كانت قبل شهور بالفعل من طرف غرين كانديد لأخيه غرين هيملر، و الآن، بأمر من المحكمة المركزية، فتح السجن المركزي أبوابه لخمسة أشخاص مرة أخرى بعد أن كان محكم الإغلاق عن العالم الخارجي

انقسم هذا السجن لثلاث طوابق عميقا في الأرض


الطابق الأول كان به المجرمين الذين ارتكبوا جريمة قتل أو اثنتين أو ما عادل ذلك. هؤلاء، غالبا ما تلقوا عذابا تمثل في الإغراق بالماء الحارق و كسر العظام و نزع الأظافر و أجبروا على العمل ليل نهار

الطابق الثاني كان به المجرمين مثل العصابات و قطاع الطرق الذين قتلوا، اغتصبوا و نهبوا العديد من الأشخاص. هؤلاء، أجبروا على مرافقة الحراس في مهنتهم التي تتجلى في طعن السجناء برماحهم و تعليقهم بالمسامير على الحائط مع رش ملح أرخبيل البحر العميق عليهم مسببين لهم عذابا جسيما بالإضافة للتعذيب الذي يتعرض له سجناء الطابق الأول

الطابق الثالث و الذي احتوى على أشنع المجرمين في العالم، مرتكبي المذبحات و مدمري القرى و المدن، كالعلماء المجانين و المغتالين المشهورين إضافة لقراصنة البحر ذوي الاسم الثاقب، هؤلاء، وضع كل واحد منهم في زنزانة عازلة للصوت تماما بظلام أبدي غير قادرين على التواصل مع أي أحد بتاتا، و هذا الأمر يقودهم للجنون ببطء شديد، و بين الحين و الآخر، تفتح الزنزانة مما يجعلهم يظنون أنهم سيرون الضوء من جديد مرة أخرى، لكنهم يتعرضون لنفس التعذيب الذي يتعرض له الآخرون في الطابق الأول و الثاني مع اختلاف بسيط فقط بمردودية أكبر

كان مجرمي الطابق الثالث أسوء الشخصيات في العالم، و غالبا ما تلقوا التعذيب من مساعدي آمر السجن الخمسة بنفسهم، و تعذيبهم يكون عن طريق السحر. بعد دفعهم لحافة الجنون بالوحدة الأبدية، يُمنَحون أملا مزيفا عن طريق فتح البوابة، ليتفاجؤا باليأس الحقيقي

قبل مجيء باسل إلى هنا، أمر القاضي الأكبر آمر السجن بتجهيز غرفتين خاصتين لباسل بناء على طلب ذلك الأخير، غرفة يضع بها غرين شارلوت و أخاها، و أخرى يضع بها شاهين

بالطابق الثاني، بجانب المصعد الخشبي الذي يربط الطوابق معا

"ماذا...؟ إلى أين تأخذونني، لا، لأ أريد، أرجعوني لزنزانتي، لا أريد مغادرة الزنزانة، أريد الرجوع لها، لا تفعلوا، ألا تعلمون من أنا؟ إنني الأمير الأول و الإمبراطور القادم غرين هيملر، أبعدوا أيديكم القذرة عني، سأحكم عليكم بالإعدام، ألا تصدقوني، سو..."

دوو

ركل واحد من الحارسين اللذين يجران غرين هيملر بطن هذا الأخير حتى تقيأ الدماء ثم تكلم "أصمت أيها الحثالة، سأخبرك بشيء ممتع جدا، أنت لا تعرف هذا، لكن عائلتك قد أبيدت بكرة عن أبيها من دون بقاء أي أحد منها على قيد الحياة سوى شخص واحد و هو أختك التي انضمت إليك إلى هنا قبل شهرين، و أتعلم ماذا؟ الشخص الذي قام بإبادة عائلتك و الذي أصبح قائد جيوش الإمبراطورية الأعلى 'قاتل الدم القرمزي باسل' قادم بنفسه إلى هنا لزيارتك" تكلم الحارس بينما يحتقر غرين هيملر بنظراته و يضحك على حاله بشدة


"باسل... ! ؟" تردد هذا الاسم بمسامع غرين هيملر فجعله هذا الأمر يصرخ بجنون بينما يحاول التخلص من القيود و الحارسين "أفلتوني، أرجعوني للزنزانة، أرجعوني، لا أريد مقابلته، سوف أقتلكم، أنا الأمير الأول، أطلقوا سرا..."

دوو

ركلة أخرى في بطنه مسكتة إياه من الصراخ جاءت من الحارس الآخر الذي تكلم بعدما بصق في وجه غرين هيملر "أصمت أيها الحثالة" ثم قام هو و رفيقه بجره نازلين للطبق الثالث عبر المصعد الخشبي

أما غرين شارلوت و شاهين، فكلاهما كان بالطابق الثالث بالفعل، لذا قام الحراس بنقلهم للغرفتين المقصودتين

قُرِعت الأجراس معلنة بذلك عن مجيء شخصية مهمة لزيارة السجن، و بمجرد ما أن وضع الخمسة أقدامهم بالداخل حتى سمعوا الصراخ يأتي من جميع الجهات بينما يرمي السجناء أنفسهم على القضبان الحديدية و يحدقون بالآتي بعيون حمراء، كانوا يمدون أيديهم محاولين الوصول لأولئك الأشخاص الذين أتوا بألسنة متدلية، لكن كلهم تعرضوا للطعن برماح الحراس جاعلين إياهم يقذفون لداخل زنزاناتهم

البعض منهم استمر في الانقضاض مرة تلو الأخرى بالرغم من الطعنات التي يتعرض إليها محاولا الوصول لتلك الفتاة التي كانت كملاك زار الجحيم، و امتدت نظراتهم و أصواتهم المتلهفة لجسدها المثير

كان هناك العديد من السجناء يقومون بالعديد من الأعمال الشاقة، من الحدادة و صناعة الأسلحة إلى التنقيب عن المعادن مع جَلْدهم من طرف الحراس باستمرار

ركب الخمسة بالمصعد الخشبي و نزلوا للطابق الثالث حيث كان الهدوء هناك قاتل لدرجة مخيفة، لو أنك رميت إبرة على الأرض فسيسمع صداها مرات عدة و بشكل واضح

توجه الخمسة معا عميقا في الطابق، و أينما رميت نظرك، فسوف تجد زنزانات سوداء تماما كما لو أنها صندوق من دون مدخل أو مخرج، لا للصوت و لا للهواء، كل شيء معزول بتلك الزنزانات تماما، حتى عن السجن المركزي نفسه الذي تقع بداخله


بعد التحرك لمدة من الوقت، وصل أخيرا باسل و البقية للغرفتين المقصودتين حيث كانتا بجانب بعضهما البعض

دخل الخمسة للتي على اليمين، و بمجرد ما أن فتحت البوابة و وضع باسل قدمه بالداخل، حتى صرخ غرين هيملر بجنون "لا، أبعدوا هذا الوحش عني، لا أريد لقاءه"

كما صدمت غرين شارلوت و انكمشت في الزاوية التي كانت منكمشة بها بالفعل بينما تحدق بأنمار و باسل باستمرار بنظرة غارقة في اليأس و تمتم "أنا آسفة، أنا آسفة، لن أعيدها مرة أخرى"

حدق الحراس في حالتهما بتفاجؤ ثم غادروا بعدما كلمهم الجنرال منصف و أغلقوا الأبواب وراءهم بناء على طلب باسل

انطلق شعاع قاتل من أربعة أعين، شعاع أتى من أعين أخوا القطع و اخترق جسد غرين شارلوت جاعلا القشعريرة تصعد مع جسمها من شدة الرعب. أمامهما الشخص الذي تسبب في معاناة أختهما الصغيرة ذات العشرة سنوات، الشخص الذي عذبها بتجارب شنيعة، الشخص المتسبب في حالة أختهما الصغيرة حاليا، أرادا أن ينقضا عليها في أي وقت بعدما يسمح لهما باسل بذلك

و في الجانب الآخر، حدق الجنرال منصف بغرين هيملر باحتقار، كم من امرأة جعلها ثكلى أو أرملة أو الاثنين معا؟ و كم من *** يتمه؟ و كم من الناس و العائلات أضاع لهم حياتهم؟ فقط برؤيته، رجعت الذكريات للجنرال منصف عندما تجرأ هذا الوغد على لمس زوجته، و أخيرا أتت فرصته في أخذ انتقامه بالكامل

أخرجت أنمار كرسيا و كوبا من الشاي من مكعب التخزين ثم ذهبت للجانب بعيدا و جلست بهدوء بينما تشرب رشفة تلو الأخرى

أما باسل، فاقترب من غرين شارلوت و حدق بها باستمرار، ثم ذهب و فعل المثل مع غرين هيملر، جعل هذا الأخير ينضم لأخته الصغرى ثم أخرج كرسيا و جلس، وضع يديه على جانبي الكرسي كما وضع رجلا فوق الأخرى و تكلم بهدوء لكن بنبرة جعلت جسدي الأخ و الأخت من عائلة غرين يرتعد "حسنا، أخبراني عن ما مررتما به من تعزييب في هذا السجن"

"همم؟" تفاجأ الأخ و الأخت من الطلب، أيريد منهما تفسير ما مرا به؟ كيف لهما أن يتكلما عنه؟ فقط تذكرهما لذلك يجعلهما يقعان في يأس عميق، و كيف لهما أن يتحدثا عنه؟


لم يتكلما و انكمشا في مكانهما، فتكلم باسل مرة أخرى "كما تريان، ورائي أشخاص غير صبورين مثلي، و إن لم تتحدثا بسرعة، فلا أعلم ما قد يفعلونه بكم ! "

كان الجنرال منصف و أخوا القطع غايرو و كاي يريدون الانقضاض عليهم كالمفترس لذي تربص بفريسته لمدة طويلة حتى أتت اللحظة المناسبة لاندفاعه

بدأ غرين هيملر بالتكلم أولا، بينما يتعذب نفسيا في كل كلمة يخرجها عبر فمه حيث تُذكره بما مر به، و أكثر ما ركز عليه كان الرش بملح أرخبيل البحر العميق الذي يحرق الشخص عبر الجروح التي يلقى عليها و يجعل السجين يمر بجحيم لا يطاق، كان الشخص الذي يتعرض لهذا التعذيب يشعر بأن جسده يُحرق بنار شديدة الحرارة باستمرار من دون أن تخلف آثار الحرق، مما يتيح إمكانية التعذيب بالحرق من دون الحرق الفعلي لمدة طويلة

بينما يشرح غرين هيملر ما مر به، بدأ يعض أصابعه و ينكمش في مكانه من شدة الفزع، بعد قدومه إلى هنا، هو الشخص الذي لم يجرب آلاما قاسية في حياته، كان هذا المكان كالجحيم بالنسبة له

بعدما ما انتهى غرين هيملر سأله باسل بهدوء "هكذا إذا، أهذا كل شيء؟"

"ها؟" تفاجأ غرين هيملر من ردة فعل باسل، ما الذي يقصده بكلامه؟ ألم يسمع ما الذي مر به من تعزييب جهنمي؟ حير سؤال باسل غرين هيلمر، فقام هذا الأخير بإيماء رأسه بعدما حملق به باسل

أزاح باسل نظره عن غرين هيملر ثم نظر لـغرين شارلوت التي بمجرد ما أن التقت عينيها بالخاصتين بباسل، حتى حنت لرجليه بينما تترجى "أرجوك، سأفعل أي شيء، أرجوك ارحمني"

حدق بها باسل و بحالتها المزرية، اشمأز منها ثم ضربها برجله بينما يقول "ابتعدي عني، لو أردت منك شيئا فستفعلينه مهما حدث، و الآن، اشرحي لي كما فعل هذا الحثالة"

ارتعدت غرين شارلوت في مكانها ثم بدأت بالتكلم بصوت منخفض، فكلمها باسل "فليكن صوتك واضحا" مع أن باسل يمكنه سماعها، إلى أن هدفه من جعلها تتحدث عن ما مرت به من تعزييب ليس لأنه يريد أن يعرف، فقد رأى خلال طريقه إلى هنا بعض السجناء يتعذبون


شرحت له كل ما عانته هنا طيلة الشهرين الماضيين، و من دون أن تشعر، بينما تتحدث، نظرت لجهة أنمار الجالسة بعيدا ثم تذكرت ما فعلته بها، مقارنة بتعذيبها من طرف أنمار، فالتعذيب الذي مرت به هنا لا شيء، لكن لا يعني هذا أنه لم يأثر بها، فلم تخرج أي كلمة من فمها إلا و أخذت معها جزءا من روحها

وقف باسل ثم تكلم "كما توقعت، هناك التعذيب الجسدي و النفسي فقط، حسنا"

أخرج باسل بعض الأدوات الغريبة، من بينها كرسيين بقيود سحرية، و حوض مائي، مع بعض الأنابيب الرقيقة

شاهده الأخ و الأخت من عائلة غرين و حدقوا في ما يخرجه باسل بغرابة، بعد مدة من الوقت سألا باسل "هل انتهينا؟" و كانا يسألان بهذا غير مصدقان لذلك

حدق بهما باسل ثم قال "أظن أنكما أخطأتما في السؤال بسبب خوفكما، أقصدتما هل بدأنا؟"

ظهر الرعب مرتسما على وجهي غرين شارلوت و أخيها، ثم صرخا مع في نفس الوقت من شدة الرعب

قام باسل بتعليق الحوض المائي بالسقف مع إيصاله ببعض الأنابيب الرقيقة فكون ممرا للماء بين الحوض و الأنابيب الرقيقة، ثم وضع الكرسيين اللذين كان طول أرجلهما يصل لثلاثة أمتار أسفل الأنابيب الرقيقة تماما، و كان الكرسيين مندمجان مع الأرض تماما بسبب حفر مكان لهما و تثبيتهما عميقا

حتى الآن، لا يعرف أي أحد ما الذي ينوي باسل فعله غير أنمار التي جلست بهدوء مغمضة عينيها من دون التحرك بينما ينتظر أخوا القطع و الجنرال منصف الإشارة من باسل

قام باسل بالتكلم "اربطاهما بالكرسيين"

تحرك أخوا القطع و حملا غرين شارلوت المرتعدة و وضعاها على الكرسي ثم ربطاها، و كذلك فعل الجنرال منصف لغرين هيملر

جلس باسل ثم تحدث "من طريقة سردكما لما حدث لكما، أظن انه حقا كان تعذيبا مرعبا بالنسبة لكما، لكن بالنسبة لي، التعذيب الذي تختفي آثاره بهذه السهولة ليس بذلك الشيء الكبير، ستجربان معاناة مئات الناس الذين قتلوا من طرفكما في سبيل أهدافكما التافهة، التجارب على البشر و تحويلهم لوحوش، هل تعرفين العذاب الذي يمر عليهم؟ لا، لا أظن، فبعد كل شيء أنت لم تجربين آلام بحر الروح من قبل، بعد التعمق في البحث أكثر، وجدت أنك أنتَ يا أيها الحثالة من كان يغطي على اختفاء الناس الذي تسببه أختك"

"...أختك بقيت على قيد الحياة لسببين، أولهما، استخلاص المعلومات منها بينما هي في جانبك لأحرص على ربط النقاط كاملة و أستأصل المشكلة من جذورها، ثانيهما، جعلها تمر بكل ما مر به من أشخاص قامت بالتجارب عليهم"


"...بعد التفكير جيدا، لم يكن من المناسب ترككما تنجوان بأفعالكما ببساطة، 'الدم بالدم'، هذه الجملة تتردد بعالمنا كثيرا، لكنكما للأسف اقترفتما خطايا أكثر مما يمكن للدم وحده احتواؤها"

تحدث باسل مع الاثنين اللذين ربط رأسهما مع قمة الكرسي مما جعل جبهتهما موجهة نحو الأنبوبين الرقيقين الموجهين نحوهما، و هذا الأمر جعلهما يرتعدان كثيرا، فليس هناك ما هو أكثر إخافة من المجهول

"...لقد تعلمت الكثير من التقنيات لجعل الشخص يتكلم، بعضها لا يترك الشخص عاقلا بعد تجريبه لها لمدة قصيرة فقط و فتكها لجسده، لكني لست مولعا بها لنقص جماليتها، لكن كانت هناك طريقة جذبت انتباهي أكثر من الأخريات، كانت طريقة بسيطة، سهلة، غير مرهقة، سريعة و ليست قبيحة. كانت تجاربي الهادفة لتعليمي تقام على الوحوش السحرية، و عندما جربت هذه الطريقة لأول مرة، أتعرفين بماذا شعرت؟"

حدقت غرين شارلوت بـباسل الذي حملق بها بحقد ثم قال "لقد شعرت بالاشمئزاز التام حتى من هذه الطريقة التي اعتبرتها الأفضل من جميع النواحي، كيف لشخص أن يقوم بمثل هذه الأعمال المتوحشة؟ القتل أسهل من ذلك بكثير، لكني مع ذلك تعلمتها كلها، لأنني أخبِرت بأنني سأحتاجها في يوم من الأيام، سيأتي يوم أكون شاكرا لتعلمي إياها، لكن للأسف، حتى الآن لا زلت أشعر بالاشمئزاز فقط"

"...فكيف لكي أن تشاهدين كل أولئك الناس تتعذب من دون أن تشعرين بأي شيء؟ قد لا أكون شاكرا حتى الآن لتعلمي هذه الطرق، لكني أعترف بأنني سأحتاجها بين الحين و الآخر، فلا أظن أن هناك طريقة أخرى لجعل حثالة مثلكما يمران بعقاب مناسب لهما، لذا سأضطر للشعور بالاشمئزاز من فعل مني في كل مرة أقوم بها"

وقف باسل ثم تحدث "هناك ذلك المثل، قطرات الماء تنحت الصخر، ليس بقوتها لكن بتواصلها، و من خلالها أتت فكرة التعذيب هذه، قطرة قطرة، و مع كل واحدة، تقترب الضحية من الجنون قبل أن تصل للموت، هناك مثل طريقة التعذيب هذه، استعملت على الناس العاديين فقط، ربطوا و أجبروا على مشاهدة قطرات الماء المتواصلة تنزل على جبهتهم، و بما أنها تأخذ وقتا طويلا، فغالبا ما وصلت الضحية للجنون قبل أن تموت عبر الحفرة المصنوعة بجبتها بسبب قطرات الماء المتواصلة"

بدأ الأخ و الأخت يرتعدان أكثر مما كانا عليه و يترجيان باسل على حياتهما، حملق بهما باسل ثم قال "ها أنتما ذا، سأذكركما بشيء ما، هذا الشيء هو الذي يجعلني لا أرحمكما مهما أصبح شكلكما مزريا، كم مِن مرة استنجد مِن المئات التي عذبتما بنفس طريقتكما هذه؟"


صمت الأخ و الأخت تماما بينما بدأت تنهمر دموعهما، فتكلم باسل "بالطبع لا تذكران، لكني بعد بحثي الطويل، كنت قادرا على تقريب العدد، لقد قمت أيتها العاهرة بالتجارب على 450 شخص، منهم 300 ***، و أنتَ أيها الحثالة تسترت على أفعالها، كما قتلت الكثير من التجار عبر استخدام قطاع الطرق و العصابات، و لا أعلم حقا كم من شخص قد قتلت، لكنه لن يكون أقل مما فعلت هذه العاهرة على الأغلب بما أن عمرك أكثر منها بكثير"

"...و الآن، لنعد لموضوعنا، تلك الطريقة استعملت على الناس الطبيعيين، لكنها لن تنجح على السحرة المتفوقين جسديا و ذهنيا على الناس الطبيعيين، لذا ما رأيكما بهذا؟ قطرات من الماء الممزوج بالطاقة الخالصة، ستتوغل عبر نقطة أصلكما الموجودة بجبهتكما لتسبب عذابا جهنميا في مسار نقطكما الأصلية و بحري روحكما، و بالطبع بعد تجربتكما لهذا الألم، انتظاركما للقطرة القادمة و خوفكما

من قدومها مرة تلو الأخرى سيقودكما للجنون التام، عندها سيكون التعذيب ذو مفعول حتى على ساحر، و على عكس الطريقة الطبيعية التي تأخذ وقتا طويلا، فهذه الطريقة المطورة تأخذ وقتا أقصر بكثير حتى على ساحر"

"...إن أردت تعزييب ساحر ما نفسيا و جسديا من دون إرهاق نفسك، فعليك بهذه الطريقة، فهي الأكثر راحة و قسوة، الأكثر راحة لمطبقها، و الأكثر قسوة للمطبقة عليه، و الآن بعد فهمكما لما سيحدث لكما، لما لانبدأ في التطبيق، فكما تريان، القاعدة الأولى في تنفيذ هذا التعذيب، هو شرحه الكامل للضحية، هكذا يبدأ هذا التعذيب"

بعد انتهاء باسل صرخ الأخ و الأخت بجنون، حاولا كسر الكرسيين لكنهما لم ينجحا في ذلك، حتى أنهما نسيا أن سحرهما مقيد فحاولا استخدامه، اهتزا بشدة من الرعب، و مع ذلك، لم يتحرك قلب باسل و لو قليلا، قد يكون يشعر بالاشمئزاز من التعذيب الذي ينفذه، لكن هذا لم يمنعه من القيام به لشعوره بضرورته

"لماذا تفعل هذا؟ لماذا؟ ليس و كأن لك علاقة بهم" تحدثت غرين شارلوت بعدما فشلت كل محاولات استنجادها

دعم أخوها كلامها "هذا صحيح، أنت لم تأت للعاصمة إلا قبل أقل من عام، لماذا تهتم لهذه الدرجة بمن قتلنا أو عذبنا؟ نحن لم نقترب منك حتى"

حملق بهما باسل ثم تحدث بلهجة باردة و خالية من المشاعر "معكما حق، حتى أن إزعاجك لي أيتها العاهرة قد تم تسويته من قبل أنمار، أما أنت أيها الحثالة فلم تزعجني، لأنني أنهيت أمرك قبل أن تفعل"


صرخ الأخ و الأخت عاليا "إذا لماذا؟ اتركنا و شأننا إن لم يكن لديك أي شيء تجاهنا"

حملق بهما باسل ثم أجاب "أتفق معكما أن لا علاقة لي بالناس الذين آذيتهما، لكني لا أتفق معكما في أنني ليس لدي أي شيء تجاهكما"

عبس الأخ و الأخت و صنعا وجها متسائلا

ازدادت نظرات باسل خلوا من المشاعر ثم قال "اثنان لا يبلعان لي مهما حدث، الجزر المرّ و الحثالة مثلكما"

صمت الأخ و الأخت بعد جواب باسل تماما

شحذ باسل طاقته السحرية الخالصة بإصبعي السبابة من كلتا يديه ثم ضرب نقط أصل غرين شارلوت كلها بنفس الوقت بسرعة فائقة، و كذلك فعل مع أخيها تباعا لها

فإذا بنقط أصلهما تشع كثيرا، و بما أنهما مقيدان، فليس لهما تحكم فيهن، شاهد باسل هذا الأمر و تكلم "هذه أول مرة أطبق فيها هذه التقنية، لم تكن لدي من قبل السرعة الكافية للقيام بها من قبل، إنها تقوم بتهييج نقط الأصل و جعلها غير محصنة، لكنها لن تنجح إلا إذا تم ضرب جميع نقط الأصل كلها مرة واحدة، و حتى لو نجحت، فسيقوم الساحر بإعادة ضبطها و جعلها تهدأ، لذا لا تنفع إلا في التعذيب، عندما يكون الساحر مقيدا، فليس هناك أي احتمال لمراوغته أو ضبطه لنقط أصله"


وجه باسل طاقته الخالصة و مزجها مع ذلك الماء الذي بالحوض ثم قال "هذا ماء من منطقة محظورة، و هذا يجعله أكثر قابلية للاندماج بالطاقة الخالصة، لذا عندما ستلتقي قطرة من هذا الماء بنقطة أصلكما، عندها ستشعران بآلام بحر الروح، عندها ستشعران بآلام كل الأشخاص الذين جعلتهما يمران بمثل ما ستمران به، و إليكما كلمتي كشخص مجرب لآلام بحر الروح، ستشعران أنكما تموتان مئات المرات في لحظات"

انتهى باسل من توجيه طاقته السحرية الخالصة ثم حمل حبلا متصلا بالحوض المائي و سحبه قليلا و أرخاه، فإذا بقطرتين من الماء تبدأ بالمرور من الحوض المائي للأنبوبين الرقيقين

حدقت غرين شارلوت بالقطرة القادمة بالأنبوب ببطء شديد، و هذا الأمر زاد من عذابها فقط على المستوى الذهني و العقلي، و بالطبع، لم يكن أخوها في حالة أفضل منها، فلقد بلل سرواله بالفعل من شدة الفزع

خرجت القطرتين الأوليتين من الأنبوبين و نزلت مباشرة نحو جبهتي غرين شارلوت و أخيها غرين هيملر اللذين حدقا بالقطرة بينما تكبر صورتها بالنسبة لهما شيئا فشيء بسبب اقترابها من أعينهما حتى التقت بجبهتهما

نزلت القطرة على نقطة الأصل و سُمِع صوت كنزول قطرة من الماء في بركة، و تواليا مع هذا الصوت، دوى صوت آخر، كان صوت الأخ و الأخت اللذين صرخا بجنون

اهتزا في كرسيهما و تحركا بجنون و بطريقة مروعة في مكانهما من دون التوقف و لو للحظة عن الصراخ من الآلام، توغلت تلك القطرة لنقطتي أصلهما بالجبهة و جعلت مساري نقط أصلهما مضطرب كليا مما تسبب في اضطراب بحر الروح تباعا لذلك ليبدآ بالشعور بآلام جهنمية لا يستطيع الشخص الطبيعي تحملها و لو قليلا

استمر الأخ و الأخت في الصراخ قبل أن يهدآ أخيرا بعد مدة من الوقت بسبب معالجة بحر روحهما التلقائي و تنقيته للطاقة الخالصة الغريبة، و عندما حدث هذا الأمر، سكت الأخ و الأخت أخيرا، لكن نظرتهما تغيرت من المرتاحة للمرتعبة مرة أخرى بعدما ريا قطرتين أخريين نازلتين عبر الأنبوبين الرقيقين، بدآ يصرخان و يتحركان بشكل غريب، لكنهما مهما حاولا، كان الكرسيين ثابتين و وجههما موجه للأعلى لترى أعينهما اقتراب القطرة القادمة مرة أخرى و يغرقان في اليأس في كل مرة يحدث ذلك

صرخاتهما تسببت في ثقب آذان الناس، و لولا كونهم في غرفة عازلة للصوت تماما، لبلغ صوتهم خارج السجن المركزي

حدق باسل بهما بنظرة غير مرتاحة بتاتا، ذات يوم أخبره معلمه أنه سيحتاج للقيام بمثل هذه الطرق مع بعض الأشخاص، ذات يوم سيكون شاكرا لتعلمه مثل هذه التقنيات، لكن باسل حاليا لم يكن يعتقد أن هذا اليوم سيأتي أبدا، فحتى لو اعترف بأنه سيحتاج لمثل هذه الطرق، لا يعتقد أنه سيكون شاكرا لذلك أبدا

و هكذا، أصبح مزاج باسل أكثر سوءً مما هو عليه حتى الآن، لكنه مع ذلك، حتى لو اشمأز من هذه الأسلوب الذي ينفذه، إلى أنه لا يعتقد أن غرين شارلوت و غرين هيملر لا يستحقانه، فلو كان كذلك، لم يكن ليجعلهما يمران به

كره باسل أي نوع من التسلط و التحكم، و خصوصا إن كانا يطبقان عليه، لذا كره حتى هذه الحالة التي جعلته مضطرا أن يقوم بشيء يكرهه، و لم يجد جوابا آخر غير استئصال مثل هذه المشاكل من جذرها تماما و عدم السماح لها بالحدوث ثانية كي لا يضطر للقيام بشيء يزعجه مرة أخرى

بعد مرور على تعزييب باسل لغرين شارلوت و غرين هيملر قليل من الوقت، استخلص منهما المعلومات ثم قال بينما يتوجه نحو بوابة الغرفة "سأترك لكم الأمر هنا، لا يهمني ما تفعلونه بهما، ذلك حقكم و يجب عليكم أخذه بأيديكم، ذلك الحوض المائي يحتوي على 1000 قطرة، بمعنى أن هناك 500 قطرة لكل واحد منهما، مما يجعلها مطابقة تقريبا لعدد الأشخاص الذين عذبوهم" تكلم باسل مع أخوا القطع و الجنرال منصف ثم غادر فرافقته أنمار

بقي أخوا القطع و الجنرال منصف أمام غرين شارلوت و غرين هيملر و حدقوا بهما بنظرة حقودة للغاية، بالنسبة لأخوي القطع، كان أمامهما الشخص الذي عذب أختهما الصغيرة بتجارب شنيعة لا تطاق، فتلقائيا، سيطرت مشاعرهما عليهما و غمرت نية قتلهما غرين شارلوت خانقة إياها

في الجانب الآخر، كان الجنرال منصف يحدق بغرين هيملر الذي تجرأ على لمس زوجته، لو أنه تأخر فيما سبق و لو للحظات، لكان قد اعتدى على زوجته و اغتصبها. لمس غرين هيملر شرفه و شرف زوجته، هذا كان أسوء من موته على يده، قلبه احترق بشدة طيلة هذه السنوات، و أخيرا أتت فرصته ليرد دينه

سحب الثلاثة الحبل فجعلوا الاثنين يمران بالجحيم من جديد، كانت تلك مجرد قطرة سحرية خالصة تتوغل عبر نقطهما الأصلية، و بمقارنتها مع العذاب الذي مر به كل من قاموا بالتجارب عليه، كانت لا شيء، من تعذب على أيديهما بسبب التجارب مر بجحيم أكبر بكثير من هذا، فهناك من لم يكن بساحر حتى، و نقط أصله لم تفتح بعد، لكنها أجبرت على ذلك مما تسبب في تكوين بحر روح غير متراص و يمكنه الانكسار في أي لحظة، إضافة لذلك، شرعوا في جعل بحر روحهم يتعرض لطاقة سحرية خاصة بأحجار الأصل، الآلام الناتجة عن هذا كان أكبر بكثير من مجرد آلام ناتجة عن قطرة واحدة، تحويل البشر لوحوش أمر لا يمكن أن يكون بالهين، للكسب يجب أن تتخلى عن شيء يعادل ما ستكسبه

في الجهة الأخرى، دخل باسل و أنمار للغرفة المجاورة، وجدا شاهين معلقا بحبال مقيدة للسحر مع وجود الكثير من الأغلال تقيده بينما تسيل منه الدماء، و عندما وطأت قدم باسل الغرفة، تكلم شاهين قبل أن يرفع رأسه "لقد انتظرتك كثيرا بالفعل، أمن عادتك ترك زوارك ينتظرونك كل هذه المدة؟" ثم رفع رأسه فإذا بصورته تظهر، كان وجهه محروقا كما كان جسده

تكلم باسل "يبدو أنهم تفننوا في عملهم"

"همم ! " استهجن شاهين ثم قال "مهما فعلوا لن يكون بمقدورهم إخراج و لو كلمة واحدة مني"


"هذا ما سمعت، يبدو أنك التزمت الصمت طيلة الشهرين الماضيين" ابتسم باسل ثم قال "لكن لا يمكنك الجزم بالمثل معي"

"غر مثلك، يحسب نفسه قد بلغ الذروة" تذمر شاهين ثم قال بهدوء "كما لو أن صعلوكا مثلك سيكون قادرا على إخراج و لو كلمة واحدة مني ! "

تكلم باسل باستهتار "أو لم أفعل بالفعل؟"

حملق به شاهين ثم قال "كفانا سخرية، هدفك من القدوم إلى هنا واضح، لذا سأنصحك بشيء جيد من الآن، بعد المرور بالتعذيب الجهنمي هنا من طرف أولئك الخمسة مجتمعين علي، لا أظن أن غرا مثلك قد بدأ الحياة للتو سيكون قادرا على جعلي أتكلم، وفر على نفسك بعض العناء و أرحني معك"

ضحك باسل ثم قال له "يا لها من ثقة لديك، سأنورك ببعض الأشياء، أنا أعرف كل ما تعرفونه، فلما تظن أنني لا أعرف بعض التقنيات التي لكم علم بها و تساعد على استخراج المعلومات؟"

حدق شاهين في باسل فشحب وجهه بعد قليل من الوقت، عندها ظهر حوله جوا من التوتر، و صمت لمدة طويلة قبل أن يبدأ الكلام مجددا بصياح "أيها الغر، أنت لا تعرف مع من تتعامل، لا تظن أنك سوف تنجو بأفعالك هذه، لقد غاب أخي الأكبر عن المقر لشهرين متتابعين مع فقدان التواصل به، عاجلا و ليس آجلا سوف يعرفون السبب جيدا، و عندها ستحل الكارثة عليكم، قد تكون فخورا بكونك ساحرا بالقسم الثاني من مستويات الربط، لكن صعلوك لعين مثلك قد دخل لمستويات الربط حديثا سيكون مثل وجبة خفيفة للقدماء الكبار الآخرين، أنت لا تعرف مع من تتعامل فقط أيها الشقي المجنون"

اقترب باسل و تكلم بهدوء "معك حق في نقطة، أنا لا أعرف مع من أتعامل، لكن أليس هذا هو سبب مجيئي إلى هنا من الأول؟"

"أيها..." صدم شاهين، لقد حاول إخافة باسل لكن الأمر لم ينجح

تكلم باسل "يبدو أنكم كنتم تحالون اصطحابي معكم حيا عند قدومكم في البداية، على الأغلب كنتم ستعذبونني بشتى طرقكم لأبوح لكم بما تريدون معرفته، لكن إنها 'وا أسفاه' بالنسبة لكم"


أخرج باسل كرسيا ثم بعض الأدوات الأخرى فجعل هذا الأمر شاهين يرتعد في مكانه بينما يصرخ "أيها المجنون، أتريد تكسير بحر روحي؟"

"همم...؟" استغرب باسل ثم قال له "بالطبع لن أفعل، لكن بما أنك تعرف نهاية هذا التعذيب القاتلة، فلا بد من أنك قد نفذتها أو على الأقل سبق و أن حضرتها"

بلع شاهين ريقه ببطء شديد ثم قال "و مع ذلك، لن أبوح بشيء، خوفي منك ليس بالقدر الذي أخافه منهم"

استعد باسل جيدا ثم توجه نحو الحبلين اللذين يعلقان شاهين و قال "خوفك مني أو من غيري لا دخل له بالموضوع، هذا الأخير يتعلق بدرجة تحملك للتعذيب، و عندها سنرى إن كان خوفك هذا سيمنعك من التكلم و يجعلك تتحمل كل تلك الآلام"

قام باسل بربط شاهين بالكرسي ثم قال "حسنا، لما لا نبدأ"

صرخ شاهين "ستندم على هذا قطعا، سينتقم القدماء الكبار و سيدنا ظل الشيطان لنا، عندها لن ينفعك حتى ندمك ذاك"

و في لحظة، سُمِع صوت كنزول قطرة في بركة من الماء يتبعه صوت صراخ عظيم دوى في الغرفة

***


في هذه الأثناء، بالقاعة الرئيسية الخاصة بالقصر الإمبراطوري

"لقد بلغت حدودي بالفعل، لقد سمعت بعض البلاغات الغير سارة تأتي من أتباعي بعاصمة إمبراطوريتي، لا يمكنني الانتظار لأكثر من هذا، فلنقم الاجتماع حالا، غير ذلك، سنغادر و لا تحلم بالحصول على مساعدة منا، حتى التحالف الذي كان بين الإمبراطوريات اعتبره ملغيا"

صرخ إمبراطور إمبراطورية 'الرياح العاتية' غلاديوس بوجه الكبير أكاغي بغضب. تعامل باسل الغير محترم تجاهه جعله يصل لقمة غضبه، ليس هناك من تجرأ على معاملته هكذا منذ أن أثبت نفسه و قتل الإمبراطور السابق ثم اغتنم العرش

تكلم إمبراطور إمبراطورية 'الأمواج الهائجة' شيرو معلنا عن استياءه "قد يكون ذلك الفتى قد أظهر قوة استثنائية بالفعل، لكن لا يمكنك ترك فتى في مثل عمره يتحكم في أعمالك، و كما قال الإمبراطور غلاديوس، عدم إقامتك للاجتماع حاليا، ستكون بمثابة تصريحك بعدم مساواتنا لذلك الفتى بالمكانة، و مثل هذا الشيء لا يمكننا تقبله"

حدق بهما الكبير أكاغي ثم قال "أنا لا يتحكم بي أحد، و لا أهين أحد، و أجزم لكما بنية القائد الأعلى باسل الخالصة، هناك معلومات يجب أن نشاركها نحن الثلاثة في سبيل الاستعداد للشر الأعظم، و تصريحكما الحالي بفسخ التحالف لن يكون له أي ضرر على أي أحد آخر سوى نحن أنفسنا، القائد الأعلى باسل لديه بعض الأعمال المهمة التي يجب عليه الاهتمام بها، و عند انتهاءه منها سيوفر لكما الوقت الكافي"

عبس الإمبراطور غلاديوس ثم قال "واحسرتاه، لقد سقطت من عيني أيها الإمبراطور أكاغي، ظننت أن عائلة كريمزون عادت جالبة المجد معها، لكن يبدو أنها كانت مجرد دمية يتحكم بها وحش صغير"

"أنت..." تواجد شيوخ عائلة كريمزون بالجانب، و لما سمعوا مثل هذا الكلام، صاحوا في وجه الإمبراطور غلاديوس

أدار الإمبراطور غلاديوس وجهه ثم قال "ماذا هناك؟"

تدخل الكبير أكاغي فرفع يده تجاه الشيخ الذي تحدث موقفا تدخله، ثم نظر للإمبراطور غلاديوس و قال "بعد مدة ستعرف أنك الخاسر أيها الإمبراطور غلاديوس، لا تلمني عندما يقترب من إمبراطوريتك شر لا يمكنك إبعاده"


"همم ! " استهجن الإمبراطور غلاديوس و غادر فتبعه الجنرالان اللذان يرافقانه دائما

تكلم الكبير أكاغي "ماذا عنك أيها الإمبراطور شيرو؟"

وضع الإمبراطور شيرو يده على ذقنه ثم فكر لقليل من الوقت قبل أن يقول "يبدو أنني سأنتظر لقليل من الوقت............... يتبع!!!


(الجزء الثالث)

ارتاح الكبير أكاغي لهذا الأمر و تحسر لمغادرة الإمبراطور غلاديوس، لن يكون هناك أي خسارة بالنسبة له في الوقت الحالي، لكن عدم انضمام الإمبراطور غلاديوس لهم سيتسبب في موت أرواح من دون جدوى لا غير، عند تحرك حلف ظل الشيطان، فلن يستهدف سوى الطرف الأضعف، و إمبراطورية منعزلة تماما عن الإمبراطوريتين الأخريين ستكون هي التي ينطبق عليها الشروط تماما، و خصوصا بعدما تصبح إمبراطوريتي الشعلة القرمزية و الأمواج الهائجة أقوى بعدما تنتشر الإكسيرات

كانت إمبراطورية الرياح العاتية عبارة عن قارة كاملة، و لو أنها وقعت تحت سيطرة حلف ظل الشيطان و بدؤوا في تكوين قوتهم العظيمة، لن يكون عندها بإمكان أي أحد إيقافهم

هذا العالم شمل فقط ثلاث قارات مع الكثير من الجزر، قارة الأصل و النهاية غير مأهولة من البشر بتاتا باعتبارها عالما خاصا بالوحوش السحرية، و عند وقوع قارة كاملة تحت سيطرة العدو، سيقوم هذا الأخير باستعباد سكانها من دون شك و تحويلهم لمقاتلين من أجلهم، هناك أكبر تعداد سكاني بإمبراطورية الرياح العاتية، و استعباد سكانها كلهم سينتج أقوى جيش عرفه تاريخ هذا العالم، عندها سيكون على القارة الأكبر و التي تحتوي على إمبراطوريتي الشعلة القرمزية و الأمواج الهائجة مواجهة هذا العدو الذي ستكون قوته قد نمت لدرجة مخيفة

إضافة للقارات الثلاث الكبرى، كان هناك أرخبيل البحر العميق الذي كان كقارة صغيرة في حد ذاته، كان أكبر منطقة محظورة في العالم بعد قارة الأصل و النهاية، و كهذه الأخيرة، عرف بعدم وجود أي بشر يعيش به، لكن في السنوات الأخيرة، و من دون علم القوى الثلاث العظمى، كانت هناك قوة تنمو بداخله، هذه القوة جعلت من الوحوش في أرخبيل البحر العميق تنصاع لها، و أصبحت الوحوش هي الطرف الأضعف في حين كانت تهيمن على كل شيء موجود بالأرخبيل

في الجزيرة الرئيسية و التي كانت بمركز الأرخبيل، كان هناك قلعة عظيمة سوداء مبنية على قمة جبل ضخم وصل علوه للسحاب، كانت هناك الكثير من القلاع الصغيرة تحيط بها


بداخل القلعة التي كانت بالمركز و اتخذت موقعا عاليا على أي شيء يحيط بها، و بوضوح، أحاط بها جو قاتل، كان من الجلي أنها معقل لشخصية عظيمة، بداخلها، تكلم صوت من الظلال بصوت حاد تجاه الشخص ذو الرداء الأسود الراكع على ركبة واحدة أمامه

"لقد غاب لمدة تتجاوز الشهرين، لقد أصبح أقدما أكبرا مؤخرا فقط، و بالنسبة لشخص مثله طمح لهذا المركز بشدة، لن يقطع اتصاله معنا طيلة هذه المدة من دون إخبارنا بأي شيء"

وقف هذا الشخص بينما لا تزال صورته غير ظاهرة في الظلام الحالك، ثم لوح بيده تجاه ذو الرداء الأسود و قال "يمكنكم اعتباره ميتا، عليكم البحث في هذا الأمر جيدا، و إن صادفتموه حيا، اجلبوه لي، مهما كان سببه، سيكون عليه المعاناة لتركي أنا ظل الشيطان أنتظره لكل هذه المدة"

"حاضر يا مولاي"

وووش

اختفى ذو الرداء الأسود في الظلال، ثم رجع ظل الشيطان ليجلس على مقعده، فتحدث شخص ما من الجانب "سيدي ظل الشيطان، الأقدم الكبير فالشتر سيكون قد لقي مشكلة ما على الأغلب، لا أظن أنه سيخيب ظن سيادتك عمدا"

عند النظر جيدا، تجد أن هناك بعض الظلال على جانبي ظل الشيطان واقفين هناك، كان هناك ستة منهم، و الشخص الذي تكلم سابقا كان واحدا منهم

تحدث ظل الشيطان "أنتم القدماء الكبار هم أذرعي و أرجلي، فكيف لي ألا أثق بكم؟ لكن، كأذرع و أرجل، أريد منكم القيام بما آمره بكم فقط، و هذا يشمل الموت أيضا"

وووش

"نعم" "نعم" "نعم" "نعم" "نعم" "نعم"

تكررت الكلمة لست مرات بسبب قدومها من كل ظل على حدة و الذي كل واحد منهم أصبحت صورته على شكل ظل منحني لظل الشيطان

قالت الظلال الستة مرة واحدة "يحيا ظل الشيطان، الشخص المختار من طرف السادة العظماء لقيادتنا للسيادة العظمى"

تكلم ظل الشيطان تباعا لكلامهم "ما أحوال قواتنا بإمبراطورية الرياح العاتية؟"

بالرجوع للسجن المركزي، خرج باسل و البقية منه بينما تعتلي باسل نظرة عبوسة، بقي يفكر في شيء واحد بينما يتوجهون للعربة "المختار من السادة العظماء، ظل الشيطان"

أمام منزل ما بالعاصمة

"نحن ممتنين، نحن حقا شاكرين لكما كثيرا، لكما كل الشكر و الامتنان لأخذكما حق ابنتنا"

كانت هناك امرأة و رجل يبكيان بوجه أخوا القطع بشدة بينما يشكرانهما بشدة، حتى أن المرأة انهارت و سقطت على الأرض لفشل رجليها على حملها، بكت كثيرا بينما تنادي باسم ابنتها "كاتلين، صغيرتي كاتلين"

حدق بها أخوا القطع بينما يتذكران صورة أختهما الصغيرة، انحنى أخوا القطع للوالدين ثم غادرا، و بعد قليل من الوقت، توقفا عند منزل آخر و بلغا لهما نفس الخبر

لم يكونا هما الوحيدين اللذين يقومان بهذا، ففي جميع أنحاء العاصمة انتشر بعض الجنود كذلك قاصدين بعض المنازل موصلين لهم أخبارا عن أبناءهم، هناك بعض الآباء الذين هاجموا من بلغهم و سبوهم لعدم قدرتهم على حمايتهم لأفراد أسرهم، و هناك من فزع كثيرا من حقيقة موت شخص من دمه، لكن كلهم في الأخير شعروا بالراحة لتلقي المجرم العقوبة المناسبة له

تنوعت الأسر المظلومة، هناك العاميون و هناك العبيد، هناك تجار رحالة، كلهم تعرضوا لنفس التعدي، و كلهم أرادوا الانتقام لأحبابهم، و الآن بعدما سمعوا بلقاء المتعدي لمصيره الذي يستحقه، حتى من كان غير راض عن السلطات التي أتت لتخبره، كل واحد منهم أصبح ممتنا للغاية، و ارتاح بالهم أخيرا الذي شغل لمدة طويلة، فهناك من تعذب لسنوات على غياب أحبابه، و خبر تأكيد موتهم إضافة لعقاب المجرم كان عبارة عن راحة لقلوبهم من العذاب المستمر

بعد مرور وقت طويل، حل الليل كما تحركت بعض الظلال، قامت هذه الأخيرة بالزحف بناء على أوامر شخص واحد و الذي قادهم بنفسه

كان الشخص الذي يقودهم هو باسل، و الظلال التي كانت تنفذ أوامره ترأسها قادة التشكيل و توجهوا نحو مكان محدد من دون أن يشعر بهم أي أحد، لكن كانت هناك رفقة معهم، كان هناك قاضٍ يمشي بجانب باسل الذي تحدث "أيها القاضي عادل، هل أخبرت السجن المركزي أن يستعد؟"


هذا القاضي عادل كان هو القاضي نفسه الذي ساعد باسل و الجنرال منصف على القبض على غرين هيملر، و الآن يرافق باسل نحو مكان ما بعد أن استجاب لندائه

أجاب القاضي عادل "نعم بالطبع، كل ما علينا فعله هو القبض على المجرمين"

"إذا لنفعل هذا، يبدو أن السجن المركزي سيستضيف مجموعة كبيرة" تحدث باسل ثم تكلم عبر خاتم التخاطر، فتشتت الظلال كلها التي كانت كسواد كبير، تفرقوا على ست مجموعات، كل مجموعة ترأسها قائد من التشكيل مع المجموعة الأخيرة التي تبعت باسل

في غرفة ما

"ماذا يجب أن نفعل، لم يعد لدينا داعم قوي الآن بما أن عائلة غرين لم تعد موجودة، لم يعد بإمكاننا الحصول على السكان العامة لنتاجر بهم و نحولهم لعبيد، لم يعد بإمكاننا التحرك بأريحية بعدما انتشرت فرقة السنبلة الخصراء في جميع الأنحاء، أظن أن خيارنا الوحيد هو الابتعاد من العاصمة و إيجاد سوق مربح آخر"

كان بهذه الغرفة عدة محظيات حول رجل عجوز بينما يتحدث هذا الاخير مع رجل آخر كان بجانبه فتاتين صغيرتي العمر – حوالي الثالثة عشر- يقومان بتدليكه

باااام

"المكان الوحيد الي ستذهب إليه هو السجن المركزي أيها العجوز القذر"

فجأة ضربت الباب بقوة و دخل عليهما فتى يتبعه جيش

صرخ الرجل العجوز "من أنت، ألا تعرف أنك في قصر عائلة ناب الذئب؟ وقاحتك هذه ستلقى عقابا قاسيا"


"اصمت أيها الخرف" عبس باسل ثم قال "أنت من سيتلقى عقابا قاسيا"

تقدم القاضي عادل و رفع ورقة في وجه رئيس عائلة ناب الذئب ثم صرّح "أنا قاض من المحكمة المركزية، و هذا خطاب عليه ختم الحكم إضافة لتوقيع القاضي الأكبر، يتضمن الحكم عليك بالحبس بالسجن المركزي مدى الحياة لتجارتك الغير مشروعة بالبشر و مساعدتك على القيام بالتجارب عليهم، و أيضا التلاعب بالسلع و مهاجمة القوافل و مساعدتك لقراصنة البحر"

فتح رئيس عائلة ناب الذئب عينيه بشدة و صرخ "اللعنة عليكم، كما لو أنني سأنصاع لأوامر دجالين يقودهم غرّ وقح ! "

تكلم جندي صارخا "احترم نفسك أيها الوضيع، ألا تعلم مع من تتحدث؟" تعجب رئيس العائلة ليكمل الجندي "أنت في حضرة سيادته القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية، الغر هنا هو أنت أيها العجوز، فلتنحني حالا و اعتذر ثم اخضع للحكم"

"القاا...ئد الأعلى لجيوش الإمبراطورية ! ؟" تفاجأ رئيس العائلة كثيرا ثم صرخ آمرا "اقتلوهم و احموني ريثما أهرب"

خرج في الحال بعض الجنود من خلف الستار كانوا مختبئين، كانوا ينتظرون فقط أوامر رئيس العائلة

هرب رئيس العائلة بينما يفكر "لقد تجاوزوا الجيش الذي يحرس القصر بكل سهولة حتى أننا لم نعلم عن قدومهم إلا بعد أن دخلوا علينا، يجب أن أهرب بسرعة بينما يؤخرونهم أولئك الجنود الذين أعتبرهم أمهر الجنود في الإم..."

التف رئيس عائلة ناب الذئب و صدم بعدما وجد كل أولئك الجنود الذين يفتخر بهم على الأرض "ماذا...؟" و بعدما التف مرة أخرى نحو الطريق أمامه ليكمل هربه، ظهر ذلك الفتى من قبل أمام وجهه مانعا إياه من التقدم، فاستل سيفه و صرخ "كما لو أنني سأسمح لغر مثلك أن يهينني؟"

شحذ طاقته السحرية و لوح بسيفه الذي حمل معه شفرات جليدية من المستوى الخامس، و بكل ثقة، تكلم صارخا "لا يهمني من أنت؟ لكن غر مثلك لن يستطيع أن يتجن..."

بااام


أتت لكمة لباطن رئيس العائلة بسرعة كبيرة جعلته يتقيأ الكثير من الدماء قبل أن يدرك أنه قد أرسل لعدة أمتار محلقا، و بعدما أدرك ما حدث كان متأخرا. في لحظة، اختفى باسل من أمام عينيه و لكمه بلكمة كانت سرعتها كبيرة جدا مما جعلها تدخل عميقا في بطنه و تسحق أعضاءه الداخلية

تكلم باسل "احملوه و خذوه للسجن المركزي"

التف باسل و حدق في الرجل الذي كان يرافق رئيس العائلة في متعته ثم قال "و ذلك الشخص أيضا"

ارتعدت المحظيات من الخوف فاقترب باسل منهن مما زاد خوفهن أكثر، لكنه عندها تحدث مع ابتسامة تبعث الاطمئنان في النفوس "لا تقلقن أيتها السيدات، ليس عليكن مرافقة أي عجوز قذر بعد الآن، ستعدن لعائلاتكن و تعشن الحياة التي تردنها"

مع وسامة باسل، و ابتسامته المشرقة، إضافة لكلامه اللطيف، جعل الدموع تنهمر من أعينهن بينما يحاولن معانقته و يبكين بشدة مخرجات كلمات الشكر الغير مفهومة بسبب عدم نطقها بشكل صحيح لفرحتهن الكبيرة

هذه الليلة التي كانت ساكنة، عجت بالقتالات فجأة، و هذا الأمر جعل العديد من الشخصيات تتحرك قاصدة الهرب خارج العاصمة. وصلتهم الأخبار عن تحرك قاتل الدم القرمزي بنفسه حيث يقوم بإلقاء القبض على كل شخص له علاقة بالسوق السوداء

كان هناك العديد ممن حاول الهرب بعد اندلاع القتالات هنا و هناك، لكن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب ملاقاتهم لفرقة السنبلة الخضراء تحرس مخارج العاصمة كلها

قام باسل بالتحرك خفية و ألقى القبض على البعض على حين غرة، و بالطبع، كان يعرف أنه لن يستطيع منع البعض من الهرب بعدما يعلمون بما يحدث، لذا استغل هذا الوضع لصالحه

في هذه الليلة، قُبِض على جميع تجار السوق السوداء الموجودين بالعاصمة، و لا واحد منهم استطاع الهرب أو الإفلات، كلهم امتثلوا للحكم

لكن حتى بعد القبض على كل تاجر بالسوق السوداء موجود بالعاصمة، لا يعني أنهم استطاعوا الانتهاء منهم كلهم، فقط كبار التجار كانوا يجعلون العاصمة كمعقل لهم ليقتربوا من غرين هيملر و غرين شارلوت و بقية عائلة غرين


كان هناك أيضا بعض التجار الكبار بالسوق السوداء الذين هربوا بعدما سمعوا بنهاية عائلة غرين المأساوية خوفا من مجيء دورهم، أولئك، وضعهم باسل في قائمته أيضا التي أعطاها للجنرال رعد الذي جعل فرقة السنبلة الخضراء تتكفل بهم بعد هذه الليلة التي عرفت كـ'ليلة التطهير' فيما بعد

بعد انتهاء باسل من هذا المشكل، و حلول الغد، التقى بالكبير أكاغي و تحدث معه "بشأن الإمبراطور غلاديوس، لا تقلق، لن يطول الأمر حتى يعلم أنه الخاسر و سيطلب النجدة متخليا عن كبرياءه ذاك، كانت لدي شكوك، لكن بعدما استخلصت المعلومات من شاهين، تأكدت من أن إمبراطورية الرياح العاتية هي هدف حلف ظل الشيطان الأول لاقترابها من عرينهم في أرخبيل البحر العميق و افتراقها عن الإمبراطوريتين الأخريين"

سأل الكبير أكاغي "و لما لا يجب أن أقلق؟"

ابتسم باسل ثم قال "سأشرح لك هذا الأمر فيما بعد، و الآن، لما لا تنادي الإمبراطور شيرو ليأتي و نقوم بالاجتماع؟"

حدق الكبير أكاغي في باسل و بغرابة أتت فكرة خطيرة في ذهنه "هل يمكن أنه تجنب ملاقاة الإمبراطورين عمدا من أجل هذا السبب؟"

لم يستطع الكبير أكاغي أن يصدق هذا الأمر، إلى أي مدى فكر هذا الفتى و وضع خططا مستقبلية؟

عاد باسل لغرفته و بدأ يتدرب، دخل في حالة الصفاء الذهني و الروحي لبعض الوقت من أجل ترتيب أفكاره و تصفية ذهنه، ثم بدأ يمرن جسده، أخرج رداء غريبا كان مكونا من القطع الحديدية بالكامل، هذا الرداء أعطاه له معلمه ليتدرب به عند يصبح قادرا على ذلك

هذا الرداء وصل وزنه لـ500 كيلوغرام، ارتداه باسل و شرع في القيام بكل أنواع تمارين الضغط بشتى أنواعها، لم يستطع باسل حتى أن يتحرك بشكل مناسب، لكنه مع ذلك أمضى اليوم كله في تلك التمارين من دون توقف و لو للحظة واحدة

بصباح الغد

أقيم الاجتماع و حضر رؤساء العائلات، جلسوا كلهم بطاولة واحدة مع جلوس الكبير على عرش الإمبراطور و بجانبه الإمبراطور شيرو

دخل باسل بينما ترافقه أنمار ثم توجه نحو الكرسي المقابل للإمبراطورين، أما أنمار فتوجهت نحو الكبير أكاغي و ألقت عليه التحية و قدمت نفسها للإمبراطور شيرو "اسمي أنمار و أنا حفيدة الإمبراطور كريمزون أكاغي، تشرفت بمعرفتك أيها الإمبراطور وايتنِس شيرو"

صدم الجميع عندها، لم يكن أي أحد يعلم عن هذا غير الجنرال منصف و الرئيس تشارلي، كل من لم يعلم تفاجأ كثيرا بهذا التصريح، الجنرال رعد أيضا لم يعلم ما الذي يحدث هنا، أما الإمبراطور شيرو، فقد حدق بأنمار طويلا، ظن أنها مجرد فتاة قروية بجمال فائق، لذا كان متأكدا من أن خطته في جعل ابنته شيرايوكي التي تعادل أنمار جمالا تقترن بـباسل ستنجح لكونها من مكانة أرقى من أنمار، لكنه عض لسانه الآن بعدما سمع هذا التصريح و حملق في

أنمار بشدة

وقف رئيس عائلة آو 'لان' ثم تحدث "أيمكنك تفسير هذا الأمر لنا يا جلالتك؟"

لم يسأل الآخرون بما أن الرئيس 'آو لان' قد فعل، لكنهم أيضا كانوا ينتظرون الإجابة بكل حرص

فتكلم الكبير أكاغي "كلكم تعلمون عن ابني المفقود كريمزون أكاي، علمت فيما بعد أن ابني قد مات بالدمار الشامل، لكنه ترك لي حفيدة وراءه، من اليوم فصاعدا، سيكون لدينا أميرة جديدة، و اعتمادا على رغبتها، قد أمرر لها العرش، في هذا اليوم الذي سيكون عبارة عن انطلاقة الثورة في هذا العالم، أقدّم لكم الأميرة كريمزون أنمار"

فتح الجميع أفواههم من شدة الصدمة، لم يستطع أي أحد فهم ما يحدث أمام أعينهم إلا بعد مرور قليل من الوقت، لكن بعد استيعابهم لهذا الأمر تكلم الكبير أكاغي من جديد "و ليس بالضرورة ستكونون كلكم تعلمون عن تلك العشيرة التي كانت العائلة الأخت لعائلتنا كما كانت علاقة مؤسساهما، تلك العشيرة التي ضحت بنفسها من أجل نجاة عائلة كريمزون قبل 50 سنة، تلك العشيرة المخلصة لعائلتنا، تلك العشيرة التي حمتنا من الظلال من دون أن تخرج للضوء. بعد مرور وقت طويل، في هذا اليوم الكبير، أقدم لكم نسل عشيرة النار القرمزية، القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية، حليف عائلة كريمزون الأوثق و الأقوى، و منقذها و جالب مجدها، الجنرال الأعلى باسل"

ألقى الكبير أكاغي بتصريحين، أولهما كان استيعابه ممكنا بعد مدة من الوقت الممنوح للتفكير به، لكن ثانيهما كان غير قابل للتصديق تماما، لدرجة أن جميع الجنرالات صاحوا بتفاجؤ بينما يحدقون في باسل الهادئ

"الجنرال الأعلى ! ؟"

حقيقة أن باسل نسل تلك العشيرة الأسطورية فاجأت جميع من يعرف بحقيقتها غير الرئيس تشارلي و الجنرال منصف إضافة للرئيسة موراساكي الذين سبقوا و أن علموا بهذا الأمر، لكن بسبب ما قاله الكبير أكاغي بعد ذلك، جُذِب الجميع تماما لذلك الجزء و نسوا الجزء الأول مؤقتا، فبعد كل شيء، الجزء الثاني هو الأكثر أهمية بالنسبة لكل واحد منهم كجنرال

وقف الرئيس كيِرو هوانغ و تكلم بصوت مرتفع معبرا عن رأيه الصريح "اعذرني يا جلالتك، لقد تقبلت حقيقة كونه القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية، نظرا لإنجازاته، لم يمانع أي أحد هذا أو عارضه، لكن، أليس منحه لقب الجنرال الأعلى شيء... ! "

كان الكل لديه نفس السؤال في ذهنه، و لو أن الرئيس كيِرو هوانغ لم يسأل، لتكلم أحد آخر. الجنرالات الذين حضروا هم كريمزون منصف، مارون براون، كورو هي، موراساكي فايوليت، آو لان، كيِرو هوانغ، كين تشارلي، كاميناري رعد

كلهم صدموا بما قاله الكبير أكاغي في الجزء الثاني من كلامه، لكن لم تكن صدمة الكل متشابهة، فالرئيسين لان و هوانغ لم يصدقا هذا الأمر و بدا لهما كالجنون عينه، أما الرئيسة فايوليت، فقد بدأ عقلها يفكر في تلك المشروبات التي جربت واحدا منها عند بداية انقلاب الاسترداد، و بدأت تحاول الرؤية من خلال باسل الذي أظهر قوة غير معقولة بالحرب، أما الباقي فكان يعلم ما هي إمكانيات باسل الكبيرة، لكنهم فقط تفاجؤوا كثيرا، لأنهم لم يظنوا أن الكبير أكاغي سيمنح باسل هذا اللقب الآن


لذا كلهم أرادوا السؤال عن السبب، فقط، كان هدفهم كان مختلفا و انقسم لثلاث أنواع، نوع لا يريد تقبل هذا الأمر و يجد أنه جنون و عارضه بكل ما يملك، و نوع أراد إشباع فضوله حول ماهية هذا الفتى الذي أعطِيَ مثل هذا اللقب، و نوع أراد تفسيرا فقط

تكلم الكبير أكاغي بعدما سأل الرئيس هوانغ "هذا الأمر له علاقة بالثورة التي ستحدث عما قريب، أنت و الرئيس لان لم تريا قوة الجنرال الأعلى باسل لذا سأترك الجنرالات الآخرين يفسرون لكما هذا الأمر أولا"

تحدث الجنرال منصف عن إنجازات باسل التي لا يعرفها أحد غير من حضر الحرب، انتشرت الإشاعات عن كونه قاد الجيش و فاز بالحرب بأقل الخسائر التي يمكن أن يحلم بها أي قائد حربي و ما إلى ذلك، لكن و لا واحد علم عن تلك القوة التي أعلنت عن وجودها بظهور أولئك الثلاثة، و بالطبع لم يعلم كذلك أي أحد عن الشخص الذي عارضهم و هزمهم

بعدما علم الرئيسان لان و هوانغ بإنجازات باسل، بلعا ريقهما من شدة الفزع، أرادا التأكد من صحة هذا الأمر عن طريق تحديقهما ببقية الجنرالات و الإمبراطورين، فوجداهم يعلنون عن موافقتهم لكلام الجنرال منصف بهز رؤوسهم

بعد استيعابهما أن هذا الأمر حقيقي، ألزما الصمت و فتحا أعينهما على مصراعيهما بشدة في جهة باسل و لم يزيلا عينيهما عنه لمدة طويلة

عندها، تحدثت الرئيسة فايوليت بوقار "إذا، أيمكنك التفسير لنا أي ثورة تقصد؟ و ما علاقتها باستحقاق السيد باسل للقب الجنرال الأعلى؟"

كانت الشكوك تراود ذهن الرئيسة فايوليت طوال الوقت عن الثورة التي تحدث عنها الكبير أكاغي، لذا كانت تنتظر الفرصة للسؤال في أسرع وقت، فهي تظن أن هذا الأمر له علاقة بتلك المشروبات، فأمام عينيها جعلت تلك المشروبات الجنود يصبحون أقوى بعدما أرهقوا تماما، كما أنها جربت واحدا منها قد جعلها تشفى من إصابة كانت ستأخذ وقتا طويلا لتفعل


غير الرئيسين لان و هوانغ اللذين غرقا في أفكارهما، علم باقي الجنرالات عن الإكسيرات، لذا كانوا فاهمين للثورة التي يقصدها الكبير أكاغي

أجاب الكبير أكاغي "اليوم، سأعلن لكم عن إكسيرات خارقة، إكسيرات ستجعلنا نقفز قفزة مرتفعة جدا عن مكاننا السابق من دون العودة إليه. قبل عدة شهور، عائلتي قدمت للسوق أدوات جديدة سهلت الأمر كثيرا على السحرة، سواء أثناء صيدهم أو مغامراتهم بالمناطق المحظورة أو حتى في حياتهم الطبيعية، و اليوم، كإمبراطور إمبراطورية الشعلة القرمزية، أقدم لكم بعض العينات لتجربوها و تحكموا بأنفسكم"

رفع الكبير أكاغي يده ثم فتحت بوابة القاعة الرئيسية فدخل ثلاث كيميائيين في أواخر العشرينات، ألقوا التحية على الجميع بكل احترام عن طريق انحناءهم قليلا

تكلم الكبير أكاغي "الرئيسان لان و هوانغ، و الرئيسة فايوليت إضافة للإمبراطور شيرو، أرجوا منكم تقبل هذه الهدية و تجربتها لتفهموا ما سأتحدث عنه جيدا، فالكل غيركم قد سبق و جربها"

تقدم الكيميائيين الثلاثة و فرقوا بعض القنينات على الذين أشار لهم الكبير أكاغي بكلامه ثم تراجعوا

كل واحد منهم حصل على ثلاث قنينات، و كلها كان لونها متشابها، قنينة بلون أزرق فاتح أقرب للأبيض، و أخرى كان لونها أزرق فاتح، أما الأخيرة فكان لونها أزرق

تكلم الكبير أكاغي عنها بنفس الترتيب "الأول هو إكسير العلاج، الثاني هو إكسير التقوية و الثالث هو إكسير التعزيز" ثم شرح لهم غاية كل واحدة منها ثم قال بعد أن فهم الأربعة "و الآن، جربوا إكسير التقوية من فضلكم"

شرب الثلاثة الإكسير ثم أحسوا بشيء غريب يحدث لهم، دخلوا كلهم لبحر روحهم و تأملوا لمدة من الوقت قبل أن يفتحوا أعينهم واحدا تلو الآخر بينما تعلوا وجوههم نظرات غير مصدقة لما حدث قبل قليل، كسحرة بالمستوى السادس، أصبح تدريب نموهم صعبا عليهم، و لم يتقدموا أكثر مهما حاولوا، لكن بعد أن جربوا هذا الإكسير، كان هناك تغير ملاحظ بالنسبة لهم في ارتفاع قوتهم


في الحال ابتسم الكبير أكاغي و قال "و الآن، بشأن سؤال الرئيسية فايوليت، سأجعلكم تجيبون عنه بأنفسكم بطرحي هذا السؤال عليكم، ما الذي تظنونه سيحدث بعد انتشار هذه الإكسيرات في شتى أنحاء العالم؟"

خرجت كلمة من فم الرئيسة فايوليت من دون أن تشعر "ثورة ! "

تحدث الإمبراطور شيرو عندها "لقد سألت هيل عن المشروب جربه أثناء المعركة، و لم يصدق حتى الآن مدى تأثير ذلك الإكسير العجيب، و الآن، إني أفهم شعوره تماما، في غضون سنوات، لا، أقل من ذلك، في غضون سنتين فقط، سيدخل عالمنا لعصر جديد تماما من ناحية القوة، و من كان ساحرا بالمستوى الأول بموهبة مذهلة، سيشق طريقه نحو مستويات الجنرالات في عمر صغير، بهذا، سيصبح عدد السحرة في مستوى الجنرال لا يحصون، و هذا فقط مجرد تغير من بين الكثير من التغيرات التي ستحدث"

حدق الأربعة الذين جربوا هذه الإكسيرات بهذه الأخيرة بتعجب غير مصدقين لمدى تأثيرها إلى أن تكلمت الرئيسة فايوليت "إذا، لهذا السبب... ! "

استغرب الثلاثة الآخرين فتحدث الكبير أكاغي "هذا صحيح، لهذا السبب أنا أجعل القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية باسل الجنرال الأعلى، فبعد كل شيء، ليس هناك أي أحد غيره من قدم لنا كل هذه الأشياء التي ستتقدم بنا للأمام من الآن فصاعدا"

التف الإمبراطور شيرو و الرئيسين لان و هوانغ لجهة باسل و حدقا فيه غير مصدقان لما سمعاه قبل قليل، فقط ما هو عدد الإنجازات التي قام بها هذا الفتى؟ و بعد أن طُرِح هذا السؤال في أذهانهم، فجأة فهموا، أنه لهذا السبب، بسبب هذه الإنجازات الخيالية التي لم و لن يستطيع أي أحد منهم الحلم ببلوغها يوما، ارتقى باسل لمنصب الجنرال الأعلى

تحسرت الرئيسة فايوليت بعد معرفتها بهذا الأمر، فقط لو أنها كانت الشخص الذي التقى به باسل عند مجيئه للعاصمة ! لكن بعد ذلك رفضت هذا الاحتمال أيضا من رأسها، و ضحكت على نفسها، فاعتقدت بأعماقها، أنها حتى لو كانت من التقت باسل عندما أتى للعاصمة، فلم تكن علاقتها به ستكون مثل التي بينه و بين الكبير أكاغي الآن، ليس لأنه كان نسل عشيرة النار القرمزية، لكن لأن الكبير أكاغي كان الشخص الوحيد الذي سيعطي فرصة لباسل و يعامله بشكل جيد من دون تكبر أو غرور، غيره كان سيرى باسل مجرد ضفدع صغير و مغرور لا يعرف اتساع السماء خارج فوهة البئر

اقتنع الأربعة باللقب الممنوح لباسل، و كذلك فعل الآخرون، فهؤلاء، كانوا قد تقبلوا باسل بالفعل من قبل، و بعد ذكر الكبير أكاغي أن علاقة استحقاق باسل للقب بالثورة، فهموا و لم يقولوا أي كلمة معارضة بعد ذلك

و في النهاية، وافق الجميع على ولادة الجنرال الأعلى الجديدة

كان الجنرال الأعلى لقبا لا يعطى بكل سهولة، فلو لم يكن الشخص قام بإنجازات خارقة، لم يكن سيترشح ليناله حتى، فبعد كل شيء هو لقب يجعل الشخص تحت مكانة الإمبراطور مباشرة، أي أن أوامره تأتي بعد أوامر الإمبراطور تماما

و هو الشخص الذي يتحكم في أي جندي موجود بالإمبراطورية مهما كان انتماؤه، فعلى عكس القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية الذي يقود الجيوش في الحرب فقط حتى أنه يمكن لهذا اللقب أن يُسحب منه و يُعطى لجنرال آخر على حسب الموقف، فالجنرال الأعلى يمكنه التحكم في أي جيش في أي مكان و في أي وقت حتى لو لم يكن أثناء الحرب

كما أنه يعتبر قائد الجنرالات أنفسهم، و يمكنه أمرهم بأي شيء من دون عصيانه، إلا إذا جاء أمر آخر من الإمبراطور يخالف ما أمر به

القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية كان لقبا يعطى لشخص تُوَكّل له مهمة قيادة الحرب، أي يمكن تسميته بقائد حربي أيضا، لكن هذا يكون في حالة عدم وجود جنرال أعلى، عندها يتم اختيار واحد من الجنرالات ليقود الحرب، فعند وجود جنرال أعلى، يكون هذا الأخير هو القائد الحربي تلقائيا طالما لم يمنح اللقب لشخص آخر

في القرون الأخيرة، لم يتواجد أي جنرال أعلى، لأنه لم يكن هناك أي شخص كانت قوته أكبر من الإمبراطور نفسه أو قام بإنجازات تجعله يستحق هذا اللقب، لذا كان يوجد قائد حربي يتغير في كل مرة، فإن لم يُمنَح لقب الجنرال الأعلى لأي جنرال، يكون عندها ممنوح تلقائيا للإمبراطور

لذا بالإمكان القول أن الإمبراطور يسلم لقبا خاصا به إلى جنرال، مما يجعل هذا الأخير في مكانة أعلى من أي جنرال و أي شخص آخر غير الإمبراطور، و حتى لو كان أميرا، يكون لديه السلطة التامة على أي شيء في الإمبراطورية ما دامت لا تتعارض مع رغبات الإمبراطور و القوانين التنفيذية

و لأول مرة في التاريخ، منح لقب الجنرال الأعلى لفتى لا زال لم يبلغ الخامسة عشر حتى، مما يجعله أول جنرال أعلى غير بالغ

أدهش هذا الأمر الجميع، و أكثرهم الإمبراطور شيرو الذي أحكم قبضته و حدق بباسل كما لو أنه يرى كنزا ما لا يستطيع بلوغه

تكلم عندها الإمبراطور شيرو بعدما أهدأ نفسه "هناك أمر لا يزال يشغل بالي طوال هذا الوقت بجانب هذه الإكسيرات، لقد أظهرت أيها الجنرال الأعلى باسل قوة غير معقولة في المعركة التي كانت بعد الحرب، قوة لا يمكن القول أنها من المستوى السابع، و كذلك كانت قوة العدو الذي قاتلته، ما رأيك أن تفسر هذا الأمر لنا؟"

ابتسم باسل ثم قال بداخله "حسنا، لما لا نجعل الإمبراطور الأول يرضخ لنا"

كان هدف باسل بالأول جعل عائلة كريمزون تحتل العالم ليصبح واحدا و تخطي الصراعات الناتجة عن وجود الكثير من القوى المتحكمة من أجل مواجهة الشر الأعظم

لكن بعد علمه عن وجود قوة ضخمة كانت تقوم بنفس الأمر الذي يحاول القيام به، اختلفت طرقهم و غايتهم فقط، عندها، أدرك أنه يجب عليه تغيير خططه إن أراد الانتصار على هذه القوة التي ظهرت فجأة حيث لم تكن من خططه

و كعادته، تكيف باسل و تطور مع الوضع بسرعة كبيرة و فكر بخطط بديلة، قد لا يكون بإمكانه جعل عائلة كريمزون تحتل العالم بأكمله، لكنه باستطاعته توحيد رغبة العالم و الذي كان هدفه الأصلي

بالصدفة، وجد لنفسه أعذارا لكي يتجنب لقاء الإمبراطورين، عندها، أحدهما إن لم يكونا كلاهما سوف يغضب و لن يصبر أكثر على تأجيل الاجتماع و سيعتبر الأمر كإهانة له ثم يغادر، و الإمبراطور غلاديوس كان الاحتمال المرجح أكثر أخذا بالاعتبار شخصيته الفخورة و المعتزة كثيرا

بمجرد ما أن سمع باسل بمغادرة الإمبراطور غلاديوس حتى قرر إقامة الاجتماع. فكانت الغاية من رفع مكانة باسل ليكون قادرا على مفاوضة الإمبراطور شيرو بكل حرية من دون معارضة أي شخص آخر

و الآن، بعدما وُجِّه إليه الكلام من طرف الإمبراطور شيرو، ابتسم باسل و قال "أيها الإمبراطور شيرو، كما رأيت، في المعركة التي أخذتها ضد ذلك الأقدم الكبير، هناك مستويات بعد المستوى السابع"

تفاجأ الجميع بهذا التصريح، بعضهم قد اكتشف هذا الأمر لوحده، لكن لا زال التأكيد الذي أتى من فم باسل قادر على مفاجأتهم، فبعد كل شيء، هذا يعني الدخول لنطاق لم يسبق لعالمهم أن عرف عنه شيئا. و بما أن الإمبراطور شيرو قد بدأ التحدث مع باسل، فلم يقم أي أحد بإزعاجهما بتدخله لأنها ستكون وقاحة عندها، فانتظروا فقط الإمبراطور شيرو ليسأل بالنيابة عنهم


"كما توقعت" عبس الإمبراطور شيرو كما سأل بعدما جرى في باله فكرة"هل هذا له علاقة بتلك الإكسيرات؟"

تصنت الجميع بحذر، فهناك منهم من قد بلغ قمة المستوى السابع بالفعل، و هذا الموضوع يهمه كثيرا. لاحظ باسل هذا الأمر و أجاب بهدوء "لا، الإكسيرات تعزز من قوتك، لكنها لن تجعلك ساحرا من القسم الثاني من مستويات الربط و لو استمررت في شربها طوال حياتك، و بالطبع ستموت من فرط استهلاكها إن قمت بذلك"

توقف باسل عن الشرح عند هذا الحد و لم يزد عن ذلك. فكر الجميع فيما قاله باسل و ركز عقلهم أكثر على 'مستويات الربط'، هم لم يسمعوا بهذا الاسم من قبل، لا يعرفون حتى الآن ما يتحدث عنه باسل

كان باسل يزيد من اهتمام الإمبراطور شيرو حول الموضوع شيئا فشيء، يجيب على السؤال المطروح عليه مع إضافة معلومة أخرى تجعل الإمبراطور شيرو يسأل عنها

وضع الإمبراطور شيرو يده على ذقنه ثم تكلم "أبإمكانك التحدث لنا عن 'مستويات الربط' هذه أيها الجنرال الأعلى باسل؟"

ابستم باسل كما لو أن اللحظة التي انتظرها قد أتت، فرفع يده في اتجاه الإمبراطور شيرو ثم قال "يمكنني هذا، لكن السؤال الذي يجب عليك طرحه هنا أيها الإمبراطور شيرو هو هل سأخبرك عن مستويات الربط أم لا؟"

"همم... ! " عبس الإمبراطور شيرو ثم قال بعفوية "ما الذي تقصده بهذا؟"

تكلم باسل "إن أردت شيئا، فعليك منح ما يساويه، إن أردت الأخذ، فعليك بالعطاء. ليست بيننا تلك العلاقة القريبة أو أدين لك بشيء يساوي إخبارك عن مستويات الربط" وضع باسل يده على الطاولة ثم قال "لكن لا تقلق، فقوة الذاكرة شيء أختص به منذ صغري، لذا لم أنسَ تعاونك معي أثناء المعركة مع حلف ظل الشيطان"

عبس الإمبراطور شيرو و أحكم قبضته. ليس هناك أي عيب في كلام باسل، علاقتهم مجرد علاقة تحالف، ليس هناك أي اضطرار لإخبارهم، على العكس، إن أخبروهم، فلن يكونوا سوى حمقى عندها، إن كانت لديك قطعة من الخبز فشاركها، لكن عندما تكون متأكدا من لقاء الثمن المناسب لذلك، هكذا ستنجو بالعالم، هكذا انتشر هذا المثل، و هكذا استوعب الإمبراطور شيرو هذا الأمر و لم يسعه سوى التحسر أكثر


صمت الإمبراطور شيرو فابتسم باسل للحظات و قال "لقاء مساعدتك، سأمنح لك بعض الإكسيرات"

رجع الإمبراطور شيرو للواقع ثم قال بسرعة "شكرا لك، لكن، هل ستعطيني طريقة الصنع؟"

ابستم باسل و قال "بالطبع، لو أنك قدمت ما يساوي ذلك"

ظن الإمبراطور شيرو أن باسل سيتساهل معه بما أنه قرر إعطاءه بعض الإكسيرات، فهذه الأخيرة قيمتها ضخمة للغاية، و تلقي البعض منها مجانا يعتبر أمرا عظيما للغاية، لكن خاب ظنه بعد رفض باسل الذي كان أمرا طبيعيا

عندها، بدأ الإمبراطور شيرو يفكر في أي شيء مساو لطريقة الصنع و المعلومات حول مستويات الربط، لكنه بالرغم من ذلك لم يجد أي شيء آخر غير ما كان بباله منذ أن عرف مكانة باسل

تكلم الإمبراطور شيرو "أراض من إمبراطورية الأمواج الهائجة مساوية للتي يستحقها أي جنرال إضافة لاقترانك بابنتي الصغرى التي يعرف جمالها في العالم كله بأنه فريد من نوعه"

حدق باسل في الإمبراطور شيرو بغرابة و ابتسم قبل أن ينفجر ضاحكا "هاهاهاها، لا، اعذرني، لا تأخذها مني كوقاحة، لكني لم أظن أنك ستأتي بمثل هذه الفكرة، أراض قلت؟ ابنتك التي جمالها معروف في العالم بأكمله قلت؟"

حدق باسل بالكبير أكاغي و قال "ما هي الأراضي التي سأملكها بعدما أصبحت الجنرال الأعلى؟"

ابستم الكبير أكاغي و قال "يمكنك القول فقط أنها أراضي سبع أمراء"


حدق باسل في الإمبراطور شيرو و ابتسم كما لو أنه يقول له ها هي ذي الإجابة، فأحس الإمبراطور شيرو أنه يبلع ريقه بينما توجد شفرة حادة على عنقه

قال الإمبراطور شيرو "ماذا عن ابنتي؟ الرجل العظيم يحب اللهو و الخطر، لذا دائما ما نجده يفضل النساء، ألا تريد الزواج بابنتي ذات الجمال الملائكي؟"

حدق به باسل قبل أن ينقل نظره لجهة أنمار متحدثا "معك حق، لكن حالتي مختلفة قليلا، فلم تكن تجربتي مع الجمال الملائكي بتلك العظمة، لذا دائما ما ستجدني حذرا في تفضيلي للنساء، و أرجوا منك أن لا تفكر في إقناعي هنا، فبعد كل شيء، أنا لست سوى المتحدث بالنيابة عن كل من تراه حاضرا هنا، يجب عليك تقديم شيء لنا و ليس لي"

عبس الإمبراطور شيرو ثم قال "لا يمكنني التفكير بأي شيء قد يساوي ما ستمنحونه لي إذا، لما لا تخبرني أنت؟"

"أخيرا أصبح مستعدا للاستماع" قالها باسل بداخله قبل أن يضع يديه معا تحت ذقنيه حاملين إياه و يتكلم بصوت واضح و حاد "إزالة نظام العبودية، منح حق التلقيب لأي شخص، إضافة لـ'عهد ذهني روحي' على عائلتك الحاكمة لمدة ألف سنة تقسم فيه على أنها لن تسبب أي أذى تجاه الإمبراطوريتين الأخريين سواء بيدها أو عن طريق يد أخرى تتبع أوامرها"

"ماذا ! ؟"

صاح الجميع و ليس الإمبراطور شيرو فقط، ما هذه الشروط اللاعقلانية؟ إزالة نظام العبودية إضافة لمنح حق التلقيب؟ أيريد صنع ثورة عالمية يقودها النبلاء؟ ما هذا الجنون؟ و كيف له أن يفكر حتى في وضع العهد الذهني الروحي' كشرط؟ أليس هذا غير قابل للتفاوض به حتى؟

صاح الإمبراطور شيرو "ما الذ..."

قاطعه باسل قبل أن يكمل كلامه "بالطبع، العهد الروحي الذهني سنقوم به نحن أيضا، هكذا سيصبح الأمر عادلا"


حدق الإمبراطور شيرو بينما يفكر فيما قاله باسل. نهض الرئيس كيِرو هوانغ و صرخ قائلا "انتظر، أتعني أن على جلالته القيام بالعهد الذهني و الروحي أيضا؟ من أنت لتقرر هذا حتى نيابة عن جلالته؟"

حدق باسل بالرئيس هوانغ ثم غير نظره للكبير أكاغي الذي تكلم "لقد تكلمت بهذا الشأن بالفعل مع الجنرال الأعلى باسل، و قد قررت الموافقة"

سكت الرئيس هوانغ من الصدمة و جلس بدون أن يزيد حرفا آخر. قبل بداية انقلاب الاسترداد، تحدث الجنرال منصف مع الرئيس هوانغ حول إعطائه طريقة صنع الأدوات التي ظهرت في مقابل الحصول على مساعدته

الرئيس هوانغ المعروف بحبه للمال، رأى أن عائلة كريمزون ستكون مصدرا للربح أكثر من عائلة غرين، و بعدما علم بانضمام جميع العائلات إلى عائلة كريمزون إلا عائلتي هويز و غين، وافق على الصفقة مباشرة

و الآن، بعد تصريح باسل، كان أول شخص يعارض هذا الأمر و يوضح أنه يساند الكبير أكاغي و يحترمه. لكن، غير الإمبراطور شيرو الذي لا يعلم بشخصيته، فالجميع علم بنواياه

تكلم باسل مرة أخرى بعد أن تنهد "هذا العالم سيواجه شرا أعظم عما قريب، لذا هذه هي الطريقة الأمثل لجعله مستعدا لذلك، بعد إزالة نظام العبودية و إعطاء حق التلقيب، سيكون عندها الفارق بين النبيل و الغير نبيل مدى شهرة اللقب فقط، بعد اختفاء جميع المعاملات الغير متساوية بين النبلاء و الغير نبلاء، سوف يصبح أي شخص قادر على أن يصبح ساحرا و يتلقى نفس التعليم و التوجيه الذي يحصل عليه أي نبيل، و سوف يتسلق المراتب بناء على قدراته الشخصية، بذلك، حتى الاسم الذي كان فارقا بينهم سيختفي مع مرور الوقت"

"...هكذا، سيطمح أي شخص موجود بهذا العالم ليصل إلى أعلى المراتب و يجعل من لقبه مشهورا، لذا يمكنك القول أننا سنعطيهم الفرصة التي لم يمتلكوها سابقا، العبد لا يمكنه عيش حياته الخاصة بحرية، و العامي لا يمكنه تلقي نفس معاملة النبلاء من طرف المعلمين، مثل هذا الشيء سيكون عائقا، و كل ما نحتاجه لفعله هو إزالته. بعد منحهم الفرصة ليصلوا إلى أعلى المراتب بعدما كانت معدومة، فسوف يتوقف الأمر عندها على إرادتهم، لكن بمجرد تحفيزهم و إعطاءهم الشعور بالخطر المرتقب، فلن تجد طفلا بعد الآن بموهبة جيدة لم يدخل أكاديمية السحر"

بقي الجميع يحدق في باسل، كيف لفتى في مثل عمره فقط أن يفكر بكل هذا؟ و لا واحد منهم فكر في يوم من الأيام بمثل هذه الأشياء، حتى لو أتت مثل هذه الأفكار في عقولهم، فسوف يرفضونها لأنهم لن يرونها سوى زوال للعقل

تحدث باسل بعدما أخرج جزرة و عضها مكسرا الصمت بالصوت الناتج عن ذلك ثم قال "نفذوا هذا الأمر، و أعدكم عندها بشيء واحد" حدق به الجميع قبل أن يقول أخيرا بعدما بلع القضمة التي سبق و أن عضها


"الانتصار"

تكلم الكبير أكاغي "إعطاء حق التلقيب، لقد سبق و طبقنا هذا الأمر، لكن لا زالت هناك الكثير من المشاكل، و أغلب العائلات لا تقبل بهذا، و إن لم نعالج هذا الأمر عما قريب، فستكون هناك ثورة عظيمة، فلولا دعم الشعب الحالي لعائلة كريمزون، لتجرأ المعارضون على القيام بتحركاتهم نحو القصر الإمبراطوري بالفعل. لكن عندما يصبح هذا الأمر شائعا في العالم، فسيقل عدد المعارضين و يكثر عدد المؤيدين، و بعد انتشار الإكسيرات، فلن يبقى كل شيء كما هو"

حدق الإمبراطور شيرو بباسل مطولا ثم نهض من مكانه و قال "شروطك صعب تقبلها حقا، لكن أنا لا أرفضها، سأفكر فيها قبل أن أقرر ما سأفعله"

وقف باسل أيضا ثم قال "أيها الإمبراطور شيرو، اعطِ لتكسب، واجه لتفوز، تحرك لتَبْلُغ، فإن لم تقم بأي شيء، لن يحدث أي شيء، لكن لا تنسَ، لا يجب عليك تضييع الوقت المثالي لذلك"

ابتسم الإمبراطور شيرو و لم يقل شيئا ثم غادر

جلس باسل مرة أخرى بعد مغادرة الإمبراطور شيرو الذي كانت تعتلي وجهه نظرة عميقة، يجب عليه التقرير بسرعة الخيار الأفضل، إزالة نظام العبودية الموجود منذ العصور السحيقة ليس بأمر هين، فضلا عن منح حق التلقيب و العهد الذهني الروحي، هذا شيء لا سابقة له حقا

جلس باسل بعد مغادرته فحدق به الجميع، و من بينهم أنمار التي جلست بجانب الكبير أكاغي بهدوء من دون أن تفعل أي شيء. لاحظ باسل نظراتها فتنهد ثم جلس بينما يفكر بداخله "من الجيد أنها لم تفعل شيئا، لكن يبدو أن كل شيء سينفجر مرة واحدة عندما تجد الفرصة" صعدت القشعريرة مع باسل ثم تناسى الأمر للوقت الحالي

بعد لحظات من الصمت القاتل، حك الرئيس هوانغ يديه مع ابتسامة راغبة و قال "سعادة الجنرال الأعلى باسل، ألم يحن الوقت لنتحدث عما ستفعله بشأن طريقة صنع هذه الإكسيرات و الأدوات؟"

حدق به الجميع و تنهدوا على تصرفاته الخالية من الخجل، ألم يكن قبل قليل يقوم بمعارضة باسل؟ إنه ليس لديه أي شرف حقا، يتملق من يرى أنه مصدر الربح الأكبر

مع أن باسل لا تعجبه نوعيته، لكنه لم يمانع طالما لم يتجاوز الحدود، و إن كان التعامل معه بالمال سيجعله تحت الأقدام، فهذا شيء جيد، إن كان يحتاج للمال ليطيع، فليسرع و يطيع فقط، لأنه سيغرق في الأموال التي يحبها

عندما بدأ باسل يبيع الأدوات عبر عائلة كريمزون، كان له خمس أرباحها، و الذي أصبح ثروة ضخمة للغاية في مدة وجيزة فقط، لو علم الرئيس هوانغ مقدار ثروة باسل الحالية في عمره هذا لسعل الدماء

مع أن باسل قد أخذ خمس الأرباح، لم يؤثر هذا و لو قليلا على أرباح عائلة كريمزون، بل و أصبحت غنية لدرجة لا توصف، حتى أن باسل لم يكن مهتما في المال الذي تجنيه عائلة كريمزون أبدا، لكن الكبير أكاغي أصر على إعطائه نصيبا مما يجنونه. في البداية أراد منحه ما يشاء، فأخبره باسل بعدما استسلم من محاولة إقناعه بأن يمنحه عُشُر الأرباح، لكن الكبير أكاغي أراد منحه النصف، و بإصرار الكبير أكاغي و محاولة باسل إقناعه، أصبح باسل يحصل على عشرون بالمائة من الأرباح نتيجة لذلك

تميز سحرة المستويين الأول و الثاني بعدم الفقر و كانوا قادرين على عيش حياة رغيدة من دون الحاجة للقلق على بطنهم في هذا العالم الذي يحكمه طبقة النبلاء، كما كان سحرة المستوى الثالث و الرابع من الطبقة الغنية، و كان سحرة المستوى الخامس أكثر غناء لندرتهم، فقط بخدمتهم لعائلة ما يتلقون معاملة جيدة للغاية و يكونون تحت حماية هذه العائلة أكثر مما يتلقاه السحرة الأقل منهم مستوى، أما سحرة المستوى السادس، فكانوا هم الجنرالات، هؤلاء، كان لهم الحق في تلقيب أنفسهم و صنع عائلتهم النبيلة الخاصة، و بالطبع ثروتهم تزداد مع الوقت، فيكون لديهم عندها أراض و جنود من الجيش يخدمونهم

فمن أصبح جنرالا، غالبا لا تجده يريد أن يخدم عائلة أخرى بما أنه بإمكانه صنع واحدة خاصة به، و هكذا على مر العصور تغيرت المراتب، و أصحبت عائلات كانت تتميز بجنرال إلى أخرى تحمل لقب النبالة فقط، كما ولدت عائلات جديدة بجنرال و استطاعت بلوغ أعلى المراتب كعائلة كين الذي تسلق رئيسها تشارلي المراتب و كون عائلة قوية كالتي توجد الآن

و العائلات التي صمدت لأطول وقت كانت عائلة كريمزون إضافة لعائلة غرين و العائلتين التابعتين لها – عائلتي هويز و غين – اللتين لقيتا نهايتهما في انقلاب الاسترداد الأخير. كانت المنافسة شرسة جدا، و إن فقدت عائلة ذات مرتبة عالية جنرالها الخاص، تسقط من تلك المرتبة و تأخذها عائلة أخرى أنتجت جنرالا

و فوق مرتبة الجنرالات، لدينا الأمراء، بعد ذلك نجد المرتبة قبل الأخيرة و التي هي الجنرال الأعلى. لذا عندما استوعب الرئيس هوانغ حقيقة غدو باسل الجنرال الأعلى، و رأى أنه هو صاحب القرار هنا، تغيرت تصرفاته بسرعة و بدأ يلعق أحذية باسل

تكلم باسل "ماذا تقصد بهذا أيها الرئيس هوانغ؟"

استغرب الرئيس هوانغ من سؤال باسل، لا شك أن هذا الأخير قد فهم قصده، و يبدو أنه يحاول إثارته فقط. كان الرئيس هوانغ يعرف كيف يعامل من يرى أنه سيتحصل على مال منه، لذا قال باحترام "حسنا، يمكننا الكلام إن أردت حول طريقة الصنع، و عندها إن كان بإمكان قلبك الواسع إطلاعنا عن هذه الطريقة، فبعد فعلك لذلك سنكون شاكرين للغاية"

وضع باسل يده على ذقنه و بدى على وجهه القلق، ثم قال بعدما فكر لقليل من الوقت "أممم، هذا حقا قرار صعب لاتخاذه، أنا لا زلت لا أعرف معدنك بعد أيها الرئيس هوانغ، فكيف لي أن أمنح لك مثل هذه البطاقة؟"

بدى باسل حذرا للغاية في تحدثه عن الإكسيرات، و بدأ يعقد حاجبيه أكثر و أكثر بينما يفكر كثيرا. هذا الأمر جعل الرئيس هوانغ يخاف من أن لا يقبل باسل و بدأ العرق البارد ينزل على وجنته بينما يحك يديه و يقول "يمكنك إذابة معدني و إعادة تشكيله كما تريد، كل كلماتك ستتلقى السمع و الطاعة كرد لها، فبعد كل شيء، ألست أنت الجنرال الأعلى العظيم الذي سيتقدم بنا للأمام؟ من لم يتبعك فهو غبي فقط، قل الكلمة فقط و ستراها قد تحققت طالما

تكون في وسعنا"

بدأ الرئيس هوانغ يمدح باسل كثيرا حقا، و الذين يعرفون شخصية باسل جيدا، كتموا ضحكاتهم بالسر و شاهدوا هذا الأمر الممتع، أن هناك رجلا معمرا يخال نفسه ذكيا أمام الفتى المتردد و لا يدري أنه الشخص المربوط بخيوط بتحكم الفتى

حك باسل ذقنه ثم قال مع نظرة متشككة "حقا؟ ألن تخونني؟"

تفاجأ الرئيس هوانغ و قال بعد أن ضحك محاولا تلطيف الجو "كيف لي أن أفعل هذا لسعادتك؟ لن ترى من جهتي سوى الولاء"

ابتسم باسل أخيرا في وجهه معطيا للرئيس هوانغ نظرة مفرحة و رفع من آماله كثيرا، فابتهجت نظرات الرئيس هوانغ الذي قال من دون أن يشعر "إذا..."

فقاطعه باسل مع إبقاءه لتلك الابتسامة "سأفعل إذا قمت بعهد ذهني روحي معي"

أصبح وجه الرئيس هوانغ متفاجئا و صنع نظرة غبية على وجهه، فتحت عينيه على مصراعيهما لعدم تصديقه ما سمعت أذناه، فتلكم باسل مكملا بنفس التعبير "قلت أنك ستفعل كل أي شيء أطلبه منك، العهد الذهني الروحي لن يكون بمثابة طلبي منك الموت من أجلي، أليس كذلك؟ أو ماذا؟ ألم تكن ستجعل من كلماتي حقيقة طالما أنها ممكنة بالنسبة لك؟"

تغيرت تعبيرات الرئيس هوانغ و أصبحت قاتمة بعدما كانت مشعة، في لحظة اكتشف أنه وقع في شرك الفتى، ظن أن هذا الأخير مجرد فتى في النهاية بغض النظر عما أنجزه، و انطلاقا من تصرفاته السابقة، تأكد له هذا الأمر و بدأ يسايره في الكلام فقط، حتى أنه قال أنه سينفذ جميع ما يقول له باسل، و من دون أن يدري وجد نفسه قد وقع بسبب طمعه و جهله بالذي يطمع فيه

حدق جميع الجنرالات بالرئيس هوانغ، هذا الأخير قد أعلن مصرحا أمامهم بتنفيذ طلبات باسل مهما كانت. هم علموا أنه كان يساير تساؤلات فتى صغير فقط، لكن الكلمات التي تخرج لا يمكن إعادتها، و خصوصا إن كانت تأتي من فم جنرال و رئيس لعائلة، رفضه لكلامه الخاص سيجعل من كلامه ذو وزن خفيف، و لن يثق به أي أحد آخر، فكيف لهم أن يفعلوا هذا بشخص لم يستطع الحفاظ على وعود خرجت من فمه قبل قليل فقط؟

وجد الرئيس هوانغ نفسه محاصرا، كل النظرات من كل الجهات تحيط به، و هذه النظرات كانت كلها لأشخاص يساوونه مرتبة، لذا تصرفه القادم سيقرر مصيره في العالم الجديد من الآن فصاعدا

"أنا أنتظر جوابك أيها الرئيس هوانغ" تكلم باسل مرة أخرى مع حفاظه على نفس التعبير الذي جعل الموقف أسوء بالنسبة للرئيس هوانغ، ففي لحظة، الابتسامة التي كانت تبدو مشرقة و بلهاء أمام مخططاته، قد أصبحت تبدو كما لو أنها ابتسامة الحكيم الماكر

عض الرئيس هوانغ شفتيه و قال تلك الكلمات التي خرجت متقطعة كما لو أن كل حرف منها يقطع معه جزءا من روحه قبل أن يخرج "سأستمع لطلبات الجنرال الأعلى، لكن أيمكنك إخباري عن ماذا سيكون فحوى العهد الذهني الروحي؟"

أزاح أخيرا باسل تلك الابتسامة من على وجهه ثم قال بعد أن ربت على كتف الرئيس هوانغ الذي صعدت معه قشعريرة بسبب ذلك "لا تقلق، إنه ليس بالشيء الكبير، كل ما ستفعله هو العهد بعدم إعطاء هذه الطريقة لأشخاص آخرين غير الموثوق بهم من عائلتك و الذين ستجعلهم يطبقون نفس العهد الذهني و الروحي بألا يفشوا عما علموه فقط"

حدق الرئيس هوانغ في باسل بتعجب كبير، و بعدما كان في ظلام عميق بأفكاره، أصبح فجأة في نور منبثق بسبب ما سمعه. أهذا هو العهد الذهني الروحي؟ لقد تخيل أنه سيطلب منه شيئا فظيعا، كأَنْ يجعله يتبعه طوال حياته أو شيء مثل هذا، لكنه كان مخطئا و ليس هذا فقط، بل حتى أنه لم يعتقد أن العهد الذهني الروحي سيكون في مثل هذه البساطة و السهولة

لذا، ابتهجت نظرات الرئيس هوانغ و قفز قلبه من الفرح ثم قال "سمعا و طاعة"

تفاجأ الجميع حقا بما حدث، في وقت قصير، في محادثة واحدة، كان باسل قادر على ترويض وحش الطمع و الجشع ذاك، مثل هذا الأمر جعل القشعريرة تصعد مع أجسادهم، و مرة أخرى زاد حذرهم أكثر من باسل كما فعل احترامهم له

جلس باسل على الأرض متقاطع القدمين كما فعل الرئيس هوانغ ثم فعّلا طاقتهما السحرية و بدآ يقومان بالتناسق الذهني الروحي. بعد اتصال ذهنهما نُقِل العهد من الرئيس هوانغ لباسل الذي استقبله و قبله ثم قاما بإنشاء الختم بعد ذلك عن طريق روح باسل و الذي طبق على روح الرئيس هوانغ

تمت العملية بسلاسة و هدوء، و الآن، إن نقض الرئيس هوانغ هذا العهد ، سيتلقى حكما قاسيا من الختم الروحي الذي وضع عليه من طرف باسل يودي بحياته، كان البقية يشاهدون هذا الأمر بنظرة متعجبة، من كان يعتقد في يوم من الأيام أن الرئيس هوانغ سيكون مستعدا ليقوم بعهد روحي يمنعه من كسب ربح أكبر؟

وقف باسل ثم تحدث "حسنا، أيها الرئيس لان، ما رأيك أن تقوم بالأمر أيضا، إنه ليس بذلك الصعوبة كما رأيت"

وقف الرئيس لان و حدق في الرئيس هوانغ بغرابة، حتى الآن لا زال عقله لم يصدق ما رأته عينيه. الرئيس لان كان الشخص الذي قبل اقتراح الجنرال رعد بالانضمام. كان الرئيس لان، أو عائلة آو عائلة محايدة تماما، لم تتدخل في الحروب أبدا. لكن بعدما شاهد الرئيس لان الجنرال رعد المعروف بكرهه للصراعات الداخلية بين العائلات و الذي كان سببا في عدم أخذه للقب النبيل و عدم بدءه في إنشاء عائلته قد انضم لتلك المؤامرة، لم يكن بوسعه سوى المشي في الطريق الممهد

و الآن، بعد اقتراح باسل، و بعد ما حدث مع الرئيس هوانغ، قرر الرئيس لان أيضا القيام بالعهد الذهني الروحي

مر الأمر بسلاسة أيضا، فوقفت الرئيسة فايوليت و أرادت التكلم لكن باسل قد سبقها "حسنا، هل انتهى الاجتماع؟"

تفاجأت كثيرا و كذلك فعل الرئيسان لان و هوانغ، ما الذي يحدث؟ ماذا عن الآخرين؟

تكلمت الرئيسة فايوليت "هل انتهيت؟ أهذا يعني أنك لن تعطي الإكسيرات للباقي بما أنك لم تقم بالعهد الذهني الروحي معهم؟"

أجاب باسل بهدوء "لا، بل سأعطيهم"

استغربت الرئيسة فايوليت كثيرا، كما فعل الرئيسان لان و هوانغ اللذين سألا عن السبب. فأجاب باسل "لأنني أثق بهم"

سكت الرئيسان عن الكلام و فهما، فبعد كل شيء، معنى العهد الذهني الروحي هو عدم الثقة في الطرف الآخر، لكنه لن يحتاج لفعل ذلك إن كان يثق به

تكلم الكبير أكاغي "أيمكنك إخباري عن وجهتك؟ فاليوم سيكون اليوم الأول لظهور الإكسيرات في العالم و أفضل وجودك هنا"

رفع باسل ذراعه و أشار بيده نحو اتجاه الكبير أكاغي ثم قال "نحو الجنوب، سأزور وكر قبائل الوحش النائم"

"ماذا ! ؟"

صاح الجميع غير أنمار بصوت مرتفع غير مصدقين لما سمعوه

"لا تتفاجؤا هكذا، لا تقلقوا، فأنا لن أغادر قبل الانتهاء من بعض الأعمال هنا، و كما قال الكبير أكاغي، اليوم يوم كبير، و قد صاحب معه بعض الأشغال المهمة"

لم تتغير نظرات الاستغراب و التعجب من على وجوه الحاضرين. وقف الرئيس تشارلي و تكلم بصوت مرتفع "لا لا لا، الأمر ليس عن وقت ذهابك، بل عن سبب ذهابك، ألا تعلم ما هو وكر قبائل الوحش النائم؟"

قال باسل بهدوء بينما يحدق الجميع فيه بغرابة و حالتهم مضطربة على عكسه بسبب ما سمعوه "بالطبع أعلم، لذا سأذهب"

زاد كلامه الطن بلة و جعل الآخرين في دهشة كبيرة، سيذهب مع علمه؟ أهو مجنون؟ ألا يعرف ما الذي سيحدث له بمجرد وضع قدمه في وكر قبائل الوحش النائم؟ سيأكل حيا و يطبخ غليا و يسلخ كَوْيا

تكلم الكبير أكاغي "يا صديق أبي، فلتهدأ قليلا، لنسمع السبب أولا، و لا تنسى أن الجنرال الأعلى باسل الآن في مستوى حيث لن يستطيع حتى مكان كوكر قبائل الوحش النائم التسبب له بأي مشاكل"

جلس الرئيس تشارلي بينما يفكر عميقا كما لو أنه يبحث في ذكريات من الماضي. أما الباقين، فلبثوا في أماكنهم منتظرين إجابة باسل بفارغ الصبر، فمهما كانت الإجابة، لا يظنون أنها ستكون مقنعة، الذهاب لوكر قبائل الوحش النائم كالذهاب لعرين عدو ينتظرك بكل قواته

تكلم باسل مع حفاظه على رزانته "السبب بسيط، سأتحدث معهن عن ضم قواتهن لي"

"ما هذا الجنون؟" وقف الرئيس براون و صاح كما فعل الرئيس كورو هي مع بقاءه جالسا

لم يتقبل هذا الكلام جميع الأشخاص أيضا و بدؤوا يناقشون هذا الأمر "ما الذي تقصده بضم قواتهن إلينا؟ إن كنا سنحتاج لهمج مثل قبائل الوحش النائم، فأنا أفضل التعاون مع الوحوش على ذلك" صاح الرئيس براون بذلك

تكلم الكبير أكاغي بصوت مرتفع "هدوء"

صمت الجميع تاركين الكبير أكاغي ليتكلم "استمعوا من فضلكم لما قاله الجنرال الأعلى جيدا، لم يقل أبدا أنه سيضم قواتهن إلينا، لكنه قال أنه سيضم قواتهن له، هناك اختلاف هنا، لما لا نركز على الاستماع مع الحرص على نسيان الأحقاد مؤقتا للتفكير بمنطقية أكثر"

تكلم باسل بنبرة حادة "كما قال الكبير أكاغي، أنا لا يهمني ما حدث بينكم في الحرب قبل 55 سنة، قد يبدو كلامي قاسيا لكنني أعنيه كليا، فإن أراد هذا العالم النجاة، قوة قبائل الوحش النائم ضرورية و لا غنى عنها، تلك الحرب كانت بينكم و انتهت، كلا الطرفين تلقى أضرارا وخيمة، و كنتيجة لذلك انعزلت قبائل الوحش النائم عن العالم الخارجي و لم تتدخل بعد ذلك في مشاكله، لم يُرى بعدها أي شخص من قبيلة من قبائل الوحش النائم، لا يمكنني القول سوى أنهم يريدون السلام عبر ابتعادهم عنكم محاولين تفادي المشاكل قدر المستطاع"

تكلم الرئيس كورو هي مع عبوس على وجهه "قد يكون كلامك منطقي، لكن حتى لو افترضنا أنهن سيضممن قواتهن لك، ألا يعني هذا أننا سنضطر للتعاون معهن أيضا؟ لا تنسى أنك جنرالنا الأعلى، و تحركاتك ستؤثر علينا أيضا من الآن فصاعدا"

حدق الجميع بباسل الذي تحدث برصانة "لا علاقة لهذا بكوني الجنرال الأعلى هنا، فأنا سأذهب بصفتي باسل لا الجنرال الأعلى لإمبراطورية الشعلة القرمزية، لأنني أعلم أن هذا سيجعلهن يكوِّنن مقاومة ضدي لا غير إن قمت به. و بالنسبة لجوابك أيها العم هيْ، فليست هناك أي حاجة لتعاونكم معهن، فقط، عندما سأحتاجهن سيأتين، هذه هي العلاقة التي سأهدف إليها معهن، عندها، ربما قد تتلاقى أهدافكم بما أنكم ستكُونون أنتم تتبعون أوامري، و إن أردت تسمية هذا بالتعاون، فأنت حر في فعل ذلك، لكني لا أنوي التنازل عن هذا الأمر مهما حدث"

بعدما تحدث باسل، تكلم الرئيس تشارلي الذي هدأ لفترة بسبب غرقه في ذكرياته "لدي سؤال واحد، لقد قال الرئيس كورو هي أننا لن نتعاون معهن بافتراض أنهن ضممن قواتهن لك، لكن هذا كان افتراضا فقط، ليس هناك أي ضمان على أنهن سيضممن قوتهن لك، كيف لك أن تكون متأكدا من فعلهن لذلك؟"

ابتسم باسل و أجاب "لم أفكر في ذلك بعد، أليس هذا سؤال صعب الإجابة عنه حاليا؟ فبعد كل شيء، أنا لم ألتقي بواحد منهن من قبل حتى، فكيف لي أن أعرف ما الذي سيجعلهن يضممن قوتهن لي؟ سأفكر في ذلك بعدما أزور وكرهن، لكن على الأقل هناك بعض الأشياء التي في ذهني سأعرضها عليهن، و مع ذلك لا أزال غير قادر على إخبارك كيف سأقنعهن، فلا أعلم كيف سيستجيبون لما سأقترحه عليهن"

تنهد الرئيس تشارلي و قال "أظن أنك قصدت طريقة الصنع بالشيء الذي في ذهنك. إن أعطاني أحد آخر مثل هذه الإجابة، فلم أكن لأقتنع، لكن بما أنها أتت من فمك، فلا خيار لي سوى الوثوق بها، سأؤمن أنك ستصنع المستحيل من جديد"

رفع باسل يده و قال شارحا "أنت تمدحني كثيرا أيها الرئيس تشارلي، بمجرد تحقيق شيء ما فهذا معناه أنه لم يكن مستحيلا، و عدم تحقيقه معناه أنه مستحيل بالنسبة لك فقط و لا يعني أنه مستحيل تماما، ببساطة تحقيق الشيء يعتمد على منجزه، و يكون مستحيلا على الذي عجز عنه فقط"

"معك حق" تكلم الرئيس تشارلي "أنا موافق أيضا، قوة قبائل الوحش النائم سيكون لها فائدة عظيمة"

"معلمي" صاح الرئيس براون "أنت لم تنسَ ما فعلوه بابنك البكر و بأخي و بأخوي هي ! أليس كذلك ! ؟"

عبس الرئيس تشارلي و قال "بالطبع لم أنسَ، لا زلت أتحرق لموت ابني، لكنها كانت الحرب، و كما قتل أحبابنا، قتل كذلك أحبابهم، الحكمة هنا هي ترك أحقاد الماضي من أجل مواجهة أخطار المستقبل، هذا ما سيفعله الرجل الحكيم"

عبس الرئيس براون و تكلم "أنا لن أسامحهم أبدا، لا يهمني سواء كان ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، قُتل أخي بأشنع الطرق التي لن يتمناها أي ساحر فخور، فكيف لي أن أنسى كل ذلك بهذه السهولة؟ ماذا عنك يا هي؟"

تكلم الرئيس كورو بعدما فتح عينيه اللتين كانتا مغلقتين مع عقد حاجبيه "و لا أنا أيضا، لدي نفس رأيك يا براون"

الرؤساء تشارلي، براون و هي، هؤلاء الثلاثة كانوا أكثر من تلقى المعاناة، كذلك كانت العائلات الأخريات، لكن هؤلاء الثلاثة فقدوا أقرب الأحباب إليهم في الحرب قبل 55 سنة، لذا لم يكن من السهل عليهم القبول بهذه السهولة. حتى الآخرين قد عانوا من خسائر كبيرة، لكن هؤلاء الثلاثة فقدوا أقرب الأشخاص لهم بالدم

تحدث الرئيس تشارلي "على عكس عائلة غرين التي خانت عائلة كريمزون آنذاك و انقلبت عليها ثم حاولت إبادتها، فنحن كنا في حرب مع قبائل الوحش النائم، و من الطبيعي أن يموت المحاربين بها، حتى أنا لن أنسى، لكنني سأخمد تلك الأحقاد للوقت الحالي، فكما مات أحبابنا، كذلك مات أحباب العدو"

تنهد باسل، موت الأحباب شيء لا يطاق، لكن يجب عليه تحجير قلبه و رؤية الأشياء مع حكمه عليها من دون ترك مشاعره تتدخل بذلك، هكذا سيكون قادرا على تحقيق هدفه، فما يحركه أيضا هو حبه للأقربين له، و لو لم يكونوا من البداية لما أزعج نفسه بكل هذه المشاكل و أكمل حياته في هدوء

تكلم باسل بعدما رتب مشاعره التي اختلطت عليه قليلا "هذا مؤسف للبعض منكم، لكننا كلنا من عالم واحد، و إن كانت طبيعة قبائل الوحش النائم الحقيقية جيدة، فلا شك أنهن سيكُنْن ذوات فائدة كبيرة نظرا لقدراتهن"

توجه باسل نحو الخارج بعدما أنهى كلامه

تحسر الكبير أكاغي على هذا الموقف، لقد نجا أفراد عائلته من الموت عبر الحماية التي تلقوها من العشيرة القرمزية، لكن لم يكن الشيء نفسه للآخرين، مات مئات الآلاف في تلك الحرب مما خلف أثارا سيئة جدا. أصبح من المحرم ذكر اسم قبائل الوحش النائم بأي طريقة جيدة، انتهت جميع التعاملات معهن و أصبحن مكروهات من العالم بأكمله

كان أفراد قبائل الوحش النائم يتميزون ببنيات جسدية خارقة يقال أنها وحشية، *** عادي من أي قبيلة له بنية جسدية تعادل تلك التي لدى ساحر من المستوى الأول، و قُدِّر عدد القبائل بـ40 إلى 50. اقترب عدد أفراد القبيلة الواحدة للعشرين ألف، و يختلف هذا العدد من قبيلة لأخرى إما بالازدياد أو الانخفاض. كل أفرادها اشتركوا في ميزة واحدة، و هي السحر الذي يمتلكونه، سحر التحول

امتدت الأراضي التي تعيش عليها قبائل الوحش النائم لآلاف الأميال، حيث كانت تمتلك أراض من كلا إمبراطوريتي الشعلة القرمزية و الأمواج الهائجة، و هذا ما كان يجعلها نقطة اتصال و تواصل بين الإمبراطوريتين تجاريا و كانت تعتبر كقوة رابعة مع أنها لم تصل لمستوى القوى الثلاث الأخرى

و كان المكان الذي تعيش به يسمى بوكر قبائل الوحش النائم لاحتوائه على عدة مناطق محظورة مفترقة بمسافة قليلة بداخله. لذا كان وكرهن عبارة عن مكان مناسب للتدريب و يستهدف من العديد من السحرة، فهو كمنطقة محظورة مأهولة. فضّل السحرة ذلك المكان لقرب المناطق المحظورة التي تحتوي على كنوز و وحوش قوية من بعضها البعض و من أماكن مأهولة من البشر ليكونَ في استطاعتهم استعادة طاقتهم في أي وقت أرادوه

بعد الحرب، قامت قبائل الوحش النائم بوضع حدود حول وكرها مغلقة بذلك عن نفسها تماما عن العالم الخارجي، و لم يعلم أي أحد عنهن أي شيء طيلة هذه المدة كما لا يعلمن هنّ أيضا عما يحدث خارج وكرهن

لم يرض الكثير على ما يحاول باسل فعله، لكنه قال أنه سيقوم بالأمر مهما حدث، و معارضتهم لذلك لن تغير أي شيء، لذا من تكلم مبديا عن رأيه تكلم، و من لم يفعل اكتفى بترك الأشخاص الذين سبقوه في إبداء رأيهم المماثل للخاص به

قبل خروج باسل سأله الكبير أكاغي عن وجهته بما أنه تحدث عن بعض الأعمال، فأجابه باسل "سأذهب لقصر عائلة كريمزون القديم، فلقد أصبح كما تعلمون معقلا للتشكيل، و هذا الأخير لديه اختبار قبول لأعضاء جدد حاليا، لذا سأذهب لأستكشف بعض المواهب"

فهم الكبير أكاغي، فهو يعلم عن الاختبار، لكنه سأل باسل لأنه لا يعرف إلى أين سيذهب فقط. حدق الكبير أكاغي في باسل ثم التف لأنمار و سألها إن كانت ستذهب مع باسل أم لا، فردت عليه أنمار بالرفض، و أخبرته أن لديها بعض الأعمال التي تركها باسل لها لإنهائها

ذهب باسل بينما يفكر بداخله مبتسما "كما أن هناك شخص مثير للاهتمام قد سبق و أن رأيته قبل أيام يجب علي الالتقاء به"

سأل الكبير أكاغي انمار التي بجانبه بعد مغادرة باسل "أتعلمين لِمَ أشرك حليفنا باسل الرئيسة موراساكي مع الأشخاص الذين يثق بهم مع أن علاقته بها ليست بتلك القرب كالتي بينه و بين لآخرين؟"

كانت الرئيسة موراساكي لا زالت غير مصدقة للأمر، فهي الآن غارقة في أفكارها محاولة فهم مقصد باسل من ثقته بها. لكنها لم تعرف مهما بحثت في عقلها، لم تفعل شيئا يجعل باسل يضع فيها نفس الثقة التي وضعها بالآخرين

حدقت أنمار في الكبير أكاغي و ابتسمت ثم قالت "إنه سهل، شخص مثلها، وضّح له أنك تثق به و ستجده يسعى بكل ما يملك ليواكب تلك الثقة التي وضعتها به"

تكلمت أنمار شارحة الأمر الذي لم يفهمه الكبير أكاغي. لم يكن هناك أي شخص آخر غيرها يعلم بشخصية باسل جيدا و يفهمها أكثر منها. و برؤية الكبير أكاغي لأنمار تجيب عن سؤاله بكل سهولة، سأل مرة أخرى متوقعا جوابا آخر "إذا أيمكنك أن تفسرين لي الخدعة وراء ما فعله باسل حتى استطاع إقناع الرئيس هوانغ بالقيام بالوعد الذهني الروحي؟"

حدق الكبير أكاغي بها بتلهف، أراد أن يشبع فضوله، كما يقولون، فضول الإنسان لا حدود له. و في الجانب الآخر، ابتسمت أنمار و قالت "لقد طبق خدعة بسيطة لا غير. جعل الرئيس هوانغ يخرج كلمات الولاء من فمه بتصرفه الطفولي، ثم حاصره في الزاوية بذكره الوعد الذهني الروحي. غالبا أي شخص عندما يجد نفسه في مثل ذلك الموقف سوف يخضع. و كبهارات، جعل الوعد الذهني الروحي بسيطا جدا، هكذا، سيشعر ذلك الشخص كما لو أنه قد أنقِذ و أعفِيَ عنه، مما سيجعله يشعر بأنه مدين للآخر نوعا ما"

بلع الكبير أكاغي ريقه، إن هذا حقا لفن في الخداع. لكن ما جعل الكبير أكاغي مندهشا ليس ما فعله باسل، بل كشف أنمار لذلك بكل سهولة و تكلمها عنه مشيرة له بالخدعة البسيطة، هذا كان رهيبا للغاية

تنهد ثم تكلم بصوت مرتفع موجها حديثه للحاضرين أجمع "حسنا، سنتكلم عن كيفية بدئنا في نشر للإكسيرات"


استمر الاجتماع، كما استمر باسل في تحركه عن طريق العربة التي يقودها الخيل الملكي بينما يحدق في الآفاق مستمتعا بالمناظر مع عضه لجزرة حلوة

(قصر عائلة كريمزون سابقا و معقل التشكيل حاليا)

اجتمع عشرات الآلاف من الأشخاص بالساحة الخارجية أمام منصة ضخمة، كانت المنصة عالية و مرتفعة و مدعمة بالسحر، و في وسطها، كان هناك عرش فخم كما لو أنه للإمبراطور. بينما كان الجميع ينتظر المنظمين ليظهروا، كانت أبدانهم تقشعر من الحماس، الخوف، كل أنواع المشاعر شغلت الساحة الخارجية بسبب الحشد المجتمع بها

اليوم هو يوم اختبار القبول الذي وضعه التشكيل، أصبحت لهذا الأخير شعبية كبيرة في كامل الإمبراطورية، و أصبح أي ساحر بدون أصل ينوي الانتماء يريد الانضمام للتشكيل، فقد عرف هذا الأخير بإنجازاته المذهلة بقيادة قاتل الدم القرمزي، و أصبح حاليا أشهر جيش في الإمبراطورية و الأكثر إقبالا لطلبات الانضمام. لذا بعد ازدياد عدد الطلبات، أقيم هذا الاختبار، و بعدما انتشر خبر هذا، أتى جميع الأشخاص من جميع أنحاء الإمبراطورية قاصدين التأهل ليصبحوا جزءا من التشكيل

كانت هناك العديد من الأقاويل تمر من بين الحشد المنتظر "هل سيظهر قاتل الدم القرمزي؟ ماذا إن فعل؟ لن أعرف ما الذي يجب علي فعله عندها"

أصبح اسم قاتل الدم القرمزي اسما ثاقبا و مهيبا للغاية في جميع أنحاء الإمبراطورية، و حاليا، لم يعد يقتصر على الإمبراطورية فقط و إنما انتشر بالعالم أجمع، و بالطبع إنجازاته صاحبت اسمه مخلفة بذلك آثارا عميقة من الرعب و الفزع بسامعها

تكلم شخص واثق بنفسه "أليس مجرد جنرال قد ظهر حديثا و قاد الحرب ثم صادف أن ربحها، ليس بذلك الشيء الكبير لتخافوا هكذا، فبعد كل شيء، إنه مجرد بشري"

تكلم بعض الأشخاص موجهين أصابعهم و نظراتهم إليه "إنه الساحر المنفرد سولو، لقد أتى أيضا، لم أتوقع هذا، إنه ساحر بالمستوى الرابع و يقال أنه لا يشترك في أي مجموعات أبدا و يقاتل منفردا، يقال أنه نجى من السلاسل الجبلية الحلزونية لشهر كامل من دون الخروج منها، انضمام شخص مثله يوضح لك فقط كم هو هذا التشكيل مذهل و ثاقب"

استمرت الهمسات، بعضها عن قاتل الدم القرمزي و توقعاتهم عنه، و بعضها عن الشخصيات المذهلة التي أتت لتجتاز الاختبار، و بسرعة، كثُر عدد المشاهدين و المراقبين


اجتمع الحشد المقصود به اختباره بالساحة الخارجية، و جهزت حلبة دائرية بقطر يصل للثلاثين متر من أجل المعارك التي ستقام داخل كولسيوم، كما وصل عدد المتفرجين للآلاف و في ازدياد، كما كانت هناك رهانات

كانت الحلبة التي بنيت قبل أيام بجانب الساحة الخارجية، و حولها، كان يوجد آلاف المشاهدين بالفعل، بعضهم أتى قاصدا التمتع بالقتالات، و بعض آخر أتى ليجني بعض الأرباح من الرهانات، كما تواجد بعض المراقبين من الظلال

من بين هذا الحشد المجتمع بالساحة الخارجية، كانت هناك مجموعة عادية يتحدث أعضاؤها فيما بينهم. تكلم الشخص الذي بدا كقائد لهم "يا أبهم، لقد قلت أن أختك قد انضمت للتشكيل قبل شهور عندما بدأ تكوينه، إن كانت أختك الجبانة قد انضمت للتشكيل، فلا يمكن ألا نستطيع نحن، أليس كذلك؟ هاهاها"

ضحك الأشخاص الآخرون كما تكلم الشخص الذي وجه الكلام إليه ذو الاسم أبهم مع حكه لرأسه "هيهيهي، معكم حق، أتمنى أن يُقبل شخص جبان مثلي أيضا"

تكلم شخص آخر من المجموعة "يا لكما من أخ و أخت، كيف لكما أن تكونا متشابهين هكذا، حتى شخصيتكما متطابقة"

أكمل آخر "كيكيكيكي، معك حق، عائلة من الجبناء، كيف لهذا أن يحدث حتى؟ يا له من أمر عجيب، كيكيكي"

ضحك الجميع فيما بينهم و استهزؤوا بذلك الشخص ذو الاسم أبهم. و فجأة، أضيف لأصواتهم صوت ضحك آخر مما جعلهم يتساءلون عن مصدره فإذا بهم يجدون فتى يناهز الخامسة عشر يضحك معهم

فإذا بقائدهم يعبس و يتكلم "أنت، ما الذي تحاول فعله؟ نحن نضحك فيما بيننا، لم يجب على غر مثلك أن يتدخل و يحاول مزج نفسه معنا؟ إنك مصدر إزعاج، اغرب عن هنا قبل أن تلقى مصرعك"

التف أبهم ليرى من هذا الفتى، فإذا به يجده نفس الفتى الذي التقى به قبل أيام حتى أنه نطق من دون أن يشعر "أنت، باسل ! "


"همم ! " استغرب البقية فحققوا في وجه باسل و تذكروا فتكلم شخص منهم "أنت، ألست أنت هو الشخص الذي تحدث معه أبهم قبل أيام؟ ما بك؟ أتلحقنا أم ماذا؟ هل تنوي إدخال نفسك بمجموعتنا بتقربك لنا؟"

أهمل باسل سؤاله و لم يجب كما فعل لسؤال الشخص الأول و تهديده له، و بدل ذلك وجه كلامه لأبهم "لقد أخبرتك أننا سنلتقي"

حدق فيه أبهم بغرابة ثم عقد حاجبيه قبل أن يقول "آه، لقد كنت محقا" بقي أبهم يفكر في أمر ما، هذا الفتى قدم نفسه سابقا على أن اسمه باسل، و بغرابة شك فيه بأن يكون قاتل الدم القرمزي نفسه، حتى أن شكه قد ازداد بعدما أخبره باسل أنه سيلتقي به طالما سيذهب لاجتياز اختبار قبول التشكيل. حتى هو ظن أن هذا مستحيلا بعد فترة من التفكير، فكيف لفتى صغير أن يكون قاتل الدم القرمزي ذاك ! ؟ هذا جنون فقط

و الآن، بعدما وجد باسل مختلطا بالحشد، تبددت شكوكه تماما، و فهم الأمر، باسل أيضا ينوي اجتياز الاختبار، لذا قال مثل ذلك الكلام. ضحك أبهم على نفسه لتفكيره بمثل ذلك الأمر، تكلم بعدما اتضحت الفكرة في رأسه "هل أتيت أيضا لاجتياز الاختبار؟"

بجانب أبهم، كان الشخصان اللذان سألا باسل سابقا يهتزان من الغضب لتجاهله لهما، فتى مثل هذا غض بصره و سمعه عنهما كما لو أنهما حشرتان، فكيف لهما أن يبقيا هادئين؟

تكلم باسل مع وجود ابتسامة على وجهه "آه، ليس لاجتيازه و إنما..."

قاطعه ذانك الرجلان بانقضاضهما عليه "أيها الصعلوك"

عبس باسل و أحكم قبضته ثم قال "يا له من إزعاج"

قبل قليل، في قاعة ما، تكلم شخص يرتدي درعا فضيا مخاطبا أربعة أشخاص آخرين "أيها الرفاق، لقد قال لي سيدنا أنه سيأتي و أن نبدأ عملنا من دون انتظاره، لنذهب" بعد انتهاءه التف و تحرك، فتبعه الأربعة المرتدين لدروع فضية أيضا متبعين خطواته

حاليا، عندما حاول باسل توجيه لكمته للرجلين المنقضين عليه، توقف فجأة كما فعل الرجلان، و هذا كان بسبب الصوت المنبثق و المرتفع

[انتباااااااه]

وجه الجميع أنظارهم نحو المنصة حيث ظهر خمسة أشخاص يتقدمهم واحد منهم يرتدي درعا فضيا و يحمل مكبر صوت. كل شخص بلع ريقه عندما شاهد هؤلاء الخمسة، و برؤيتهم للدروع التي يرتدونها، اقشعرت أبدانهم كما تحمسوا كثيرا، مع وجود بعض المتوترين و المشوشين

تحدث ذلك الشخص الحامل لمكبر الصوت "أمامكم تورتش من تشكيل القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية، و الذي أصبح مؤخرا الجنرال الأعلى، اليوم سنقدم اختبارا أوليا سيتأهل به مجموعة صغيرة فقط من عشرات الآلاف التي حضرت، 1000، هذا هو العدد الذي سيجتاز هذا الاختبار"

صدم العديد من الأشخاص من التصريحات التي ذكرت كلها مرة واحدة، أولها هو تورتش الذي ذاع صيته مؤخرا كقائد قادة التشكيل، عرف بشعلة التشكيل حيث محى المئات من الجنود في الحرب السابقة بناره الحارقة، و برؤيته بالدرع الفضي، بلعوا ريقهم و فهموا

"إنه في مستوى جنرال"

انتشرت الكلمات فيما بينهم "إذا لا بد من أن كل أولئك الأشخاص الذين وراءه في مستوى جنرال أيضا"

"انتظر، إذا أولئك هم قادة التشكيل المشهورين ! "

ارتعد الجميع من هذا الأمر، قادة التشكيل لوحدهم في مستوى جنرال ! فما بالك بسيدهم و رئيسهم؟ لقد انتشرت بعض الإشاعات عن كونه بالمستوى السابع، و بعد مشاهدتهم لقادة التشكيل، تأكدت لهم هذه الإشاعات و أصبحت حقيقة، لكن هذا كان الشيء الأول الذي أبهرهم. بعدها، أتى التصريح الثاني، قاتل الدم القرمزي و القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية قد أصبح الجنرال الأعلى !

هذا الأمر كان الشيء الأكثر صدمة، الجنرال الأعلى، الوجود الذي يأتي بعد الإمبراطور مباشرة في السلطة، كم كان هذا مهيبا و رهيبا يا ترى؟ لكن بعد رؤيتهم لمستوى قادة التشكيل، فهموا الأمر نوعا ما، لا شك في أن الجنرال الأعلى باسل عبارة عن شخصية عظيمة، لديه تحت إمرته خمسة أشخاص بمستوى جنرال، كيف لهم ألا يصدموا من هذا؟

و أما عن تصريح عدد الذين سيجتازون الاختبار، فلا أحد منهم علق على ذلك الأمر بسبب التصريحين اللذين سبقاه، فالصدمة الناتجة عنهما أنستهم الكلام الذي أتى بعدهما تماما

بعدما تحدث تورتش، توقف الرجلان عن محاولتهما مهاجمة باسل و ركزا على الأخبار الثاقبة التي يشهدونها، حاليا، كانت مجموعة أبهم قد نست باسل بالفعل و فتحوا أفواههم فقط كالآخرين من شدة الصدمات

لكن، أبهم كانت صدمته مختلفة نوعا ما، لقد صدم بالفعل من هذه الأخبار، لكن كان هناك أمر ثان جعل عينيه تهتزان و ذقنه يصل للأرض، حدق في اتجاه واحد بينما يخرج كلمتين بكل صعوبة غير مصدق لما يشاهده "أختي الكبرى ! ؟"

"همم ! " حدق به باسل بعدما سمع ما قال، ثم وجه نظره للاتجاه الذي يوجه أبهم نظره إليه، فوجد أن أبهم ينظر للمنصة كباقي الأشخاص، لكن كان نظره مركَّز على شخص واحد فقط من بينهم. و بعد لحظات، أدرك باسل ما يحدث فإذا به يتفاجأ أيضا

بمشاهدة الشخص الذي قصده أبهم بكلامه، تذكر باسل كلامهم الذي ضحك عليه سابقا (إن كانت أختك الجبانة قد انضمت للتشكيل، فلا يمكن ألا نستطيع نحن، أليس كذلك؟). تفاجأ باسل حقا، لكنه هدّأ من نفسه ثم ابتسم و قال "إن العالم صغير حقا" و ابتعد عن المكان الذي كان به

في حين، بقي أبهم يشاهد ذلك الشخص الذي بالمنصة غير مصدق لما يراه حتى الآن، و بعد لحظات، تكلم شخص من مجموعته بنظرة استغراب "همم ! شخص من أولئك القادة يبدو مألوفا لي نوعا ما"

تساءل واحد منهم "ها؟ كيف لك أن تعرف واحدا منهم؟"

عبس ذلك الشخص و قال "هذا..."

تكلم الآخر "إنك تحلم فقط، يبدو أنك تحاول القول أنك تعرف واحدا من القادة كي تظهر بشكل رائع، هيهيهي"

"آآآآه" صرخ ذلك الشخص بشكل مرتفع جاعلا باقي أشخاص المجموعة يتفاجؤون

التفوا كلهم نحوه و تكلموا "ما بك؟ هل جننت من قوة الصدمات التي اختبرتها مرة واحدة؟"


قال ذلك الشخص بتلعثم غير قادر على إخراج الكلمات بشكل صحيح "إ-إنها... إنها شي يو"

"همم ! " استغرب الجميع ثم قال قائدهم "ما بالك تتفاجأ هكذا؟ لقد قالت أنها من التشكيل، فليس من المفاجئ رؤيتها بالأنحاء"

باقي الأشخاص صدموا بعد صراخ ذلك الشخص، يبدو أنهم أدركوا ما يتحدث عنه، لكن الوحيد الذي لا زال لا يعرف ما يحدث هو قائدهم، فإذا بذلك الشخص ينكزه بإصبعه بينما يقول "انظر للفتاة التي بالمنصة جيدا"

عبس قائدهم و التف بينما يقول "يوجد هناك القادة فقط، ما الذي... شي يو ! " صرخ بهذا الاسم أيضا بعدما رأى تلك الفتاة و أدرك ما يحدث

أداروا رؤوسهم ببطء شديد لجهة أبهم ثم انقضوا عليه "أنت، أيها الأبهم، ما الذي يحدث هنا؟ لما أختك تقف مع قادة التشكيل؟ و لماذا ترتدي درعا لا يرتديه إلا الجنرالات؟"

هزوا جسد أبهم بشدة و الذي لا زال غارقا في أفكاره، كيف له أن يعلم؟ حتى الآن لا يزال مصدوما هو الآخر. أخته الجبانة تقف أمامه في مستوى بعيد عما تخيله. وصلته رسالة منها قبل شهور تقول فيها أنها انضمت لقوة خاصة بعائلة كريمزون. فيما بعد، علم أن هذه القوة هي التشكيل، لكنه في اعتقاده أنها مجرد جندية فقط

"أنت، ما الذي تحاول فعله بدفعنا؟"

"عد للخلف أيها الغر و قف هناك"


"لما صعلوك مثلك يحاول الوقوف أمامنا؟"

تذمر بعض الأشخاص و انتشرت الشكاوي من شخص ما، و بعد قليل، ازدادت حدة هذا الأمر أكثر و بدأ العديد من المتقدمين للاختبار يصيحون "سنقتلك أيها الفتى، احترم كبارك و إلا لن تعيش طويلا"

جلب هذا الأمر انتباه العديد من الأشخاص، و بعدما حدقوا في المنصة و الواقفين عليها لمدة كافية، التفوا ناحية الضوضاء ليعرفوا من سبب كل هذا الصداع، و من الشخص الذي يتجرأ على ألاّ يكون مهذبا في حضرة قادة التشكيل؟

و بالطبع، مجموعة أبهم كذلك كانت من بينهم. و أبهم الذي كان في صدمة، استفاق فجأة و حدق في الجهة التي تأتي منها الضوضاء، و في الحال رأى باسل في وسطها و كان من الواضح أنه المتسبب فيها، كما كان العديد من الأشخاص يحيطون به موجهين نية قتلهم نحوه

"ما الذي يفعله؟" قالها أبهم بداخله. لقد كان باسل قبل قليل بجانبه، و من دون أن يدري، وجده قد أثار بعض المشاكل في مكان آخر مرة أخرى، ألا يمكنه أن يضع قدما في أي مكان من دون أن يكون أعداءً؟

تكلم قائد مجموعته "أ هو ذلك الصعلوك مرة أخرى؟ هل يجلب المتاعب أينما حل؟ يا له من داهية حقا ! لكن يبدو أن هذه هي نهايته، لقد نسيت أمره لكني بما أنني تذكرت الآن اشتعلت من الغضب مرة أخرى، سيكون من المريح إطفاء غضبي بتمتعي بمشاهدتي لمعاناته"

أصبح عدد الأشخاص الذين اجتمعوا حول باسل يصل للعشرات و في ازدياد، و كلهم لم يعجبهم أسلوب ذلك الفتى. من أتى متأخرا وقف بالوراء فقط و لم يحاول تجاوز عشرات الآلاف ليصل للأمام. لكن هذا الفتى بدأ يدفعهم واحدا تلو الآخر من أجل صنع ممر له مكونا العداوة كل طريقه إلى هنا

كان هناك عشرات الآلاف من السحرة هنا، و مستوياتهم مختلفة، لكن يوجد جميع المستويات من الأول للخامس، بالطبع سحرة المستوى الخامس كانوا نادرين، و فقط بوجودهم هنا استطاعوا جلب الأنظار إليهم، انتقلت الأنظار بعد ذلك للمنصة، لكن حاليا، تحولت الأنظار إلى فتى صغير مما جعل البعض غير مسرور


صاح واحد من المحيطين بباسل و الذي بدا كساحر مخضرم مقارنة بالذين يقفون بجانبه، لذا تكلم نيابة عنهم "قيامك بهذا الأمر الجريء لأمر مدهش حقا، أظننت أنك ستمر بسلاسة من دون أن تواجه أي مشاكل أم ماذا؟ أنت لست لم تحترمنا نحن كبارك فقط، بل و أحططت من قيمة قادة التشكيل المكرمين، لا يجب أن تفلت بسهولة، يجب أن تتلقى عقابا مناسبا"

تكلم باسل بعدما تنهد "كيف يمكن أن أكون قد أحططت من قيمة قادة التشكيل بمروري من بينكم أنتم؟ يمكنني فهم لما أخذتم عبوري من خلالكم كتقليل من شأنكم، لكن إدخالك لقادة التشكيل بهذا الأمر لشيء غبي، أتحاول كسب تأييدهم بفعلك هذا؟ لقد مررت فقط، هذا كل ما فعلته، سأحترمك عندما تحترمني، و لن أفعل أي شيء تجاهك طالما أبقيت تحركاتك تجاهي

ساكنة، و كلكم هنا متقدمين للاختبار، و بافتراض أنني متقدم مثلكم، يعني أنني بنفس مرتبتكم، فكيف لي أن أكون عندها قد أهنتكم؟ لو أردت كبش فداء، فاختر بعناية، و إلّا صادفت يوما ما ذئبا في وبر خروف"

صمت المحيطين الذين كانوا يتذمرون للحظات قبل أن يصرخوا "يبدو أنك تعرف كيف تتكلم"

رد باسل في الحال قبل أن يكمل ذلك الشخص كلامه "نعم، على ما أذكر بذاكرتي التي لا تنسى، فلم يسبق لأحد أن هزمني في جدال بالكلام حتى الآن"

ازداد غضب ذلك الشخص، كما ارتفع ضغط ددمم الآخرين أيضا و انقضوا عليه كلهم مرة واحدة "سنعلمك درسا أو اثنين أيها الشقي"

عشرات من الأشخاص كلهم رموا أنفسهم على الفتى الصغير، لو رأى شخص ما مثل هذا المنظر من دون أن يعرف ما حدث، فسوف يرى الأمر على أنه جنون فقط. مجموعة من السحرة يقومون بالتعاون ضد فتى كهذا ! لكن غضبهم تجاهه أنساهم ما هو الشرف مؤقتا

تكلم قائد مجموعة أبهم "و أخيرا سيلقى مصرعه، كيكيكي، فليواجه ما يستحقه"

أما أبهم، فلم يفهم ما سبب تحركات باسل هذه، لما احتاج أصلا أن يتقدم للأمام؟ يجب أن يكون بعلمه أنه سيجذب انتباها غير ضروريا بفعله لذلك فقط !


"آه" خرجت صرخة من ناحية باسل جاعلة الكثير يخرج تنفسا من الراحة كما لو أن ثقلا قد زال من على صدرهم، فقط برؤيتهم لغرور ذلك الفتى أرادوا له الموت، في عالم يطغى القوي على الضعيف، وجود مغرور ضعيف هو أسوء شيء

لكن، و على عكس ما اعتقده الكثيرون، لم تكن تلك الصرخة آتية من فم باسل، و إنما في الحقيقة كانت لذلك الشخص الذي عارضه و انقض عليه أولا. عندها شاهد الجميع شيئا غريبا يحدث أمام أعينهم، بتحليق الأول في السماء متقيئا للدماء، تبعه الثاني و الثالث... و الأخير

كل من هاجم باسل و الذين وصل عددهم للعشرات، أصبحوا مرتفعين بالسماء كما لو أنهم تعرضوا لهجوم من قوة غاشمة، و بالطبع، كان من الواضح أن من سبب لهم هذا هو اللكمات الآتية من يدي ذلك الفتى الذي فجأة أصبح الجو المحيط به ثقيلا، و بدا كما لو أنه ذئبا قد أزال وبر الخروف

كل شخص صدم بعدما تعرض كل أولئك السحرة لمثل هذه الهزيمة الغير متوقعة بتاتا، فأغلبهم كان ساحرا بالمستوى الثالث، فكيف لفتى مثل هذا أن يكون باستطاعته مجاراتهم؟ لا بل حتى التعرض لانقضاضهم و النجاة منه؟ فما بالك برد هجومهم بواحد أقوى من خاصتهم جاعلا إياهم غائبين عن الوعي. رموا بأجسادهم التي يفتخرون بها عليه، فإذا بهم يجدونها تحلق في السماء من دون معرفة سبب ذلك حتى

تُرِك الجميع في حالة من إعادة التفكير، حتى مجموعة أبهم كاد أن يتقيأ أعضاؤها الدماء، القائد و الشخص الذي رافقه في الانقضاض على باسل سابقا، قام عقلاهما مباشرة بتذكيرهما بتلك اللحظة، و جعلاهما يفكران في احتمالية ما كان سيحدث لولا تحدث تورتش الذي أوقفهما عن السعي وراء موتهما

"حسنا، أنتم مستبعدون" تكلم ذلك الفتى موجها كلامه للأشخاص الذين ضربهم و استبعدهم من الاختبار الذي أتوا من أجله كما لو أن لديه الحق في ذلك

لقد كان من المفاجئ جدا ظهور شخص بهذا السن و بهذه القوة حقا، لم يعلم أي أحد ما الذي يحدث و بقوا ساكنين فاتحين أفواههم و أعينهم محاولين استيعاب ما حدث جيدا. لكن تصرفه الأخير زاد الطين بلة، فقط ما هي نية هذا الفتى بتصرفاته هذه؟ تقريره المقصي من غيره، هذا شيء يستطيع فعله فقط قادة التشكيل الحاضرين هنا و المخول لهم بذلك من طرفهم

بعد الصمت الطويل الذي تبع كلمات باسل، تكلم أحد ما أخيرا كاسرا إياه، هذا الشخص كان تورتش الذي نزل من المنصة الضخمة و تساوى بالارتفاع مع المتقدمين للاختبار. و هذا الأمر جعلهم يغرقون في بحر من الرعب، لقد نزل القائد تورتش بنفسه ليتكلف بالأمر، لا شك أنها نهاية هذا الفتى


انتقلت الهمسات من بين الحضور "لا أعلم عن سبب قوة ذلك الفتى الغريبة، لكن الآن بأخذ القائد تورتش زمام الأمور، فلن يستطيع ذلك الغر فعل ما يحلو له بعد الآن، فبعد كل شيء، الجنرالات بالمستوى السادس و الذي يعتبر وجودا لا يقهر في العالم ضد المستويات التي تقع أسفله"

تكلم البعض عن ما سيحدث و توقعوا عقوبة باسل "قد تكسر عظامه و يرسل عائدا بسبب تصرفاته هذه"

تكلم أحد آخر "لا، قد يتعرض لحجز مؤقت حتى"

و في هذه الأثناء، استمر تورتش بالتقدم من خلال الممر الذي صُنِع له بابتعاد المتقدمين للاختبار عن طريقه، كل شخص منهم استمر في التحديق به، حتى الآن لا يزالون متحمسين للغاية بشأن مستوى قادة التشكيل، هذا يعني ازدياد قوة إمبراطوريتهم أكثر، خمس جنرالات مرة واحدة عبارة عن إضافة لا يمكن اعتبارها بالعادية أبدا

لم يفهموا كيف لأشخاص لم يُعرفوا إلا قبل شهور أن يصلوا لمستوى جنرال ! لكن الشيء الذي لا يفهمونه غير مهم حاليا، بل المهم هو أنهم سيدخلون لجيش عظيم لو استطاعوا اجتياز الاختبار

بدرعه الفضي المتلألئ، اقترب تورتش من باسل بنظرة جدية جعلت كل واحد يتملكه شعور حاد كرياح باردة صعدت مع ظهورهم العارية، كنزول قطرة ماء باردة جدا على رقابهم الساخنة، مما تسبب لهم في قشعريرة غير سارة، بسبب هذا، لم يسعهم سوى التحسر على مصير ذلك الفتى

في الجانب الآخر، كان الفتى هادئا جدا على عكس ما توقع الآخرون منه، حتى في حضرة القائد تورتش الذي بالمستوى السادس لا زال الفتى محافظا على رزانته و رصانته. لكن هدوؤُه هذا تسبب في ضحك الحضور عليه فقط، فإن لم يقم بردة فعل طبيعية كالخوف من شخص بمستوى جنرال يتقدم نحوه بنظرة حادة كتلك، فهو ليس سوى غبي فقط، و غالبا أعمال الغبي تلاقي ردودا مثل الضحك و الازدراء، لذا ضحك الجميع عليه فقط، و البعض منهم ازدراه على غروره الناتج من غباوته و الذي سينتهي بعد قليل

و أخيرا، وقف القائد تورتش أمام الفتى باسل و نظر إليه بنظرة جدية، كل شخص اعتقد أن القائد تورتش يحدق بالفتى هكذا لغضبه منه و عدم رضاه عن تصرفاته، لكن فجأة، حدث أمر جعل كل ما سبب صدماتهم السابقة يبدو خفيفا على القلب، حتى أن هناك العديد منهم فشلت أرجله و لم يعد يستطيع تمييز الصحيح من الخطأ، أو الواقع من الوهم

أمام أعين الكل، و على عكس توقعاتهم كلها، نزل القائد تورتش على ركبة واحدة مع حفاظه على إحناء رأسه و تكلم بلهجة تصل لأقصى درجات الاحترام "مرحبا بك يا سيدي باسل، لقد بدأنا كما قلت لنا، لكن بما أن أنك أتيت، لما لا تترأس هذا الحدث بنفسك؟ ستكون فرصة جيدة لإعلان هويتك حتى لا تتعرض لمثل هذا الإزعاج مستقبلا"

القائد تورتش بنفسه، الذي وصل لمستوى الجنرال، ساحر المستوى السادس العظيم، بكل إخلاص و احترام، يعامل فتى يناهز الخامسة عشر كما لو أنه سيده المطلق، ماذا يمكن أن يطلق أي شخص على هذا غير 'الجنون'؟

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، حتى بقية القادة الأربع نزلوا و انضموا لقائدهم تورتش في ما يقوم به مع صياحهم "مرحبا بسيدنا باسل"

فجأة، تكونت صورة غير قابلة للتصديق أبدا، خمسة أشخاص بمستوى جنرال منحنين لفتى صغير، يا لها من صورة لا تجدها سوى في حكايات الأساطير ! لم يستطع أي أحد أن يفهم ما يحدث هنا. لكن شخص من الخلف، في البعيد عن مكان الحدث كان قد بدأ يدرك ما الذي يحدث بالضبط

هذا الشخص كان أبهم الذي راودته شكوك وصفها فيما سبق بالمجنونة فصادف أن وجدها حقيقية، و ارتعد جسده كما اهتز كثيرا قبل أن تخرج تلك الكلمات من شفتيه اللتين تلتقيان و تفترقان بسبب الارتعاد مع مرافقة ذلك أصواتُ أسنانه التي تلتقي ببعضها مرارا و تكرارا بسرعة كبيرة

"قاتل الدم القرمزي باسل"

صرخ بهذا الاسم فسمعه من استطاع مسببا لهم بذلك تذكر ما نادى قادة التشكيل به ذلك الفتى، و بسرعة أدركوا و استوعبوا أخيرا، فاتضحت لهم الصورة الكاملة، كما استطاعوا تمييز الواقع من الوهم من جديد

انتشر هذا الاسم من بين الحضور بسرعة الضوء جاعلا كل شخص يرى الصورة جيدا، ففشلت ركاب العديد كما صرخ الجميع بذلك الاسم "قاتل الدم القرمزي باسل ! ؟"

كان صياحهم يمكن سماعه من مئات الأمتار بكل سهولة، مما جعل معقل التشكيل يهتز بالكامل، و كلهم انتظروا شيئا واحدا بعد علمهم الهوية الحقيقية لذلك الفتى، حركة هذا الأخير القادمة

"هذا جيد" كلمتان فقط أتيتا من فمه مخلفتان بذلك آثارا من الفزع في قلوب الجميع، و خصوصا أولئك من عارضوه بوضوح قبل قليل، حتى أن بعضهم قد أراد الهروب بسرعة

فبعد استيعاب حقيقة أن ذلك الفتى هو قاتل الدم القرمزي ذاك، كيف لهم أن يبقوا ساكنين في أماكنهم بعدما خاصموه و أهانوه؟ فقط بتذكرهم لطريقة تعاملهم معه أرادوا الانتحار على أن يواجهوه مرة أخرى بعد اكتشافهم لهويته، لقد كان حقا ذئبا تحت وبر خروف

توترت الأجواء و ازدادت حدة الأوضاع، و أصبح هناك شيئان يطغيان على الجو المحيط، الصدمة من هوية قاتل الدم القرمزي الحقيقية، و الفزع من وجوده بوسطهم، خصوصا رعب أولئك من تعاملوا بشكل سيء

مع أن بعضهم أراد الهرب، فلم يقدر، فقط بوجودهم أمام قاتل الدم القرمزي اهتزت أجسادهم من الخوف. و بعد الصراخ باسمه بشكل مرتفع، حل سكون و هدوء مخيف

في وسط هذا الهدوء، تحركت قدم باسل متوجهة نحو المنصة، فإذا بالجموع يبتعد عن طريقه. تراجعوا أكثر مما فعلوا مع تورتش و حدقوا في الفتى الذي يمر من بينهم. الإشاعات التي انتشرت عن قاتل الدم القرمزي استمرت في الانتقال مع تلقي بعض التضخمات على محتواها كما يحدث لباقي الإشاعات. و بعد إدراك هوية قاتل الدم القرمزي و إيجادها عبارة عن فتى، بث هذا الشيء الرعب فيهم، إن كان قاتل الدم القرمزي ذاك عبارة عن فتى، فلابد من أن هذا الفتى لوحش لينادى بهذا اللقب

تكلم رجل من بين الحضور مبديا عن رأيه "هذا حقا غريب، لم يسبق لنا أن رأينا جنرالا بصغر قادة التشكيل، فما بالك خمسة منهم؟ و الآن يظهر لنا فتى يقال أنه بالمستوى السابع ! قد نكون نجهل عن شيء ما، شيء نموا به لهذه الدرجة"

حدق بعض الأشخاص بهذا الرجل و تمتم واحد منهم بعد رؤيته "إنه ساحِت الرؤوس كوبيكيري، ما الذي يفعله هنا؟ ألم يُشَع عنه رقوده بالسلاسل الجبلية الحلزونية حاليا؟"

تمتم ساحر آخر يبدو في منتصف العمر "معك حق، هذا عجيب، ظهور شخصيات مثله و مثل سولو الساحر الوحيد، و لقد رأيت أيضا صياد قطاع الطرق كيكان يدخل إلى هنا، يبدو أن أن اسم قاتل الدم القرمزي قد انتشر لدرجة جلب اهتمام هؤلاء الأشخاص"

تكلم شخص آخر "بالطبع، فنحن كلنا أتينا بسبب إنجازاته المذهلة و التي لم يسبق لها مثيل، لكننا وجدنا أنه عبارة عن فتى كهذا، لنراقب ما سيفعله"

ركز الجميع أنظارهم على باسل الذي وصل للمنصة و التي صعد فوقها، و كذلك فعل قادة التشكيل ثم وقفوا خلفه من دون تحرك أو إظهار أية مشاعر، كالجندي البسيط الموجود في حضرة جنرال عظيم، كانت أعينهم شاخصة

برؤيتهم، مر برد قارس بين الحضور، ما الذي سيحدث الآن؟


كما كان أبهم في حالة غريبة، بعد كل الصدمات التي تلقاها، لم يعد يعتقد أنه سيصدم هكذا في حياته مستقبلا. أخذ نفسا عميقا و حدق بجدية في جهة المنصة

أخرج باسل مكبر صوت ثم تكلم [يا سادة المتقدمين، كما سمعتم من قائد التشكيل، أنا هو الجنرال الأعلى باسل، رئيس هذا التشكيل، من المؤكد أن صورتي لم تنطبق مع التي كانت بتوقعاتكم و تخيلاتكم. لذا هناك شيء واحد علينا فعله، هناك بعضكم من هم غير راضين، كما أنني أريد اختبار قدراتكم في معركة حقيقية]

استغرب الجميع، كما ابتسم تورتش و بقية القادة، قالت شي يو "إن هذا يذكرني بأول مرة التقينا فيها بسيدنا، ألم يفعل معنا نفس الشيء؟"

تكلم برودي "هاهاها، لا شك في هذا، يبدو أن عدد المختبَرين قد ازداد هذه المرة فقط"

أكمل فانسي "أوليس كذلك عدد المختبِرين؟"

أضاف شينشي "لا شك في هذا"

اكتفى تورتش بالابتسام فقط و تذكر تلك اللحظات الأولى له مع سيده باسل، قام هذا الأخير بتغيير حياتهم تماما، و لا واحد منهم كان يتوقع أنه سيصل لهذا المجد يوما، هكذا سيكون فخرا لعائلته

انتظر الحضور باسل ليكمل و قد فعل [الاختبار بسيط و سهل الاستيعاب، سيكون هناك قتال بين طرفين]

تحمس الحضور، ليس هناك ما هو أفضل من القتال لإثبات قدراتهم، بالنسبة لهم، أي شيء آخر سيكون مزعجا فقط

أكمل باسل مع رفعه لحدة كلامه مهدئا الحضور المتحمس [فقط، سيكون الطرف الأول هو أنتم المتقدمين للاختبار كلكم، أما الطرف الثاني، فسيكون أنا و قادة التشكيل]

صدم الجميع، فبدأ الحديث يدور بينهم "ما الذي يقصده؟ أيريد منا مقاتلته جنبا إلى جنب مع قادة التشكيل؟ كيف لنا أن نهزم سحرة من المستوى السادس؟ هذا مستحيل"


تكلم باسل مكملا شرحه [بالطبع، لن يكون شريطة أن تهزمونا، فقط عليكم النجاة و الحرص على البقاء واقفين من الألف الأخيرة، لقد سبق و أن قال لكم القائد تورتش أن من سيمر من هذا الاختبار ألف فقط، لذا كتوضيح، آخر ألف متبقية و واقف أعضاؤها على أقدامهم، أولئك سيمرون للاختبار الثاني]

تذكر البعض ما قاله تورتش عن هذا، بالفعل قد أشار له، لكن بسبب صدمتهم من التصريحين اللذين سبقاه، فقد نسوه تماما

لكن، أن ينجو ألف فقط من عشرات الآلاف، و في الاختبار الأول فقط ! ما الذي يحاول فعله؟

تحرك باسل اتجاه الكرسي الفاخر الموضوع بوسط المنصة ثم جلس و وضع قدما فوق الأخرى و رفع يده ثم قال أخيرا [حسنا، فلنبدأ الاختبار]

وووش وووش وووش

بمجرد انتهاء باسل، قفزت ثلاث ظلال و انقضت عليه. و في لحظة، تم اعتراض الظلال الثلاثة من ثلاث قادة

كانت الظلال تعود لسولو، كيكان و كوبيكيري. كما كان القادة الثلاثة هم شينشي الذي أوقف سولو، و برودي الذي اعترض كيكان، إضافة لفانسي الذي دافع عن رأس باسل التي استهدفها كوبيكيري محاولا قلعها من مكانها

التقت سيوفهم فخلفت موجات صوتية انتشرت عبر الساحة منقلة بذلك ضراوة مسببيها. و لم ينتهي الأمر عند هذا الحد حتى قام سولو بتفعيل سحره

بام بام بام

حرك سولو سيفه بسرعة كبيرة مع حمله لسحابة مكهربة و ألقى بالسيف على شينشي الذي فعل سحره هو الآخر و دافع بكتلة ثلجية قاسية ثم أخرج منها عدة أشواك استهدفت سولو الذي دافع بسيفه السحابي و بقي مدفوعا حتى أسقِط من على المنصة

تابعا ردة فعل شينشي تجاه سولو، حرك فانسي سيفه بشكل دائري ثم كون من نفسه العديد مشوشا بذلك كيكان الذي حاول قطعه بعدة شفرات مائية، لكن كل محاولاته باءت بالفشل لإصابتها أوهام فقط، و في الأخير تعرض لركلة في وسط بطنه من واحد من العديد من فانسي الذي ظهر من حيث لا يدري فجعله يحلق لأمتار خارج المنصة


أما كوبيكيري، فرفع سيفه للأعلى و صرخ "مضحيا باسمي و دمي و روحي" قطع يده مخرجا بذلك دما و نقشه على الأرضية كاتبا اسمه ثم شحذ به طاقته السحرية و قال صارخا "عندما أناديك تأتي مستجيبا، لا يمكنك العصيان، و إن فعلت لك الموت، اظهر يا أيها الذئب الفضي ذو القرنين"

توهج اسمه المنقوش بدمه فظهر من الأرضية ذئب فضي ضخم بقرنين. تفاجأ الحضور أجمع فتمتم واحد منه "إنه ملك الذئاب الفضية، إنه بالمستوى الخامس بالفعل، هل وصل كوبيكيري للمستوى الخامس بالفعل؟"

في الحال أسرع برودي في تفعيل سحره و سحب سيفه السحري للخلف ثم استعد لأي تحرك مع شحذه المستمر لطاقته

تكلم كوبيكيري بلهجة متأمرة "هشم جسده"

انطلق الذئب الفضي الذي كان بطول المترين و ارتفاع متر، كان حضوره مهيمن مع حركات سريعة للغاية، و في لحظة من اندفاعه كان قد وصل أمام برودي

فتح فمه و ظهرت أنيابه الحادة، و التي بدا كما لو أنها بإمكانها تهشيم الحديد كقطعة من الورق. لذا كردة فعل و دفاع عن نفسه، قام برودي و بإطلاق الطاقة التي شحذها مرة واحدة

زووش

بتوجيه سيفه نحو الذئب كما لو أنه يحاول اختراقه به، امتد حفار جليدي و استهدف جمجمة الذئب الفضي بسرعة دوران كبيرة. كان هذا الحفار مدهشا للغاية ترك القشعريرة تصعد مع ظهور الكثيرين، جعلهم يفكرون في الانسحاب من الآن، أو على الأقل الحرص على عدم مواجهته

أما الذئب الفضي، ففعل طاقته السحرية و قفز في اتجاه الحفار ثم وجه جبهته التي تحمل قرنين فضيين، واحد طويل و ضخم حيث وصل طوله لثلاثين سنتمترا، و الآخر بنصف حجم الأول

في مواجهة الحفار، تكهرب قرني الذئب الفضي فتكونت صاعقة و أحاطت بجسد الذئب الفضي بالكامل مع تركيز قوة أكثر بالقرنين و تلاحم بالحفار الجليدي


ززن

حدث احتكاك شديد جعل آذان الحاضرين تُصَمّ للحظات قبل أن يتعادل الطرفين كنهاية فانفجر الحفار و ارتد جسد الذئب الفضي للخلف

لكن في هذه اللحظات، ظهر بسرعة خاطفة كوبيكيري خلف برودي و لوح بسيفه نحو رقبته بكل ما يملك من قوة. مما جعل برودي يسرع و يلتف دائريا في السماء مكونا قوة دفع بعد مراوغته للسيف و ركل كوبيكيري جاعلا إياه يلتقي بوحشه المستدعى و إنزالهما بذلك من على المنصة تابعين سولو و كيكان

في لحظة، كانت المنصة قد تحولت لحلبة قتال بين ثلاثة ضد ثلاثة، لكنها عادت لكونها منصة بسرعة بعد أن قام قادة التشكيل الثلاثة بإسقاط المهاجمين الثلاثة بقوة طاغية جعلت الكل يصبح مرغما على تصديق إمكانياتهم

بقي الكل فاتح لفمه، لقد حدث هذا بسرعة كبيرة جدا، لم يستطيعوا تتبع القتالات كلها مرة واحدة، مشاهدة قتال واحد كان كل ما يستطيعون فعله، و بعد انتهاء الأول، التفوا ليروا ماذا حدث في القتالين الآخرين فوجدوهما قد انتهيا

كانت ثلاث تلاحمات بسيطة لكنها كانت مدهشة جدا، ثلاث مواهب مدهشة ضد ثلاث أخرى بنفس القدر من الموهبة، يا لها من بداية لمعركة جنونية ! شعر الكثير بعدم وجود مكان لهم في التشكيل بعدما شاهدوا هذه القتالات القصيرة، لو كانت هذه مجرد مقدمة ! ماذا عساه أن يكون القتال الحقيقي؟

وقف الثلاثة و حدقوا بالمنصة التي بالأعلى بعدما أُنزِلوا للأسفل و ابتسم كل واحد منهم، كما لو أنهم يستمتعون بما يحدث، و بغرابة، كلهم نطقوا في نفس الوقت بنفس الجملة

"لقد كان من الجدير المجيء إلى هنا"

كانت ابتسامة سولو خالية من المشاعر، لم تكن عريضة و إنما ضيقة للغاية، كما لو أنها خرجت رغما عنه فقط. كما كانت ابتسامة كيكان مشرقة و طبيعية، لكنها نبعت من غرائز قاتلة، أما الخاصة بكوبيكيري فكانت تحمل معها نية قتل مخيفة

بعدما جلب الثلاثة الأنظار، سُمِعت تصفيقات من المنصة التي وجه الجميع نظرهم إليها ليجدوا يدي باسل هي المسؤولة عن ذلك. كما تكلم باسل بعد ذلك بابتسامة متكلفة "جيد، جيد جدا، هذا ما يجب أن يكون عليه البقية أيضا، تعلموا منهم، فهؤلاء الثلاثة هم من فهموا ما أتكلم عنه جيدا، عندما أقول لنبدأ الاختبار، فلا تحدقوا بي، لكن قوموا بما فعله هؤلاء، سأضيف شرطا آخر، من لم يتحرك سيتجه إليه قائد من التشكيل بنفسه، لذا أنصحك إن كنت تملك قدمين، فاحرص على استخدامهما، عدم استخدام أفضليات و ميزات مملوكة بالرغم من

احتياجك لها عبارة عن شيء غبي فقط"

بقي الجميع يشاهد و بعدما استمعوا بحذر، دهشوا بقفز أربع قادة مرة واحدة من على المنصة و أحاطوا بهذه الأخيرة بجميع جهاتها، و تبقت فقط شي يو بجانب باسل الجالس على الكرسي الفاخر منتظرا


بدا قادة التشكيل الأربع كما لو أنهم جنرالات يحمون الملك الذي يتربع على عرشه بقلعته، و الآن بوقوفهم في الساحة و تطبيقهم لضغطهم على الحضور، اهتزت ركاب الكثيرين و سقطوا على الأرض

تكلم باسل بعبوس "ألم تسمعوا ما قلت؟"

استغرب الكثير فأكمل باسل "لقد قلت حركوا مؤخراتكم إن لم تفهموا بالطريقة الطبيعية"

ووش ووش ووش ووش

تحرك القادة الأربع في الجهات الأربع و استهدفوا أي شخص يقف من دون أن يتحرك، و في لحظة، اندلعت فوضى عارمة في الساحة بأكملها، أصبح هناك هاربون و مواجهون، كما كان هناك أشخاص لا زالوا غير قادرين على التحرك من شدة رعبهم

هؤلاء، كانوا أول من استهدفهم قادة التشكيل الأربعة و جعلوهم غير قادرين على التحرك حقا بجعلهم يفقدون الوعي

أما باسل، فوقف بمكانه و ابتسم بينما يقول "حسنا، لما لا نستمتع نحن الأربعة قليلا، أليس كذلك أيها السادة؟"

تكلم باسل موجها كلامه لثلاث أشخاص صعدوا للمنصة. بعدما شرع قادة التشكيل في تصفية المتقدمين الذين لا يتحركون، أصبح طريق أولئك الثلاثة نحو باسل خاليا تماما، فكيف لهم أن يفوتوا مثل هذه الفرصة بعدما ظهرت؟

بعدما تكلم باسل مخاطبا إياهم، تكلم كيكان "لقد سمعت بليلة التطهير التي قمت بها، لذا أتيت لأرى ما معدنك، أتمنى ألا تخيب أملي"

كما قال كوبيكيري "إنهم يسمونك قاتل الدم القرمزي، أتمنى أن تكون أهلا للقبك"

أما سولو، فقد حافظ على هدوئه من دون التكلم، و بدل ذلك بدأ يشحذ طاقته السحرية، و فعل الاثنين الآخران نفس الشيء تباعا له

قال باسل بعدما وجه يده نحوهم "لديكم أسباب مختلفة، لكنها تشترك في هدف واحد، اهتمامكم بي"

أخذ باسل وضعية قتال غريبة، وقف بشكل مستقيم من دون أن يحدث أي اعوجاج بجسده و رفع يديه، اليد اليمنى أعلى بقليل من اليسرى، لكنهما اتخذا نفس الشكل. حرّك أصابع يده الأربعة مشيرا بذلك للثلاثة ليأتوا مع قوله "أنا مستعد كليا لكم، فلتقوموا بأفضل ما لديكم، هكذا ستكونون قادرين على الخروج بأقل قدر ممكن من العظام المكسورة"

عبس الثلاثة فتحرك كيكان أولا بسرعة خاطفة و وصل سريعا أمام باسل ثم لوح بسيفه الذي جلب معه عدة سيوف مائية حادة يمكنها تقطيع الحديد بكل سهولة. عندما كان السيف متوجها، كان يحيط به عدة نسخ مائية من الأعلى و الأسفل، كما كان السيف السحري نفسه محاطا بعنصر الماء الذي تشكل كماء فعلي و دار بشكل مخيف حتى أن سرعة دورانه كانت تسمع من بعيد، كان الماء المحيط بالسيف ذو حجم رقيق للغاية و بدورانه اجتمعت الرياح حول السيف


أصبح مدى السيف المحاط بعدة نسخ مائية منه يستطيع قتل عدة وحوش سحرية في تلويح واحد و المرور عبر الحوائط كأنها قطعة من الورق

في مواجهة الهجوم الآتي من جانبه الأيمن، تحرك باسل بسرعة خاطفة للأمام قليلا عن طريق تنفيذه لخطوات خفيفة محاولا صنع مسافة أطول بينه و بين السيف السحري ثم ركل جنب كيكان الأيمن بشكل خلفي جاعلا إياه يفقد التوازن

كان يبدو الأمر من الوهلة الأولى شيئا بسيطا، لكن عند تحليله، ستجد أن ساحرا من المستوى السابع و لن يكون بمقدرته التحرك بمثل هذه السرعة و تجنب هاته الهجمة القريبة منه هكذا، و لم يقتصر الأمر على التجنب فقط، بل مواصلة التحرك بهجوم مضاد جعل هجمة العدو عديمة النفع

مع ضرب جنب كيكان، انتقلت صدمة الضربة عبر جسده بالكامل جاعلة إياه يتراجع لبضعة أمتار

تكلم باسل بعدما أعاد وقوفه على نفس الوضعية التي اتخذها بالأول "الخطوة الأولى : قيادة الرياح"

شهق و زفر باسل بشكل متواصل. حدق فيه كيكان و الآخران بشكل مستعجب، ما الذي فعله قبل قليل؟ لقد كانت خطواته غريبة للغاية، لم يفهموا ما حدث بالضبط ! لقد بدا كما لو أن رجليه قد انزلقتا مع الرياح، كما لو أن رجليه لم تتعرضا لأي مقاومة من الرياح التي تنتجها سرعة تحركه

لكن بما أنهما لم يفهما لم يفكرا في الأمر أكثر. قام سولو الذي كان أول من شحذ طاقته السحرية برفع سيفه للأعلى ثم نزل به من دون أن يخرج حرفا واحدا

وووش

مع نزول السيف السحري، نزلت سحابة تحمل خاصيتين، الصوت و البرق، قام الصوت بفرقعات مدوية بالهواء، معطية المجال للعقل ليتخيل ماذا سيحدث لو أصيب أي شخص بسحابة مثل هذه ! سوف يتعرض جسمه لصدمات صوتية تجعل أعضاءه من الداخل تنفجر. لكن هذه السحابة جلبت معها برقا أيضا، مما زاد من الأمر خطورة، قد لا يكون البرق الذي تكونه هذه السحابة بقوة الخاص بساحر البرق، لكنه مع ذلك كاف لشوي أي شخص لم يدافع عن نفسه بشكل جيد


في مواجهة السحابة الطويلة و التي توجهت من الأعلى للأسفل بسرعة كبيرة - بنفس سرعة سولو في إنزال سيفه – لم يفعل باسل أي شيء حتى شارفت السحابة على ضربه، في لحظة، اختفى باسل من أمام ناظر سولو ليجده بعد ذلك خلف ظهره

"الخطوة الثانية : ركوب الرياح" تمتم باسل ثم ركل سولو بركلة خلفية مرة أخرى في وسط ظهر سولو جاعلا إياه يبتعد لعدة أمتار كما حدث لكيكان

دهش الثلاثة مرة أخرى، كيف يفعل هذا بالضبط؟ إنها ليست فقط السرعة، بواسطة هذه الأخيرة فقط لن يكون كافيا لمراوغة هجوم عن بعد مليمترات فقط، سيكون هذا مستحيلا، لكن مع ذلك قام باسل بمراوغة هجوم سولو في آخر لحظة قبل الاصطدام و ليس هذا فقط، بل حتى أنه قطع كل تلك الأمتار من دون أن يلاحظ بشكل جيد

التقت السحابة بالأرض فانفجرت بصوت مدو تاركة آثار حرق، لو لم تكن المنصة مدعومة بسحر من المستوى السابع لظهرت حفرة عميقة في وسطها. قوة الصوت و حرارة البرق، هذان الاثنان معا كافيان ليحدثا حفرة عميقة في وسط الأرض إن تم تنفيذهما عن طريق هجمة بهذه القوة، ناهيك عن سرعة السحابة التي حملت هاتين القوتين، مما يجعل مثل هذا الهجوم صعب تجنبه و مستحيل الخروج بجسد سالم بعد تلقيه لو لم يكن هناك وسيلة دفاع جيدة

لكن باسل راوغ هذا الهجوم بكل بساطة، و هذا الأمر جعل الثلاثة يصدمون تماما، فهو لم يستخدم أي سحر، لكنه مع ذلك كان قادرا على التحرك بمثل هذه الخفة حتى أنهم لم يستطيعوا تتبعه بعيونهم، بدت هذه المرة قدماه كما لو أنها استطاعت ضرب الهواء و القفز لمسافات بعيدة بخطوة واحدة

لكنها في الحقيقة لم تضرب الهواء، و إنما جعل باسل الرياح التي تنتجها سرعة تحركه تساعده بدلا من أن تحد من حركته، كما لو أنه يركبها. عند تحرك أي شخص يصطدم برياح نتيجة لذلك، و هذه الرياح تزداد شدتها كلما زادت سرعة التحرك، لكن بدا كما لو أن باسل باستطاعته ركوب هذه الرياح و جعلها تزيد من سرعته بدل إنقاصها، لذا بدا كما لو أنه يركل الهواء

تباعا لهجوم سولو، أمرَ كوبيكيري الذئب الفضي الذي توجه نحو باسل مع تفعيله لسحر البرق و بدأ يطلق شرارات برقية نحو عدوه بالفعل قبل أن يستهدف باسل بقرنيه

مرة أخرى، اختفى باسل و ظهر خلف الذئب الفضي ثم لوح برجله راكلا إياه بشكل خلفي. ضُرِب الذئب الفضي بجنبه الأيسر فحلق لأمتار هو الآخر بينما يصرخ من الألم


لكن بمجرد ما أن ركل باسل الذئب الفضي حتى وجد سيفا سحريا يتكهرب قليلا يستهدف رقبته. في هذه اللحظة، اعتقد كوبيكيري أنه قد أنهى أمر باسل تماما و لا شك في هذا، فهو بدأ يرى التقاء سيفه السحري برقبة باسل

و في لحظة

ووش

بام


"الخطوة الثالثة : مواكبة الرياح" تكلم باسل بهذا بعدما ضرب ظهر كوبيكيري بركلة خلفية و جعله ينضم للذئب الفضي

هذه المرة، صعق الثلاثة كليا، هذا مستحيل تماما، لقد شاهدوا السيف يبدأ بلمس رقبته بلا شك، لم يعد هناك أي مجال للمراوغة بتلك اللحظة، و مع ذلك، كان باسل قادرا على الانسلال و ركل العدو مرة أخرى

لم يسع الثلاثة سوى التحديق به بغرابة كبيرة و لم يعد بإمكانهم معرفة ماذا يفعلون بعد الآن، فمحاولاتهم كلها كانت من دون فائدة. و الأكثر إدهاشا في الأمر هو قدرة باسل على مراوغة هجماتهم مع ردها في نفس الوقت بدون استخدام و لو قدر قليل من الطاقة السحرية

في الحركة الأخيرة، كان باسل قادرا على كسر جميع مفاهيمهم التي اكتسبوها من خبراتهم القتالية، ففي المرة الأخيرة، لم يستطيعوا رؤية أي شيء أبدا، لا الظاهر و لا الخفي

ابتسم باسل ثم قال بداخله "أتفهم صدماتهم تلك، فعند إتقاني لهذا الفن كليا البارحة، لم يعد بإمكاني منع نفسي من الشعور بنشوة لا توصف"


كان باسل قادرا على التحرك بهذا الشكل بسبب تنفيذه لفن قتالي كان يتعلمه طوال سنتين تقريبا باستمرار، لكنه لعدم وصول جسده للمستوى المطلوب، لم يكن باستطاعته إتقانه مهما حاول. لكن بعد الحرب، و بدءه التدرب من جديد، وجد نفسه قد تطور كثيرا عما سبق، و جسده وصل للمستوى المطلوب

أخبره معلمه فيما سبق أن يتدرب باستمرار و من دون توقف على هذا الفن القتالي الذي علمه إياه حتى لو لم يكن باستطاعته إتقانه حاليا، فعلى الأغلب سيكون بإمكانه فعل ذلك بعدما يصل لقمة المستوى السابع

لكن بسبب التطورات الغير متوقعة التي حدثت لباسل، كان جسده قادرا على الوصول للمستوى المطلوب بشكل أسرع و أتقن الفن القتالي كليا، و البارحة فقط كان قد أكمله تماما، لذا هذه أول مرة يستخدمه في معركة حقيقية

سبب عدم فهم الثلاثة لما يحدث بسيط، هذا الفن القتالي غير موجود بهذا العالم أبدا، فباسل الذي تدرب على الفنون القتالية منذ صغره، تفاجأ بالفرق الشاسع بين الفنون القتالية التي هنا و هذا الفن القتالي الذي علمه معلمه له

كانت ذاكرة باسل جيدة للغاية، حتى أنه يتذكر أبسط التفاصيل و يراها بذاكرته كما لو أنها صورة أمام عينيه، و هذا الأمر ساعده كثيرا في حل الألغاز و الأحجيات، إضافة للفنون القتالية التي كان يستطيع تنفيذها بمجرد المحاولة لمرات قليلة فقط لحمله صورة الحركة في ذاكرته بكل وضوح

و مع ذلك، كان إتقان هذا الفن أمر صعب للغاية، فقد مرت تقريبا سنتين على أول مرة بدأ يتعلمه فيها، و النتائج التي تحصل عليها باسل من ذلك أخيرا جعلته يتجاوز مزاجه المعكر بسبب ما حدث في الأيام الأخيرة و يرجع له مزاجه الجيد مرة أخرى

سمع باسل من معلمه أن هذا الفن القتالي مجرد فرع صغير جدا من جزء بسيط من واحد من الفنون السامية الأربعة عشر. مما جعل باسل يتساءل عن مدى قوة الفنون السامية الأربعة عشر إن كان مجرد فرع صغير جدا منها يحمل معه كل هذه الإمكانيات

و بالطبع، الفنون السامية الأربعة عشر شيء لن يستطيع فهمه و لا استيعابه حاليا، فما بالك بتعلمه و إتقانه؟ من بين السحرة الروحيين، من يستطيع استخدام جزء بسيط من الفنون السامية الأربعة عشر يكون بمقدوره ذبح سحرة روحيين أرفع منه في المستوى حتى. فقط بإدراكه لجزء بسيط يهابه الجميع و يصبح في مكانة خبير فنون سامي

الآن، أتقن باسل مجرد فرع صغير جدا من جزء بسيط من فن سامي، و مع ذلك، هذا الفرع الصغير جدا باستطاعته أن يكون ذو فائدة عظيمة في مواجهة سحرة، فكما حدث ضد الثلاثة، كان باسل قادرا على مراوغة هجماتهم ببساطة مع ردها بشكل غريب، لا يعرفون متى و كيف راوغ أو من أين رد الهجوم

ابتسم باسل و أحس بشعور مرضٍ للغاية، لقد أثمرت جهوده أخيرا، كم كان من المرهق الاستمرار لأكثر من سنة و نصف في التدرب على فن قتالي لا يمكنه رؤية صورة مستقبلية لإتقانه إياه

اتخذ وضعية القتال مرة أخرى و تكلم مخاطبا الثلاثة "هذه المرة لن أدافع فقط و أرد الهجوم"

عبس الثلاثة و أغلقوا جميع ثغراتهم الدفاعية و رفعوا من حذرهم لأقصاه مع قيامهم بالمثل لحواسهم

مع حفاظه على ابتسامته على وجهه، قال باسل بداخله "الفنون السامية ! لقد أثارت اهتمامي الآن، فقط هذا الفرع الصغير جدا بهذا المستوى ! يا له أمر مثير للاهتمام، يا له أمر يجعل فضولي يغلي"

كان هذا الفرع الصغير جدا عبارة عن فن قتالي أصله من فن سامي، و بناء على كلام معلمه، علم باسل أن اسم هذا الفن القتالي كان 'خطوات الرياح الخفيفة'

شحذ الثلاثة سحرهم في انتظار باسل ليتحرك بينما قطرات التوتر تنزل على وجناتهم. ليس هناك ما هو أكثر إخافة من المجهول، قد لا يكون باسل حاليا يبدو لهم بذلك التهديد، لكن مع ذلك، عدم معرفتهم بما يفعله جعلهم حذرين للغاية، من يضمن لهم أن تلك التحركات الغريبة التي يقوم بها لن تكون سببا في خسارتهم؟

في الجانب الآخر، شهق باسل و زفر عدة مرات، حتى رتب دورته التنفسية و أصبحت كالنسيم العليل، هادئة للغاية، و بدى باسل الذي ينفذها مرتاحا للغاية

في لحظة، زفر باسل كما انطلق كشعاع ضوء و انزلق مع الرياح فركبها ثم واكب سرعتها. لم يعرف الثلاثة ما حدث بالضبط حتى وجدوا أنفسهم قد ركلوا مرة واحدة من الخلف، و هذه المرة لم يسلموا ببضع كدمات، هذه المرة سمعوا عظامهم قد بدأت تكسر

هذه المرة، لم تكن سرعة باسل تقارن بما سبقها من سرعة أبدا. و السبب كان في خطوات الرياح الخفيفة التي نفذها. لم يقتصر باسل في تحركه هذه المرة على خطوة واحدة، بل قام بجمع الثلاث خطوات مرة واحدة و جمعها في تقنية مشتركة

"خطوات الرياح الخفيفة"

باجتماع الخطوات الثلاث - قيادة الرياح، ركوب الرياح، مواكبة الرياح – يتم خلق الفن القتالي خطوات الرياح الخفيفة. قام باسل سابقا بتنفيذ كل خطوة على حدة، لذا عندما قام بتنفيذها كلها مرة واحدة في تحركه، تفاجأ كثيرا الثلاثة سولو، كيكان، و كوبيكيري


لم يتوقف باسل عن هجومه، فهذه المرة أصبح هو المهاجم و الثلاثة هم المدافعين، لكن اختلفت حالتاهما، فباسل قد نجح في دفاعه، لكن الثلاثة لم يستطيعوا و تعرضوا لركلات باسل الذي يختفي و يظهر بسبب سرعته الهائلة و التي لا يستطيعون تتبعها بأعينهم

استخدم الثلاثة سحرهم و رموا باسل بهجماتهم، اتجهت سحب محاصرة طريقه لكنه انسل من بينها قبل أن تغلق جميع منافذ هروبه، فاعترض طريقه الذئب الفضي الذي نوى اختراقه بقرنيه مع تنفيذه لعدة صعقات برقية كالتي قام بها مستدعيه كوبيكيري من خلف باسل، و مع ذلك، استطاع باسل الهرب من هجمات كوبيكيري عن طريق فتح طريقه بإبعاد الذئب الفضي عنها بواسطة ركلة جعلت أضلاع الذئب الفضي تتحطم ليصرخ بشكل مزري، و من حيث لا يتوقع، هطلت عليه رماح و أسهم من الماء وصل عددها للعشرات من السماء مع مواجهته لسيف كيكان الذي نوى اختراق حنجرته، لكن باسل قام ببساطة كما بدى للثلاثة بمراوغة الرماح و الأسهم كلها إضافة لسيف كيكان السحري و المعزز بعنصر الماء

راوغ باسل جميع هجماتهم من دون استثناء و لم تستطع و لا واحدة منهن إصابته، كان ينزلق من هجماتهم كما لو أنه الرياح، و كان ينطلق لمهاجمتهم كالرياح، ثم يركلهم بمساعدة من الرياح

الثلاثة الذين لم يعودوا يفهمون ما يحدث، بدؤوا بالاعتقاد أن بنية باسل الجسدية تصل لمستوى خارق، و إلا لن يكون قادرا على التحرك هكذا من دون استخدام أي سحر. و مثل هذا الشيء جعل قلوبهم تهتز، لو كانت له مثل هذه البنية الجسدية، فما مستواه إذا؟ هل هو حقا بالمستوى السابع فقط كما سمعوا من الإشاعات، هل هذه الأخيرة كانت تقلل من شأنه بدل رفعه؟

حتى الآن، لم يبدو على باسل أي تعب على الإطلاق، لكن في الجهة الأخرى، كان الثلاثة مرهقون للغاية. لكنهم مع ذلك لم يستسلموا و استمروا في كفاحهم. لم يستطيعوا معرفة ما يحدث ! فَـفَجأة، بدأ هذا الفتى الصغير يبدو لهم كجبل لا تُرى قمته لهم مهما حاولوا تسلقه

كان باسل يستمتع بالقتال في الحقيقة، فلقد أتى قتال مناسب ليتدرب في معركة حقيقية على هذا الفن القتالي المذهل، لذا كان مزاجه جيدا للغاية، و على عكسه، لهث الثلاثة و تنفسوا بصعوبة

استمر باسل في تحركاته بخطواته الخفيفة كاسرا عظام الثلاثة

في هذه الأثناء، كان قادة التشكيل قد أخرجوا الكثير من الاختبار و قل عدد المشتركين من عشرات الآلاف للآلاف، هناك من لم يستطع التحرك فوجد نفسه غير قادر على ذلك حقا بفقدانه الوعي، و هناك هرب فصادف قادة التشكيل في طريقه، و هناك من امتلك الشجاعة فقاتل لكنه لم يمتلك الإمكانيات ليصمد طوال هذه المدة أمام قادة التشكيل


لم يتبقى سوى خمسة آلاف، و لم يتبقى الآن سوى المقاتلون، كلهم كانوا في حالة يرثى لها، حتى لو اجتمعوا كلهم على أربعة من سحرة بالمستوى السادس فلن يكون بمقدورهم هزيمتهم، فغالبهم كان بالمستوى الثالث، كما كان هناك بعض الموهوبين النادرين بالمستوى الرابع، و هؤلاء، بعددهم هذا، لا زال أربعة جنرالات فوق قدر تحملهم

استخدم قادة التشكيل الأربعة سحرهم، فاحترق البعض، و تجمد الآخر، كما صرخ الآخر من الرعب، اختلفت طرق معاناتهم، لكنهم جميعا انتهوا بتلقي الهزيمة مهما كانت الطريقة

كان فانسي يتلاعب بالمتقدمين و يفقدهم الوعي بضربات منه، كما قطع برودي الأعداء بشفرات جليدية، و دفن شينشي البعض بكتل جلدية ساحقا إياهم، ثم حرق تورتش كل من يقترب منه أو من لا يتحرك. لم يكن هناك من هو قادر على مجاراتهم لوقت طويل أبدا

أولئك الثلاثة الذين يقاتلهم باسل كانوا أقوى المتقدمين للاختبار، و مع ذلك، لم يصمدوا أمامه من دون استخدامه للسحر حتى، هناك بعض الأشخاص قد شاهدوا مثل هذا الأمر المجنون و فقدوا الرغبة في القتال تماما، فتوقفوا ليجدوا قادة التشكيل ينهونهم تماما

و فوق المنصة، استهلك الثلاثة قدرة تحملهم بالكامل، و فرغت طاقتهم السحرية، و لم يعد أمامهم أي خيار آخر غير قبول مصيرهم و تحمل تكسر بعض العظام الأخرى

ابتسم باسل ثم قال "لقد كنتم أولاء فائدة حقا، افرحوا، لقد اجتزتم الاختبار"

استغربوا فالتفوا ليجدوا شي يو قد تقدمت إلى أمام المنصة ثم تكلمت عبر مكبر الصوت "لقد انتهى الاختبار الأول، الألف المتبقية ستمر للاختبار الثاني"

توقف الجميع عندها عن التحرك، و لا يهم إن كان متقدما قد نجح في الختبار الأول أم لا، كلهم سقطوا على الأرض من شدة الإرهاق


أما الثلاثة الذين قاتلوا بالمنصة، استهجنوا بعد كلام باسل و سقطوا غائبين عن الوعي، لقد استنزفوا طاقتهم السحرية بالكامل في محاولة إصابة باسل، و مع ذلك لم ينجح هذا معهم أبدا و خرجوا من دون الحصول على نتيجة بذلك

اقترب باسل من شي يو ثم تكلم "حسنا، هل وجدنا بعض المواهب؟"

ابتسمت شي يو و أجابت "نعم يا سيدي، لقد حرصت على اختيارهم طبقا للمواصفات التي قلتها لي"

ابتسم باسل ثم قال "كما هو متوقع منك يا شي يو، ليس هناك أحد آخر قد أعتمد عليه في هذا غيرك"

خجلت شي يو من كلام باسل، فكلامها معه بطريقة مناسبة و صحيحة فقط لأمر مدهش، و بمدحها من طرف باسل، بدأت تتوتر مرة أخرى

تكلم باسل بعد مشاهدته لهذا الأمر "حسنا، لما لا تخبريهم بما أنك بدأت الكلام بالفعل؟"

شي يو التي كانت ستدخل في حالة من التوتر، هدأت من نفسها ثم حدقت في باسل و قالت بابتسامة "حسنا يا سيدي"

تكلمت عبر مكبر الصوت من جديد "لقد من الاختبار ألف بالفعل، لكن لم يقصى كل من لم يتجاوزه، سأختار البعض منكم من تأهل في اختبار خفي"


"اختبار خفي؟" استغرب الجميع كما فرح أكثرهم. لم يتجاوزا الاختبار الفعلي لكن من كان يعلم أن هناك اختبارا خفيا في الحقيقة، هذا الأمر جعل الذين لم يتأهلوا في الاختبار الفعلي يفرحون لأن فرصة قد ظهرت أمام أعينهم، و الآن كل ما عيهم فعله هو تمني أن يكونوا من بين المختارين الذين تم اقتناءهم

نزلت شي يو من على المنصة ثم مرت من بين الجموع بينما تشير بأصابعها لبعضهم لينضموا لجانب الألف التي مرت، فرح الكثير بما أنهم تم اختيارهم، كما تم تخييب أمل الأكثر مرة أخرى

كانت شي يو صاحبة موهبة في كشف المواهب، إضافة لاستراتيجيات الحروب، و خطط للهجوم و الدفاع، و شخص مثلها، كان قوة الذاكرة شيء من اختصاصها، لذا ترك باسل لها مثل هذه المهمة الهامة لثقته بها

اختارت شي يو العشرات من الآلاف، لذا المجموعة المحظوظة كانت قليلة العدد مقارنة بعدد المتقدمين، لكن لم يكن هناك أي شكاوي من أي شخص أبدا

بدأ المتقدمين في التراجع محاولين الخروج من المعقل بعدما انتهى عملهم

لكن قبل فعلهم لذلك، صرخ باسل بمكبر الصوت جاعلا إياهم يتوقفون في أماكنهم "سأمنحكم فرصة" قفز باسل من المنصة و نزل على الأرض ثم ابتسم و قال بغرور "قاتلوني، أنا لوحدي، و أنتم كلكم ضدي، و إن فعلتم، سأفكر في منح البعض منكم فرصة أخرى"

لم يصدق أي أحد من الغير متأهلين ما سمعوه، و ليس هم فقط، بل جميع الأشخاص الموجودين هنا غير قادة التشكيل

ألا يعلم أن هناك عشرات الآلاف منهم هنا؟ قد يكونون مرهقين، و بعضهم لم يعد قادرا على التحرك جيدا حتى، لكن مع ذلك، إنهم عشرات الآلاف، هذا أمر مثير للسخرية


تكلم باسل "سترافقونني في متعتي بما أنني في مزاج جيد أم ستحرمونني منها؟ الخيار لكم، كلانا سيفقد شيئا إن لم تقبلوا، أنتم ستنزلق الفرصة التي قلت أنني سأعطيها لكم، و أنا لن أستمر في التمتع أكثر، لذا الخيار الأفضل واضح وضوح تلك الشمس في الأعلى"

حدق الغير متأهلين في بعضهم البعض و ظهرت ابتسامة عريضة على وجه كل واحد منهم كما احمرت أعينهم، فأزال الذي يحمل أحدا آخر هذا الأخير عنه و تركه يحمل نفسه، فالآن، لن يكون هناك أي رحمة في قلوبهم، أمامهم فرصة ليتلقوا مجدا عظيما و ثروة ضخمة، من سيتذكر أحدا آخر في هذه الأزمة؟

في الحال، صرخ الغير متأهلين و الذين وصل عددهم لعشرات الآلاف و انطلقوا نحو باسل كوحوش جائعة أمامها الوجبة الوحيدة و التي ستكفيهم جميعا، فقط السطح الخارجي لهذه الوجبة له مذاق خاص، و كذلك كان فهم الغير متأهلين للأمر، فهم تسابقوا بفكرة أنهم إن استطاعوا هزيمة باسل أولا فسيتذكرهم و يجعلهم و من الذين سيعطيهم فرصة أخرى

لذا تحول الأمر لسباق مفجع، من لم يستطع التحرك لعن حظه و تمنى لو أن لديه القوة ليجري فقط

بدأت الآلاف تقترب من باسل كما ارتفعت صرخاتهم و كانوا كمقاتلين يحاولون استرداد حق مسلوب منهم، كما لو أن أمامهم قاتل أبوهم، لم يعد أحد يهتم بالآخر. ركزت أعينهم على باسل فقط من دون أن تتشتت نظراتها باتجاه آخر

في مواجهة الأعداد المهولة، تحرك باسل بخفة خارقة و مر من بينهم كالرياح التي تأتي و تذهب مخلفة وراءها آثارا عظيمة مخبرة مشاهدها بما حدث من مشاهد فظيعة. إنه يستمر في التطور باستخدام الفن القتالي، كلما استعمله أكثر كلما استطاع فهم عمقه أكثر، تحركت أذرعه و أرجله في اتجاهات مختلفة و كل ضربة منه جعلت العشرات يقذفون بعيدا

ببنيته الجسدية التي تخطت المستوى السابع بالفعل، و سرعته التي أنتجها بانطلاقته إضافة للفن القتالي خطوات الرياح الخفيفة، كانت كل لكمة أو ركلة منه تستطيع صنع رياح ضاغطة من شدة قوتها مخترقة بذلك صفوف المئات ثم الآلاف

استخدم خصوم باسل سحرهم كلهم مرة واحدة، سحر التحول، الماء، الرياح، الوهم، السحاب، الأرض، الضوء، الظلام، البرق، الاستدعاء، النار، إضافة للأسحار التي تعتبر كعنصر ثانوي كسحر الجليد و سحر الثلج، فهما عنصران ثانويان لعنصر الماء، و سحر العقل كعنصر ثانوي لعنصر الوهم

كان هناك أربعة عشر سحر أساسي بهذا العالم، كما كان هناك بعض عناصر السحر التي ظهر مع مرور الوقت و الزمن عناصر ثانوية لها، كالماء، مع تطور سحرة هذا العالم على مر العصور، أصبح هناك أشخاص يظهر لديهم عنصر الماء على شكل جليد، و آخرون يظهر لهم على شكل ثلج، و هذا أيضا حدث لسحر الوهم الذي ظهر منه عنصر العقل كعنصر ثانوي له

تعرض باسل لهجمات من جميع أنواع السحر إلا ثلاثة، سحر العلاج و الذي يمكن توظيفه في استهداف نقط الخصم الأصلية و جعلها تعاني، مع حمل مستخدمه لميزة تركيز عنصر العلاج على جسمه ثم القتال و علاج الجروح بنفس الوقت، سحر العلاج هذا كان نادرا أيضا لكنه لم يصل لندرة عنصر التعزيز

و أيضا سحر التعزيز النادر جدا، ليس هناك سوى عشرات قليلة في كل عدة أجيال، إضافة لسحر الدمار، و الذي يكاد يكون غير موجود حتى، لم يظهر لآلاف السنين حتى الآن أي شخص يحمل معه هذا العنصر الذي يعتبر أقوى عنصر سحري بهذا العالم

طالما لم يظهر هذا العنصر السحري، يكون عنصر التعزيز دائما يحتل القمة، لكن عنصر التعزيز لا يحتلها مع حفاظه على مسافة بعيدة عن بعض عناصر السحر الأخرى كما يفعل عنصر الدمار الذي عندما يظهر يجعل باقي عناصر السحر الأخرى كلها تحت سيطرته، و يبقى عنصر التعزيز هو العنصر الوحيد القادر على مواجهته قليلا

الآن، كان باسل يتعرض لهجمات من أحد عشرة سحر أساسي، اثنان منهم لهما عناصر ثانوية، مما جعلهم أربعة عشر عنصر سحري

و مع ذلك، في مواجهة بنيته الجسدية التي تخطت المستوى السابع بالفعل، لم تأثر فيه غالب تلك الهجمات، و التي بدت أنها ستترك آثارا لها على جسده، راوغها باستخدام الفن القتالي خطوات الرياح الخفيفة ثم هاجم مرة أخرى

استمرت المعركة بين باسل و الغير متأهلين لوقت طويل غير معلوم. و في الأخير بدأ يظهر التعب على باسل، كما أصبحت تحركاته أكثر بطئا. و مع ذلك، كان هذا قد حدث بعدما أنهى جميع الغير متأهلين الذين كانوا مرهقين بالفعل من معركتهم الأولى

كلهم كانوا على الأرض، هناك من غاب عن الوعي، و هناك من لم يعد يستطيع التحرك أكثر، و هناك من إصابته لا تسمح له بالتحرك حتى. و في الأخير، لم يستطيعوا هزيمة باسل و أصبحوا خائبي الأمل أكثر و بدؤوا يلعنون أنفسهم على تفويتهم الفرصة الذهبية

لكن، بعدما انتهى القتال الطويل و المرهق، استجمع باسل أنفاسه، حتى بالنسبة له كحامل لبنية جسدية قد فاقت المستوى السابع كان هذا الأمر مرهقا للغاية بالنسبة له، فحتى لو كان كل هؤلاء السحرة الذين قاتلهم متعبون من معركتهم السابقة ضد قادة التشكيل الأربع، فلا زال الأمر صعبا، و إضافة لذلك، استخدامه للفن القتالي خطوات الرياح الخفيفة كل هذا الوقت أثر عليه كثيرا. إذا زاد الأمر عن حده انقلب لضده

بعدما انتهى باسل من استجماع أنفاسه، تحدث عبر مكبر الصوت مرة أخرى "و الآن، لنتحدث عن الفرصة التي أخبرتكم عنها"

"همم ! " استغرب الجميع كثيرا، ما الذي يقصده بهذا؟ ألم يخسروا في مواجهته قبل قليل؟ لما سيعطيهم هذه الفرصة؟

ابتسم باسل بعدما شاهد نظراتهم تلك و فهم ما الذي يحدث، قال عندها "يبدو أنكم قد أسأتم الفهم، لم أقل أبدا أنكم تحتاجون لهزيمتي لأعطي البعض منكم فرصة أخرى، لقد قلت قاتلوني لأتمتع و سأفعل، لا شيء آخر"

أولئك من كانوا بوعيهم، نسوا جروحهم و عظامهم المكسورة كما صاحوا بجنون من شدة الفرح

أصبح الجميع في حالة من النشوة التي أتت من الفرحة، فليس أي شخص يستطيع الانتماء لجيش ما بكل بساطة، و جيش قاتل الدم القرمزي أصبح مشهورا للغاية مؤخرا، و لابد من أنه غني، لذا كان مستهدفا من الكثير من الطموحين. بالطبع كان هناك من أتى ملاحقا السمعة، الشرف، الفخر، الوطنية، كان هناك الكثير من الأهداف المختلفة كما كان اختلاف أصحابها

بالطبع عندما ذكر باسل أمر مقاتلتهم إياه، مباشرة أتت فكرة لذهنهم، أنهم يحتاجون لهزيمته. لكنهم كانوا مخطئين، لذا بعد معرفتهم الحقيقة، أصبحوا في قمة سعادتهم

تكلم باسل مخاطبا إياهم "كما وعدتكم، سأعطي فرصة أخرى لبعض منكم، و سأختارهم بنفسي"

وقف الجميع و من لم يستطع تشبث في واحد آخر. مر باسل من بينهم بينما يختار واحدا بواحد، حتى جمع في الأخير حوالي المائتين منهم، و الباقي منهم لم يحالفه الحظ

عبس كل من لم يتجاوز الاختبار، لكن هم في عالم يمكنك كسب كل تريد عن طريق الجدارة فقط. لذا لم يكن هناك أي اعتراض في قلب أي واحد منهم

غادر من لم يختره باسل بكل حزن، لكن ليس هناك خيار آخر. لكن، قبل مغادرتهم كليا من المعقل، صرخ باسل عبر مكبر الصوت "بوابات الانضمام للتشكيل مفتوحة دائما من بواباته الواسعة، لكن هناك شرط واحد، يجب عليكم أن تستحقوا الانضمام بكل جدارة، و إن لم تستطيعوا، فلتعلموا أنكم كنتم رجالا بذلك المستوى فقط. لقد خسرتم اليوم ضدي، لكني كما لا أريد لنفسي التعرض للضرب فقط و عدم رده، سأريد هذا الأمر لكم أيضا يا من تريدون اتباعي، لذا كونوا رجالا و لا ترضوا بضرب مؤخراتكم بدون رد ذلك، أنا موجود عندما تستعدون، عندها يمكنكم المجيء و محاولة ركل مؤخرتي، فربما قد تردون بعض الضربات"

توقف كل من كان مغادرا و التف نحو باسل، حدقوا به جميعا ثم تكلم واحد منهم صارخا "انتظر فقط، سوف أتدرب بجنون و أرد لك كل الضربات التي تلقيتها اليوم منك"

أكمل واحد آخر "همف، فتى يخبرنا أن نكون رجالا، يا لها من مهزلة" رفع سيفه للأعلى و صرخ "أيها السفلة ! هل سنترك فتى أصغر منا يخبرنا أن نكون رجالا؟ بالطبع لا، فلنتعهد على الرجوع إلى هنا و نضرب مؤخرته السافلة إلى أن تصبح حمراء، إن أراد رجالا سيجدهم، أ أنا مخطئ أيها السفلة؟"

تكلم كل من لم يتأهل بحرقة حارقة في صدورهم صارخين "بالطبع لا"

أكمل العديد من الأشخاص بتتابع "لقد خسرنا اليوم، لكننا سنفوز المرة القادمة أو التي بعدها أو التي تليها، لا يهم متى، لكن بعد كلامك هذا يا قاتل الدم القرمزي، سأحرص على الدخول للتشكيل بجدارة و لو من بابه الأضيق"

"هذا صحيح، نحن ذاهبون لكننا عائدون، سنأخذ طريقا منعطفا فقط"

قال قائد فرقة أبهم سابقا بينما يجر معه واحدا من رفقاءه "هذا صحيح" لقد خسر اليوم الفرصة أيضا. و أكثر ما جعله متحرقا للانضمام بعد هذه الخسارة، هو فخره الذي وجده مجرد فخر وهمي. عرف أثناء المعركة عن قوة أبهم الحقيقية، كما شاهد أخته شي يو التي وجدها قد أصبحت قائدة من التشكيل. بعد رؤيته لكل هذه الأشياء، كان يريد قتل نفسه، لقد اغتر بنفسه كثيرا، و الأسوء هو أنه لم يكن أهلا لغروره ذاك و لو قليلا

أصبحت الأجواء بين الغير متأهلين حية بعدما ماتت، و كل واحد منهم حمل معه نارا مشتعلة لا تنطفئ إلا بتحقيق الهدف. اليوم غادر عشرات الآلاف المعقل، لكن و لا واحد منهم كان نفس الشخص الذي دخل إليه بالأول

بعد مغادرتهم، تكلم باسل للمائتين التي اختارها "لقد منحتكم فرصة، و هي كالتالي، ستُمنحون وسائل التدريب، و لكم مهلة شهرين فقط، و من لم يصل للتوقعات، لن ينضم للتشكيل، الأمر بهذه البساطة، لكني سأخبركم بشيء ما، فلتعلموا أنكم إن لم تدخلوا للتشكيل بعد منحكم كل الوسائل المساعدة، فلا أظن أنكم ستفعلون بعد ذلك أبدا"

سأل واحد منهم "إذا نحن لم نمر للاختبار الثاني؟"

أجاب باسل "بالطبع لا، أولئك من استحقوا المرور قد فعلوا في الاختبار الأول، لكن أنتم قد مُنِحتم فرصة أخرى، فرصة أن تتدربوا بدعم من التشكيل، و إن فشلتم و لم تحكموا القبض على هذه الفرصة، فسيتجاوزكم أولئك الأشخاص الذين غادروا قبل قليل، فالشعلة التي تولد من الخسارة لا شك في أنها أقوى من التي يضعف توهجها بسبب الفوز"

أحكموا قبضاتهم و فكروا مليا بكلمات باسل

بعد الانتهاء من الاختبار الأول، ظهرت فرقة علاج، و بقيادة شي يو بدأت تعالج كل من يحتاج لذلك

وصلت شي يو لجهة أبهم ثم جلست تعالجه بصمت. برؤيتها لم يتحدث أبهم أيضا و ظل ساكتا و ساكنا تاركا أخته تقوم بعملها. كانت دهشته الأكبر هو مستوى أخته المذهل، لقد عالجت جروحه بسرعة كبيرة جدا، سابقا، كانت بالمستوى الثاني فقط و كانت تأخذ وقتا طويلا جدا لعلاج مثل هذه الجراح

بعدما اقتربت شي يو من الانتهاء، تكلمت أخيرا بينما توجه نظرها نحو الجرح الذي في فخذ أخيها "لقد قمت بعمل جيد باجتيازك الاختبار، سيدنا باسل شخص حكيم، و إن اتبعته بإخلاص، ستتلقى مكافآت جيدة مقابل ذلك"

حدق أبهم في أخته الكبرى و التي تغيرت كثيرا عما يعرفه، شي يو التي أمامه لم تعد هي نفسها التي في ذكرياته بعد الآن. جعله هذا الأمر حزينا قليلا، فهو اعتاد أن يتصرف بكل جبن و خوف ليتجنب المتاعب التي قد تسقط أخته الكبرى في مشاكل أكبر. وجد أن التصرف بضعف أفضل وسيلة ليراوغ أعين الناس و اهتماماتهم به و بأخته الضعيفة. لكنه اليوم وجد أن أخته لم تعد بحاجة لتلك الحماية المستميتة، هذا الأمر جعله يتفكر في حاله قليلا

ابتسم أبهم نصف ابتسامة ثم قال "يبدو أنك تقدرينه كثيرا يا أختاه"

لم تتلاقى عيني شي يو بعد بالخاصة بأبهم بسبب تركيزها على الجراح، لكنها تكلمت بالرغم من ذلك مجيبة عن سؤاله "بالطبع، فسيدنا قد غير من حياتي و حياة الكثير، ليس هناك شخص أعظم منه، ستعلم عما أتكلم إن استطعت الاقتراب منه كفاية لمشاهدته على الدوام"

اقترب منهما شخص ما بعد مدة من بدءها في معالجة أخيها ثم تكلم "لقد اجتزت الاختبار الأول كما كان متوقعا، فلتبذل جهدك في الاختبار الثاني"

كان هذا الشخص هو باسل الذي التف و غادر بعدما تحدث. ترك أبهم في حالة اندهاش، إنه حقا قاتل الدم القرمزي ذاك ! لا زال أبهم لم يعتد بعد على هوية باسل الحقيقية

انتهت شي يو من عملها بعد مدة من الوقت ثم تكلمت بعدما حدقت في وجه أبهم "فلتبذل جهدك، يبدو أنك قد كسبت اهتمام سيدنا، بما أنه أتى بنفسه إليك مخبرا إياك بما قال، فلا شك أنه يضع عينيه عليك. إن كنت يوما في صغرك قد حلمت كباقي الرجال أن تكون أقوى رجل في العالم، فهذه فرصتك العظمى، كما تغيرت حياتي، يجب أن تغيرها أيضا" وقفت شي يو ثم قالت "لذا، لما لا تحاول البدء في التخلي عن شخصيتك المتصنعة، فكما ترى، أنا لا أحتاج للحماية بعد الآن"

قالت هذا الكلام ثم غادرت تاركة أخاها مذهولا. قال أبهم بصوت منخفض بعدما وقف و نفض الغبار عن ملابسه "يبدو أنها تغيرت حقا..." تذكر صورة شي يو عندما قالت آخر جملة له "فلم يسبق لي أن رأيت مثل تلك النظرات الهادفة تأتي منها في حياتي"

اجتمع كل من تأهل في الاختبار الأول و الذين اخترتهم شي يو تحت المنصة التي كان يقف عليها باسل إضافة لقادة التشكيل الذين يقفون خلفه

تكلم باسل موجها كلامه لهم "من اليوم فصاعدا، أنتم من جيشي، أنتم أفراد من التشكيل"

استغرب الجميع من كلام باسل، لقد ظنوا أن أمامهم اختبارات أخرى قبل أن يقبلوا في التشكيل، لكن ظنهم كان مخطئا

أكمل باسل "الاختبار الأول كان للانضمام، و من نجح أو تم اختياره من قبل القائدة شي يو فليعتبر نفسه عضوا من التشكيل الآن. أما عن الاختبار الثاني، فسيكون من أجل تحديد مراتبكم. ستتقاتلون في الكولسيوم هناك، لقد جعلنا الجمهور ينتظر كثيرا لذا سنبدأ حالا، فليتوجه كل من اجتاز الاختبار الأول للكولسيوم، لكن قبل هذا ستختار القائدة شي يو مرة أخرى البعض منكم ليبقوا هنا مع من اخترتهم بالأول"

اتباعا لأمر باسل، توجه كل من تأهل للاختبار الثاني و لم تختره شي يو ليبقى هنا نحو الكولسيوم الضخم الخاص بعائلة كريمزون. أقيمت العديد من المبارزات و المسابقات السحرية هنا. راهن الكثير من النبلاء على محاربيهم. كل عائلة نبيلة من بين العائلات العشر الأوائل لديها كولسيوم، و في كل مرة، كانت عائلة ما تنظم قتالات تضم سحرة من مستوى معين و ما أسفله

بسماع أن تشكيل قاتل الدم القرمزي قد فتح أبواب الانضمام و سوف تقام عدة معارك بالكولسيوم، أتى آلاف الأشخاص ليشاهدوا الحدث و يتمتعوا بالقتالات، فأغلبهم ناس عامة و لا يرون قوة السحرة مباشرة عادة

كان الجميع متحمسا كما كان المتأهلون، ألف إلا قليل كلها توجهت نحو الكولسيوم و دخلوا من بوابة معينة. قادهم في الطريق عدة جنود من التشكيل إلى أن وقفوا أمام 10 طاولات بها أشخاص يحمل كل واحد منهم ريشة كتابة

تكلم الشخص الأوسط بينهم "فلتنقسموا لعشر مجموعات، و كل مجموعة تذهب لطاولة، سوف يتم تسجيلكم باللائحة الأولية ليتم تفريقكم بالمراتب طبقا لمهارتكم"

قام المتأهلين بما قاله ذلك الشخص، و بدأ التسجيل

بالساحة الخارجية، تحدث باسل مع من اخترتهم شي يو "أنتم سوف تتبعون من الآن فصاعدا أوامر القائدة شي يو و تتدربون على يدها"

استغرب الحاضرون فسأل واحد منهم "اعذرني يا سيدي، لكن لما اختِرنا إن لم نكن سنقوم بالاختبار الثاني أيضا"

"كما قلت، سوف تتبعون أوامر القائدة شي يو من الآن فصاعدا، هذا كل ما عليكم فعله، تعلموا منها، و احرصوا على تنفيذ كل ما تقول لكم، لا أقل و لا أكثر، و بالطبع، مراتبكم أنتم لن تحدد الآن، سنتطرق لهذا الموضوع في وقت لاحق"

سكت الجميع و حدقوا في شي يو، فهي ستكون مثل سيدتهم من الآن فصاعدا. في المقابل، كانت شي يو مغمضة عينيها و هادئة جدا، لقد مرت سابقا بتجربة مثل هذه، فعندما عينها باسل كقائدة تشكيل، كانت متوترة للغاية، لكنها رأت تصرفات شخص ما ألهمها و جعلها تحزم قرارها و عزيمتها

بدأت تتغير مع الوقت، و الأشخاص الذين كانت خائفة من أمرهم كونهم أتباع لا يريدونها أن تترأسهم، طبقت قواعدها عليهم و تصرفت كالقائدة فوجدتهم يتبعونها من دون أن تشعر متى حدث ذلك. بالطبع، لولا تتبعها لذلك الشخص و حلمها أن تكون مثله لما أصبحت هكذا

و الآن، أصبحت قادرة على تكون فخورة جدا، يمكنها أن تقف في وجه أي أحد بالعالم من دون أن تتوتر أو تشعر بالحرج، فبعد كل شيء، إنها قائدة بالتشكيل الذي ذاع صيته في العالم أجمع، لذا يجب عليها أن تتصرف كقائدة و تواكب لقبها هذا

توجه الذين اختيروا من طرف شي يو نحو قاعة ما و منحوا بعض الهدايا التي جعلت كل واحد منهم ينفجر من الصدمة، كم من الصدمات يجب عليهم أن يمروا بها اليوم؟ تفاجؤوا كثيرا بتلك المشروبات التي منحت لهم و من مدى مفعولها

تركوا هناك ليصقلوا طاقتهم السحرية. و كلف بعض الجنود بتدريب المائتين التي منحها باسل فرصة أخرى. و هكذا توجه قادة التشكيل و باسل نحو الكولسيوم كما كان مخططا

فتحت أبواب الكولسيوم للجميع، و بسرعة فائقة اجتمع آلاف الأشخاص و امتلأ بالكامل، و لا زال هناك الكثير من الأشخاص الذين يودون الدخول لكنهم وجدوا المكان مملوءا

أعلن المنظمون أن الاختبار سيكون قتالا بين فرق، كل فرقة تحتوي على عشرة أشخاص، لذا بدأ المتأهلون يقومون بالاتحاد فيما بينهم، لكن كانت هناك بعض الشروط

كان غالب المتأهلين من المستوى الثالث، و هناك البعض القليل من المستوى الثاني و الرابع، كما كان هناك ثلاثة أشخاص بالمستوى الخامس فقط

قام منظم بالإفصاح عن الشروط "كل فرقة لا يجب أن يتجاوز عدد سحرة المستوى الرابع بها اثنين، و إن تواجد بها ساحر من المستوى الخامس يجب أن يكون باقي الأعضاء بالمستوى الثالث أو أقل"

الاختبار الثاني كان عبارة عن مسابقة، مسابقة هدفها ملاحظة و مراقبة تحركات كل شخص جيدا لوضعه في المركز المناسب طبقا لإمكانياته

قام المتأهلون بصنع فرق مكونة من عشرة أشخاص. و كذلك فعل أبهم الذي كانت فرقته كلها مكونة من سحرة المستوى الثالث، لم يكن هناك ساحر بمستوى أعلى أو أقل. لكن هذا الأمر كان مناسب له بالواقع، هكذا سيكون قادرا على القتال براحة أكثر

تذكر أبهم كلمات أخته (لما لا تحاول البدء في التخلي عن شخصيتك المتصنعة، فكما ترى، أنا لا أحتاج للحماية بعد الآن) ثم تنهد و بدا عليه حزم قراره أيضا

لقد عاش في الظلال دائما من أجل ضمان الراحة و السلام، لكنه وجد فجأة أنه ليس بحاجة لذلك بعد الآن، و له الحرية الكاملة في الخروج للضوء

أراد أن يحمي أخته و عائلته فقط، لذا تصرف كالجبان طوال حياته متجنبا المشاكل. كان أبوه يحذره بالابتعاد عن المشاكل بأي قدر يستطيع، هم كانوا مجرد عائلة عامية صغيرة ليس لها نفوذ و لها ثورة، و عاشوا بين النبلاء و العائلات العامية التي تخدمها، لذا كعائلة لم يقبل أي أحد بخدمتها، حاولت بكل ما تملك أن تهرب عن المعضلات كي لا يزيد همهم

اليوم قرر أبهم أن يتبع نصيحة أخته الكبرى، و كخطوة أولى، يجب عليه أن يرقى للتوقعات التي وضعها عليه باسل، بالتفكير في هذا الأمر، لم يسع أبهم سوى التحمس أكثر و الشعور كما لو أنه تحرر أخيرا من لعنة ما

بداخل الكولسيوم، كان الجمهور ينتظر لمدة طويلة، لكن و لا واحد منهم تذمر بسبب سمعة قاتل الدم القرمزي

ظهر الحكم بوسط الحلبة مما جعل الجمهور يفرح. و أخيرا ستبدأ المسابقة، تكلم الحكم عبر مكبر الصوت "مرحبا بكم يا حضرة المشاهدين في هذا اليوم العظيم، كلكم أتيتم لتتمتعوا بالمسابقة التي نظمها تشكيل الجنرال الأعلى باسل"

عند سماع الجمهور بهذا التصريح بدأت العديد من الهمسات مرتفعة الصوت تنتشر بين صفوفه، بدأ الكثير منهم يحك أذنيه ليتأكد إن كان ما سمع صحيحا أم لا

أكمل الحكم "هذه المسابقة ستحدد مراتب كل واحد من المقاتلين الذين ستشاهدونهم في جيش الجنرال الأعلى باسل الذي انضموا إليه مؤخرا، لذا قبل أن نتمتع باليوم الأول منها..."

أعاد الحكم تكرير 'الجنرال الأعلى باسل' مرة أخرى ليبدأ الجمهور في الحديث بصوت مرتفع

و كل تساؤلاتهم كانت متشابهة "ما الذي يحدث؟ الجنرال الأعلى؟"

قال الحكم مع رفعه يده و إشارته بها لمكان الشخصيات الهامة بالكولسيوم ثم قال "رحبوا معي بالقائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية و الجنرال الأعلى باسل"

وجه الجميع نظرهم نحو الاتجاه الذي أشار له الحكم ثم انتظروا خروج شخص ما من الممر المظلم، و بمجرد ما أن فعل حتى انفجروا صارخين

"ماذا ! ؟"

"الجنرال الأعلى؟ و هل يقصد بكلامه ذلك الفتى؟ لا يمكن ! يجب أن يكون هناك خطأ ما فقط"

تناقلت الأخبار من بين الجمهور، فبدأت تتخلل بعض الشائعات كلامهم عن هوية قاتل الدم القرمزي

"هل قاتل الدم القرمزي هو ذلك الفتى؟ أ هذه مزحة من نوع جديد؟"

"يبدو أن هذا الأمر حقيقي، فعلى ما سمعت من العديد الذين لم يتأهلوا من الاختبار الأول أن هوية قاتل الدم القرمزي هي فتى في الحقيقة. لم أصدق هذا الأمر أيضا في البداية، لكن يبدو أنه حقيقي، لكن أن يصير الجنرال الأعلى ! هذا..."

تحولت الهمسات لتعليقات بصوت مرتفع قبل أن تهدأ بالنهاية بسبب تحرك من الفتى الذي أشار له الحكم

أشار الفتى بيده فظهر مكبر الصوت و استعد للتحدث عبره مباشرة بعد ظهور خمسة أشخاص يرتدون دروعا فضية من وراءه، كانوا يقفون بثبات و شموخ كما لو أنهم جبال متراصة لا يمكن زحزحتها

"مرحبا بالحضور الشريف، أنا الجنرال الأعلى باسل، و في هذا اليوم العظيم، سأشرف على اليوم الأول من المسابقة، سيكون هناك قتالات إلى حين مغرب الشمس، و غدا ستبدأ من جديد فجرا إلى المغيب مرة أخرى، و هكذا إلى أن ننتهي. يمكنكم المراهنة و المزايدة كما يحلو لكم بدون أي قلق، طالما أنتم داخل هذا الكولسيوم و الذي بدوره داخل ممتلكاتي، فليس هناك أي غش أو تلاعب. اليوم يوم عظيم، و مزاجي في أفضل أحواله، لذا دعونا نستمتع بالقتالات التي سيقدمها لنا هؤلاء المتقدمين"

عم الصمت لمدة طويلة و لم تكن هناك أي ردة فعل من الجمهور. بالطبع، فسماع مثل هذا الكلام من فتى في هذا العمر لشيء غريب للغاية. لم يسبق لهم أن رأوا جنرالا في عمر العشرين حتى، فما بالك بشخص يناهز الخامسة عشر فقط؟ كان هذا الأمر مناف للعقل أكثر مما هو حقيقي لعيونهم


لم يعرف أي أحد بما يجب أن يعلق على هذا، لذا لم يتكلم أي شخص قبل أن يستأنف الحكم حديثه من جديد "لقد سمعتم الجنرال الأعلى باسل، لذا عند إشارته ستنطلق المسابقة"

تكلم الحكم موجها حديثه لباسل "أيها الجنرال الأعلى، أ يمكنك أن تتفضل و تخبرنا بما يجب أن نلقب هذه المسابقة؟"

كان باسل قد جلس على كرسي فخم، و عندما سمع كلام الحكم أشار بيده لشي يو بأن تتكفل بالأمر. تقدمت شي يو للأمام و تحدثت "لقد أعطاني سيدي الإذن لألقب هذه المسابقة، لذا اخترت لقبا مناسبا لها. مسابقة اليوم العظيم"

استغرب الكل من اللقب الذي أتى من فاه شي يو، و عندما سمعها باسل ضحك ثم قال "لا شك في هذا، نعم، إنه يوم عظيم حقا يا شي يو، الأبسط غالبا ما يكون الحل الأمثل" ثم أكمل باسل ضحكه تاركا الناس في حالة من الشك و التساؤل

تكلم الحكم مكملا "لقد سمعتم، في هذا اليوم العظيم، أخذت هذه المسابقة نفس لقب هذا اليوم، لذا لما لا نستمتع كما قال الجنرال الأعلى و ننسى حاليا الاهتمامات الأخرى. أيها الجنرال الأعلى، أ يمكنك أن تعلن عن بداية المسابقة؟"

لوح باسل و تكلم بصوت مرتفع "أعلن عن بداية مسابقة اليوم العظيم"

و تباعا لإعلانه، نسي الجمهور للحظات هوية قاتل الدم القرمزي و كل التساؤلات الحالية عنه ثم صرخوا بكل حماس لانطلاق المسابقة

دخلت الفرقتان اللتان اختيرتا كخصمين لبعضهما فصرخ الجمهور و تفاعل مع أعضاءهما. كانت هناك بعض الوجوه المعروفة بالنسبة لهم، لذا كل واحد راهن على الفرقة التي يظن أنها ستربح

انطلقت المعركة الأولى التي كانت فوق حلبة معززة بالسحر، كما انطلق أعضاء الفرقتين و تقاتلوا فيما بينهم

كانت هناك شروط عن عدم القتل، إضافة لخسارة الفرقة بمجرد فقدان كل أعضاءها الوعي، و الشخص الذي يخرج من الحلبة يُقصى من القتال ليترك فرقته تنقص عضوا


لكن أثناء قتال هاتان الفرقتان، كانت هناك بعض الظلال الغير مهتمة بتاتا في قتالهما و تناقلوا الهمسات فيما بينهم فقط "إذا هذا هو قاتل الدم القرمزي ذاك، يبدو أنه غر مغرور كما قال القاضي الأكبر، لنرى كيف سيتفاعل مع المفاجأة التي سنقدمها له"

تمتم واحد آخر من الظلال المتخفية "يبدو أنه الشخص الذي يملأ عقل كريمزون أكاغي بأحلام واهية كمنح حق التلقيب و غيرها من الأشياء الواهمة، إن أزلناه من الطريق، فسيكون من السهل على ما أعتقد تغيير رأي كريمزون أكاغي"

أضاف شخص آخر من الظلال "لن يكون هناك حاجة لتغيير رأي كريمزون أكاغي، عندما نبدأ عملنا الفعلي، لن يكون هناك وجود لعائلة كريمزون حتى"

علق واحد آخر "بحلول المغرب، سيقوم القاضي الأكبر بحركته، عندها، سيكون بإمكاننا قطع رأسه بعدما يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه"

"بحلول المغرب"

بحلول المغرب"

"بحلول المغرب"

تناقلت الرسالة بين المتخفيين في الظلال. كانوا مندمجين مع الجمهور تماما، تحمسوا مثل الآخرين على القتال، تزايدوا و راهنوا كما لو لم يكن هناك شيء في أذهانهم غير المسابقة

استمرت المسابقة و كانت هناك قتالات مثيرة للغاية لأعين مشاهديها

**


بالسوق المركزي

أصبح السوق أكثر إشراقا بعد اختفاء عائلة غرين، لم تعد هناك ضرائب خيالية عليهم، كما كان الثمن يقرر بالإجماع و ليس من طرف شخص واحد فقط، أصبح السوق أكثر شعبية أكثر من أي وقت مضى

أصبح يتواجد هناك العديد من التجار المشهورين من كل أنحاء العالم لإيجادهم حرية أكبر و رخاء مريحا. و التاجر الذي أصبحت مؤخرا له شهرة كبيرة جدا خصوصا في السوق المركزي كان تاجر عائلة كريمزون، التاجر كريمزون ناصر

لم يعرف هذا الشخص بالنسبة للعالم إلا منذ مدة وجيزة، و بالرغم من ذلك، بسبب حمله للقب كريمزون و الذي جعله يصبح أميرا، كان قادرا على أن يصبح من أشهر التجار و أكثرهم ربحا

على عكس غرين هيملر الذي كان سابقا يتحكم بالسوق التجاري كما يشاء لكونه الأمير، فكريمزون ناصر كان خلافا لشخصيته و أفعاله كليا. حتى أن الأمير ناصر لا زال يتاجر بنفسه، و الشيء الوحيد الذي تغير كان توسع أعماله على مستوى العالم أجمع

اليوم، ظهر التاجر ناصر في السوق المركزي بعدما اختفى لمدة طويلة، فهو كان يأتي ليتاجر لمدة من الوقت ثم يغادر لمكان ما

تعرض للكثير من الاطراءات من قبل الكثير من الناس أثناء توجهه لمتجره الذي أصبح عبارة عن مبنى ضخم للغاية به كل أنواع السلع التي تخطر على البال

"سيدي الأمير ناصر، هل تنوي مشاركتنا اليوم في تجارتنا؟"

"عندما يحل علينا الأمير ناصر يصبح السوق مشرقا للغاية، فلتزد من عدد زياراتك لنا يا سيدي"

على الرغم من أن التاجر ناصر كان داخل عربة بسيطة، إلى أن الناس علمت عمن يتواجد بداخلها بسبب تناقل الأقوال، لذا لم يكن هناك شخص لا يعلم عن مجيئه. كان يعتبر فخرا لكل تاجر، فهو أصبح عبارة عن هدفهم الأعلى، تاجر عامٍ لا يملك عائلة، أصبح أميرا. ليس هناك تاجر لم يشعر بالغيرة و الحسد كما شعر البعض الآخر بالاحترام و التقدير تجاهه


بعدما وصل التاجر ناصر لمتجره، دخل ثم بدأ العديد من العمال يتحركون بسرعة كبيرة كما أفرغ العديد من السحرة مكعبات تخزينهم، و كل ما خرج منها كان الإكسيرات بأنواعها الثلاث

تكلم التاجر ناصر موجها كلامه نحو العمال "سيكون هناك قتال في البيع لأيام، لا أريد من أي واحد منكم أن يتوقف و لو لثانية واحدة عن إنجاز أعماله، عند مجيء دورك في الراحة يمكنك التوقف، لكن إلى أن أقول 'انتهينا'، فسنستمر بالعمل بجنون حتى نستطيع أن نكون البائع الأكبر. هناك عدة عائلات ستنافسنا هذه المرة في السلعة الجديدة، لذا من لا يثق في إمكانياته أو أنه لا يرى إمكانية استمراره معي حتى النهاية، فليخرج حالا من متجري، هذا قتال يجب علينا ربحه مهما حصل"

مع انتهاء التاجر ناصر من كلامه، صرخ العمال كلهم جاعلين المكان يهتز بالكامل

في الخارج، بدأ الناس يتساءلون عما يحدث فاقتربوا من المتجر، فإذا بهذا الأخير يفتح أبوابه كاملة مع صراخ التاجر ناصر "إعلان لجميع السحرة، إعلان لجميع الطموحين، إعلان للقوي و الضعيف. أنا التاجر ناصر من عائلة كريمزون، و أعلن لكم عن طرحي لسلعة تتجاوز السلعة التي ظهرت للعالم من خلالي قبل شهور قيمةً بكثير. أنا أناشدكم بالإسراع، فهذه المرة الأسرع هو الأوفر حظا، لدينا أدوات و سلع ستجعل لعابكم يسيل، لدينا أشياء ستغير تفكيركم كليا، و من الآن فصاعدا، ستشهدون كلكم تحولا عظيما. تغير في التاريخ، كل شيء سينقلب، توازن القوى سيكون له تحديث و جميع ما عرفتم عنه سابقا سيكون من الماضي المختلف عن مستقبله. و كل هذا سيحدث بما سترونه و تختبرونه من عندنا"

صرخ التاجر ناصر و جلب أعدادا مهولة من المشترين، بدأت بعشرات فصارت مئات حتى أصحبت آلافا، و لم يمر وقت طويل حتى بدأت الدهشة في الانتشار و الخبر في الامتداد عبر أراضي الإمبراطورية، من العاصمة نحو الاتجاهات الثمانية كاملة

وصلت أخبار عن بدء العديد من العائلات الكبرى أيضا في بيع ما عرضته عائلة كريمزون الحاكمة بنفس الوقت الذي شرع فيه التاجر ناصر بالتحدث. لذا لم يكن يرتكز الأمر على العاصمة فقط، بل حتى العديد من المدن المجاورة لها

عائلة موراساكي، كيرو، لان، كين، كورو... كل العائلات الكبرى بدأت فجأة في التجارة بمثل هذه السلع

هذه السلع جعلت لعاب الآلاف يسيل كما وعد التاجر ناصر، بل و أنها تجاوزت هذا المدى و نشبت بعض القتالات هنا و هناك بسببها بسرعة كبيرة

أصبح الكل يرى فائدة هذه السلع التي ظهرت، كما توقع البعض الذكي ما يمكن أن يحدث بعدما انبثقت مثل هذه الأدوات التي يمكنها أن تجعل عديم الفائدة ذي استخدام


أعميت عيون الكثير، و تراقصت الأموال كما تتراقص أسراب الطيور في السماء. ثم بدأت تظهر علامات صغيرة لثورة عظيمة، فبدأ الناس يتوقعون رؤية العلامات الكبيرة عما قريب، و مدى تأثيرها على العالم كله

فرح العديد، كما تفاجؤوا كلهم، و بدأت المنافسة العظمى من أجل كسب و لو واحدة من تلك السلع التي بدت لكل واحد منهم كما لو أنها كنز مفقود ظهر للوجود

من كان يخفي ثروة، صرفها في هاته السلع و شرع في تكوين ثروة أخرى بما كونه من هذه السلع

لكن، في أي وقت و أي مكان، كما يتواجد المؤيدون يظهر المعارضون

*

بالمحكمة المركزية

كان القاضي عادل بالقاعة الرئيسية للمحكمة المركزية و يقف خلف القاضي الأكبر الذي تكلم بصوت مرتفع بينما يحدق من واحدة من المنافذ نحو العاصمة "لقد قام ذلك الغر بخطوته أسرع مما توقعت، لكن هذا لا يهم، لأنه سوف يلقى نهايته هذه الليلة، أليس كذلك أيها القاضي عادل؟"

انحنى القاضي عادل ثم أجاب "نعم، كل ما يخرج من فم القاضي الأكبر عبارة عن حقيقة لا تشوبها شائبة"

"هاهاها" ضحك القاضي الأكبر بجنون كما لو أنه جنرال عظيم كسب حربا أبدية. ثم بعد ضحكته الطويلة خرجت كلمات معبرة عن سبب تصرفه السابق "الغر المغرور، قال أنه يريد أن يتكلف بأموري ! يا له من أمر مضحك، فلنر كيف سيتكفل بأموره أولا"

استمر القاضي الأكبر في ضحكه باستمرار كما أضاف "أليس كذلك أيها القاضي عادل؟"

انحنى القاضي عادل ثم قال "معك كل الحق أيها القاضي الأكبر" و مع انتهاءه من كلامه التوت حافة فمه التي لم يرها القاضي الأكبر، لا هي و لا ما يقبع خلفها

مر اليوم على طوله مليئا بأحداث ثاقبة، أعلن عن وجود أميرة باسم أنمار، كما علم الجميع عن ترقي قاتل الدم القرمزي لمنصب الجنرال الأعلى. و الشيء الصادم أكثر كان السلع التي ظهرت و شغلت اهتمام كل شخص موجود بالوجود

تناقلت الأخبار بين التجار و وصلت للآخرين حول العالم كما لو أنها رياح متنقلة لا يمنعها من السفر بر و لا بحر. و في لحظة، أصبحت الإكسيرات حديث العالم الواهن الذي لم يكن يعلم سكانه عنها شيء

كما انبثق صوت مرعب من أعماق أرخبيل البحر العميق، كان صوتا عميقا للغاية و حادا لدرجة لا توصف، كما حمل معه غضبا مستبدا، و نية قتل جعلت الستة المحيطين بصاحبه يقشعرون من وجوده الضاغط

"سألعن من تجرأ على إفساد خططي، سأقتل من أقدم على مواجهتي. لم تعد هناك تحركات بالظلال، من تجاسر على التحرك بكل ضراوة في حضرتي سيلقى الصرع المجحف. فلتتحرك كل القوات المتمركزة بإمبراطورية الرياح العاتية بجرأة أكبر، و بمجرد ما أن تصل للقلب، فليتم القلب. اليوم أقرب من أي وقت مضى لسيطرتنا الكاملة التي ستكون انطلاقتنا نحو السيادة العظمى"

انحنى الستة المحيطين به و تكلموا بنفس الوقت "كلمات ظل الشيطان حقيقة"

أصبحت العاصمة في حالة هائجة حاليا بعدما كان سكانها أول من سمع تلك الأخبار المفجرة للعقول

ظهور أميرة تسمى بأنمار على حين غرة، و يبدو أنها حفيدة الإمبراطور أكاغي من ابنه المفقود أكاي. إضافة إلى تسرب هوية قاتل الدم القرمزي و إيجاد أنها تعود لفتى في عمر يناهز الخامسة عشر، ناهيك عن ترقيه لمنصب الجنرال الأعلى

و الإكسيرات التي فجرت عقول السحرة و التجار، كل من جربها كاد أن يطير من الفرحة. و من رأى مفعولها تسابق لشراءها. أصبحت الأجواء حامية أكثر و أكثر مع مرور الوقت

تكلم بعض السحرة الذين في المستوى الأول فيما بينهم "يبدو أن تلك الإكسيرات لها مفعول قوي جدا. و بسبب هذا، فهي باهضة الثمن كثيرا، أتصدق أن واحدا منها يصل ثمنه لـ50 قطعة أصلية ذهبية؟ إنه ثمن مرتفع جدا"

تكلم واحد آخر "لا تكن غبيا، قد يكون يبدو مرتفعا بالنسبة لنا، لكنه بسيط لسحرة من المستوى الخامس و السادس، حتى سحرة المستوى الرابع يمكنهم شراءه إن اجتهدوا. و إضافة لذلك، ألم تسمع بفائدتها؟ فهي يمكن أن تجعل الساحر يرتفع في المستويات بسرعة مدهشة للغاية"

تناقل الكلام من بين الناس جميعا. قد يبدو من الوهلة الأولى أن ثمن الإكسيرات مرتفع، لكن بعد معرفة مفعوله و عطاءه، يفقد الجميع ألوانه و يقر بالثمن على أنه بخس حقا


كانت الإكسيرات تصنع من طرف الكيميائيين خصيصا لأنهم قد حولوا طاقتهم السحرية كلها لطاقة سحرية خالصة. لكن من كان له تحكم مذهل في الطاقة السحرية عامة و في الطاقة الخالصة خاصة، كان بإمكانه استخدام القليل من الكيمياء أو الكثير وفقا لمدى تحكمه في طاقته

صنعت الإكسيرات من مسحوق أحجار الأصل المصنوع من أحجار الأصل، إضافة لبعض الأعشاب من المناطق المحظورة، و أحجار الأصل نفسها. لم يهم مستوى الحجر الأصلي الموضوع في الخليط، لأن ما كان مهما هو الطاقة السحرية الخاصة بالوحوش السحرية التي يحتوي عليها حجر الأصل هذا. فكان بالإمكان خلط أحجار أصل من مستويات مختلفة في مرجل واحد و بدء العملية

فقط، يكون من الصعب على كيميائيين بمستوى معين السيطرة بطاقتهم الخالصة على أحجار أصل بمستوى أعلى من الخاص بهم، لذا يلجئون لاستخدام أحجار أصل من مستوى أقل من الخاص بهم عن طريق وضع أعداد كبيرة منها حتى يصلوا للطاقة المطلوبة بناء على مقدار المقادير الأخرى التي وضعت في المرجل

كان مردود الإكسيرات واحد دائما و لا يختلف من واحد لآخر. و الشيء الذي كان يختلف هو مدى نقاء هاته الإكسيرات. قد يكون هناك كيميائيون غير موهوبين و لم يستطيعوا إنتاج إكسير نقي، و هذا يجعل المستهلك يصرف وقتا أطول في استخلاص فائدة الإكسير، إضافة إلى إزالة الشوائب و تنقية مسار نقط الأصل الخاص به

كل هذا يكون عملا مرهقا و غير محبذ. لذا عندما قرر باسل تعليم الكيميائيين الثلاثة من عائلة كريمزون طرق الصنع، حرص على تلقينهم دروسا مكثفة

يصبح نمو الساحر الذي يحول طاقته السحرية كاملة إلى طاقة خالصة سريعا للغاية. فكما كان الحال مع الكيميائيين، كذلك كان الأمر بالنسبة للحدادين. فالجد سميث كان بالمستوى السادس عندما التقى به باسل لأول مرة. و الآن، بعدما استهلك الإكسيرات هو الآخر، أصبح في قمة المستوى السابع منذ زمن، و وصل لمرحلة متطورة. و كل ما ينتظره الآن، هو معرفة طريقة الاختراق لمستوى أعلى، فلم يعد يبدو له المستوى السابع كالحد الأقصى على الإطلاق

عندما كان الكيميائيون و الحدادون يستهلكون الإكسيرات، كانوا يتطورون بشكل أسرع، فطاقة الإكسيرات تكون أقرب لكونها خالصة، و هذا الأمر كان في صالحهم أكثر مما هو للسحرة

و حاليا، ليس الجد سميث فقط، بل الكيميائيون الثلاثة الذين كانوا بالمستوى الثاني فقط قبل شهور، هم أيضا أصبحوا في المستوى السابع و أصبحوا ركيزة عائلة كريمزون في صنع الإكسيرات و إنتاجها


استمرت التجارة بالإكسيرات طوال اليوم. اشتعلت قتالات و خلافات عدة في كل مكان. لكن في الأخير من كان يستحق فقط هو من كسب. ليس أي شخص استطاع كسب نصيب له، أولئك من هم من العائلات المرموقة كانوا أول من استطاع تجربة الإكسيرات و معرفة قيمتها

كانت هناك العديد من الطلبات على طريقة الصنع كما حدث مع الأدوات التي ظهرت قبل شهور. لكن كانت ردة الفعل التي أتت من البائعين هي نفسها التي أتت منهم قبل شهور. لم تكن طريقة الصنع متاحة للبيع أبدا

استغل الفرصة من استطاع، و من لم يفعل، فلم يستسلم، لا زالت الأيام طويلة، و ما عليه فعله هو الإسراع في جني المال و شراء الإكسيرات ليتطور في المستوى

انتشرت أخبار طريقة الاستهلاك أيضا، فلم يكن على الشخص شرب إكسير التعزيز مرتين متتاليتين و لا يجب أن يفعل حتى يهدأ بحر روحه و يستقر.

كما كان الحال نفسه مع إكسير العلاج، و أخيرا إكسير التقوية الذي نصح بعدم الإكثار منه لعدم ترك فراغ في المستوى بين الطاقة السحرية و البنية الجسدية و الذي سيسبب في الكثير من الأضرار أثناء استخدام الساحر لسحره ببنية ضعيفة، إضافة لانخفاض درجة تأثيرها مع مرور الوقت و في كل استخدام لها إن استخدمت بشكل مكثف

لكن كان هناك بعض الأشخاص من أهملوا مثل هذا الأمر، لكن ليس لأنهم لم يثقوا بالتعليمات، أو لأنهم كانوا أغبياء. على العكس، بل لأنهم وثقوا في كلام البائعين و لأنهم كانوا أذكى من البعض الآخر. فهؤلاء، كانت بنية جسدهم قوية للغاية و تفوق مستواها الطبيعي، لذا طرأت فكرة في عقولهم

قالوا لما لا نجرب استهلاك الإكسيرات إلى أن تتساوى بنية أجسادنا مع مستوى طاقتنا السحرية؟ هكذا لن يكون هناك مشكل عندها. و بمجرد ما أن فعلوا حتى حدث أمر عجيب للغاية

في جميع أنحاء العاصمة و المدن القريبة منها و التي خرجت من أسواقها الإكسيرات أيضا، اخترق العشرات من المستوى الخامس للسادس مرة واحدة. هذا الشيء جعلهم ينفجرون من الحماس. لم يفرحوا هم فقط، بل حتى العائلات التي ينتمون لها و المحيطين بهم

تكلم واحد منهم "الآن ببلوغي المستوى السادس، لن أخدم أحدا بعد الآن، سأطالب بلقب الجنرال و أصنع لقبا لي و عائلة نبيلة سأجعلها تصل لأعلى الدرجات"


لم يكن هو الوحيد فقط، بل كان هناك العديد من الأشخاص الذي حدث لهم نفس الأمر و صرحوا "إنني من أقوى السحرة في العالم الآن، سوف أطمح للقمة من الآن فصاعدا، لقد ظننت أن الأوان قد فات علي بما أنني بلغت المائة، لكن من كان يعلم أن هناك بعضا من الأمل متبقي؟ ! "

كان غالب سحرة المستوى الخامس عبارة عن عجزة، فهم وصلوا لهذا المستوى بعد إفناء حياتهم في التدرب محاولين بلوغ المستوى السادس لكنهم لم يستطيعوا، فبعدما بلغوا المستوى الخامس، وجدوا أنفسهم قد أصبحوا كبارا في العمر كثيرا و نموهم أصبح بطيئا للغاية و يكاد يصبح متوقفا

بالطبع مثل هذا الشيء حدث للكثير، فهناك بعض رؤساء العائلات الذين كانوا بقمة المستوى الخامس، لكنهم كانوا قد كبروا في السن و توقف نموهم. و عندما اخترقوا للمستوى السادس الآن، صرحوا كلهم "لن يزدري عائلتي أي شخص آخر بعد الآن أو يتم قمعها من عائلة كبيرة أخرى. الآن بعدما بلغت المستوى السادس، سأصبح جنرالا و أطالب بحقي في الأراضي و حقي في اعتبار عائلتي من العائلات الكبرى"

بدأ بعض الأشخاص يتحمسون كثيرا، هناك من اعتقد أن بإمكانه أن يصبح الحاكم الجديد حتى، هناك من رأى أنه يقترب من كونه الرجل الأقوى في العالم، هناك من بدأ يرى قيمة لنفسه أكثر من السابق و أخرج جذوره من أي عائلة انتمى لها سابقا

و بالطبع، هذا كله حدث هذا اليوم فقط، و قبل أن يصل غروب الشمس حتى

لكن، هؤلاء الأشخاص الذين أحسوا بمثل هذا الشعور اليوم، لم يكونوا هم الأولين، فقد كان هناك سابقون. قبل أكثر من شهرين من الآن، أعطيت الإكسيرات لشخص آخر، هذا الشخص كان القاضي الأكبر

بالطبع عند استهلاكه للإكسير الأول، لم يخترق، لكن مع مرور بعض الوقت و التدرب مع شرب الإكسيرات، استطاع الاختراق من المستوى السادس للمستوى السابع. و لم يكن هو الشخص الوحيد الذي تطور، فبعد كل شيء، هو لم يحتكر هذه الإكسيرات لنفسه فقط، بل حتى أنه قد أسرع في إعطاءها للبعض، لم يقتصر الأشخاص الذي أعطاهم هذه الإكسيرات على أعضاء المحكمة المركزي فقط، بل حتى أنه أقدم على منحها لرؤساء بعض العائلات مقابل بعض الخدمات

بالمحكمة المركزية


"هاهاها، ها هي ذي الشمس تغرب، ها هو الوقت ذا يحين، و ها نحن أولاء قادمون أيها المجد العظيم"

فرح القاضي الأكبر في مكانه و أكمل "الغر المغرور، سوف يلقى حتفه بيديه. سأريه معنى التجرؤ على التصرف بتعال في حضرتي أنا الإمبراطور القادم، أنا الإمبراطور الذي سيختاره الشعب و الناس أجمعين. يبدو أنه في المستوى السابع على ما أعتقد بما أن هالتي لم تنفع ضده سابقا، لكن ليس هناك شيء كبير بهذا، فكل ما علي فعله هو جعله يواجه أشخاصا بنفس مستواه، هاهاهاها"

لكن بعدما ضحك القاضي الأكبر عبس و فكر بداخله "لا يزال أمر شاهين ذاك يشغلني، فهو فاقد للوعي تماما و مهما حاول السجانون إيقاظه لم يستطيعوا. لم يكن بإمكاني الذهاب إلى هناك بعدما زار ذلك الغر ذلك المكان لإبعاد الشبهات، لكن... ! حسنا، قال أولئك الأشخاص أنه لن يتكلم مهما حدث. لكن لا يهم إن تحدّث أم لا، فهذا لن يغير مصير ذلك الغر هذه الليلة"

بدأت الشمس تغيب و اقتربت من الاختفاء كليا، كما اقتربت المسابقة في معقل التشكيل من الانتهاء. أحاط خمسة سحرة بساحر بالحلبة و استخدموا سحرهم عليه كلهم مرة واحدة مخرجين إياه من الحلبة

و كإعلان لفوزهم، صرخ الحكم باسمهم مرافقا لكلمة الانتصار، كما أضاف بعد ذلك "و هكذا ننتهي من اليوم الأول من مسابقتنا، أتمنى أن تكون قد حازت على إعجابكم"

غربت الشمس

بوووووم

فجأة، حيث لا يتوقع أحد و لا يظن و لو في أحلامه، في المكان الخاص بالجنرال الأعلى باسل و قادة التشكيل الخاص به، حصل انفجار خلف وراءه نارا عظيمة استطاعت جعل كل الحاضرين يشعرون أنهم يشوون من بعيد بمجرد حضورهم أمامها


صرخ الجمهور كما ارتعد الكثير، ما الذي يحدث؟ من الذي يجرؤ على مهاجمة قاتل الدم القرمزي و أتباعه؟ لن يكون أبدا شخصا في كامل عقلانيته !

كان غالب الحضور من الناس العامة، كما كان هناك بعض النبلاء، إضافة لسحرة أتوا للمراقبة أو التمتع. العديد منهم سمع بالأخبار التي بالخارج، لكن لسبب ما، و لا واحد منهم استطاع الخروج. بناء على أمر من الجنرال الأعلى باسل، كل من تواجد بالكولسيوم لم يسمح له بالانصراف إلى حين انتهاء المسابقة

كان هناك من أراد التصرف بعنف، لكنه وجد نفسه محاطا بسحرة من المستوى الخامس، لذا وقف في مكانه من دون أن يفعل شيئا و عاد لموضعه السابق بكل طاعة فقط

و الآن، أغلب من أراد المغادرة سابقا بدأ يحس بأمر غريب، و لسبب ما فهم ما يحدث. لم تم منع خروج أي أحد حتى يحين المغرب؟

الآن، بعدما حدث مثل هذا الانفجار فجأة، هرع الناس في كل اتجاه باحثين عن مهرب. لكن، ظهرت فرقة من العدم من حيث لا يدري أحد. كان هناك من استطاع الملاحظة من أين أتت هذه الفرقة، فمن بين الجمهور خرج هؤلاء الأشخاص، فقط قاموا بتغيير بملابسهم إلى أخرى مختلفة

هؤلاء، أسرعوا في قيادة الناس لمخارج الكولسيوم. لكن في الحقيقة، لم يكن هدفهم إخراج الناس، بل الحرص على عدم امتزاج أشخاص محددين معهم

بعد لحظات، فرغ الكولسيوم تماما من الناس، و أغلقت جميع المخارج. و من تبقى بداخل الكولسيوم كان عددا قليلا بالمقارنة بما سبق

كان لا يزال هناك أشخاص في درج الجمهور، كانوا عشرة أشخاص بالضبط. وقف كل واحد منهم في مكان على طول الدرج الدائري

بينما يحلق واحد آخر في السماء. مرتفعا بسبب نار تنفجر من تحته جاعلة إياه يحلق في السماء. هذا الشخص كان يلتف حوله اللهب و يحدق في جهة مكان باسل و قادة التشكيل، و بعد لحظات تغيرت نظراته فعبس ثم تكلم بصوت منزعج مع حفاظه على هدوئه "كما هو متوقع، هجوم كهذا ليس كافيا"

في الجهة المقابلة له و التي يحدق بها، انقشع الغبار فاتضحت الصورة جيدا للمشاهدين

كان باسل لا يزال يجلس على كرسيه الفخم و يضع قدما على الأخرى كما كان قبل أن تغرب الشمس. و بينما تقف شي يو بجانبه، كان القادة الأربع الآخرين يحيطون به من جميع الجهات مع تفعيلهم لطاقتهم السحرية بسبب دفاعهم من الهجوم السابق

تكلم باسل مع ظهور عبوس على وجهه "لقد وصف لي القاضي عادل ما يحدث، لذا كانت لدي شكوك، و ها هي ذي تتأكد" حتى هذا الوقت لم يكن باسل يحدق في جهة الشخص الذي بالأعلى و إنما نظر للآخرين الذين بالأسفل في الدرج فقط. لكنه أكمل كلامه بعدما رفع وجهه للأعلى و حدّث ذلك الشخص الطائر في السماء "أليس كذلك يا تابع حلف ظل الشيطان؟ لقد حرصت على استخلاص بعض المعلومات القيمة من صديقكم شاهين، على عكس أفعاله، فأقواله كانت مفيدة للغاية"

عبس ذلك الشخص الطائر بالسماء ثم حدق في ابتسامة باسل التي جعلته يغضب أكثر و أكثر كلما حدق فيها. انطلاقا من كلام باسل، فلا بد من أن شاهين قد أفصح عن بعض الأمور التي لا يجب عليه قولها

تكلم هذا الشخص الطائر في السماء بداخله "كما توقعت، عندما وقع في يد الأعداء كان يجب علي قتله"

تكلم باسل بعدما رأى تعابير الشخص الطائر بالسماء "لا إجابة صوتية، لكنني أخذت الإجابة التعبيرية. يبدو أنكم استطعتم التوغل أكثر مما كنت أظن. شاهين بجانب الأمير الذي طمح ليكون إمبراطورا، وايد بجانب الأميرة التي أرادت بلوغ القوة التي لا يجب على البشر مسها. و الآن، أنتم بجانب ذلك المغفل الذي يحلم أن يكسب العرش لنفسه. يا له من أسلوب مضلل حقا، لو أنني تأخرت في المجيء إلى هنا لعام آخر لكانت هذه الإمبراطورية في يدكم بالفعل، لا، ليست الإمبراطورية فقط، بل العالم أجمع"

وقف باسل من على الكرسي الفخم ثم تكلم "أحلام واهية من أرواح فقيرة، يجب أن يكون ذلك المغفل يطير من الفرحة في الوقت الحالي"

"أحلامك هي الواهية"

تكلم أخيرا ذلك الشخص الطائر في السماء. كان يصنع تعبيرا فخورا للغاية، كان يبدو كما لو أنه يزدري الذين يحدق بهم. تحدث بعدما رفع من حدة صوته أكثر "سيدنا ظل الشيطان شخص عظيم، غر مثلك لا يقارن به أبدا"

تكلم باسل بكل هدوء "شخص عظيم؟ كيف لروح فقيرة أن يكون مالكها شخصا عظيما؟ هل بسبب شخصيته؟ طموحه؟ أتباعه؟ قوته؟ لا شيء من هذا، ما يجعل الشخص عظيما هو روحه. سأنادي أي شخص حافظ على روحه سليمة و خطى بها على طريق الأقوياء طامحا في بلوغ ذروة المسار الروحي بالشخص العظيم. و أيّا كان، إن خالف شرطا واحدا من تلك الشروط لن يكون في عيني سوى روحا فقيرة"


أكمل باسل بعدما ظهرت عليه بعض الإشارات لتفعيله طاقته السحرية "سأخبرك بشيء يا أيتها الروح الفقيرة، لقد أتيت أنت و حاشيتك إلى هنا آملين في تلقيني بعض الدروس. لكن، ألم تصلكم بعض الأخبار عن اختفاء واحد من الذين تنادونهم بالقدماء الكبار؟ هل تريد مني إنارتك عما حصل له؟"

حدق الشخص الطائر في السماء في باسل محاولا اكتشاف ما الذي يقصده بكلامه. لقد وصلتهم الأخبار بالطبع عن اختفاء واحد من قادتهم الكبار، لكنهم لم يعلموا أين اختفى بالضبط، فهو كان يتمركز بإمبراطورية الأمواج الهائجة بينما يوسع قواته و يتبع أوامر سيدهم ظل الشيطان

قبل أكثر من شهرين، اختفى فجأة الأقدم الكبير فالتشر إضافة لمساعده كازيمارو. هذا الأمر جعل ظل الشيطان يغضب كثيرا، و أمر بالبحث عنه، إن وُجِد حيا فسيلقى عقابا أسوء من الموت، و إن كان ميتا، فيجب الانتقام له و جلب رأس قاتله

قامت أنمار و القادة الكبار بعد انتهاء المعركة ضد الأقدم الكبير بأمر الجنود و كل من شهد ما حدث بالتستر عن الأمر. فالسبب الأكبر من هذا كان إخفاء الأخبار عن حلف ظل الشيطان، و لهذا لم تكن هناك أي أخبار عما حدث غير الحرب، أو القوة التي أظهرها باسل، أو العدو الذي ظهر من العدم

بالطبع، كان يجب على الكبير أكاغي كإمبراطور أن يقوم باجتماع مع القاضي الأكبر ليخبره بأن هناك عدوا للعالم كله قد ظهر، و شاهين واحد منهم. لكنه لم يخبره أبدا عن باسل أو عن المعركة التي حدثت بينه و بين هذا العدو تجنبا لكشف هوية باسل. فهذا الأخير كان عبارة عن ورقة رابحة لا يجب أن يعلم عنها أحد قبل أوان الوقت المناسب لذلك

قبل أن تكون هناك حربا حتى، حذر باسل القادة الكبار جنبا إلى جنب مع الكبير أكاغي من المحكمة المركزية. و بسبب نوايا هذه الأخيرة، وجد باسل أنه من السهل عليه جعلها تتحرك وفقا لمخططاته. فأعطى للقاضي الأكبر الإكسيرات و جعله يبقى خارجا عن شؤون الحرب حتى يخصص وقتا ليهتم به لمرة واحدة و أخيرة

لم يكن يعلم الكبير أكاغي أن حلف ظل الشيطان قد بدأ ينمي جذوره داخل المحكمة المركزية بالفعل. و بعد مدة من الوقت، أتى خبر لأذن الكبير أكاغي بينما كان باسل لا يزال غائبا عن الوعي. قام القاضي عادل بتبليغ رسالة له عن ظهور أشخاص بمستوى مرتفع جدا بالمحكمة المركزية

لم يكن القاضي عادل يعلم عنهم حتى كشفهم له القاضي الأكبر، فهذا الأخير كان يخفيهم عن الضوء لمدة طويلة، حتى رأى أن الوقت المناسب لظهورهم قد حان

لكن القاضي عادل لم يعلم أن هؤلاء الأشخاص هم في الحقيقة توابع لحلف ظل الشيطان. و ليس هو فقط، بل حتى القاضي الأكبر بنفسه لم يعلم عندها أنهم من حلف ظل الشيطان. فكما حدث مع غرين شارلوت و أخيها غرين هيملر، تقرب منه أعضاء من حلف ظل الشيطان من دون أن يعلم. و ظن أنه قد وجد أشخاصا موهوبين فقط كما ظنت غرين شارلوت أنها وجدت ساحرا في المستوى السادس و كانت محظوظة، و لم تعلم أنها كانت مجرد أداة لذلك الساحر و منظمته ليبلغوا هدفهم


بعد استيقاظ باسل و سماع الأخبار من القاضي عادل مباشرة، راودته بعض الشكوك. و عندما سمع كلام شاهين و رأى هؤلاء الأشخاص تأكدت ظنونه كلها

كانت نوايا القاضي الأكبر تصل لمسامع باسل طوال الوقت، و كان هذا من خلال القاضي عادل الذي أصبح تابعا مخلصا لباسل. فبعد لقاءهما الأول خلال إلقاء القبض على غرين هيملر، و بعدما رأى القاضي عادل أهداف باسل النبيلة، أخبره عما ينوي القاضي الأكبر فعله. و هكذا كان باسل قادرا على وضع المحكمة المركزي تحت أعينه

فالقاضي عادل كان شخصا يريد دائما المصلحة لوطنه، و طموحات القاضي الأكبر جعلته يشعر بالاشمئزاز منه فقط. كيف لقاض أقسم على حماية وطنه و اتباع القوانين بكل إخلاص أن ينوي التسبب في حرب داخلية و ثورة ستؤدي بهذا الوطن للتهلكة؟

الآن، في حين كان القاضي الأكبر منشغلا بالانتهاء من أمر باسل، لم يلاحظ تلك الظلال التي كانت تقترب من خلفه

بالمحكمة المركزية

تكلم القاضي الأكبر مع القاضي عادل بفرحة كبيرة "يجب أن يكون ذلك الفتى المغرور الآن يعاني، و أخيرا ثم أخيرا، لقد اقترب أوان الوقت"

حدق فيه القاضي عادل ثم أحنى رأسه و قال "نعم يا سيدي، لقد اقترب حقا"

عض القاضي الأكبر تفاحة ثم فكر بداخله "لم أكن أعلم أن أولئك الأشخاص من حلف ظل الشيطان ! لكن هذا لا يهم، لقد قالوا أنني سأستطيع الغدو إمبراطور هذه البلاد، و يجب علي فقط الاستماع لهم. لكن من المغفل الذي سيفعل هذا؟ بعدما أقضي حاجتي معهم سأقتلهم، لا يجب أن أترك أي خيط ورائي يدل على تلقي العون من حلف ظل الشيطان، هذا سيسبب لي المشاكل لاحقا فقط لا غير"

ابتسم القاضي الأكبر ثم ضحك بعدها بشدة و اقترب من القاضي عادل فضرب بيده على ظهره بينما يقول "فلترافقني أيها القاضي عادل في فرحتي، فلتنادي باقي القضاة، سوف تكون هناك وليمة اليوم"


بالعودة للكولسيوم

تكلم ذلك الشخص الطائر في السماء بعدما اسود وجهه "ما الذي تحاول قوله؟ هل تلمح إلى أنك قتلت الأقدم الكبير فالتشر؟ شخص في مستواك فعل؟ ما هذه المزحة؟"

قال باسل بصوت حاد "سنرى إن كان كلامي مزاحا أم لا"

ارتفعت طاقة باسل السحرية فبدأ عنصر النار يتشكل حوله، ازدادت كثافته أكثر فأكثر حتى بلغ قمته. مباشرة بعدها أخرج سيفيه الأثريين و شحذهما بطاقته التي شحنها

عندها، استهجن ذلك الشخص المحلق في المساء ثم قال باستهزاء "همف، كما توقعت، قمتك هي المستوى السابع فقط، و مع ذلك لا زلت تتحدث بمثل تلك العجرفة ! "

سيفا باسل الأثريان عبارة عن أسلحة بالدرجة الثالثة، و عنصر النار الخاص به بقمة المستوى السادس، لذا في الحالات الطبيعية لن يكون بإمكانه استخدام سلاح أثري بالدرجة الثالثة. فساحر من المستوى السابع و ما فوق من بمقدورهم استخدام سلاحا أثريا بالدرجة الثالثة

لكن بما أن باسل يمتلك بحر روح قوي للغاية بالنسبة لساحر بقمة المستوى السادس، إضافة لتحكم خارق، حتى بمستواه الفعلي الذي هو المستوى السادس، كان باسل قادرا على التحكم في عنصر العزيز الذي بلغ المستوى التاسع. و بالطبع كان هذا ممكنا فقط بمساعدة من تلك القطعة الأرضية التي ظهرت في بحر روحه

لذا بقدرات باسل، حتى لو كان ساحرا بقمة المستوى السادس فقط، فتحكمه في الطاقة السحرية و الأسلحة السحرية إضافة للأسلحة الأثرية كان مدهشا للغاية

لذا باستخدامه لسلاحيه الأثريين، كان قادرا على التحكم فيهما لدرجة الكمال مرة أخرى فأصبح السيفين لهبين. و بتلويح من باسل، كان قادرا على قطع الهواء نفسه لمسافة طويلة بسبب قوة التلويح. اصطحبت القوة الناتجة عن التلويح معها قوة عنصر النار الخاص بباسل و الذي انطلق عبر السيف الأثري


بتحكمه في أسلحته لدرجة الكمال، كان باسل قادرا على أن يصنع هجوما مماثلا لسلاح أثري بالدرجة الخامسة

في مواجهة النار الآتية عبر اختراقها للهواء، ارتعد ذلك الشخص المحلق بالسماء و صرخ "الكمال في التحكم؟" و بسرعة شحذ طاقته السحرية ثم أطلق انفجارا ناريا و هرب مبتعدا عن الهجمة التي وجدها قد شارفت على إزهاق روحه

بعدما استطاع هذا الشخص النجاة من هجوم باسل، وجد نفسه يتعرق من التوتر. فصرخ في وجه باسل "من أنت بالضبط أيها الغر اللعين؟"

لم يجبه باسل و بدأ يستعد لتنفيذ الهجوم القادم. في حين، كان ذلك الشخص يحدق به كما لو أنه يرى وحشا أمام عينيه. الكمال في التحكم ليس شيئا يستطيع أي شخص استخدامه، فحتى من بين قدماءهم الكبار، ليس هناك من بلغ الكمال كله، بل استطاع الاقتراب منه فقط

صعدت القشعريرة مع ظهره، هو كساحر بقمة المستوى السابع، كان واثقا من نفسه للغاية، و ظن أنه باستطاعته هزيمة مثل هذا الفتى المغرور بكل سهولة. لكن، بعد رؤيته لما رأى، تعرق كثيرا و بدأ يرى أن الفتى ليس بغر مغرور، و إنما وحشا صغيرا لا يتكلم كلاما فارغا

تحدث هذا الشخص بصوت عال جدا "كلكم، اهجموا من جميع الاتجاهات، يجب علينا أن نقتل هذا الوحش الصغير هنا و الآن"

شحذ العشرة الذين كانوا في صدمة مما شهدوه قبل قليل، ثم قفزوا كلهم مرة واحدة منقضين على قادة التشكيل و باسل

بام بام بام

انفجر مكان باسل و قادة التشكيل بسبب هجوم العشرة الذي جلب معه العواصف النارية و الجليدية، انهيارات ثلجية و إشعاعات ضوئية، اختلفت هجماتهم لكنها استهدفت نفس المكان


من بين الانفجار الضخم الذي حدث، انبثق ظل خارجا من الغبار المنتشر بسرعة كبيرة جدا ثم استخدم خطوات لم يستطع تتبعها و لا واحد من العشرة

وووش

بوووم


في لحظة، بعدما استطاع الكل مشاهدة ذلك الظل بسبب توقفه، كان هناك شخصا محلقا في السماء و جسده يحترق من الخارج و يرتعد كما لو كان ينفجر كان من الداخل

بسبب هذا، تقيأ هذا الشخص الدماء بغزارة و درعه السحري الذي كان يرتديه قد تدمر كليا و أحس أن أعضاءه الداخليه تحترق من الداخل بعدما تعرضت للانفجار

بعد مشاهدتهم لهذا الأمر، توقف التسعة و الشخص الذي كان يحلق في السماء عن التحرك تماما من شدة صدمتهم. كلهم حدقوا في باسل الذي كان صاحب هوية ذلك الظل ثم شعروا بالخوف الشديد

تكلم ذلك الشخص الطائر في السماء غير مصدق لما رآه "فن قتالي أثري؟"

لم تخرج هذه الكلمات من فمه إلا بعدما عانى الأمرين نفسيا، بعد مشاهدته لهذا الفتى يستخدم سلاحا أثريا بالكمال في التحكم، الآن يشاهده يستخدم فنا قتاليا أثريا، كم كان هذا الأمر مرعبا؟ و كم كان يجعل النفس تهاب هذا الشخص؟

استخدم باسل الفن القتالي الأثري خطوات الرياح الخفيفة، لكنه هذه المرة أضاف لركلته عنصر النار الذي كان بقمة المستوى السادس، و ببنيته التي تجاوزت المستوى السابع بالفعل، جعل ركلته هذه تظهر كما لو أنها ركلة نارية من ساحر بالمستوى التاسع

كان الفن القتالي الذي كان أصله فنا ساميا يسمى بالفن القتالي الأثري، و لم يكن سوى فرعا صغيرا جدا من الفن السامي، و بعدما يتطور ليصبح جزء بسيطا، يسمى عندها بالفن القتالي الروحي

ضد مثل هذه الركلة، لم يكن مصير ذلك الشخص الذي كان ساحرا بالمستوى السادس سوى أن يتعرض للانهيار الكلي أمامها


بركلة واحدة، انهار ساحر بالمستوى السادس تماما قبل أن يعرف ماذا حدث حتى. كانت بنية باسل الجسدية قوية للغاية مقارنة بمستواه السحري. لكن ما جعل هذه الركلة بمثل هذه القوة المذهلة، هو الفن القتالي الأثري

مع أن باسل قد أتقنه منذ مدة لا يمكن وصفها بالطويلة، إلا أن القوة التي أخرجها كانت غير معقولة، و رفعت من إمكانياته لدرجة مخيفة. كان إتقان الفن القتالي الأثري بداية التوجه نحو إدراك الفن السامي، كان الانطلاقة التي يجب على كل شخص المرور بها قبل أن يحلم بالفن السامي حتى

لا زال باسل يتقن فرعا صغيرا جدا فقط، لا زال في الغصن الأول فقط. و مع ذلك، بقوة هذا الغصن الأول فقط كان قادرا على جعل ساحر بالمستوى السادس يخرج من الحسابات تماما من دون التفكير في عودته للمعركة

عندما شاهد ذلك الساحر الطائر في السماء ما حدث، لم يعد يستطيع تحمل هذه الصدمات أكثر بعد الآن. أولا الكمال في التحكم، و الآن، فن قتالي أثري، من أتقن واحد من هذين الاثنين كان بمقدوره أن يصل للقمة، و في طريقه إليها، يكون بإمكانه ذبح أعداءه بكل سهولة، و لو كانوا بمستويات أعلى منه حتى

لا زال باسل في الغصن الأول فقط، لا زال بالفرع الصغير جدا من الفن القتالي الأثري فقط. لكن، بعدما يصل الشخص لمرحلة حيث يكون باستطاعته استخدام و لو الجزء البسيط فقط، أي الجذع الأول، فعندها سيكون بإمكانه فتح طريقه عبر إبعاد كل من يعترضه، سيكون بإمكانه مناداة نفسه بخبير الفنون السامي و يصنع مساره الفني الخاص

من بين السحرة الروحيين، فقط القليل من كان يستطيع استخدام جزء من الفن السامي. كل من استطاع منهم، كان قادرا على صنع اسما له و تخليده في التاريخ بشكل غير متزحزح. كل خبراء الفن الساميين كانوا معروفين بهيبتهم، رهبتهم، و طغيانهم. كل من تجرأ على تحديهم كان يلقى مصرعه قبل أن يعلم حتى، و مسارهم اشتهر بالمجازر و المذابح التي كانت تضحية من أجل تطورهم

لم يكن لدى ذلك الساحر معرفة كبيرة بشأن الفنون السامية الأربعة عشر، لكنه علم بشأن الفن القتالي الأثري. بلع ريقه بشدة و لم يعلم كيف يجب أن تكون خطوته القادمة، لأنه مهما حاول العثور على خطوة ناجحة، يجدها تفشل و تسقط في الأعماق

تنفس باسل ببطء كما اتخذ وضعية القتال الخاصة به. وقف بشكل مستقيم بدون أي اعوجاج، ثم رفع يديه أمام وجهه، و كانت اليد اليمنى أعلى من اليسرى قليلا. فقط باتخاذه لوضعيته، كان قادرا على جعل الرياح الباردة تصعد مع العمود الفقري لذلك الشخص الطائر


ووش ووش ووش ووش

في لحظة، ظهرت أربع ظلال خلف باسل بسرعة خاطفة. لقد كانوا قادة التشكيل إلا شي يو التي حافظت على مركزها السابق من دون أن تتحرك

تكلم واحد من التسعة موجها كلامه لذلك الشخص الطائر "أيها القائد فلايمر، ما الذي يجب علينا فعله؟ هل نتراجع؟"

حدق به فلايمر ثم أخرج نية قتله تجاهه كما لو أنه ينوي قتله . في الحال، التفت ذلك التابع لجهة باسل و أحكم القبض على سيفه. لقد فهم معنى نظرة قائده تلك جيدا، ليس هناك تراجع، فقط معركة حتى الموت

فكر فلايمر بداخله لقليل من الوقت بينما يصنع نظرات متحسرة "أصبحت الخيارات ضدنا تماما، لكن... هناك شيء يجذبني، لقد لمح لقتله السيد فالتشر، كيف كان بإمكانه فعل هذا؟ هل حقا قام بهذا فقط بالفن القتالي الأثري و كماله في التحكم بالأسلحة الأثرية فقط؟ لا يمكنني الاقتناع بهذا"

"حده هو المستوى السابع فقط، و من يخترق للقسم الثاني من مستويات الربط تتضخم طاقته كثيرا. حتى بالفن القتالي الأثري أو الكمال في التحكم، لم يكن محتملا خسارة السيد فالتشر ضده. فالقسم الثاني يتجاوز القسم الأول بكثير، المستوى شاسع بينهما"

لم يفهم فلايمر أبدا كيف، لذا لم يستطع الاقتناع. إلا إذا كانت هناك مساعدة ضخمة في جانب هذا الفتى أو كان يمتلك كنزا أثريا أو روحيا مذهلا، غير ذلك، لا يمكن هزيمة الأقدم الكبير أبدا

لذا في الحال أمر التسعة الآخرين "كلكم، استهدفوا أولئك الأربعة، لا يجب ان تكون هناك مشكلة كبيرة بالنسبة لكم معهم"

انقض أولئك التسعة على قادة التشكيل الأربع بشكل متوحش، كانت بالإمكان الشعور بنية قتلهم بوضوح. كانوا كلهم بقمة المستوى السادس


انقسموا لثلاث مجموعات، كل واحدة أتت من جهة. و كلهم استهدفوا قادة التشكيل فقط من دون الاهتمام بباسل أبدا

فجأة، بدأ قادة التشكيل يتحركون، و أول من فعل منهم كان فانسي. بحركة يدوية دائرية، قام بتلويح سيفه الأثري و قطع الهواء فتشوه الفضاء ثم تموج لقليل من الوقت قبل أن يختفي قادة التشكيل من المشهد تماما

ووش ووش ووش

بتتابع ظهر سيفان من الفراغ و قطعا اثنين من أعضاء المجموعة التي أتت من الخلف و المكونة من ثلاث سحرة، كما توجه سهم ناري مشتعل للثالث منهم و قام باختراقه ثم انفجر بنفس الوقت. تفاجأ أعضاء هذه المجموعة كثيرا، فهذه الهجمات التي ظهرت من العدم حملت معها شفرات جليدية و كتل ثلجية إضافة لانفجارات نارية

بسرعة تفرقوا و تشتت تشكيلتهم. المجموعتان الأخريان اللتان أتيتا من اليمين و اليسار وجدتا نفسيهما قد التقتا ببعضهما، و أمامهما باسل. أراد أعضاؤهما التراجع بسرعة لكن فات الأوان و كان باسل قد نقذ حركته بالفعل

بام بام بام

بخطوات الرياح الخفيفة، استطاع باسل تنفيذ ثلاث ركلات متتابعة حطمت دروع أعضاء المجموعة الأولى، أما الثانية، فكان من بينهم ساحر وهم قام بجعل مجموعته تفر من الهجوم

حدث الأمر بشكل سريع للغاية، و قبل أن يدرك فلايمر ما حدث حتى كان الأوان قد فات بالفعل

لو أنه لم يأمر تينك المجموعتين بالتراجع لكانا قد تعرضا للإبادة. أمرهما عبر خاتم التخاطر، و مع ذلك كان متأخرا، في تلك اللحظة كانت الخدعة قد نُفذت

تم تشتيت ذهن أعضاء المجموعات الثلاث بسحر فانسي الوهمي، فتم مهاجمة المجموعة الأولى ليجذب لها الانتباه. هكذا نسي المجموعتان الأخريان باسل الذي كان قد رتب دورته التنفسية و كان في أتم الاستعداد


عندها، تم تحذيرهم، لكن مجموعة فقط من استطاعت الهرب هجوم باسل، أما المجموعتان الأخريان، فقد تعرض أعضاءها لإصابات بالغة

استخدم قادة التشكيل كلهم أسلحة أثرية من الدرجة الثانية، و الشخص الذي كان لضربته تأثيرا أكبر من بينهم كان تورتش الذي كان معتادا على سلاحه الأثري أكثر من الآخرين

كان تحكمه جيد للغاية به، و بضربة واحدة منه كان قادرا على اختراق درع العدو السحري و تفجير جسده مباشرة. و هذا الشخص الذي تعرض لمثل هذا الهجوم منه كان ميتا بالفعل. أما الاثنين الآخرين من مجموعته، فقد تعرض واحد منهما لشفرات جليدية مترابطة من برودي، كما حفر شينشي الآخر المتبقي بحفار ثلجي كان قاسيا لدرجة جعلت من درع العدو السحري يتكسر كالزجاج و يترك طريقا للحفار ليخترق الجسد

كل هجماتهم كانت مصحوبة بدعم من الأسلحة الأثرية من الدرجة الثانية، لذا أولئك السحرة لم يكن أمامهم مصير آخر غير التعرض للهزيمة النكراء

الثلاثة الذين هزمهم باسل بركلاته المدعمة بعنصر النار إضافة لبنيته الجسدية التي تعززت بالفن القتالي الأثري تحطموا تماما و فقدوا الوعي في الحال. كانت ركلاته سريعة للغاية، و بسبب هذا أصبحت كتلتها أكبر و أكبر حتى حطمت الدروع السحرية لأشلاء تماما و حطمت أجساد الأعداء

هُزِم ستة، واحد منهم قتل بالفعل من طرف تورتش، و لم يتبقى سوى ثلاثة بجانب فلايمر الذي صرخ مرة أخرى "كيف لك لهم أن يملكوا أسلحة أثرية كلهم؟ من الذي صنعها لهم؟ أيها الوحش الصغير ! من يدعم ظهرك؟ كيف لك أن تحوز على كل هذه الأشياء النادرة؟"

اتخذ باسل وضعة القتال ثم شهق و زفر ببطء مغمض العينين. فتح هاتان الأخيرتان بعدما هدأت الأوضاع و عم الصمت تماما بالكولسيوم، ثم قال عندها بكل رصانة "لو كنت تمتلك فضولا لا يشبع و تعلمت من الأفضل، فصنع الأسلحة الأثرية سيكون شيئا سهلا القيام به مع الممارسة. لكن، جزء التعلم من الأفضل هو الأهم، فمن دون إرشاد، لن يكون بإمكانك إشباع فضولك النهم و الشره"

تعلّمَ من الأفضل؟ بسماع هذا التصريح، اقتنع و فهم أخيرا فلايمر و اعتقد مع نفسه "كما توقعت، هناك من يدعم ظهره ! لكن من عساه يكون؟"

ابتسم باسل ثم قال "سأقول لك شيئا جيدا، شيئا تعلمته من الأفضل. 'أولئك من ليس لديهم طموح ثابت، لن يبلغوا. و أولئك من لديهم شغف و فضول لا ينتهيان، سيكون بمقدورهم فتح الباب الروحي لبلوغ ذروة مساره'. أرواح فقيرة مثلكم لن تستطيع استيعاب عمق هذا الكلام أبدا"


اسود وجه فلايمر تماما فصرخ في وجه باسل "أصمت أيها الوحش الصغير ! "

تكلم باسل "اصرخ كما تشاء، لكن كما حدث لأقدمك الكبير، ستلقى مصرعك أيضا. لكن لا تقلق، سأمنحك وقتا لتندب. و الآن، فلتقم بخطوتك، فأنا أنتظرك أيتها الروح الفقيرة"

استفز باسل فلايمر، فجعله ينزل من السماء ليحافظ على طاقته أكثر كي يواجه باسل

تكلم باسل مرة أخرى "سأجعل الأمر عادلا بالنسبة لك، لن أستخدم سلاحيّ، و الآن، فلتتقدم"

حرك باسل أصابعه الأربع جاعلا فلايمر يهتز من الغضب أكثر و أكثر

لم يشعر فلايمر بهذه الإهانة منذ أن انضم لحلف ظل الشيطان قبل سنتين، و هذا اليوم تعرض لأكبر إهانة في حياته كلها و ليس فقط بعدما انضم للحلف

أخرج سيفه الأثري و الذي كان من الدرجة الثالثة، كساحر بقمة المستوى السابع شارف على بلوغ القسم الثاني من مستويات الربط، كان فخورا للغاية و ازدرى كل العباقرة الآخرين بموهبته المدهشة

بعمر الخامسة و العشرين فقط، كان بإمكانه أن يصبح اليد اليمنى لأقدم كبير، و توقع منه الجميع أن يكون الأقدم الكبير القادم و الذي سيخدم ظل الشيطان بشكل مباشر. و ها هو ذا اليوم يكتشف فتى أصغر منه بعقد بموهبة و عبقرية لا يجرؤ على ازدراءها

قبل أن يهجم، فكر في كيفية تنفيذه لخطوته. و هكذا، تذكر فجأة أمرا نسيه بسبب ملاحظته للأسلحة الأثرية و التي جذبت كل انتباهه

سابقا عندما هاجمت الثلاث مجموعات، لم يكن في الحقيقة بإمكان قادة التشكيل الاستجابة بتلك السرعة الهائلة إلا لو كان هناك تنظيما معينا، و أي تنظيم يحتاج لملقي التعليمات. عندها، أخيرا تدارك فلايمر الأمر و حدق في المكان الذي كان به باسل و قادة التشكيل الأربع سابقا. هناك، وجد شي يو تحدق به و بالثلاثة المتبقين معه من دون أن ترمش فتضيع منها أي لحظة

"اللعنة" شتم فلايمر "ابنة العاهرة، كنت أظن أنها مجرد إضافة، لكن من كان يتوقع أنها مخططة قتالاتهم. كان يجب علي البدء بها أولا"

كانت شي يو تهمس بخاتم التخاطر لقادة التشكيل و باسل طوال الوقت، و تخبرهم عن التحركات التي يجب عليهم تنفيذهم، كل خطوة منهم كانت مقررة بناء على حكمها و فهمها الخاص لتحركات العدو. كانت إرشاداتها كاملة و مكتملة من دون عيوب على الإطلاق، لم يكن هناك أي خلل في تعليماتها، لا زيادة و لا نقصان

برؤية فلايمر يلعن، تكلم باسل مرة أخرى "أكبر خطأ قمت به ليس استخفافك بي، و إنما عدم وضعك تشكيلي في عينك و عاملتهم كإضافة. لو أنك تحركت بعقلانية أكثر لكان أتباعك قادرين على الحركة على الأقل حتى الآن"

لعن فلايمر و انطلق بسرعة صارخا "أصمت أيها اللعين. أنتم، كلكم ادعموني، سنقتل هذا الشقي مجتمعين"

ووش ووش ووش ووش


انطلق الأربعة مرة واحدة بقيادة فلايمر الذي شحذ طاقته بسيفه الأثري ثم أشار بعينه لواحد من الثلاثة و الذي بدوره أسرع في تفعيل سحره ثم لوح بشكل أفقي بكل ما يملك من قوة نحو مجموعة باسل

بتشوه الفضاء، اختفت مجموعة فلايمر، و فجأة ظهرت عدة نسخ من المجموعة، على اليمين، ثم اليسار، من الأمام، و في الأخير من الخلف

و كل مجموعة تأتي منها نية قتل قاتلة. بمشاهدتهم، لم يتحرك باسل من مكانه، و حرك بدل ذلك شفتيه "لقد قلت لك لا تستهن بتشكيلي، فلو فعلت، ستجد نفسك وسط أهواله"

بناء على كلمات أتت على شكل أفكار منقولة بخاتم التخاطر، تحرك قادة التشكيل الأربع من أماكنهم إلا تورتش الذي حرك يديه رافعا قوسه و ساحبا سهما ناريا، ثم توجه كل واحد من الثلاثة الآخرين نحو اتجاه معين، يمين، يسار، خلف، أما تورتش فوجه سهمه نحو الأمام

اعترض قادة التشكيل الثلاثة طريق الأعداء الثلاثة، كل واحد اعترض طريق واحد. و هذا الشيء جعل فلايمر يصعق تماما، فهم كانوا متخفين بسحر الوهم، و لم يكن ممكنا كشفهم بمثل هذه السرعة. لكن، على عكس ما توقع، وجد أتباعه يتعرضون لهجوم من العدو. في حين، كان هو يستعد ليستقبل سهم تورتش الناري

بسلاحه الأثري من الدرجة الثالثة، كان فلايمر قادرا بكل سهولة على صد سهم تورتش القادم من سلاح أثري بالدرجة الثانية. لكن، لم يكن الحال نفسه مع أتباعه، فهم قد وجدوا صعوبة بالغة في التصدي لقادة التشكيل الثلاثة الممتلكين أسلحة أثرية

اعتقد فلايمر أنه باستطاعته خداع مجموعة باسل بسحر الوهم، لكنه لم يعتقد و لو في أحلامه أن تقنية الوهم هذه ستكشف بكل هذه السهولة

السبب كان بسيطا، باسل الذي يمتلك عنصر التعزيز بالمستوى التاسع، لم يكن بالإمكان خداعه بسحر وهم من المستوى السادس أبدا. لذا، بناء على أوامره هذه المرة عبر خاتم التخاطر، تحرك قادة التشكيل الأربع كما أخبرهم

كان الأمر بسيطا للغاية، لكن بما أن العدو لا يمتلك ذرة معلومة عن حالة باسل الشاذة، فلم يكن بإمكانه توقع أن خطته ستكشف بمثل هذه السرعة

في الحال قام قادة الشتكيل باستخدام أقوى تقنياتهم بأسلحتهم الأثرية و أنهوا أمر الأعداء الثلاثة. كما تراجع تورتش للخلف بناء على أمر باسل الذي تكلم "لقد بقيت لوحدك، ماذا ستفعل؟ ستجرب حظك، أم ستهرب كالدجاجة بينما تنقنق؟"

"أيها الوحش اللعين ! " انقض فلايمر على باسل بكل ما يملك من قوة


شحذ طاقته السحرية لقمتها ثم انطلق كالسهم الضوئي محاولا اختراق باسل بشكل أفقي

قام باسل بالتحرك مستخدما الفن القتالي الأثري فاختفى من أمام ناظر العدو ليظهر بجانبه مرة أخرى قبل أن يركله بركلة خلفية نارية

صد فلايمر هذه الركلة على غير المتوقع، كانت استجابته سريعة للغاية، فشخص بموهبته، كان بإمكانه إدراك تحركات باسل قليلا بعد مشاهدتها لمرتين أو ثلاث فقط

و مع ذلك، بمجرد من أن تصدى للركلة الأولى، حتى تحركت قدما باسل، فقاد الرياح ثم ركبها حتى استطاع مواكبتها في النهاية. ظهر في الجهة المقابلة للتي كان بها سابقا و ركل مرة أخرى فلايمر بركلة خلفية نارية. هذه المرة لم يستطع فلايمر إدراكها، لكنه بمجرد ما أن تعرض للضرب حتى لوح بسيفه بأقصى ما يملك من قوة أثناء تحليقه من شدة الركلة

أصدر تلويحه بسيفه الأثري انفجارا أكبر من الذي يسببه تورتش بسهمه المنفجر، كان هذا الانفجار مدمرا للغاية، و الحلبة التي كانت معدة للمسابقة تعرضت للنسف الكلي

كانت عبارة عن حلبة مدعمة بسحر من المستوى السادس فقط، و بهجمة فلايمر الأخيرة، كان قادرا على محوها كما لو أنها لم توجد أصلا

و مع ذلك، قبل أن تهدأ النيران أو ينقشع الغبار، و أثناء تحليقه بسبب ركلة باسل السابقة. ظهر ظل بسرعة خاطفة خلفه جاعلا إياه يصرخ من الصدمة

باام

أتته ركلة خلفية نارية أخرى جعلته يحلق في الاتجاه المعاكس تماما

مع تعرضه لركلة جعلته يحلق بسرعة كبيرة بالأول، تعرض لأخرى استغلت سرعة تحليقه هذه بإضافتها لقوتها التي جعلت درعه السحري بالمستوى السابع يتكسر كالحجارة التي تعرضت للضرب بالفأس

حلق مرة أخرى للجهة المعاكسة من الكولسيوم، تقيأ الدماء كثيرا جراء هذه الركلة. لكن، و من دون راحة، مرة أخرى ظهر باسل خلفه و قام بركلة خلفية أرسلته للجانب المعاكس


و هكذا، استمر باسل في التحرك عبر الفن القتالي الأثري خطوات الرياح الخفيفة ذهابا و إيابا من كلا الجهتين. جعل جسد فلايمر يتحطم تماما من دون إعطاءه أي فرصة ليرد بها، فعندما يدرك أنه رُكِل، يجد نفسه يتعرض لركلة ثانية

تحطمت عظام فلايمر تماما و احترق جسده حتى غاب عن الوعي في النهاية، فتوقف باسل عن التحرك أخيرا

تكلم باسل بداخله بعدما توقف "لا زلت بعيدا كثيرا" ثم تنهد

كان باسل يزيد من سرعته أكثر فأكثر أثناء تنفيذه للفن القتالي الأثري، كانت نيته جعل الركلة الثانية تلحق الأولى. أي عندما يركل العدو من هذه الجهة، يكون باستطاعته ركله من الجهة الأخرى قبل أن يحلق جسده بعيدا بسبب الركلة الأولى. لكن مثل هذا المستوى لن يستطيع بلوغه الآن و لا زال بعيدا

تحرك قادة التشكيل الأربع فقيدوا العشرة الذين نجوا، فواحد منهم مات على يد تورتش، و الآخرين منهم فقدوا الوعي و لم يعودوا قادرين على التحرك

نزلت شي يو من الأعلى و تكلمت مع باسل "سيدي، ما خطوتنا القادمة؟"

أجاب باسل "عالجي واحدا منهم، سنجعل ذلك المغفل يعض أصابعه"

فتحت أبواب الكولسيوم، فوجد باسل الجمهور بأكمله لا يزال بالخارج منتظرا أخبار ما حدث بالداخل. و عندما شاهدوا الكولسيوم من الداخل، تفاجؤوا كثيرا من الدمار الذي وقع، اختفت الحلبة تماما، تعرضت المدرجات للعديد من التهشيم، كما كان الأعداء ممدين على الأرض غير قادرين على التحرك إطلاقا

كلهم سمعوا المعركة التي جرت بالداخل، و الأصوات التي كانوا يسمعونها جعلتهم يرتعدون من ضراوة القتال الذي يجري، خصوصا الانفجار الهائل الذي جعل أجسامهم تقشعر، خصوصا بعدما رأوا ما سببه من دمار

بظهور قاتل الدم القرمزي، تراجع الجميع للخلف من الخوف، لقد تعرض سابقا أمام أعينهم لمثل ذلك الانفجار الذي لا يمكن لساحر أقل من المستوى السادس القيام به، و مع ذلك كان قادرا على الخروج بدون جروح على الإطلاق

لكن، ما لم يعلمه هؤلاء الأشخاص هو أن أولئك الأعداء كانوا كلهم من المستوى السادس إلا واحدا منهم، و كان من المستوى السابع. لو علموا بهذا، لبللوا سراويلهم من الخوف. لكن مع أنهم لم يبللوها الآن، فلا شك أنهم سيفعلون بعدما يظهر العشرات من سحرة المستوى السادس فجأة في إمبراطوريتهم و عالمهم أجمع


*

كانت ليلة بقمر مكتمل، و خارج المعقل، كان يعم العاصمة الهدوء الكلي، و لم يكن هناك أي قتالات. بغروب الشمس، توقفت المبيعات، كما توقفت الشجارات التي كانت تحدث بين المشترين

و هكذا بدأت الليلة الطويلة

بالمحكمة المركزية

تكلم جندي راكع على ركبة واحدة مع القاضي الأكبر مقدما له خبرا "سيدي، لقد أتى ضيف ما، و يرجوا مقابلتك"

"همم؟" التفت القاضي الأكبر الذي كان يحدق في جهة معقل التشكيل "هل هو فلايمر؟ هل انتهى أخيرا؟"

"هذا..." تلعثم الجندي قبل أن يكمل "في الحقيقة، يبدو أنها الأميرة أنمار التي أعلن عن وجودها اليوم"

استغرب القاضي الأكبر من كلام الجندي، لم تريد هذه الأميرة ملاقاته؟ لم يستطيع ربط مجيئها بشيء آخر. و فجأة، اتسعت عيناه و طرأت فكرة بعقله

"هل يمكن أن كريمزون أكاغي قد اكتشف أنني أرسلت بعض الأشخاص من أجل قتل ذلك الغر؟ لا، لا يمكن، يجب أن يكون هناك خطأ ما، لا يمكن اكتشاف مخططي بهذه السهولة. فأولئك الأشخاص كنت أخبئهم عن الضوء و لا يعرف أحد أنهم ينتمون إلى هنا"

"سيدي ! ماذا نفعل؟" سأله الجندي باحترام

وضع القاضي الأكبر يده على ذقنه ثم قال بداخله "يجب أن تكون قد أتت لتحييني أو شيئا مشابه لذلك فقط" ثم أكمل كلامه موجها إياه للجندي "فلتدخلوها، يجب أن نرحب بأميرة إمبراطوريتنا"

فتحت بوابة القاعة الرئيسية فدخلت أميرة شقراء بعينين زرقاوين. بضرب الرياح لشعرها، بدت كما لو أنها حوراء* تركت الجبال و الغابات، البحيرات و الجداول، و أتت لترفرف بشعرها الجميل الذي يسلب القلوب. فتحت عينيها المغلقتين، فإذا بسماء زرقاء تتشكل بكل واحدة منهما مع وجود بحيرة في وسطهما. كما لو أنك عندما تحدق بالسماء تجذبك و تجعلك عبدا لجمالها، و عندما ترى البحيرة، ترى انعاكسك فتشتم نفسك و تعرف قيمتك أمام السماء التي تحملها

(م.م : حوراء هي أنثى صغيرة تظهر في الطبيعة حسب ما تذكر الميثولوجيا الإغريقية و الميثولوجيا الرومانية وهي نوع من الإلَهَات وتوصف بأنها من روح الحيوانات وتتسم بالجمال والإثارة والعفة وأنها تحب الرقص والغناء، تظهر في الأماكن الطبيعية الجميلة من الجبال والغابات والبحيرات والجداول وكذلك هي لا تموت أبداً ولا تكبر ولا تمرض، بإستطاعتها إنجاب أولاد خالدين يصلون لدرجة الألوهية )

بدخولها للغرفة، تغيرت الأجواء فبدت كقمر أتى منيرا المكان. و بتكلمها، راقت القلوب لصوتها العذب فسرى و انجرّ أصحابها معه كما لو أنه نهر غلاب

"مرحبا أيها القاضي الأكبر. أنا كريمزون أنمار، الأميرة الثانية لإمبراطورية الشعلة القرمزية. تشرفت بمعرفتك"

بعدما سها القاضي الأكبر لوقت محدد في جمالها، استيقظ أخيرا من أحلام اليقظة و أجاب "آه، آه، مرحبا بك، لقد نورت ليلتنا المقمرة أكثر من البدر ذاته، هنا هنا"

قاد القاضي الأكبر أنمار نحو الطاولة ثم جلسا معا و أكمل كلامه باحترام تجاهها "لقد شرفتنا بحضورك إلى هنا. لقد تفاجأت حقا بخبر وجود أميرة لإمبراطوريتنا غير الأميرة الأولى كريمزون سكارليت، لكن ما صدمني أكثر هو جمالك الذي يمكن أن يكون سبب صراع الممالك و الإمبراطوريات"

نظرت له أنمار بعينين نصف مغمضتين فشعر بشيء ما غريب و بدأت الشكوك تتخله، لكنها تبددت بعدما تكلمت أنمار "إنك تعرف كيف تمدح الناس أيها القاضي الأكبر، و يبدو أنك تختص في ثناء النساء خصيصا، كما هو متوقع من متزوج بأربع"

"هاهاها" ضحك القاضي الأكبر ثم أكمل "على مر العصور و الأزمان، لطالما كانت النساء جزءا من تشكيل الممالك و الإمبراطوريات، و دوما كنّ سببا في دمارها. و المرأة الغانية التي تحمل الجمال الملكي، استلطفها الملوك و الأباطرة، فتنافسوا و تصارعوا عليها"

أتت خادمة ثم قدمت الشاي لأنمار و القاضي الأكبر قبل أن تنصرف

حملت أنمار الكوب و أخذت رشفة قبل أن تحرك شفتيها الورديتين لتخرج تلك الكلمات التي صعقت القاضي الأكبر "إنك تملك فما يخرج كلمات وردية حقا، تمنيت لو كان لباسل واحدا مثله" ثم بعدما انتهت بدا عليها كما لو أنها تذكرت أمرا ما ثم أكملت كلامها "آه، لو كان يملكه لَلَاحق النساء و لحِقنه. كما توقعت، باسل أفضل كما هو عليه"

اتسعت عينا القاضي الأكبر و أغلق فمه صامتا لمدة طويلة كما لو أنه بلع لسانه قبل أن يخرج صوتا غريبا "كيْ..."

حدقت فيه أنمار ثم استغربت "كيْ؟"

أكمل القاضي الأكبر كلامه بعدما بلع ريقه "كيف حال الجنرال الأعلى باسل؟"

لم يعتقد أبدا أن هذه الأميرة التي ظهرت لها علاقة بذلك الغر، حتى أنه كاد يسأل عن سبب معرفتها له و لمَ تسأل عنه، لكنه تدارك أمره و استجمع نفسه و غير السؤال. كان جزء لحاق باسل للنساء و لحاقهن به من كلامها موجها له في الحقيقة، لكنه تصرف كما لو أنه لم يسمع ذلك، فبعد كل شيء، لقد جذبه موضوع أهم

تكلمت أنمار مغلقة العينين بعدما شربت من الشاي "ماذا؟ هل أنت قلق عليه؟ لم أعلم أن بينكما مثل هذه العلاقة القريبة ! لقد أخبرني أنه أتى إلى هنا، لكنه لم يقل و لا كلمة عن مصادقته لك. فبعد كل شيء، ذلك الفتى ليس لديه أصدقاء آخرين"

فتحت أنمار عينيها فتدلت رموشها الطويلة ثم أكملت بينما تحدق في الشاي "هل يمكن أنك قد نجحت في مصادقته؟ سأشيد بك لو فعلت حقا، فليس بإمكاني تخيل ذلك الذئب الوحيد يشكل صداقة ! "

حدق القاضي الأكبر بأنمار مطولا قبل أن يسأل "يبدو أن علاقتك بالجنرال الأعلى باسل قريبة لتتكلمي عنه هكذا"

أجابت أنمار بكل هدوء "بالطبع، فهو زوجي المستقبلي"

تزحزح قلب القاضي الأكبر، لقد بدأ يشك في سبب مجيء أنمار إلى هنا. لكنه علم أنه لا يجب عليه التكلم عن باسل بشكل واضح، يجب عليه الحفاظ على هدوءه. سأل بعدما صنع ابتسامة هادئة "زوجك المستقبلي؟ يبدو أن علاقتك بالجنرال الأعلى أكبر مما توقعت أيتها الأميرة. لكن، ألا تتكلمين عنه بقساوة مقارنة بما صرحت به عن علاقتكما؟"

ابتسمت أنمار و قالت "لن تكون قساوة إن كان الشخص المعني يحب أن ينادى بذلك، فباسل يقرّ أنه لا يحتاج لأي أصدقاء، و يحب الوحدة أكثر من الرفقة. وصفه بالذئب الوحيد ليس شيئا أقذفه به، بل هو مدح بالنسبة له"

استغرب القاضي الأكبر من جواب أنمار. تكلمت هذه الأخيرة مرة أخرى لكن بصوت منخفض بدى كالهمس "لكن ماذا سيفعل بعدما نتزوج؟ هل سيبقى محافظا على تفضيله للوحدة علي يا ترى؟"

ضاقت عيني القاضي الأكبر، هناك سؤال لا يستطيع إزاحته عن عقله مهما حاول إنه يريد تجنب التحدث عن باسل، لكنه لا يستطيع تجاهل التحدث عن هذا الموضوع لذا تكلم أخيرا "أ هذا يعني أنه سيكون الإمبراطور التالي بعدما يتزوجك إن تسلمتِ العرش من جلالته؟"

انتشرت الأخبار عن إرادة الإمبراطور أكاغي في تسليم العرش لأنمار إن أرادت ذلك كالنار في الهشيم، فابنته سكارليت لم تحبذ تمرير مقعد رئاسة العائلة لها قبل أن ترجع عائلة كريمزون لحكمها، و لم يكن من الممكن تمرير المقعد للجنرال منصف طالما كانت زوجته لا ترغب في قبوله

فعندما كان يتم تسليم مقعد الرئاسة للابنة إن لم يوجد الابن لتصبح الرئيسة، يصبح زوج هذه الابنة فيما بعد الرئيس. لكن سكارليت لم ترغب في ذلك، لذا كان الكبير أكاغي ينتظر حفيده الصغير كارماين ليكبر ثم يمرر له مقعد رئيس العائلة

كان حال مقعد رئيس العائلة نفسه الخاص بالعرش، فعندما تكون عائلة ما هي الحاكمة، يكون رئيس العائلة هو الحاكم أيضا

لذا الآن، عوض قول تمرير مقعد الرئاسة لأنمار، يجب قول تمرير العرش لها

ابتسمت أنمار بعدما قرّبت فنجان الشاي لفمها، لذا لم تظهر تلك الابتسامة التي تبدو كما لو أنها تلميح عن المجيء بالفريسة للشباك التي تعتبر بوابة الهاوية. تكلمت بعدما أخذت رشفة من الشاي "إن قبلت بالعرش، فنعم، سيصبح تلقائيا الإمبراطور. ماذا في ذلك؟ هل هذا غريب؟ ليس كما لو أن هذا لم يحدث من قبل"

تكلم القاضي الأكبر بابتسامة متصنعة "و لكن..."

حدقت أنمار أخيرا به ثم قالت "و لكن ماذا؟"

تكلم القاضي الأكبر "اعذريني على وقاحتي أيتها الأميرة، لكن أهو رجل مناسب لك؟ أهو رجل مناسب ليصبح الإمبراطور؟ فأصوله ليست معروفة حتى، و لا بد من أنها ليست بالكبيرة بما أنها ليست معروفة. لقد كان هناك أشخاص أصبحوا أباطرة عبر التزوج من الإمبراطورات، لكنهم كانوا كلهم أولاء أصول رفيعة على ما أظن"

حملقت به أنمار ثم قالت "لا تقلق من هذه الناحية، فبعد حق التلقيب الذي أُعلِن عنه قبل شهرين، سيكون الكل له أصل يستطيع التفاخر به بعدما ينميه، لكن إن كنت تقصد المكانة و السلطة، أليس باسل هو الجنرال الأعلى لإمبراطوريتنا؟ كيف يمكن ألا يكون مستحقا للزواج بي؟"

اختفت ابتسامة القاضي الأكبر و تحولت لعبوس قبل أن يتكلم صاحب التعبير "لكن... هذا لم يحدث من قبل؟"

أجابت أنمار "العصر يتغير، العالم يتطور، حضارات تهدم و أخرى ترقى، و مع ذلك طبيعة الإنسان لا تتغير بتلك السهولة. قد يكون لم يحدث من قبل، لكن ذلك كان عندما لم يكن هناك حق في التلقيب، و عندما لم يكن الجنرال الأعلى هو المعني بالأمر. ألا ترى المغزى هنا أيها القاضي الأكبر؟ لن تهم أصوله، فبعد كل شيء، هو يمكنها صنعها بيديه، و بما أنه الجنرال الأعلى بالفعل، فليس هناك مجال آخر للتشكيك في الأصل الذي سيصنعه"

حدق القاضي الأكبر في كوب الشاي ثم صمت و لم يقل شيئا. برؤيته، تكلمت أنمار "يبدو كما لو أنك لست براض بهذا، هل تكره الأمر لهذه الدرجة؟"

"لا..." لم يجد القاضي الأكبر ما يقوله

تكلمت أنمار مرة أخرى "لكن هذا إن تسلمتُ العرش، و إن أراد باسل في المقام الأول أن يصبح إمبراطورا، سنسمع منه هذا الأمر عندما يأتي، يبدو أنه أراد التحدث معك مرة أخرى حول موضوع معين، هل حقا لم تصادقه؟ لأنني بدأت أشك في هذا ! "

"هذا..." بدا الإمبراطور كما لو أن الروح قد عادت به. فهو غرق في أفكاره و نسي شيئا مهما للغاية، لقد كان يحاول التحدث عن باسل كما لو أنه لا يعرف شيئا عما يحدث له في معقل التشكيل. لكنه بسبب هذا نسي و تماشى مع كلام أنمار حتى النهاية. لم يجب عليه عناد أنمار و إثبات رأيه لها، فبعد كل شيء، إن لم يكن هناك 'باسل'، فكيف يمكن لـ'باسل' الغدو إمبراطورا؟

تحول وجه القاضي الأكبر الشاحب لواحد مشرق بكثير عما كان ثم قال بعد ذلك "ما كانت سبب زيارتك بالمناسبة؟ هل يحتاجني جلالته في أمر ما"

أجابت أنمار ببراءة "آه، لا، لقد أرسلني باسل إلى هنا، لقد قال أنه يحتاج مني التحدث إليك قبل أن يأتي هو إلى هنا حول حلف ظل الشيطان، لقد شك في أنهم ربما قد يكونوا وضعوا أقدامهم هنا. هو لديه بعض الأعمال الأخرى، لذا أراد أن يكون بعلمك ما سيخبرك به قبل أن يأتي، فهذا سيوفر الوقت له كثيرا، و كل ما يحتاج لفعله عندما يلتقي بك هو تقرير النهاية"

"هكذا إذا" فهم القاضي الأكبر ما يحدث ثم سأل بعدها "إذا، ألا يعلم أحد آخر عن مجيئك إلى هنا؟"

أجابت أنمار ببراءة "نعم، كل من يعلم بهذا هو سائق العربة الذي أتى بي إلى هنا، إضافة لأعضاء محكمتك الذين رأوني"

التوت حافة فم القاضي الأكبر ثم قال "هكذا إذا، هكذا إذا. لقد فهمت جيدا"

كان يعلم القاضي الأكبر أن باسل بالمعقل، و كان لديه اليقين أن مصيره سيكون الموت. لذا طرأت فجأة فكرة بذهنه

وقف القاضي الأكبر من على كرسيه ثم حدق بأنمار مطولا قبل أن تظهر على وجهه ابتسامة عريضة

قال القاضي الأكبر بعدما رفع ذراعيه للأعلى و بصوت مرتفع "آه، يا لها من ليلة مقمرة ! آه، كم ستكون طويلة هذه الليلة ! و آه، كم أشرق الجمال بنوره علينا ! "

حدق القاضي الأكبر في أنمار التي بدا عليها الاستغراب و الخوف قليلا بسبب تصرفه المفاجئ ثم أكمل "يبدو أنني كنت محقا بعد كل شيء أيتها الأميرة. لطالما كانت النساء جزءا من انهدام و ارتقاء الممالك و الإمبراطوريات. فكما أشرقتِ ليلتي بجمالكِ الخلاب، من كان يتوقع أنك ستشرقين حياتي كلها بحياتك الواهنة؟"

استخدم القاضي الأكبر خاتم التخاطر بينما يحدق في أنمار المشوشة، ثم بعدما انتهى، شهق كما لو أنه كان يغرق قبل أن يقول "و الآن، بعدما يختفي ذلك السائق الذي أتى بك إلى هنا، لن يعرف أحد آخر أنك توجهت إلى هنا أبدا"

انحنى قليلا و وجه يده نحو وجنة أنمار كما لو أنه يود حملها بينما يتحدث "بعدما أنتهي من كريمزون أكاغي، ستكونين أنت بابي لأصبح الإمبراطور بشكل شرعي"

كانت عينا أنمار توحي أن هذه الأخيرة ترتعد من الخوف، كانت عيناها تهتز و تحدق في اليد التي تحاول لمس وجنتها. في هذه اللحظة، تكلمت أنمار بصوت مرتجف "ما الذي تحاول فعله؟ هل جننت؟ هل نسيت أنني قلت أن الجنرال الأعلى باسل يعلم عن قدومي إلى هنا؟ بل و سيأتي بعد قليل ليقرر نهاية الموضوع المفترض بنا التحدث عنه ! "

توقفت يد القاضي الأكبر فبدا على أنمار كما لو أنها هدأت قليلا، صنعت تعبيرا على وجهها يشير لفرحتها باقتناع القاضي الأكبر بكلامها. برؤيته لهذا الوجه، استقام القاضي الأكبر مرة أخرى ثم ضحك بصوت مرتفع جدا "هاهاهاها" ضرب بيده على جبهته من شدة الضحك فازدادت حدة و شدة صفعه لمقدمة رأسه كما ارتفع صوت ضحكه

أصبح صوته يدب في القاعة الرئيسية بالكامل. بدا كما لو أنه قد سمع النكتة الأكثر إضحاكا في حياته على الإطلاق، فحتى هو كان متأكدا من أنه لم يضحك هكذا و لو لمرة في عمره الطويل أبدا

اهتز جسد أنمار الجالسة في مكانها مع اهتزاز الغرفة بسبب صوت الضحك و الهالة القاتلة التي بدت تنسل من القاضي الأكبر. كانت هذه الهالة مليئة بالحقد و الكراهية، و كما انسلت من القاضي الأكبر، امتدت و انتشرت نحو أنمار ثم بدأت تلتصق بها، صعدت مع قدميها ثم إلى فخذيها كما لو أنها تتحسسها

توجهت الهالة المشؤومة نحو المناطق الحساسة الخاصة بأنمار مما أعطى هذه الأخيرة شعورا غير مريح على الإطلاق، فبدأ جسدها يهتز أكثر و أكثر، و بدت كما لو أنها قد وصلت لقمة درجات الهلع و الفزع


بمشاهدتها، توقف القاضي الأكبر عن ضرب جبهته كما هدأ صوته ثم امتدت أنظاره نحو صدرها المغري، و سال ريقه بسبب ساقيها الطويلتين و البيضاويين قبل أن يقول بينما يلحس لعابه "أ تقولين أن ذلك الغر سيأتي إلى هنا؟ هاهاها، لا تكوني واهمة، ذلك الفتى لن يرى نور الجرم السماوي مرة أخرى، كان ذلك المغيب آخر مغيب يراه في حياته التي يجب أن تكون قد انتهت فترتها بهذا الحين"

أكمل بينما يحدق في أنمار التي تهتز "لقد أرسلت فرقة خاصة و التي سيكون سهلا عليها قتل ذلك الغر المغرور بكل سهولة، لو ظن أنه في قمة هذا العالم فقط ببلوغه المستوى السابع، فهو حقا غر مغرور، هناك العديد من الوحوش المختبئة في الظلال و لا تريد الكشف عن نفسها إلا عند قدوم الوقت المناسب لذلك"

تكلم القاضي الأكبر بعدما قام بمسح جسد أنمار من الأعلى للأسفل بعينيه "لا تقلقي، و لا داع لتخافي هكذا، فلتهدئي و لنبدأ في التفكير بمستقبلنا معا"

اقترب القاضي الأكبر من أنمار بينما يهمس لها "سأطلق زوجاتي الأربع إن أردت، سأكون رجلا لك فقط، لذا لم لا نتوافق فيما بيننا و نوطد علاقتنا ببعضنا البعض أكثر، فبعد كل شيء، سوف تضطرين لعيش حياتك كلها بجانبي كالإمبراطورة. هكذا سأكون قادرا على أن أغدو الإمبراطور بكل الحقوق و القوانين المشروعة"

"لا داع لترتعدي هكذا، سوف تشعرين بهدوء جميل بعد قليل"

كان جسد أنمار يهتز كثيرا، بدت كالفتاة التي وجدت نفسها تحادث الشيطان الملعون نفسه. و مع اقتراب القاضي الأكبر بسبب اعتقاده الشيء نفسه، بدأت هالة مشؤومة أخرى تمتد من جهة أنمار

التقت هذه الهالة بالخاصة بالقاضي الأكبر فجعلته يشعر كما لو أن هناك قطعا من الجليد تنقش قفاه، كما لو أن هذه الأخيرة تُنقش من طرف شيطان جليد ملعون يحاول لعنه

في لحظة، وجد القاضي نفسه يلتصق بالحائط بعيدا عن أنمار و جسده متعرق بالكامل كما لو أنه جرى لعشرات آلاف الأميال من دون توقف. كان تنفسه بطيئا للغاية كما لو أن هناك شيطان جليد ملعون يحاول قطع حنجرته بسيف جليدي ملعون

في تلك اللحظة، أحس كما لو أنه قد لمس شيئا محرما، شيئا لا يجب على البشر الاقتراب منه أبدا. في تلك اللحظة، أراد أن يخترق الحائط و يهرب إلى أبعد مكان ممكن لكنه لم يستطع مهما حاول. في تلك اللحظة، شاهد أنمار تقف على قدميها بينما تطلق هالة قاتمة، هالة سوداء بالكامل كما لو أنها هالة شيطان ملعون لا هالة إنسان، و ليست الهالة فقط، بل هي نفسها، أنمار نفسها التي كانت ترتدي فستانا أسودا، أصبحت كملكة غاضبة من العالم السفلي. و في تلك اللحظة، أدرك القاضي الأكبر أخيرا و متأخرا، أدرك أنه تحت وهم من ساحر بقمة المستوى السابع، كما أدرك أنه عاش جحيما لا يطاق استمر للحظة و مر كألف سنة مديدة


فجأة، وجد القاضي الأكبر نفسه أمام أنمار مرة أخرى، و لا يزال يتخذ نفس الوضعية، نفس وضعيته عندما كان يحاول لمس وجنة أنمار. في حين، كانت هذه الأخيرة هادئة للغاية كما لو لم يحدث أي شيء، قامت فقط بحمل فنجان الشاي مرة أخرى و شرب الرشفة الأخيرة منه

كان القاضي الأكبر عندها متجمدا في مكانه غير قادر على التحرك إطلاقا، حتى أخذت أنمار خطوتها الأولى عبر وقوفها. حينها، قفز القاضي الأكبر للخلف عدة أمتار ثم صرخ "كي... كيف؟ هذا مستحيل، أيتها اللعينة، من أنت بالضبط؟"

تكلمت أنمار عندها بهدوء "ألم أقدم نفسي سابقا؟ إنني الأميرة الثانية لإمبراطورية الشعلة القرمزية، كريمزون أنمار"

"لا تمزحي معي" قالها القاضي الأكبر بارتعاد. حدق في يديه اللتين تهتزان، و في جسمه المتعرق بالكامل، كما وجه نظره لساقيه المرتجفتين. كان جسده بالكامل يرتعش، كما كان قلبه ينبض بسرعة كبيرة

تكلمت أنمار مرة أخرى "أمزح؟ ما الذي تتحدث عنه؟ أ هذا موضوع يمزح به الناس؟"

أخذت أنمار الخطوة الأولى متقدمة نحو القاضي الأكبر الذي قفز للوراء مرة أخرى

ابتسمت أنمار ثم قالت " لا تقلق، و لا داع لتخاف هكذا، فلتهدأ و لنبدأ في التفكير بمستقبلنا معا"

مع حديث أنمار، ازداد توتر القاضي الأكبر أكثر فأكثر، و قبل أن يشعر، وجد نفسه مفعلّا لطاقته السحرية شاحنا إياها لقمتها

"ابتعدي عني أيتها اللعينة ! " بصياحه، رفع يده الحاملة للسيف السحري ثم نزل بها للأسفل بكل ما يملك من قوة


امتدت هالة القاضي الأكبر و سقطت على أنمار فجعلتها تتجمد بمكانها. ثم انطلق القاضي الأكبر عندها بكل ما يملك من قوة مع شحذه لسيفه السحري بطاقته السحرية و الذي وجهه نحو عنق أنمار محاولا قطعه

في لحظة

ززززن

وجد القاضي الأكبر سيفه السحري يتلاقى بسيف مليء بالنقوش الغريبة عليه، كان سيفه هذا يحمل معه طاقته السحرية المليئة بعنصر العقل، إضافة لقوته الجسدية كاملة و مع ذلك، تم إيقاف سيفه المعزز بعنصره السحري و المدعم ببنيته الجسدية القوية بدفاع بسيط من أنمار

كل ما قامت به أنمار كان وضع السيف أمام طريق سيف القاضي الأكبر، لكن مع أن الأمر كان بسيطا إلى أنه لم يكن سهلا. سيفها هذا كان مشحونا بطاقتها السحرية المليئة بعنصر الوهم، إضافة لثقل بنيتها الجسدية و مستواها السحري اللذين فاقا الخاصين بالقاضي الأكبر

دافعت أنمار عن نفسها، و آن وقت هجومها، و بمجرد ما أن تحركت حتى تراجع القاضي الأكبر مبتعدا عبر قفز بعيدا مرة أخرى. كان سبب فعله لهذا هو نية القتل التي أتت من أنمار، شعر كما لو أنه يواجه وحشا أسطوريا عرف بالمجازر الخرافية التي قام بها. كانت نية قتلها تجعل الأبدان تخضع لها إن لم تهرب، كما لو أنها قد مرت بمئات آلاف المعارك و المذابح

تكلمت أنمار بعدما ابتعد القاضي الأكبر عنها "لقد تحدثتَ عن الوحوش المختبئة في الظلال، افتخرت بذلك كما لو أنك مطلع على العالم بأجمعه، تصرفت بتكبر و تعالٍ ظانّا أنك تعرف خبايا هذه البسيطة. لكنك مجرد غر مغرور لا يعرف كم هي السماء واسعة"

صرخ القاضي الأكبر "اصمتي أيتها الغرة، أنت لا تعرفين أي شيء عني بتاتا"

شحذ القاضي الأكبر طاقته أكثر. في حين، كانت أنمار تنظر إليه بانحطاط كما لو أنها تنظر لأكثر شيء مشمئز على الإطلاق بالوجود. و مرافقةً لنظراتها المستحقرة، خرجت كلمات جعلت من القاضي الأكبر يهتز من الغضب أكثر فقط "لقد قمت بعدة خطايا أيها الخرف، لكن من بينها كلها، توجد اثنان تهمانني"


رفعت أنمار سيفها الأثري من الدرجة الثالثة للأعلى ثم شحذت به طاقتها السحرية و قالت بنبرة حادة "لقد تجرأت على لمس رَجُلي، و تجرأت على لمس جسدي الذي لا يجب على رجل آخر غير رجلي لمسه. هاتان خطيئتان لا يمكن غفرانهما"

بعدما جعلت أنمار القاضي الأكبر يصمت بسبب كلامها الحامل لنية قتلها الجازرة، أكملت "لقد جعلت هالتك القذرة تلك تتحسسني، و هذا عمل لا يُغفَر. لا رجل بقي أو سيبقى من دون عقاب بعد تجرئه على لمس جسدي المسموح برجلي فقط لمسه"

لم يصدق القاضي الأكبر هذا التحول في الأحداث، و بسرعة، قام باستعمال خاتم التخاطر مرة أخرى و حاول التواصل مع فلايمر الذي ذهب ليغتال باسل. لكنه تفاجأ بعدم وجود أي رد

باام

فتحت البوابة عن طريق تدميرها فدخل عدة أشخاص، و بمشاهدتهم، بدا على القاضي الأكبر الفرح و الفرج، فتكلم "أيها القاضي عادل، أوه، هذا جيد، لقد أتيت و معك سحرة المستوى الخامس، فلتساندني ضد هذه الغرة، يجب أن نقتلها قبل أن يتسرب خبر قدومها إلى هنا"

ضحك القاضي الأكبر بشدة و قال لأنمار "هاهاها، لقد انتهيت أيتها الغرة الملعونة. كان عليك قتلي قبل أن تأتي المساعدة، لقد فات الأوان الآن، و مصيرك هو الموت فقط. كنت أنوي استغلالك لأصبح الإمبراطور بعدما أقتل كريمزون اكاغي و تستلمين العرش، لكن هذا لم يعد ضروريا، من يريد مصاحبة شيطان في السرير"

بقي القاضي الأكبر يضحك بجنون، كان يشعر في تلك اللحظة كما لو أنه قد بلغ غايته الأخيرة و حقق هدفه. لكن بعدما ضحك لمدة من الوقت، استدار ليجد القاضي عادل لا يزال يقف بمكانه من دون أن يتحرك. و الثلاثة الذين خلفه بالمستوى الخامس كانوا كذلك قضاة، و كلهم فقط وقفوا و شاهدوا حالة القاضي الأكبر الهستيرية

تكلم القاضي الأكبر مرة أخرى "أنت، يا عادل، ما الذي تفعله بتجمدك هناك؟ ألم تسمعني؟ لقد أمرتك بمساندتي، لقد أمرتك بمهاجمة تلك الغرة"

حدق القاضي عادل و الآخرين به فقط من دون التعليق أبدا على كلامه، و الشيء الذي كان متشابها فيما بينهم كلهم كان تلك النظرات التي تدل على اشمئزازهم من تصرفاته

بدأ يحس القاضي الأكبر بالغرابة "أنت، أيها الوغد، لا تقل لي أنك لا تريد مساعدتي؟ إنه أمر مني، أمر من القاضي الأكبر، رئيس المحكمة المركزية، صانع قوانين الإمبراطورية، أنا الشخص الذي لديه السلطة الكاملة في الحكم على المجرمين. إن لم تتحرك أنت و أولئك الثلاثة فستتهمون بالخيانة، و لن يكون مصيركم سوى الموت"

استمر القاضي الاكبر في محاولته إقناع القاضي عادل، لكن بالرغم من كل محاولاته لم يستجب أحد لندائه. و في الأخير، فقد التحكم في نفسه ثم انطلق بسرعة فائقة نحو القاضي عادل و الثلاثة الذين معه محاولا قتلهم

وووووش

بوووم


لم يعرف القاضي الأكبر ما حدث حتى وجد نفسه مرميا في الجانب الآخر من القاعة الرئيسية الضخمة، و كان جسده مخدرا للغاية بينما تنتقل بعض الشحنات البرقية بجسمه

كانت يده التي كانت تحمل سيفه السحري مقطوعة و متفحمة كما لو أنها احترقت. لم يستطع الشعور بالآلام حتى بسبب تخدره بالبرق الذي لا زال يتكهرب بجسمه، و عندما شاهد يده المبتورة، و أدرك أنها طارت من مكانها، أحس أخيرا بالآلام و صرخ من شدتها صرخة مدوية

"أيها اللعين، يدي، يدي"


كان يوجه القاضي كلامه للجنرال رعد، كان هذا الأخير هو الشخص الذي تدخل و قطع يد القاضي الأكبر. كان الجنرال رعد قد بلغ قمة المستوى السابع بالفعل، و بيده سيف أثري من الدرجة الثالثة

تكلم الجنرال رعد بعدما أصحبت نظراته كالخاصة بالآخرين أيضا "أيها الحثالة، لقد قمت بالخيانة العظمى، لا تتوقع أنك ستموت ميتة مريحة"

ارتعد القاضي الأكبر ثم صرخ "و ما الذي أتى بك أنت إلى هنا في المقام الأول؟"

تكلمت أنمار عندها "ألم أقل لك أن هناك سائقا قد اصطحبني إلى هنا؟"

اسود وجه القاضي الأكبر تماما و لعن نفسه و حظه، لم يجب عليه المرور بهذه المعاناة؟ ألم تكن خطته كاملة؟ لقد ظن أنه اقترب أكثر من أي وقت مضى لغدوه الإمبراطور، لكن ما الذي يحدث هنا؟ لقد أصبح في موقف لا يحسد عليه أحد قبل أن يدري

فجأة، طرأت فكرة في ذهنه جعلته يرتعد أكثر من السابق، فصرخ قائلا "هل يمكن...؟ لا، يجب أن يكون مات ذلك الغر بحلول هذا الوقت"

رفعت أنمار حاجبها و فهمت ما يتحدث عنه القاضي الأكبر، و لهذا تكلمت معبرة عن سخريتها "هل جربت الاتصال بقتلتك الذين أرسلتهم؟"

عندما سمع القاضي الأكبر سؤالها سقط في واد عميق و أسود من اليأس، في لحظة وجد نفسه بهاوية اليأس

تكلمت أنمار مرة أخرى "من تعابيرك أفهم أنك قد حاولت بالفعل و لم ينجح اتصالك، و هذا يعني أنه سيكون هنا بعد قليل من الوقت فقط، لقد أخبرتك أنه سيأتي لتقرير النهاية، أليس كذلك؟ فلننتظر إذا"

"لماذا؟ كيف؟" صرخ القاضي الأكبر. لا يزال حتى الآن لا يعرف ما حدث حقا، ثم التف لجهة القاضي عادل، و عندما شاهده، فهم أخيرا ما يحدث و صرخ بوجهه "إنه أنت، لقد كان أنت يا ابن العاهرة، لقد وضعت ثقتي بكلامك"

تقدم القاضي عادل للأمام أخيرا و تكلم "نعم لقد فعلت، و نصيحتي لك هي أنك لم يكن عليك الاستماع لي"

*


(قبل يومين، بـ'ليلة التطهير')

بعدما انتهى باسل و تشكيله من القبض على كامل المجرمين الذين كانوا بالعاصمة، عاد هو و القاضي عادل إضافة الجنرال رعد الذي اعتمد عليه باسل في تكليف فرقة السنبلة الخضراء الخاصة به بحراسة العاصمة كي لا ينزلق من أصابعهم أي مجرم

في غرفة ما

تحدث باسل "لقد انتهينا من أغلبهم، و الآن لم يتبقى إلا شخص واحد و الذي يعتبر خطرا أكبر منهم"

تكلم القاضي عادل "القاضي الأكبر هاه ! "

قال الجنرال رعد عندها "لقد قلت أنه يحاول الاستيلاء على العرش، لكن هل الأمر بهذه البساطة؟ مع قوتنا الحالية، لا يجب أن يكون قادرا على ذلك إلا في أحلامه"

أجاب باسل عن السؤال واضعا يده على ذقنه "هذا صحيح، لكن القاضي عادل الذي أمامك قد أعطاني بعض الأخبار بالصباح عندما كنت متوجها للحديث مع الكبير أكاغي. لذا بناء عليها، قررت الذهاب لزيارة ذلك المغفل. رميت له بعض الكلمات التي من المفترض أن تجعله يستشيط غضبا علي، و بذلك، كنت قد وضعت الخطوة الأولى، فذلك النوع من الأشخاص غالبا ما يكشف نفسه بغضبه"

سأل الجنرال رعد "أي معلومات تلقيتها من القاضي عادل؟"

أجاب عندها القاضي عادل، و بفعله هذا جعل الجنرال رعد يهتاج و يطلق نية قتل حادة. تكلم الجنرال رعد بنبرة قاتلة "الوغد، يهز ذيله لعدو العالم"

تكلم باسل مرة أخرى "الآن ما علينا فعله هو جعله يفضح نفسه"

تكلم القاضي عادل سائلا "و كيف سنفعل هذا؟"

أجاب باسل "حسنا، لم لا..."


فجأة، أوقف شخص ما باسل عن الكلام "سأجعله يفضح نفسه"

كان هذا الشخص هو أنمار، دخلت للغرفة و قاطعت باسل قبل أن يكمل رأيه

استغرب القاضي عادل عندها، هل تقول أنها ستفضحه؟ كيف ستفعل هذا؟ أما الجنرال رعد، فكان يحاول إدراك نية أنمار، فهو قد رأى ما فعلته بشاهين بنهاية المعركة. ذلك ليس شيئا يقدر على القيام به أي شخص، فقط قلة قليلة جدا

تكلم باسل عندها "لا، لن أسمح بهذا، هناك الكثير من المخاطر بهذا الأمر"

أجابت أنمار "ماذا؟ هل تقلق علي؟"

صمت باسل و لم يرد عليها، فأكملت قائلة "لقد قلت أنني سأجعله يفضح نفسه، هذا أكثر من كاف، أليس كذلك؟"

أجاب باسل "هذه المرة مختلفة، هناك أعضاء من حلف ظل الشيطان بالداخل، لا يمكنني تركك تذهبين إلى هناك، سوف تكونين بمقر العدو، إضافة إلى أنه لا يمكنك الدخول إلى هناك حتى، فأنت لست معروفة لأحد"

أجابت أنمار "فلنقلب الموازين إذا"

لم يفهم أي أحد ما عنته، إلا باسل الذي فهم مقصدها بعد مدة من الوقت، و لهذا قال بابتسام "إذا يجب علينا أن نصنع اسما لك أيضا من أجل ذلك"

ابتسمت أنمار و أجابت "كما هو متوقع منك"

التفت باسل للقاضي عادل و الجنرال رعد ثم قال "أيها القاضي عادل، سأريد منك زرع فكرة معينة في ذهن ذلك المغفل، و أنت أيها الرجل الأشقر، هناك مهمة خاصة لك"

*


بالرجوع للوقت الحالي

تكلم القاضي عادل مكملا "لو أنك لم تنصت لي، لما نجحت هذه الخطة بتاتا"

صرخ القاضي الأكبر "ما الذي تقصده يا ابن العاهرة؟ انتظر، لم أكن سأجعل فلايمر و مجموعته يذهب لقتل ذلك الغر لو لم تخبرني بذلك و تزينه لي"

أجاب القاضي عادل "لقد كنتُ جاسوسا مزدوجا، ظننتَ أنني أعطيك معلومات عن الجنرال الأعلى، لكني في الحقيقة كنت أقودك نحو دمارك أيها الحثالة"

اسود وجه القاضي الأكبر ثم صرخ "لكن هذا كله لم يكن ليحدث لو لم أهاجم هذه الغرة، عندها لن يكون لديكم أي دليل ضدي"

فجأة، طرأت فكرة بذهن القاضي الأكبر أجابت عن سؤاله، كل تصرفات تلك الغرة كانت مدروسة، و لم يكن هناك تحرك أو حرف يخرج من فمها و إلا كان لديه أهمية كبرى

عندما علم القاضي الأكبر ما حدث، لعن كل شيء، لم يعد يستطيع تحمل كل هذا، لقد وقع في فخ كان بابا لهاوية اليأس. عندها، اعتقد مع نفسه "يا ليتني اقتنعت بما ملكت"

مع قوله لهذه الجملة حدق في أنمار و ارتعب كثيرا، لقد قال سابقا أن هناك وحوشا مختبئة في الظلال، لكنه لم يرى هذا الوحش الذي كان أمامه طيلة الوقت. لقد خدعته أنمار و تلاعبت به كليا

كان السبب في إعلان أنمار كأميرة اليوم من أجل إيقاع القاضي الأكبر في الحقيقة. بإعلان هوية أنمار، و انتشار خبرها عن طريق خدم عائلة كريمزون كالنار في الهشيم، كانت أنمار قد كسبت لقبا يمكنها من زيارة المحكمة المركزية

و عندما التقت بالقاضي الأكبر، بدأت محادثتها معه. أولا أشارت لموضوع الزوج المستقبلي على أنه باسل لإثارة القاضي الأكبر، ثم أخبرته أن باسل سيصبح الإمبراطور لو تزوجها، لكنها في الحقيقة كانت تحاول زرع فكرة الزواج منها في ذهن القاضي الأكبر فقط

القاضي الأكبر الذي يطمح ليكون إمبراطورا، لن يكون بإمكانه إغفال مثل هذه الفكرة أبدا، و بما أنه يعلم أن باسل سيموت لا محالة، لم يتبقى له سوى خطوة واحدة، و هي التأكد من أن لا أحد يعلم عن مجيء أنمار إلى هنا

بالطبع كانت الإجابة التي تلقاها من أنمار هي الإجابة التي أراد سماعها أكثر من أي شيء، و لهذا قرر البدء في تنفيذ خطته


لكنه لم يتوقع و لو في أحلامه أن كل ما قامت به أنمار كان من أجل جعله يهاجمها و يفضح نفسه، فهو لم يكن يظن أنها ستكون بالقوة الكافية لمعارضته

أشارت أنمار في السابق للأشخاص الذي يعلمون عن مجيئها إلى هنا، و من بينهم كان سائقها، و هذا خطأ آخر قام به القاضي الأكبر، فهو لم يظن أن هذا السائق سيكون هو الجنرال رعد المشهور.

تكلم الجنرال رعد عندها "لقد أشارت لي الفتاة الشقراء في كلامها عمدا، هكذا هاجمني جنودك الذين أمرتهم بقتلي، و هكذا، ازداد دليل آخر على أنك كنت تنوي الشر تجاه الفتاة الشقراء"

سقط القاضي الأكبر في هاوية اليأس كليا

أولا، أغضبه باسل عندما التقى به صباح ليلة التطهير. ثانيا، زرع القاضي عادل فكرة إرساله أولئك السحرة الأقوياء بيوم اختبار التشكيل ليغتالوا باسل في ذهنه. و بما أنه غاضب من باسل بالفعل، كان موافقا كامل الموافقة على فكرة القاضي عادل. ثالثا، زارته أنمار و جعلته يفضح نفسه

كان باسل الذي استهدفه مجرد طعم فاتح للشهية، و بسببه لم يرى الشباك التي كانت تلتف حوله بسلاسة إلى أن وجد نفسه مقيدا بالكامل. أصبح وضعه ميؤوس منه تماما، و لم يعد ينتظره سوى العقاب

خطوات خطوات

تكلمت أنمار بعدما سمعت الخطوات القادمة من خارج القاعة الرئيسية "يبدو أن باسل أتى ليقرر النهاية كما كان مقررا"

بدخول باسل و قادة التشكيل من خلفه، وجد القاضي الأكبر الذي غرق في هاوية اليأس بالفعل نفسه في نصف الطريق فقط نحو الأعماق. و برؤية تعبير باسل، كاد أن يفقد وعيه

تقدم باسل نحو القاضي الأكبر الذي كاد أن يبلل ملابسه في كل خطوة يقترب بها باسل منه، لقد كان مغرورا للغاية، كان يطمح بلوغ شيء كان من المستحيل الوصول إليه، كان يجب عليه أخذ تحذير هذا الفتى عندما أتى إليه في الأول. الآن، ليس هناك مجال للعودة

في طريقه، حدق باسل بأنمار ثم أكمل طريقه بعدما بدا عليه التأكد من شيء ما. وصل باسل أمام القاضي الأكبر ثم حدق به بانحطاط، كما لو أنه يشاهد أكثر شيء اشمئزازا في العالم

في لحظة، وجد القاضي الأكبر نفسه محاطا بهالة باسل التي حملت معها نية قتل جعلته يرتعد و ينحني إلى قدمي باسل طالبا النجدة

"أرجوك ارحمني، أنا أناشدك، أناشد قلبك الرحيم، من فضلك أعفو عني و سأصبح عبدك المطيع لما تبقى من حياتي، بل و سأجعل من نسلي يتبعك حتى تحرره. أنا أعترف أنني ارتكبت خطأ فادحا، لكني أقسم لك أنني لن أعيده"

حملق باسل بالقاضي الأكبر الذي يحاول تقبيل حذائه طالبا العفو، لكنه مع ذلك لم تتغير نظراته أبدا، لا، بل ازدادت حدتها عما كانت كما ارتفع خنق هالته الحاملة لنية قتله للقاضي الأكبر و جعله يحس كما لو أنه يُضغط من طرف جبل شامخ لا يمكن زحزحته أو الانسلال منه

بينما يطبق باسل حضوره المهيمن عليه، تحدث بكل هدوء، و هذا فقط جعل كلامه يبدو أكثر جدية و إخافة "قف"

استغرب القاضي الأكبر من كلام باسل، و هذا الأمر جعله يستشعر مستقبلا غير محمود له بتاتا. لذا في الحال أدخل وجهه في قدمي باسل ثم قال "الرحمة، الرحمة"

تكلم باسل بكل برودة "لقد قلت قف"

صعدت القشعريرة مع جسد القاضي الأكبر أكثر من السابق مع أمر باسل قبلا، فلم يحس بنفسه حتى كان واقفا على قدميه

تكلم باسل برزانة "لو أنني كنت أنوي قتلك، لكنت جثة ممدة على الأرض بحلول هذا الوقت. لقد حاولت المساس بالمقربين مني، و لو أنك نجحت في ذلك، فإني أقسم أني لم أكن لأترك منك لحما و لا عظما"


ظهرت ابتسامة الفرح على وجه القاضي الأكبر، فتكلم قائلا من شدة السعادة "إذا..."

بااام

لم يعرف القاضي الأكبر ما حدث حتى وجد وجهه محفورا بالأرض، و بعدما أدرك ما حدث، وجد أن باسل كان السبب في ذلك عبر ضربه بحافة يده التي كانت حاملة معها عنصر النار. هذه الحافة نزلت مباشرة على قفاه و جعلت دماغه يهتز صعودا و نزولا مشتتة بذلك ذهنه كليا، حتى أنه بدأ يغيب عن الوعي. لكن قبل ذلك، تكلم باسل مرة أخرى "قف"

بسماعه لهذه الكلمة الحاملة معها لتلك الهالة مرة أخرى، استجمع القاضي الأكبر ذهنه المشتت ثم أسرع في النهوض

بااام

ضربة من حافة اليد جاعلة القاضي الأكبر يغطس في الأرض مرة أخرى بسرعة أكبر من الأولى. سال الدم من وجهه و تحطمت عظامه، و لم يلبد في الأرض لوقت طويل حتى سمع تلك الكملة مرة أخرى

"قف"

باام

استمر هذا الأمر في الحدوث مرارا و تكرارا، حتى شلت أقدام القاضي الأكبر تماما، و أصبح غير قادر على التحرك تماما بالرغم من إرادته في ذلك بسبب خوفه من هالة باسل الحادة التي تحمل نية قتله الشرسة

لم يتكلم أي أحد أو علق عما شاهده، لكن مع ذلك، و لا واحد منهم شعر بالشفقة على القاضي الأكبر. ما كان ينوي القيام به لا يقارن أبدا بما يحصل له الآن

"قف"

"قف"


"قف"

ردد باسل نفس الكلمة لثلاث مرات مع وجود وقت بين قول الواحدة و الأخرى، و مع ذلك لم يستطع القاضي الأكبر التحرك أبدا مع أنه لا زال واعيا

عندها، انحنى باسل و جلس ثم تكلم مع القاضي الأكبر في وجهه بنفس النبرة الحادة و الهادئة "لم تنجح، لكن هذا لا يغير حقيقة أنك تجرأت على ذلك، و هذا لم يكن سوى عقابا على ذلك. لذا لا تظن أبدا أنني أحمل شفقة لأرحمك بناء عليها، فكل ما قمت به ستحاسب عليه جيدا"

كان القاضي الأكبر يقترب من فقدانه الوعي أكثر فأكثر، لكن باسل لم يتركه إلا و تأكد من سماع كلامه كله "إن كنت تظن أن عدم قتلك رحمة مني، فأنت مخطئ كليا. الرحمة يجب أن تعطى لمن يستحقها، و أنا مقدار الرحمة الذي لدي قليل، لذا أحرص على صرفه في حق المستحقين لذلك"

"لم أقتلك لأنه كان الخيار المناسب فقط، لأنك لو متّ، لن تعاقب عندها بالشكل المناسب" وقف باسل على قدميه ثم قال "و أسوء مصير يمكن أن يحل بك، هو وضعك بالسجن المركزي رفقة المجرمين الذين تكرههم كثيرا، و سوف أحرص على وضعك في وسط أكثر الحاقدين منهم عليك"

التف باسل ثم هم بالمغادرة بينما يقول "لا رحمة إلا لمن رحِم، و بما أنك لم تفعل أو نويت أن تفعل حتى، فلا تطلب مني أن أرحمك، لأنك لا تستحق أن أنفق عليك ذلك المقدار القليل الذي أملكه من تلك الرحمة"

غادر باسل فرافقه قادة التشكيل إضافة لأنمار و الجنرال رعد

أما القاضي الأكبر، ففقد الوعي كليا بمجرد ما أن غادره باسل، و عندما فتح عينيه مرة أخرى، وجد نفسه بالمستوى الثالث من السجن المركزي محاطا بأخطر المساجين الذين ألقى القبض عليهم

مرت الليلة الطويلة، فحل الصباح، و كما عرف الكبير أكاغي بما حدث، انتشر الخبر في العاصمة ثم إلى الإمبراطورية كلها ليتم وصم اسم القاضي الأكبر بالعار فوُصف بالخائن

لم يكن أي أحد يحب الخونة، لكن خيانة الوطن كانت أشنع جريمة يمكنها أن تقع، لذا لم يكن هناك أي شخص يؤيد القاضي الأكبر أو يدافع عنه، و أصبح الجميع يكرهه فقط على ما فعل

بسرعة كبيرة، تم تعيين القاضي الأكبر الجديد، و الشخص الذي أخذ هذا المنصب كان القاضي عادل. أخذ هذا اللقب من قبل الإمبراطور نفسه، لذا لم يكن هناك أي معارضة على هذا الأمر

أما باسل، فقد ذهب لمعقل التشكيل مرة أخرى ليحضر اليوم الثاني من المسابقة


مر هذا اليوم من دون أن يحدث أي شيء آخر، فانتهى على خير. و حل اليوم الثالث من المسابقة الذي بدأ بنفس أجواء اليوم السابق. و أثناء المسابقة، أثناء قتال أبهم و مجموعته لمجموعة سولو، أتت بعض الأخبار لأذن باسل

"بعض السحرة أمام القصر الإمبراطوري يطالبون بحق لقب الجنرال و حقهم في الأراضي ليكونوا عائلاتهم"

عبس باسل قليلا ثم فكر في شيء ما قبل أن يقرر ما سيفعل، لذا أرسل للكبير أكاغي طلبا بتجاهلهم ريثما ينتهي من أعماله هنا كي يخصص لهم وقتا و الذي سينهي فيه كل مطالبهم

"و أيضا، يبدو أن الإمبراطور شيرو يريد التحدث معك"

رممت حلبة القتال من قبل سحرة الأرض، ثم عززت من طرف سحرة المستوى السادس. لذا أصبحت جديدة أكثر مما كانت عليه. و بوسط هذه الحلبة، لم يتبقى سوى شخصين عليها من عشرين

هذان الشخصان هما سولو و أبهم

كان قتال مجموعتهما حاميا للغاية، كان أبهم موهوبا جدا في العمل الجماعي مما أعطاه ميزة كبرى على مجموعة سولو التي كانت مشتتة كليا، و خصوصا أن سولو نفسه كان مشهورا بالانفراد في كل تحركاته و مغامراته. لم يتدخل و لم يدخل بمجموعة بالسابق. و هذا ما جعله مشهورا للغاية

بينما يشحذ طاقته، كان سولو يفكر بداخله "ما الذي أفعله هنا؟ كنت أنوي المجيء لرؤية معدن قاتل الدم القرمزي ذاك فقط و أغادر، لم أحاول الآن الانضمام لتشكيله؟"

بينما في الجهة الأخرى، كان أبهم يلهث قليلا كما لو أنه استعمل قدرا كبيرا من طاقته السحرية. في حين، كان يفكر في شيء ما هو الآخر "لقد قالت أختي أن أستعرض مهاراتي كلها، و هذا ما فعلت، هل هو كاف يا ترى؟"

مع شحذ سولو لطاقته السحرية بالكامل، صنع وجها غاضبا للغاية، و بدا كما لو أنه يقاتل عدوه اللدود، لكنه في الحقيقة صنع ذلك التعبير بسبب تذكره لشيء ما

تذكر لحظة قتاله ضد باسل، تذكر لحظة صعود القشعريرة مع عموده الفقري بسبب ذلك الفتى الذي جعل اعتقاداته تلتوي كليا، و جعله يعيد التفكير مرارا و تكرارا فيها

كان سولو شخصا يظن أن طالما كان خصمه بشرا، فسوف يكون قادرا أن يحافظ على رباطة جأشه، رزانته، و رصانته. و دائما ما قال موضحا فكرته "بعد كل شيء، إنه مجرد بشري"


لكنه و لأول مرة يختبر شعور الخوف من طرف بشري، و هذا الأمر جعله يغضب للغاية، فهو لم يجرب مثل ذلك الشعور من قبل. شعر أن كبرياءه تم الخطو عليه

و مع ذلك، بتذكره لابتسامة باسل و تمتعه أثناء قتاله هو و كوبيكيري إضافة لكيكان، شعر بالغباء قليلا من نفسه الغاضبة من هذا الأمر، و اعتقد مع نفسه "يبدو أنه لم يكن مجرد بشري، ففي الحقيقة كان بشريا"

مع تلويحه بسيفه، انطلقت سلاسل من السحاب المدوي و الحاملة للصواعق البرقية. في مواجهة هذه الهجمة، كان أبهم بلا مهرب، لكنه لم يكن بدون عزيمة. لذا وقف ثم صرخ بصوت مرتفع، فبدأ صراخه يتحول لعواء كما تحول جسده شيئا فشيئا

نمى له فرو أسود كثيف على ذراعيه، ثم مر إلى باقي جسده بسرعة كبيرة، كما نمت أظافره و عضلاته، ازداد طوله فأصبح بعلو المترين، و بعواءه، أطلق هالة قاتلة جعلت الحضور يقشعر بسببها

أصبح في شكل ذئب أسود بعينين حمراوين، و بعدما انتهى من عواءه، لوح بيده بكل ما امتلك من قوة فخلق ارتجاجا في الهواء و ضغطا كبيرا، كما امتد مع تلويحه عنصر الظلام الذي اصطدم بسلاسل السحاب التي استهدفته

تسبب هذا الالتقاء في جعل الكولسيوم يهتز، فارتعد الكثير من الأشخاص الذين من بين الجمهور، لقد رأوا قوة تحول أبهم أثناء القتال، فهو لوحده كان قادرا على إسقاط ستة أشخاص من الحلبة. و استمر بالقتال إلى أن بقي لوحده ضد سولو الذي بالمستوى الخامس

كان قتاله بطوليا للغاية، فتوقع العديد من الأشخاص الكثير منه، شخص بمثل هذه القوة في هذا العمر الصغير، لا شك في أنه سيكون شخصية عظيمة بالمستقبل، و لابد من أنه سيكون إضافة كبيرة لقوة إمبراطوريتهم

تحرك أبهم المتحول للذئب الظلامي بسرعة خاطفة و استمر في إلقاء تلويحاته على سولو من دون توقف. و في الجانب الآخر، داوم سولو التلاعب بسلاسل السحاب الخاصة به و ضيق الحصار على أبهم أكثر و أكثر مغلقا ممرات هروبه مرارا و تكرارا

كانت المعركة بينهما مثيرة للغاية و ضارية جدا، فتحمس الكل معهما و صرخ الجمهور، كان هناك من حمس أبهم و شجعه على مثابرته، كما كان هناك من دعم سولو لإعجابه به و بأسلوبه

انهالت سلاسل السحاب المدوية و البرقية على أبهم المتحول فأصابته مباشرة و جعلته يلتصق بالأرض بشدة محطمة عظامه قبل أن تنفجر في النهاية جاعلة إياه يغيب عن الوعي كليا

"فوز المجموعة رقم 90"

أعلن الحكم عن فوز مجموعة سولو بعدما سقط كل أعضاء مجموعة أبهم


استمرت المسابقة، و انتهت جميع المعارك بعد ذلك. كانت هناك الكثير من القتالات المثيرةب، و العديد من المعارك التي جعلت ددمم الجمهور يغلي. و من بينها، كانت هناك معركتين حفرت في أذهانهم، معركة مجموعة أبهم ضد مجموعة سولو، و معركة مجموعة كيكان ضد مجموعة كوبيكيري

بعدما انتهت هذه المسابقة، تكلم باسل مع شي يو "فلتخبري أخاك أن يلتقي بي في منزلي بالمساء"

أماءت شي يو رأسها لباسل الذي غادر

*

بالقصر الإمبراطوري

كانت هناك ضوضاء ضخمة للغاية آتية من طرف العديد من المتذمرين، هؤلاء، كانوا كلهم من المستوى السادس، و كلهم أتوا من أجل هدف واحد

مرت من بينهم عربة يجرها خيل ملكي، و عندما فتحت الأبواب، أراد بعضهم التوغل للقصر، لكن كل واحد منهم وجد الحراس بالمرصاد له، هؤلاء الحراس كانوا جنود عائلة كريمزون، و كانوا كلهم بالمستوى الخامس، لكنهم لم يكونوا عجزة، بل رجال بالثلاثينيات فقط، و هذا الأمر كان نادرا للغاية

هذه العربة التي مرت من بينهم كانت تحمل باسل بداخلها، و هي توجهت لمكان واحد، لإحدى القاعتين الجانبيتين، للقاعة الجانبية التي يلبث بها الإمبراطور شيرو

بالقاعة الرئيسية

"هل أتى الجنرال الأعلى باسل؟" سأل الكبير أكاغي

أجاب جندي "نعم، و يبدو أنه توجه نحو القاعة الجانبية ليقابل الإمبراطور شيرو"

وضع الكبير أكاغي يده على ذقنه و بقي يفكر لمدة

بعد مرور وقت معين، أتى باسل أخيرا ليزور الكبير أكاغي الذي أسرع في سؤاله بشأن الإمبراطور شيرو "ماذا جرى مع الإمبراطور شيرو؟"

أجاب باسل و تحدث مع الكبير أكاغي حول الموضوع الذي دار بينه و بين الإمبراطور شيرو مما تسبب في اندهاش الكبير أكاغي

بعدما انتهى باسل من مناقشته للكبير أكاغي، وقف ثم قال "حسنا، أيها الكبير أكاغي، سأذهب الآن، قد تأخذ مني هذه الرحلة بعض الوقت، لذا آمل منك أن تكون قد أنهيت كل هذه الأعمال بذلك الحين"

وقف الكبير أكاغي كذلك ثم قال "كن مطمئنا، لقد بنيتَ أساسا قاسيا، لذا لا يمكنني أن أبني فوقه شيئا لا يناسبه"

"حسنا، إلى اللقاء" قالها باسل ثم همّ بالمغادرة

سأله الكبير أكاغي مرة أخرى "هل ستصطحب معك شخصا ما أم لا؟"

التفت باسل ثم أجاب بابتسام "نعم، لكنه ليس الشخص الذي بذهنك"

تعجب الكبير أكاغي و ضحك ثم أجاب "لا شيء يخفى عنك يا حليفنا، لم أقضي معها وقتا عائليا كافيا، كما أن الصغير كارماين لا يستطيع الانتظار أكثر ليلتقي بها مرة أخرى، إضافة لابنتي و زوجتي و جدتك أيضا تردن تمضية بعض الوقت معها"

ابتسم باسل ثم قال "لقد تكلمت معها، أنا أريد منها البقاء هنا ريثما أعود، لذا لا تقلق بهذا الشأن"

التفت باسل مرة أخرى و غادر، بينما يغادر صاح الكبير أكاغي "رافقتك السلامة، كن حذرا يا حليفنا"

*

بمنزل باسل

كان أبهم ينتظره هناك، و بينما يفعل، كان في حالة الصفاء الذهني و الروحي يحاول التدبر. فلِتصبح قويا، هناك وسيلتان تعتبران الأهم على الإطلاق

التدرب و التدبر

فُتِح باب المنزل، ففتح أبهم عينيه أيضا، فرأى باسل أمامه، فإذا به يقف ثم يشبك قبضته قبل أن يقول "تحية للجنرال الأعلى، ماذا تريدني أن أفعل"

ابتسم باسل ثم ربت على كتف أبهم و قال "ستكون رفقتي في رحلتي.................. يتبع!!!!!!!!


(الجزء الرابع)


(في مكان بعيد جدا عن عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية)

تحركت حوافر بشكل سريع للغاية جارة وراءها عربة بجانب قرية ما. لم يكن الخيل و لا العربة أقل شأنا من الآخر. كان كلاهما خلابان للغاية، و هذا أشار لأهمية الأشخاص الراكبين بتلك العربة. طريق هذه الأخيرة كان خاليا بسبب ابتعاد الناس عنه.

تناقلت الأقوال بين الناس و عرفت هوية الشخص الذي بداخل هذه العربة.

"إنه الإمبراطور غلاديوس. يبدو أنه عائد إلى إمبراطوريته. لكن لم يعود لوحده؟ الإمبراطور شيرو لا زال هنا. هل حدث شيء ما خاطئ؟"

"لقد سمعت أنه غادر بسبب عدم تلقيه الاحترام المناسب أو شيء مثل هذا."

"حسنا، هذا لا يهم. المهم هو عجلته هذه ! "

كانت العربة التي يجرها خيل ملكي تنطلق بسرعة كبيرة للغاية كما لو أنها تنزلق مع الرياح و تندفع كالعاصفة. من خلال مشاهدة هذا المنظر، كان يمكن لأي شخص تخمين الأهمية القصوى التي تجذب هذه العربة لها.

(بداخل العربة)

"اللعنة. لقد غبت لشهور فقط و ها أنا ذا أجد إمبراطوريتي يتخللها الأعداء. يا أصيل، كم تبقى لنا على البحر؟"


أجاب الجنرال أصيل الذي كان يجلس أمام الإمبراطور غلاديوس بوقار محدقا به بنظرات شاخصة: "مسيرة يوم كامل يا سيدي."

أحكم الإمبراطور غلاديوس قبضته و لعن مرة أخرى. لقد تسلق جبلا شاهقا للغاية و لف ذراعه حول العرش بشدة، فأصبح الحاكم الآمر الناهي بإمبراطورية الرياح العاتية. و مع ذلك، بمجرد ما أن أرخى ذراعه لقليل من الوقت حتى وجد العرش في طريقه للانسلال منه كليا. ليس هناك ما هو أشد ذلا و هوانا من ذلك. بالنسبة له، كالشخص الذي بلغ ما لم يبلغه رجل من قبل بإمبراطوريته، كان يحمل فخرا و كبرياءً عظيما. و بمشاهدته يغلي في مكانه، كان بالإمكان التخمين بكل سهولة مدى جدية الوضع الحالي بالنسبة لإمبراطورية الرياح العاتية.

رافق الإمبراطور غلاديوس في رحلته إلى إمبراطورية الشعلة القرمزية جنرالان. أحدهما كان الجنرال أصيل، و الآخر كان الجنرال كريم. هذا الأخير تكلم بعدما صنع نظرات غير راضية: "اعذرني يا سيدي على كلامي التالي، و لكن..."

قاطعه الإمبراطور غلاديوس متكلما بنبرة حادة: "يا كريم، إن كنت ستقول شيئا تعلم أنه سيغضبني أكثر مما أنا عليه، فأنصحك بإبقاءه في قلبك."

سكت الجنرال كريم مرة أخرى و لم يخرج حرفا آخر.

أكمل الإمبراطور غلاديوس: "ما يهم الآن هو العثور على الحل الأنسب و المثالي. لأنني مقسم على عدم ترك العرش الذي مررت بالطريق الدموي و الجهنمي من أجل الحصول عليه يؤخذ مني. لاسيما من حقراء لم يتجرؤوا على إعلان وجودهم سوى مؤخرا في هذا العالم معتبرين أنفسهم حاكمينه."

غطت وجوه الثلاثة نظرات الشك، الحيرة، الارتياب، و بعض الحزن الذي كان سببه مختلفا من واحد للآخر. كما استمرت العربة في التحرك بسرعتها القصوى.

كلما كبُر ما تمتلكه، كلما صعُب فقدانه.

************

(عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية)

تحدث رجل بدرع فضي امتلك حضورا مهيبا: "لقد ظننت أن السيد الصغير باسل كان ينوي التعامل مع أولئك المطالبين شخصيا."


هذا الشخص كان هو الجنرال منصف، و كان يوجه كلامه للكبير أكاغي و باقي رؤساء العوائل الكبرى إضافة للجنرال رعد و أنمار التي أخذت جانب الكبير أكاغي جالسة على كرسي ملكي. جلس كل الجنرالات على كراسي محيطين بطاولة الاجتماع.

أجاب الكبير أكاغي الذي اتخذ العرش مقعدا له كالعادة: "قال أن ننتظره ليتعامل معهم، لكنه لم يقل أنه سيفعل ذلك بيديه. لقد أعطى لي خيارين و اللذين وجدتهما معا مناسبين. لذا أردت تقرير هذا الأمر معكم بما أنني لم أرد الحسم لوحدي."

أعطى الجميع آذانهم للكبير أكاغي الذي استأنف كلامه من جديد: "الخيار الأول: استخدام القوة. سنقوم بجعل كل واحد من المطالبين يقاتل ضد متطوع منكم. و إن صمد لأكثر من عشر دقائق فله الحق في حقه المدّعى."

تفاجأ الجميع من الفكرة ثم انتظروا الخيار الثاني و الذي كان كالتالي: "أم نعلن عن اختلاف المقياس الذي أصبح يحدد الجنرال عما كان. لن يكون بعد الآن المستوى السادس هو المطلوب لتصبح جنرالا."

تفاجأ المستمعون أكثر من السابق. تكلم الجنرال رعد رافعا يده حاملا نصف ابتسامة على وجهه: "كما هو متوقع من الفتى القرمزي. لنكن صريحين يا جلالة الإمبراطور. بعد النظر في الخيارين معا بشكل معمق، ستجد أن الخيار الأول هو نفسه الثاني، و لا فرق بينهما سوى الطريقة. لم يكن هناك سوى خيار واحد من الأول. كل ما فعله الفتى القرمزي هو منحنا الخيار في تقرير الطريقة التي تعجبنا."

فهم الكل تلميح الجنرال رعد. معه حق. كان الخيار الأول عبارة عن إثبات اختلاف مرتبة الجنرال عما قبل باستخدام القوة. أما الثاني فتضمن الحوار و النقاش بهدف جعل المطالبين يفهمون أنهم ليسوا بالأشخاص الوحيدين الذين تغيروا، و إنما كذلك الأحوال.

تكلم الرئيس تشارلي: "و ما كان رأي الجنرال الأعلى؟"

أجاب الكبير أكاغي بعدما ابتسم: "إنه رأيكم. لكن إن سألتموني عن رأيي، فسأجيبكم. ببساطة سوف أختار الطريقة الأسرع و الغير مزعجة. فنحن في عالم مهدد يحتاج للنمو السريع لا البطيء. عجزة بلغوا المستوى السادس الذي طمحوا بلوغه طوال حياتهم لن تنفع معهم الطريقة اللطيفة. في مثل هذه الحالة، إن كان القلم بيدي، فسوف أحرص على استخدامه كسلاحي النهائي بدل الكتابة به لإرسال رسالة التفاوض. و بالطبع هذا رأيي فقط. كما قلت من قبل، إنه رأيكم. افعلوا ما شئتم."

أنهى الكبير أكاغي الرسالة بقوله: "هذا ما قال."

"هاهاهاهاها." ضحك الرئيس تشارلي بصوت مرتفع للغاية قبل أن يقول: "إنه كما قال الجنرال رعد تماما. و ليس فقط منحنا خيارا واحدا بطريقتين مختلفتين. بل حتى أنه أقنعنا بالطريقة التي نختارها. أو لست محقا يا سادة؟"

"بلى"


خرجت الكلمة بابتسامة من الجميع.

تكلم الكبير أكاغي الذي ابتسم بعدما مر كل شيء كما هو متوقع: "الطريقة الأولى إذا"

تكلم الجنرال رعد تباعا له: "ها نحن ذا. لم تقل الخيار الأول و إنما الطريقة الأولى."

ابستم الكبير أكاغي و البقية قبل أن يضحكوا كلهم مجتمعين.

بعدما انتهى الجميع من الضحك، تحدث الكبير أكاغي بجدية: "حسنا، لما لا نتكلم الآن حول الموضوع الجدي. قبل مغادرة الجنرال الأعلى باسل، أخبرني عما سيفعله بشأن الإمبراطورين. و خصوصا الإمبراطور غلاديوس الذي لم أكن أفهم لم انتظره حتى يغادر."

استمع الكل بحذر لكلام الكبير أكاغي الذي قال: "بالمناسبة، هل حدث و أن رأى أيّ منكم تشكيل الجنرال الأعلى مؤخرا؟"

تعجب الجميع من السؤال. لكن بما أنه أتى من الإمبراطور، فلم يتجرأ أحد على التشكيك في علاقته بالموضوع. لذا قاموا بتشغيل ذاكرتهم حالا ليجيبوا عن سؤال الكبير أكاغي.

تفاجأ البعض قبل أن يتفاجأ الجميع في النهاية. تكلم الجنرال رعد بنظرة تعجب على وجهه: "المعقل الذي كان يعج بالمتدربين و الجنود هادئ."

أكمل الجنرال رعد بعدما طرأت فكرة في باله: "تحدثت قبلا عن الإمبراطور غلاديوس و مغادرته. نورنا بالعلاقة التي بينهما يا جلالتك."

ابتسم الكبير أكاغي قبل أن يقول: "التشكيل اتخذ وجهة كما فعل سيده."

****************


(في أقاصي جنوب إمبراطورية الشعلة القرمزية، أقاصي شمال إمبراطورية الأمواج الهائجة)

نقطة جمعت بين الإمبراطوريتين. وكر قبائل الوحش النائم. بمحيط آلاف الأميال، كان المكان يبدو من السماء العالية كغابة شاسعة امتدت لآلاف الأميال. كان يتخللها بعض التلال و الهضاب و حتى القليل من الجبال. و يتمركز هذه الغابة الهائلة شجرة عملاقة كانت قمتها أشبه بعش ضخم للغاية. اتخذت هذه القمة شكلا دائريا، و من محيطها امتدت أغصان شرسة و أصيلة نحو الأعلى بمئات الأمتار ثم التقت بالمركز في السماء مكونة بذلك غطاءً طبيعيا هائلا. و بذلك، كانت قمة الشجرة العملاقة التي وصل علوها لآلاف الأمتار تلُوح كعش محاط بقفص.

أما جذع الشجرة، فكان يبدو عتيقا للغاية حيث حمل عليه نقوشا غير مفهومة للأغلب. كما كان مملوءا بالطحالب و عليه خدوش كبيرة للغاية كما لو أن وحشا أسطوريا خلف آثاره عليه واضعا بصمته موضحا ملكيته. كان قطر هذا الجذع عريضا للغاية فكان بنصف قطر القمة. مثل هذه الشجرة العظيمة، لم يكن يستطيع أي شخص التعبير عن رأيه عنها بغير الإعجاب بجمالها الخلاب و الآسر.

هذه الشجرة العملاقة، أصبحت في ناظر كل من باسل و أبهم الذي يرافقه بعدما صعدا لقمة جبل حاول منافسة علو الشجرة العظيمة. و في ذلك الموقع، كان أبهم غير قادر على التنفس بشكل صحيح. لكن للأسف لم يكن هذا بسبب المنظر الخلاب أمامه و لا بسبب السحب البيضاء التي تطفو فوق رأسه. و إنما بسبب ما مر به من جحيم في الأيام الثلاث الماضية.

كانت أقسى و أطول ثلاث أيام اختبرها أبهم في التسعة عشر سنة التي يبلغها. بعدما كان على الأربع يحاول استجماع أنفاسه، شاهد ابتسامة عريضة على وجه باسل الذي رفرف شعره كما فعلت ملابسه البيضاء الراقية بسبب الرياح القوية الموجودة بالارتفاع الذي هما عليه.

لم يسع أبهم سوى التساؤل بعدما رأى نظرة باسل المتطلعة. و لم يكن بإمكانه منع نفسه من طرح هذا التساؤل على باسل: "لم أنت فرح هكذا يا سيدي؟"

تكلم باسل بينما يبقي نظره على الشجرة العظيمة: "ألستَ كذلك؟ بعد رؤية مثل هذه الشجرة المثيرة للاهتمام، لا يسعني سوى الشعور بالفضول في أصلها و كينونتها. لقد قرأت و سمعت عنها من قبل، لكن السماع و الرؤية لشيئان مختلفان كل الاختلاف. إنها بعيدة بآلاف الأميال، و مع ذلك بإمكاني رؤية ظلها يخترق السماء و الإحساس بجبروتها من هنا."

"آه." أخرج أبهم مثل هذا الصوت فقط. أما باسل، فلم تذهب تلك الابتسامة عن وجهه أبدا.

قال أبهم: "حتى أنت تتفاجأ ببعض الأمور يا سيدي ! "

أجاب باسل بعدما نظر لأبهم أخيرا: "إن كان هناك شيء واحدا قد تعلمته من الأفضل، فهو أن العالم أوسع بكثير مما أتخيل. منذ صغري و أنا أريد فقط اكتشاف الأشياء المثيرة. قد أبدو لا أتفاجأ بالنسبة لك، لكن هذا بسبب المعرفة التي اكتسبتها فقط. معرفتك قليلة مقارنة بالخاصة بي، لذا تجدني أعلم بالفعل عما يفاجئك."

'الأفضل'. بقوله لهذه الكلمة، جعل أبهم يتساءل عن هوية هذا الشخص الذي يتحدث عنه باسل. قد يكون اقتنع بقوة باسل، لكنه لا زال غير مقتنع أن مثل هذا الفتى الصغير يعرف و يعلم هذه الأشياء كلها لوحده و من تلقاء نفسه. و هذا الشخص الذي يناديه باسل بالأفضل دائما هو الذي مرر معرفته هذه له.


خلال رحلته مع باسل، اكتشف أبهم الكثير من الأشياء. كما بدأ يستشعر طريقا طويلا لا زال لم يبدأه بعد. فبناء على كلام باسل، أصبح أبهم يعلم أنه سيفتح باب هذا الطريق فعليا بعدما يخترق للمستويات الروحية.

الأشخاص الوحيدون الذين أخبرهم باسل حتى الآن بحقيقة المستويات التي تأتي بعد المستوى السابع كانوا قادة التشكيل و باقي أتباعه المقربين. ثم الكبير أكاغي بجانب الجنرال منصف. و الرؤساء تشارلي، براون، و كورو. إضافة للجنرال رعد. أخبر باسل الرؤساء بمشاركة تلك المعرفة مع المقربين منهم الذين يثقون فيهم بشكل أعمى أيضا. و أخيرا، و بعدما اتخذه رفيقا في هذه الرحلة، أخبر أبهم أيضا.

بعد مدة من الوقت، لن يكون هذا سرا بعد الآن. و سيصبح معلومة عامة و طبيعية كشروق الشمس و غروبها.

تكلم باسل "سنكمل تدريبك بالليل أيضا. سنخيم هنا هذه الليلة قبل أن نستكمل رحلتنا. يمكنك النوم للآن، سأوقظك عند الوقت المناسب."

أبهم الذي كان على الأربع، ارتخت أطرافه فنام في مكانه. لم ينم لثلاثة أيام كاملة، و التي لم تكن مجرد أيام عادية.

بعدما نام أبهم، تحدث باسل عبر خاتم التخاطر: (كيف هي الأمور يا تورتش؟)

وصل الصوت المجيب على السؤال على شكل أفكار لذهن باسل و التي كانت كالتالي: (تمام بالتمام يا سيدي. الرحلة لإمبراطورية الرياح العاتية تمر على خير، لا زلنا على البر، مقتربين من البحر. ماذا عنك يا سيدي؟)

ابتسم باسل ثم قال: (يمكنك القول أن مزاجي جيد للغاية الآن. جيد للدرجة التي يمكن للجزرة الحلوة المرافقة للوحدة الهادئة أن تجعلني عليه. أعتمد عليكم.)

أجاب تورتش (تم.)

وقف باسل ثم بدأ يتدرب على الفن القتالي الأثري. كان هذا الأخير يساعد في تعزيز البنية الجسدية للساحر و الساحر الروحي على حد سواء. فهو يتطلب من الشخص قدرة عقلية و موهبة راقية لاستيعاب التعاويذ الذهنية الروحية و ترجمتها لفن قتالي متصل ببحر الروح أو الروح. بسبب هذا الاتصال، يكون هناك فائدة عظيمة على الجسد و الروح معا. يتغير الجسد تدريجيا كما يصقل بحر الروح أو الروح مع مرور الوقت و الممارسة.

لو علم أبهم أن باسل كان يرتدي أثقالا تصل لنصف طن بينما يتدرب على فن قتالي أثري يتطلب القوة الجسدية المرتاحة و الكاملة، لعض شفتيه و خجل من نفسه على تذمره بشأن الأثقال التي حملها و تدرب بها.

كان الوقت عصرا. و لم يتوقف باسل عن التحرك الشاق و المرهق إلى أن وصل منتصف الليل. في الحقيقة، و للتكلم بشكل أدق، توقف باسل لمدة قصيرة من الوقت بسبب المنظر الجذاب الذي صنعه غروب الشمس و ما أتى أسفله من احمرار و اصفرار حيث رافقهما دفء مريح.

تكلم باسل في تلك اللحظة بينما يحدق في أبهم المنكمش كالرضيع: "لقد فاته منظرا منعشا."

**************


في طريق وعر كان بواد عريق تخللته أصوات وحوش دبت الرعب في جسد أبهم الذي كان يلحق باسل الهادئ.

تكلم أبهم: "ما الذي نفعله هنا الآن؟ صعدنا القمة البيضاء، عبرنا النهر الأحمر، و زرنا مقبرة السحرة، بالإضافة للعديد من الأماكن الموحشة التي لم نمر بها إلا و زرناها. ألم تقنع بعد يا سيدي؟"

أجاب باسل الذي كان يضع يديه وراءه بينما يتحرك بخطوات سريعة و هادئة في نفس الوقت: "هيا يا رجل، أين هي روح المغامرة؟ أ وضعت رومانسية الرجال بمكان آخر؟ أم أنك جبان حقا و لم تكن تدعي عندما التقينا بأول مرة؟"

"ها؟" انزعج أبهم ثم أكمل قائلا بعدما هدّأ من نفسه: "لن تستفزني بهذا يا سيدي، لقد تعلمتُ الدرس مما سبق."

ابتسم باسل من ردة فعل أبهم.

أكمل أبهم تذمره: "من يصعد للقمة البيضاء ليشاهد شجرة الوحش النائم؟ من يعبر النهر الأحمر ليرى كم من الوقت سيكون قادرا على تحمل حرارته و كم هو عمقه؟ و من يحاول الحفر في مقبرة السحرة باحثا عن الكنوز؟ "

"أنا" أجاب باسل كما لو أنها إجابة مقنعة.

تكلم باسل باسترخاء بعدما شاهد نظرة أبهم الغير مقتنعة: "هيا هيا، لا تكن مملا. أتعلم كم بقيت داخل العاصمة و كم من الوقت لم أدخل لمنطقة محظورة؟ إنها حوالي 9 شهور يا هذا. القليل من المتعة في الطريق ليست بالشيء الكبير. لا يمكنني أن أنسى هدفي الأولي في غدوي ساحرا. إضافة إلى أنها كانت كلها أشياءً أجربها لأول مرة."

سكت أبهم و لم يتكلم أكثر لقليل من الوقت حتى طرأت في عقله فكرة ما فأسرع بقولها: "ألم تكن تقول أن هذا العالم يحتاج للنمو بأسرع وقت؟ أليس ضم قبائل الوحش النائم لنا له الأولوية القصوى الآن؟"


حدق باسل بانزعاج في وجه أبهم ثم تكلم: "إنك قاتل للمتعة حقا."

بدا على باسل الاقتناع أخيرا فتنفس أبهم الصعداء قائلا: "وا فرحتاه، هيا لنخرج الآن يا سيدي و نأخذ الطريق العادي ! "

التفت باسل ثم ابتسم قبل أن يقول: "بالطبع سنفعل ! " ازدادت ابتسامته اتساعا قبل أن يكمل: "بعدما تجد حلا مع ضيفك الجائع."

التفت أبهم ببطء محركا عنقه رغما عن نفسه التي لا تريد رؤية ما بالخلف بينما يقول: "لا تقل لي ! " فإذا به يجد كلبا بثلاث رؤوس و بارتفاع ثلاثة أمتار. أنيابه ظهرت بعدما تدلت ألسنته الثلاث التي جعلت الدم يتوقف عن الدوران بجسد أبهم.

كان هذا الكلب بالمستوى الخامس. و كان هذا الوادي الذي به باسل و أبهم حاليا يعرف بوادي الكلب الملك. كنية على نفس الكلب الذي كان أمام أبهم. عُرِف هذا الكلب بسحر الجليد. يقال أنه بالقسم الأخير من المستوى الخامس. و عرف بحكمه الملكي للوحوش التي توجد بهذا الوادي حيث كانت الوحوش هنا يتنوع مستواها من الثالث للخامس.

قفز باسل عاليا ثم جلس على حجر يتدلى من الوادي قبل أن يقول: "الكلب الملك هو تدريبك التالي. قاتله، و أعدك بإكمال الطريق مباشرة نحو الوكر دون التفكير في أي شيء آخر عدا الوصول له."

"ها؟" صرخ أبهم ثم قال: "لقد بلغت المستوى الرابع لتوي ! كيف لي أن أهزم مثل هذا المخلوق؟"

ابستم باسل ثم قال: "ليست مشكلتي. لكن أتعلم شيئا؟ ذلك الكلب لن يلاحقني أبدا طالما لم أتدخل في قتله لك. و السبب بسيط، لأنه غير مهتم حاليا بي. فجل تركيزه على رائحة ددمم أتباعه."

ابتسم أبهم نصف ابتسامة قبل أن يقول بسخرية: "و التي تصدر مني."

ابتسم باسل ثم عض جزرة. فعض أبهم إبهامه ثم رسم على يده بدمه نقشا دائريا كان أشبه بقمة شجرة النورس ثم فعل طاقته السحرية و صرخ متحولا.

انقض أبهم على الكلب الملك الذي قام حالا بتفعيل سحره و زفر الجليد مع انقضاضه على أبهم الذي أصبح ذئبا أسودا منطلقا كالسهم.


التقى الاثنان ثم خلقا تموجا في الهواء. اصطدما ببعضهما البعض بكثير من المرات جاعلين الوادي يهتز. كان أبهم يدافع عن نفسه من سحر الجليد بسحر الظلام الخاص بتحوله. زادت المعركة حدة مع الوقت. كما استشاط الكلب الملك غضبا في كل مرة يفشل بها هجومه.

لهث لهث

كان أبهم يلهث بصعوبة كبرى. كان أمامه الكلب الملك لا يزال واقفا و يزمجر برؤوسه الثلاث. أبهم الذي كان جسده مغطى بالدم غير قادر على الحركة، كان ينتظر الكلب الملك لينقض عليه كي ينهي حياته. و بالطبع، في آخر اللحظات قبل أن يغمى عليه، شاهد باسل يقف أمامه.

تكلم باسل: "لقد قاتلت جيدا. و الآن فلتنم."

سقط أبهم مغميا عليه. فزمجر الكلب الملك في وجه باسل ثم انقض عليه لوقوفه في طريقه. عندها، تحرك باسل.

وووووش

اختفى ثم ظهر في لحظة بجانب الكلب الملك كما لو أنه انتقل آنيا، ثم قام بركلة خلفية حملت معها نيرانا انفجرت بملامسة رجله لجنب الكلب الملك.

بووووووم

أرسِل الكلب الملك محلقا لمئات الأمتار. حلق جسده بسرعة كبيرة للغاية ثم اصطدم أخيرا بحائط. و مع ذلك، مع أنه كان قد مات بفعل الانفجار الناري الذي حدث له، إلى أن جسده لم يتوقف و اخترق الحائط الذي كان عبارة عن واجهة لهضبة شكلت جانبا من الوادي بسرعة كبيرة. قطع جسد الكلب الملك عشرات الأمتار بداخل الهضبة قبل أن يتوقف أخيرا.

لكنه لم يتوقف بسبب انخفاض سرعته، و إنما بسبب تآكل الجسد نفسه بالنار النهمة التي أكلت جسده إلى آخر جزء منه حتى لم يتبقى منه سوى القليل من الرماد.

تكلم باسل بعدما رأى القوة التي أنتجتها الركلة: "ليس سيئا. لقد أصبحت الخطوات أسرع مما أنتج قوة دفع أكبر و اصطداما أشرس. جسدي قد أصبح أقوى و قدرة شفائه غدت أسرع أخيرا من الضرر الذي يحدث له."

في اليوم التالي الذي استيقظ فيه أبهم. مع فتحه لعينيه، وجد نفسه يطير بالسماء، و عندما أدرك ما يحدث، علم أن باسل كان يحمله بينما يقفز بجبل مرارا و تكرارا نازلا للأسفل. كل قفزة كانت عالية كفاية لتسبب سكتة قلبية لأبهم.


تكلم باسل: "استيقظت أخيرا. إذا أنت على رجليك. واكبني و إلا فأنت لوحدك."

بعدما أدار أبهم رأسه وجد حشدا من الوحوش يتبعهم بسرعة كبيرة للغاية. فإذا به يتكلم صارخا: "ألم تقل أنك ستذهب مباشرة للوكر؟"

"هذا ما أفعله. و الآن انزل، لا أحبذ حمل رجل قادر كفتاة عاجزة." قالها باسل ثم أنزل أبهم بينما يجري بسرعة كبيرة.

قال باسل مكملا بينما يحاول أبهم اللحاق به: "لقد أشربتك إكسير العلاج البارحة فقط. اعتبر نفسك ميتا إن تعرضت لإصابات بالغة."

انطلق الاثنان بسرعة كبيرة للغاية مخلفين وراءهما الغبار و اللاحقين.

(بعد مرور القليل من الأيام)

"أخيرا وصلنا." تكلم أبهم.

قال باسل: "نعم، أخيرا فعلنا ! " كان نظره موجها للأعلى على مسافة بعيدة للغاية. كان يركزه على شجرة الوحش النائم التي أحس بهيبتها أكثر من السابق. أكمل باسل كلامه: "و يبدو أنهم أتوا ليرحبوا بنا."

تحرك باسل و أبهم الذي لم يسمعه بشكل جيد. تقدما للأمام فوجدا نهرا صغيرا. و بمجرد ما أن قفز الاثنان و وضعا الخطوة الأولى بالجهة الأخرى من النهر الصغير حتى وجدا أمامهما المئات من الأشخاص الذين ظهروا من العدم على حين غرة. هؤلاء، كانوا كلهم يرتدون أقنعة متنوعة الأشكال، و كلها كانت تعود للحيوانات و الوحوش. كانوا يرتدون نصف لبس. غطوا نصفهم الأسفل فقط. و أغلب ملابسهم مصنوعة أو متكونة من جلود الوحوش و الحيوانات. كان يضع العديد منهم وشوما غريبة.

و كلهم صرخوا في نفس الوقت مكونين صرخة موحدة جعلت بعض الوحوش في المناطق المحظورة المجاورة تهبّ فارّة خائفة. مثل هذا المنظر الغريب للغاية جعل أبهم يرتعد. كما جعل باسل متعجبا من القوم الذي أمامه.


الصرخة أتت بصرخات بعيدة كما لو أنها كانت تتجاوب مع بعضها. و في ثوانٍ، كانت المئات قد أصبحت آلاف. مكونة كلها من الرجال و النساء اللواتي ارتدين ملابس غطت صدورهن و أنصافهن السفلى فقط. و مثل رجالهن، ارتدين الأقنعة كذلك و صرخن كما فعل أزواجهن، أبناؤهن، و إخوانهن.

بعدما رأى باسل مثل هذا المشهد الغير متوقع. اتسعت قلتا عينيه ثم ابتسم قبل أن يقول: "يا له من قوم متماسك متشابك."

حدق به أبهم بنفس قدر الغرابة التي شعر بها عندما رأى هؤلاء الناس يخرجون من اللامكان. قد يكون هذا القوم عجيبا، لكن ردة فعل باسل كانت بنفس المقدار من العجب !

عادة، سيخاف الناس و يرتعدون من هذا الموقف الذي سيجدون أنفسهم به. فقط تلك الصرخات كانت كافية لبث الرعب في قلوب الناس بسبب العدوانية و الضراوة التي تحملها معها. و مع ذلك، ما الذي يحدث مع هذا الفتى على هذه الأرض؟ كيف له أن يصرّح بتعليق كهذا؟

أكمل باسل المبتسم: "قبائل الوحش النائم. 55 سنة من الانعزال."

تحرك باسل متقدما للأمام و بمجرد ما أن فعل حتى وجد آلاف الأسهم السحرية متوجهة مرة واحدة نحوه مستهدفة إياه. كانت هذه الأسهم تحمل جميع عناصر سحر الطبيعة معها.

السحرة الذين لا يملكون سحرا من الطبيعة مثل سحرة الاستدعاء و سحرة التحول يكونون قادرين على استخدام سحر الوحش الذي سواء أ تحولوا له أم استدعوه بنسبة معينة. سحرة الاستدعاء يستخدمون حوالي ثلاثة إلى أربعة من عشرة من الطاقة السحرية التي يملكها الوحش المستدعى. و سحرة التحول يوظفون حوالي سبعة من عشرة من الطاقة السحرية التي يملكها الوحش المتحوَّل لهيئته.

آلاف الأسهم اتجهت كلها نحو نقطة واحدة بالضبط من دون أن يخطئ سهم واحد منها أبدا. هذه النقطة كانت باسل. و هذا الأخير توقف فقط في مكانه من دون أن يتحرك عنه و أحكم قبضته ثم لوح بها.

بااام

انفجرت الأسهم كلها من دون أن يتبقى منها شيئا بفعل النار التي انطلقت من قبضة باسل على مدى واسع للغاية.

تكلم أبهم بصوت منخفض بحيث سمعه باسل فقط: "أغبياء. هل تظنون أنكم قادرين على إطاحة الجنرال الأعلى بمثل هذا الهجوم السخيف؟"


كان باسل لا زال محافظا على ابتسامته. قال: "لا، لقد كان هذا مجرد تحذير لطيف لأنني تقدمت خطوة. إنهم يخبرونني بعدم التقدم أكثر فقط."

صدم أبهم مما قاله باسل. تقدّمَ خطوة واحدة، و بدل أن يطلقوا سهما واحدا أو بعضا، أطلقوا الآلاف ! كل واحد منهم أطلق سهما.

قال باسل: "معنى هذا أنه غير مرحب بنا على الإطلاق. فكل واحد منهم عبّر عن ذلك بسهم منه. يبدو أن الكراهية متبادلة بين إمبراطورية الشعلة القرمزية و القبائل بنفس الدرجة. و مع ذلك، إني لست بمغادر إلا و معي الكلمة منهم."

حرك باسل رجله مرة أخرى. و هذه المرة، قبل أن يضعها على الأرض ليكمل خطوته. دب صوت عميق للغاية من خلف الحشد المكون من الآلاف.

"البث و اثبت. خط الجَوْن. لا أوصي بتجاوزه."

أرجع باسل قدمه لموضعها و أجاب بنفس الابتسامة التي اعتلت وجهه منذ أن شاهد هؤلاء الناس: "حقا؟ لنرى إذا إن كنت سأجد النور أم الظلام. الأبيض أم الأسود. فهذا يثير اهتمامي ! "

"الفتى الفتى. 55 سنة. إمبراطورية الشعلة القرمزية و وكرنا العظيم. إنهما الآن عبارة عن الماء و الزيت. لقد مرت فترة طويلة منذ أن رأينا 'خارجيا'. لكن هذا شيء عادي أن يحاول خارجي الدخول لوكرنا العظيم. الغير عادي هو أن هذا الخارجي عبارة فتى يحاول تسلق السماء مع أنه لم ينضج بالكامل و لا زال غير مجنح."

تحدث الصوت العميق مرة أخرى مخلفا وراءه جوا هادئا بسبب الصمت القاتل. تحركت الأشجار فسُمِعت خشخشتها. و عندما نطق باسل مرة أخرى، طارت المحلقات عاليا هاربة كما لو أنها كانت تنتظر الصمت لينكسر.

"الخفي الخفي. الفتى غير مجنح، لكنه يعرف كيف يميز على الأقل ما السماء التي يستطيع تسلقها و التي لن يلحق نهايتها. و الفتى يعلم جيدا أين يقف الآن، لكنه لا زال لا يعرف مع من ! لما لا تظهر و نناقش الأمور بما أنك تحب التحدث و الدردشة."

"هذا هذا ! " قالها الصوت العميق قبل أن يكمل: "ما المؤهلات؟ و هل أنت أهل لها؟"

باسل الباسم قال: "إنني هنا. أليس هذا كاف لك؟"

تحدث الصوت العميق مرة أخرى: "لا. إنه غير كاف."

"همم ! " اصطنع باسل التعجب ثم قال: "هذه مشكلة إذا. ماذا عن هذا إذا؟"

تكلم باسل بداخله مفكرا: "لم أكن أريد استخدامه. لكن هذا لا يهم حاليا. طالما يمنحنني سببا للجلوس و التحدث فسوف أصرح به، و عندها أتحدث بصفتي باسل."

قال باسل أخيرا بصوت واضح: "أنا الجنـ..."

وووووووووووووش


بااام
بااام بااام

فجأة، و قبل أن يكمل باسل كلامه، حدثت عدة انفجارات في السماء. هذه الانفجارات لم تكن بسبب النار، و لا بسبب أي عنصر سحري آخر. و إنما كانت بسبب الصوت الناتج عن تحرك لمخلوق ضخم ثقب الهواء و اخترق الصوت مولدا صدمات منفجرة عبر مسافة تمتد لمئات الأميال قبل أن يصل إلى السماء أعلى باسل و الآلاف من أعضاء القبائل.

تكلم أبهم بعدما رفع رأسه كالجميع: "سحابة؟ ! "

كان الجميع مستغربا من المنظر الذي في الأعلى. ما حدث قبل قليل لا يوصف ! هل تلك السحابة البيضاء هي السبب في الضوضاء المرعبة قبل قليل؟ الكل تساءل. أما باسل، فضاقت عينيه و ركزهما أكثر محاولا رؤية شيء آخر غير السحابة البيضاء التي ظلّلت الكثير.

"جنرال إمبراطورية الشعلة القرمزية الأعلى. قاتل الدم القرمزي. باسل. لست مخطئة، أليس كذلك؟"

تكلم صوت من السماء. هذا الصوت كان رقيقا و ناعما على عكس الصوت العميق التي أتى من حشد قبائل الوحش النائم. لكنه كان يجعل الأبدان تقشعر. كما لو أن هذا الصوت الناعم كان لجنية دماء أو حورية ماء. وراء صوتهن الناعم دائما ما تجد النية المستبدة.

"الجنرال الأعلى؟"

"من يتحدث؟"

"مع من يتحدث؟"

"ما الذي يجري هنا؟"

انتقلت الهمسات و الأصوات. بدأت الأوضاع تشوش الجو كما فعلت أفكار الحاضرين. و الشخصان اللذان كانا يعلمان من المقصود، أحدهما كان مندهشا من الصوت القادم من السحابة البيضاء و الآخر تغيرت نظراته، ابتسامته التي كانت تعتلي وجهه بالكامل قد اختفت و استُبدِلت بتعابير متحجرة خالية من المشاعر بينما توضح مدى جدية الوضع الذي أدركه.

حدق باسل بالأعلى و قال بنظرة ضيقة: "لقد كان هذا أسرع مما توقعت ! " ثم أكمل مرة أخرى بنبرة حادة: "ابتعد ! "

استغرب أبهم لأنه لم يعرف أ الكلام موجه له أم لا ! لذا قام باسل بالتكلم مجددا بعدما نظر إليه بتلك العينين الباردتين: "ابتعد بعيدا قدر المستطاع لتتجنب الصدمة."


نهض أبهم غير مدرك لما يحدث حتى الآن ثم ابتعد لعشرات الأمتار عن باسل. هذا الأخير وضع قبضتيه على الأرض و انكمش كالكرة في مكانه قبل أن يفعّل سحر النار الذي أحاط به في دائرة و شُحِن للحظات قبل أن يختفي باسل من على الأرضية.

بوووم

انفجرت الأرضية تحت باسل الذي ارتفع لعشرات من الأمتار بسبب انطلاقته المدوية و الثاقبة نحو السماء. كان باسل كالسهم الناري الذي أتى من سيد روحي.

باسل الذي حلق عاليا وصل لارتفاع السحابة البيضاء الضخمة. و بمجرد ما أن تساوى معها في الارتفاع حتى لكم نحو الأعلى مولدا انفجارا آخر جعله يتوقف. في الأخير، تكونت عاصفة نارية صغيرة تحت قدميه حملته بالسماء.

كل من على الأرض شاهد هذا المنظر و فتح فمه مصدوما مما حدث. تكلم الصوت العميق من بين الحشد في الأسفل: "ساحر بالمستوى السادس؟ ! بالقسم النهائي؟ ! فتى بهذا الصغر في مثل هذا المستوى؟ ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟"

أما باسل الذي وقف أخيرا في السماء متساويا مع السحابة البيضاء، تكلم أخيرا: "الرّخ. أشخاص محددون فقط من يمكنهم وضع قيد روحي في هذا العالم على وحش بمثل هذا المستوى. حلف ظل الشيطان. أعلن عن هويتك يا أيها المنادي. أمامك الجنرال الأعلى لإمبراطورية الشعلة القرمزية كما سألت."

"الجنرال الأعلى؟ لقد قال الجنرال الأعلى ! "

اضطربت الأوضاع على الأرض مرة أخرى. قال واحد من الحشد: "أيها الزعيم. أليس الجنرال الأعلى هو الشخص الأقوى في العالم الخارجي حسب تاريخ الأجداد؟"

كان هذا الشخص عبارة عن شاب في العشرينات. لا يعلم عن العالم الخارجي أبدا و لم يسبق له أن زاره. حاله كحال الأغلب. كلهم كانوا ينتظرون الجواب على نفس السؤال.

تكلم الصوت العميق من بين الحشد مرة أخرى: "الجنرال الأعلى؟ ! ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟ فتى بالمستوى السادس و هو الجنرال الأعلى؟ هل هذه عبارة عن مزحة؟ لم نتصل بالخارج لـ55 سنة فقط و تغير العالم لهذه الدرجة؟ كيف لهذا أن يحدث؟"

بدل أن يعطي الزعيم إجابته للمتسائلين، زاد من حيرتهم فقط بأسئلته هو الآخر.

"و ألم يقل قبل قليل الرّخ؟"


"نعم لقد سمعته يقول هذا ! "

تكلم الزعيم مرة أخرى بصوته العميق: "الوحش المعروف بجزره للرحالة الذين تجرؤوا على الدخول إلى منطقته بقارة الأصل و النهاية قبل 500 سنة. قيل أنه في مستوى خيالي لم يستطع أحد معرفته."

"انتظر..." ارتعد الصوت العميق لقليل من الوقت قبل أن يصرخ: "هل نحن أعمياء؟ إنه الرخ في الأساطير. حامل الفيلة و مدمر الأساطيل. حاكم الجبال الأوتاد و الجو. يا إلهي. إنها نهاية وكرنا العظيم. ما هذه النهاية المفاجئة التي حلت علينا؟ ! "

داخ الكل من الوصف الذي صرح به الصوت العميق. كان هذا الكلام جنونيا. لم يكن يحتاج لوصف الوحش حتى. كل ما كان عليه فعله هو تأكيد وجوده فوقهم. و هذا سيجعلهم كما فعلوا بالفعل أولاء ركاب فاشلة غير قادرة على الثبات في أماكنها.

عدم وضعهم لاحتمالية وجود مثل هذا الكائن في مثل هذا المكان، جعلهم أعمياء تماما من رؤية هذا المخلوق المتجبر الذي يعوم فوق رؤوسهم. بعدما فشلت ركاب غالبهم، بدأت أجساد الكثير منهم ترتعد.

من بين القصص الأسطورية التي تناقلت عبر الأجيال بينهم، كانت قصة الرّخ من بين الأعظم و الأكثر إخافة. حتى أصبح الرّخ يستخدم كقصص إخافة للأطفال الصغار و يضرب به المثل.

خسرت قبائل الوحش النائم الكثير من أعضائها في المذبحة قبل 500 سنة. لذا ترك الوحش المرعب الذي كان السبب في هذه المجزرة ندبا غير قابلة للشفاء.

تكلم الصوت الرقيق الناعم القادم من السحابة البيضاء مرة أخرى: "أقدم لك نفسي."

بدأت صورة شخص ما تظهر من على ظهر الرخ الذي اتضح جلوسه على سحابة بيضاء تغطي عشرات الأمتار في السماء. كانت الصورة تعود لامرأة في الثلاثينيات. بشعر أحمر و عينين خضراوين. ارتدت فستانا أسودا حالكا يكشف الجزء الأوسط من بطنها على شكل معين حيث توسطته سرّتها، إضافة لساقها اليسرى البيضاء. كانت عبارة عن امرأة جذابة للغاية. يمكنها أن تجعل لعاب الرجال يسقط كما تفعل قلوبهم من أجلها. كان بإمكانها أن تتحكم في أفعالهم آمرةً إياهم مستخدمةً جمالها الفاضل.

حركت شعرها الأحمر بيدها مزيحة إياه عن وجنتها الوردية قبل أن تقول بنظرتها الساحرة: "فضيلة كرَم، هذا اسمي. و أنا قُدمى كبيرة من القدماء الكبار الستة خدم سيدنا ظل الشيطان حاكم العالم و قائده للسيادة العظمى."

تكلم باسل متحدثا بنبرة هادئة: "ساحرة الليلة الحمراء. مبيدة مدينة الأوردة الشمالية من إمبراطورية الأمواج الهائجة. لقد سمعت عنك."


أغمضت فضيلة كرم عينيها ثم داعبت شعرها قبل أن تقول: "يبدو أن شاهين قد فتح فمه أكثر مما هو متوقع."

عبس باسل قليلا. يا له من هدوء لديها هذه المرأة. يا لها من هالة قاتلة تلك التي تحيط بها. كان باسل يحس بشفرات حادة تقطع جسده مع أن تلك المرأة لم تقم بأي تحرك حتى الآن. غير أنها رمقته بنظرة أخيرة بعدما انتهت من التكلم. تلك النظرة لوحدها كانت كافية لتنقل نية قتلها الشرسة لباسل.

ما فاجأ باسل هو صفاء نية قتلها التي كانت خالصة للغاية. لم يحس وراء هذه النية بأي شيء آخر. لا رغبة أخرى غير نية القتل فقط. عادة ما يكون المحاربون و المقاتلون يحملون بـنيّة قتلهم كراهيتهم، أسبابهم، و رغباتهم في قتلهم للعدو. لكن هذه المرأة لم تكن نية قتلها تحوي أي شيء من ذلك. كما لو أنها قالت أنها ستقتل باسل و لم يكن هناك سبب و لا دافع. لا شيء. كما لو أنها سلاح فقط و ليست بإنسان.

هذا ما جعل باسل يشعر بشفرات باردة تخترق جسده من جميع النواحي. كانت هذه أول مرة يواجه فيها شخصا من هذا النوع. و بما أنه اختبر نية قتل مثل هذه لأول مرة. شعر باسل بعدم الراحة و رفع من حذره لأقصاه. النملة سيحس بها إن حاولت التقدم نحوه.

تكلمت فضيلة كرم مرة أخرى: "أتيت إلى هنا لأتكلم."

قال باسل بعبوس: "همم؟ تكلُّم؟ ركوب الرّخ و الدخول بدَوْي. لا أدري إن كنت سأسمي هذا نية في التكلم ! "

تصرفت فضيلة كرم كسيدة راقية فقالت: "عذرا إذا. ركوب الرخ كان لأصل بسرعة. و الدوي كان نتيجة للسبب. و الآن، لما لا نتكلم؟"

"قولي ما عندك." حرّك باسل يده و أكمل: "أنا مستمع ! "

فتحت فضيلة كرم عينيها ثم حدقت بهما في وجه باسل. كانت عيناها خاليتان تماما من أي تعبير. و هذا كان سببا في ازدياد جمالها فقط. وجهها الصافي و الأبيض كان يعطي شعورا بالراحة و الاطمئنان. لكن بمجرد ما أن تطيل التحديق في عينيها الفارغتين حتى تجد نفسك غرقت في الهاوية.

قالت: "انضم لحلف ظل الشيطان. أطع و اخضع فتجنب الصرع الوهيط. اعصي و عارض فواجهه. اختر ما شئت."

ضاقت عيني باسل ثم قال: "عندما تنوين تهديدي المرة القادمة. لا تستخدمي كلمة جميلة كـ'التكلم'. لكن..." أخرج باسل سيفيه الأثريين و قال: "لن يكون هناك حاجة للقلق بهذا الشأن بعد الآن."

قالت فضيلة كرم مرة أخرى: "نيتي هي التحدث فقط. لا أكثر و لا أقل. لم آتي للقتال."


أجاب باسل: "ليس هناك كلام مع الأرواح الفقيرة. و لن يكون هناك أبدا."

شحذ باسل طاقته السحرية ثم استعد للقتال.

تنهدت فضيلة كرم ثم قالت مغمضة العينين: "لا مفر. إنه الصرع الوهيط."

فتحت فضيلة كرم عينيها فامتدت منهما نية قتلها التي جعلت الأشخاص الذين على الأرض يسقطون على الأرض واحدا تلو الآخر، من الأضعف للأقوى. كانت نية قتلها هذه تزداد حدة مع الوقت. و أخيرا، أخرجت رمحا ذو مقدمة بثلاث رؤوس. كان الرمح يحمل نقوشا أثرية، و كان لونه قرمزيا. و بتكثيف طاقتها السحرية به، موّجت فضيلة كرم الهواء بهالتها و تخللت هذه الأخيرة الجو جاعلة العديد من الأشخاص يضغطون للأسفل غير قادرين على الوقوف بشكل صحيح.

قالت أخيرا: "فلتذعن أمام حكم ظل الشيطان ! " حركت فضيلة كرم يديها من الأعلى للأسفل جالبة معها كارثة سوداء.

ووووووش

تغطت السماء بالأسود. تظلل كل شخص على الأرض بهذه السحابة السوداء العظيمة. و برؤيتهم لهذا المشهد، ارتعبوا و صرخوا كما صرّح الصوت العميق من وسطهم مرة أخرى. فقط، كان هذه المرة صوته مصحوبا بارتجاف غير معهود منه: "إنها النهاية. هذه نهاية وكرنا العظيم. مهما كان مستوى هذا الوحش الذي بإمكانه إطلاق مثل هذه الهجمة، فلا شك أنه فوق قدرتنا بكل المقاييس."

بتلويح فضيلة كرم لرمحها من الأعلى للأسفل. رمت بكل قوتها تجاه باسل. فنتج عن ذلك سحابة من سحر الظلام التي نزلت مباشرة بسرعة خاطفة للغاية نحو باسل الذي لم يعد يجد مهربا من الهجمة المروعة.

في تلك اللحظة، فكر باسل بشيء ما و بدا عليه الانزعاج كثيرا: "يبدو أنني يجب أن أرخي قمعي بعد كل شيء. يا له من حظ الذي أملكه. فلنأمل أن بحر روحي سيحتمل الصدمات. أما الألم، فلقد جربته و علمت قسوته. لم أعتد عليه بعد لكنني عرفت أنني أقدر على النجاة منه."

وووووش

اقتربت السحابة السوداء التي أتت بضغط مستواها كذلك مولدة ارتجاجا في الهواء المحيط بها و جاعلة الناس على الأرض تضغط أكثر للأسفل. و مع ذلك، في مثل هذا الموقف الذي لا يحسد عليه أحد، شحذ باسل طاقته السحرية الخاصة بعنصر النار لأقصاها و لم يتوقف عند قمتها.

بوووووم

فجأة، و كما لم يتوقع أحد، انطلق ضوء ساطع من جسد باسل نحو السماء و ارتفعت هالته أكثر بعد أن توقفت لفترة قصيرة بقمة المستوى السادس معلنة بذلك اختراقه للمستوى السابع.

صرخ الناس بالأسفل: "المستوى السابع؟ ! "

"لقد اخترق للمستوى السابع يا قوم. ما هذه الأمور الغريبة التي تستمر في الحدوث؟"


عادة، عندما يخترق الساحر لمستوى جديد. يحس بنشوة و حيوية لا مثيل لهما. لكن، في حالة باسل، لم يكن الحال نفسه. صرخ باسل متألما بعد الاختراق مباشرة. بمجرد ما أن اخترق اتسع الختم أكثر فاندفعت طاقة سحرية خارجية هائلة لجسده دفعة واحدة غير تاركة الوقت لبحر روحه كي يستوعبها تدريجيا.

بووووم بووووم

اختراقان متتابعان، لم يعلم أي أحد ما الذي يحدث؟ لكن بعد أن اخترق باسل للمستوى السابع. اخترق مستوى عنصر التعزيز الذي كان بالمستوى التاسع للقسم النهائي بعد أن كان في القسم الأولي. كما اخترق عنصر النار من القسم الأولي للقسم المتوسط من المستوى السابع.

كان هذا الأمر غريبا للغاية على الجميع. لكن باسل كان يقمع طيلة الفترة الماضية عنصر النار من الاختراق كي لا يؤثر ذلك على الختم فيتعرض بحر روحه للطاقة الخارجية مرة أخرى.

بعدما أتقن باسل الفن القتالي الأثري، أصبح جسده يتعافى بسرعة أكبر مما كان عليه. و أصبحت قدرة شفائه تفوق الضرر الذي كان يتعرض له من الطاقة الخارجية باستمرار. بناء على هذا، قرر باسل أخذ مغامرة أخرى.

استمرت طاقة عنصر النار في الارتفاع كما استمر الختم في الارتخاء أكثر، فاندفعت كميات هائلة من الطاقة الخارجية لجسم باسل من دون توقف. مثل هذا الأمر جعل الكل يُصعق. في لحظة، أصبحت هالة هذا الفتى عميقة و ضاغطة للغاية.

بوووم بووووووووووم

اختراق آخر جعل عنصر النار بالقسم النهائي من المستوى السابع. و اختراق ثانٍ جعل عنصر التعزيز بالمستوى العاشر بالقسم المتوسط. تعرق الكثير كما بدأ يحس بعضهم بالإغماء. طاقتان آتيتان من طرف ساحرين مرعبين كانت أكثر مما يمكن للكثير منهم استحماله.

تغيرت نظرات فضيلة كرم الهادئة أخيرا و ضاقت عيناها قليلا. حدث الأمر بسرعة كبيرة للغاية. في ثوانٍ قليلة اخترق هذا الفتى لمستويات و أقسام عليا كانت كافية لتصدم أي شخص بالوجود. لم يسبق لفضيلة كرم أن رأت مثل هذا الأمر أبدا طيلة حياتها كاملة. رأت عجائب هذا العالم و شاهدت أمورا صادمة. و مع ذلك، هذا الشيء الذي حدث لهذا الفتى كان الأغرب و الأكثر غموضا من بينها كلها.

كان باسل يعاني من الطاقة الخارجية. و في لحظة، عندما أحس بأن طاقته وصلت لأوجها و لم يعد هناك ارتفاع آخر بالمستوى. ركز على التحكم في كل الطاقة الخارجية التي توغلت لجسده. أثناء لفعله هذا، تقيأ الدماء و بدأ يحس بعظامه تتصدع.

كانت طاقة عنصر التعزيز غير متعلقة بارتفاع باسل بالمستوى كونها ناتجة عن حالة شاذة و كونها طاقة خارجية. فما يتحكم فعليا بمستوى الشخص هو عنصره الأول و الذي تنتجه الكرات الأربعة عشر في بحر الروح.


طاقة عنصر التعزيز التي بلغت القسم المتوسط من المستوى العاشر كانت أكبر مما يقدر باسل على تحمله. في تلك اللحظة، نشطت القطعة الأرضية بداخل بحر روحه بعدما كانت تستنزف طاقة عنصر التعزيز بثبات. شُفِطت الطاقة الخارجية من عنصر التعزيز و اتجهت نحو نقط الأصل بسرعة كبيرة للغاية عما كانت عليه ثم مرت عبر مسار نقط الأصل حتى وصلت للقدمين و انتقلت من خلالهما إلى القطعة الأرضية.

بدأت القطعة الأرضية في استنزاف الطاقة بشكل مخيف و بدت كما لو أنها واد عميق لا حدود له يستطيع أكل كل ما تلقي له من دون توقف.

بدأ بحر روح باسل في الاستقرار شيئا فشيئا. و مع ذلك، كل ما كانت تفعله القطعة الأرضية هو تقليل الضغط قدر المستطاع. و الباقي يكون على تحكم باسل.

طيلة الوقت الماضي كان باسل حريصا في تحكمه بعنصر التعزيز و عنصر النار سواء بنومه أو استيقاظه. أبسط زلة منه كان بإمكانها أن تكون سببا في انكسار بحر روحه.

مع أنه لا زال يتألم، إلى أن باسل أصبح بإمكانه التحكم على الأقل في المستوى المرتفع لطاقة عنصر التعزيز بعدما ساعدته القطعة الأرضية. لذا في الحال أسرع بشحذ سيفيه الأثريين بعنصريه و تحكم فيهما بشكل مثالي.

تحول السيفين الأثريين لِلَهبين ثم أحاط بهما طاقة زرقاء كبيرة للغاية مما جعل اللهبين يبدوان كنتيجة لذلك مثل طاقتين مختلفتين تشكلان نصلين هائلين وصل حجمهما لثلاث أمتار طولا و نصف متر عرضا.

بـالتحكم المثالي*، جعل باسل هذين النصلين الضخمين يتقلصان أكثر و أكثر كما لو أن الطاقتين المختلفتين اللتين تشكلان هذين النصلين تتعرضان للضغط.

(عوض الكمال في التحكم، أظن أنها أفضل و أسهل)

حدث كل هذا بسرعة فائقة. ارتفاع مفاجئ و ضخم و تحكم مثالي في كل الطاقة المكتسبة.

في مواجهة السحابة السوداء التي لم يتبقى بينها و بينه سوى أمتار قليلة، حرك باسل سيفيه و صرخ: "الامتداد الكلي ! "

انطلقت طاقة المستوى العاشر بالقسم المتوسط الخاصة بعنصر التعزيز من السيفين الأثريين اللذين كانا عبارة عن نصلين من طاقتين مختلفتين. هذان النصلان ضغِطا إلى أن أصبحا بعرض سنتمترين و مترا طولا فقط.


بعد تلويح باسل، كل الطاقة التي ضغطت بالنصلين امتدت نحو السحابة السوداء حاملة عنصر النار معها.

تشكل هجوم باسل أمام السحابة السوداء فجأة بفعل الامتداد الكلي و أصبح عبارة عن سيفين عملاقين مكونيْن من اللهب. كان هذان السيفان امتدادا كليا للنصلين. كما لو أنه تم تشكيل نسخة عظيمة من النصلين أمام السحابة السوداء.

التقى السيفان العظيمان بالسحابة السوداء. و بمحاولتهما اختراقها، اتضح أن هذه السحابة السوداء كانت في الحقيقة سحابة حقا ناتجة من عنصر السحب حيث التف حولها عنصر الظلام.

زززززززززن

استمر الاحتكاك في الحدوث بين السيفين العظيمين و السحابة السوداء صانعا ضوضاء تصم الآذان و تفشل الركاب.

هذان السيفان العظيمان المكونان من اللهب المعزز اخترقا السحابة السوداء التي كادت أن تقتل باسل. فحدث انفجار مهول بالسماء نتيجة اختراق السيفين العظيمين دفاع السحابة السوداء التي كانت تتصدى لهما.

بااااااااام

قطع السيفان العظيمان السحابة السوداء و بدأت طاقتهما تتبدد. لكن كانت لا تزال هناك بعض الطاقة منهما التي لا زالت موجودة. قام باسل باستخدام تحكمه المثالي فحرك النصلين بيديه و جعل تلك الطاقة تتحول لسيوف كثيرة ثم لوح بذراعيه نحو فضيلة كرم.

ووووش ووووش

انطلقت المئات من السيوف التي كانت مكونة من اللهب المعزز مرة واحدة نحو فضيلة كرم بسرعة كبيرة.

تغيرت تعبيرات فضيلة كرم لمرة واحدة فقط، و هذه المرة كانت عندما تعجبت من اختراق باسل لعدة أقسام مرة واحدة. لكنها الآن تحمل نظراتها الهادئة كأعماق المحيط من جديد.


حركت يديها الاثنتين فأدارت رمحها ذو الرؤوس الثلاثة و توقفت أخيرا قبل أن تلوح به مكونة عدة سحابات تحمل معها البرق بينما تدوي في الهواء. لكن هذه السحابات لم تكن تتضمن معها هذا فقط. بل حتى أنها اصطحبت معها عنصر الظلام الذي كان يتموج بالداخل.

باام باام* باام*

التقت السحب مع السيوف فحدث انفجار في السماء مرة أخرى مولدا بذلك انفجارات عدة كانت أقل صدمة من الانفجار المهول الذي حدث في الأول.

تكلمت أخيرا فضيلة كرم بصوتها الناعم و الهادئ كسيران الغدير: "يمكنني أن أفهم لما كان بإمكانك قتل فالتشر. و مع ذلك، هذا فوق المتوقع قليلا."

تكلم باسل مجيبا: "و يبدو أن مستواك أعلى مما سمعت. سمعت أنه في المستوى التاسع، لكن اتضح أنك بالمستوى الحادي عشر."

حركت فضيلة كرم شعرها ثم قالت: "حسب معلومات شاهين."

بقولها لتلك الجملة. فهم باسل ما الذي عنته. فابتسم باسل نصف ابتسامة و قال بداخله: "إنها تملك موهبة مرعبة."

عندما يخترق شخص ما للقسم الثاني من مستويات الربط. تتضخم طاقة عنصره الأول كثيرا و يكتسب عنصرا آخر بنفس القدر من الطاقة السحرية. و بسبب هذا، يصبح الساحر يحتاج وقتا أكبر ليخترق من جديد كون الطاقة اللازمة اكتسابها تكون كبيرة كذلك.

و مع ذلك، اخترقت فضيلة كرم مستويين كاملين، من التاسع للحادي عشر، و في مدة قليلة. أخبر شاهين باسل بمستوى كل القدماء الكبار. هؤلاء الأواخر كانوا كلهم يفوقون المستوى التاسع. و كان الكل من حلف ظل الشيطان يعلم بهذا. و بما أن شاهين كان متواجدا بالعاصمة لحوالي عام. فهذا يعني أن فضيلة كرم قد اخترقت مستويين معا في السنة الفارطة فقط.

علم باسل عن فضيلة كرم أشياء كثيرة. من بينها، إبادتها لعائلتها النبيلة 'كرَم'، ثم مدينتها قبل أن تنضم لحلف ظل الشيطان مباشرة. في ذلك الحين، كانت فضيلة كرم بالمستوى الخامس بالفعل. كان عمرها حوالي الخامسة و العشرين. و في خمس سنين فقط كانت قادرة على بلوغ هذا المستوى المرتفع. مثل هذه الموهبة المرعبة، لا يمكن عدها سوى بالعشرات أو المئات.

أزاح باسل نصف الابتسامة من على وجهه و قال: "لم انضممت إلى حلف ظل الشيطان؟ شخص مثلك لا يمكنني الشعور بأي رغبة أو دافع أو هدف منه، لا يمكنني تخمين سبب انضمامك لحلف ظل الشيطان."


أغمضت فضيلة كرم عينيها و قالت: "هذا ليس من شأنك، لكن يمكنك القول أنني حققت كل رغباتي و أهدافي."

تكلم باسل مكملا: "قد لا تكونين تحملين العداوة بقلبك، لكن أفعالك تفعل. لا يمكنني السماح بموهبة مرعبة مثلك بالمغادرة، لا أعلم ما المستوى الذي ستكونين عليه عندما نلتقي مجددا."

قالت فضيلة كرم بصوتها الناعم و عينيها الفارغتين: "يبدو أننا نتفق على الشيء نفسه هذه المرة."

في تلك اللحظة، كان باسل في الحقيقة يعاني من آلام كبيرة. و كل ما كان يفعله هو المماطلة ريثما يستقر بحر روحه أكثر ليستطيع إكمال القتال لمدة أكبر. فحتى لو استقر بحر روحه أكثر، لن يستقر كليا. و سيعود باسل لنقطة البداية من جديد. سيعود ليمر بالتعذيب الجسدي الروحي لأيام عدة قبل أن تصبح قدرة شفائه أسرع من الضرر مرة أخرى.

كان باسل يحاول التحكم في طاقة عنصر التعزيز بمساعدة القطعة الأرضية بداخل بحر روحه و التي شفطت الطاقة من دون توقف و بسرعة كبير للغاية.

كانت الطاقة الخارجية تتوغل لجسد باسل كلما وجدت مكانا فارغا لها. كلما شفطت القطعة الأرضية كلما توغلت طاقة خارجية أكثر. كان هذا الأمر مؤلما جسديا للغاية و معذبا روحيا بشكل لا يطاق.

بدا الأمر كما لو أن سرعة شفط القطعة الأرضية استطاعت أن تسبق سرعة ولوج الطاقة الخارجية. كان الأمر بالتساوي بينهما. لكن عندما فازت سرعة الشفط، استقر عنصر التعزيز في المستوى العاشر بالقسم الأولي.

باستخدام التحكم المثالي، استطاع باسل التحكم قليلا في الكمية الهائلة من طاقة عنصر التعزيز. عندما كان بقمة المستوى السادس، كان بإمكانه التحكم في طاقة عنصر التعزيز التي كانت بالمستوى التاسع. و الآن قد ارتفع مستوى كامل. لذا تحكمه في الطاقة السحرية بكمية معينة سيزداد. لكن طاقة عنصر التعزيز أيضا قد ازدادت.

كلما اقترب الساحر من المستويات الروحية ازدادت كمية طاقته السحرية بشكل جنوني. فهكذا سيكون قادرا على بدئه في تحويلها لطاقة روحية عندما يكمل ربط نقط أصله و يكسب بحر روحه إرادة ثم يبدأ يستشعر نطاق الأرض الواسعة.

كان المستوى العاشر أكثر مما يمكن لباسل التحكم فيه بمستواه الحالي. لكن لكونه يمتلك تحكما مثاليا، استطاع التحكم في القليل منه. أما باقي الطاقة، فكلها هاجت و استمرت في تعريض بحر روحه للضغط مما سبب لباسل تعذيبا جنونيا.

في الجهة المقابلة. أمام أعينها، لم يكن من الممكن فلْت مثل هذه النظرات المتعذبة التي تغطي وجه باسل. في الحال، قامت فضيلة كرَم بربط هذا الأمر بالارتفاعات المفاجئة بمستوى باسل. لم تفهم حتى الآن ما السبب في هذه الاختراقات المتتابعة. لكنها استطاعت فهم أنها السبب في المعاناة التي يحاول باسل إخفاء مروره بها.


لم تنبس فضيلة كرم ببنت شفة. و بدل ذلك، حركت يديها مرة أخرى فأدارت رمحها القرمزي الذي بدى كرمح الشيطان. فقامت بالتحكم بطاقتها السحرية بشكل جيد للغاية. لم تصل لدرجة التحكم المثالي، لكنها كانت قريبة منه. فبدل أن يتحول رمحها كليا و يصبح مندمجا مع عنصريها، أصبح شكله يتموج بعدما بدأت فضيلة كرم بشحذ طاقتها السحرية به لعدم استقراره كليا في التحول.

لم يستقر شكله تماما لكنه استطاع اتخاذ شكل عنصريها. فأصبح الرمح القرمزي عبارة عن رمح أسود حالك يجعل الهواء من حوله قاتل. ثم تخللته سحب صغيرة من عنصر السحب على طوله بينما تصنع أصوات ثاقبة مصطحبة لصعقات برقية يمكنها شوي كل ما في تلمسه.

أصبح الرمح مندمجا مع عنصري السحب و الظلام. لم يصل الاندماج و الاتصال للمثالية. لكنه كان كافيا ليخلق ضغطا رهيبا للغاية. فبعد كل شيء، ذلك رمح لشخص كلا عنصريه بالمستوى الحادي عشر. و الرمح نفسه عبارة عن سلاح سحري بالمستوى الحادي عشر، إضافة لكونه سلاحا أثريا بالدرجة السادسة.

كان هذا الرمح مرعبا فقط لوحده، و الآن بعد تعرضه لاندماج غير كلي بعنصري مالكه، أصبح سلاحا كارثيا على كل شخص.

برؤية هذا الشيء، عبس باسل بينما يحاول إخفاء معاناته ثم قال: "هذا سيء حقا."

اتخذت فضيلة كرم وضعية الرمي فأرجعت يدها اليمنى الحاملة للرمح الأثري ثم فعلت المثل بجسدها فأمالته للخلف حتى لامس شعرها المخلوق التي تقف عليه.

و في لحظة، ومضت عينيها كما أتت الحظة المناسبة فأطلقت الرمح بكل قوتها نحو باسل.

باوووم

وووووووووش


انطلق الرمح بسرعة جنونية، و السبب كان الانفجار الذي صنعته فضيلة كرم بخاصية السحب التي فجرت الصوت و عززت الرمح بالبرق فجعلته يحلق بسرعة خاطفة للعين. إضافة لتحكمها فيه عن بعد زائدة قدرته الحركية.


لم يكن لباسل حتى الوقت ليفكر فأسرع باستخدام كلا عنصريه و عزز النصلين الرقيقين اللذين نتجا من تحكمه المثالي ثم لوح مرتين، الأولى بنصل و الثانية بالآخر. فامتد الهجوم و ظهر أمام الرمح على شكل سيفين عظيمين ناريين معززين كاللذين قطعا السحابة السوداء في السابق.

زززززززن

حدث احتكاك لا يطاق، لكن هذه المرة تعرض السيفين العظيمين للاختراق و لم يتبقى من طاقتهما شيئا بسبب تبددها من طرف الرمح الذي أكمل طريقه كما لو أنه لم يتعرض لأي إعاقة على الإطلاق.

استمر باسل في إلقاء الهجمات بالامتداد الكلي. لكن و لا هجوم قد نفع حتى وجد في النهاية الرمح أمامه.

زباااااااام

اعترض باسل الرمح بنصليه الاثنين ثم شحذ طاقة عنصر التعزيز و النار أيضا بكل ما يملك و استمر في الدفاع. و لم يشعر باسل حتى وجد نفسه قد حلق لأميال بينما يحاول التخلص من قوة الرمح التي لا تنضب مهما حاول إلغاءها.

ووووووووش

بدأ عنصر الظلام الخاص بالرمح يحاول تحليل و أكل جسد باسل. فقام هذا الأخير باعتراض طريقه باستخدامه عنصري النار و التعزيز معا مما جعل تركيزه على الدفاع يتوزع على جهتين.

و لم تمر سوى لحظات حتى بدأ الرمح يقذف البرق أيضا و السحب التي كانت صغيرة لكنها حملت قوة كبيرة للغاية بسبب أنها كانت مركزة فقط.

أصبح من الصعب على باسل الدفاع ضد كل هاته الهجمات التي كانت كل واحدة منها كفيلة بقتل العشرات من السحرة ذوي المستوى المنخفض مرة واحدة. كانت قوة هذا الرمح هائلة للغاية و لم يكن باسل قادرا على تحملها أبدا.

بووووووم

أرسل باسل محلقا لعدة أميال حتى اصطدم بجبل ما جعله يتقيأ الدماء بوفرة و حطم عظامه الواحدة تلو الأخرى مع مرافقتها للجراح التي قذفت من خلالها الدماء بغزارة.

اخترق جسد باسل الجبل لعدة أمتار بالداخل مخلفا صدوعا على طول الجبل من الواجهة التي اخترقه بها. كانت قوة الرمح كبيرة للغاية. لم تخزن فضيلة كرم و لو جزءا بسيطا من قوتها. قامت بشحذها كاملة و استعملت كل قطرة منها في هذا الهجوم الذي جعل باسل يتدمر تماما أمامه.

بقي الكل فاتحا لفمه غير مصدق لما حدث. ما هذا الهجوم؟ هل هؤلاء حقا مجرد سحرة؟ ما كل تلك القوة التي أطلقتها هذه المرأة؟ هذا لا يصدق على الإطلاق !

غمرت هذه الأفكار عقول الحاضرين تاركة إياهم غير مدركين لما رأته أعينهم.

تكلم الصوت الذي لم يعد عميقا بعد الآن و أصبح رقيقا من بين الحشد في الأسفل: "إنها كارثة ! إنها مثل الوحش الذي اتخذ شكلا بشريا قبل حوالي خمسة عشر سنة. في ذلك الحين، اعترض الكبار طريقه كلهم و مات أغلبهم قبل أن يغادر مستعجلا. لم يعرف أي أحد منا ما كان ذلك الوحش المرعب ! أيمكن أن تكون هذه المرأة منه."

أما أبهم، فقد بقي فاتحا لعينيه غير مؤمن بما رآه. تكلم باسل له عن حلف ظل الشيطان و أخبره بمستواهم المرعب، لكنه لم يتخيل أبدا أنه سيكون بمثل هذا المستوى المفزع و الغير معقول.

حدقت فضيلة كرم في رمحها الذي انعدمت الطاقة التي شحذت به ثم فكرت بداخلها: "كان قادرا على إلغاء طاقتي المشحونة به. يا له من صبي ! لكنه دفع ثمنا باهظا من أجل فعل ذلك."


بعد مدة من الصمت القاتل و التحديق في الجبل المخترق بجسد باسل. اهتز بعض التراب من على الجبل معلنا عن تحرك باسل. بمشاهدة هذا الأمر، عادت الروح لأبهم الذي كاد يفقد عقله و وعيه من الخوف.

خرج باسل من الثقب الذي صنعه جسمه. كان جسده محطما بالكامل، زيه الأبيض تلطخ بالأحمر، وجهه سالت منه الدماء. كانت حالته مزرية للغاية.

كان الرمح سلاحا سحريا بالمستوى الحادي عشر و أثريا بالدرجة السادسة. في المقابل، كان باسل يمتلك سلاحين سحريين بالمستوى السابع و أثريين بالدرجة الثالثة فقط. حتى لو كانا يصلان لمرتبة لأسلحة الأثرية بالدرجة الخامسة، لم يكن هناك أي فرصة لهما ضد سلاح مثل ذلك الرمح القرمزي الذي فاق مستواهما كثيرا. كان الفرق واضحا للغاية، و الذي أنقذ باسل كان تحكمه المثالي.

لولا تحكمه المثالي، لما استطاع باسل التحكم في قدر أكبر من طاقة عنصر التعزيز الهائلة و استعمال نصفها عبر الامتداد الكلي في إلغاء طاقة فضيلة كرم برمحها. و استخدام النصف الآخر بإضافته لعنصر النار من أجل حماية نفسه من القتل.

كان المستوى بين الطرفين مختلف للغاية، لكن باسل كان قادرا على المواكبة فقط لأن سلاحيه الأثريين قد وصلا لمرحلة مرعبة من الاندماج بعنصريه. و هذا أيضا كان بسبب التحكم المثالي.

تكلمت فضيلة كرم: "حقا موهبة مرعبة. التحكم المثالي في مثل هذا العمر، عبقري بين العباقرة. أظن أن موهبته تصل لسيدنا."

سعل باسل الدماء مرة أخرى. لم يعد هناك خيار آخر يمكنه إنقاذه. أصبح الطريق أمامه مغلق كليا.

لو أنه أخذ إكسير العلاج سوف يسرع من شفائه، لكن هذا سيكون من دون فائدة بعدما يتلقى ضررا آخر. أما إكسير التعزيز، فهو خارج الخيارات. إن شربه هذه المرة فسوف يجني على نفسه لا محالة.

تمتم باسل بشيء ما: "كوني في الغصن الأول فقط من الفن السامي لشيء محبط حقا. الفرع الصغير جدا يتجاوب مع الأرض أو القدرة الروحية على الطيران فقط. ما الذي يجب علي فعله؟"


في تلك اللحظة، تذكر باسل أمرا ما فأخرج من مكعب التخزين ثلاث مخطوطات و حدق فيها بعمق قبل أن يقول: "هل يمكنني استخدامها؟ قال المعلم أن لا أحد يستطيع إلا و كان بالمستويات الروحية."

تذكر باسل بعض الصور المشوشة من مقاتلته للأقدم الكبير فالتشر. في اللحظات الأخيرة، استطاع باسل أن يعي قليلا. و هذا كان كافيا له ليفهم أن تلك القطعة الأرضية عبارة عن منقي للطاقة السحرية و محولتها للطاقة الروحية.

طاقة روحية شملت خواص العنصرين معا و دمجتهما منتجة بذلك هجوما قاهرا. في مواجهتها، لم يكن للأقدم الكبير أي خيار على الإطلاق سوى الوقوف و انتظار موته السريع القاطع.

في تلك اللحظة، أتت لباسل فكرة. لا يمكنه المعرفة إن كانت ستنجح أم لا، لكنه عازم على تنفيذها. فغير ذلك، سيموت فقط.

دخل باسل بحر روحه و ركز ذهنه على القطعة الأرضية محاولا السيطرة عليها. آخر مرة حاول القيام بهذا تلقى صدا كليا. في ذلك الوقت، كان قد اكتشف أن لبحر الروح إرادة. و على ما يبدو، فهذه الإرادة هي التي قامت بصده. كما لو أنها لم تقر به.

ابتسم باسل ثم قال بداخله: "أردت أن أصبح ساحرا لأغامر و أكتشف. لما لا نفعل ذلك إذا ! حياة الرجل مغامرة، و سكونه موت."

حدق الجميع في باسل الذي هدأ فجأة و أحاطه سكون و هدوء عميقين للغاية.

تكلم صوت الزعيم من بين الحشد: "إنه يتدبر. لقد دخل في حالة الصفاء الذهني و الروحي بوسط معركة. أهو مجنون؟ سوف يتعرض للقتل على هذا الحال."

حدقت فضيلة كرم بباسل غير مدركة لمقصده من فعله هذا. لكنها بعدما رأت تلك الاختراقات المتتابعة، كانت مستوعبة أن الهدف وراء فعل باسل عميق. لا يمكنها أن تعرف ما هو، لكنها تعلم أنه سيعزز من قدراته مرة أخرى.

لم يكن من الممكن لفضيلة كرم السماح بمثل هذا الشيء أن يحدث على الإطلاق. شحذت رمحها مرة أخرى بعنصريها ثم قفزت للسماء عاليا ملتفة حول نفسها بشكل سريع للغاية فأطلقت الرمح الذي ثقب الهواء و صنع ضوضاء كما لو أن هناك نيزكا يخترق السماء.

بوووم بوووم بوووم

ارتفعت سرعة الرمح في كل دوي بالسماء فقطع عدة أميال في لمح البصر و بلغ هدفه.

بااااااااااام

كان الرمح سريعا للغاية. و الكل فتح فمه مرة أخرى من قوته المدمرة بعدما شاهدوا صنعه لحفرة عميقة و واسعة للغاية في الأرض. اعتقد الجميع أن باسل قد تحول لغبار بعدما أصيب بهذا الرمح الذي ترك آثارا كارثية.

و مع ذلك، كانت فضيلة كرم أول من رمقت ظلا تحرك بخطوات خفيفة غير تارك البصر يدرك خطوته حتى يكون أخذ بعدها خطوات عدة.

كان هذا الظل هو باسل الذي بدأ يستخدم الفن القتالي الأثري خطوات الرياح الخفيفة متحركا بسرعة جنونية في كل مكان.

في حين، كانت جراحه قد بدأت تلتئم شيئا فشيئا كما حدث المثل مع تصدعات عظامه.

حدقت فضيلة كرم بباسل الذي ينتقل من بين الأشجار الضخمة محاولا التخفي.


فضيلة كرم التي عادت و وقفت على ظهر ذلك المخلوق، صفقت بيدها فحركت السحابة الضخمة التي تحمل المخلوق الضخم فانطلقت بشكل سلس و هادئ نحو المكان الذي يتوارى به باسل.

كان باسل يتحرك كثيرا من غير توقف على طول أميال ذهابا و إيابا عرضا و طولا. كانت تحركاته عشوائية. و مع ذلك، بالنسبة لفضيلة كرم، ساحرة المستوى الحادي عشر، لم يكن من الصعب رصد تحركاته هذه. في لحظة حلقت و وقفت أمام طريق باسل ثم حدقت فيه بعمق و إذا بها تتفاجأ بما رأته.

كان باسل يتحرك باستخدام الفن القتالي الأثري و يتدبر في نفس الوقت. كانت إحدى عينيه مغلقة و الأخرى مفتحة. برؤيتها لهذا المنظر و دهشتها منه. قالت فضيلة كرم من دون أن تشعر: "انقسام الوعي؟ ! "

شعرت فضيلة كرم بالرعب مما فعله هذا الفتى. إنه يتدبر و يتحرك في نفس الوقت. هذا شيء لا يمكن سوى للخبراء العظماء من السحرة الروحيين القيام به. حتى هي لا تتقنه.

لم تشعر فضيلة كرم بالرعب من باسل و إنما من إمكانياته. لا تعلم ما الذي قد يصل إليه هذا الفتى. و كل ما شغل بالها في هاته اللحظة هو متى قام باسل بتعلم انقسام الوعي !

حتى بعد رؤيتها للفن القتالي الأثري الذي يستخدمه باسل حاليا، لم يتزعزع قلبها و لو قليلا. لكن انقسام الوعي كان أمرا غير متوقع على الإطلاق.

في هذه اللحظة.، بانقسام الوعي، كان بإمكان باسل أن يكون بداخل بحر الروح و خارجه في نفس الوقت.

(بداخل بحر الروح)

تكلم باسل مبتسما: "يبدو أنها انطلت عليها الخدعة بما أنه لم يحدث لي شيئا. لقد كان تدريبا شاقا ادعائي بأني قسمت وعيي. حتى أكبر الموهوبين العظماء لن يستطيعوا فعل شيء مثل انقسام الوعي الذي يتطلب بلوغ المستويات الروحية كشرط أساسي."

تذكر باسل كونه مع معلمه حيث تعلم طريقة يمكنها أن تجعل العدو يعتقد أنه لا زال واعيا كليا تاركا العدو يأخذ حذره كما كان و لا يهاجمه بعدما يدخل لحالة الصفاء الذهني و الروحي.

تدرب باسل على التدبر بأعين مفتوحة و بالوقوف و بالتحرك. عندما كان يدخل لبحر الروح كان يتوقف عن التحرك. لكنه استطاع تتبع تعليمات معلمه و أتقن الطريقة الصحيحة في معركة ضد معلمه.

استطاع باسل أن يجعل من حواسه ترتفع للحد الأقصى فيجعلها تستشعر الخطر من بعيد. هكذا كان قادرا على تحريك جسده لا إراديا بعيدا عن كل ما يمكن أن يصيبه بأي خطر. كما لو أن جسده يتجنب الخطر تلقائيا.

لم يستطع باسل إتقان هذه الأمر على الإطلاق حتى وضعه المعلم في موقف حياة و موت. عندها كان باسل قادرا على تسخير حواسه بالكامل و تجنب هجوم معلمه الذي حمل نية قتل لم يرى باسل مثلها إلى يومه هذا.

"ربما كانت نية القتل المستبدة تلك ما أنشط حواسي."


و مع ذلك، لم يكن بإمكان باسل الاستمرار في التحرك لوقت أطول. لكنه بعدما أتقن استخدام الفن القتالي الأثري، أصبح بمقدوره التحرك بدوام.

حدق باسل في القطعة الأرضية ثم تكلم من جديد: "لقد ازداد كبرها بحوالي سنتمتر."

بمجرد ما ان تذكر باسل شكل القطعة الأرضية من السابق كان قادرا على ملاحظة نموها الصغير. و هذا الأمر جعله يخمن سبب هذا. استطاع باسل الاستنتاج أن الطاقة التي تشفطها القطعة الأرضية ثم تركزها و تنقيها محولة إياها لطاقة روحية هي ما جعلتها تنمو هكذا.

حدقت فضيلة كرم في باسل الذي انطلق كسهم ثاقب نحوها ثم غير طريقه في آخر لحظة قبل اصطدامه بالسحابة الضخمة.

استغربت من تحركاته هذه لكنها كانت تأخذ حذرها كالسابق بما أن باسل لا زال واعيا بالأحداث هنا و يمكن لأي ثغرة في دفاعها أن تتسبب في قتلها.

تحدثت فضيلة كرم: "سيكون من الصعب اللحاق به في كل مرة. إن أراد اللعب بالفنون القتالية الأثرية، فله ذلك."

قفزت فضيلة كرم من على المخلوق للأرض ثم وقفت و تنفست ببطء قبل أن تفعل التعاويذ الذهنية الروحية ببحر روحها مطلقة العنان لهالة ثقيلة. لم تكن هذه الهالة ناتجة عن أي طاقة سحرية أبدا. السبب الذي جعل من حضور فضيلة يتكثف كان تفعيل الفن القتالي الأثري المتصل بنقط أصلها و بحر روحها.

كان الفن القتالي يعزز من القدرات البدنية، السحرية، الروحية، و الذهنية. و لهذا كان الساحر الروحي الذي يتقن و لو جزءا بسيطا -الجذع الأول- من الفن السامي يوصف و يلقب بخبير الفنون السامي. كان يستطيع قتل السحرة الروحيين و صنع المجازر التي تخلد اسمه عبر التاريخ و يجعله موضوعا بين أسماء أكثر الشخصيات الأسطورية.

فعلت فضيلة كرم طاقتها السحرية كذلك و استخدمت كلا عنصريها فازدادت هالتها شراسة مرة أخرى و استطاع الناس على بعد أميال من الشعور بقوتها و جبروتها العظيمين.

كان باسل لا يزال يتحرك بشكل عشوائي في كل مكان. كان يجري بسرعة كبيرة للغاية. جسده أصبح شبه معافى. و في كل مرة يقترب منها بالاصطدام من شيء ما، يضرب بقدمه على الأرض مغيرا اتجاهه في آخر لحظة مخلفا بذلك حفرة كبيرة وراءه.

ضربت فضيلة كرم برمحها على الأرض و اختفت من أمام ناظر الجميع بعدما انجلى الغبار. كان هذا الأمر غريبا للغاية و لم يفهم أي أحد ما حدث أبدا.

خطوة خطوة

وووووش

خطوة
خطوة

وووووش



بينما يتحرك باسل. كان هناك شيء ما يزحف لاحقا إياه أينما ذهب. كان هذا الشيء عبارة عن ظل أسود بالأرض يتحرك بسرعة خاطفة كان بإمكانه مجاراة تحركات باسل.

بوووم

في لحظة، عندما كان باسل يتحرك بمحاذاة جبل ما، لم يعرف ما الذي حدث حتى كان هناك رمح أسود يصنع أصوات مدوية يمكنها كسر العظام و صعقات برقية بمقدورها شوي اللحم.

هذا الرمح استهدف عنق باسل. لكن هذا الأخير استجاب له بحواسه الخارقة و قفز للأعلى قبل أن يضرب بقدمه على الجبل الذي انهدمت واجهته تلك بفعل قوة الرمح الكبيرة و يكمل جريه كالسابق.

الناس الذين اقتربوا ليحصلوا على رؤية جيدة للقتال، صدموا و لم يعرفوا ما حدث بالضبط حتى تكلم واحد منهم معبرا عما رآه بنبرة مهتزة: "هل انبثق ذلك الرمح المرعب من الأرض قبل قليل؟ ! "

"لقد رأيت الأمر نفسه. لا شك في أنه خرج بسرعة كبيرة من الأرض من دون سابق إنذار."

وووش

فجأة، امتد ظل أسود حالك ثم التف على نفسه بشكل دائري قبل أن يتشكل و يتخذ هيئة امرأة.

جعل هذا الأمر الناس ترتعب قبل أن يظهر من الظل الأسود فضيلة كرم المرتدية للفستان الأسود الحالك. جعل هذا الشيء المشاهدين يصعقون تماما و يصرخون برعب.

"ما الذي فعلته هذه المرأة قبل قليل؟ ! "

"لقد ظهرت من الأرض بشكل سلس و غريب. ما الذي حدث؟"

"لقد ظهرت من ظل ما."

"كما لو أن ظلا ما خرج من تحت الأرض و أصبح هذه المرأة."

تكلم الزعيم من بين الحشد: "كما لو كانت داخل ظلها و خرجت منه."


حركت فضيلة كرم شعرها ثم تمتمت: "هناك شيء ما غريب ! "

أما باسل الذي كان في بحر الروح. كان يتحكم في تعاويذ تلتف حول الجسم الأبيض. تعابيره لم تكن بالمرتاحة و حاجبيه كانا مشدودين في حين كان يعصر يديه على ركبتيه.

كان وعيه كله مركز على التعاويذ حيث كان يحاول جعلها تطبق هيمنتها على القطعة الأرضية التي أطلقت نورا ساطعا و طاقة لا مثيل لها غير تاركة أي ثغرة للتعاويذ كي تسيطر عليها.

كانت هذه القطعة الأرضية بإرادة لا يمكن كسرها. استمر باسل في الهجوم بالتعاويذ التي ضغطت بقوة كلمات الفن السامي مطبقة بذلك إرادة مستخدمها و عزيمته.

تكلم باسل بعينين ضيقتين بينما يطلق نيته تجاه القطعة الأرضية التي تصده كالجدار الغير قابل للاختراق: "هذا بحر روحي. لن أسمح لأي شيء أن يقف في مساري الروحي أبدا. الأرواح الفقيرة من تبيع روحها و تجعلها خاضعة. لن يتحكم بي أحد كما لن يأخذ مني أحد. بحر روحي ملكي، و لن أسمح بفقدان و لو شبر منه لطاقة غير قابلة للسيطرة من قبلي. أنا المالك الحقيقي، و أنا الحاكم المتحكم المطلق هنا. ارضخي و استكيني."

صرخ باسل بالكلمتين الأخيرتين كما توهجت التعاويذ أكثر مسببة تذبذبا كبيرا في بحر الروح بأكمله و زعزعة جعلت هيئة العنصرين تختل.

استمر باسل في الصراخ بشدة كما استمر الاحتكاك العنيف حتى وصل لنهايته في الأخير.

بووووووم

انفجرت الطاقة من القطعة الأرضية فكسرت تشكيل التعاويذ و جعلته من دون فائدة.

أحس باسل بالخلل في نقط أصله و كان يتنفس بصعوبة مما أثر على جسده و على سرعته أيضا فبدأت فضيلة كرم التي اندمجت مع ظلها و سارعت في الانسلال بالأرض لاحقة باسل الذي بدأت سرعته تقل شيئا فشيء.

ووووش ووووووش

اقتربت فضيلة كرم أكثر و أكثر و عندما أصبحت بالقرب الكافي حيث كان باسل يبعد عنها بأمتار فقط، قفزت للسماء مندفعة من الظل على الأرض و أرجعت يدها للخلف ثم أطلقت رمحها الذي كان مشحنا بكامل طاقتها السحرية المشحوذة.

زباااااااااااام

صنع الرمح الظلامي دويا ثاقبا و ضجيجا كان آتيا من السحب التي التقت ببعضها بداخله و البرق الذي امتد على عنصر الظلام النهم.


ججججج

الرمح الذي انطلق من يد فضيلة كرم وصل بسرعة غير معقولة إلى هدفه و التقى به.

بااااااااااااااام

التقى الرمح بباسل فحدث انفجار هائل محى جزءا كبيرا من الجبل الذي كان باسل قريبا منه.

بقي الكل فاتحا لفمه حتى كادت أذقانهم للأرض مع صعودها و نزولها المستمرين بسبب خوفهم مما رأوا قبل قليل. لقد كانت تلك قوة مدمرة للغاية.

بووووووووووم

و قبل أن يرتاحوا حتى. انفجر ضوء ساطع من بين الغبار الذي غطى المرأى كله. كل من كان موجودا لقي نفسه على ركبتيه الفاشلتين. لم يهم من كان، كل شخص ثنيت ركبتيه جاعلته على الأربع.

كان هناك الآلاف من الأشخاص على الأرض مما صنع منظرا غريبا للغاية. كلهم لم يستطيعوا الوقوف و البعض منهم من استطاع رفع رأسه فقط ليرى ما الذي يحدث.

كانت فضيلة كرم الوحيدة الواقفة على رجليها مع شعورها بالهالة الطاغية التي تأتي من الضوء الساطع من الغبار.

في تلك اللحظة، تكلم صوت هادئ للغاية متحدثا: "يبدو أنني كنت الجاهل هنا. فلم أعلم أنني كنت أهاجم و أدافع في نفس الوقت."

صعدت القشعريرة مع جسد فضيلة كرم من الهالة القادمة من جهة باسل. كما توقعت، لقد كان وراء فعله هدف، و لا يبدو أنه بالشيء الهين هذه المرة. شيء بإمكانه جعلها ترتعب، لا مجال أن يكون سهلا.

تكلم أبهم الذي بالكاد كان يرفع رأسه: "ما الذي فعله سيدي؟ هذا الضغط لا يحتمل."

بقي الكل ينتظر باسل ليظهر من الغبار. و عندما انجلى هذا الأخير أخيرا، اتضحت لهم الصورة و ظهر مصدر الضوء الملكي الساطع. كانت هناك مخطوطة تطفو أمام باسل بينما تتوهج حروفها مسببة ذلك الضوء الساطع مسببة في الانصياع المطلق.

لم تفهم فضيلة كرم شيئا مما ترى أمام عينيها اللتين فتحتا على مصراعيهما. كانت الطاقة الآتية من جهة تلك المخطوطة طاغية بكل معنى الكلمة. طبقت أحكاما مصحوبة بسلطة مسيطرة لا مثيل لها. كل شيء تعرض لهاته الأحكام التي تكونت من التعاويذ الذهنية الروحية علم مقامه و لبد قسرا عنه.

حرك باسل سبابة يده اليمنى فأشار بها نحو فضيلة كرم و إذا بالضوء الساطع يتركز كله مرة واحدة حول المخطوطة محاطا بالتعاويذ التي تداخلت فيما بعضها و جعلت الخلق كله ينحط أسفلها كما لو أنها مخلوق متجبر مطلق لا يقهر في هذا العالم.

رفع باسل ذراعه للأعلى محافظا على وضعية سبابته حتى أصبحت بمحاذاة رأسه. عندها، استشعرت فضيلة كرم خطرا غير متناه و قررت بسرعة كبيرة للغاية. لم يكن هناك وقت للتفكير حتى، فجسدها لوحده قرر عوضا عنها قبل أن تدرك أنها في الحقيقة كانت تهرب مستخدمة فنها القتالي الأثري مختبئة في ظلها.

انطلق شعاع قارس من عيني باسل قبل أن ينزل بذراعه كما لو أنها سيف الحكم المطلق. كما لو أنها سيف سلطان طاغية غير قادر أي أحد على معاداته أو الوقوف في طريقه أو حتى معارضة نيته الملكية.

زبااااااام

بإنزال باسل لذراعه، ارتجج الهواء و انقلبت الأرض ثم دُكت الجبال قهرا.

ووووووووووش


انطلق ظل بسرعة خاطفة فقطع عشرات الأميال في ثوان. و لم يدري هذا الظل حتى شعر بطاقة رهيبة للغاية فجأة كما لو أنها ظهرت من العدم. في لحظة، تشكلت طاقة لا مثيل لها في هذا العالم و اتخذت شكل رمح أبيض مكون من طاقة ملكية. كان هذا الرمح عظيما للغاية و امتد طوله لعشرات الأمتار. هالته لوحدها جعلت الظل يتجمد منتظرا موته الأكيد.

و في تلك اللحظة، خرجت فضيلة كرم من ظلها و أخرجت كلمة حرفا بحرف لزعزعة نفسها: "الهرب."

كان كما لو أن للكلمة نية و قوة. فبمجرد ما أن نطقتها حتى توهج ضوء في مكان قريب.

آآآآآآآققق

فجأة، توهج قيد روحي التف حول عنق طائر الرخ الذي رفرف جناحيه المنكمشين و صرخ كما لو أنه تلقى أمرا من سيده المطلق.

ارتعدت الناس أكثر مرة أخرى. و في تلك اللحظة، شرع الرمح العظيم في النزول بسرعة لا تصدق قاطعا الهواء مولدا استبدادا و طغيانا جعلا كل شيء أسفلهما يخضع لهما.

بووووووم

بلغ الرمح غايته و هدفه، و ما أن التقى به، حتى كان قد خلف وراءه محوا لأراضٍ و أنهار جنبا إلى جنب مع جبال. امتد الدمار لأميال و كان هائلا للغاية كما لو أن هناك نيزكا عملاقا قد سقط.

نتج هذا الدمار بسبب انفجار ناري التهم كل ما لمسه. كانت هذه النار غير طبيعية فكانت أشد حرقا و نهما من الطبيعية. تخطت النار العادية في كل شيء. كما أنها كانت معززة بعنصر التعزيز المنقى كذلك و الذي ازدادت كل خواصه قوة و شدة مما جعل الانفجار الذي تدَعّم بالقوة الروحية من المخطوطة هائلا للغاية فسبب الإبادة للخلق في المكان الذي حل به.

ارتجفت قلوب الحاضرين كما طلبوا و دعوا النجاة من الكارثة التي حلت عليهم. أما باسل، فبمجرد ما أن انتشر الدمار بسبب هجمته حتى تقيأ الدماء و عُصِر بحر روحه لحده أكثر. لم يستخدم الطاقة الروحية مباشرة كونه لا زال بمستويات الربط فقط، لكنه كان قادرا على جعل المخطوطة تتفعل بالطاقة الروحية التي يمتلكها. هكذا كان قادرا على استخدام قدر قليل جدا من قوة المخطوطة.

و مع ذلك، لا زال هذا الأمر صعبا للغاية على بحر روحه. لم يستخدم الطاقة الروحية مباشرة، لكن لا شك في أنه قام بجعلها تفعّل المخطوطة الروحية.


سقط باسل على ركبة واحدة من الإرهاق و الآلام. و مع ذلك، و بالرغم من تقيئه المستمر، حافظ باسل على وعيه قدر المستطاع ليرى إن كانت فضيلة كرم قد لقيت مصرعها أم لا.

و كما لو أنه توقع الأمر. بالفعل ظهرت فضيلة كرم من بين الغبار محاطة بحاجز هزاز تتخلله نقوش أثرية. في تلك اللحظة، لم يكن باسل الوحيد الذي تفاجأ، و إنما كل شخص موجود. لقد نجت من ذلك الدمار المرعب ! هذا غير معقول بتاتا.

تكلم باسل بصعوبة: "لقد استطاعت النجاة، حقل حاجز أثري. كما توقعت، لا يجب علي تركها تغادر، موهبتها خطيرة للغاية."

رفع باسل ذراعه بعد وقوفه بينما يحس بعظامه تتكسر. كان جسده يتعرض للانهيار. كما كان بحر روحه يقترب من الانكسار. استعماله لطاقة روحية و حتى لو لم تكن بالمباشر أمر غير ممكن في الحالات الطبيعية حتى. و إن حدث مثل هذا الأمر، لن يكون مصير الساحر سوى الموت.

في تلك اللحظة، كانت فضيلة كرم مرهقة للغاية، تغطى فستانها بدمها الأحمر كما فعل وجهها. عندها، تظللت كما لو أن هناك سحابة قد أتت لتغطيها. لكن هذا التظليل كان بسبب الرخّ الذي صرخ فضغط بهالته هو الآخر على الحاضرين و طبق وجوده المستبد.

رفرف بأجنحته فكون صواعق برقية أحاطت فضيلة كرم قبل أن تقفز هذه الأخيرة على ظهره و يبدأ الرخ في الارتفاع للسماء بعيدا.

تكلم باسل صارخا: "لن تهربي." بدأ ينزل يديه مرة أخرى كما بدأ الرخ في الارتفاع أكثر.

بوووم

انفجرت السماء، لكن هذا لم يكن بسبب هجوم باسل، و إنما بسبب البرق الذي التف بجسد الرخ فجعله يخترق الصوت مولدا دويا عظيما محلقا عابرا مئات الأميال بسرعة خاطفة.

أما باسل، فسقط في مكانه مغميا عليه بمجرد ما أن بدأ بإنزال ذراعه. تنفيذه هجمة روحية معجزة بحد ذاته. هجمة روحية ثانية كان أمرا خارج الحسابات كليا و غير وارد الحدوث أعلى الإطلاق.

حل الصمت و انتشر الهدوء القاتل لمدة قبل أن يقفز أبهم من مكانه بسرعة كبيرة متجها نحو باسل صارخا: "سيدي ! "

في تلك اللحظة، في جبال بعيدة بمئات الأميال فقط، كان هناك رجل يطفو بالسماء حيث كان هناك ضوء مشع ساطع يأتي من الجهة التي يحدق بها. هذا الرجل العجوز كان إدريس الحكيم الذي تكلم: "طاقة روحية؟ هل يمكن أن الفتى باسل قد استخدمها مرة أخرى؟ إنه حقا لا يعرف معنى الحدود. ما القدر الذي ينتظره يا ترى؟"


فكر إدريس الحكيم في شيء ما مرة أخرى: "المختار. الطفل الأخير. لم يتكلم جلالته لذا لم أسأل. لكن هذا لا يعني أنه لا يجب علي البحث. *** يناهز الخامسة عشر استطاع استخدام طاقة روحية بالرغم من كونه بمستويات الربط فقط. لا يمكن أن يكون هذا شيئا طبيعيا. هناك شيء ما يحرك الخيوط بطريقة ما، و إني لكاشف لذلك."

مع انتهائه و إغماضه لعينيه بعد تفكيره العميق. نزل بذراعه مرة أخرى التي امتد عبرها ضوء ملكي شكل أحكاما و تعاويذ ذهنية روحية مصطحبة معها نقوشا روحية موجهة بواسطة حكمة سيادية لا مثيل لها.

لبث إدريس الحكيم في مكانه إلى أجل مسمى.

في مكان مظلم ما. تكلم صوت بارتجاف: "يبدو أنه علي توصيل الأخبار للسيدة الصغيرة أنمار. أنا لا أعرف ماذا أفعل." كان صاحب هذا الصوت هو أبهم الذي أراد الوقوف فأوقفه باسل الذي كان يتألم و يبدو فاقدا للوعي.

حدق فيه أبهم ثم قال بنظرة متحسرة: "سيدي ! "

فهم أبهم ما الذي عناه باسل فلبد و لم يتحرك. أما باسل، فارتخت يده التي قبضت يد أبهم و غاب عن الوعي كليا هذه المرة.

******************

(بعد أيام قليلة)

في مكان تتخلله الوحوش العظيمة. عرين حلف ظل الشيطان. أرخبيل البحر العميق. دوى صوت عظيم جعله يهتز: "اللعنة عليه. و إني لذاعِنه و صارِعه."

حدّقت عينان من الظلام إلى فضيلة كرم الراكعة على ركبة واحدة فأطلقتا نية قتل جعلت الخمسة الآخرين الذين اتخذوا الجانب يركعون أيضا على ركبة واحدة مصرحين: "كان اللعين حيا."

أكمل ظل الشيطان الذي كانت صورته مخفية في الظلال: "لقد عاد الإمبراطور غلاديوس. لكن هذا لا يهم. أيْ جِرْم، فلتتوجه لعاصمة إمبراطورية الرياح العاتية و اطبق يدك على عرشها. كنت أنوي أخذ القيادة بهناء و هدوء. لكن هذا لم يعد وارد الحدوث على ما أظن."

**************


(إمبراطورية الشعلة القرمزية)

كانت هناك فتاة بشعر أشقر خلاب تراقص مع الرياح الهادئة. قامت هذه الفتاة برفع رجلها ثم لوحت بها بقوة جعلت عجوزا تقدم نحوها حاملا نية قتل قاتمة.

باااام

حلق العجوز لعشرات الأمتار مع تعرض عظامه للتكسر.

"هل هناك مطالب بحق آخر؟"

في معقل التشكيل، بداخل الكولسيوم الخالي من المتابعين، وقفت أنمار على الحلبة مواجهة كل مطالب بحق. و إلى الآن، كانت قد خيبت آمال العشرات.

كان هناك العديد من الأشخاص الذين حاولوا الحصول على لقب الجنرال، لكنّهم عادوا خائبي الأمل بعد تلقي الهزيمة من طرف أنمار والجنرال رعد.

في تلك اللحظة، لم يستجب أحد من المطالبين بحقهم المدّعى لنداء الحكم فأعلن: "و بهذا ننتهي. من اليوم فصاعدا، لن يكون هناك حق لأي شخص في المطالبة بلقب الجنرال."

في يوم بسماء زرقاء تخلو من السحب البيضاء و مشرق بالكامل، بشمس ساطعة مع حرارة مرتفعة للغاية جعلت الطيور تختبئ بأعشاشها لتتظلل و تنتعش بالبرودة. ببحر شاسع لا نهاية له، بأمواج هائجة لا تنضب حركتها.

في ميناء بشاطئ إمبراطورية الشعلة القرمزية. هناك، كان الوضع صاخبا للغاية. انتشر صياح البائعين كما اجتمع حولهم المشترون. اقتربت سفن بمختلف الأحجام و ابتعدت أخرى حتى اختفت في الأفق.

كانت هناك العديد من المخلوقات البحرية العجيبة التي جرت معها هذه السفن. كانت هناك سفن اعتمدت على الرياح في تنقلها، لكن كانت هناك سفن أخرى اقترضت مساعدة من مخلوقات البحر بكل أشكالها و أنواعها.

قام الناس العامة بركوب السفن التي تعتمد على الرياح. و استخدم التجار المشهورون فرس البحر العميق. كما اتخذ أثرياء العالم دببة الماء الأسود وسيلة للإسراع من سفرهم. و أخيرا، قام الملوك و الأمراء، إضافة للمسيطرين على العالم باستخدام خيل البحر الملكي الذي كان نادرا و باهظ الثمن بشكل فظيع.

في ذلك الصخب و الجو المشتعل، ظهر هناك ستة أشخاص بدروع فضية، خمسة شبان و شابة. وقفوا أمام سفينة عملاقة للغاية و حدقوا فيها و بحوافها كما لو أنهم يدرسونها. خصوصا واحد منهم، تقدم و لمس خشبها و انتقل من مكان لآخر بينما يضرب بقضبته بلطف و يسمع الصوت الصادر بكل حرص.

"أنت هناك، ما الذي تفعله؟ ابتعد عن السفينة و إل..." بعد أن كان يقترب شخص ما صارخا على الستة الذين يلمسون السفينة، انقطع صوته فجأة كما اقترب ظله منهم ببطء.

تكلم صاحب هذا الصوت مرة أخرى بعدما اتضحت صورته حيث كان يحك كفه بالأخرى: "أهلا و سهلا بالسادة المحترمين. ما الذي بإمكاني خدمتكم به؟"

"ما رأيك يا ناصر؟ هل هي جيدة؟" سأل أحد الستة الشخصَ الذي يحوم حول السفينة العملاقة.

قفز ناصر من على السفينة و نفض ملابسه ثم قال: "إنها مقبولة."

التفت الشخص الذي ناداه و الذي كان تورتش ثم تحدث مع صاحب السفينة: "نريد عشرة سفن مثلها."

"هاااااااا؟" صرخ صاحب السفينة مصدوما.

أكمل تورتش: "آه، و نريد خيل بحر ملكي لكل سفينة على حدة."


بكثرة ما صدم، لم يخرج صاحب السفينة صوتا و ظل صامتا.

اقترب بعض الأشخاص من الحدث بينما يتمتمون: "هل سمعت ما قال؟ إنه يريد عشر سفن من الحجم الضخم و خيل بحر ملكي لكل واحدة منهم ! إن هذا جنون ! الملوك فقط من بإمكانهم شراء هذا العدد من هاته السفن و خيل البحر الملكي. و حتى لو كان بإمكانهم شراؤها، لن يضيعوا أموالهم و ثرواتهم فيها هكذا."

تكلم صاحب السفينة بصوت منخفض: "المعذرة، لكن، أتتكلم بجدية؟"

حملق تورتش به ثم قال: "بالطبع، و اسرع، نحن في عجلة."

التف صاحب السفينة ثم جرى مسرعا بينما يقول: "انتظرني من فضلك، سأبلغ سيدي حالا."

انطلق صاحب السفينة بسرعة كبيرة ثم عاد هو و ثلاثة رجال. أحد الثلاثة كان رجلا في الثلاثينيات، و كان يرتدي ملابس راقية للغاية و بعض المجوهرات على يديه و عنقه. ربط شعره البني بالخلف و جعله يتدلى كذيل الحصان. كان يضع غليونا طويلا و رقيقا بفمه و يدخن بشكل بطيء حاملا نظرات متعالية.

تكلم صاحب السفينة من السابق: "هذا هو سيدي و مالك القطاع التجاري الشمالي. كافِل من العائلة المرموقة النبيلة 'نورثرولر' المعروفة بإدارتها للكثير من الأعمال التجارية بالمرفأ الشمالي. كما أنها ترأس المدينة الشمالية و تحكمها لأجيال."

حدق كافل بتورتش ثم أضيق عينيه بعدما رأى دروعهم الفضية المتلألئة. في تلك اللحظة، تقدم تورتش و قال: "أيمكنك تلبية طلبنا؟ نحن في عجلة من أمرنا نوعا ما."

بقي كافل يحدق بتورتش بنظرات ثاقبة كما لو أنه يحاول كشف هويته قبل أن ينقض من مكانه و يلف ذراعه حول عنق تروتش بينما يقول: "هيا هيا، ليست هناك حاجة للتسرع. إضافة إلى أن طلبك ضخم للغاية، و يستلزم بعض الوقت. لما لا نشرب قليلا و نتحدث."

أعاد كافل الغليون لفمه بعدما أن كان قد أزاحه ليتكلم ثم استنشق استنشاقا طويلا قبل أن ينفخ مرة أخرى لنفس المدة.

حدق تورتش بناصر الذي أماء رأسه له ثم قال: "حسنا لما لا. نحن في رعايتك."

ابتعد تورتش مع رفاقه إضافة لكافل الذي بدأ يسأل: "إذا من أين أتيتم؟"

بدأ الحديث بينهم يدور بينما يتم تلبية طلبهم.

***************


(عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية، القصر الإمبراطوري، القاعة الرئيسية)

تحدث الكبير أكاغي: "نحن نوشك على الدخول في حرب طاحنة. قرارك هذا سليم أيها الإمبراطور شيرو. ستعلم عما أتحدث بعدما تشاهد ما سيحدث للإمبراطور غلاديوس."

حدق الإمبراطور شيرو بالكبير أكاغي و قال بنظرة متحسرة: "لنقم بالعهد الذهني الروحي أيها الإمبراطور أكاغي. أريد العودة لوطني في أسرع وقت. لقد غبت لمدة طويلة، و هناك العديد ممن لم يعجبهم الحال."

تكلم الكبير أكاغي مجيبا عنه: "الحال نفسه أينما حلت قدمك. الآن بعدما ستعلن عن إلغاء نظام العبودية و تعطي حق التلقيب، سيكون بإمكاننا نحن الاثنان التضامن ضد العائلات الغير راضية و دحضها كلها مرة واحدة. عندها سيكون بإمكاننا التركيز على تنمية قواتنا بشكل أكثر فعالية."

تحسر الإمبراطور شيرو ثم جلس فقام الكبير أكاغي بالمثل و تعاهدا ذهنيا و روحيا.

غادر الإمبراطور شيرو بعد ذلك مباشرة راكبا عربته التي يجرها خيل ملكي بينما تجول عدة أفكار في خاطره: "لقد قال ذلك الفتى أنه سيزور بلدي بعد الانتهاء من مشاكله، و قال أنه سيعلمنا كيفية النقش الأثري و الفنون القتالية التي تحدث عنها. كما أنه أخبرني أن هذا العالم سيتحول عما قريب لعالم روحي. مما سيجعله يتوسع و تظهر أراض غير مأهولة. لا أعرف كم هو كلامه صحيح، لكن الذي أعرف أنه حقيقي هو حلف ظل الشيطان. حاليا، إمبراطورية الشعلة القرمزية هي الإمبراطورية الأكثر قوة و ضمانا لنجاتها من الأخريين. لا يمكنني سوى أخذ المخاطرة و التفكير لاحقا."

تكلم شخص ليفيق الإمبراطور شيرو من سهوه: "أبي، ما الذي يجعلك تصنع مثل تلك النظرات؟"

أجاب الإمبراطور شيرو: "آه، لا، لا شيء. بالمناسبة يا شيرايوكي، لقد وعدني الجنرال الأعلى باسل أنه سيأتي ليزورنا يوما ما."

أغمضت شيرايوكي عينيها ثم قالت بكل هدوء كما لو أنها أميرة صقيع شكلا و تصرفا: "لقد سمعت أنه مجرد فتى يقاربني العمر. ألا يجعله هذا وحشا أكثر فقط؟ لا يهمني إن أتى أم لا، لانه سيكون دائما في نظري مجرد قاتل بارد الدم."

تكلم الإمبراطور شيرو: "لا تقولي هذا يا ابنتي. الفتى كان بحرب، اقتل أو تقتل. لا يمكنك لومه. علاوة على ذلك، لقد سمعت بإنجازاته العظيمة، هو في الحقيقة لم يقتل عائلة غرين بأكملها و إنما هذا ما أراده أن يشاع فقط. و بالنسبة لبلده حاليا، فهو بطل غير مستغنٍ عنه."

استهجنت شيرايوكي ثم قالت: "من قتل رجلا هو مجرم، و من قتل الآلاف هو بطل. يا له من عالم نظيف جميل. آسفة لكنني سأعيش في عالمي الخاص."

تحسر الإمبراطور شيرو من كلام ابنته التي تكره سفك الدماء بكل الأنواع. و ترجى فدعى أن ترى الجزء الجيد من باسل و يتم القران بينهما. هكذا سيكون باله مرتاحا. فهو يحاول العمل بوصية أبيه و أجداده الذي كافحوا من أجل الحفاظ على أسرتهم في الحكم.

بووووووووم

"ما الذي يحدث هنا؟" صرخ الإمبراطور شيرو متسائلا عن الانفجار السابق الذي كان صوته قريبا للغاية منهم.


أجابه صوت صارخ: "جلالتك، نحن نتعرض للهجوم. لا نعرف هوية الأعداء بعد."

"احموا الإمبراطور. لا تتركوا أي أحد منهم يقترب." صرخ هيل بجنون بينما يجمع الجنود حول العربة.

خرج الإمبراطور شيرو مسرعا سائلا: "من يتجرأ على مهاجمتنا؟"

تكلم صوت مجيب عن السؤال من السماء: "أنا واهج نائب الأقدم الكبير سعير. سأحتاج منك أن تعيرني شيئا ما أيها الإمبراطور شيرو."

"لك هذا..." تكلم الإمبراطور شيرو ثم استل سيفه قبل أن يكمل: "لكنك ستحتاج لأخذه مني بالقوة."

ظهر صاحب الصوت من السماء بعدما أزال عباءة الشفاف، فكان عبارة عن شخص بجناحين بيضاوين ناصعين و ذراعين التف حولهما فشرة ذهبية صلبة مع يدين بمخالب. كما كان المثل بالنسبة لرجليه و قدميه.

ضيق الإمبراطور شيرو عينيه ثم قال بداخله: "أنا لا أعرف الوحش المتحول له ! أيمكن أنه يفوق المستوى السابع؟"

عصر الإمبراطور شيرو يده على سيفه السحري ثم قال صارخا: "هيل، أخلِ المكان أنت شيرايوكي بأسرع وقت."

"أمرك جلالتك." سارع هيل في ركوب العربة بعدما أمر سائقها بالإقلاع بكل سرعة.

انطلقت العربة بكل سرعة.

ووووووووش

باااام


كما لو أن سهما أتى من السماء، حلق واهج المتحول ثم ولد انفجارا ناريا هائلا مصحوبا مع قوة نزوله على الأرض برجليه حيث كان قادرا على تحطيم الأرضية التي تقف عليها العربة كليا.

في لحظة، و قبل أن يرى أحد. ارتفع واهج بالسماء مرة أخرى، لكنه هذه المرة كان يحمل شيئا، أو الأصح قول شخصا. كان يحمل معه شيرايوكي الغائبة عن الوعي كليا.


تكلم واهج: "لقد قلت أنني أحتاج منك شيئا فقط. و لا أحتاج للعراك معك من أجل سلبه منك. ابنتك معنا نحن حلف ظل الشيطان. و ستظل حية لمدة شهرين فقط، و من الأفضل لك أن تكون بعريننا أرخبيل البحر العميق في غضون تلك المدة مصحوبا مع عرشك. و إلا كانت الابنة رمادا."

ووووووووووش

زبااااام


حلق واهج في الآفاق حتى اختفى كما فعل أتباعه الذي قتلوا جنود الإمبراطور شيرو.

ظل الإمبراطور شيرو مصدوما كما لو أنه لم يستوعب ما حدث حتى اختفى واهج من أنظاره كليا.

"شيراااايوكييييي."

صرخ الإمبراطور شيرو باسم ابنته مصعوقا مما حدث قبالة عينيه و لم يكن قادرا على فعل أي شيء. تم كل شيء بخفة فائقة للغاية.

أسرع الإمبراطور شيرو في الاتصال بخاتم تخاطره: "أيها الإمبراطور أكاغي. ابنتي... إن ابنتي اختطفت من قبل حلف ظل الشيطان."

"ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟" أجابه صوت الكبير أكاغي المصدوم.

صرخ الإمبراطور شيرو في مكانه بعدما انتهى من كلامه مع الكبير أكاغي: "اللعنة عليكم يا حلف ظل الشيطان. إني لناحركم ! "

(القاعة الرئيسية للقصر الإمبراطوري بعاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية)

كان الإمبراطور شيرو قد عاد بالفعل، و كان جالسا يضرب قدمه على الأرض بتردد واضعا يديه تحت ذقنه و يفكر بعمق. أصبح شاحبا و دبَّ الرعب في قلبه. لقد ذهبت ابنته من يديه، و من يعلم ما الذي يمكن أن يحصل لها بينما هي في قلب عرين الأعداء !

تحدث معه الكبير أكاغي: "لقد حاولنا التواصل مع الجنرال الأعلى، لكنه لم يجب أبدا. ستأتي حفيدتي إلى هنا.، فهي لديها ارتباط بخاتم التخاطر الخاص بمرافق الجنرال الأعلى. لا تقلق، سننقذ ابنتك لا محالة."

صرخ الإمبراطور شيرو: "ما الذي تتحدث عنه؟ كيف لكم أن تنقذوها؟ لقد سقطت في يد الأعداء الذين نخشاهم كلنا ! "

حدق الكبير أكاغي به من دون أن يتكلم قبل أن يعتذر الإمبراطور شيرو عن صراخه. إنه يعلم أن الكبير أكاغي يحاول المساعدة فقط، لكنه لا يقدر على التحمل. فابنته الصغرى قرة عينه قد اختفت أمام ناظر عينيه، و يمكن أن يحدث لها أشنع الأشياء.

بعد قليل من الوقت، وصلت أنمار. كانت الأخبار قد وصلتها بالفعل، لذا دخلت في الموضوع مباشرة: "كم المدة التي منحوها لك؟"

استغرب الإمبراطور شيرو من سؤال أنمار قبل أن يجيب: "شهران، لماذا؟"

أغمضت أنمار عينيها ثم فكرت لقليل من الوقت قبل أن تقول: "سأحاول إنقاذها."

"ما الذي تقولينه؟" انقض الكبير أكاغي قائلا: "هذا غير معقول، لا يمكنني السماح بهذا. ستذهبين لتموتين فقط."

بقي الإمبراطور شيرو مصدوما قبل أن يستيقظ أخيرا: "لننادي الجنرال الأعلى باسل، هذا هو سبب قدومك إلى هنا أصلا. قد تبوء محاولتك بالفشل، و هذا لن يضرك أنت فقط، قد يتسبب في مقتل ابنتي أيضا."

"باسل مشغول حاليا." قالت أنمار مغمضة العينين: "لديه عمل يجب عليه إنجازه."

ارتفع الدم لرأس الإمبراطور شيرو ثم صرخ: "ها؟ ما الذي تقولينه؟ أي شغل هو أهم من حياة ابنتي؟"


تكلمت أنمار مجيبة بكل هدوء: "إنقاذ العالم." سكت الإمبراطور شيرو كما لو أن القط بلع لسانه لتكمل أنمار: "خياراتك قليلة، يمكنك تسليم عرشك و الذي أظن أنه الخيار الذي أعطوه لك مقابل حياة ابنتك، أم تأخذ المخاطرة و توكل الأمر لي."

حدق الإمبراطور شيرو بأنمار بينما يفكر. هو يعلم أنه حتى لو سلم العرش لحلف ظل الشيطان، ليس هناك ما يضمن إيفاء الأعداء بوعدهم. إنه حقا لا يمتلك الكثير من الخيارات، و ليس أمامه سوى الاعتماد على ما يملكه من أيد أمامه. لذا اصطفى أنمار قائلا: "أنا أثق بك."

"لا تفعل." قالتها أنمار بعدما الفتت مغادرة.

أحكم الإمبراطور شيرو قبضته و فهم قصد أنمار.

تكلم الكبير أكاغي مرة أخرى: "حفيدتي. لا يمكنني فقدانك، أنت كل ما تبقى من ابني. موتك سيقطعنا إربا."

في تلك اللحظة، أحست أنمار الباردة و الهادئة بعاطفة قوية و أحست بالقرابة التي بينها و بين جدها. لا تشعر أنمار بهذه المشاعر سوى مع الأقربين لها فقط. يبدو أنها قد أمضت وقتا كافيا ليجعل الكبير أكاغي كلامه ذو تأثير عليها.

قالت أنمار بابتسامة بإمكانها إذابة قلوب الرجال و حرق أعصابهم و شل أرجلهم و التسبب في انهيار إرادتهم: "لا تقلق يا جدي. أنا لا أنوي الموت حاليا. فبعد كل شيء، لدي حلم واحد في حياتي، و سأحب أن أحققه."

تركت أنمار الكبير أكاغي متجمدا بمكانه غير قادر على الكلام حتى اختفت عن الأنظار بخروجها من القاعة الرئيسية الشاسعة.

***************

(معقل السنبلة الخضراء)

تكلم جندي راكع على ركبة واحدة: "تقرير للجنرال. الأميرة أنمار تريد التحدث معك."

رفع الجنرال رعد الذي كان جالسا يتدرب على التنفس حاجبه ثم قال: "قدها للقاعة الرئيسية."

"حاضر"

اتجه الجنرال رعد للقاعة الرئيسية ثم انتظر أنمار التي دخلت مباشرة في الموضوع الذي أتت من أجله بعدما التقيا: "أريدك أن تساعدني في إنقاذ الأميرة شيرايوكي."


عبس الجنرال رعد ثم قال: "لقد وصلتني الأخبار، لكن ما الذي تقصدينه؟ كيف لنا أن ننقذها نحن فقط؟"

تابعت أنمار الهادئة: "أنت و فرقتك بالطبع. كم من شخص بها بلغ المستوى السابع؟"

أجاب الجنرال رعد: "اثنين فقط، لكنهما بالقسم المتوسط بالفعل."

أغمضت أنمار عينيها ثم فكرت لقليل من الوقت قبل أن تقول: "لا بأس. المهم، سننعزل للتدبر من أجل الاختراق. بعلمي أن باسل أخبرك بالطريقة الصحيحة، و بقيت أنا هنا لأرشدكم. سنبدأ اليوم."

ضاقت عيني الجنرال رعد ثم قال: "القسم الثاني من مستويات الربط ! كم لدينا من الوقت؟"

"شهران"

حدق الجنرال رعد بأنمار ثم قال: "و هل هي كافية؟"

أجابت أنمار: "شهران ليكون الإمبراطور شيرو بأرخبيل البحر العميق. أما نحن فلدينا شهر على الأكثر للاختراق."

عبس الجنرال رعد ثم قال: "و كيف لنا أن نخترق بهذه المدة القليلة؟"

أجابت أنمار: "و هل لدينا خيار آخر؟"

حدق الجنرال رعد بالأرض مفكرا، لكنه كان مقتنعا بالفعل بكلام أنمار و ظل صامتا يفكر في 'هل بإمكانه حقا الاختراق بشهر ! '

غادر الاثنان المعقل فسأل الجنرال رعد: "ما أخبار الجنرال الأعلى. لم أسأل لأنني أعلم أنه سيستجيب للخبر في أسرع وقت بما أنه يشمل عرش إمبراطورية الأمواج الهائجة. لكن بما أنه لم يفعل، فلا شك أن هناك شيئا ما يمنعه."

ضاقت عيني أنمار قليلا فعادتا لطبيعتهما قبل أن يلاحظ الجنرال رعد ثم قالت: "لا حاجة للقلق. إنه مشغول و لا يمكنه الاستجابة فقط."

لم يسأل الجنرال رعد أكثر. لكنه كان يشك كثيرا في إجابة أنمار لدرجة فهمه أن باسل ليس بالحالة الجيدة.


أما أنمار، فاستمرت بصنع تعبيرات هادئة فقط. لقد اتصلت مباشرة بباسل بعدما أتاها اتصال من الكبير أكاغي، لكنها لم تتلقى أي استجابة. لذا اتصلت بأبهم بعد ذلك و سألته، فأخبرها أن باسل مشغول و لا يرتدي خاتم التخاطر. كما أنه لا يمكنه أيضا التواصل مع باسل.

بسماعها لإجابة أبهم، رأت من خلالها في الحال و عرفت الأحوال. لا يمكن لباسل ألا يرتدي خاتم التخاطر في مثل هذه الأوقات العصيبة، فلو فعل، لن يكون سوى غبيا لا أكثر.

استطاعت أنمار استنتاج أن باسل من أجبر أبهم على عدم إخبارها بالحقيقة، لذا لم تحفر أكثر. ليس هناك شخصا أعز من باسل لها. و بمعرفتها لأذيته، كانت تريد أن تكون بجانبه حالا، بل حتى أنها تريد البقاء بجانبه دائما و أبدا. لكن كما قال الحكماء 'كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار و تفشل. و اتزان العاطفة سمة الإنسان الناضج.'

****************

(بعد أيام عدة)

تكلم صوت عميق من الظلام الدامس: "إنك حقا لجوهرة براقة أكثر من البدر نفسه. بإمكان سطوعك إغراء القلوب و جعلها غير قادرة على الصمود أمام جمالك.

خرجت يد سمراء من الظلام فتحسست وجه الأميرة شيرايوكي التي جعلها هذا الأمر تشعر أنها أصبحت ملكية خاصة لصاحب هذه اليد بمجرد ما أن لمسها. أحست بالضعف و الانهيار الكلي. و لم يكن بإمكانها سوى الخضوع لإرادته التي حملتها كلماته. شعرت كما لو أن حاكما أسطوريا يفرض سيطرته عليها.

تكلم صاحب اليد مرة أخرى: "أنا ظل الشيطان المختار من طرف الأسياد العظماء. أنا الحاكم المطلق لهذا العالم. و أنا مدمر الأعداء و صارعهم و مذلهم. أنا 'هدّام' الضَّروس. و أنا أختارك لتكوني زوجتي. جمال ملائكي مثلك لا يستحق إلا رجلا مثلي. جوهرة مثلك لا تستحق إلا ملكا مثلي."

جعل صاحب هذا الصوت الأميرة شيرايوكي تشعر بالاشمئزاز من التصريح الذي قاله. و أرادت نثر يده عن وجهها و بصقه. لكن عندما حاولت، وجدت نفسها مقيدة كليا غير قادرة على تحريك شفتيها لتفتح فمها حتى. لكنها صارعت فاستطاعت أخيرا تفريق الشفة العليا عن السفلى، و عندما أرادت تحريك لسانها، رمقت تلك العينين السوداوين في الظلام فعضت لسانها بإغلاقها لفمها فسالت الدماء.

بمجرد ما أن استطاعت رؤية تيْنِك العينين القاتمتين، حتى كانت خرست و لبدت. فأصبحت تحس كما لو أنها في حضور مخلوق متجبر يستطيع دك الجبال و جف الأنهار. أحست أن صاحب هاتين العينين عبارة عن وحش بإمكانه تدمير و هدم ثم إهلاك كل ما يقف في طريقه.

أزاح ظل الشيطان يده و اختفى في الظلام مرة أخرى مخلفا وراءه كلمات: "تذكري، أنت زوجة ظل الشيطان. زوجة هدّام الضَّروس. كوني فخورة و عاتية. فإني أؤْثِر المرأة الزاهية المزهوّة."

سقطت الأميرة شيرايوكي على الأرض و ارتعد جسمها بالكامل و اهتز كما شعرت بالانهيار الكلي و لم تعرف ماذا تفعل بعد الآن.

******************

مرت عدة أيام على فقدان باسل للوعي. و جعل هذا الأمر أبهم يرتعد و يرتعب. حتى أتت اللحظة التي فتح باسل فيها عينيه فوجد أبهم جالسا أمامه يحدق به بكل اهتمام خائفا على صحته.


ابتسم باسل ابتسامة خافتة و فكر بداخله: "يبدو أنني لدي فكرة عن سبب امتلاكي لطاقة روحية."

حدق باسل في يديه فوجدهما مكبلين كما كان الحال نفسه مع رجليه. أصبح عنصر النار في قمة المستوى السابع. و يمكن للختم أن ينكسر في لحظة. علم باسل أنه يجب عليه إيجاد طريقة ليخترق، لكنه كان مدركا أن هذا سيحتاج منه الارتفاع أكثر بالمستوى ليصل لحافة المستوى السابع و هذا سيجعل الختم ينكسر لا محالة. إنها معجزة كون الختم لم ينكسر حتى الآن.

في تلك اللحظة، قفز أبهم فرحانا و عانق باسل بينما يبكي: "سيدي، سيدي. إنك بخير، لم أكن أعلم ماذا سأفعل إن متّ."

بدأ باسل يبعده عنه بينما يقول: "حسنا حسنا. لا تلتصق كثيرا، فلا أحبذ التلامس كثيرا بالرجال سوى بالقتال."

تراجع أبهم بينما يقول: "إنك حقا سيدي."

كاد أبهم لا يصدق، ففي الأسابيع الأخيرة، كان باسل يتلوى متألما من دون توقف، و كل ذلك كان ردود فعل جسده و بحر روحه اللذين يتعالجان. مما جعل أبهم يستشعر موت سيده باسل مولدا له أحاسيس مروعة.

تكلم باسل: "ما الذي حدث بعدما فقدت الوعي؟"

أجاب أبهم: "لقد ألقي القبض علينا. و نحن في زنزانة سحرية كما ترى."

فجأة، تكلم صوت آخر من خارج الزنزانة المظلمة: "يبدو أنك استيقظت."

"همم ! " التفت باسل ثم قال: "إنك حقا تحب الدردشة بالخفاء."

تحدث الصوت الذي كان رقيقا من خارج الزنزانة مرة أخرى: "أنا زعيم قبيلة حاكم الأرض، واحد من الكبار الخمسة لقبائل الوحش النائم. اعذرنا على المعاملة الخشنة قليلا، لكن كما تعلم، إنها مجرد إشكاليات. و الآن، لما لا نتحدث عما حدث؟"

كانت السلاسل التي تقيد باسل طويلة كفاية ليكون بإمكانه الوقوف، لذا فعل. بعدها قال: "إشكاليات كانت أم لا، أنا لا أحب أن أقيد من غير علمي أو من دون إذني."

تكلم الصوت مجيبا: "لهذا اعتذرت."

تكلم باسل: "هكذا إذا. إذا لم لا تزيحها عني و تفتح الزنزانة. عندها يمكننا التكلم بما أنك تحب الدردشة لهذه الدرجة."

أجاب الشخص من الظلام: "للأسف، هذا القرار ليس بيدي. لقد رأيت معركتك بأم عيني، فكيف لي أنْ أعتقد أنّ مجرد زنزانة كهذه أو سلاسل سحرية تقيد سحرة المستوى السابع بإمكانها إيقافك؟"

حملق باسل في الظلام من حيث يأتي الصوت ثم قال: "أوه، هكذا إذا. لست صاحب الكلمة العليا. لما لا تأتي إذا بصاحب القرار؟ فلو كان يحب الدردشة مثلك أيضا، فأنا سعيد لأقدم له واحدة سوف تفجر عقله."


أجاب الصوت من الظلام: "للأسف، إنه ليس بشخص واحد. إنهم الكبار مجموعين الذين تحدثت عنهم. إنهم يشعرون أنك تهديد خطير."

ابتسم باسل ثم قال: "تهديد خطير؟ لم لا زلت حيا إذا؟ لا تقل لي أنك دافعت عني، يبدو أن شخصا عطوفا على الأعداء موجود هنا."

تكلم الصوت من الظلام منزعجا: "عطوف؟ لا تمزح معي، كل ما فعلته هو الإبقاء على كتاب المعرفة الشامل بعيدا عن الضرر. لا زلنا لا نعرف هوية الشخص الذي قاتلته، و لا نعرف كيف لكم بهذه القوة المهولة. قتلك سيكون مضيعة لا غير."

عبس باسل ثم قال: "يبدو أنه يجب علي البقاء هنا لقليل من الوقت بعد كل شيء. لكن، لما لا تري وجهك؟ لا تقل لي أنك خائف أن أعرفه."

لم يجب الشخص من الظلام و ظل صامتا لقليل من الوقت قبل أن تتحرك قدما فظهرت من جانب الزنزانة إلى أن ظهر صاحبها. وقف هذا الشخص أمامهما و أزال قناعا كان على شكل جمجمة لوحش بري. عندها، تفاجأ باسل و أبهم من مظهر هذا الشخص. لقد كان امرأة تحمل عصا بقمتها خمسة أحجار أصلية كبيرة الحجم شكلت زهرة. ضربت العصا على الأرض فأضاءت المكان بتوهج أزرق فاتح قريب للأبيض.

ظهرت صورة المرأة فتفاجأ باسل كثيرا من جمالها الخلاب. كانت امرأة سمراء بعينين حمراوين، عمرها يناهز الثلاثينيات. و عندما حدقت بعينيها الحمراوين بباسل، جعلت عاطفته تهتز قليلا. كان جمالها مختلفا للغاية عن أي جمال قد سبق و رآه باسل. كان قد عاش بجانب فتاة بجمال ملائكي بنت أمها التي ورثت منها هذا الجمال. إضافة لأمه التي كان شعرها أسودا حالكا و جعل الرجال يتسابقون للمسه. كانت هناك فتاة جميلة اقتربت منه فيما سبق بصغرهم. كان باسل دائما محاطا بنساء جميلات للغاية، لذا لم يتأثر بجمال أقل أو مشابه. كان معتادا كليا.

لكن عندما رأى هذه المرأة، أحس لأول مرة بتحرك قلبه كباقي الرجال. و أخيرا، كان باسل قادرا على رؤية جمال مختلف. و هذا الجمال جعل مزاجه جيدا للغاية، و السبب هو أنه اكتشف شيئا جديدا، شيئا لم يعلم أنه كان يتوق له حتى وجده.

تكلم باسل: "و أنا الذي كنت أظنك رجلا في منتصف العمر، لو كنت مثل هذه السيدة البراقة، لم لم تظهري و تريحينا معك؟ ! "


استغرب أبهم من تصرف باسل، لم يعلم أن باسل سوف يتكلم هكذا مع أي امرأة كانت. لكن أبهم لا يعلم أن باسل تلقى دروسا عن كيفية معاملة النساء، و هذا أثر قليلا على تصرفاته مع النساء. لكن بسبب تأثره الآخر و الذي هو تكيفه طيلة حياته مع الجمال الخارق، لم يتصرف باسل مع جميع النساء هكذا، و فقط النساء اللائي أثرن إعجابه من جعلنه يظهر هذه الصفة.

ضحكت المرأة ثم قالت: "يبدو أنك تعلم كيف تتكلم حقا بعد كل شيء." أكملت ضحكها فتبعها باسل بالضحك مما جعل أبهم في موقف تساؤل غير قادر على مجاراة ما يحدث.

تحدث باسل: "كان يمكن أن أكون ميتا بالفعل لولاك. أنا أشكرك."

ابتسمت المرأة ثم قالت: "لا داعٍ. أريدك فقط أن تتحدث معي عن كل تلك القوة التي تمتلكها بهذا العمر."

حدق بها باسل ثم قال: "أنا باسل. بم يمكنني مناداة السيدة المحترمة؟"

أجابت المرأة مغمضة العينين: "لمياء زعيمة قبيلة حاكم الأرض. متشرفة بمعرفتك أيها الجنرال الأعلى لإمبراطورية الشعلة القرمزية باسل."

جلس باسل عندها على الأرض ثم ابتسم و قال: "أصبح مزاجي جيدا." أخرج جزرة من مكعب التخزين ففاجأ لمياء بفعله. لمحت في المعركة سابقا إخراج المقاتلان لأشياء من العدم، لكن رؤية هذا الأمر عن قرب كان مدهشا للغاية و غريبا جدا.

عض باسل الجزرة ثم قال: "لما نبدأ بمكعب التخزين بما أنه فاجأك لهذه الدرجة ! "


بدأ باسل يتحدث مع لمياء غير مهتم بكونه مكبل.

*****************

غرب وكر قبائل الوحش النائم، تواجدت السلاسل الجبلية الحلزونية. و بها، كان إدريس الحكيم يحلق في السماء بينما يحدق بالأسفل. فضاقت عينيه قليلا ثم قال: "لما لا نأتي بالفتى باسل ! أرجوا أن يكون بخير فقط، لقد استخدم طاقة روحية مرة أخرى. كنت أنوي الذهاب لمساعدته، لكن لم يكن بإمكاني ترك العمل بمنتصفه. لقد لمحت طائر الرخ يهرب بشكل شنيع من الناحية التي أتت منها الطاقة الروحية. لا شك أن العدو هرب منه أثناء المعركة."

اتصل إدريس الحكيم بباسل عبر خاتم التخاطر ثم قال بعدما تلقى استجابة: "أيها الفتى باسل، يبدو أنك بخير. لقد حان وقت مجيئك إلى هنا. لا تضع الوقت أكثر و همّ إلى هنا. يبدو أنني قد اكتشفت سبب امتلاكك طاقة روحية."

ابتسم إدريس الحكيم بعدما سمع ردا من باسل و قال بعدما انتهى من الاتصال: "يا له من فتى، يبدو أنك أصبحت تمتلك أخا في التدريب صعب منافسته يا فاخر." ابتسم بعدها إدريس الحكيم و اتخذ قمة جبل ثم بدأ يتدبر مفعّلا حكمته السيادية التي اتسمت في دوران كرات بحجم رأس الإنسان فوق رأسه بشكل سريع للغاية بينما تدور حول الكرات نفسها حروف رونية بشكل أسرع و من دون توقف.

أصبح الجو المحيط بإدريس الحكيم ساكنا و هادئا للغاية. فكر إدريس الحكيم بداخله: "حتى الآن، و بحكمتي السيادية، لم يكن بإمكاني معرفة الكيفية التي دخل بها شيطان إلى هذا العالم من دون بوابة العالم. لو أنه استخدم بوابة العالم لكان بإمكاني الجزم بذلك. لكن بما أنني لم أشعر بأي شيء و لم يأتيني أي خبر، فلا بد من أن شيطانا ما لديه القدرة على التنقل بين العوالم كما يشاء. هذا خطير حقا ! "

بمعلومة بسيطة، بتلميح صغير، كان بإمكان إدريس الحكيم اكتشاف الكثير من الأمور عبر حكمته السيادية. لو أن شخصا ما قال كلمة، فسيكون من السهل على إدريس الحكيم إكمال الجملة. كانت الحكمة السيادية عبارة عن هبة لا مثيل لها في هذا العالم. و لطالما كان مالكها عبر كل الأزمان قدوة و شخصا يحترمه الجميع، كما كان يخشاه الأعداء و حاولوا الابتعاد عن مواجهته قدر المستطاع. فبعد كل شيء، من يريد مواجهة شخص قادر على قراءة تحركاته كلها من دون أن يترك أي مجال و لو لرفع إصبع أن يهرب من مجال توقعاته؟

كانت هناك العديد من المزايا للحكمة السيادية. أحدها و أبسطها كان التوقع و الكشف. لذا استمر إدريس الحكيم في استخدامها محاولا اكتشاف الحقيقة.


تمتم إدريس الحكيم: "يبدو أن القدر الذي ينتظر الفتى باسل أكبر مما كنت أتخيل." ثم فكر في عدة أمور أخرى: "المختار، الطفل الأخير." لقد كانت هاتان الكلمتان اللتان منِحتا له من طرف الملك الأصلي لتفعيل الختم الموضوع على باسل. لكنه حتى الآن لا زال لم يعلم ما المقصود منهما.

حتى حالة باسل الغريبة لا زالت تراود ذهنه دائما. كيف لشخص أن يكون جسده و بحر روحه يعملان بهذه الطريقه؟

راودت إدريس الحكيم العديد من الشكوك، لكن بما أن الملك الأصلي لم يتحدث عنها ظل صامتا و لم يتعمق عندها في الأمر كثيرا.

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "يبدو أنني تأثرت بعادة الفتى باسل قليلا. ففضولي بدأ يغلبني ! "

كانت هناك الكثير من الأفكار و الشكوك التي غطت ذهن إدريس الحكيم، لكنه توقف عن التفكير في ذلك للوقت الحالي و استأنف تأمله.

"حقا؟ لم نكن نعلم شيئا عن هذا ! لطالما كرهت فكرة الانعزال الكلي عن العالم الخارجي. كان يجب على الكبار اتخاذ الأمور بحكمة أكثر. تغير حاكم الإمبراطورية مرتين في غضون خمسين سنة فقط ! هذا ليس بشيء سهل . " أكملت لمياء قائلة: "لقد سمعت من سلفي عن عائلتي غرين و كريمزون. قبل خمس و خمسين سنة، حاولت إمبراطورية الشعلة القرمزية استعباد الكثير من أعضاء قبائلنا. لذا، كان هناك صراع حاد بين الطرفين استمر لست أشهر. في النهاية، بسبب تلقي كلا الطرفان أضرارا وخيمة، توصلا لاتفاق يقوم على عدم التدخل و التداخل فيما بينهما لمدى الحياة."

استغرب باسل و أبهم من القصة. هناك العديد من الأشياء المريبة التي شغلت ذهن باسل. قبل خمس و خمسين سنة كان أب الكبير أكاغي هو الحاكم. و لم يعرَف عنه أي شيء كالطغيان على العامة أو القبائل الخارجية. على العكس، كان معروفا برحمته و عطفه. كان يزور بعض النبلاء و يحرر الكثير من العبيد. هكذا حرر الرئيس تشارلي أيضا.

تكلم باسل واضعا يده على ذقنه: "هذا أكثر من أن يكون مجرد صدفة ! "

تعجبت لمياء و أبهم فسألت الأولى: "ما الذي تعنيه؟"

"لقد أتيت إلى هنا و بنيتي اكتشاف سبب الحرب قبل خمس و خمسين سنة ثم التوصل لحل مناسب. لكن، قلت أنك سمعت عن عائلة غرين من سلفك. هذا يعني أن اتصالا من نوع ما كان بينهما. قد لا يكون هناك من الوهلة الأولى أي علاقة واضحة. لكن عندما تضيفين قصتك على الخاصة بي و تفكرين في المدة بين الحرب و الانقلاب التي كانت قصيرة للغاية."

فتحت لمياء عينيها بشدة كما لو أنها تنورت أخيرا و قالت: "هل يمكن...؟"


أكمل باسل: "إنها عائلة غرين. قبل خمس و خمسين سنة اندلعت الحرب. بعدها بأقل من خمس سنين تم الانقلاب. إنها أكثر من أن تكون مجرد صدفة. عندما تضع في الحسبان مخططات عائلة غرين التي استمرت لآلاف السنين، سيصبح الأمر منطقيا أكثر."

"لكن، كيف؟" قالت لمياء متسائلة: "كيف لهذا أن يكون ممكنا؟ حتى قبل الحرب قبل خمس و خمسين سنة كانت قبائل الوحش النائم غير ودودة مع العائلات الخارجية و اتبعت قوانينها الخاصة. كيف يمكن لعائلة غرين أن تنشب حربا بيننا و بين إمبراطورية الشعلة القرمزية؟"

قطب باسل و قال بنبرة هادئة: "أحقا أنت بحاجة للسؤال؟ أم أنك لا تريدين التفكير بالأمر فقط؟"

بادلته لمياء القَطب ثم تكلمت بعدما أحكمت يدها على العصا الخاصة بها و التي تضعها على حجرها: "خائن ! " اهتزت الأرض من تحتها ثم ضربت بقبضتها نحو الأسفل حافرة حفرة وصل قاعها لثلاث أمتار. لم تكن هذه الحفرة عريضة لكنها كانت عميقة. و بدت كما لو أنها ثقب صنع من طرف سحر ضوء حارق صنع طريقه للأسفل عبر حرارته المفرطة.

صعدت القشعريرة مع جسد أبهم الذي شاهد هذا الأمر كما لمعت عيني باسل أكثر. سمع بأجساد أعضاء قبائل الوحش النائم الخارقة و قرأ عنها في بعض الكتب التي تهتم بالقبائل، لكن الفرق بين الرؤية و السمع أو القراءة مثل الفرق بين السماء و الأرض. اهتز جسد باسل أيضا. لكنه لم يكن مثل أبهم الذي ارتعد من قوة المرأة التي كانت ساكنة قبل أن تنفجر فجأة، و إنما كان متحمسا و غير قادر على إيقاف فضوله و رغبته في اختبار هذه الأجساد بنفسه.

تكلم باسل بعدما هدّأ من نفسه: "أتفهم شعورك، لطالما كان الخائن مكروها في جميع الأماكن و الأزمان."

صرخت لمياء بغضب و سطوع بارد ومض من عينيها: "أنت لا تفهم ! الخائن ليس فقط مكروه بقبائلنا. إنه عار أسود. وصمة فاحمة قاتمة. قبائل الوحش النائم الفخورة. عندما يصبح معلوما أن هناك خائنا بيننا، كيف لنا أن ننادي أنفسنا بالفخورين؟ كيف لنا أن نحتفظ بعزنا و كرامتنا؟"


لاحظ باسل نظرة التحسر البادية على لمياء. مع أنه في مثل هذا الموقف، ظهرت ابتسامة على وجهه جعلت أبهم مستغربا. أما لمياء، فلم تراها لأنها كانت تحدق بعينيها الغاضبتين نحو الأسفل.

لم تكن ابتسامة باسل شيطانية أو مصطحبة معها أي نوايا غدر أو مكر. حتى أن أبهم الذي استغرب في الأول، فهم في الأخير لم ابتسم باسل. كانت ابتسامة هذا الأخير تقديرا للشخص الذي أمامه. برؤيته لتصرفات لمياء، لم يكن بوسع باسل سوى الابتسام كأنه فرحان. أما أبهم، بمشاهدته لباسل، ابتسم هو الآخر من تصرف سيده و شعر أنه بدأ يفهم باسل أكثر شيئا فشيئا.

رفعت لمياء رأسها فحدقت بباسل فوجدته يبادلها النظر بنظرة جدية. فلمحت بعد ذلك أبهم مبتسما. عندها، ظهر وميض خفيف من عينيها جعل القشعريرة تصعد مع جسده. حدق أبهم في باسل بنظرات كما لو أنه يلومه على خداعه.

قال باسل: "نحن لا نعرف من هو هذا الخائن حتى الآن. لكن لا شك في أنه ذو نفوذ. قد يكون من الكبار الخمس ! "

نبض قلب لمياء بسرعة أكثر و فتحت عينيها مرة أخرى: "هذا... ! "

أكمل باسل: "هذا مجرد توقع مني. لا زلنا لا نعرف من هو. لكن لا شك في أنه شخص ارتفع نفوذه أكثر مما كان عليه قبل خمسين سنة. فإن كان هناك أي اتفاق بينه و بين عائلة كريمزون، لابد من أنه تلقى مكافأة ساعدته في الارتقاء. لكن هذا بحكم أن عائلة غرين وفت بوعدها له."

تكلمت لمياء بعدما فكرت لقليل من الوقت: "لا، ليس هناك أي شخص كهذا. لقد ظل الكبار الخمس هم نفسهم و لا زال نفوذهم هو نفسه من دون أي تغير. هناك العشرات من القبائل الأخرى. أنا لا أعلم عن وضعية كل واحدة منها. سوف أبحث في هذا الأمر أكثر."


ابتسم باسل عندها و قال: "لا، لا تحتاجين لفعل كل هذه الأمور المتعبة. أسهل طريقة لكشف الخائن هي منحه ما خان من أجله."

لم يفهم أبهم و لا لمياء المقصود من كلام باسل.

********************

هناك ثلاث قارات عظيمة في هذا العالم. قارة إمبراطوريتي الشعلة القرمزية و الأمواج الهائجة و التي تسمى بـ'القارة العظيمة'. و بشمالها الأقصى، تتواجد قارة إمبراطورية الرياح العاتية و التي تلقب بـ'القارة المتوسطة'. و أخيرا قارة الأصل و النهاية التي اتخذت غرب القارتين معا كموقع لها.

إضافة لهاته القارات الثلاث، كان هناك أرخبيل يطلق عليه أرخبيل البحر العميق. كان هذا الأرخبيل يتموضع بشرق القارة العظيمة و القارة المتوسطة. كان هذا الأرخبيل شاسعا للغاية و لم يكن من المبالغ وصفه بالقارة الرابعة الصغرى.

لكن بما أنه كان كله منطقة محظورة، لم يجعله الناس منطقة مأهولة و كان مثله مثل قارة الأصل و النهاية. و مع ذلك، هذا لم يمنع ذلك الشخص من اختيار هذا المكان كقاعدة لحلفه. بما أنه كان يأتي بشرق الإمبراطوريات الثلاث كلها، كان الموقع المثالي الذي يحتاجه. فإن أراد أن يهجم، لن يكون عندها سوى قارة الأصل و النهاية أمام الهاربين منه.

بقلب هذا الأرخبيل، كان هناك مقر حلف ظل الشيطان. كان الأرخبيل عبارة عن آلاف الجزر التي صنعت شكلا يشبه مثلثا شاسعا للغاية امتد لعشرات آلاف الأميال.


كانت حيتان قلب البحر العميق تقفز في الجو بأعداد كبيرة للغاية مكونة منظرا رهيبا. لم تكن هذه الحيتان لطيفة كباقي حيتان العالم. بل كانت شرسة جدا و تتحرك في مجموعات لصيد الوحوش السحرية من سواحل جزر أرخبيل البحر العميق. فبالرغم من أنها لم تكن وحوشا سحرية، إلى أنها كانت وحوشا طبيعية بإمكانها افتراس كل ما يقف في طريقها.

أسرع كائن غير سحري بالبحر هو خيل البحر الملكي. لكن عندما تأتي للتكلم حول أقواهم، لا يمكنك سوى الإقرار بهيمنة هذه الحيتان هائلة الحجم إذ يتراوح طولها بين الخمسين و المائة متر. و كانت تتنقل عبر المحيطات و البحار من أجل توسيع سيطرتها و حكمها.

هذه الوحوش الهائلة التي تعتبر من حكام البحر العميق، كانت في هذه الأثناء تنقل عشر سفن عملاقة. كانت الحيتان مربوطة بأختام سحرية تجعلها تنصاع للأقوى منها. كانت مربوطة بالسفن جارة إياها وراءها بسرعة كبيرة.

بتحرك الحيتان، تولدت أمواج بيضاء هائلة و فيضانات صغيرة. و وصل عددها لحوالي المائة. كل سفينة يجرها عشرة حيتان. و هكذا انطلقت هذه السفن التي تحمل جيشا عظيما وصل عدد جنوده لخمسين ألف متجهة نحو القارة المتوسطة التي تحكمها إمبراطورية الرياح العاتية.

حدق شخص ما يركب على إحدى السفن في الأفق و الشمس الغاربة التاركة وراءها قبل اختفائها لونا برتقاليا محمرا مكوِّنا شفقا لا مثيل له يجعل النفس مشوَّقة و مشتاقة لظهور الجرم السماوي مرة أخرى بالفجر و التمتع بسطوعه الذي سيكمل دوره في جعل النفس تشتاق للغروب مرة أخرى.

تكلم هذا الشخص بعد تنهيدة طويلة: "في ذلك اليوم، لقد أقسمت على اتباع سيدي باسل و قررت موالاته إلى مماتي. لقد غير حياتي كلها كما فعل لحياة الكثير من الأشخاص. سوف أنجز هذه المهمة مع تشكيلك يا سيدي على أتم وجه من دون فشل. لذا فلتطمئن فقط."

تنهد ناصر مرة أخرى تنهيدة طويلة. في هذه الأثناء، كان تورتش يقف بعيدا عنه و سمع ما قاله. ضحك في البداية على تصرف ناصر، لكن نظرته تحولت لتصبح جدية أكثر من أي وقت مضى بعدما رأى نظرة ناصر الوقورة و أحكم قبضته ثم شد عزيمته أكثر و غادر للطرف الآخر من السفينة ثم بدأ يتدبر بعدما شرب إكسير التقوية ممضيا الليالي القادمة على ذلك الحال.


حل الليل و هبت رياح مشؤومة من جهة أرخبيل البحر العميق. ركع شخص ما على ركبة واحدة ملقيا التحية عبر شبكه لقبضته بيده الأخرى قائلا: "سيدي سعير. لقد مرت مدة من الوقت، و لم تظهر أي علامات لمحاولة الإمبراطور شيرو في التوصل معنا. ما خطوتنا القادمة؟"

كان هذا الشخص هو واهج الذي اختطف الأميرة شيرايوكي. و كان يوجه كلامه لسيده أحد القدماء الكبار سعير. قطب سعير ثم قال: "سيدنا حلف ظل الشيطان وقع في غرام الأميرة المهقاء. لا يمكننا سوى التماشي مع الأمر. أما الإمبراطور شيرو، فأظن أنه سيقترض مساعدة المدعو باسل. لكن لا داع للقلق بهذا الشأن. لأنه في النهاية شيء متوقع.

خطفت الأميرة ليتم جذب ذلك الغر إلى هنا في المقام الأول و ليس الإمبراطور شيرو."

"لقد أخبرتنا ساحرة الليلة الحمراء عن قوته و مكانه الحاليين. في الواقع، كانت قوته صادمة على غير المتوقع. لكن لا داع للقلق. كل شيء سوف يتم هدمه من سيدنا هدام الضروس ظل الشيطان المختار من السادة العظماء و قائدنا للسيادة العظمى."

أحنى واهج رأسه و قال باحترام شديد: "كل العالم ملك لسيدنا العظيم ! "

في الزنزانة المظلمة، تكلم باسل موجها كلامه لأبهم: "بالمناسبة، شكرا على اعتنائك بي. أنا أكره أن أبقى بملابس قذرة كثيرا. و خصوصا تلك المتلطخة بالدم."

ابتسم أبهم ثم قال: "آه، لا بأس يا سيدي. المهم هو أنك بخير الآن."

ظهر على باسل وجها متذكرا لشيء ما فقال: "بما أنك قلت هذا، لاحظت أن جسدي و بحر روحي قد استخلصا بعض الأدوية و الأعشاب الطبية. هل يمكن أن لمياء هي من قامت بذلك؟"

أجاب أبهم: "لا، لم تقم بذلك بنفسها، فأنا رأيتها لأول مرة مثلك. لكنها أرسلت آسي القبيلة ليعالجك."

أزال باسل الملابس التي ألبسه أبهم و التي كانت عبارة عن جلباب أسود، ثم استبدله بملابس بيضاء، سترة بيضاء و سروالا بنفس اللون مع بعض الزخارف الذهبية على الأطراف.

حدق به أبهم مستغربا فقال باسل بعدما لاحظه: "آه، أنا أحب الأبيض. شكرا لك على كل حال."

كانت السلاسل التي تقيد باسل غير موجودة عليه بعد الآن، لكنه كان لا يزال بالزنزانة مع أبهم. قال هذا الأخير سائلا: "يا سيدي، ما الذي تنوي فعله إن لم تنجح خطتك؟"

قال باسل بعدما توجه إلى زاوية من الزنزانة و بدأ يتفحصها: "لا تقلق، غالبا ما يكون حدسي صحيحا. شخص بإمكانه التأثير على القبيلة بأكملها، أكيد سيكون من الكبار الخمس." و بما أن لمياء أخبرتهما بأن ليس هناك أي شخص ارتفعت مكانته قبل خمسين سنة أو على مدار السنين الأخيرة بشكل مفاجئ، كان باسل متأكدا بنسبة كبيرة أن عائلة غرين استغلت هذا الشخص فقط و لم توفي بوعدها له.


ضاقت عيني باسل محدقا بالنقوش التي تمتد عبر زوايا سقف الزنزانة، إنها زنزانة سحرية بلا شك، لكنه لاحظ بعض أنماط النقوش الأثرية. لم تكن كثيرة، و لا يمكن حتى تمييزها إن لم تدقق كثيرا. و مع ذلك، لم يكن ممكنا عدم ملاحظتها. كان هناك حوالي ثلاث أنماط أثرية من مئات سحرية.

تمتم باسل: "لا شك في أن شخصا ما اكتشف كنزا ما أو بطريقة ما حصل على بعض المعرفة حول النقوش الأثرية ليكون قادرا على نقشها هنا مع أنها ليست بتلك الاحترافية." هذا الأمر أثار اهتمام باسل قليلا.

كانت قبيلة حاكم الأرض واحدة من القبائل الخمس الكبرى و التي تشمل بعض العشائر. كانت عشيرة لمياء اسمها الغبراء المظلمة. كانت هي العشيرة صاحبة الزعامة على قبيلة حاكم الأرض لعدة أجيال متتابعة. لم يكن الزعيم يقرر بالنسب و إنما بالجدارة.

و كذلك هو حال القبائل الأربع الكبرى. لطالما تغيرت القبائل الخمس الكبرى عبر الأزمان. كلما كان زعيم القبيلة أكثر جدارة كلما كانت له فرصة أكبر في الغدو هو و قبيلته من الأوائل الخمس.

كان لباقي القبائل الأربع زعماء رجال، فكانت لمياء هي المرأة الوحيدة التي صنعت مكانة لها بينهم. لذا كان هناك الكثير من لا يعجبه الحال فحسد و احتقر قبيلة حاكم الأرض و خصوصا عشيرة الغبراء المظلمة جنبا إلى جنب مع كبيرة العشيرة لمياء.

كانت القبائل الأربع تدعى بالأسماء التالية: حاكم الجو، حاكم الرياح، حاكم المياه، حاكم النيران. تعتبر قبيلة حاكم الجو أقدم قبيلة بالخمس الأوائل. لذا كان نفوذها أكبر من البقية الأربع. استمرت في المحافظة على مكانتها لآلاف السنين. بعدها تأتي قبيلة حاكم الرياح التي أصبحت من الخمس الأوائل قبل خمسمائة سنة فقط و بجدارة. لم يتجرأ أي أحد على النظر لزعيمها بانحطاط. بعدها قبيلتا حاكم المياه و حاكم النيران، هاتان لم يكونا قديمتين و لا حديثتين. و لم يبرزا كثيرا مما جعل مركزهما مستهدفا في السنين الأخيرة.

خصوصا قبيلة حاكم النيران، بدأ البعض يتوقع سقوطها من مركزها بسبب عدم ظهور أي مواهب راقية في السنوات الأخيرة. و زعيمها الحالي قد بلغ المائة بالفعل و لم يتبقى له الكثير. عندها، سوف تتنحى من المنصب بكل تأكيد.

بعدما أخبرت لمياء باسل بهذه الأشياء، وقع ظنه على قبيلة حاكم النيران بما أنها الأكثر عرضة للإغراء. لكنه لم يضع كل هذا في عقله. قد تكون معرضة للإغراء أكثر، لكن هذا لا يعني أنها بالضرورة الخائنة. المظاهر خداعة. و قد لا يكون كل ما تراه عيناك حقيقة. فالعالم مليء بالكثير من الأشياء الواهمة.

لم يكن لباسل أي خطة مستعصية، ففي الحقيقة، خطته كانت بسيطة جدا لدرجة انصدام أبهم و لمياء عند سماعها.

انعزلت القبائل عن العالم لمدة طويلة للغاية. و لم يكن هذا الانعزال بسيطا. بعد انتهاء الحرب. قطعت كل مواصلاتها حتى مع إمبراطورية الأمواج الهائجة التي كانت بالطرف الآخر من الوكر. فوكر قبائل الوحش النائم و السلاسل الجبلية الحلزونية كانا عبارة عن جزء من الحدود التي تفصل إمبراطورية الشعلة القرمزية عن إمبراطورية الأمواج الهائجة.


عندما كان باسل يدقق في زوايا الزنزانة، اعتلته ابتسامة مستمتعة جعلت أبهم يسأل: "بالمناسبة، ما الذي تفعله يا سيدي؟"

التفت باسل ثم قال: "آه، إنني..."

فجأة، توهج خاتم تخاطر باسل قليلا كما أحس بطنين خفيف غير مزعج بعقله. تلقى اتصالا جعله يتوقف عن الكلام ليجيب. و بعد التكلم لقليل من الوقت قال: "أنا أيضا أيها المعلم. و سوف آتي بعد قليل من الوقت." ثم انقطع الاتصال بعدها فعبس باسل قليلا و ضاقت عينيه قبل أن يحدق في أبهم الذي لم يعلم ما الذي حدث لباسل بما أن هذا الأخير كان يتكلم عبر خاتم التخاطر و لم تُسمَع المحادثة التي جرت بينه و بين الطرف الآخر.

قال باسل: "يجب أن أغادر يا أبهم."

صنع أبهم وجها غافلا فقال: "ها؟ تغادر؟ ما الذي تقصده يا سيدي؟"

أخرج باسل بعض أحجار الأصل من مستوى مرتفع و منخفض. أخرج الكثير منها بمختلف مستوياتها حتى جمع قدرا معينا. عندها أظهر مسحوق أحجار الأصل و الذي كان بنصف كمية أحجار الأصل التي أخرجها تقريبا ثم بعد ذلك فرن و بعض الأعشاب. بدأ باسل في صنع الإكسيرات مما جعل أبهم يتفاجأ.

بعد مدة معينة، حاوالي الأربع ساعات، وقف باسل أخيرا على قدميه بعدما كنت يديه مدهونتين بطلاء غريب متوهج، تألق هذا السطوع بلون أزرق فاتح أقرب للأبيض باعثا هالة تشبه تلك التي تنتج عن التقاء هالتي ساحر بهالة وحش سحري. صنع باسل هذا المدهون جنبا إلى جنب مع الإكسيرات.

حدق أبهم في باسل غير مدرك لما يفعله. أما باسل، فذهب للنقوش المرسومة على طول الزنزانة و بدأ يعدل عليها بطاقته السحرية الخالصة و المدهون الغريب على يديه. بدا كما لو أنه يفك أحجية ما و كانت نظراته مستمتعة بالرغم من عدم ابتسامته بسبب انشغال باله بشيء آخر.

توهجت النقوش بسقف الزنزانة و بزواياها واحدة تلو الأخرى و في كل مرة ينجح فيها باسل بفك نمط منها يتصل الوهج بالنمط الآخر لينتقل له باسل. كان هذا الأخير سريعا للغاية في عمله و قام بفك العشرات من أنماط النقوش السحرية بسرعة كبيرة تاركا أبهم غير مدرك كيفية قيامه بذلك.

تذكر عندها أبهم تدقيق باسل سابقا في النقوش، فهم أنه كان يدرسها في تلك اللحظة.


في الواقع، لم يكن باسل يدرسها من أجل فكها، و إنما لأنه كان يتمتع بهذا فقط. لكن بعد الاتصال الذي أتى من معلمه، قرر فكها ليغادر.

واصل باسل فك النقوش السحرية حتى وصل أخيرا لأول نقش أثري. لم يكن هذا النقش الأثري أو الآخران صعب على باسل فكهم. لكنهم أخذوا من وقته أكثر من الذي أخذه بفك النقوش السحرية من دون شك. لو كانت هذه النقوش الأثرية تحتوي على أنماط معقدة كثيرا لأخذت من باسل وقتا طويلا. فحتى هو مجرد مبتدئ فيما يتعلق بالنقوش الأثرية، و يجب عليه دراستها لمدة طويلة قبل يكون باستطاعته فكها.

توهجت زوايا الزنزانة و سقفها ثم مر السطوع المشع حتى وصل لبوابة الزنزانة فبدأت النقوش التي عليها تتوهج هي الأخرى و تتحرك في اتجاهات مختلفة ملتقية ببعضها البعض صانعة مسارا للوهج حتى يبلغ وجهته.

وصل الوهج أخيرا للختم الموجود على بوابة الزنزانة فسُمِع كسر صغير جاعلا الوهج يختفي من الزنزانة بأكملها معلنا بذلك انفتاحها.

حدق أبهم بغرابة في باسل الذي أخرج حوالي خمسة عشر قنينة. كانت هذه القنينات تحتوي على الإكسيرات التي صنعها. قال باسل: "لقد صنعت هذه القنينات لتعطيها لرؤساء القبائل بعدما تنجح الخطة."

استغرب أبهم ثم قال: "بعد نجاح الخطة؟ لكنك قلت أنك مغادر ! "

قال باسل: "بالطبع أنا كذلك. لذا سوف أترك الأمر بيديك." ابتسم باسل ابتسامة جعلت جسد أبهم تصعد معه القشعريرة ثم أكمل: "أنا أعتمد عليك ! "

كان صنع الإكسيرات و فك الختم عملا متعبا نوعا ما، فهي تستهلك الطاقة السحرية الخالصة و التي تنتج عبر تحويل الساحر طاقة عنصره السحري لطاقة سحرية خالصة. هذا الأمر يكون متعبا لوحده، و بعد إضافة استخدامها في صنع الإكسيرات و فك النقوش السحرية و الأثرية، يصبح الأمر أكثر إرهاقا لبحر الروح و الجسد معا. لذا تنفس باسل ببطء محاولا استجماع أنفاسه قبل أن يقرر الإقلاع.

في ذلك الوقت، حدق به أبهم بينما يقول بنظرة مرتعبة: "ما الذي سأفعله مع السيدة لمياء بعدما تعرف ما حدث؟"

تكلم باسل مع تلك البتسامة مرة أخرى: "هذا الأمر عائد لك، أوَ لست تميل لها؟"


"ها؟" صرخ أبهم من دون أن يشعر و قال: "ما الذي تقوله يا سيدي؟" تمتم مكملا: "كيف لي أن أحب تلك المرأة الشرسة؟ لن أنام بالليل مرتاحا لو كانت بجانبي ! "

ضحك باسل و قال: "لم يبدو لي هذا. المهم، أنا ذاهب." وقف باسل و استعد للانطلاق.

قال أبهم عندها: "ماذا لو فشل الأمر يا سيدي؟"

أجاب باسل مبتسما غير ناظر ناحية أبهم: "لن يحدث هذا. فلم آتي بك إلى هنا من فراغ. أنا أعرف أنك ممثل جيد. لا تحاول التهرب."

"أه ! " أخرج أبهم هذا الصوت الغريب كما لو أنه أدرك شيئا و قال: "هل يمكن أنك أتيت بي إلى هنا من أجل هذا الغرض فقط؟"

ابتسم باسل ثم قال: "و لم تظنني سوف أختار مرافقة شخص ما برحلة على أن آخذها لوحدي؟"

بقوله ذلك خرج باسل من الزنزانة بعدما تنفس لمدة ثم دار لليمين و أشعل نارا ليضيء المكان قليلا، فإذا به يجد أن هناك زنزانات أخرى لكنها فارغة. و في نهاية الطريق أمامه يوجد ضوء معلنا بأن ذلك هو المخرج.

تموضعت قدم باسل على الأرض ثم اختفت في غمضة عين مخلفة وراءها حفرة أعرض من تلك التي صنعتها لمياء بلكمتها لكن بعمق أقل. و في لحظة كان باسل قد اختفى من أمام ناظر أبهم الذي بقي صانعا وجها غريبا بسبب عدم تجاوبه مع الأحداث التي وقعت بسرعة. قال أبهم: "إلى أين هو ذاهب يا ترى؟ هل هو أمر أهم من هذا."

انطلق باسل بسرعة كبيرة مستخدما الفن القتالي الأثري فقاد الرياح ثم ركبها حتى واكبها. وصل لنهاية الممر في لحظة و خرج ليجد نفسه في الهواء. و عندما التفت وجد أنه كان بداخل كهف بجبل، و ليس ذلك هو الكهف الوحيد الموجود، كانت هناك كهوف عدة على طول الجبل. ففهم باسل من ذلك أنها سجن قبائل الوحش النائم.

كان هناك حارسان يقفان عند نهاية الممر المؤدي للزنزانة، كان يرتدي كل واحد منهما قناعا على شكل جمجمة حيوان مع ارتدائهما ملابس بالأسفل فقط إضافة لوجود بعض الوشوم على جسديهما. و عندما خرج باسل، لم يستطيعا رؤيته حتى أصبح طافيا في الهواء. فصرخا: "أيها... إلى أين أنت..."


بووم

انفجرت النار من جهة باسل مما جعل صوت الاثنين غير مسموع. بعدها، لم يعد هناك باسل أمامهما و اختفى كليا.

"بلغ الزعيمة، إن هذا أمر طارئ."

كان أبهم يجلس في الزنزانة متربعا متدبرا حتى أتت لمياء ثم وقفت أمامه. فتح أبهم عينيه و قال بابتسامة مسترخية كما لو أنه لم يحدث شيئا مع رفعه ليده تجاه لمياء: "أهلا... ! "

ومض ضوء قارس من عيني لمياء، و مع ذلك حافظ أبهم على ابتسامته تلك. لكنه في الحقيقة لم يحافظ عليها لأنه أراد، بل لأنه تجمد في مكانه و بدأ يتعرق.

"أين ذهب؟" تكلمت لمياء بغضب: "عندما استطعت إقناع الكبار بجهد كبير يختفي؟ كيف لنا أن نكمل الخطة الآن؟ هل قمتُ بخطأ جسيم؟ ألم يكن يجب علي الثقة بخارجي بعد كل شيء سواء أكان يبدو مخلصا أم لا؟ أه ! أجبني، و بناء على إجابتك، سأحدد ما سأفعل."

كانت نظرة أبهم مرتعدة قليلا في الأول، لكن بسماعه لأسئلة لمياء، أصبح يعتليه تعبيرا جديا و اختفى العرق من على جبهته كما لو أنه تبخر فقال بعينين ثابتتين: "لن يخلف سيدي وعدا قطعه. أوَ ليست تلك صفات الخائن؟ لقد قال أنه سينفذ الخطة، لكن لم يكن بالضرورة أن يقوم بها بيده. هناك أشياء في هذا العالم أهم بكثير حاليا، و إن لم يتم الاعتناء بها، فلا يعلم أحد ما المصائب التي قد تأتي وراءها."

حدقت لمياء بأبهم بنظرة غير متزحزحة كما لو أنها تحاول النظر عبره. أما أبهم، فكانت عيناه ثابتين أكثر من أي وقت مضى. قال بصوت عازم: "لو لم يكن الأمر مهما، لما غادر. و أظن أنك تعلمين كل هذا بعدما شرح لك ما فعله طيلة العام الماضي. لا تشككي مرة أخرى في قرارات سيدي."

لا زالت نظرات لمياء تخترق أبهم. و لا زال هذا الأخير يواجه نظراتها تلك من دون زعزعة أو تردد. عندما أحست لمياء بعزيمته، و حزمه، لم يكن بيدها خيار آخر سوى التعجب و التفكير في... هل هذا الفتى هو نفسه ذاك؟ كادت لا تصدق هذا التحول الذي حدث له بسرعة كبيرة.

ابتسمت لمياء لسبب ما ابتسامة خفيفة قبل أن تختفي مرة أخرى. ضربت بعصاها على الأرض فجعلتها تهتز قليلا كما لو أن طنا نزل على الأرض و ليس ضربة خفيفة منها، ثم قالت: "سأثق. سأثق في تينك العينين الخاصتين بك. لا تخذلني ! "

"بالطبع." قالها أبهم بنفس النظرات.

سألت لمياء مرة أخرى: "إذا، هل أنت الذي ستكون ركيزة الخطة؟"


ابتسم أبهم و أجاب: "و من غيري؟"

حدقت به لمياء بعينين متألقتين بسطوع أحمر كاحمرار الشفق قبل أن تلتفت مغادرة قائلة: "الاجتماع غدا فجرا. سيأتي تابع لعشيرتي لينقلك. فلتستعد جيدا."

غادر الجميع فبقي أبهم لوحده و كان لا يزال صانعا تلك النظرات الثابتة قبل أن يرتخي جسده الجالس منتصبا أخيرا مصحوبا بتنهد طويل و تنفس صعداء منعش، قال بعد ذلك: "آه ! لقد كان هذا متعبا ! "

في الوقت نفسه، كان باسل قد عبر عشرات الأميال بالفعل مخترقا المئات بالغا الآلاف. تحرك بسرعة جنونية دون توقف فكان يترك وراءه زوابع صغيرة قاطعة كما كانت كل خطوة يقوم بها تجعله يقطع عشرات الأمتار في لحظة.

حتى أنه دخل لبعض المناطق المحظورة و جعل من بعض الوحوش السحرية قطعا من اللحم بتحركه السريع للغاية. كان فنه القتالي الأثري قد تطور مرة أخرى بعد المعركة التي خاضها ضد فضيلة كرم. كان قد استخدمه في محاولته السيطرة على القطعة الأرضية مما جعل التعاويذ الروحية الذهنية تنضج أكثر. كما أنها استمدت بعضا من الطاقة الروحية التي تبقت من الهجوم الذي قام به سابقا مما جعل فنه القتالي الأثري يتطور أكثر.

كان بإمكانه جعل عشرات الأشجار تتحول لقطع خشبية فقط بمجرد عبوره الشرس منها. كان هذا فن قتالي أثري علمه إياه إدريس الحكيم. و لم يستطع باسل منع نفسه من الشعور بالحماس من الالتقاء بمعلمه مرة أخرى بعد مدة طويلة. بالأخص، ليريه التطورات التي حدثت له و المستوى الذي وصل له.

كان باسل يتصرف بشكل مختلف كليا بجانب معلمه. كونه يعلم الكثير، لم يثر اهتمام باسل أي شيء في هذا العالم غير المناطق المحظورة أو الأشياء التي يراها لأول مرة. لكن حتى هذا الحماس الذي يكون يشتعل بداخله يختفي بعد التجربة لمرة أو مرات.

لكن، بجانب معلمه، كان يشعر بأنه مجرد جاهل، مجرد ضفدع في بئر لا يعلم اتساع الأرض و السماء. و هذا الشعور كان يجعله دائما في قمة الحماس، لأنه يمنحه إحساسا بوجود أشياء عظيمة أخرى لا يعلم عنها شيئا. أشياء أخرى تثير اهتمامه و فضوله لأقصى الحدود. لذا قطع باسل مئات آلاف الأميال جريا مستخدما الفن التقالي الأثري خطوات الرياح الخفيفة الذي تعلمه من معلمه أكثر شخص ليس من دمه يحترمه و يقدره.


واصل باسل المسير بنظرة منتعشة على وجهه.

بذلك الوقت، بعاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية، تكلم الكبير أكاغي: "لقد حان الوقت، اليوم هو اليوم الموعود. من المؤسف أن لا يكون ناصر موجودا بيننا. لكنه أراد القتال لحليفنا و لا مفر."

كان الكبير أكاغي يجلس على عرشه و بالجانب شيوخ عائلة كريمزون. قال مكملا: "الآن بعدما انتهينا من كل الطلبات المزعجة. سنظهر للعالم الأسلحة الأثرية. نادوا لي الكيميائيين الثلاثة و الجد سميث."

بعد قليل، أتى أربعة أشخاص فدخلوا و ركعوا على ركبة واحدة ملقين التحية: "نلقي التحية للإمبراطور العظيم. نحن خدمك تحت إمرتك. مرنا نطيع."

تكلم الكبير أكاغي: "ارتخوا، لقد قمتم بدور جيد أنتم الكيميائيين الثلاثة في المرة السابقة بحضور الإمبراطور شيرو و رؤساء العائلات الآخرين. لقد كان ذلك هو اليوم نفسه الذي ترقى فيه معلمكم ليصبح جنرال أعلى. حاليا، سنشرع في بيع الأسلحة الأثرية المتاحة."

مع أن الكبير أكاغي أخبرهم بالارتخاء، لم يفعل الكيميائيون الثلاثة و الجد سميث. بدلا من ذلك، حافظوا على وضعيتهم احتراما. و عندما سمعوا الخبر من فم الكبير أكاغي، رفعوا رؤوسهم التي كانوا يوجهونها للأسفل متفاجئين قائلين: "حاضر يا جلالتك ! "

كان هؤلاء الكيميائيون الثلاثة هم الكيميائيون الذين التقى بهم باسل عندما تحالف مع عائلة كريمزون، و الحال نفسه مع الجد سميث حداد العائلة و المشرف على ورشات العمل الخاصة بالأسلحة.

بلغ الكيميائيون الثلاثة المستوى السادس بالفعل و أصبح بإمكانهم إنتاج إكسيرات بفعالية جيدة. و كذلك الجد سميث، تعلم ما أمكنه من باسل حول النقوش الأثرية. و الباقي لوحده عبر كتاب إرشاد منحه باسل له و أخبره بدراسته كما فعل مع الكيميائيين الثلاث بمنحهم وصفات الإكسيرات عندما كان يعلمهم.

قال الكبير أكاغي بصوت مرتفع: "غدا فجرا سينطلق السوق. لن نكون نحتكر السلعة هذه المرة أيضا. بل ستبيع العائلات الكبرى الأخرى ما نبيع أيضا. لذا، ستكون منافسة."


"حاضر ! " قالها الأربعة بحزم.

تمت مشاركة وصفات الإكسيرات و كتب إرشادات الأسلحة الأثرية مع العائلات الكبرى. كان هذا من أجل التسريع من نمو قوة الإمبراطورية بشكل سريع للغاية. لكن بالطبع كان هناك نسبة أرباح تعود لعائلة كريمزون و باسل من الأرباح التي تجنيها العائلات الكبرى مقابل الوصفات و الإرشادات.

كانت هذه الوصفات مجرد نسخ بالطبع كما هو الحال بالنسبة لكتب الإرشادات. فكتابيْ الوصفات و الإرشادات الأصليين مع باسل. و هذان الكتابان أعطاهما له معلمه لدراستهما. لا زال باسل حتى الآن يدرسهما. فهو فهم و أتقن حوالي العشرين بالمائة من كتاب الإرشادات فقط. و أكثر من ثمانين بالمائة من كتاب الوصفات.

كانت النسخ التي أعطاها باسل للعائلات الكبرى لا تقدر بثمن بالنسبة لهن. لكن هذه الكتب مجرد بداية البدايات بالكيمياء و الحدادة، إضافة لفن النقش الأثري و الروحي.

منحهم باسل نسخة من كتاب فنون قتالية أثرية أيضا. بالطبع هاته النسخ كانت مصنوعة من طرف باسل. لذا نسخ ما فهمه فقط. أما ما لم يفهمه حتى الآن، لم ينقله بالطبع لعدم استطاعته ذلك. فكتاب الفنون القتالية الأثرية عميق للغاية حتى بالنسبة له. و لم يدرك سوى فرع صغير جدا أي غصن أول فقط منه. حتى أن هذا الغصن لا زال صغيرا جدا. لذا كل ما مرره باسل لهم كان مجرد جزء صغير للغاية فقط.

كانت كتب الوصفات و الإرشادات مجرد كتب لها قيمة مادية في العوالم الروحية. كما كانت كتب الفنون القتالية لها قيمة أكثر. لذا لم تكن نادرة لتلك الدرجة. ما كان نادرا حقا هو الشيء الذي كان يجعل لعاب خبراء من نطاقات عالية للغاية يسيل.

كل هذه الكتب كانت مجرد قطع ورقية لا فائدة منها بعدما كانوا قد بلغوا نطاقات خيالية. ما أثار اهتماماتهم كان كتب الفنون القتالية الروحية التي تجعلهم سحرة روحيون ذوي اسم ثاقب. و أكثر من ذلك، كتب الفنون السامية الأربعة عشر التي تعتبر أحد أعتق الكنوز على الإطلاق. و لا يكاد يكون سوى القليل من الشخصيات العظيمة التي طورت فنا ساميا أو بلغته.

على الأغلب، كان هناك من يتقن فنا روحيا و يطوره حتى يصنع فنا ساميا خاصا به. و بقيت الفنون السامية الأربعة عشر بعيدة عن متناول أيديهم.


أغلب الشخصيات العظيمة التي جعلت اسمها غير متزحزح في التاريخ بإتقانها لفن سامي لم يتعدى عددها عدد أصابع اليدين. لكن أغلبهم لم يتقن فنا ساميا من كتاب فن سامي. و إنما من خلال تطويره لفنه الروحي الخاص حتى كان قادرا على جعله فنا ساميا.

كانت الكتب الأثرية و الروحية و السامية شيئا يجعل على التوالي السحرة و السحرة الروحيين و المخلوقات الجبارة يتعاركون عليه و يسفكون الدماء من أجله. كانت تلك الكتب تختلف فيما بينها و كان هناك الأفضل من الآخر. لذا تمت صراعات ضخمة للغاية اخترق صداها العوالم و حرك مختلف الأجناس و الأعراق لتتقاتل عليه.

ببساطة، كانت كل كتب الفنون بكل درجاتها سببا في الصراعات الهائلة التي تحدث بين مختلف القوى بأعلاها و أدناها. و لم يكن من المبالغ قول أن تلك الكتب، خصوصا الأعظم و الأندر منها، هي السبب في نشوب الحروب بين أجناس و أعراق كانوا متحالفين فيما بينهم لعشرات آلاف السنين.

كانت هناك قولة معروفة تتخلل العوالم الروحية. الحليف حليف بلا كتاب فنون، و عدو بامتلاكه.

بالطبع لم يكن الكل له نفس الأفكار. لكن ليس فقط لأن الطرف الأول صالح سيكون بالضرورة الثاني كذلك.

اليوم، بغروب الشمس، و مع انطلاق باسل من الصباح من دون توقف، وصل أخيرا لسلاسل الجبال الحلزونية. كان مرهقا جدا. لم يستعمل الفن القتالي طوال الوقت لعدم إمكانية ذلك. فهو يستهلك الطاقة السحرية و يحولها لأحكام عظيمة تتمثل في التعاويذ الذهنية الروحية. لذا كان متعبا للغاية عندما وضع قدمه داخل ثالث أكبر منطقة محظورة في العالم. و بمجرد ما أن فعل، حتى انقض عليه قرد أزرق ضخم.

عبس باسل ثم أحكم قبضته فأحاطت به هالة ضاغطة للغاية كما لو أنها أحكام تحاول تطبيق قوتها على الطبيعة و الوجود. تحركت قدمه فاختفت من مكانها في لحظة كما فعل جسده ليظهر أمام القرد الأزرق الضخم ثم ضربه بقبضته المحكمة بمنتصف جسده فأصبح القرد الأزرق الضخم فتاتا في لحظة واحدة و سقط منه حجر أصل صغير جعل باسل يستغرب. فهذا الوحش السحري هو من نفس النوع الذي كان منه شريكه الأول في التدريب. و في ذلك الوقت، لم يكن وحشا سحريا.

في تلك اللحظة، انبثق صوت من خلف باسل: "هذا يذكرني بقتالك الأول ضد وحش من منطقة محظورة. مرحبا أيها الفتى باسل."


التفت باسل ثم شبك قبضته و قال: "التحية للمعلم العظيم. لقد وصل تلميذك. اعذره على تأخره."

ابتسم المعلم ثم قال: "حسنا، لما لا تتبعني." تحرك إدريس الحكيم فتبعه باسل ليكمل: "يبدو أنك أتقنت الفن القتالي الأثري."

ابتسم باسل ثم قال: "نعم. لكنه ليس كافيا على الإطلاق. فبعد كل شيء، لم يكن بإمكاني الشعور بتواجدك على الإطلاق حتى و أنا أستعمله."

"هوهوهو ! " ضحك المعلم ثم قال: "أمامك ألف سنة."

ابتسم باسل ثم شعر بالفرح حقا. هو الشخص الذي يفضل الوحدة على المرافقة، كان يفضل مرافقة معلمه على البقاء وحيدا. و عندما سمع كلام معلمه، شعر بالحماس مرة أخرى.

بعد الدخول عميقا في السلاسل الجبلية الحلزونية و القبول على الليل، بدأ باسل يتكلم مع معلمه أثناء المسير: "أيها المعلم، قلت أنك اكتشفت السبب في امتلاكي لطاقة روحية. أيمكنك إخباري به؟"

كان يتحرك الاثنان بخفة كبيرة للغاية بينما يتوغلان للداخل أكثر. و عندما سمع إدريس الحكيم سؤال تلميذه، عبس قليلا ثم قال: "لقد حدثتني عن المخطوطات الروحية التي وجدتها. في الأول، عندما لم يكن هذا بعلمي، فلم أستطع التفكير في أي سبب. لكن، بعدما علمت عن المخطوطات، كل ما كان علي فعله هو استخدام القليل من المجهود و سأكون مستنتجا السبب."

ابتسم باسل متحمسا و أكمل أسئلته: "إنك حقا لمدهش أيها المعلم. كانت لدي شكوك فقط. و حتى أن هذه الشكوك تولدت من سيطرتي مؤقتا على القطعة الروحية، لكن من كان يظن أنك..."

توقف المعلم فجأة بمكانه جاعلا باسل يتوقف عن الكلام سائلا إياه: "ماذا هناك أيها المعلم؟"

"سيطرت على القطعة الأرضية؟" سأله إدريس الحكيم بنظرات مندهشة للغاية. كما لو أنه لا يصدق ما قاله باسل.


لم يفهم باسل ما الذي يقصده المعلم حتى الآن فأجاب مستغربا: "نعم. عندما كنت أقاتل العدو، دخلت لبحر روحي و استطعت إتقان السيطرة عليها. لقد فهمت فيما بعد أنها متصلة بإرادة بحر روحي و الذي بدوره متصل بإرادتي الخاصة. و لم يكن علي القيام بأي شيء سوى إيصال نقط الأصل الخاصة بي و إرادتي بالقطعة الأرضية نفسها و من ثم بإرادة بحر روحي لأكون قادرا على استخدام جزء من قوتها."

بقي إدريس الحكيم متجمدا بمكانه قبل أن يقول: "قلت أنك تعرف السبب أيها الفتى باسل. أخبرني ما تعلمه."

لا زال باسل لا يعلم عن الشيء الذي يجعل معلمه يتصرف هكذا، لكنه أجاب بالرغم من ذلك: "أظن أن المخطوطات الروحية كانت قادرة على إقراضي بعضا من الطاقة الروحية أو شيئا ما كهذا. ليس لدي علم عميق بالطاقة الروحية، لذا كل ما كان بإمكاني تخمينه هو أن السبب في امتلاكي طاقة روحية هو المخطوطات الروحية. فهي الشيء الوحيد الذي زاد بي قبل قتالي للعدو قبل ثلاثة أشهر. و هي روحية بعد كل شيء."

"أيها الفتى باسل..." تكلم إدريس الحكيم بنبرة حادة: "لا شك في أن المخطوطات الروحية هي السبب في امتلاكك للطاقة الروحية. لكن السبب أعمق مما تعتقده بكثير."

تعجب باسل. ماذا يمكن أن يكون السبب بالضبط؟

اعتلى وجه إدريس الحكيم تعبيرا قاسيا قبل أن يقول: "يبدو أنني تأخرت. فعلى ما يبدو، لقد أتممت الاتصال كليا بالمخطوطات الروحية. كنت أنوي استخدام بعض الطرق و الأساليب السيادية لفصل علاقتك بها نهائيا، لكن يبدو أن هذا لم يعد ممكنا."

لا زال باسل مستغربا غير فاهم لما يتحدث عنه إدريس الحكيم. تكلم هذا الأخير مكملا: "أيها الفتى باسل، ما جعلك تمتلك طاقة روحية هو بلا شك المخطوطات الروحية. لكن كيفية حدوث هذا هو الأهم. بعدما التقطت هذه المخطوطات الروحية و بقيت عندك لمدة طويلة، حتى أنك قاتلت و هي معك، اتصلت إرادتها و نية مالكها بإرادة بحر روحك. بسبب التحديات التي واجهها بحر روحك في آخر مرة، تفعّل الاتصال بين بحر روحك و هذه المخطوطات السحرية."


"الاتصال هو القطعة الروحية نفسها. القطعة الروحية من نطاق الأرض الواسعة. لكني كنت قادرا على الفهم بأن أي مخطوطة قادرة على صنع اتصال بإرادة بحر روح شخص آخر بإرادة و نية سيدها فقط فضلا عن إجبارها هذا الاتصال من دون موافقة الطرف الآخر حتى لو كان بمستويات الربط فقط، فلا شك أنها تعود لشخصية عظيمة للغاية."

لا زال باسل غير مستوعب للكثير من الأمور حتى الآن لكنه يواكب. أكمل إدريس الحكيم: "بما أنها تعود لشخصية عظيمة، فلا شك أنها تحمل قوة لا تقهر بها. مما يعني أنها قادرة على منحك قوة أكبر من التي تأتي من نطاق الأرض الواسعة فقط. لكن يبدو أن إرادتها و نيتها قد قامت بالحسابات جيدا. فمما رأيت في المرة السابقة التي عالجتك بها، لاحظت أن الطاقة الروحية التي بجسدك هي أقصى حد يمكن لبحر روحك تحمله في تلك اللحظة. قل لي، يجب أن تكون قد لاحظت نموا و لو كان طفيفا بالقطعة الأرضية."

عندها، تذكر باسل اللحظة التي دخل بها لبحر روحه و لاحظ نمو القطعة الروحية بسنتمتر من جميع الجهات. صدم تماما من معرفة معلمه بهذا أيضا فسأل مسرعا: "كيف أيها المعلم؟ كيف لك أن تعرف هذا؟"

ظل إدريس الحكيم محافظا على عبوسه قائلا: "لقد قلت لك. إن المخطوطات الروحية بإمكانها منحك طاقة روحية أكثر بكثير، لكنها لا تفعل لأن هذا سيحطم بحر روحك. لكن، ألا تنمو أنت و بحر روحك أيضا؟"

تفاجأ باسل و فهم. قال عندها: "هكذا إذا، كلما ازداد مستواي ازدادت الطاقة الروحية التي تمدني بها المخطوطات الروحية."

قطب إدريس الحكيم أكثر ثم قال: "هذا صحيح. لا زلت لا أعرف السبب بالضبط لما اختارتك هذه المخطوطات الروحية، لكني لا أستشعر شيئا جيدا."

لاحظ باسل عبوس معلمه المستمر فسأل: "ما الخطر أيها المعلم؟"

"هناك بعض الوسائل لتغيير الأجساد، يتم هذا بالاستبدال الروحي، أو الاستيلاء الروحي، أو بيع الروح. هذا الأسلوب الأخير سبق و أن شرحته لك لأنه يتضمن وهب الروح مقابل الحصول على شيء، لكنه لا يشمل هذا فقط، بل أيضا يستطيع الشخص السيد الاستحواذ على جسد الخاضع."

تغيرت تعابير باسل قليلا. فهو فهم ما يحاول معلمه قوله. بمعنى آخر، هناك من يحاول الاستيلاء على جسده الخاص.

أكمل المعلم: "لكنه يستخدم الاتصال الروحي و الذي يجعل روحين متصلتين ببعضهما البعض. لكني لم أسمع أبدا عن جعل هذا الأسلوب كوسيلة لتمرير الطاقة الروحية و الاستيلاء بها على جسد شخص آخر. لقد أتممت الاتصال كليا عندما استخدمت المخطوطات آخر مرة. قلت أنك ربطت إرادتك بالقطعة الأرضية و من ثم بإرادة بحر روحك. هذا خطير حقا."

أحكم إدريس الحكيم قبضته ثم ظهرت القليل من نية قتله التي جعلت الوحوش السحرية في السلاسل الجبلية الحلزونية بأكملها تهتز من الجزع و الفزع هاربة عائدة لأوكارها. كانت نية القتل هذه مستبدة للغاية و جعلت باسل الذي أمامها يمر بوقت عصيب.

تحركت الأشجار ذهابا و إيابا بسبب هالة تسببها أحكام جبارة قاهرة تجعل النفس تفزع كثيرا. في الوقت نفسه، ظهرت ثلاث كرات بضوء أزرق فاتح أقرب للأبيض فوق رأس إدريس الحكيم فجعلت الجو أثقل و صعب التنفس به، و بدت كأنها تحمل بداخلها كواكبا و نجوما و مجرات.

التفّ حول هذه الكرات الثلاث حروف رونية جاعلة من كل شيء مرئي و واضح لها، و كل شيء مخفي و غامض بها. و بدت كما لو أنها تحمل معرفة شاملة و لغزا عظيما حول ما يقع و يقبع بتلك الكواكب و النجوم و المجرات. كأنها تحوم حول تلك الكرات الثلاث و تحللها جاعلة من كل شيء تحت حكمتها التي تستطيع قراءة جميع الأوضاع و الرؤية عبر كل شيء بتلك الكرات الثلاث.

دارت الكرات الثلاث حول رأس إدريس الحكيم بسرعة مجنونة كما فعلت الحروف الرونية حول الكرات و صنعن جوا خانقا و مهيمنا كما لو أن العوالم بأكملها تحاول الانبثاق في هذا العالم. كان شعورا غريبا للغاية و لا يمكن وصفه.


سقط باسل على الأرض من شدة الضغط فتكلم إدريس الحكيم بعدها بصوت غير مألوف لباسل أبدا. كان صوته عميقا للغاية و حادا كثيرا و لم يكن كصوت عجوز كما كان من قبل، كما كان يحدق بباسل لكنه حدق عبره: "تتجرأ على لمس طالبي؟ أنا إدريس الحكيم، مالك الحكمة السيادية، أتعهد بفصلك عن تلميذي و ابني بالتعليم طالما أنا حي. لا تظن أنك ستنجح و أنا موجود هنا. و إن فعلتَ، فلتكن اللعنة علي."

حدق إدريس الحكيم بباسل أخيرا قائلا: "حالة الصفاء الذهني و الروحي أيها الفتى باسل. سنقوم بالاتصال الروحي نحن الاثنين. هذا لا يفلح إلا بين أشخاص امتلكوا روحا كاملة مكتملة و طاقة روحية. لكن أنت حالة خاصة. لدى بحر روحك إرادة و لديك طاقة روحية حتى لو لم تكن خاصة بك فعليا. لكني سأحاول. فأنا أيضا لست بذلك الشخص العادي."

شعر باسل فجأة بالراحة و اختفى الضغط الذي كان حوله، لكنه كان لا يزال بالأرجاء. جلس متربعا و دخل لبحر الروح متدبرا متعمقا بحالة الصفاء الذهني و الروحي.

دارت الكرات الثلاث بشكل أسرع فأسرعت الحروف الرونية المحيطة بها من دورانها أكثر و نشُطت طاقة إدريس الحكيم الروحية كما انبثق من صدره تعاويذ ذهنية روحية و جعل كل هذا الجو المحيط بباسل أثقل.

تكلم إدريس الحكيم عندها: "لا أعلم من الشخص الذي يتجرأ على الاتصال بطالبي روحيا من دون إذني، لكن هذا لا يهم، لأنه سيتلقى عقابا من حكيم الفنون السامي السيادي. لم أشعر بغضب كهذا لمدة طويلة. حتى لو لم أستطع فصل اتصالك كليا حاليا، لا تظن و لا في أحلامك أنك ستكون قادرا على تقوية هذا الاتصال أكثر."

اتسعت المسافة بين رأس إدريس الحكيم و الكرات الثلاث أكثر حتى أصبحت هذه الأخيرة تحيط باسل كذلك. ثم ارتفعت قليلا قبل أن يسقط منها ضوء ملكي على الاثنين، و بداخل هذا الضوء التقت طاقات و هالات ببعضها البعض مكونة حاجزا عن العالم و جعلت الاثنين بعالم خاص بهما لوحدهما فيه.


نبض قلب باسل أسرع و تسارعت دورته الدموية بشكل كبير للغاية و بدأ بحر روحه يهتز أكثر و أكثر فشعر باسل بشيء ما يحاول اختراقه.

في تلك اللحظة، انبثق صوت بعقله: "أيها الفتى باسل. حاول التركيز و السماح لنيتي و إرادتي بالتوغل ببحر روحك. هكذا سأكون قادرا على إنشاء اتصال بيني و بينك بالرغم من أنك لا تملك روحا كاملة مكتملة."

ركز باسل أكثر و حاول استخدام ما فعله سابقا في المعركة ضد فضيلة كرم فجعل التعاويذ الذهنية الروحية و نقط أصله و عنصراه السحريان إضافة لإرادته يتصلون بالقطعة الروحية و بإرادة بحر روحه مؤقتا ريثما يسمح لإدريس الحكيم بالدخول.

كان من المستحيل القيام بالاتصال الروحي مع باسل حتى لو كان يمتلك طاقة روحية و إرادة بحر روح. لكن إدريس الحكيم كان حيكما سياديا بالدرجة الثالثة و كان خبير فنون سامي سيادي، و كان نطاقه مرتفعا للغاية. السبب الأول لوحده كان كافيا لجعله يتوغل لبحر روح باسل. لكنه لم يكن قادرا على ذلك إلا في حالة باسل. و بهذا كانت هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن لشخص أن يتوغل لبحر روح شخص آخر.

بعد لحظات، تكلم صوت. لكن باسل أحس بقربه و لم يحس كأنه بعقله. كان شعورا غريبا و مختلفا. كأنه صوته الخاص و ليس صوتا آخر. كأنه هو الشخص الذي يتحدث.

عندما التفت وجد شخصا شابا بحوالي العشرينات، بشعر فضي طويل يصل للكتفين، بعينين زرقاوين، كان البؤبؤان زرقاوين للغاية، و كان الأيمن حوله ضوءان فضيان من الجهتين يبدوان كنجمين في السماء، و الأيسر كان حوله نجم واحد فقط. كان مكان هذه النجوم المضيئة يتغير ببطء حول البؤبؤان كما لو أنها متوقفة، و بدت زاهية للغاية و متألقة لحد كبير. فجعلت ذلك الشخص أكثر وقارا و هيبة. لم يكن بذلك الجمال الخلاب بالأصل، لكن عيناه و هالته جعلاه يتحدى جمال الكثيرين الذين يفتخرون بأنفسهم و يعتقدون أنهم أولاء جمال ملائكي. ارتدى رداء فضيا منقوشا بنقوش غير مفهومة لباسل لكنه علم أنها روحية. و أحاطت به تعاويذ ذهنية روحية.

كان شخصا غريبا كليا لباسل. كان هذا الشخص تحيط به هالة ملكية و جعل من كل شيء حوله يبدو دونيا و بدا كمخلوق جبار ينظر لكل شيء بانحطاط. سواء أكان رداؤه أم هيئته أم هالته، كلّ على حد سواء كان سياديا. حمل معه جوا هادئا جعل كل ما يحيط به يعصف.

تكلم هذا الشخص بنفس الصوت الذي أحس به باسل عندما تكلم به معلمه و هو غاضب: "يبدو أنني نجحت. إنها المرة الأولى لي أيضا. إنه شعور غريب أن أكون ببحر الروح بعد أكثر من ألف سنة."

اعتلت باسل نظرات غبية و مندهشة قبل أن يقفز للخلف مصعوقا: "المعلم؟"

ابتسم ذلك الشخص بوجهه الشاب و الفضي ابتسامة مشرقة قبل أن يضحك: "هوهوهوهو..."

حدق باسل بالشخص الشاب أمام عينيه مصدوما و حَدَقَتا عينيه ضيقتين. قال ذلك الشخص كلاما غريبا جعل باسل يعتقد أنه معلمه. حتى أنه ضحك نفس ضحكة معلمه.

توقف ذلك الشخص الفضي عن الضحك ثم حدق بعينيه الزرقاوين كثيرا الحاملين للنجوم الثلاث بباسل قبل أن يقول: "أظن أن علي تفسير بعض الأمور. لكن لما لا نكون الاتصال كليا لأستطيع ختم الاتصال الذي بينك و بين المخطوطات أولا."

حدق باسل بهذا الشخص الغريب كليا عنه.

*****************

بقاعة القصر الإمبراطوري الرئيسية بعاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية، تكلم الكبير أكاغي: "لقد انعزل صهري أيضا بعد مدة من انعزال حفيدتي و الجنرال رعد. هناك خطر بالانعزال للانتقال للقسم الثاني من مستويات الربط. إن لم يتم التحكم و السيطرة بشكل جيد على الطاقة السحرية الخارجية و جعلها تصبح ثابتة ببحر الروح، سوف تهيج و تسبب انكسار بحر روح. يجب أن يأخذ الشخص الحيطة و الحذر الكليين. على الساحر وضع جل تركيزه في التحكم و ربط الطاقة السحرية الخارجية بنقط أصله و من ثم ببحر روحه."

فكر الكبير أكاغي بالكلام الذي وجهه للإمبراطور شيرو الذي يجلس عابسا متوترا كثيرا غير قادر على الهدوء.

حدق به الكبير أكاغي بتعبير متعاطف و قال: "لن أقول لك لا تقلق أيها الإمبراطور شيرو. لكنني أثق بحفيدتي، و صهري، إضافة للجنرال رعد. سأفضل الأمر لو فعلت المثل و استرخيت قليلا. كثرة التفكير لن تفيد بهذا الوقت. فالجواب واحد لا اثنين. سواء ألبيت طلباتهم أم لم تفعل، فلن يوفوا بوعدهم."


قطب الإمبراطور شيرو ثم قال: "لن أرضخ و لن أسلم عرش أجدادي طالما هناك فرصة لإنقاذ ابنتي بطريقة أخرى. لست غبيا كفاية لأصدق أكاذيب الأعداء. عرشي ورثته من والدي الذي مات يوصيني. إن ذلك العرش عليه دماء و أرواح الأجداد، فكيف لي أن أسلمه للأعداء؟"

كان الإمبراطور شيرو هادئا في الحقيقة بالرغم من أنه كان يبدو متوترا. فقد حافظ على هدوئه داخليا و فكر بمنطقية أكبر. لكن حتى لو كان يفهم و يعلم، لم يجعله هذا يتوقف عن التفكير بابنته التي سلبت من يديه أمام عينيه.

قال مرة أخرى: "أقسم أني لمنتقمٌ جالبا فخري و عزتي معي. إنّي أنا أزهر شيرو لمنتقمٌ و لو بحياتي ! "

*****************

قبل مدة معينة، بعد أن غادرت أنمار بأيام. بكهف بجبل بجنوب العاصمة، تواجدت هناك فتاة بالخامسة عشر. كان الجو المحيط بها راقيا للغاية و بدت كملاك بجمالها الخلاب. لم تكن هذه الفتاة سوى أنمار. كانت تجلس متربعة واضعة يديها على ركبتيها لمدة. كانت تتدبر بشكل عميق للغاية و دارت حولها طاقة غير مرئية جاعلة الهواء يتحرك مكونة رياحا تتسارع بمرور كل ثانية رافعا فستانها الأسود لتظهر كجنية خالدة أتت راكبة عاصفة.

عندها، كانت قد تكونت عاصفة صغيرة حولها و دارت بشكل سريع للغاية. عبست أنمار و ضغطت براحتي يديها على ركبتيها كما لو أنها تتألم. استمر ذلك الأمر لساعات، و مع ذلك، كانت لا تزال بعد مرور خمس عشرة ساعة في نفس الحالة و الوضعية. مر يوم كامل، يومين، أسبوع. و لا زالت أنمار بنفس الحالة التي هي عليها.

كانت تحاول جذب الطاقة الخارجية لبحر روحها. في الحقيقة، ينمو الساحر عن طريق طاقة العالم أو ما يسمى بالطاقة السحرية الخارجية بالعوالم السحرية. تستمر نقط أصله في شفط الطاقة دون توقف كما لو أنها طريق و مسار لهذه الطاقة السحرية نحو بحر الروح. هذه الطريقة الطبيعية لنمو أي ساحر، لكن السحرة يشربون إكسير التقوية فيحفزون نقط الأصل أكثر و يقوون من سرعة نقط الأصل في شفط هذه الطاقة السحرية الخارجية ليرفعوا من مستواهم.

لكن، عندما يحتاج الساحر أن يخترق للقسم الثاني من مستويات الربط، يستوجب جعل بحر الروح يتقبل طاقة سحرية خارجية. و هذا يحدث عن طريق نقط الأصل التي تكون قد نمت كفاية عند بلوغ قمة المستوى السابع. هكذا يستطيع الساحر اكتساب عنصره الثاني.


تزداد قابلية نقط الأصل لجذب الطاقة السحرية أكثر من السابق بقمة المستوى السابع، فيكون باستطاعتها عندها شفط طاقة سحرية خارجية أكثر كفاية ليستطيع الساحر تكوين عنصره الثاني.

تميز باسل كون جسده إضافة لبحر روحه يجذبان الطاقة السحرية الخارجية أو ما يدعى بطاقة العالم من غير حدود. لذا كان مميزا عن السحرة الذين يحتاجون للقيام بهذا الأمر بأنفسهم. ففي القسم الأول من مستويات الربط، تقوم نقط الأصل بهذا العمل لوحدها.

مرت عشرة أيام منذ أن بدأت انمار انعزالها و تدبرها، و كانت غارقة في العرق. كان إجبار نقط الأصل على شفط طاقة سحرية خارجية أكبر من التي اعتادت عليها أمرا شاقا للغاية و مرهقا لدرجة كبيرة. فكان بعض السحرة يمضون عاما أو حتى اثنين بالتدبر المنعزل غير قادرين على الاختراق. و كان هناك أيضا أشخاص في المقابل يستطيعون الاختراق بأشهر فقط.

و اليوم، ظهرت عبقرية أخرى في هذا الوجود. فبعد مرور خمسة و عشرون يوما فقط، كان بمقدورها جعل نقط أصلها تعتاد على الوضع الجديد و نجحت في البدء بشفط الطاقة السحرية الخارجية. ثم دخلت بالمرحلة الموالية حيث يجب عليها التحكم في هذه الطاقة السحرية الخارجية و جعلها تهدأ بعدما كانت هائجة و غير مستقرة.

كانت هذه المرحلة صعبة للغاية كذلك. و مع ذلك، مع أن الناس العاديون يمضون مدة تصل لأسابيع أو شهور. استطاعت أنمار بموهبتها التي تقارع موهبة باسل أن تستخدم تحكمها الشبه مثالي جاعلة الطاقة السحرية الخارجية تحت تحكمها بمدة لا تزيد عن عشرة أيام.

كان هذا الأمر صاعقا للغاية. كان باسل قادرا على التحكم بالطاقة السحرية الخارجية التي توغلت لجسده بسرعة كبيرة، لكن لم يكن هذا راجع لموهبته في الحقيقة، و إنما بسبب الختم الموضوع عليه أصلا. لذا ساعد هذا الأمر في جعله يهدئ تلك الطاقة الهائجة التي كانت قد بدأت تدمر بحر روحه.

لكن، عندما سيحاول مرة أخرى الاختراق للقسم الثاني من مستويات الربط، سيحتاج أن يجعل نقط أصله تعتاد على شفط الطاقة السحرية الخارجية. و في ذلك الوقت، لن يكون هناك ختما ليساعده، و بالطبع لن يكون موجودا أيضا لإيقاف الطاقة السحرية الخارجية عن التوغل لجسده. سيكون حينها على باسل التفكير في طريقة لتجاوز تلك المحنة التي تنتظره و التي كانت قريبة أكثر من أي وقت مضى.

استطاعت أنمار التحكم في هذه الطاقة السحرية الخارجية و إصلاح التصدعات التي حدثت لبحر روحها، كما استطاعت ربط طاقة العالم هذه بنقط أصلها كليا و ببحر روحها. بذلك الوقت، كانت أنمار قد اكتشفت ما هو عنصرها السحري الثاني. و كما حدث معها عند اكتسابها السحر، لم تتغير تعبيراتها أبدا و تنفست بعمق فقط ثم وقفت و غيرت ملابسها لأخرى نقية تمثلت في فستان يشبه الذي سبقه، أو يمكن القول أنه نسخة منه. خرجت من الكهف لتنظر أمامها على بعد عدة أميال نحو كهف آخر بجبل آخر حال الجنرال رعد.

عندها، ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهها ثم أدارت رأسها لتحدق باتجاه آخر، فلمحت صورة الجنرال منصف بكهف آخر بجبل آخر بنفس الابتسامة تعتلي وجهها.


قفزت من الجبل قائلة: "لما لا نزور السلاسل الجبلية الحلزونية أولا. فأنا أحتاج لمنطقة محظورة مثلها لا أقل."

كانت تهبط من الجبل حتى وصلت للأسفل فصنعت ضوضاء ضخمة مخلفة حفرة عميقة نسبيا وراءها. تقدمت أنمار بينما تفكر في شيء ما: "يجب أن أحرص على التدرب على الفن القتالي الأثري أكثر لإتقانه. لقد فهمت الغصن الأول، لكنني لا زلت لا أستطيع إتقانه. يجب أن أقوي جسدي أكثر."

في الحقيقة، الآن بعدما أصبحت أنمار بالمستوى الثامن، سيتطور جسدها أكثر مع الوقت و يصبح أكثر شدة و حدة و صلابة. لكنها كانت متحمسة على غير عادتها و طبيعتها الهادئة بهذا الشأن، و أرادت إتقان الفن القتالي الأثري في أسرع وقت.

انطلقت أنمار جنوبا نحو السلاسل الجبلية الحلزونية غير مدركة أنها تتوجه في الحقيقة للمكان الذي يقبع به باسل و معلمهما. ففي الواقع، لم تسنح الفرصة لها و باسل للتحدث بهذا الشأن.

قطعت آلاف الأميال، لكنها استغرقت بعض الأيام في ذلك. و في اليوم الذي كانت ستضع به قدمها داخل السلاسل الجبلية الحلزونية، شعرت بهالة شرسة و هائلة تريد الضغط عليها و أحست أنها تقترب من مكان لا يجب عليها المغامرة بالدخول له.

في تلك اللحظة، ظهر رجل عجوز أمامها من حيث لا تدري فجعل نية قتلها تنطلق فجأة، و بدت كما لو أنها وحش شرس رأى فريسته أو عدوه. كانت نية قتلها قاهرة للغاية بالرغم من كونها عاشت خمس عشرة سنة فقط. كان تعبيرها هادئا بالرغم من نية قتلها و حذرها الحادين. و بعد لحظات، اختفت هذه الهالة التي أحاطت بها و تحول تعبيرها من الهادئ للمتفاجئ ثم تكلمت مندهشة: "المعلم؟ ! كيف؟"

بدا على أنمار تعبير الدهشة كما تذكرت شيئا فانحنت بعدها مباشرة قليلا و شبكت قبضتها قائلة: "التلميذة تحيي المعلم. اعذرها على عدم انتباهها."

استغرب إدريس الحكيم الذي وقف أمامها ثم قال: "أظن أنه لم يخبرك. إن باسل هنا أيتها الصغيرة أنمار. لا بأس، بالأحرى، هذا جيد. تذكرين عندما أخبرتك أنني سأشرح لكما أنتما الاثنين بعض الأمور عندما تكونان مجتمعين و نلتقي مجددا، أظن أنه ذلك الوقت. اتبعيني."


فعلت أنمار ما أخبرها معلمها أن تقوم به. تكلم إدريس الحكيم عندها: "يبدو أنك اخترقت للقسم الثاني بالفعل. هذا جيد. يبدو أنني رزقت بثلاثة تلاميذ جيدين."

استغربت أنمار من كلام المعلم. فهي لم تفهم ما قصده بثلاثة تلاميذ. لكنها لا تعلم الكثير عن معلمها أيضا و لم تسأل بما أنه توقف عند ذلك الحد.

أكمل إدريس الحكيم: "كم استغرقت؟"

أجابت أنمار التي اعتلاها تعبير هادئ من جديد: "حوالي خمسة و ثلاثون يوما."

حك إدريس الحكيم لحيته و ضحك: "هوهوهو. الفتى فاخر الفخور وريث عشيرة الينبوع الذهبي العتيق احتاج لخمسين يوما. قد تكونين أنت الشخص الأكثر موهبة خالصة على ما أظن."

ضحك مرة أخرى إدريس الحكيم ثم تكلم بداخله: "سنعرف هذا عندما تكسب روحا كاملة مكتملة. عندها، ستبدأ في تشكيل عالمها عبر نطاقاتها و نرى مدى تطورها." ابتسم إدريس الحكيم بدون أن تلحظه أنمار التي كانت تفكر بشيء آخر في تلك الحظة.

استمر إدريس الحكيم في التفكير: "إنني حقا لمتشوق لرؤية تطورها أكثر من الآخريْن. لنتمنى عمرا مديدا يكفي لمشاهدة هذا الأمر يحدث." ابتسم إدريس الحكيم أكثر قبل أن يقول بصوت مرتفع ضاحكا: "هوهوهو، يبدو أنني تأثرت بعادة الفتى باسل حقا."

استيقظت أنمار من سرحها و حدقت بمعلمها مستغربة من تصرفاته الغير مفهومة لها مرة أخرى.


سأل المعلم: "بالمناسبة، لم أتيت إلى هنا إن لم تكوني تعلمي بوجودنا هنا أصلا؟"

قالت أنمار مجيبة: "هذا لأنني احتجت لزيارة منطقة محظورة بها وحوش بمستوى مرتفع. و كانت هذه هي الأقرب."

ابتسم إدريس الحكيم و قال: "إن كان هذا هو الأمر، فأنت في المكان الصحيح. لقد تطورت الوحوش أكثر بالأشهر الأخيرة و بلغت إحداها المستوى التاسع. خصوصا بالمناطق المحظورة الكبرى، و خصوصا الوحوش من المستوى السابع فما فوق."

*********************

في هذه الأثناء، كان العالم في فوضى عارمة بسبب تلك الإكسيرات الغامضة و الأسلحة النادرة التي ظهرت فجأة و جعلت كل شخص مصعوقا. انقلبت الأسواق رأسا على عقب كما فعلت قوات العالم. لكن، و لا شيء من هذا اقترب من آذان باسل و أنمار و معلمهما. أو حتى من قبائل الوحش النائم المنعزلين عن العالم.

كانت الأسواق مقلوبة رأسا على عقب وجنّ السحرة الموجودين بالعالم كله. ليس هناك أي شخص آخر استطاع منع نفسه من الاندهاش. أصبحت هناك ثورة ضخمة للغاية. باشر المتسابقون نحو المناطق المحظورة واصطادوا الوحوش السحرية حتى آخر قطرة عرق منهم. ماتوا من أجل ذلك. دخل العالم في سباق الأقوى على حين غرة من حيث لا يدري أحد.

تلك الإكسيرات والأسلحة الأثرية جعلت عيون السحرة حمراء. كما حركت بعض المنظمات بالعالم السفلي وجعلت أفواههم يسيل لعابها. في بعض من الوقت فقط، انبثق سحرة بالمستوى الخامس والسادس مطالبين بحقوق علموا فيما بعد أنها لم تعد موجودة.

عندما ظهرت الإكسيرات واخترق العديد من الأشخاص للمستوى السادس، قاموا بالمطالبة بالارتقاء، لكنهم تلقوا دروسا غرست في لحومهم وعظامهم جعلتهم يصدقون الواقع المر والحديث.

وبعد مدة من الوقت، ظهرت مرة أخرى أدوات مفجرة للعقول. ظهرت تلك الأسلحة التي تحمل نقوشا أثرية وبإمكانها هي الأخرى وضع فرق كبير للغاية بالمعارك. ساحر يمتلك سلاحا أثريا سيسحق آخر بدونه كالحشرة ولو كان أقوى منه بقليل.

اهتز العالم وبدأت بعض القوات الخفية تتحرك تجاه عاصمة إمبراطورية الشعلة القرمزية، نحو السوق المركزي بالضبط، حيث كلف الجد سميث والكيميائيون الثلاث بالاهتمام بالأعمال التجارية بدلا من التاجر ناصر الغائب.

كانت الإكسيرات ذات تأثير خيالي. ولم تكن الأسلحة الأثرية أقل منها شأنا. بل وأنها كانت لها قيمة أكبر. فالإكسيرات تستهلك في اللحظة نفسها وينتهي عملها بعدها. لكن الأسلحة الأثرية تبقى دائما مع الساحر وتدعمه في كل الأوقات.

في وسط هذه الفوضى التي حلت بالعالم، وبعد أيام أخرى من وصول أنمار للسلاسل الجبلية، هوجمت قرى كثيرة ومدن صغيرة وكبيرة. وفي ذلك الوقت، ظهر شخص يرتدي درعا ذهبيا أمام مدينة ما تخللها قطاع الطرق وتجار الأسواق السوداء.

رفع سيفا أثريا ولوحه فجعل المئات من الأعداء أمامه بلا أرجل. كانت أرجلهم مقطوعة والجروح محروقة كما لو أنها تعرضت لنار حارقة.

هذا الشخص الذي ارتدى درعا ذهبيا لم يكن شخصا آخر سوى الجنرال رعد الذي كان متوجها نحو العاصمة فمر على مدينة تعرضت للسيطرة من قبل عصابات متعددة. ولم يلبث سوى لمدة ساعة وكان قد نظف المدينة بأكملها.


تحرك من دون توقف بسرعة البرق وجعل الأعداء في خبر كان وبدون حيلة. في ساعة واحدة كان قد أنهى أمر المئات من الأشخاص المختبئين على طول المدينة التي امتدت لمئة ميل.

كانت تلك المدينة هي المدينة التي حكمها سابقا الرئيس غين سيلفر الذي مات على يد الرئيس تشارلي. مدينة غين.

وبنفس الوقت، في مدينة هويز التي كان يحكمها الرئيس هويز هايرو الذي مات على يد الجنرال براون مارون. هناك، تواجد شخص آخر بدرع فضي، وعبر المدينة ذهابا وإيابا فجعل المجرمين الذين تخللوها مرتعبين ومشلولين. حطم عظامهم وأجسادهم كما لو كان يحطم الحجارة محولا إياها لغبار.

لم يكن هذا الشخص سوى الجنرال منصف الذي افترق بالطريق مع الجنرال رعد. كل واحد ذهب لمدينة. كانت هاتان المدينتان بدون قيادة لفترة طويلة منذ أن مات رئيساهما. لذا تعرضتا للاستهداف من العالم السفلي الذي حاول الربح إلى أقصى درجة من الوضع الجديد وبناء قوته أكثر لمواكبة التطور السريع والخيالي الذي يحدث.

في هذا الوقت، علم الكبير أكاغي أخيرا المعنى الحقيقي لما قصده باسل بلقائهما الأول عن قلب سوق التجارة رأسا على عقب وتغيير موازين القوى بالعالم.

بعدما انتهى الجنرال رعد من عمله، كلف حراس المدينة بتوجيه المجرمين للسجون وتقييدهم. فأغلبهم كان بالمستوى الرابع وهذا ما جعل المدينة عاجزة كليا عن صدهم. ثم أكمل طريقه نحو العاصمة وهو الشيء الذي فعله الجنرال منصف أيضا.

بعد وصولهما هما الاثنين إلى القصر الإمبراطوري، فتحت لهما الأبواب باحترام كما التقيا بالكبير أكاغي والإمبراطور شيرو الذي كان لا يزال يتواجد بإمبراطورية الشعلة القرمزية.

قفز الإمبراطور شيرو من كرسيه واتجه نحو الجنرال رعد ثم أمسك كتفيه وقال بهلع: "أخبرني، حدثني، لم أنتما هنا؟ وأين هي الأميرة أنمار؟ ما الذي تفعلانه هنا؟ أريد أن أعلم حالا. لم يتبقى سوى خمسة عشر يوما على الميعاد. كيف لنا أن نصل بالموعد الآن؟ ليست هناك وسيلة. ستموت ابنتي ! "

أنزل الجنرال رعد يديه من على كتفيه بهدوء وقال: "لا تقلق. لقد سبق وتكلمت مع الفتاة الشقراء بالفعل. يبدو أنها توجهت للسلاسل الجبلية الحلزونية."

عبس الإمبراطور أكثر وقال: "كيف لها أن تفعل هذا؟ لقد أخبرتني أنها ستتوجه لإنقاذ ابنتي."


"لا تقلق." قال الجنرال رعد بحزم: "لذلك ذهبت للسلاسل الجبلية الحلزونية ! سنصل أسرع حتى من الوقت الذي منح لك. غدا موعدنا. غدا سنحلق لعرين الأعداء، لـأرخبيل البحر العميق."

لم يفهم الإمبراطور شيرو شيئا حتى الآن، لكنه هدأ قليلا بسبب هدوء الجنرال رعد. وبمشاهدتهما، ارتاح قلب الكبير أكاغي أيضا وتكلم بعدما لمح درع الجنرال رعد: "لقد ارتديته ! "

أجاب الجنرال رعد بابتسامة: "نعم، لقد وصلت للمستوى السابع أسرع مما توقعت، حتى أنني تجاوزته من دون الحصول على فرصة لارتدائه. لكن بمجرد ما أن بلغت القسم الثاني من مستويات الربط ارتديته."

كان درع الجنرال رعد ذهبيا. ببلوغ المستوى السابع، تصبح الفضة غير قادرة على تحمل طاقة هذا المستوى. لذا يغير السحرة عندها الدرع لآخر ذهبي إذ يستطيع تحمل طاقة تفوق المستوى السابع بكثير.

"إذا..." فتح الإمبراطور شيرو فاهه قائلا: "لقد نجحتم."

قال الجنرال رعد بابتسامة: "نعم لقد فعلنا، أنا والفتاة الشقراء. لكن الجنرال منصف..." التفت له وعبس كما فعل الجنرال منصف أيضا.

قال الجنرال منصف عندها: "لم أستطع النجاح في الوقت المناسب. كنت سأفعل لكنني لم أستطع بالنهاية. أحتاج لوقت أكبر. لكن في الوقت الحالي سأرافق الجنرال رعد والسيدة الصغيرة في رحلتهما لمساعدتهما."

تكلم الإمبراطور شيرو: "أنا أشكركم حقا. بالطبع سأرافقكم أنا أيضا، إضافة لجنرالات إمبراطوريتي الذين سبقوا واستعدوا كليا وهم متوجهون إلى هناك حاليا."

عبس الجنرال رعد قليلا قبل أن يقول: "كان من الأفضل لو لم تقم بهذا. إنه كما لو أنك تقول لهم أننا آتون."

لم يستطع الإمبراطور شيرو الإجابة. فبعد كل شيء، رغم ثقته بأنمار والآخرين، لم يكن باستطاعته منع نفسه وأراد التحرك ولو بأي طريقة.

قال الإمبراطور شيرو: "لن أعتذر عن ذلك. إنها ابنتي، ولقد أقسمت. لأقتلنًّ العدو الذي سلبني ابنتي وأجلب انتقامي وفخري وعزتي."


حدق به الجنرال رعد وعلم أن لا جدوى من التحدث معه بهذا الشأن، فبعد كل شيء، لا أحد يمكنه لومه عن رغبته في إنقاذ ابنته، حتى لو كانت خطوته حمقاء. فإن نجح في التريث والهدوء، كان أفضل. وإن لم ينجح، كان أمرا متوقعا من أب فقط.

تكلم الجنرال رعد مرة أخرى: "أتمنى ألّا يقوموا بشيء لابنتك فقط ! "

قال الإمبراطور شيرو مجيبا باستقامة: "لا تقلق بهذا الشأن، حتى أنا أعلم هذا. لقد غادر جنرالاتي واحدا تلو الآخر بخفية. أنا أعلم ما الذي سيحدث لابنتي إن لم أطع أمر الأعداء وأظهرت لهم نيتي."

قال الجنرال منصف عندها مبتسما: "ومع ذلك، إنه لأمر جيد أنك لم تذهب بعد أيها الإمبراطور شيرو."

ابتسم الإمبراطور شيرو وحدق بالكبير أكاغي ثم تنهد قبل أن يقول: "فلتشكر الإمبراطور أكاغي. فهو الشخص الذي ساعدني في ذلك. لم يكن بإمكاني سوى وضع ثقتي بثقته في حفيدته. شهدت ما قام به جنرالكم الأعلى وما قامت به الأميرة أنمار بالمعركة سابقا. لذا عضضت لساني وضربت ركبتاي وجعلتُني أنتظر. بالمناسبة، قلتما أننا سنحلق إلى هناك. كيف هذا...؟"

قرابة هذا الوقت، اقتربت عشرة سفن عملاقة من شاطئ إمبراطورية الرياح العاتية. فجعلت الجنرال الأقرب يتحرك لمقابلتها. فتلك السفن يمكنها الإتيان بجيش يمكنه بدء حرب.

كانت السفينة الوسطى تحمل ستة أشخاص. خمسة منهم يرتدون درعا فضيا وسادسهم يرتدي درعا برونزيا. تقدمت السفن العشر بقيادة السفينة الوسطى نحو الشاطئ مجرورة بحيتان قلب البحر العميق التي صنعت أمواجا هائلة بتحركها فانتقلت السفن عليها. ارتفعت هذه السفن فوق الأمواج التي يحدثها تحرك الحيتان مما صنع مشهدا مدهشا للغاية.

كل سفينة يجرها عشر حيتان. لم هذا بالمشهد الشائع، وكان نادرا للغاية. بسبب اجتماع كل هذه الحيتان مرة واحدة بدت كقطيع مسافر. جعل هذا الأمر العديد من الناس بالميناء على الشاطئ يرتعدون ونادوا الجنرال الأقرب ليأتي للمقابلة. قام هؤلاء الناس عندها بالإخلاء مباشرة بناء على أوامر آتية على ما يبدو من ذلك الجنرال.

رصت السفن، فنزل ستة أشخاص ثم وقفوا أمام جنرال إمبراطورية الرياح العاتية الذي كان بشارب طويل أبيض من دون لحية وأصلع الرأس.

تكلم هذا الرجل العجوز ذو الشارب الطويل: "أنا الجنرال وايتلاند شابو. الجنرال الأقدم لإمبراطورية الرياح العاتية. أريد أن أعلم من أواجه هنا وما النية التي أتى بها ! "


تقدم تورتش للأمام وقال: "أنا قائد تشكيل الجنرال الأعلى لإمبراطورية الشعلة القرمزية. أتينا لمساعدة الإمبراطور غلاديوس الذي وصل قبل بضعة أيام. نريد أن نعلم ما هي أخباره."

عبس الجنرال شابو وحدق بتورتش مفكرا: "الجنرال الأعلى ! إنه ذلك الباسل الذي سمعت عنه. إذا لقد أرسل رجاله إلى هنا. كان هذا سريعا ! "

رفع الجنرال شابو يده للأعلى، وبمجرد ما أن فعل حتى انطلقت أسهم من خلفه بجميع أنواع العناصر السحرية مستهدفة القادة التشكيل والتاجر ناصر.

في تلك اللحظة، صدم الستة ولم يعلموا ما يحدث. رماهم المئات من الجنود خلف الجنرال بأسهم سحرية على حين غرة بمجرد ما أن أعلنوا عن هويتهم. لكن من دون الحاجة للتفكير حتى، هناك أسهم متجهة نحوهم وهذا إشارة كبيرة إلى أن الشخص الواقف أماهم اعتبرهم أعداء بسماعه لهويتهم.

تكلم الجنرال وايتلاند شابو مرة أخرى: "الإمبراطور غلاديوس؟ ليس هناك أي شخص بهذا الاسم بالعرش. لقد كان سيعلن هذا الأمر غدا، لكن لا ضير في قوله لكم بما أنكم ستموتون على كل حال. لقد أصبحنا نمتلك إمبراطورا جديدا من اليوم فصاعدا، واسمه جِرم. الإمبراطور شهاب جِرم."


بووووووووم

نزلت الأسهم على الستة مفجرة المكان بأكمله صانعة ضوضاء ضخمة. تعرضت السفن وراءهم للهجوم جنبا إلى جنبهم.

عم الغبار المكان وأصبحت الرؤية غير واضحة. عندها، انبثق ضوء ساطع من وسطه واتجه بسرعة جنونية نحو هدف محدد... نحو الجنرال شابو.

بااااام

كان هذا الضوء الساطع عبارة عن سهم ناري ملتهب، وكانت سرعته جنونية. كما كان يثقب الهواء صانعا ضوضاء في طريقه للعدو. وعندما وصل إليه، انفجر بشكل لا يصدق صانعا ضجة مشابهة للتي حدثت قبل وقت قليل بسبب الأسهم مجتمعة كلها.


قبل تعرضه لمثل هذا السهم، رمى الجنرال شابو بعض أحجار حاجز الحماية الأرضية وتراجع عدة خطوات للخلف. لكنه مع ذلك، سعل الدم من الصدمة التي أتت من السهم الذي اخترق كل تلك الحواجز الخمسة. ثم دافع بسيفه السحري الذي شكل درعا من الماء وبدا منيعا لحماية نفسه من السهم الناري الملتهب. لكنه دُفِع للخلف مرة أخرى بانفجار السهم الذي التقى بالدرع المائي.

حدث كل هذا بسرعة كبيرة للغاية. في لحظة واحدة، حدث انفجار بالجهتين كلتاهما. واحد بسبب الأسهم التي صوبت نحو قادة التشكيل والتاجر ناصر، والآخر بسبب السهم الملتهب الذي انبثقق من الغبار متجها نحو الجنرال وايتلاند شابو.

بعدها، تردد صوت من الغبار الذي ينجلي: "يبدو أننا وصلنا متأخرين ! "

كان ذلك صوت تورتش الذي بدأ يمدد وتر قوسه المحاط بالنيران والذي كان بطول مالكه.

تكلم شخص آخر: "لقد قال شهاب جرم ! إنه واحد من قدمائهم الكبار. هذا سيئ حقا. لقد وقعت الإمبراطورية في يد الأعداء بالفعل. فلتتواصل مع سيدنا يا ناصر. يجب أن يعلم بهذا."

أجاب صوت آخر: "لقد بدأت أفعل ذلك بالفعل يا فانسي. ركز فقط على إعداد عرضك جيدا."

أجاب الصوت الآخر: "لا تقلق. لن يدروا حتى يفوت الآوان. وإلا لن يكون هناك معنى من الخدع السحرية."

تفاجأ الجنرال وايتلاند شابو من قوة السهم الذي جعله يتقيأ الدم وتسبب له في بعض جروح. ومع ذلك، لم يتوقف بمكانه من الصدمة، وبدل ذلك، صرخ آمرا: "أمر لجميع الجنود. فليحط سحرة المستوى الرابع الأعداء من كل الجهات. فليهاجم سحرة المستوى الخامس أثناء ذلك. ليقدم باقي السحرة الدعم المناسب."

في لحظة، وجد الستة أنفسهم محاطين من جميع الجهات بعدما انجلى الغبار وكانوا في موقف لا يحسدون عليه. وقبل أن يقوموا بأي تحرك بسيط، اتجهت نحوهم أسهم بمختلف العناصر. وهذه المرة كانت كلها بالمستوى الرابع. كان يصل عددها للمائتين مما فاجأ الستة وبدت أوجههم شاحبة.

عندها، ضحك الجنرال وايتلاند شابو وقال: "تأتون لأرض العدو ظانّين أن لديكم فرصة في الفوز؟ لقد تفاجأت حقا بالهجوم الأول، لكنها نهايتكم الآن. فبعدما تتعاملون مع الأسهم، ستجدون أنفسكم تحت رعاية سحرة المستوى الخامس بأعظم تقنياتهم في كامل قوتها."

استمر الجنرال وايتلاند شابو بالضحك وشعر بالنشوة من سقوط العدو في شباكه بسهولة. وفي تلك اللحظة، شعر بشيء غريب نوعا ما. لماذا لم يظهر أي أحد من السفينة بعد؟ كل تلك السفن يجب أن تحمل عددا هائلا من الجنود نظرا لحجمها الضخم وعدد الحيتان التي تجرها. وبالرغم من كل هذا، كان المكان هادئا بشكل غريب ولم يظهر أي حس ولا أي صورة لأي شخص آخر غير أولئك الستة.

هذا جعل الجنرال وايتلاند يستغرب كثيرا، لكن لم يمنعه من الهجوم على الستة الذين أمامه حيث بدوا بدون حماية.

وبنزول الأسهم السحرية مرة واحدة على الشخصيات الستة، انفجر المكان وبدد شكوك الجنرال فجعله هذا الأمر يتنفس الصعداء. كان مرتبكا قليلا بسبب انشغال ذهنه، لكن بعد رؤيته لخطته تُنفذ أمام عينيه من دون حدوث أي شيء غريب، ارتاح قليلا ورفع يده مشيرا بها لتحرك سحرة المستوى الخامس الذين كانوا يقفون أمامه.

انقض سحرة المستوى الخامس على المكان الذي يجب أن يكون به الستة وغُمر بعضهم بالغبار المندلع بسبب الهجوم الأول من سحرة المستوى الرابع. بذلك الوقت، لم يحدث شيء وعمّ الهدوء للحظات قليلة. فجعل هذا الأمر شكوك الجنرال وايتلاند تعود من جديد لتشغل ذهنه.

"ما الذي يحدث بالضبط؟" فكر بذلك قبل أن يصرخ: "لمَ لا أسمع صرخات العدو؟ أجيبوني أيها الأوغاد ! "

عندها، من حيث لا يدري انبثق صوت دب الرعب في قلبه: "ذلك لأنه لا يوجد عدو ليصرخ هناك."


كان الصوت يعود لامرأة. التفت الجنرال ببطء شديد قبل أن يجد ستة أشخاص وراءه. توسطتهم امرأة بأواخر العشرينات حدقت به ثم تكلمت من جديد: "قلت أنك الجنرال الأقدم بهذه الإمبراطورية ! لقد جعلتني حقا أتساءل إن كان هذا صحيحا ! فبعد كل شيء، من الغبي الذي يسقط في خدعة بسيطة مثل هذه؟"

كانت هذه المرأة هي شي يو التي تحدثت بنبرة حادة غير مترددة. كانت هذه اللهجة التي تحدثت بها حازمة ولم تكن كالتي اعتادت التحدث بها من قبل.

قبل أن يقوم الجنرال وايتلاند شابو بأي تحرك، تحرك شخصان في آن واحد من كلا الجانبين ومرّا به في لحظة واحدة مخلفين صوتا يشبه صوت الرياح التي تسلخ الأشجار.

كغغغ

كان الأمر سريعا للغاية، سريع كفاية كي لا يعلم الجنرال وايتلاند شابو أنه فقد ذراعيه معا قبل أن تتخللاهما هالتان باردتين حرفيا. هالتا الثلج والجليد. تجمد ما تبقى من ذراعيه فجعله هذا الأمر يدرك أخيرا ما حدث له. وباستيعابه للأحداث، صرخ متألما ثم حدق بالشخصيات التي أمامه قبل أن يغير نظره إلى مكانهم السابق. فإذا به يجد المكان فارغا بعد انجلاء الغبار وفهم أن كل ما حدث كان وهما.

تم تنفيذ الوهم أثناء الهجوم الأول من طرف فانسي بداخل الغبار. بسبب تعجرف الجنرال، لم يستطع ملاحظة هذا الوهم ولو قليلا بالرغم من أنه بقمة المستوى السادس.

لم يعلم سحرة المستوى الرابع والخامس ما يجب فعله، وكذلك باقي السحرة الذين كلفوا بدعمهم. حدث كل شيء بسرعة خيالية. قبل أن يدروا، كان جنرالهم في حالة مزرية.

صرخ الجنرال وايتلاند شابو: "أيها الأوغاد ! أنقذوني ! يا عديمو الفائدة، ولا واحد منكم استطاع كشف خدعتهم."

عبست شي يو بسبب كلامه وقالت: "لست غبيا فقط وإنما حقير كذلك. أن تضع نتيجة أوامرك الفظيعة على عاتق أتباعك، إنك حقا لسفيه."

قطب الجنرال من كلام شي يو وصرخ مرة أخرى بفمه الدموي: "أسرعوا ! يجب أن تؤمنوا لي طريقا."


في الحال، استجاب له أتباعه واستعدوا للانطلاق. وبمجرد ما أن انقضوا، حتى وجدوا أنفسهم مقتولين بالهواء فتلونت السماء بالأحمر القرمزي وارتسمت على وجوههم نظرات الرعب بعدما صدت صرخاتهم البائسة في كل الأنحاء.

ظهر على حين غرة آلاف الجنود بالمستوى الخامس من السفن وصنعوا حماما من الدماء. كان المشهد مروعا للغاية. موت كل أولئك الجنود مرة واحدة كان أمرا مرعبا كثيرا. وخصوصا للجنرال وايتلاند شابو الذي لا زال لم يفهم ما حدث حتى الآن.

وبالطبع، فهم بعد مرور قليل من الوقت كأي شخص آخر. لا يعرف كيف، لكنه متأكد من أن كل أولئك الجنود كانوا بالسفن وكانوا متخفين بطريقة ما فقط. أخمدوا طاقاتهم السحرية ولم يتحركوا ولو لإنش واحد. حتى أتت اللحظة المناسبة، حتى تركزت أذهان أتباعه على إنقاذه وتركوا ثغرات قاتلة، عندها، ظهر الجيش العظيم وظهرت الحقيقة القاسية على وجهه الذي شحُب من هول الحدث.

فبعد كل شيء، فهم أن الأمر كان مخطط له من البداية. لمَ ظهر أولئك الستة فقط بالسفن العشر ولم يظهر أي شخص آخر.

وخلال اللحظات التي يعاني بها الجنرال وايتلاند شابو ذهنيا وجسديا، تكلم فانسي: "لقد أصبحت مرعبة حقا يا شي يو. من كان ليعرف أنك نفس الفتاة قبل حوالي سنة إن لم يصاحبك طوال تلك السنة ! إنك تصبحين أقرب فأقرب لتشبهين السيدة الصغيرة."

حدق تورتش بها واعتلته نظرات مندهشة للغاية. لقد علموا كلهم بالتقدير الذي تمنحه شي يو لأنمار. كانت تحترمها كثيرا وتتمنى لو كانت مثلها بالرغم من أنها فتاة أصغر منها. كانت أنمار مثل الشخصية المثالية التي تمنت شي يو التي كانت جبانة طوال حياتها أن تصبح عليها أو أقرب لها.

أغمضت شي يو وقالت بهدوء: "لا تكن وقحا يا فانسي، كيف لي أن أبلغ خنصر السيدة الصغيرة حتى؟"

"كيكيكي..." ضحك فانسي وقال: "لا تكوني متواضعة. ظننت أن تلك الـشي يو لم تعد موجودة ! "

ضحك البقية كذلك إلا تورتش الذي لا زال مصدوما بالتغير الكبير الذي حدث لشي يو. فبعد كل شيء، كان قلبه ينبض بسرعة كبيرة في تلك اللحظة وحدق في وجه شي يو الهادئ. وقبل أن يدري، تحولت المرأة أمامه لجنية يحيط بها الزهور والنجوم، فبدت أكثر جمالا أكثر من أي وقت مضى.

تكلم عندها فانسي مرة أخرى: "ها أنتِ ذا. أنظري ماذا فعلتي بصغيرنا تورتش ! لقد جعلت شفاه العلوية تتدلى."

احمر وجه شي يو بالرغم من أنها كانت تحاول الحفاظ على هدوئها ونظرت إلى تورتش فازدادت خجلا والتفت للجهة الأخرى مخبّئة وجهها في صدرها.


اقترب فانسي وصفع رأس تورتش: "أيها... المحظوظ."

استيقظ تورتش أخيرا من أحلامه، لكنه لم يلقي بالا لصفعة فانسي واستمر بدل ذلك في التحديق بشي يو المحمرة خجلا، فالتفت هو الآخر للجهة الأخرى محرجا.

قطب فانسي قليلا وحدق بهما ثم قال بداخله: "إن هذا يثير الأعصاب قليلا نوعا ما لسبب ما ! "

في تلك اللحظة، ضحك الأربعة على شي يو وتورتش كلهم بصوت مرتفع. بالطبع، كل هذا كان يحدث أمام الجنرال وايتلاند شابو. كل أتباعه ماتوا، وفقد ذراعيه، لم يتبقى له أي فرصة على الإطلاق في النجاة. لكنه فجأة وجد أملا برؤيته لتصرفات الستة المحيطين به. من الذي يتغازل ويتمازح بوسط القتال؟

"اللعنة عليهم ! إنهم يستخفون بي لأقصى الدرجات ! " فكر الجنرال وايتلاند شابو: "لكن... تبا لهم. سأنتقم فيما بعد لذراعي. سأجد طريقة لعلاجهما مهما حدث. يجب أن يكون للسيد شهاب جرم طريقة ما لإصلاح الأمر. أما الآن..."

تحركت قدم الجنرال وايتلاند شابو بهدوء كبير ثم ذهب نحو ذراعيه ليلتقطهما فيضعهما بمكعب التخزين. لكن بمجرد ما أن حرك قدمه حتى طارت ساقه اليمنى من مكانها هي الأخرى فصرخ بشكل مزر مرة أخرى وتطايرت الدماء مندفعة من رجله.

سقط على الأرض ثم حدق بالشخص الذي وقف بعيدا أمامه بعدة أمتار. كان هذا الشخص هو شينشي، أحد الشخصين اللذين قطعا ذراعيه. كان الآخر هو برودي. لم يتحرك هذا الأخير بما أن شينشي فعل.

مع أن الجنرال وايتلاند شابو كان يرتدي درعا سحريا فضيا، إلا أن ذلك لم يمنع أسلحة قادة التشكيل الأثرية من قطعه بكل بساطة. لم يكن لدى الجنرال أي خيار آخر سوى التعرض للقطع و المشاهدة. وسعه رؤية أطرافه تطير من مكانه واحدة تلو الأخرى فقط لا غير.

ارتفعت نظرات الجنرال للأعلى ليجد شينشي يحدق به بنظرة قاتلة تحمل نية قتل لا تردد بها. عض لسانه من الغضب وصرخ من الألم والكراهية قبل أن يفعّل طاقته السحرية ويشحنها باستمرار.

"سنموت معا أيها الأوغاد. إن كنت سأموت لا محالة، فسوف أجعلكم تُدمرون معي."


عبس الستة وصرخ فانسي: "أسر..."

زززن

لكن قبل أن يكمل كلامه حتى، كان برودي يحمل رأس الجنرال وايتلاند شابو. تنفس الآخرون الصعداء وارتاحوا.

تكلم فانسي: "المنتحر السفيه ! كاد أن يفجرنا معه ! أحسنت بردة فعلك يا برودي."

ألقى برودي رأس الجنرال بعدما حدق في عينيه الميتتين وقال: "لكن، لقد خسرنا الآن مصدر المعلومات القيم."

تنهدت شي يو وقالت: "لا مفر، كنا سنموت كلنا على أي حال لو نجح في كسر بحر روحه." تحركت للأمام ثم سألت: "يا ناصر، ماذا عن اتصالك بسيدنا؟"

قطب التاجر ناصر وقال: "لا أعرف لماذا، لكن سيدنا محجوب تماما. اتصالي لا يرتبط معه إطلاقا."

استغرب الجميع قبل تستخدم شي يو خاتم التخاطر الخاص بها: (مرحبا يا سيدتي الصغيرة. اعذريني على سؤالي المفاجئ، لكن، لمَ لا نتلقى أي إجابة من سيدنا باسل؟)

صدى صوت حاملا أفكار الشخص الآخر بعقل شي يو: (هذا لأنه ليس بهذا العالم أساسا حاليا ! )

اندهشت شي يو مما سمعته وغرابته فسألت مرة أخرى: (ما المعنى وراء هذا يا سيدتي الصغيرة؟)

في هذه الأثناء، جلست أنمار على قمة جبل حيث كانت تتدبر قبل أن تتصل بها شي يو. وبعدما أتاها الاتصال، فتحت عينيها لتسقط نظراتها على تلك الأعمدة الأربعة عشر التي شكلت دائرة بقطر يصل لمائة متر. كانت هذه الأعمدة تتوهج بضوء أزرق فاتح قريب للأبيض. اعتلتها نقوش روحية جعلت الجو ثقيلا للغاية بتلك المنطقة. كما تشكل حاجز يربطها ببعضها البعض مشكلا دائرة تغطَّى ما بداخلها كليا، وبدا ذلك المجال كأنه لا ينتمي لهذا العالم. كأنه منطقة منعزلة عن هذا العالم. كأنه عالم في حد ذاته.


لا يعلم أي أحد من الخارج ما الذي يحدث بالداخل بالضبط. لكن، كان من الواضح أن ذلك المجال المتوحد الغريب عبارة عن منطقة سامية لا يستطيع كل من هب ودب دخولها. فقط قلة مصرح لهم بذلك. وفي هاته اللحظة، لم يكن هناك سوى شخصا واحدا فقط بداخل ذلك العالم.

أجابت أنمار عن سؤال شي يو بعدما حدقت في ذلك المجال المنعزل: (إنه يتدرب حاليا نوعا ما. لذا لن تستطيعوا الاتصال به. أخبريني بما يشغل بالكم. سأتكلف بذلك.)

(حسنا ! ) أجابت شي يو: (يبدو أن الإمبراطور غلاديوس قد ألقي عليه القبض. وكما أن لإمبراطورية الرياح العاتية إمبراطورا جديدا. اسمه شهاب جرم. إنه أقدم كبير من حلف ظل الشيطان.)

عبست أنمار قليلا ثم قالت مباشرة: (أبحروا عائدين. الأمر أكثر مما يمكنكم تحمله.)

أنهت أنمار الاتصال بعدما تلقت جوابا من شي يو وفكرت قليلا: "شهاب جرم ! ساحر بالمستوى العاشر ! أصبح الإمبراطور؟ يبدو أن الإمبراطور غلاديوس قد عاد مستعجلا لسبب بعد كل شيء. لكنه لم يظن أن الخونة قد انتشروا بكامل الإمبراطورية بالفعل. كنا ننوي التخلص منهم بالتشكيل وجعل الإمبراطور غلاديوس يأخذ جانبنا عندها. لكن يبدو أن هذا غدَا مستحيلا."

تنفست أنمار بعمق قبل أن تدخل في حالة الصفاء الذهني والروحي متدبرة لتدور حولها رياح بشكل هادئ للغاية. كانت الأجواء حولها هادئة كثيرا.

******************

بالعودة لإمبراطورية الرياح العاتية. انتشرت أخبار موت الجنرال وايتلاند شابو. ارتعب الناس من العدو المجهول. هناك من قتل واحدا من أقوياء العالم بكل سهولة. كان هناك بعض الناس العامة الذين شاهدوا الأمر من بعيد يحدث. جعلتهم الدماء التي غطت السماء ملونة إياها بالأحمر القرمزي يرتعدون ويرتجفون قبل أن يسرعوا بنشر الخبر.

وبالوقت الذي انتشرت الأخبار فيه، كان العدو المجهول قد اختفى عن الأنظار بالفعل وقطع عشرات الأميال مخترقا المئات بعيدا عن الساحل.

بالقصر الإمبراطوري بعاصمة إمبراطورية الرياح العاتية، تقدم شخص يرتدي درعا فضيا ثم انحنى راكعا على ركبة واحدة بينما يقطر عرقا غير قادر على رفع وجهه للنظر إلى الشخص الذي أمامه أعلاه.

كان هذا الشخص الراكع على ركبة واحدة جنرالا، وأتى ليوصل الأخبار لذلك الشخص الجالس على العرش. كان هذا الشخص الجالس على العرش عبارة عن رجل يبدو بالأربعينيات. كان وجهه عابسا بشكل طبيعي ودائم. بدا قادرا على تحطيم ذلك الجنرال المرتعد أمامه بنظراته تلك فقط. وضع رجلا على الأخرى ثم اتكأ على يده ورفع الأخرى قبل أن يقول: "تحدث أيها الجنرال كروز. لا تقلق. ارفع رأسك. أريد أن أعلم من الذي قتل الجنرال وايتلاند شابو. فكما تعلم، لقد أصبحت الإمبراطور الآن، واعتبارا لذلك، أريد الانتقام لرجالي إن كان ممكنا."

كانت كلماته هادئة، لكن هذا ما جعل الأمر يبدو أكثر خطورة. لو أنه تكلم بطريقة قاسية، لظهرت أفكاره على الأقل بتعبيراته، لكن هدوءه الغريب هذا جعل من ذلك غير ممكن جاعلا الأشخاص الذين أمامه مترددين.

كانت القاعة الرئيسية خاوية تماما. تواجد بها العرش والشخص الذي يجلس عليه إضافة للجنرال كروز فقط. لذا كانت كل كلمة تصدى مما جعل كلمات الجالس على العرش الهادئة تتردد أكثر من مرة بأذني الجنرال كروز. مما زاد من شعوره بالخطر.

رفع الجنرال كروز رأسه ببطء فسقطت قطرات العرق من ذقنه. أجبر نفسه على إخراج تلك الكلمات: "لسنا متأكدين تماما يا سيدي جِرْم، لكن يبدو أنهم تشكيل قاتل الدم القرمزي."


تحرك حاجب شهاب جرم الأيمن ثم غير اتكاءه من على يده اليمنى إلى اليسرى كما فعل لرجليه اللذين بادلهما الدور. تكلم بعدها: "هوه، لقد أرسل تشكيله إلى هنا إذا. إنه حقا يدخل نفسه بكل أعمالنا الآن. لا بأس. سيموت عاجلا أم آجلا. لا أحتاج للتحرك الآن للانتقام لتابعي. أليس كذلك أيها الجنرال كروز؟"

شعر الجنرال كروز بالقشعريرة فأحس كما لو أن شخصا ما ينقش رقبته بالجليد. بقي راكعا على ركبة واحدة حتى أذن له شهاب جرم بالمغادرة. لم يستطع التحرك أبدا قبل ذلك.

ابتسم شهاب جرم المتبقي لوحده قبل أن يستعمل خاتم التخاطر: (لقد أرسل ذلك الغر أتباعه إلى هنا. لا نعلم ما القادم، لكنه قد يأتي في أي لحظة. استعد جيدا يا سعير. واحرص على عدم الاستخفاف به على الإطلاق. لقد رأيتَ ما حدث لـكرم. لا زلنا لا نعلم ماهية تلك القوة التي قالت أنه استخدمها، لكن يجب أخذ الحيطة والحذر دائما.)

صدت الأفكار بذهن شهاب جرم آتية من الطرف الآخر: (لا تقلق. لكن، من الغريب أنك لم تتحرك بسماعك أن أتباعه قريبين منك ! فبعد كل شيء، أليس هو الشخص الذي سجن نائبك فلايمر؟)

تحرك حاجب شهاب جرم الأيمن. فكر قليلا قبل أن يتحدث: (اهتم بأعمالك يا سعير. أنا أعلم متى أتحرك ومتى ألبث.)

(حسنا، حسنا...) أجاب سعير: (لا تكن حاد المزاج هكذا. على كلّ، هل بدأت بصنع جيش من جنود إمبراطورية الرياح العاتية؟)

عاد حاجب شهاب جرم الأيمن لوضعيته العادية. ومع ذلك، الوضعية الطبيعية لحاجبيه هي العبوس. قال بعدها: (سأصبح الإمبراطور رسميا غدا. سأباشر بالعمل عندها.)

انقطع الاتصال بينهما بعدها مباشرة.


********************

كان هناك ثلاث محيطات وبحر بالعالم الواهن. بين القارة العظيمة والقارة المتوسطة، تواجد محيط. سمي هذا الأخير بالمحيط الأوسط، وكان يتموضع بين محيطين آخرين. أحدهما المحيط الذي يفصل أرخبيل البحر العميق عن القارتين من الشرق. والذي سمي بالمحيط الشرقي. والآخر كان المحيط الثالث الذي يفصل القارتين عن قارة الأصل والنهاية ويسمى بالمحيط الغربي. كان المحيط الغربي هو أكبر الثلاثة. وأخيرا، يوجد البحر العميق الذي أحاط وتخلل الجزر التي سميت بأرخبيل البحر العميق.

في هذه الأثناء، كانت عشر سفن تبحر بالمحيط الأوسط متجهة من القارة المتوسطة نحو القارة العظيمة. جرّت هذه السفن حيتان قلب البحر العميق بسرعة تصل لمئات الأميال بالسّاعة. كانت سرعتهم كبيرة للغاية. ومع ذلك، كان المحيط الأوسط شاسعا للغاية. امتدّ لمئات آلاف الأميال. سيستغرقون مدّة طويلة تصل لأسابيع كثيرة قبل أن يبلغوا وجهتهم. سيتطلّب الأمر منهم حوالي شهر بسرعتهم القصوى.

جلس ستّة أشخاص بمقدمة سفينة توسّطت السّفن الأخرى. قال بعدها واحد منهم: "ما الّذي سنفعله بعد عودتنا للشّعلة القرمزية؟ وهل سنترك الإمبراطور غلاديوس مسجونا؟"

كان الشخص الذي تكلّم سائلا هو التاجر ناصر. فكّر الخمسة الآخرون لقليل من الوقت قبل أن يجيب تورتش: "لا نعلم. فلنتحرّك فقط بالاتّجاه المطلوب منا أخذه. يجب أن يكون للسّيّدة الصّغيرة سبب لقولها ذلك."

تنهد السّتة كلّهم مرّة واحدة. لقد سجن الإمبراطور غلاديوس. بما أنه لا زال حيا، فلا شك أنّه سيكون رهينة يتم مبادلتها. يعني أن لحياته قيمة حتّى الآن. لكن هذا ترك السّتة يشعرون بالإحباط لنقص قوتهم. ظلّوا يشعرون بهذا في الآونة الأخيرة كثيرا وأصبح شيئا لا يحتمل. لذا بدؤوا يتدبرون كلهم منمين من قوتهم ومستوياتهم.

*********************

مر وقت طويل منذ أن وصلت أنمار للسلاسل الجبلية الحلزونية. كانت تقف حاليا مقابل جبل ما. في الحقيقة، كان نفس الجبل الذي كانت تجلس عليه لتتدبر. كان هذا الجبل كبيرا للغاية ويصل علو قمته لبعض مئات الأمتار.

تنفست ببطء ورتبت دورتها التنفسية حتى وصلت لمرحلة معينة من الاستقرار. فجأة، بدأت الغبار تحتها يهتز قليلا ويتحرك من مكانه كما لو أنه يتعرض للضغط من طرف شيء ما. امتدت هالة قامعة من جسدها فجعلت الهواء من حولها يتعرض لقوة ضاغطة. وثقُل الجو في الأرجاء. أصبح يحيط جسمها نوعا ما من الاهتزاز. كان هذا الاهتزاز يشكل دفعا ووزنا ضاغطا قامعا قويا يستطيع سحق الأرض واختراق الجبال.


وضعت ذراعيها أمامها ثم أحكمت قبضتيها. حركت ذراعيها ليصبح مرفقيها بمحاذاة جنبيها. عندها، أصبحت الهالة المحيطة بها أكثف وأقوى. تشكلت أحكام طبقت قواعدها على الوجود. أخذت أنمار شهيقا ثم قامت باللكم بيدها اليمنى في الهواء.

زززبوم

اهتز الهواء وتفرقع. فبدا كما لو أن قوة اللكمة اخترقت الهواء صانعة أصوات تصدع وانفجار. امتد من لكمة أنمار قوة ضاغطة اهتزازية سحقت كل ما في طريقها بدون استثناء. و في لحظة، اخترقت تلك القوة الضاغطة الجبل الذي أمامها.

باام

صُنع ثقب على شكل قبضة بواجهة الجبل إذْ وصل عرضه لنصف متر. وبعمق يصل لعدة أمتار. القوة الضاغطة الاهتزازية التي اخترقت الجبل صنعت طريقها عبر سحقها لجزء منا الجبل وتحويله لغبار في لحظة.

عندها، أرجعت أنمار ذراعها اليمنى لجنبها مرة أخرى. و بينما تفعل ذلك، حركت الذراع اليسرى لتلكم مكونة قوة مثل التي سبق وصنعتها. امتدت القوة الضاغطة الاهتزازية مرة أخرى و اخترقت الجبل بنقطة أخرى بجانب الثقب الذي على شكل لكمة. فنتج مرة أخرى ثقب آخر بنفس الشكل، لكن أكبر قليلا.

عادت الذراع اليسرى لتتحرك اليمنى من جديد. و هذه المرة، كانت سرعتها أكبر من السابق. ارتج الهواء مع صوت زززبوم قبل أن يُصنع ثقب مرة أخرى بالجبل على شكل لكمة كان أكبر من الذي سبق.

واصلت أنمار فعل هذا الأمر مع ازدياد سرعتها في كل مرة. فازدادت شدة القوة الناتجة عن ذلك. بدأ الوقت بين اللكمة و الأخرى يقل أكثر فأكثر بعد مدة أطول وأصبحت قوة كل لكمة جبارة.


بدأ الجبل يهتز هو الآخر وصنعت ضوضاء كبيرة. و بعد مدة من اللكم المستمر، كان قد محي أكثر من ربع الجبل. و بعد مدة اطول، اختفى ثلثه. عندها، أحست أنمار أنها وصلت لأقصى حد يمكنها بلوغه.

نقصت المدة بين كل لكمة والأخرى مع الوقت كما ازدادت قوتها. لكنها وصلت لمرحلة لم يعد بإمكانه الاستمرار أكثر ولا نقص المدة وزيادة القوة. وهكذا، توقفت أخيرا عن اللكم لينجلي الغبار بعد ذلك فيظهر أن الجبل تم اختزاله ليصبح بنصف حجمه. أما النصف الآخر، فكان قد سحق وأصبح غبارا.

تنفست أنمار بهدوء قبل أن تتمتم لنفسها: "الفن القتالي الأثري، سحق الأرض. المستوى الأثري فقط يجعلك تسحق الجبال. قال المعلم أنه مشتق من الفن السامي 'سحق الخلق'. إنه ليس بفن سامٍ من الفنون السامية الأربعة عشر. ومع ذلك، فقط لكونه فنا ساميا يجعله متميزا عن الفنون القتالية الأخرى. حقا مدهش ! "

ذهبت أنمار لتجلس على قمة جبل آخر لتتدبر. استمرت في امتصاص طاقة العالم وتنمية سعة نقط الأصل الخاصة بها. لاحظت ازدياد ترابط نقط أصلها أكثر مما سبق وأصبح تنقل الطاقة السحرية بمسار نقط الأصل أسرع وأكثر هدوءا. كما أحست بازدياد قوة تحمل بحر روحها أكثر. أصبح جسدها أكثر صلابة وحِدّة.

فكرت أنمار في بعض الأشياء: "ربط نقط الأصل يجعل مسار هذه الأخيرة أكثر استقرارا ويكوّن حاجزا روحيا حول كل واحدة منها. بعد الانتهاء، يحصل بحر الروح على إرادة. يتكون عندها حاجز حوله هو الآخر ثم يندمج بنقط الأصل ليبدأ تكون الروح الكاملة المكتملة."

استطاعت أنمار الشعور بربط نقط الأصل الخاصة بها من خلال الاستقرار الذي يحدث لمسار نقط الأصل. شعرت بأن كل نقطة أصل أصبحت أكثر استقرار ولم تعد عرضة للانهيار بسبب الطاقة السحرية الخارجية. كان هذا دليلا على أن ربط نقط الأصل الخاصة بها قد شارف على الانتهاء.

شعرت بالاختلاف بين نقط الأصل المربوطة ببعضها و التي لا زالت لم ترتبط. والآن، كانت قد ربطت اثنتي عشر نقطة أصل. تبقى لها اثنين فقط لتكمل الربط كليا ويحصل بحر روحها على إرادة. عندها، سيكون بإمكانها مقاتلة شخص أرفع بمستوى منها كما لو أنها بنفس مستواه. فطاقتها تكون خالية من الشوائب أكثر، وامتصاصها لطاقة العالم يكون أسرع، إضافة لقابلية بحر روحها على تحمل طاقة سحرية خارجية لوقت أكبر.

بهذه الأثناء، كان يراقبها إدريس الحكيم بنظرات سامية يمكنها الرؤية عبر كل شيء. ابتسم وقال: "لقد شارفت على الانتهاء من الربط. بمجرد ما أن يتم إكمال الربط، سيصبح النمو أسرع. وسيصل الساحر لقمة مستويات الربط بسرعة. حقا لأمر مدهش. على هذا المستوى ستكمل الربط قبل أن تبلغ المستوى التاسع حتى."


تنهد إدريس الحكيم وقال: "لطالما كانت موهبتي ضعيفة. ومع ذلك، رزقت بثلاثة تلاميذ بموهبة تجعل من الخاصة بي تبدو لا شيء. إن هذا لمسخرة حقا."

"من يكمل الربط بالمستوى الثامن، ينادى بـ'ملك بالمسار الروحي'. ومن ينتهي بالمستوى التاسع، يلقب بـ'حاكم بالمسار الروحي'. ومن يستطيع إنهاء الربط بالمستوى العاشر، يدعى بـ'سيد المسار الروحي'."

"كل من يستطيع إنهاء الربط في هذه المستويات الثلاث، يشار إليه بالعبقري. تتهافت عليه الطلبات والدعوات للانضمام للقوى العظمى من كل أنحاء العالم."

تذكر إدريس الحكيم باسل فجأة واعتلته ابتسامة عريضة. فكر في بعض الأشياء: "لقد مررت بطفولة صعبة وكان مساري الروحي قاسٍ. لولا اكتسابي للحكمة السيادية، لما كنت سأستطيع بلوغ هذا المستوى على الأغلب. جعلتُ من الحكمة مساري الروحي. أتساءل كيف سيكون مسار هذين الاثنين؟"

تنهد ثم حدق إلى تلك الأعمدة الأربعة عشر التي تشكل عالما. بعدها، أغمض عينيه ليبدأ التدبر.

كان الفصل صيفا. وكعادة الأيام السابقة، كان اليوم حارا كذلك. خصوصا بإمبراطورية الشعلة القرمزية التي تميزت بطقسها الحار على طول السنة على عكس الإمبراطوريتين الأخريين. كانت إمبراطورية الشعلة القرمزية تحتوي على صحراء شاسعة بالشمال. سميت هذه الصحراء بـ'الأرض الحمراء'.

لذا كان هذا مؤشرا على جو الإمبراطورية. مع أن الخريف كان يقترب، إلّا أنّ الطقس لازال حارا لدرجة يجعل فيها الطيور تختبئ بأعشاشها عند الظهيرة. فبذلك الوقت، كانت الشمس تجعل الأرض تغلي.

كانت السماء صافية للغاية. لونها الأزرق الفاتح امتد على طول أنظار الناس وخفف من معاناتهم من الحرّ قليلا بجماله. كانت هناك العديد من القرى والمدن المحيطة بالعاصمة. وكلّ هذه المدن وهذه القرى اندلعت بهم فوضى صغيرة نتجت عن رؤية السكان لشيء يطير بالسماء بسرعة كبيرة.

وما سبّب ذعرهم هذا كان كينونة ذلك الشيء الذي طار فوق رؤوسهم. بعد الملاحظة لثوانٍ فقط، استطاع كلّ شخص معرفة ماهية ذلك الشيء بالسماء. عندها، ارتعب الناس العامة والسحرة كلّ على حد سواء.

"إنه وحش... ! "

صرخ الكثير من الناس كما نشر السحرة الأخبار: "وحش سحري بمستوى مرتفع للغاية يتجه صوب العاصمة بسرعة كبيرة ! سيكون هناك في غضون دقائق ! "

ارتعد الكثير من السحرة بسماع هذا الخبر وتحرّك بأقصى سرعة لهم فكونوا الحصار على طول جدار العاصمة. أصبح هناك الآلاف من بالمستوى الرابع والخامس على أهبة الاستعداد. تخللهم بعض سحرة المستوى السادس الذين أخذوا القيادة.

قرعت الأجراس بعنف واهتزت العاصمة كلها. لا تقرع هذه الأجراس إلّا في حالة وجود هجوم على العاصمة. هرع الناس إلى المخابئ ودعوا بالنجاة ليوم آخر في هذا العالم الذي يصبح أكثر خطورة يوما بعد الآخر.

استعد النّشّابة الذين وصل عددهم للآلاف وبناء على أمر من أحد سحرة المستوى السادس. كلهم أطلقوا على الوحش السحري الذي لم يتبقى بينه وبين الجدار سوى حوالي مائة متر فقط.


اتجهت الأسهم السحرية التي بإمكانها جعل من ساحر بالمستوى السادس لحما مفروما بسهولة. اخترقت الأسهم الهواء فتفرقع هذا الأخير وتولدت موجات واحدة تلو الأخرى.

في تلك اللحظة، أصبح من الممكن رؤية ظلّ شخص ما على الوحش السحري. رفع هذا الظلّ يده اليمنى للأعلى فتوقف الوحش السحري بالسماء بشكل مفاجئ.

اتضحت صورة الوحش السحري جيدا بعد وقوفه. فتح السحرة الموجودين على الجدار أفواههم واتسعت حدقات أعينهم مرة واحدة. وكلّ هذا بسبب شعورهم بالهالة القامعة القادمة من جهة الوحش السحري. كان الوحش السحري عبارة عن أفعى كوبرا مجنحة كبيرة للغاية. كانت هذه الأفعى الكوبرا ذات هالة ضاغطة وجعلت السحرة يرتعدون.

تكلم أحد سحرة المستوى السادس الذي كان عجوزا يبدو عاش كفاية ليجزم بما سيقول: "الرحمة، الرحمة أيها الخالق. ما هذا الوحش بالضبط؟ لقد أتتنا أخبار قبل مدة عن حلف ظلّ الشيطان وعن كون قادته يملكون مستوى مرتفع للغاية. هناك من يستطيع استدعاء وحوش سحرية بمستوى مرتفع للغاية ممّا يمكننا تحمله."

أكمل واحد آخر: "في الواقع، بعد القبض على القاضي الأكبر، انتشرت أخبار هجوم واحد من قادة حلف ظلّ الشيطان بحرب الاسترداد. إضافة لهجوم بعض المنتمين لنفس القوة باليوم العظيم."

حدث كلّ ذلك بسرعة كبيرة. بعد ذلك مباشرة، بلغت الأسهم وجهتها وهدفها ثم اصطدمت به. حدث انفجار كبير. وبعد لحظات، ظهرت صورة الأفعى الكوبرا التي كانت سالمة كليا.

بمواجهة الأسهم العديدة التي تستهدفها. رفرفت الأفعى الكوبرا جناحيها ولوّحتهما تجاه الأسهم. انطلق ريش وفير للغاية مدعم بعنصر الماء الذي جعل من الريش قاسيا وحادّا بشكل كبير.

بذلك، حدث الانفجار ولم تتأثر الأفعى الكوبرا بشيء. خاف السحرة كثيرا فظنّ الكثير منهم أنهم سيموتون اليوم لا محالة.

عندها، انبثق خبر جعل معنوياتهم تصعد كثيرا.

"الجنرال رعد وصل. أتى الرّعد البرقي لإنجادنا. الرحمة، الرحمة."


فرح السحرة بوصول الجنرال رعد. وبعدها مباشرة انتشرت أخبار مرافقة الجنرال منصف له. فزاد هذا من حماس الناس كثيرا.

تراجعوا ومهّدوا الطريق للجنرالين. وبعدما كاد يتكلم أحد سحرة المستوى السادس مع الظل الذي يركب الأفعى الكوبرا المجنحة، وضع الجنرال رعد يده على كتفه وقال: "لا داعٍ. إنه معرفة."

صُدِم ذلك الشخص كما فعل الآخرون. ومباشرة بعدها، تحركت بعض الرياح الغريبة تحت قدمي الجنرال رعد والجنرال منصف فحملتهما. كانت هناك بعض الرياح بجانبهما تدور بشكل غريب، لكن هذا لم يثر انتباه السحرة المركّز كليا على كلام الجنرال رعد وأفعاله.

"ما الذي يحدث هنا بالضبط؟"

تمتم السحرة فيما بينهم. معرفة؟ هل ذلك صاحب ذلك الظل حليف؟ هل كان لديهم مثل هذا الحليف من قبل؟ لا، ليس هناك شخص باستطاعته استدعاء مثل هذا الوحش السحري بكامل إمبراطوريتهم.

حتى لو كان هناك جنرالا اعتمادا على التصنيف السابق ولديه سحر استدعاء، أي حتى لو كان هناك ساحر استدعاء بالمستوى السادس، فلن يكون قادرا على استدعاء مثل هذا الوحش السحري الذي جعل أجسادهم تهتز.

كانت تلك الأفعى الكوبرا المجنحة كبيرة للغاية ووصل طولها للعشرة أمتار كما امتد جناحاها من الجانبين لأكثر من سبعة أمتار. كان مظهرها مهيبا كثيرا ودبّ الفزع في قلوبهم.

وفي هذه الأثناء، يقول الجنرال رعد أنه حليف؟ ! من هو ذلك الشخص بالضبط؟ أكلت التساؤلات عقل السحرة المشاهدين. ومهما حاولوا التخمين لم يصلوا لنتيجة.

ارتفعت الرياح بالجنرال رعد والجنرال منصف حتى بلغت الوحش السحري فنزل الاثنان على الأفعى الكوبرا المجنحة. جعل هذا السحرة المشاهدين أكثر صعقا واندهاشا. لم يكن الاستدعاء بالشيء النادر، لكن وحشا سحريا بهذا المستوى جعلهم يرتعدون كان نادرا بحقّ.

ركوب الجنرال رعد والجنرال منصف هذا الوحش السحري المهيب جعل الجميع حائرا أكثر. وبعد ذلك مباشرة رفرفت الأفعى الكوبرا المجنحة جناحيها الواسعين ثم حلقت بعيدا بسرعة كبيرة للغاية. فلُمِح شعر ذهبي طويل بتحليق الوحش السحري.

اختفت عن ناظر الكلّ بسرعة خاطفة. تُرك الكلّ بدون تفسير. عندها، تكلم شخص منهم: "لقد كان صاحب ذلك الظلّ ذو شعر أشقر ذهبي. أتساءل من يكون؟"

تكلم أحد آخر: "ألم يكن ذلك الجنرال رعد فقط؟"


"لا، كان شعر ذلك الشخص أطول وأكثر ميولا للذهبي. وأظن أنها امرأة."

تعجب السحرة من قوله. فانتشرت الأخبار بعد قليل من بينهم ثم اكتشفوا أن كلامه صحيح. لم يكن هو الشخص الوحيد الذي رأى ذلك. حتى أن شخصا منهم صرّح بكلام جعلهم متفاجئين: "إنها الأميرة أنمار، إنها الأميرة أنمار."

"هاه؟ ما الذي تتحدث عنه يا هذا؟ إنّ الأميرة بعمر يناهز الخامسة عشر فقط. كيف لها أن تكون هي مستدعي ذلك الوحش. فكّر قليلا يا هذا، فكّر قليلا."

أكمل شخصا آخر: "نعم، نعم. لا يجب أن يكون المرء غبيا لهذه الدرجة."

استمر المحيطين به في إهانته على كلامه. لكنه استمر بعناده وأقرّ أكثر من مرة: "إنها حقا أميرتنا. لقد سبق لي أن رأيتها بوسط المدينة عندما كانت ترافق جنرالنا الأعلى."

"كفانا، كفانا كذبا. هيا بنا نعد يا سادة. يبدو أنّ غباء هذا الشخص سينتقل لنا أن بقينا لمدة أطول هنا."

أحكم الشخص الذي يهان قبضتيه ثم قال: "لمَ يمكنك الإقرار أنها ليست هي؟"

حدق به الشخص الذي حاول تفريق الناس. كان هذا الشخص ساحرا بالمستوى السادس. ارتفع له مؤخرا، لذا لم تسنح له الفرصة للمطالبة بحقه في لقب الجنرال. كان عجوزا وكان واثقا من خبراته. حملق بالمُهان وقال: "كيف يمكنني الجزم؟ أنا أمامك يا غبي، لقد فنيت عمري في السحر ولست سوى ساحر بالمستوى السادس. سوى ساحر بالمستوى السادس." أعادها العجوز مرتين كما لو كان متحسرا قبل أن يكمل: "ومع ذلك، تقول أنّ شخصا بالخامسة عشر سيكون بمقدوره استدعاء مثل ذلك الوحش؟ لا تكن غبيا وإلّا ارتكبت فيك جريمة ورميت جثتك بمنطقة محظورة."

تحركت زاوية الشخص المهان ثم قال: "فنيت عمرك؟ ألا يعني هذا أنك شخص بدون موهبة فقط؟ لا تجعل من نفسك مثالا تطبقه على الآخرين. قلت شخص بالخامسة عشر لا يمكنه أن يمتلك مثل هذه القوّة. ماذا عن جنرالنا الأعلى إذا؟ إنه الجنرال الأعلى يا غبي. إنه أقوة شخص في إمبراطوريتنا. يمكنه سحقك بكلّ بساطة. ومع ذلك، عمره يناهز الخامسة عشر فقط."

أسكت الشخص الذي كان يهان ذلك العجوز بكلماته. في الواقع، أسكت الجميع ولم يترك لهم مجالا للنقاش أكثر.


لكن، كلماته تلك لم تجعل العجوز يصمت فحسب، لكنها جعلته لنزعج ويرتفع غضبه لأقصى حد. أخرج العجوز سيفه السحري وقال: "لقد جنيت على نفسك أيها الغبي. لا تعتقد أنك ستبقى حيا بعد كلّ هذا."

تمت إهانته علنيا من طرف ساحر بالمستوى الرابع. لذا أراد أن يعلمه درسا أو اثنين. فإن لم يفعل، مكانته ستقل ولن يعلم متى قد يظهر شخص آخر يهينه مثل ما فعل هذا الشخص.

ارتعد الشخص الذي كان يهان، لقد انفعل قليلا ولم يدري حتى وجد نفسه قد أهان ساحرا بالمستوى السادس علنية. في تلك اللحظة، علم أنه ميت لا محالة إلّا وحصل أنْ أنقذه شخص ما. لكن، من سيتدخل ويقابل غضب ساحر بالمستوى السادس؟

عندها، تدخل شخصان ثم أوقفا العجوز وقالا: "لمَ لا نتوقّف عند هذا الحد أيها الساحر؟ لا أظنه خيارا حكيما إسالة الدماء هنا."

عبس العجوز وسأل: "ومن أنتما؟"

تكلم أحدهما: "أقدم لك نفسي، اسمي غايرو."

قال الآخر: "وأنا اسمي كاي."

تكلم واحد من الحشد: "آه، إنهما أخوا القطع ! إنهما تابعان للجنرال الأعلى قاتل الدم القرمزي ! "

عبس العجوز قليلا قبل أن يهدِّئ من نفسه ويأخذ طريقا آخر بعدما قال لساحر المستوى الرابع: "لقد نجوت اليوم أيها الفتى. احذر وإلّا افترق رأسك عن جسدك نهائيا يوما ما."

غادر العجوز فبقي السحرة يحدقون بتابعيْ الجنرال الأعلى. تحدث غايرو موجها كلامه لساحر المستوى الرابع: "معه حق. حتى لو كنت محقا، يجب أن تعلم متى تتكلم ومتى تسكت."

غادر الاثنان أيضا.


افترق الحشد وعادت الأوضاع لطبيعتها بعد قليل من الوقت.

*****************

في السماء الشاسعة، حلّقت الأفعى الكوبرا المجنحة متجهة نحو الشرق. وفوقها، ظهر شخص بعدما أزال عنه رداء ما. كان هذا الشخص هو الإمبراطور شيرو. كان في الواقع يرافق الجنرال رعد والجنرال منصف طوال الوقت بينما يرتدي عباءة الشفاف.

تكلم الإمبراطور شيرو الجالس على ظهر الأفعى الكوبرا المجنحة مثله مثل الثلاثة الآخرين: "إذا، كم هو الوقت المقدر لوصولنا؟"

كان يوجه كلامه للشخص الذي يجلس بمقدمة الوحش السحري. تطاير شعر هذا الشخص مع الرياح. كان هذا الشخص هو أنمار التي كانت تتأمل. قالت مجيبة: "حوالي أسبوع على الأغلب."

فرح الإمبراطور قليلا بسماع الخبر ونظر إلى الأرض أسفلهم. كان المنظر رائعا للغاية. مروا بالغابات، والأنهار، والجبال في لحظات. كانت سرعة الوحش السحري كبيرة للغاية. وصلت لآلاف الأميال في الساعة. كانت تقل سرعته قليلا فقط عن سرعة وحش الفتخاء.

حدّق الإمبراطور شيرو إلى أنمار وفكّر: "يبدو أنّني كنت جاهلا حقا ! كيف لي أن أفكر في مجاراة هذه الفتاة؟ لا، كيف لي حتى أن أظن ولو للحظة أن ذلك الفتى الذي بجانبه مثل هذه الفتاة سوف يتحرك قلبه عندما آتي بسيرة ابنتي عليه؟ يا لها من مسخرة ! " تنهد الإمبراطور شيرو بمكانه ونظر إلى الأفق.

كان الجو حارّا للغاية، لكنه لم يؤثر على السحرة الذين أضعف واحد بينهم بالقسم المتوسط من المستوى السابع.

في الأثناء التي حلقت بها الأفعى الكوبرا المجنحة شرقا. اجتاح العالم خبر صاعقا من الشمال الأقصى. انبثق إمبراطور جديد بإمبراطورية الرياح العاتية. تلك الإمبراطورية التي كان لديها نظام غريب حيث أمكن تحديد الإمبراطور عبر منافسة يتم مشاهدتها من قبل الجنرالات أجمع.

لكن، ليس كل شخص بإمكانه التقدم والتماس الحق في العرش. يجب أن يملك بجانبه نصف عدد الجنرالات قبل أن يكون مؤهلا لمقاتلة الإمبراطور أو شخص محدد يجعله الإمبراطور ينوب عنه في القتال.

كانت يسمى ذلك القتال بـ'مبارزة التسوية'. وهذا ما فعله الإمبراطور غلاديوس قبل حوالي خمس عشرة سنة؛ بعد الدمار الشامل. توجه نحو القصر الإمبراطوري ونعت الإمبراطور بعديم الفائدة أمام الجميع. بعد فقدان ربع سكان الإمبراطورية، أخذ العديد من الجنرالات جانب 'أيرونهيد غلاديوس'. فكان عندها مؤهلا تماما ليبارز الإمبراطور بمبارزة التسوية.

كان أيرونهيد غلاديوس جنرالا. وقد شاهد مسقط رأسه يتم محوه من على الخريطة من قبل الشياطين. كانت إمبراطورية الرياح العاتية تحتل قارة بأكملها، لذا كانت هناك بعض المناطق مهملة كليا. لولا انبثاق جنرال مثل أيرونهيد غلاديوس بجنوب الإمبراطورية، لبقيت تلك المنطقة معرضة للتّهميش كالعادة.

خروج جنرال من الجنوب جعل تلك المنطقة أكثر أمانا. لكن للأسف، أمِر أيرونهيد غلاديوس الذي كان جنرالا بذلك الوقت بالانضمام لقوات العاصمة. فتعرض مسقط رأسه للإهمال مرة أخرى كما سبق بالرغم من محاولاته في الاعتناء بها.

وبعدها بسنين قلة، وبالرغم من محاولات الجنرال أيرونهيد غلاديوس في حماية موطنه، إلّا أنه فشل في إنقاذه من الكارثة التي حلّت على العالم. تحسر كثيرا ولم يستطع الغفران لأيّ شخص كان سببا في هذا. وكأول عمل له، قام باقتلاع رأس الإمبراطور السابق بجدارة ليصبح الإمبراطور بعدها. اعتبر الإمبراطور واحدا من أسباب دمار موطنه ومنزله.

في ذلك الوقت، أتت رسالة من كلا الإمبراطوريتين تشمل طلبا في التحالف. والذي كان أكثر صدمة بذلك الوقت بعد الدمار الشامل، كان مجيء إمبراطور مختلف للاجتماع عن الذي تلقى الرسالة. جاء الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس وصنع السلام مع الإمبراطوريتين ريثما ينمون من قوتهم كلهم ويستعدون للأسوء.


لكن، بعد كلّ ما فعله، انتهى أيرونهيد غلاديوس بكونه سجينا لأعداء العالم الذين علم أنهم أتباع لأولئك الذين ددممّروا مسقط رأسه. قتِلت عائلته كلها وجميع أصدقائه وأحبابه. تبقى فقط صديقان اثنان أصبحا مساعديه المقربين. كان هذان الشخصان هما الجنرالان أصيل وكريم.

لكن، حتى هذين الصديقين ماتا الآن على يد الأعداء واختبر الشخص أيرونهيد غلاديوس معاناة فقدان الأعزاء مرة أخرى بدون أن يكون قادرا على فعل أيّ شيء. أخِذ منه العرش بالطريقة التي كسبه بها. وهذا كان أكثر مذلة له. فتلك لم تكن مبارزة تسوية على الإطلاق. بل كانت عرضا لقوة العدو الطاغية والمهيمنة كليا عليه. تعرض للإذلال ورُمي بالسجن ليكون رهينة قد تكون ذات نفع في وقت لاحق.

اليوم، ظهر إمبراطور جديد بإمبراطورية الرياح العاتية وبدأت تحركات مشبوهة تحدث هناك. كان اسم الإمبراطور هو شهاب جرم. وفي ليلة وضحاها انتشر اسمه في كل بقاع العالم المأهولة.

كل شخص تساءل عما يحدث بالضبط. في هذا العصر الذي أصبح كل شخص خائف من الشياطين أن تأتي مرة أخرى وقرّروا نسيان عداوتهم لمواجهة الخطر المرتقب، قام شخص بإنقاص قواتهم.

ما أرعبهم أكثر كان قوة هذا الشخص. كان أيرونهيد غلاديوس ساحر بالمستوى السابع في عمر التسعين. وهذا كان كافٍ ليجعله من أقوى الشخصيات في العالم بأكمله. لكن أن يخسر من قبل شخص باسم مجهول، كان الأمر غريبا ومخيفا للغاية.

لم تنتشر الأخبار عن موت الجنرالين أصيل وكريم. ولم يعلم أحد لمَ لا زال أيرونهيد غلاديوس حيا حتى الآن. كان شيئا غير اعتيادي.

مرت الوقت وبدأ الناس يعتاد على اسم الإمبراطور الجديد، وبعد بضعة أيام فقط. حُشِد جيش عظيم على حين غرة. كان هذا الجيش بأعداد تصل لمئات الآلاف. كان جيشا مروعا للغاية وحمل معه قوة إمبراطورية الرياح العاتية كلها.

دبّ الرعب في القلوب، واهتز العالم من جديد بالأخبار الصاعقة. بعد حوالي أسبوع فقط من ظهور الإمبراطور الجديد، قام هذا الأخير بحشد جيش متجها نحو إمبراطورية الشعلة القرمزية.


كان هذا الأمر مفاجئا للغاية إذْ لم يعلم الناس كيف يتجاوبون.

وبالوقت الذي بلغت فيه الأخبار إمبراطورية الشعلة القرمزية، كان الأسطول العظيم قد بدأ تقدمه نحو وجهته. مئات من السفن اجتاحت البحر فكونت أمواجا وعواصفا هائلة. ولسبب ما، كان الجنود متحمسين للغاية كما لو أنهم ذاهبين لأرض الكنوز السامية.

اندلعت الفوضى فجأة في إمبراطورية الشعلة القرمزية وتم إلجاء الناس إلى مخابئ الإمبراطورية المدعمة بالسحر. وفي أيام فقط، أصبحت المدن خالية من الناس العامة ومُلِئت بالسحرة فقط. بدأت القوات تأخذ مواقعها كما تمّ الاستعداد كليا للعدوّ القادم.

مرّت سنين كثيرة مذ أقدمت إمبراطورية الرياح العاتية على حرب. كونها الأبعد، لم تلتحم بالصراعات مع القوتين الكبريين الأخريين كما فعل هاتان الأخيرتان بينهما. كانت هذه أول حرب بين إمبراطوريتين بعد مرور العديد من السنين.

لم تعد الآن الأسباب تهم، كل ما أصبح واضحا هو نية القتل ! لم يهم ما الذي جعل الجنود متحمسين أو ما الذي قادهم للجنون الذي أصبحوا عليه. ما كان مهما حقا هو أنهم أصبحوا وحوشا جائعة متجهة نحو الفريسة. لا أحد يعلم أسباب اندفاعهم وحماسهم هذا، لكن شرارات روحهم المعنوية قطعت المسافات وعبرت البحار فبلغت الجهة الأخرى !

عندما تبدأ الحرب، لن يكون هناك منطق ولا أسباب، فبعد كل شيء، لو كان المنطق والسبب ينطبقان على الحرب، لكان العالم سالما مسالما. بمجرد ما أن تندلع الحرب، يصبح اللون الأحمر هو لون السماء، ومذاق الحديد الصّدِئ بطرف الألسنة الذي كان سببه هو نفس سبب تغير لون السماء؛ الدم. كل ما يصبح يحرك الجنود في ذلك الوقت هو صوت صرخات العدو البائسة ورائحة الموت التي تجعلهم يهابون ويرتعبون منها ألّا يصبحون جزءا منها.

أصبح شمال إمبراطورية الشعلة القرمزية مليئا بمئات آلاف الجنود على طوله. كانت الحروب شيئا اعتياديا في هذا العالم السحري. حتى لو لم تحدث أيّ حرب في السنوات الأخيرة، لم يكن من الغريب اندلاع واحدة. فبعد كلّ شيء، عالم يحكمه سحرة يتطلعون للقمة دائما لن يبقى ساكنا أبدا. من دون شكّ، سيظهر شخص أو اثنان أو المئات ربما يريدون بلوغ السلطة الكاملة.

لكن، مع أن الحروب لم تكن شيئا نادرا، إلّا أنّ هذه الحرب ستكون أوّل حرب تشمل كلّ الاكتشافات التي ظهرت في الشهور الماضية. لذا عرف كل شخص أنّ هذه الحرب ستكون من مستوى مختلف كليا عن أيّ حرب مضت.

الإكسيرات، الأسلحة الأثرية، حواجز الحماية الأرضية، مكعبات التخزين، خواتم التخاطر. كل هذه الأشياء سيكون لها دور كبير للغاية بالحرب، وسيظهر اختلال في توازن القوى الذي لطالما تواجد.


تحركت بعض القوات في الخفاء أيضا. كانت هذه القوات هي التي تحكم العالم السفلي؛ السوق السوداء وما يأتي معها. كانت هذه القوات تحاول دائما نشب الحروب لتكسب أرباحا لا تقدر بثمن. ففي بعض الأحيان، كانت هذه القوات هي السبب في اندلاع الحرب. لذا تربّصت هذه القوات من بعيد وانتظرت الفرصة للحصول على الغنائم لأنفسهم.

أصبح العالم كله متوترا.

ترأس جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية العظيم إمبراطورها كريمزون أكاغي. كان هذا الأخير متحسرا، بالرغم من ثقته في تغلبه على العدوّ من ناحية العدد، إلّا أنّه كان واثقا أن هذا لا معنى له طالما كان شهاب جرم آتٍ.

ساحر بالمستوى العاشر. فقط ساحر بالمستوى التاسع؛ الأقدم الكبير فالتشر، جعلهم يبدون كالنمل. بعد أخذ المعلومات من شاهين، علموا أن الأقدم الكبير فالتشر كان قد أصبح أقدما كبيرا مؤخرا فقط كونه بلغ المستوى التاسع. لذا شغل مستوى شهاب جرم عقل الكبير أكاغي كثيرا وجعله يتعرق في مكانه غير واثق من الفوز.

بما أنّه في المستوى العاشر، يعني أنّه أصبح أقدما كبيرا منذ مدة طويلة. مثل هذا الشخص يتقدم نحوهم جالبا معه جيشا عظيما. كيف للكبير أكاغي ألّا يرتعد !

في تلك اللحظة، تحسر على مغادرة الجنرال رعد، والجنرال منصف وحفيدته. على الأقل لو كانوا هنا لكان سيكون مطمئنا أكثر. كل الجنرالات الذي يقودون الجيش معه لا يتجاوز أقواهم المستوى السابع. بالتفكير في أن حدّهم هو القسم الأول من مستويات الربط فقط، زاد ذلك من قلق الكبير أكاغي.

لا يعلم أين باسل، فمهما حاول التواصل معه لا ينجح ! وهذا هو الآخر زاد الطين بلة. حرب عظيمة على وشك الحدوث، وأمله الأخير غير موجود. كراعٍ لكلّ أولئك الناس الموجودين بإمبراطوريته، أحس الكبير أكاغي بمسؤولية كبيرة للغاية. كانت هذه أول حرب له كإمبراطور.

مرّت حوالي عشرة أيام منذ أن أبحرت السفن من إمبراطورية الرياح العاتية. بذلك الوقت في أرخبيل البحر العميق، ضحك صوت بشكل هيستيري. كان صاحب هذا الصوت هو سعير أحد القدماء الكبار. وسبب ضحكه كان الفتاة صاحبة الشعر الأشقر الذهبي الواقفة أمامه.


نظر إلى هذه الفتاة واستمرّ في الضحك فقط قبل أن يشير بيده ويتحرك نائبه واهج ليقوم بتقييد الفتاة ويأخذها لمكان ما.

حدّق سعير إلى الإمبراطور شيرو أمامه وتوقف أخيرا عن الضحك قبل أن يتحرك وعيناه تنظران بانحطاط إلى أزهر شيرو محكم القبضتين وعابس الوجه.

****************

بتلك الأثناء، جلس رجل عجوز فوق جبل من السلاسل الجبلية الحلزونية متدبرا. كان على ذلك الحال لمدة غير معروفة من الوقت. وبينما يدرّب وينمّي روحه، صدى صوت بعقله. لم يكن هذا بسبب خاتم التخاطر، فهذا الأخير لم يتوهج حتى عندما صدى هذا الصوت بعقله.

بعد سماعه لتلك الكلمات، اختفى من الجبل ثم ظهر أمام ذلك المجال الذي تشكله الأعمدة الأربعة عشر. وبتلويح من يده، فتِح له باب ثم دخل للداخل.

*********************

انغلق الباب مرة أخرى وراء إدريس الحكيم بعدما دخل. عاد الحاجز ليصبح كما كان من قبل. كان مغمض العينين حتى الآن، وعندما فتحهما أخيرا شاهد منظرا مدهشا. لم يكن ما أدهشه هو ما رآه من نقوش روحية تشكل أحكاما طُبِّقت على الوجود لتشكل تلك المناظر الغريبة أمام عينيه، بالأحرى، كان سبب اندهاشه هو الفتى المتربع المحاط بتلك النقوش الروحية من كل مكان.

كان هذا الفتى هو باسل، وكان يتحكم في نقوش روحية. للدّقة، لم يكن يتحكم فيها، وإنما كان يدرسها ويلصق النقش الروحي بالآخر موصلا إياهما كما لو أنه يحاول حلّ أحجية معقدة، لكن من خلال العرق المتساقط منه ووجهه الشاحب، كان بالإمكان معرفة أنه يواجه وقتا عصيبا للغاية.

كان باسل يقرأ الكتب ويحلّ الأحاجي والألغاز منذ صغره. حتى أنه اهتم في بعض الفنون القتالية فتعلمها من تلقاء نفسه باتّباع الخطوات المذكورة في الكتب المرشدة. لم يعد هناك كتاب بمكتبة القرية لم يدرسه. كلّ ذلك كان سهلا بالنسبة له بعدما مارسه لبعض الوقت، لكن دراسة هذه النقوش الروحية أخذ منه كل طاقته العقلية، والسحرية، والجسدية. أرهِق تماما.

ابتسم معلمه عندما رآه قبل أن يبادله المتعلم الابتسامة التي ظهرت مع تقيؤ للدماء. ومع ذلك، لم يتوقف باسل عن ترتيب النقوش وإيصالها ببعضها بعضا. كان يعاني بآلام سببتها مقاومة النقوش الروحية أو يجب القول القوة المتطلبة لتحريكها. حتى أن الألم بلغ بحر روحه مما جعله أكثر إرهاقا. ألم بحر الروح لوحده كافٍ ليجعل الشخص يمر بجحيم.

مرّ باسل بالكثير من التجارب منذ صغره بسبب فضوله اللّامتناهي. واجه مخاطرا كثيرة كادت تودي بحياته. بعمر صغير كان يدخل الغابات والوديان. مع أنها لم تكن مناطق محظورة، إلّا أنّها كانت قادرة على قتل الرجال حتى. وهو كطفل يدفعه فضول كبير استمر في المغامرة بحياته ليكتشف فقط.


كانت أول مرة يدخل بها لمنطقة محظورة هي المرة التي التقى بها معلمه. ومن حينها، لم يجرب آلاما كما سبق، بل وازدادت عمّا كانت بأضعاف كثيرة، ومع مرور الوقت، اختبر باسل آلاما ضعف مئات المرات مما كان يختبره قبل أن يلتقي بمعلمه. وهذا كله بغض النظر عن آلام طاقة العالم التي كانت تجعل جسده وبحر روحه يتعرض لآلام كثيرة في كل مرة يرتفع بها في المستوى ويضعف الختم فتزداد كمية الطاقة السحرية الخارجية التي تتوغل لجسده.

لكنه مع ذلك، تجاوز كل تلك المحن. كان معلمه يقول له دائما تلك الجملة التي كانت تحفزه أكثر. "يمكن للشخص الاختراق فقط بتجاوز الحدود." ألم اليوم يصبح قوة تحمّلٍ للغد. استمر باسل في تجاوز الكثير من المحن حتى الآن. حتى أنّه تجاوز آلام بحر الروح.

فكيف له أن يستسلم الآن بسبب مجرد آلام فقط؟ وخصوصا عندما يكون متأكدا من أنّه سيجني منها شيئا. فبعد كل شيء، لم يسبق لألم نتج عن تدريب أعطاه له معلمه أنْ كان عديم الفائدة. كل شيء يتم أمره بفعله يزيد من قدراته أكثر.

والآن، أخيرا كان سينتهي من التدريب الذي منح له. عندها أخبر المعلم بالقدوم عن طريق التكلم فقط. بتحدثه فقط كان المعلم قادرا على سماعه. فبعد كل شيء، كان هذا المجال مصنوع من إدريس الحكيم وكانت نيّته تحكمه. أي شيء يحدث بالداخل يكون لديه العلم التام عنه.

"يبدو أنّه شارف على الانتهاء ! " قالها إدريس الحكيم متعجبا حقا. إنّه يعلم كم هو باسل نابغة بهذا المجال، ومع ذلك، حتى هو في الحقيقة لم يسبق له أن رأى شخصا بمثل تطوره.

كان المكان بالداخل تتخلله مناظر غريبة. فمرة تكون السماء بالأعلى مظلمة مليئة بالنجوم. وتارة أخرى تحيط العوالم بهما من كل الجهات مع شموسها وأقمارها. وتارة يتحول المنظر ليصبح هادئا فيكونا واقفين على بحر لا تُرى نهايته كبحر الروح.

كانت المناظر بداخل هذا المجال تتغير بشكل متكرر ومستمرّ. وكان على باسل التأقلم مع كل هذه التغيرات التي تحدث حوله. كل هذه التغيرات سببتها النقوش الروحية التي طبقت أحكامها على الوجود. كانت هذه مصفوفة صنعها إدريس الحكيم.


إدريس الحكيم، سيد الفنون القتالية السامي، الحكيم السيادي. كان اسمه يجعل الأعداء يهلعون بسماعه فقط. كم من مذبحة قام بها في الحروب الماضية؟ وكم من عالم ثانوي استطاع اختراقه؟ مع أن نموه الروحي بطيء قليلا، إلّا أنه استطاع تعويض هذا الفارق كلّه بالحكمة السيادية. فحتى مع موهبته الضعيفة، باستخدام الحكمة السيادية كان بإمكانه اختصار الطرق.

صنع مثل هذه المصفوفة ليدرب باسل على النقوش الروحية. مع أن باسل لا زال بمستويات الربط فقط، إلا أن دراسة النقوش الروحية لا يستوجب المستويات الروحية على عكس استخدامها وصنعها.

بمشاهدته لباسل، فكّر إدريس الحكيم بذلك المكان الموجود بقارة الأصل والنهاية. عبس قليلا ولم يستطع إبعاد تلك الأفكار عن ذهنه أبدا. كانت قوة تمثال واحد من تلك التماثيل المائة كبيرة للغاية. بمشاهدته لكلّ تلك القوة، كان بإمكانه المعرفة أنّ تلك المصفوفة باستطاعتها ذبحه بكلّ سهولة.

هو حكيم الفنون السامي السيادي لم يكن هناك خيار آخر أمامه سوى الانصياع والمغادرة.

قالت تلك النية السامية أن ذلك المكان يحق للأشخاص من العالم الواهن فقط ولوجه، لكنه عندما كان مغادرا، قالت النية مرة أخرى أن ذلك لن يكون بهذا السهولة. لم يعلم هل عنت بذلك فك المصفوفة أم لا، لكن كل ما بإمكانه فعله الآن هو تدريب باسل ليصبح قادرا على دخول ذلك العالم.

عالم ثانوي لا يستطيع هو نفسه دخوله سيكون بلا شك به كنزا ساميا من العصور القدمى. لابدّ أن تلك نية سامية لساحر روحي بلغ قمم المستويات وأمسك بكفه ذات مرة الكون كله. فقط بالتفكير في ذلك، أحس إدريس الحكيم بالقشعريرة حقا.

"حكيم مبتدئ، هاه ! " تذكر إدريس الحكيم كلام تلك النية مرة أخرى وابتسم متحسرا على نفسه. هو الحكيم السيادي الذي بلغت شهرته كل العوالم الروحية يعتبر مجرد حكيم مبتدئ بنظر تلك النية. كم هو مستوى صاحب تلك النية فقط؟ وكيف لشخصية عظيمة كهذه أن تتواجد نيتها بالعالم الوهن؟ والسؤال الأهم، من هي هاته الشخصية العظيمة بالضبط؟

مر الكثير من الشخصيات الصاعقة عبر التاريخ. ففي العصور القدمى، قبل أن تكون هناك حربا مباشرة بين الملك الأصلي وملك الشياطين بعصور، تسلق كل شخص الجبل الذي سمّي آنذاك بـ'القمّة السيادية السامية'. لا يعلم أحد معنى هذا كما لا يعلم الكثير من الأشخاص عن هذا الشيء. هناك قلة فقط يعلمون عن هذا. حتى إدريس الحكيم لديه بعض المعلومات فقط عن هاته القمّة السيادية السامية.


في العصور القدمى، تسابقت الأجناس والأعراق بمختلفها غير مهتمين بأصولهم. كل ما كان مهمّا حينذاك كان هو بلوغ تلك القمّة الأسطورية الخرافية. دار عقل إدريس الحكيم أكثر، فحتى بحكمته السيادية لم يستطيع معرفة لمن كانت تعود تلك النية. لابدّ وأنها تعود لشخصية عظيمة من العصور القدمى حينما كان السحرة الروحيون يتقاتلون كلهم في تسابق لبلوغ تلك القمّة. كل شخص أراد في ذلك الوقت الحصول على القوة للوقوف على القمّة.

لسبب ما، اختفت كل السجلات عن تلك العصور وعن تلك القمة التي حاول العظماء من قبل بلوغها. شعر إدريس الحكيم أنّ لذلك العالم الثانوي علاقة بهذا ويمكن الكشف عن بعض الغموض بدخوله بما أن فرصة كون تلك النية تعود لشخصية عظيمة من العصور القدمى كبيرة.

فجأة، فكّر إدريس الحكيم بالملك الأصلي. ذات مرة، جلب هذا الموضوع للملك الأصلي فقام هذا الأخير بإخباره بنسيانه. "يجب نسيان الأساطير القديمة والخرافات التي خلّفها الأسلاف والأجداد والنظر نحو المستقبل. هكذا سيكون المرء قادرا على بلوغ القمة."

أصبح مثل هذا الكلام يقلق إدريس الحكيم أكثر. مع أن الملك الأصلي أخبره بنسيان هذا الأمر، إلا أنه صادف بعض التلميحات في الكثير من الأماكن التي جعلته فضوليا أكثر. ومع ذلك، بناء على أمر الملك الأصلي، لم يحفر أكثر واكتفى بما يعلمه واكتشفه.

ملأت الأفكار رأسه كثيرا وبدأت بعض الأشياء تصبح أكبر مما يمكنه أن يهملها ويتجاهلها. حدّق إلى باسل وفكّر: "سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا للغاية ليصبح قادرا على فهم مثل تلك المصفوفة السامية."

عبس إدريس الحكيم ثم وضع يده ذقنه واستمر في التفكير: "هل يجب علي نقل بعض المعرفة من الحكمة السيادية له؟ سيكلفني هذا كثيرا لكن..."

نظر إدريس الحكيم إلى باسل ثم تحسّر أكثر. كـحكيم سيادي، يمكنه القيام بالكثير من الأشياء، وأحدها نقل المعرفة من الحكمة السيادية لطرف آخر، لكن هذا يكلفه ثمنا باهظا. فقط بما أن هذه الفكرة طرأت في باله، فلا شك أن ذلك يستحق، لكن... كان الثمن باهظا حقا لدرجة جعله يفكر في هذا لمرات عديدة حتى قرر أخيرا أنه لن يفعل. فليست هناك حاجة للتسرع. لازال بإمكان باسل بلوغ المستويات الروحية وتنمية روحه ومعرفته حتى يكون في استطاعته دخول ذلك العالم الثانوي.


تنهد إدريس الحكيم ثم تقدم نحو باسل.

تحركت النقوش الروحية كما تغيرت المناظر حول باسل وإدريس الحكيم. كان ذلك المجال مستقلا كالعالم لكنه لم يكن عالما. كان شيئا أقرب للعالم فقط. شخص بمستوى إدريس الحكيم لن يستطيع صنع مثل هذا المجال السامي الذي تتخلله مصفوفات متعددة. فقط حكيم سيادي كإدريس الحكيم باستطاعته القيام بمثل هذا الشيء بمستواه الروحي هذا.

التقت النقوش الروحية الأخيرة ببعضها بعضا وصنعت مسارا مرّت به الطاقة الروحية الخالصة حتى بلغت الأعمدة الأربع عشرة في النهاية. بعدها، تكسر الحاجز المتشكل كما لو أنه زجاج ضرب بالحديد.

سقط باسل من الإرهاق مباشرة بعدها. كانت الدماء تسيل من فمه وأنفه وأذنيه.

اقترب منه إدريس الحكيم وقال: "لقد تجاوزت المستوى الأول. فلترتح جيدا وركز على استعادة الطاقة لا نموها، ثم سنستمر بالانتقال للمستوى التالي."

"حاضر أيها المعلم. ! "


أغمض باسل عينيه محاولا النوم، لكن، وفي تلك اللحظة مباشرة، أتاه اتصال عبر خاتم التخاطر علم أنه من الكبير أكاغي فأجاب مباشرة قبل أن يغط في النوم: (ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟)

(حمدا، حمدا ! يا لسعادتي لإجابتك أخيرا ! خبر عاجل يا حليفنا ! بعد أيام معدودة سنكون في حرب ضد إمبراطورية الرياح العاتية ! لقد تغير إمبراطورها فأصبح شهاب جرم من حلف ظل الشيطان ! )

"ماذا ! ؟"

صرخ باسل بذلك جهرا حتى. نهض من مكانه فجأة ناسيا آلامه، لكنه سقط على ركبتيه بعدها مباشرة.

غاب باسل عن الوعي مباشرة بعدما سقط على ركبتيه. مرّ باختبار قاسٍ للغاية. صرف أيّاما عدّة داخل ذلك المجال محاولا تجاوز الامتحان المعطى له. وأخيرا بعدما نجح، لم تعد هناك أيّ طاقة متوفّرة له.

كان إدريس الحكيم قادرا على تخمين ما جرى من خلال تعبيرات باسل وصراخه. عبس هو الآخر وتقدّم نحوه ثم أشربه إكسير علاج.

***********

مرّ الوقت بسرعة، حوالي الثلاثة أسابيع مرّت في لمحة عين. كان الجميع متوتّرا وخصوصا قادة الجيش العظيم. كان الكبير أكاغي قلقا للغاية. انقطع الاتصال بينه وبين باسل في ذلك الوقت على حين غرّة فلم يعلم ما حدث وزاد اضطرابه حدّة.

دعا للنّجاة، وانتظر وصول التّشكيل الّذي سيكون له مساعدة كبيرة. لم يتبقَّ وقت طويل قبل أن تبدأ الحرب العظيمة بين الإمبراطوريّتين. استطاع التواصل مع التشكيل والمعرفة أنهم سيصلون عمّا قريب. لكن وللآن، لازال لا يعلم ما حدث لحفيدته التي لم يسمع عنها لأكثر من شهر. كانت هذه الأوقات عصيبة للغية على الكبير أكاغي.

في تلك الأثناء، وصل التشكيل أخيرا وانضمّ للجيش العظيم. على الأقل بوجود قادة التشكيل الموهوبين سيكونون قادرين على الصمود أكثر. لقد اختبروا مواجهة أقدم كبير من قبل ولم يكن الأمر سهلا أبدا. لولا تركيز الأقدم الكبير فالتشر سابقا على باسل لَما كان غريبا موتهم جميعهم على يديه.

*************

بالظلال، وقف شخص عابس الوجه بينما يحدّق إلى فتاة شقراء مقيّدة ساقطة على ركبتيها أمامه. كان هذا الشخص هو الأقدم الكبير سعير الذي كان نائبه واهج مختطف الأميرة شيرايوكي. كانت نظراته تحمل نية قتل كبير للغاية وتبدو حقودة كما لو أنّه ينظر إلى قاتل والديه.


"أيتها اللعينة، لقد تجرأت وفعلتها حقّا ! انتظري فقط ريثما أرجع تلك المهقاء، ستكون نهايتك حينذاك ولا مفرّ ! إنّه العار الأكبر الذي أتعرض له في حياتي بأكملها ! "

كانت تلك الفتاة الشقراء هي أنمار. كانت ممزّقة الفستان ويغطّي جسمها الكثير من الجروح. كانت في حالة مزرية كما لو أنّها عادت من معركة حياة أو موت.

وجّه الأقدم الكبير سعير نظراته القاتلة إلى نائبه واهج ثمّ قال: "اسمع، أنا ذاهب للّحاق بتلك المهقاء لأعود بها إلى هنا. لا أريد لسيدنا أن يكتشف أنّني سمحت لامرأته بالهروب. قد أموت جرّاء ذلك. لا أريد لأيّ أحد أن يكتشف هذا الأمر أبدا. لا تترك الخبر يصل للقدماء الكبار الآخرين. غطّي عنّي إلى أن أعود."

قال واهج متوتّرا: "حاضر يا سيّدي. لكن كيف ستجد تلك المهقاء؟ نحن لا نعرف أين ذهبوا ! " حدّق عندها إلى أنمار بنظرات شرسة كما لو أنّه يلومها على عدم إيجادهم للهاربين.

أعاد الأقدم الكبير سعير نظراته موجها إيّاها نحو أنمار التي أمامه: "لا بأس. فقدنا أميرة لكن لدينا أخرى. طبقا لجواسيسنا، فهذه الغرّة لها علاقة قريبة بذلك الصعلوك. لذا لا أحتاج لإيجاد المهقاء بنفسي."

كانت أنمار مغمضة العينين في تلك اللحظة بالرغم من أنّها في حالة مزرية وفي وضع خطير. كانت بين يديّ الأعداء في هذه اللّحظات، لكنّها لم تبدي أيّ تزعزع في روحها. وعندما انتهى الأقدم الكبير سعير من كلامه، فتحت عينيها التي انطلق منهما بريق. لم تبدُ أبدا كفتاة تحت قبضة الأعداء. قالت عندها بهدوء: "يبدو أنّك تحاول القيام بمقايضة." ابتسمَتْ ونظرت إلى الشخصين أمامها ثم قالت بنظرة استهزائية وصوت استفزازي: "حظّا موفقا في ذلك."

أحكم الأقدم الكبير سعير فكّه وقبضتيه. بلغ غضبه القمّة ويقوم بقمعه فقط عسى أن ينفجر بسببه. أصبحت الفتاة التي أمامه شيئا مهمّا ليستطيع إرجاع الأميرة شيرايوكي. فلو تسبّب لها بأيّة أضرار الآن، لا يعلم كيف ستكون ردّة فعل باسل على ذلك.

في الحقيقة، حتى لو ضربها وبقيت حيّة فقط سيكون ذلك كافيا للمقايضة بها مع باسل ليعود بالأميرة شيرايوكي، لكن بالتفكير في سيده ظلّ الشيطان، لا يسعه سوى أخذ الحيطة والحذر لكلّ شيء. كان خوفه ما يجعله لا يفكر بشكل منطقي حاليا. جعله الرعب من فكرة عدم عودته بالأميرة شيرايوكي لسيّده يفكّر فقط في الحفاظ على سلامة أنمار ريثما يسترجع الشيء المهم.

فكّر عندها بالأحداث التي حدثت قبل أسابيع عندما أتت هذه الفتاة رفقة الإمبراطور شيرو. في ذلك الوقت، لم يعلم أنّها كانت تستخدم طريقة لقمع مستواها السحري فجعلته يبدو بالمستوى الثاني. لذا لم يلقي لها بالا واعتقد أنّها كانت مرافقة الإمبراطور شيرو في رحلته كوسادة نومه. لكن بعدها سمع ببعض الأشخاص يقتلون أتباعه بمستوطنته الخاصة. فذهب لتفقد الأمر بما أنّه سمع بوجود ساحر بقسم مستويات الربط الثاني بينهم.


كان عدد أولئك الأشخاص ثلاثة. وكلّ واحد منهم اتخذ طريقا مما جعل قتلهم أمرا مزعجا. لكن الشخص الذي كان أكثر إزعاجا كان ساحر المستوى الثامن الذي لم يستطع اللّحاق به أبدا حتى مرّ يوم كامل.

استمرّ في ملاحقة أولئك الأشخاص وتمكّن من قتل اثنين رفقة نائبه واهج. كان هذان الاثنان جنرالين من إمبراطورية الأمواج الهائجة، لكنّه لم يستطع قتل الثالث. وعندما استطاع أخيرا اللّحاق به، اكتشف أنّ الغرفة التي كانت تُحتجز بها الأميرة شيرايوكي قد اخترقت وكُسِر الختم الذي كان عليها.

كان الإمبراطور شيرو مقيّدا بالفعل، وناهيك عن كونه ساحر بالمستوى السابع فقط، لذا لم يكن ليكون بإمكانه كسر ختم حاجز تلك الغرفة الأثري. كان هذا الأمر غريبا للغاية. فعاد لمقرّه ليجد أنّ الفتاة التي أتت مع الإمبراطور شيرو كانت في الحقيقة بالمستوى الثامن وليس بالمستوى الثاني. علم أنّها استخدمت طريقة لقمع مستواها، وكانت تحتاج للوقت فقط لتعود لمستواها الطبيعي.

كان أولئك الأشخاص الذين كان يلحقهم طعما من أجل كسب الوقت لأنمار ريثما تعود لمستواها الحقيقي وتحرّر الأميرة شيرايوكي. وبالفعل، حرّرت أنمار الأميرة شيرايوكي بمساعدة الجنرال منصف وجنرال آخر من إمبراطورية الأمواج الهائلة اللذيْن استغلّا عدم وجود الأقدم الكبير سعير ونائبه فتسلّلا لمقرّه.

كاد الأقدم الكبير سعير يفقد عقله بعدما عاد ولم يجد الأميرة شيرايوكي. كانت أنمار والآخرين قد هربوا منذ مدة بالفعل، لكنّهم لم يكونوا ابتعدوا كثيرا. لذا استمرّ في البحث عنهم بالجزر العديدة وملاحقتهم. قاتلهم أحيانا وهربوا منه غالبا. التقت أنمار بالجنرال رعد الذي كان قد نفّذ مهمته بالكون طعما بشكل مثالي. وهكذا مرّت أسابيع في الاختباء والهرب.

لم يكن بإمكان الأقدم الكبير سعير إخبار أحد القدماء الكبار الآخرين أنّ امرأة سيدهم قد هربت أو حتّى يتركهم يعلمون بالأمر. لذا أمر أتباعه بغلق الطريق لمستوطنات القدماء الكبار الآخرين والتركيز على عدم انتشار هذا الخبر.

كانت مستوطنة كلّ أقدم كبير شاسعة إذْ بلغت عدة جزر. لذا عندما هربت أنمار والآخرين وجدوا أنفسهم محاصرين بهذه الجزر بلا مهرب. وأخيرا بعد الفرار لوقت طويل، استطاع الأقدم الكبير سعير الإمساك بهم. لكن ومرّة أخرى قامت أنمار بجعله يصل لقمّة غضبه. أثناء المعركة التي نشبت بينهم، لم يظن أنّ أنمار ستستخدم نفسها كطعم من أجل صنع طريق لهروب الآخرين.

كانت أنمار بالمستوى الثامن فقط، لكنّها امتلكت فنّا قتاليا أثريا جعلها تقاتل بجدارة ضد ساحر بالمستوى العاشر كـسعير. بالرغم من أنها أتقنت الفن القتالي الأثري للتوّ كان باستطاعتها مجاراة ساحر بالمستوى العاشر. كانت هذه الفجوة بين ساحر بفن قتالي أثري وآخر بدونه.

لذا بينما ينظر الآن إلى أنمار فهو يتذكّر أنّها خدعته لمرّتين. والأهمّ هو أنّها استطاعت النجاح في جعل الأميرة شيرايوكي تهرب. كان الأمر مذلّا للغاية له ولم يستطع تحمّله أكثر.

حدّق إلى أنمار ثم قال: "انتظري فقط ريثما أعيد تلك المهقاء إلى هنا. لَأقتُلنّك أنت وذلك الغرّ بيديّ هاتين."


ابتسمت أنمار الهادئة كما لو أنها موجودة بحضن أمها ثم قالت: "حظا موفقا في ذلك ! "

*************

في هذه الأثناء، كان هناك خيل بحر ملكي يجر قاربا يحمل الجنرال رعد والآخرين. مات في رحلتهم هذه جنرالين ممّا جعل قلب الإمبراطور شيرو حزينا بالرغم من استعادته لابنته. كانت ابنته صامتة طوال الوقت وبدت فارغة العينين كما لو أنّها لا تملك روحا. وعندما حاول التحدّث معها تمتمت ببعض الكلمات فقط: "ليس هناك مجال لنجاتنا أمام ذلك الوحش ! " تذكّرت تلك اليد السمراء التي لمست وجنتها آنذاك فقبضت ذراعيها بيديها وانكمشت على نفسها من الخوف.

حدّق الجنرال رعد إلى الأفق ثم قال: "هل ستكون الفتاة الشقراء بخير يا ترى؟"

كان يوجّه كلامه للجنرال منصف الّذي يجلس بجانبه والذي أجاب بدوره: "لا أعلم. كلّ ما علينا فعله هو الثقة بها. لقد مرّ كلّ شيء كما ظننته حتّى أنقذنا الأميرة شيرايوكي. لكن بعد ذلك بدأت الأمور تنحرف عن المسار المتوقع. لكن السيدة الصغيرة فكّرت في شيء جديد وقرّرت صنع طريق لنا لنهرب. يجب أن يكون لديها فكرة ما في عقلها. هذا ما أدعو له على الأقل ! "

اعتلى وجهه تعبيرا حزينا كما حدث للجنرال رعد والآخرين كلّهم. لقد صنعت لهم طريقا بوضع نفسها في الخطر الذي لا تعلم ما إن كانت ستعود منه حيّة أم ميّتة. كان هذا الأمر صعب البلع واستمرّوا بالتفكير فيها طوال الوقت فقط.

نظر الإمبراطور شيرو إليهما ثم قال بنظرة عبوسة: "هل يجب أن نخبر الإمبراطور أكاغي؟"

استمرّ الجنرال رعد في التحديق إلى الأفق وقال: "لا، سيكون هذا غير ضروري. إنّه أمام حرب كبيرة لا يمكنه ضمان ربحها. بل يمكنك القول أنّه يضمن خسارتها. ما الفائدة من زيادة الطّين بلّة ! لنتمنَّ له الحظّ الجيد فقط ! " فكّر الجنرال رعد بعد ذلك في ذلك الفتى القرمزي وأحكم قبضته. كان يعتقد أنّه لو كانت هناك فرصة للفوز في تلك الحرب العظيمة، فلاشك أنّها ستكون من فعل باسل.

استمر الخيل الملكي الذي وصل عدده لخمسة أفراس في قطع مئات آلاف الأميال بسرعة كبيرة للغاية بالمحيط الشرقي الشاسع.


************

بعد أسبوع من وصول التشكيل. بدأت صورة الأسطول العظيم تظهر في الآفاق. كان جيشا بمئات الآلاف. كانوا جنودا عاديين وسحرة بمختلف المستويات. مازالت هناك عدة أميال بعيدا عن الساحل، وبالرغم من ذلك، كان باستطاعة جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية الإحساس بنية القتل التي تأتي من جهة العدوّ.

لم يعلم أحد لمَ، لكنّ جيش إمبراطورية الرياح العاتية كان متحمّسا للقتال. فقط نية قتلهم التي تقطع الأميال كافية لإثبات ذلك. وباقتراب العدوّ، تحدّث الكبير أكاغي عبر مكبّر الصوت

[لا داعٍ للمقدّمات. لقد كان لديكم أكثر من شهر لتستعدّوا جيدا. سنتّبع الخطط ونبيد العدو الذي يهدّد وطننا. إن خسرنا فسيتم سرقة هذا الوطن منّا. عائلاتنا، وكل المقربين منّا، وأراضينا أراضي أجدادنا، كلّ ذلك سيتم نهبه من العدوّ.]

[إن أردتم حماية أعزائكم وعزتكم، فقاتلوا ولا ترحموا. إنّها الحرب، ليست شيئا ترافقها الرّحمة.]

رفع الكبير سيفه للأعلى ثم صرخ

[إلى الحرب العظيمة]

هوووااااه

صرخ مئات الآلاف من الجنود فجعلوا الأرض تهتز كما لو أنّ هناك زلزالا يحدث. ومباشرة بعدها، كما لو أن العدوّ قد استجاب للصّياح، ارتجف البحر وانقلبت الأمواج بشدة من هول الجيش الذي يتقدم. صرخ العدوّ كذلك مبادلا خصمه.


هوووااااه

انتقلت شحنات القتل بين الطرفين قبل أن يلتقوا حتّى. كانت هناك أميال فقط على وصول العدوّ، لكن بسرعة حيتان قلب البحر العميق، فسيصل في لحظات فقط.

في تلك اللحظات القصيرة، تصاعد التّوتّر بين جنود جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية وأصبح العاديون منهم يحسّون بالرعب أكثر. أمّا السحرة فكانوا في أقصى درجات حذرهم. كلّ ذلك بسبب الجيش العظيم المتقدّم.

جيش عظيم ضد جيش عظيم كوّن حربا عظيمةً. لا يهم من كان سيفوز، فلاشك أنّ كلا الطرفين سيخسران أعدادا هائلة من القوّات. هذا ما جعل الجنود العاديون يرتعبون. فبمثل هذه الحرب العظيمة، أكّد التاريخ دائما فناءهم وإبادتهم لآخر واحد منهم.

ساحر بالمستوى الأول سيسحق جنديا عاديا كالحشرة. كان المستوى بينهما مختلف كثيرا. لذا كانوا شاكرين لموقعهم الحالي، فالكبير أكاغي قد وضعهم بمؤخرة الجيش وليس بالمقدمّة. جعلهم مجرّد دعم صغير وليس قوّة أساسية. قد يكون هذا إهانة لفخرهم كمحاربين للإمبراطورية، لكن لاشكّ أن ذلك سينقذهم من موت بلا فائدة.

ذلك ما فكّر به الكبير أكاغي، خصوصا بعد ظهور الإكسيرات في الشهور الأخيرة. ارتفع مستوى السحرة أكثر ممّا سبق أن كان عليه بدرجات فـصار سحرة المستوى السادس يظهرون بسرعة كبيرة. فلقد كان هناك سحرة بقمّة المستوى الخامس، لكن بسبب كبرهم في السّن لم يعُد بإمكانهم الاختراق، وبمجرّد ما أن ظهرت الإكسيرات استطاعوا الانتقال للمستوى التالي.

خمّن الكبير أكاغي كثيرا في هذا الأمر، في الواقع، كان قد تكلم مع باسل ذات مرة حول هذا. حينذاك، قال له باسل أنّه في القريب العاجل لن يكون هناك حاجة للجنود الطبيعيين في القتال بعد الآن. سيكون هناك حاجة للسحرة فقط.

ما يزال الآن الجنود العاديون بإمكانهم إظهار تغيّر ولو كان بسيطا في مجرى الحرب، لكن من خلال كلام باسل، علم الكبير أكاغي أنّه في ذلك الوقت الموعود، لن يكون هناك أيّ مجال للجنود العاديين على الإطلاق أن يحدثوا أيّ تغيّر طفيف. سيكون مصيرهم الموت بدون القيام بأيّ حركة.

في الجانب الآخر، كان هؤلاء الجنود العاديون هم مقدمة الجيش. لم يكن هناك 'كريمزون أكاغي' ليشفق عليهم. كان أحد قدماء حلف ظل الشيطان الكبار هو الموجود. لم يهتم شهاب جرم بموت كلّ أولئك الحشرات الذين لا فائدة منهم. لو كانوا سيصنعون أيّ فارق فذلك أمر مسعِد، ولو ماتوا فقط فلم يحدث شيئا.


في مجرد لحظات وجيزة تصاعد التوتّر لمرحلة جديدة وأكل قلوب الضعفاء. لكن ضعفاء العدوّ المتقدم لم يكن هناك أمامهم خيار على ما يبدو. فباقترابهم أصبح جليّا سبب حماسهم المروع ذاك. ببساطة، لم يكن ذلك حماسا على الإطلاق، كان مجرّد غريزة لدى كل مخلوق حيّ.

الخوف !

الخوف من الشيء المرعب جعلهم في هذه الحالة المهولة. فبدل أن يرتعدوا من العدوّ الذي أمامهم، كانوا في الواقع يهابون الشخص الذي يقودهم. لا أحد يعلم ما فعل بهم، لكن لاشكّ في أنّه أمر جعل من الجنود يتمنّون الموت في الحرب على عصيان أمره.

حتّى السحرة من إمبراطورية الشعلة القرمزية جعلهم هذا المنظر البشع يحسون بالبرد يتخلل عظامهم. فقط ما الذي يمكنه جعل جندي طبيعي أن يجعل ساحرا ماهرا يخاف. كلّ هذا أظهر لهم طبيعة العدوّ المريعة. وبالتفكير في ذلك، لم يسعهم سوى التوقّف عن التفكير خشية أن تهرب منهم عزيمتهم.

مرت اللحظات الوجيزة كقرن من القتال النفسي على جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية. لكن لحسن الحظّ ما زال أثر كلام الكبير أكاغي موجودا. نعم، هذا صحيح، لو خافوا هنا فماذا عن أعزائهم؟ لو سمحوا للعدوّ بالمرور الآن، فلن يبقى لهم موطن ولا مواطن ينتظرهم. كل ذلك سيصبح رمادا.

كانت هذه هي الحرب العظيمة !

انتهى التعذيب النفسي قبل أن ينهي عزيمة الجيش، وحدث الاصطدام.

توقفت حيتان قلب البحر العميق عن التحرك كما فعلت السفن التي تجرها. كان أسطولا عظيما وصل عدد سفنه إلى المائة. وبمجرّد ما أن توقفت السفن حتى طار الجنود العاديون أوّلا منها فكان عددهم يصل لمائتي ألف. كلهم اندفعوا نحو الواجهة الأمامية للعدو.

ووش ووش ووش

انطلقوا بأقصى سرعاتهم، لكن وا أسفاه، كان أمامهم سحرة المستوى الرابع. انطلق هؤلاء السحرة بشكل موحّد وكان يبلغ عددهم خمسين ألفا.


كانت النتيجة واضحة، بالرغم من هيجان المائتي ألف وحماسهم غير الطبيعيّ، لم يكن بإمكانهم الصمود أمام الاندفاع للسحرة. بنية ساحر بالمستوى الأول الجسدية تساوي ثلاثة أضعاف الشخص الطبيعي، ناهيك عن السحر. لذا بعد التقائهم فقط، أباد سحرة المستوى الرابع ربع المائتي ألف من الجنود الطبيعيّين. كل ساحر قتل واحدا، فأضحت المائتا ألف مائةً وخمسين ألف.

كان هذا هو الفارق الذي لا يمكن زعزعته. تأكّد الكبير أكاغي أكثر بعد رؤيته لهذا المنظر. لم يكن هناك مثل هذا العديد الكبير من سحرة المستوى الرابع قبلا، لذا كان المنظر مرعبا للغاية. خصوصا للجنود الطبيعيين من إمبراطورية الشعلة القرمزية، فهم شعروا أنّهم الأشخاص الذين يذبحون.

مباشرة بعد ذلك، انطلق سحرة إمبراطورية الرياح العاتية كذلك ونشبت الحرب العظيمة الحقيقيّة. بدت الرؤوس تتطاير كالحجارة التي يلعب بها الأطفال. قُطِعت الأجساد كتقطيع الخشب لصنع الحطب. وصنِعت أمطار من الدماء كيوم عاصف.

تزلزلت الأرض بتحرّك الطرفين فاشتدّ هرْجهم وترامى مرْجهم. وعندما كاد ينتهي أخيرا أمر الجنود الطبيعيّين، انكبّ جيش إمبراطورية الرياح العاتية كلّه مرّة واحدة على عدوّه. صدر صوتٌ دبّ الرعب في قلوب الحلفاء والأعداء على حد سواء. لم يكن الصوت غاضبا ولا هادئا.

"اليوم هو آخر يوم لإمبراطورية الشعلة القرمزية. كل القوات، هجوم ! "

بسبب ذلك، لم يعد بإمكان أيّ جندي من إمبراطورية الرياح العاتية التوقّف وهلعوا نحو العدوّ وازدادت المعركة حدّة. وصلت شرارة القتال لجنود إمبراطورية الشعلة القرمزية الطبيعيّين أيضا فأدخِلوا رغما عنهم في المعركة.

كان بذلك الوقت شهاب جرم ما يزال بإحدى السفن منتظرا. قال ذلك الكلام لسبب واحد؛ أراد أن يظهر ذلك الشخص بأقصى سرعة.

تمتم بينما يجلس على عرشه: "لقد استخدمت البحث السحري من منطقة لأخرى، لكنّني لا أستطيع إيجاد أيّ ساحر بالقسم الثاني. أمازال بالوكر؟ ظننت أنّه سيهرع إلى هنا ويكون ينتظرني ! ما الذي يؤخرّه؟"

كان شهاب جرم يفكّر طيلة الوقت في باسل. كلّ ما أراده في الواقع هو ظهوره ليقاتله. حذّره الأقدم الكبير سعير بشأنه لكنّه لا يهتم إن كان ذلك صحيحا بالفعل أم لا. بناء على كلام فضيلة كرم، لاشكّ في أنّ ذلك الفتى يملك ورقة رابحة. لكن يبدو أنّه لا يستطيع استخدامها كما شاء وإلّا كان قد قتل فضيلة كرم في أول فرصة سنحت له.


بمثل هذا التفكير، لم يمانع قتاله. أراد أن يخرج غليله الذي يكبحه من أجل باسل. هو حتّى الآن مازال هادئا. فتلك كانت طبيعته بالرغم من وجهه العابس بشكل طبيعيّ. أصبح أقدما كبيرا قبل سنتين. كان شخصا تائها فيما قبل ويبحث عن طريق يتبعه. في ذلك الوقت ظهر أمامه سيّده ظلّ الشيطان. وبنفس الوقت، علم أنّه وجد الطريق الذي لطالما بحث عنه.

كشخص كان عبدا طوال حياته حتّى حدث الدمار الشامل، كان هذا الطريق مغريا له للغاية وبدا كمسار يحمل معه كلّ ما أراده في حياته بأكملها وسعى له. في الواقع، لا يهتم أبدا ما إذا كانت السيادة العظمى التي تحدث عنها سيّده حقيقية أم لا. ربّما كلّ ما أراده قد تحقّق بالفعل. لذا نادرا ما كان يغضب أو ينفعل. شعر أنّ كلّ شيء في هذا العالم غير مهمّ حقا. فكّر شهاب جرم في هاته الأشياء لمدّة طويلة، وأحسّ أنّه اقترب من الإجابة شيئا فشيئا.

وفي تلك اللحظة، تفرقع الهواء بعيدا في السّماء وأحدث صوتا كبيرا. شدّ هذا الصّوت انتباه الجميع مع أنّهم لم يتوقفوا عن القتال. لحظة من التوقف تعني موتهم الأكيد. لن يخاطروا بفعل هذا الشيء !

وباقتراب هذا الصوت من بعيد، لاحظ بعض الأشخاص أنه شخص يطير. لم يعلم أحد من هو، لكن باقترابه ظهرت ابتسامة على وجه الأقدم الكبير شهاب جرم الذي جلس بداخل السفينة.

بووم

انفجرت إحدى السفن فظهر منها شهاب جرم تلتفّ حوله النار. صعد للسماء بعاصفة نارية صغيرة أسفل قدميه وحدّق إلى الشخص القادم محلقا.

اقترب ذلك الشخص أخيرا وظهرت صورته جيدا بعدما توقف.

قال تورتش بفرح بعدما رأى ذلك الشخص: "سيدي باسل ! "

"الجنرال الأعلى؟"

"قاتل الدم القرمزي؟"


انتقل الخبر بين صفوف الحلفاء والأعداء.

حدق باسل بعينين قاتمتين نحو ساحة المعركة ثم عبس وتمتم: "حقّا أكره رائحة الدم ! "

بعد رؤيته لباسل يحلّق في السماء، قطَب أخيرا شهاب جرم ذو الوجه العابس طبيعيا ثم تكلم: "لقد أت..."

وقبل أن يتكلم حتّى صدر صوت باسل المرتفع للغاية المرافق لنيته وهالته. نزل صوته هذا على ساحة المعركة وانتقل عبرها متخلّلا أجساد كلّ شخص موجود.

"توقّفوا عن القتل الذي لا فائدة له ! "

لم يعلم أحد ما الذي يقوله باسل، لكنّه لم يتوقف عند ذلك الحدّ وأكمل: "أنا لا أحب سفك الدماء بدون سبب. سأفضل لو لم تعيقوا طريقي. فكلنا يعلم، هناك عدوّ واحد، وهو حلف ظلّ الشيطان. وواحد من قدمائهم الكبار هناك أمامكم ! لمَ الحاجة لغضّ النظر عن ذلك؟"

مع أنّ باسل قد تكلم، إلّا أنّ جيش إمبراطورية الرياح العاتية لم يتوقّف واستمر في القتال بجنون ممّا جعل جيش إمبراطورية الشعلة القرمزية يواصل القتال أيضا كي لا يموت. استمرّت الدماء في الرشّ وطلِيت الأرض باللون الأحمر. وكلّ ذلك زاد من شدّة رائحة الدم في الأجواء.

ابتسم شهاب جرم ورفع يده قبل أن يقول: "إنّ ذلك بلا فا..."

ومرّة أخرى، قبل أن ينهي كلامه، اقتطعه باسل بصراخه: "لقد قلت توقفوا ! "


كان صوته كقنبلة فسمعها كلّ شخص رغما عنه وصعقهم. هذه المرّة لم يحمل صوته نيته فقط وهالته. لقد اصطحب معه نية قتله وعزمه وحسمه. لم يكن يحتوي فقط على مستواه السحري، وإنما وجوده نفسه. كانت صرخة قاتلة تجعل الروح تتزعزع.

عمّ الهدوء مباشرة بعد ذلك في ساحة المعركة بأكملها. وكما لو كان هناك ضباب يغلف أعين جيش إمبراطورية الرياح العاتية فانجلت لهم الرؤية الواضحة أخيرا وأصبحوا واعيين. اتسعت حدقاتهم ونظر كلّهم بدون استثناء، أيّ شخص موجود بساحة القتال وجه عينيه نحو باسل العائم في السماء.

قال بعد ذلك باسل: "حسنا، نحن جيّدين الآن."

كان باسل يفكّر في المستقبل لا الآن. لو لم يكن هناك خيار آخر حقا سوى القتال، فلن يتردّد في القتل. فذلك حدث مع عائلة غرين. علم آنذاك أنّ ليس هناك طريق آخر غير القتل. فحتى لو كانت عائلة غرين قد استسلمت، لم يكن باسل سيرحمهم. من يجب أن يموت يمُت. فعلت عائلة غرين أشياء أكثر ممّا يمكن مسامحتها. على الأقلّ ليس بالعالم الذي يطمح باسل صنعه.

تعلّم باسل ماهية القتل في السنتين اللتين تدربهما مع معلمه بلحمه ودمه. جرّب القتل لأول مرة بالثالثة عشر، واستمرّ في أخذ ذلك الطريق منذ آنذاك. لو لم يكن هناك خيار سوى القتل، فلا مفرّ. واجَه عدوّا يحمل نية قتل تجاهه يبادله بالمثل. مازال كلام معلمه يتردّد بعقله في كلّ مرّة يواجه بها خصما بنية قتل؛ "واجه نية قتل بنية وئام وستجدُك مواجها الحِمَام ! "

لكن، لم يكن هناك حاجة ولا سبب في قتل جيش إمبراطورية الرياح العاتية. على العكس، كلّ ما سينتج عن ذلك هو مزيد من الخسائر الضارّة. سيتعرض كلا الطرفين لخسارة مهولة، وتنقص القوّة اللازمة عند الوقت اللازم. لم يكن جيش إمبراطورية الرياح العاتية كعائلة غرين.

حدّق باسل أخيرا إلى الأقدم الكبير شهاب جرم ثم قال: "يبدو أنّك كنت ستقول شيئا. حسنا، أظنّه غير مهمّ. لمَ لا نبدأ فقط؟"

حملق باسل إلى الأقدم الكبير شهاب جرم بعدما أنهى كلامه بنظرات مستحقرة.

في المقابل، كان حاجب شهاب جرم يهتز وأحكم قبضته. كان شخصا لا يغضب بسهولة، ودائما يحافظ على هدوئه في كلّ الحالات. لكن كانت هناك حالة لا يمكنه التحمّل فيها ويرتفع غضبه لأقصى الدرجات. كان ذلك عندما يقاطعه شخص ما عن الكلام ولا يعطيه أيّ اهتمام.

لم يقم باسل فقط بتجاهله، بل وقاطعه ثم حدّق إليه كأنّه حشرة. لم يستطع شهاب جرم الصبر أكثر وبدأت عروقه تبرز بوجهه مع اهتزاز حاجبيه معا فأطلق هالة قاتلة. انتشرت هذه الهالة بساحة المعركة بأكملها والتقت بالخاصة بباسل فحدثت مشاحنة بينهما ممّا جعل كل شخص موجود يشعر بالارتجاف من ذلك الصراع.

حينذاك، غطّت طاقته السحرية الأرجاء وأظهر مستواه السحري الذي جعل من كلّ السحرة أسفلهما يبدون كحشرات فقط. كان بالمستوى العاشر، ولم يكن ممكنا لسحرة قسم مستويات الربط الأوّل الوقوف لمجابهته.

ومع ضغط هالته، صدر صوته الغاضب: "أيها الوغد، ألم يعلّمك والديك السكوت عندما يتكلّم الكبار؟"

انتشر صوته حاملا نية قتله في الساحة ممّا جعل الجنود على الأرض يجرّبون نفس الإحساس الذي شعروا به عندما أوقفهم باسل. مع أن هذا الكلام لم يكن موجّه نحوهم ولا تلك النيّة، إلّا أنّهم ارتعدوا من قوة شهاب جرم التي أمكنها جعل كلّ شخص يفهم أنّه بإمكانه سحقهم كالصراصير. فقط بخطوة منه يمكنه جعلهم في خبر كان.

لم تتزعزع عينا باسل أبدا وحافظ على هدوئه المخيف ذاك ونظراته المهينة تلك. قال بنبرة سلسة: "نعم معك حقّ. عندما يتكلم الكبار يجب أن يخرس الصغار. أوليس ذلك ما فعلتُ بالضبط؟"

كانت كلمات باسل مستصغرة كما فعلت نظراته. كان في تلك الحالة يبدو كأنّه الكبير ويحادث الصغير الوقح. كان هذا هو تصرّف باسل تجاه أمثال حلف ظلّ الشيطان.


لم يخمد غضب شهاب جرم فقط بل وازداد هياجه. شحن طاقته السحرية لأقصاها ثم استل سيفه الأثري ووجّه طاقته السحرية إليه، ففعّله مطلقا العنان لقوّة السيف التي عزّزت من الطاقة التي تلقاها ومرّرها عبر النقوش الأثرية التي أضافت نكهتها.

كان السيف الأثري محاطا بالنار، وبعد لحظات رُكِّزت تلك النار وجُمِع اللهب المتشتت فبدى كأنّه يعود للسيف الأثري الذي كان مصدره الأصلي. كان شهاب جرم في تلك الأثناء يتحكّم بسيفه الأثري.

أصبحت طاقة السيف الأثري هادئة ولم تعد تهتزّ كقبل. فبدى بعد ذلك السيف كأنه أصبح لهب. كأنه نصل مصنوع من اللهب وليس من المعدن.

حدّق باسل إلى السيف الأثري الذي تحوّل إلى نصل لهبيّ، فضاقت عينيه قليلا ثم تمتم: "يبدو أنّه لم يبلغ التحكم المثالي كلّيا. لكن... لم يتبقّ له سوى خطوة عن ذلك فقط ! والأكثر أهمية، يستطيع التحكم بذلك الإتقان في سلاح أثري بالدرجة الخامسة ! إنّ قوّته أكبر ممّا سمعت. يبدو أنّ كلّ القدماء الكبار يخفون قوّتهم الحقيقيّة للّحظات المناسبة. الأمر نفسه كان مع فضيلة كرم."

تذكّر فضيلة كرم وموهبتها الخارقة. كانت موهبتها صادمة ويمكن مقارنتها مع الخاصة به. لم يرد تركها على قيد الحياة لأنّها ستكون خطرا كبيرا للغاية، لكنّها فلتت من قبضته.

كان باسل حاليا يطير بالسماء مثله مثل شهاب جرم عن طريق عاصفة نارية. فهذه الأخيرة كانت السبب في الضوضاء التي صنعها عندما أتى. ولم يبدُ عليه التفكير كثيرا في الطاقة السحرية التي تضيع منه بطيرانه ذاك.

كان جلّ تركيزه حاليا على الأقدم الكبير شهاب جرم الذي انتهى أخيرا من استعداداته. ساحر بالمستوى العاشر بتحكم شبه مثالي؛ في مواجهة مثل هذا العدوّ، ما كان باسل مهملا.

لكن، بالرّغم من مشاهدته لمستوى شهاب جرم، لم يكن متوتّرا أو خائفا. فاجأته قدرات شهاب جرم لكنّها لم تزعزع قلبه.

أخرج باسل سيفيه الأثريين ثم شحذ طاقته السحرية بهما فأصبحا نصلين لهبيّين بسرعة كبيرة. كان ذلك هو تحكّمه المثالي. لكن يبدو أن بلوغ التحكّم المثالي في السيفين الأثريين بالدرجة الثالثة أصبح أسرع له ممّا كان فيما قبل. في لحظات فقط استطاع التحكّم فيهما مثاليا.

كان الاثنان مستعدين بالكامل، ومع ذلك، لم يقم أحدهما بالتحرّك لمدة طويلة وعمّ السكون أكثر ممّا كان فأصبحت الرياح فجأة تبدو كأنّها تحمل بردا قارسا جعل كلّ شخص على الأرض يرتعد ويقف شعر جسده كلّه.


كان ذلك هو الإحساس الذي أطلقه الساحران في السماء من خلال رفع حذرهما لأقصى الدرجات وتبادلهما القتال الذهني قبل الجسدي.

بووم

انفجرت النيران تحت قدميّ الأقدم الكبير شهاب جرم فقلصّ المسافة التي بينه وبين باسل إذْ كانت نصف ميل فأصبحت عشرين متر.

رفع يده للأعلى ونزل بها فخلق ارتجاجا بالهواء. تشكّلت نار كان مصدرها السيف الأثري فكانت عبارة عن سيف ناريّ ضخم للغاية. كان هذا السيف الناري العملاق حارا للغاية وبدى كما لو أنّه يستمدّ قوته من الشمس لا من السيف الأثري. ومع نزول ذراع شهاب جرم، هبط السيف العملاق الناري على باسل.

زبااام

كانت قوّة ذلك السيف مرعبة للغاية فكان بإمكانها جعل سحرة المستوى السابع رمادا بمجرد الاقتراب منها. كانت تلك النار جحيميّة ويمكنها إبادة كل ما تلمسه فتلتهمه.

وسُعت حدقات الحاضرين وارتعبوا من ذلك الهجوم. خصوصا الجنود العاديين وسحرة المستوى الثاني إلى الثالث؛ لو أنّ المئات منهم حاولوا صدّ ذلك الهجوم فلن ينجحوا وسيتعرض أغلبهم للموت بينما الباقي سيكون نصف ميّت. أما باقي السحرة فعلتهم قوّة ذلك الهجوم يرتعدون كثيرا. في مواجهة هجوم كذاك لن يكون مصيرهم سوى الاحتراق لرماد.

لكن، ظهر باسل بعدما انجلاء البخار واقفا في مكانه غير حادث له أي شيء. كما لو أنه لم يتعرّض لذلك السيف العملاق الناريّ أبدا. حتّى الأقدم الكبير شهاب جرم تفاجأ برؤيته لباسل سليما كلّيا وبدون أيّة جروح ولو طفيفة.

كان في تلك الأثناء حاجز يمتد من جسد باسل ويحيط به من كل زاوية. بدا الحاجز كأنه عبارة عن طاقة تحيط جسد باسل. كان ذلك عنصر التعزيز الذي امتدّ من جسد باسل وكوّن حاجزا فحماه من كل الأضرار. كان هذا الحاجز مدعمّا بقوّة السيفين الأثريّين أيضا.

سلاح أثري بالدرجة الثالثة بتحكم مثالي يكون كسلاح أثري بالدرجة الخامسة. ومع أنّ شهاب جرم كان يتحكم في سلاحه الأثري بشكل شبه مثالي، إلّا أنّه لم يستطع التفوّق على باسل.


كان هذا مستحيلا ! يمكن لسيفي باسل الأثريّين مجاراة سلاح أثري بالدرجة الخامسة بشرط ألّا يكون مستخدمه يتحكّم بشكل جيّد فيه كشهاب جرم، لذا في مثل هذه الحالة لم يكن يجب أن يكون ذلك ممكنا.

كان هناك تفسير واحد لا غير. مع أن الأقدم الكبير شهاب جرم لم يرد تصديق ذلك، إلّا أنّه لم يجد توضيحا آخر غيره.

تكلم غير مصدّق لما يقول: "هل عنصر التعزيز الخاص بك يتجاوز المستوى العاشر؟"

حملق باسل إليه ولم يجب. أثناء قتال باسل لفضيلة كرم، عندما بلغ القسم النهائي من المستوى السابع وضعُف الختم أكثر، صارت طاقة عنصر التعزيز تصل للمستوى العاشر. لكن، يبدو أنّها أقوى من المستوى العاشر الآن.

تراجع الأقدم الكبير للخلف. أخمد النار تحت قدميه ونزل على الأرض منتظرا باسل ليفعل المثل. كان يستهلك الاثنان معا طاقة سحرية بالتحليق في السماء، لذا لمّح شهاب جرم للقتال بالأرض.

وبالطبع، استجاب باسل لطلبه ذاك بما أنّه ينفعه هو الآخر. ابتسم شهاب جرم عند مشاهدته لنزول باسل وأخرج سيفا أثريا آخرا. حدّق إلى باسل بنظرات متعجرفة بوجهه العابس ذاك كما لو أنه يخبره أنّه ليس الشخص الوحيد الذي يمكنه استخدام سلاحين أثريّين في آن واحد.

ارتفعت طاقته السحرية أكثر وانتشرت هيمنته على المحيطين فجعلهم يهربون إلى أقصى بعد ممكن لتجنب المعركة التي تحدث بين الاثنين. فقط بوقوفهم بساحة معركتهما سيندثرون.

نقُص تحكم شهاب جرم الشبه مثالي لكنّه لم يضعف كثيرا ومازال أفضل من سيفي باسل الأثريّين ولو بالتحكم فيهما مثاليا.

وبمجرد ما أن نزل باسل على الأرض حتّى غرس شهاب جرم سيفيه الأثريين في الأرضية أسفله وصرخ: "فلتنفجر ! "

بووم


كما لو أنّ النار انتقلت من خلال الأرض وصعدت من تحت باسل، انفجرت المنطقة أسفل باسل واتجهت نحوه حجارة ملتهبة كانت كشظايا نيزك بعد سقوطه. انطلقت تلك الحجارة النارية في كلّ مكان مصاحبة الانفجار وقتلت العديد من الجنود الذي ظنوا أنّهم في مأمن.

سرعة تلك الحجارة كانت كبيرة للغاية وقطعت أميالا بسهولة. وأول من قُتِل بسببها كان الجنود الطبيعيّين الذين اخترقت أجسادهم كقطع من الورق. وبعض سحرة المستوى الثاني والثالث قتلوا كذلك بالرغم من دروعهم السحرية. فقط واحدة من الشظايا كانت شفرة آتية من ساحر بالمستوى العاشر.

فقط سحرة المستوى الرابع فما فوق استطاعوا تجنب الشظايا واحدة بواحدة، لكن لو وجدوا أنفسهم أمام مجموعة منها فيُخترقون أيضا بالرغم من دفاعاتهم.

كان باسل حاليا في مواجهة هذا الهجوم. للدقة، كان في مركزه، ومعظم الشظايا بمختلف أحجامها استهدفته. كانت هناك حجارة بحجم القبضة والأخرى بحجم جذع الإنسان. وكلّها كانت مدعمة بعنصر النار.

لم يكن شهاب جرم ليستطيع القيام بمثل هذا الهجوم لولا امتلاكه ذلك العنصر بالضبط. كان ذلك العنصر هو سحر الأرض.

طبقا لتحكم شهاب جرم، أصبح عنصر الأرض ممرّا لعنصر النار بباطن الأرض وانفجر الاثنان معا عندما بلغ سحر النار المنطقة أسفل باسل. كان هذا عنصر شهاب جرم الثاني والذي استطاع أن يلائمه مع عنصر النار بشكل مثالي.

بااام

انفجرت النيران فظهر باسل من وسط العاصفة الحجرية النارية التي صنعها شهاب جرم بعدما تشتّت. كانت هناك بعض الجروح الطفيفة عليه لكنّها لم تكن بمشكلة له على الإطلاق.

عبس شهاب جرم ثم قال: "حتّى مثل هذا الهجوم لا ينفع إذا."

استخدم باسل هذه المرّة عنصريْ النار والتعزيز معا لينجو. لكن، مازال شهاب جرم يستغرب ويتعجّب. لقد أظهر باسل للتّو طاقة سحرية من عنصر التعزيز كبيرة للغاية. حتى أنّها تجاوزت القسم الأولي من المستوى الحادي عشر. كانت أقوى من التي أظهرها سابقا.

تكلم باسل: "يبدو أنّ موهبتك في التحكّم جيّدة للغاية. لكن، ليست أفضل منّي للأسف. كنتَ قريبا ! "

مع أن الأقدم الكبير دمج عنصريه وتحكم فيها بشكل جيد للغاية ثم هاجم باسل، إلّا أنّ هذا الأخير كان مستواه في التحكم أكثر إتقانا. دمج باسل عنصريْ التعزيز والنار فشكل حاجزا ناريا معزّزا حماه قبل أن يفجّرَ هذا الحاجز نفسه ليشتّت تلك العاصفة من الشظايا الحجرية النارية.

صرّ الأقدم الكبير شهاب جرم أسنانه وقرّب سيفيه من بعضها بتقريب يديه ثم غرسهما في الأرض مرّة أخرى.

هرب الجنود إلى مكان أبعد عندما شاهدوه يفعل ذلك خوفا من الموت. لكن هذه المرّة لم يكن الهجوم كالسابق، هذه المرّة لم تنفجر الأرض وإنّما تشققت بدل ذلك ثم صعد منها كرات حجرية بحجم الإنسان. كانت هذه الكرات الحجرية ملتهبة وتبدو كأنها من قاع بركان.

باستخدامه لعنصري النار والأرض معا. أخرج من الأرض أحجارا ساخنة من الباطن قدر ما استطاع أن يتعمق. ثم عززها بعنصريه فجعل تلك الكرات الحجرية تصبح كنيازك صغيرة يمكنها إبادة مئات الجنود بالمستوى السادس بكل سهولة.

أخرج سيفيه من الأرض وصرخ: "فلنرَ كيف ستنجو من هذا الآن ! "

بمجرد ما أن قال الأقدم الكبير شهاب جرم ذلك، رفع سيفيه ولوّح بهما تجاه باسل بقوة جنونية. بدا كأنّه يحرّك شيئا ثقيلا للغاية من خلال القوّة الجسمانية التي لوّح بها ذراعيه.

وفي الحال، تحركت الكرات الحجرية النارية التي بلغ عددها العشرين بسرعة صاعقة لا يمكن إيقافها نحو باسل. كل كرة حجرية أطلقت حرارة وألهبة جعلت الحاضرين يذوبون من الخوف. كلّ كرة كانت قادرة على محو المئات منهم وجعلهم غير كائنين.

بوف بوف بوف

أطلقت العشرين كرة حجرية نارية صوت نفث فكانت تبدو كأنها تبصق النار. بدت كأنّها حيّة وتستهدف باسل بنيتها الخاصة. ثقبت الهواء وعبرت مسافة الألف متر في لحظة فبلغت باسل.

باام باام بااام

كرة حجرية بعد الأخرى اصطدمت بباسل وانفجرت موّلدة بذلك دمارا هائلا بالمنطقة المحيطة. كلّ كرة كانت كافية لتخلف ارتجاجا بالهواء وتسبب صداعا للحاضرين البعيدين. قَشْعر الخوف جلودهم وأثار رغبتهم في النجاة بالرغم من أنّهم كانوا بعيدين كفاية بحيث لا يتأثرون بالدمار.

كانت قوة كلّ كرة كما لو أنّها أقوى تقنية لساحر بالمستوى السابع. وعشرون منها جعلها مدمّرة للغاية. لو وقف ساحر بالمستوى التاسع أمامها بلا وسيلة للدفاع، فمصيره الموت لا غير.


انفجار بعد الآخر حتّى تمّ الانفجار العشرين والأخير. تحولت المنطقة لوادٍ محروق وبدت كأنها نتاج لنيزك ساقط. لم يسع الحاضرون سوى أن يفتحوا أفواههم غير قادرين على الإحساس بأرجلهم المرتجفة.

تنهد الأقدم الكبير شهاب جِرم وتنفس بشكل صعب قليلا. كانت هذه الهجمة إحدى أقوى الهجمات الخاصة به. يدمج بها عنصريه ويستخدم سلاحين أثريّين بالدرجة الخامسة بالإضافة إلى التحكّم عن بعد. كان ذلك مرهقا للغاية.

ومع ذلك، ظهر باسل من الوادي المحترق ببعض الغبار عليه مع جروح طفيفة كالتي حدثت له من قبل. جعل الأفواه التي اتسعت تلتقي بالأرض من شدّة الصدمة عندما ظهر بذلك الشكل. كلّ شخص ظنّ أنّ حالته ستكون خطيرة بما أنّه تلقّى ذلك الهجوم مباشرة هذا إن لم يمت. لكن، يظهر مرّة أخرى كما أنّ مثل ذلك الهجوم المرعب لا أثر له عليه.

كان ذلك مرعبا للغاية، وبالطبع أكثر إرهابا لصاحب الهجوم شهاب جِرْم الذي يعلم تماما ما هو ذلك الهجوم.

كان ذلك هجوما يستنزف الكثير من طاقته السحرية من كلا العنصرين، ويرهقه بدنيا وذهنيا. وبالرغم من ذلك، بدا كما لو أنّ كلّ جهوده لم تثمر إطلاقا.

"كيف؟ ! " صرخ شهاب جِرم غير مصدّق لما حدث أمام عينيه، لكنّه استعاد رشده بسرعة ولم يترك هذا الأمر يشغل باله فغرس سيفيه مرّة أخرى بالأرض وصرخ شاحنا طاقته السحرية شاحذا إياها بسلاحيه غامرا بها الأرض.

بقق بقق بقق

فُرقِعت الأرض أسفل باسل فانفجرت مباشرة مطلقة عامودا من شظايا الحجرية المصاحبة للنار الملتهبة. كان ذلك العامود كعقاب أتى من الجحيم. انطلق نحو السماء وباسل بمركزه. كان ذلك الهجوم عكس الذي سبقه. كانت الكرات الحجرية النارية سابقا عبارة عن قوّة متفرقة على عدّة، لكن هذا العامود كانت قوّته موحّدة ومركّزة بشكل كبير. كلّ هذا كان يمكن فعله فقط بتحكّم مثير للإعجاب كالخاص بالأقدم الكبير شهاب جِرْم.

وفي تلك الأثناء، انبثقت شعلة لامعة وسط العامود الحجري الناري محاطة بضوء أزرق فاتح قريب للأبيض ثم اتسعت بسرعة كبيرة. وفي لحظة، تبدّد العامود الحجري الناري ولم يعد موجودا. وبدلا منه، أصبح هناك عامود من النار المحاطة بضوء أزرق فاتح أقرب للأبيض.


كان باسل يتمركز ذلك العامود، وعندما شاهده شهاب جِرم بصق الدماء من الدهشة وأثر التقنية التي نفّذها قبل قليل وأوقِفت رغما عن تحكّمه فيها.

"ما الذي يحدث هنا على هذه الأرض بالضبط؟"

صرخ الأقدم الكبير شهاب جرم بصورة غير معقولة بسبب ما يشاهده من مستحيل أمام عينيه. ومع ذلك، ومرّة أخرى، لم يتوقّف فرفع سيفيه للأعلى. تكونت كرات نارية فوق رأسه وبدأت تتغلّف بالحجارة بسرعة. كانت هذه الكرات الحجرية النارية مختلفة عن السابقة. هذه المرّة كانت الحجارة مكونّة من طاقته السحرية فقط، وكانت هي التي تحيط بالنار لا العكس. كان من الواضح أن هذا الهجوم أشرس من جميع الهجمات التي سبقته.

وبينما يشحن طاقته السحرية بجنون، سمع صوت قادم من باسل الذي هدّأ طاقته وعاد للوضع الطبيعي: "مازلت تحاول ! يجب أن تكون قد أدركت في الهجوم السابق؛ كل ما تفعله بدون فائدة، ولا ينتظرك سوى الموت."

قطب شهاب جِرم بوجهه العابس طبيعيا ولم يلقِ بالا لكلام باسل، فهو كان ساحرا بالمستوى العاشر بالقسم النهائي. قالت فضيلة كرم أنّ هذا الفتى الذي أمامه يملك قوّة غريبة نوعا ما، لكنّها أشارت إلى أنّ حدوده هو المستوى العاشر فقط.

بسبب ذلك، كان الأقدم الكبير شهاب جِرم واثقا من الفوز بسهولة. هو الذي لم يتبقّ له سوى خطوة واحدة ليخترق للمستوى الحادي عشر لن يُهزم من فتى دخل للمستوى العاشر للتو. لكن، ما الذي يحدث بالضّبط أمامه الآن؟ ذلك الفتى يستمرّ في تلقي هجماته والنجاة منها بسهولة.

في الواقع، ظنّت فضيلة كرم أنّ باسل بالمستوى العاشر لأنّ عنصر التعزيز الخاص به بلغ ذلك المستوى حينذاك، لكنّه كان في الحقيقة ساحرا بالمستوى السابع فقط ونتيجة لاختراقاته المتتابعة آنذاك ضعُف الختم قامع طاقة العالم وارتفعت كميّة الطاقة السحرية الخارجية التي تتوغل لجسده جاعلة بذلك عنصر التعزيز يبلغ المستوى العاشر بعدما كان في المستوى التاسع. وبالطبع، في ذلك الوقت كان الختم ضعيفا للغاية، ووجب أن يكون مكسورا أصلا لولا مساعدة القطعة الأرضية في محافظته على قوته أكثر.

والآن، أمام عيني الأقدم الكبير شهاب جِرم، لم يكن عنصر التعزيز بالمستوى العاشر كما سمع. بعد تلك الهجمات القاتلة التي نفذها ولم تصب باسل بأيّ شيء، كان قادرا على الاستنتاج أنّ عدوّه بالمستوى الثاني عشر على الأقلّ. هذا ما اعتقده شهاب جِرم خلال معركته ضدّ باسل.

بعد انتهائه من الشحن الذي أخذ منه لحظات قليلة فقط، كان قد انتهى من تكوين عشر كرات بحجم رأس الإنسان. كانت هذه الكرات عبارة عن حجارة تبدو كمعدن روحي غير قابل للتكسير، ويتخللها بالمركز ضوء نتج عن نار حارقة متجمّعة هناك.


بتلويح من أحد سيفيه الأثريين بالدرجة الخامسة، تحرّكت كرة حجرية واحدة واختفت من فوق رأسه، فظهرت أمام باسل.

للدّقة، هي لم تختفِ، وإنّما تحرّكت بسرعة كبيرة للغاية فلم يكن أي شخص حاضر قادر على رؤيتها أبدا. لكن، لم يكن باسل من أولئك الذي لم يلاحظوا هذه الكرة.

بمجرد ما أن ظهرت أمامه حتّى كان عنصر التعزيز والنار مشحونين في رجله اليمنى بالفعل فحرّكها بسرعة جعلت الرياح تتولّد مكونة عاصفة صغيرة. عزز عنصر التعزيز من قوته الجسمانية؛ سرعته، ودقته، وحدّته. كان هناك سبب لكون عنصر التعزيز يعتبر أقوى عنصر سحري بالعالم الواهن ما لم يظهر ساحر دمار.

طططن

وكما لو أنّ معدنين التقيا، تردّد صوت ضربه للكرة الحجرية لمسافة بعيدة. في تلك اللحظة بالضبط، اندمج صوت آخر مع صوت الطنين. كان ذلك صوت هدير ناتج عن انفجار.

بووم

انفجرت الكرت في اللحظة لمستها قدم باسل مولّدة بذلك انفجارا ضعف الذي أنتجته واحدة من الكرات الحجرية النارية الأولى.

أرسِل باسل لعشرات الأمتار محلقا بينما تسيل منه الدماء. لم يتوقع أن يكون تحكّم الأقدم الكبير شهاب جرم جيدا لهذه الدرجة. أن يقوم بصنع نار متفجرة بهذا الشكل داخل الحجارة بحيث تكون هادئة تماما غير متوقّع منها أن تنفجر أبدا فتتدفّق هذه الطاقة الهائلة على حين غرة في اللحظة التي أرادها بدقة عالية، لأمر مدهش حقّا.

تركيز للطاقة السحرية غير معقول وتحكّم عن بعد مهول.


كانت النار داخل الحجر الكرويّ كوحش نائم استيقظ فجأة. خرجت النار المتهمة لكلّ شيء من الحجر القاسي كالمعدن الروحي واتجهت نحو العدو حارقة إياه. وكإضافة لذلك، تحكّم شهاب جرم في شظايا الحجر الطائرة في كل مكان وجعل اتجاهها نحو باسل.

ضاقت عيني باسل في تلك اللحظة وأحكم فكّه. يبدو أنّه لعب لوقت أكثر مما يجب غير ظانٍّ أنّ العدوّ يمكنه أيضا التطوّر في المعركة. موهوب مثل شهاب جرم غالبا ما يجد طريقه نحو الأعلى في المعارك. كان من نفس النوع مثله تماما.

في هذه المعركة، استطاع شهاب جرم أخيرا إتقان التحكّم المثالي أيضا !

علم باسل جدّية ذلك الأمر. فهو كمتحكّم مثالي يعلم تماما ما الذي يمكن أن يفعل ساحر يكتسب هذه القدرة. تخيّل فقط، هناك كمية من الطاقة السحرية، ولدينا ساحرين أحدهما متحكّم مثالي والآخر لا. المتحكّم المثالي سيوظف تلك الطاقة السحرية لوقت أطول وبشكل أسرع وأكثر حكمة. وفي المقابل، سيضيع الساحر الآخر الكثير من تلك الكمية ويبدّد نسبة منها أثناء هجومه، ويأخذ وقتا أطول في شحن الطاقة وشحذها.

الآن، بعدما كان سيفي شهاب جرم الأثريين محاطين بعنصر النار وعنصر الأرض بشكل قريب للمثالية حيث شابها نصلين لهبيّين فقط، أصبحا مندمجين بالسيفين بشكل مثالي حقّا فتحول السيفين لنصلين لهبيّين كلّيا يحملان معهما قساوة الأرض وثقلها.

كانا النصلين في تلك اللحظة كمعدنين من قاع بركان. عنصر الأرض تفاعل مع عنصر النار وكوّنا السلاح المثالي.

باام

ومباشرة بعد ذلك، كما لو كان التحكّم المثالي هو الشيء المطلوب، صدر صوت من جهة شهاب جرم فارتفع منه ضوء ساطع؛ اخترق للمستوى الحادي عشر. كان في قمة المستوى العاشر، والآن بعدما اكتسب التحكم المثالي، ازدادت قدرته على استخدام الطاقة بشكل وجيه فاستطاع أخيرا القفز للمرحلة الموالية.

كان بيديه سلاحين أثريين بالدرجة الخامسة بتحكّم مثالي بهما. والآن بمستواه الحادي عشر، زادت رزانته وأصبح تحكّمه الأصلي في الأسلحة الأثرية أكثر إتقانا جاعلا استخدام سيفيه الأثريين يصبح أسهل ممّا كان من قبل.


عاد وجهه إلى الوضع الطبيعي - إلى العبوس الطبيعي. وحدّق إلى باسل الذي وقف على قدميه أخيرا ثم قال: "أنا أستغرب ! بمستواك، يمكنك استخدام أسلحة أثرية بدرجة أكبر. لمَ تستخدم سلاحين بالدرجة الثالثة فقط؟"

عبس باسل بعد كلام شهاب جرم بينما ابتسم هذا الأخير. لا يعلم لماذا، لكنّه أصبح يظنّ أنّ باسل لا يسعه استخدام أسلحة بدرجة أكبر من الثالثة.

لكن، في تلك اللحظة، مسح باسل الدم من فمه وقال: "لمَ لا أستخدم سلاحا أثريا بدرجة أكبر ! لا تقلق، لا أحتاج لذلك لأهزم أمثالك ! "

كان باسل بذلك الوقت يحاول إخفاء شيء ما، وهذا الأمر لم يتجاوز عيني شهاب جرم. قد لا يكون يعلم الأقدم الكبير السبب حقّا، لكن هذا لا يهمّ. الحقيقة هي أنّ باسل لا يمكنه.

كان باسل يفكّر في شيء ما بتلك الأثناء: "بالرغم من أنّني أملك التحكّم المثالي، إلّا أنّ استخدام سلاح بدرجة أكبر حاليا لن يساعدني أبدا. فبعد كل شيء، جلّ تركيزي حاليا على تلك الطاقة التي لم تعد تملك ختما ليقمعها ! "

لو لم يكن باسل يركّز بتحكّمه المثالي على قمع الطاقة السحرية الخارجية أكثر، لكان قد استخدم سلاحا أثريا بالدرجة الرابعة أو أكثر بالفعل. أراد أن يحافظ على سيفيه بشكلهما الحالي الناتج عن التحكّم المثالي بدل استخدام سلاح بدرجة أكبر وفقدان التحكّم المثالي عليه.

سلاح أثري بالدرجة الثالثة يصبح كواحد بالدرجة الخامسة عن طريق التحكّم به مثاليا. والذي بالدرجة الخامسة يصبح كواحد بالدرجة السابعة. كانت هذه حالة باسل وشهاب جرم الحالية. كما لو أنّ باسل يمتلك سلاحا بالدرجة الخامسة وعدوّه لديه واحد بالدرجة السابعة.

كان الفرق بينهما واضحا وضوح الشمس أعلاهما.

كانت ابتسامة شهاب جرم مخيفة بسبب وجهه العابس طبيعيا فسبّب الرعب لقلوب الجميع. كان هناك من أراد منهم المساعدة، لكن أوقِفوا من قادة التشكيل. أيّ شخص تحت قسم مستويات الربط الثاني ينضم لمعركتهما سيموت لا محالة. وفوق ذلك، لن يكون سوى عبئا على باسل. لم يرد أحد أن يموت ولا أن يكون عبئا على أملهم الأخير.

والآن، بعدما أتقن التحكم المثالي، أحس شهاب جرم بنشوة كبيرة فحرّك إحدى الكرات الحجرية فوق رأسه تجاه باسل كالمرّة السابقة.

لكن، هذه المرّة كان هناك شيء مختلف. هو أيضا قام بالتحرّك نحو باسل تابعا الحجر الذي أرسله. كان هذا هو نتيجة تحكّمه المثالي الذي سهّل عليه الأمر. لم يعد يحتاج للوقوف في مكانه كي لا يخسر تركيزه. الآن بامتلاكه التحكّم المثالي كان التحرّك واستخدام نفس التقنية من قبل كشرب كوب ماء بالقدمين. قد يكون غير مريح ومزعج لكنّه ليس مستحيلا أيضا.

علم باسل نتيجة الاقتراب من تلك الكرة الحجرية، لذا تجنّبها، لكنّها لحقته مباشرة بدون تركه يهرب. وفي النهاية، وجد نفسه محاصرا بكرة أخرى. غيّر اتجاهه فقابلته كرة حجرية ثالثة، وهكذا... حتّى حوصر من جميع الاتجاهات. وفي الأخير تقدّم شهاب جرم من الزاوية العمياء لباسل ولوّح بسيفيه الأثريين بكل ما يملك من قوّة.


زباام

بووم


صنع السيفين صوت قطع جعل الرياح تصنع عاصفة صغيرة تخللتها النار الحارقة والشظايا الحجرية القاطعة. وفي نفس الوقت، تجنب باسل هجومه بتكوينه لعاصفة نارية صغيرة تحت قدميه رفعته للأعلى.

وحينذاك، اتجهت الكرات الحجرية التسع كلّها مرّة واحدة نحوه من جميع الاتجاهات غير تاركة له المجال ليهرب لأي مكان. من دون شكّ، علم أنّه سيجب عليه مواجهة هذا الهجوم المرعب لشهاب جرم. كان هذا هو أقوى هجوم لدى العدوّ حتّى الآن.

في هذه الأثناء، كان شهاب جرم واثقا نوعا ما بهذا الهجوم. حتّى لو لم يقتل باسل فسيجعله في حالة يرثى لها، وبعد ذلك سيجهز عليه تماما. لا يعلم لمَ كان باسل قادرا على النجاة من كل تلك الهجمات سابقا، لكنّه يعلم أيضا أنّ باسل غير قادر على استخدام سلاح أثري بدرجة أكبر من الثالثة. بمعنى، هناك شيء ما يعيق هذا الفتى ويجب عليه استغلال هذه اللحظات الثمينة لإنهائه تماما.

حلّقت الكرات التسع والتقت ببعضها وبباسل في نفس اللحظة فحدث الانفجار الضخم والذي انطلقت شرارات شظاياه إلى الحاضرين فقتلت الكثير منهم. ظنّوا أنهم حقّا ابتعدوا كفاية، لكنّهم لم يفعلوا في الواقع. تخلّى بعد ذلك بعضهم عن مشاهدة القتال وهرب أبعد بينما يسمع الأخبار من الذين يستطيعون البقاء أقرب.

كان ذلك الانفجار أقوى بأضعاف عن كلّ هجوم أتى من الأقدم الكبير شهاب جرم !

كل شخص اعتقد أن باسل سيكون نصف ميّت هذه المرّة بدون شكّ لو لم يفنَ. وكما لو أنّه يحاول إغاظتهم في كلّ مرّة يتعرض فيها لهجوم قاتل، ظهر من جديد ليس نصف ميّت كما ظنّوا. كان مجروحا بعض الجروح لكنّها لم تكن قاتلة. سعل الدماء لكنّ نظراته كانت شاخصة.


فتح شهاب جرم فمه والتقى فكّه السفلي بصدره من شدّة الصدمة. لقد خرج سالما مرّة أخرى ! وهذه المرّة أيضا استخدم باسل طاقة جنونية فجأة. كان يفعل هذا مرّة تلو الأخرى. في كلّ هجوم يتعرّض له يصدّه بطاقة كبيرة للغاية لا يعلم شهاب جرم من أين يأتي بها على حين غرّة.

"ما هذا الآن؟ هذا غير طبيعي ! لصد كلّ تلك الهجمات مرّة تلو الأخرى يجب أن تكون قد استهلكت كمّية غير معقولة من الطاقة السحرية. حتى لو كنت بالمستوى الثاني عشر فلن يسعك الخروج سالما هكذا إلّا واستخدمت كميّة هائلة من الطاقة والتي لم تعد تمتلكها. ما الذي يحدث معك بالضبط؟"

طاقة الأقدم الكبير تجدّدت عندما اخترق سابقا، لذا كان باسل في الموقف الأسوء بما أنّ ذلك لم يحدث معه فظنّ شهاب جِرم أنّ له الأفضلية من حيث كمية الطاقة حاليا. استمرّ شهاب جرم في الصراخ بجنون غير قادر على استيعاب كلّ ما يحدث.

حدّق إليه باسل ثم قال بهدوء بالرغم من جروحه والدماء التي تسيل من فمه: "أنت تقولها بنفسك. كل ما أحتاج إليه هو استخدام طاقة كافية لصدّ مثل ذلك الهجوم."

"ما... ذا؟ ! " لم يصدق ذلك شهاب جرم. لا، بل لم يرد التصديق. كيف لذلك أن يكون ممكنا؟ هل لهذا الفتى طاقة غير محدودة أم ماذا؟ أمره غريب للغاية !

بقي شهاب جِرم متجمدا في مكانه لقليل من الوقت. تارة يظهر له هذا الفتى بالمستوى الثامن، وتارة أخرى ترتفع طاقته السحرية الخاصة بعنصر التعزيز بجنون. ما الذي يمكنه أن يسبّب هذه الظاهرة بالضبط؟

لو كان يخبِّئ طاقته عنه فسيعلم، لكن لم يكن ذلك هو الحال. حقّا هذا الفتى مستواه هو الثامن، وفقط في لحظات يرتفع مستوى عنصر التعزيز كثيرا.

جعله مثل هذا الأمر يرتعب كثيرا. استهلكت تلك الهجمات كمّية كبيرة من طاقته، لكن لا يبدو أنّ ولو واحدة منها قد نجحت. لحسن حظّه أنّه اخترق للتوّ وتجدّدت طاقته كلّها، وإلّا كان في حالة يأس تامّ حاليا. أحسّ أنّ كلّ ما فعله إلى الآن كان بلا فائدة على الإطلاق. بدأ يرى نفسه يخسر بالرغم من أنّه بلغ المستوى الحادي عشر للتو واكتسب التحكّم المثالي.

لو لم يخترق للمستوى الحادي عشر قبل أن يكتشف هذا، لكانت روحه قد استسلمت للعدوّ تماما. فحتّى لو شرب إكسير التعزيز في ذلك الوقت لن ينفعه. لأن إكسير التعزيز سيرفعه بالمستوى لكنّه لن يدوم تأثيره وسيكون الارتفاع بسيطا. تصبح طاقة السحرة أضخم بكثير في القسم الثاني بحيث لا يستمرّ إكسير مفعول التعزيز لمدّة كبيرة ولا يعزز أكثر.


سيكون من دون فائدة كبيرة ويرهق بحر روحه أكثر فقط. لأنّه كان سيصبح بالمستوى الحادي عشر بالقسم المتوسط فقط على الأكثر ولمدّة قليلة فقط ولا ينجح في قتل باسل ثم يرجع لمستواه الطبيعي بطاقة سحرية فارغة. وفي النهاية، سيُقتل بدون حول ولا قوّة. لكن الآن الحال مختلف، لو شرب الآن إكسير التعزيز فسيصبح بقمّة المستوى الحادي عشر على الأكثر. كان واثقا أنّه سيكون قادرا على قتل باسل بذلك المستوى بما أن لديه التحكّم المثالي وسلاحين أثريين بالدرجة الخامسة.

بوووم

ارتفع لقمّة المستوى الحادي عشر بعد شربه لإكسير التعزيز فغطّت هالته ساحة الحرب العظيمة وأصبح أرعب أكثر من أيّ وقت مضى. في لحظة وبخطوة واحدة وصل إلى باسل الذي نزل على الأرض والبعيد عنه بعشرات الأمتار ثم لوّح بسيفيه.

نزلت أرض قاسية كالحديد ونارية كأنها أتت من الشمس. كوّن بسيفيه هذا الهجوم ونزل به على باسل بكلّ قوته الجسمانية. كانت هذه الأرض الملتهبة قادرة على تحويل سحرة المستوى التاسع لكتلة من اللحم الدموي المحترق بسهولة.

ومرّة أخرى، ارتفعت طاقة عنصر التعزيز بجنون للحظة فصدّ باسل ذلك الهجوم بكلّ سهولة عبر تلويحه بسيفيه وتكوين حاجز ناري معزّز عبر الامتداد الكلّي. لم تستطع الأرض الملتهبة الاختراق بالرغم من الاحتكاك العنيف. كما لو أنّه كلّما زاد شهاب جرم من قوّة الدفع زادت قوة الدفاع لدى باسل وطاقة عنصر التعزيز.

لكن، كان هناك شيء آخر يساعد باسل في هذه اللحظة على إيقاف مثل هذا الهجوم المهول. فلقد بدى هجوم العدوّ كأنّه يتعرض للتخفيف من شدّته من أحكام تطبق قواعدها على الوجود.

تكلم باسل في تلك الأثناء: "ليس لديك فرصة حقا حتّى لو استخدمت إكسير التعزيز. لكن سأرافقك لوقت أطول. فبعد كلّ شيء، لك الفضل في تحسّني وإتقاني التحكّم في طاقة العالم بشكل أكبر. في هذا القتال أصحبت قادرا على تحمل استخدام القسم المتوسط من المستوى الثاني عشر بفضلك بعدما كان حدّي هو القسم الأولي من المستوى الحادي عشر."

صُدِم شهاب جرم من ذلك الكلام ولم يعلم ما الذي يعينه باسل بالضبط، لكنّه أحس بالقشعريرة فصرخ مطلقا آخر ما تبقى له من طاقة سحرية.


باام باام باام

تكونت أرض ملتهبة واحدة تلو الأخرى فوق بعضها بعضا حتى صارت هناك خمس أراض ملتهبة. اندمجت بعد ذلك لتشكل رمحا ملتهبا يمكنه اختراق سحرة المستوى الحادي عشر كأنّهم كعك.

زززن

زاد صوت الاحتكاك حدّة وارتفعت طاقة عنصر التعزيز من جديد فتقيّأ باسل الكثير من الدماء وبدأت تظهر على لحمه جروح كالتي ظهرت عليه بعد كلّ الهجمات السابقة من شهاب جرم. اكتشف هذا الأخير آنذاك أنّه في الواقع لم يكن هو من سبّب تلك الجروح السابقة لباسل، وإنّما هذا الأخير من فعل ذلك بنفسه.

استخدام باسل لطاقة كبيرة للغاية من عنصر التعزيز استمرّ في وضع جسده بحالة قاسية مرة تلو الأخرى. فعندما كان يخفّف من قمعه على طاقة العالم ليرفع من طاقة عنصر التعزيز، كان يتعرض جسده لضرر في المقابل كما كان يُرهق بحر روحه.

لم يكن باسل يقاتل أبدا حتّى الآن، بل كان يتدرّب على التحكّم في مقدار أكبر من طاقة العالم. لم يعد الختم موجودا ممّا يعني أنّ باسل هو الشخص الذي يمنع الطاقة السحرية الخارجية من التوغّل لجسده؛ يمكنه استخدام أيّ مقدار بشرط أن يستطيع جسده تحمّله !

حاليا، أصبح قادرا على تحمّل القسم الثاني من المستوى الثاني عشر. ومرّة أخرى خفّف من القمع متيحا وِسْعا أكبر لطاقة العالم، لذا بلغ عنصر التعزيز القسم النهائي من المستوى الثاني عشر، ثم الثالث عشر.

استطاع بذلك التصدّي لهجوم شهاب جرم اليائس بسهولة، لكنّه تعرض لجروح في المقابل كما حدث في كلّ المرّات السابقة. كانت الجروح تزداد حدّة في كل مرّة يزيد من طاقة عنصر التعزيز، والآن ارتفعت درجة الجروح لتبلغ درجة الجروح البليغة.

تكسرّت عظامه وانفلح لحمه شيئا فشيئا. وبينما يعاني شهاب جرم ذهنيا وجسديا محاولا قتله، صدر صوت باسل الذي أبان أنّ صاحبه يحادث نفسه لا شخصا آخر: "أمم، نعم. يبدو أنّ حدّي هو القسم الثاني من المستوى الثاني عشر. أكثر من ذلك يضرّني. حسنا، كان هذا جيّدا كفاية بما أنّني أصبحت أتحكّم فيها بنفسي قبل يومين فقط. أمم، نعم. هذا مقبول."


وبمجرد ما أن انتهى من التمتمة لنفسه حتّى شحذ طاقته السحرية رافعا إياها لأقصاها. اندمج عنصر النار بعنصر التعزيز فلوّح باسل بسيفيه الأثريين بالدرجة الثالثة بكلّ ما يملك من قوة من عنصر النار الذي كان بالمستوى الثامن وعنصر التعزيز الذي بلغ المستوى الثالث عشر.

بووم

نُسِف الأقدم الكبير شهاب جِرم بعيدا بلا أي فرصة على الإطلاق في ردّ الهجوم. كان باسل يستخدم سلاحين أثريين بالدرجة الثالثة فقط، وفي المقابل استخدم شهاب جرم سلاحين أثريين بالدرجة الخامسة. كان أحد العنصرين اللذين استخدمهما باسل بالمستوى الثامن والآخر بالثالث عشر. وفي الجهة الأخرى، كان كلا عنصريْ العدوّ بالمستوى الثاني عشر.

كان شهاب جرم متفوّقا في هذه الحالة تماما. وبالرغم من ذلك أزيل من أمام باسل بقوّة غاشمة. لم يكن ذلك منطقيا نظرا لمستوى الطرفين. لكن، بإضافة شيء آخر، يصبح كل شيء منطقي.

استخدم باسل الفن القتالي الأثري 'خطوات الرياح الخفيفة' فجعل من هجوم العدوّ أخفّ محوّلا بعضا من قوّته لهجومه الخاص فأصبح أسرع وأقوى بأضعاف كثيرة مما زاد من قوّة الهجمة بشكل كبير وخفّف من ثقل هجمة العدوّ بشكل ضخم. تحرّك باسل بشكل خاطف بعد ذلك ولاحق جسد الأقدم الكبير الطائر فبلغه في لحظة.

بووم

انفجر جسد الأقدم الكبير قبل أن يستطيع فعل أيّ شيء. ومرّة أخرى لحق باسل جسده. بدأ يفعل له نفس الشيء الذي فعله لنائبه فلايمر بالكولسيوم. يضربه من جهة ويذهب للجهة الأخرى بسرعة خاطفة فيضربه مّرة أخرى.

هذه المرّة كان قادرا على ضربه من الجهة الأخرى قبل أن يتحرّك جسد العدوّ بفعل الضربة الأولى حتّى. كانت سرعته جنونية للغاية، وكلّ ضربة صاحبتها سرعة كبيرة جدا.

باام باام* باام

هذه المرّة كانت مختلفة عن التي بالكولسيوم. هذه المرّة مستوى باسل السحري مختلف وفنّه القتالي الأثري أصبح أقوى ممّا سبق بقليل. استمرّ في التحرّك بسرعة غير معقولة ضاربا شهاب جرم الذي اقترب من الغياب عن الوعي بسيفيه الأثريين الحاملين لقوّة عنصري النار والتعزيز بدون توقف لعشر ثوان.

بووووم

وفي الأخير، بالضربة النهائية، فجر باسل جسد شهاب جرم الذي ترك صرخة كبيرة "لاا... ! " ثمّ لم يبق منه شيئا.

انتهت المعركة مباشرة بعدما قام باسل أخيرا بالهجوم. استمرّ شهاب طوال المعركة في إلقاء الهجمات، لكن ولا واحدة منها نجحت. لم يردّ باسل عليه الهجوم لأنّه كان يطوّر من نفسه. وعندما أخذ أخيرا دور الهجوم، أنهى العدو............. يتبع!!!

(الجزء الخامس)


لم يكن باسل يحاول هزيمة العدوّ بكلّ ما أملكه، لو فعل ذلك لما كان قادرا على تطوير قدرته على استيعاب طاقة سحرية خارجية أكثر. والآن، أصبح راضيا وبمزاج جيد بالرغم من رائحة الدماء السائحة بساحة المعركة. لقد مرّ بشهر عسير للغاية. لم يكن هناك وقت له في الشهر الماضي ليتنفس الصعداء حتّى !

وفوق ذلك، لم يكن الشهر الفائت هو الوقت الوحيد الذي مرّ عليه عويصا. بل المدّة التي قبلها أيضا كانت كذلك إذْ أخذ تدريبات من معلّمه بالنقوش الروحية والمصفوفات. لم يرتح لمدّة طويلة من التدرّب الشاق حتى الآن. لكن بعد رؤيته نتائج الشهر الماضي ومذْ بدأ استخدام السحر، ارتأى التعبَ مستحِقّا.

حدّق باسل إلى الأفق وبدأ يفكّر فيما سيفعل الآن. هل يأخذ طريقه نحو عرين حلف ظلّ الشيطان وينهي الأمر برمّته؟ أم ينتظر العدوّ ليقوم بخطوته التالية بينما يستعد هو له بشكل كلّي؟ حاليا، كان باسل واثقا من أنّه إن لم يكن شخصا أقوى من الأقدم الكبير شهاب جِرم بمستويين على الأقل، فلن يكون بمنافس له أبدا. ومع ذلك، اعتقد أنّ دخول عرين الأعداء مباشرة ليس خيارا حكيما.

جلت بذهنه العديد من الأفكار قبل أن يرجع بصره لساحة المعركة. كانت هناك عشرات آلاف الجثث الملقية على الأرض. لم يكن ذلك بالشيء المثقل على قلب باسل في الواقع، لكنّه شعر بالأسف نوعا ما. فقط لو وصل إلى هنا بوقت أسرع لاستطاع الحفاظ على أرواح الكثيرين.

لكن، لم يصل باسل لدرجة لوم نفسه على ذلك. كلّ شخص حرّ في نفسه، وكلّ من أتى إلى هنا مسؤول عن نفسه. كانت تلك حرب عظيمة، ولم يكن غريبا موت مئات الآلاف بها إلى أن يُحسم أمرها فيُقرّر الفائز. ومع ذلك، استطاع إنقاذ مئات الآلاف تلك من ذلك المصير.

لم يكن سيهمّ باسل ما يحلّ بالعالم أبدا لولا علمه بقدوم الشياطين مرّة أخرى. عندما سمع من معلّمه أنّه المختار للحفاظ على التوازن وأنّه الطفل الأخير وتلك الأشياء، لم يهتمّ أبدا وقرّر اتباع معلّمه فقط لأنه يعجبه شخصيا ويجده قدوة. كشخص عاش منذ صغره يحفر في عالم المعرفة مدفوعا بفضوله وإثارة اهتمامه، كان وجود شخص مثل إدريس الحكيم كالكنز له.

لكن، كان هذا سببه الثانوي فقط. أمّا السبب الآخر والأهمّ كان حماية المقربين له وخصوصا أمّه التي لا يريد أن يرى وجهها الحزين في كل ليلة قبل نومها. يوما بعد يوم نما حقد بقلب باسل تجاه من كان السبّب في شَجَا والدته التي يحبها أكثر من أيّ شخص موجود بهذا العالم.


دفع شيئان اثنان باسلَ نحو عالم السحر؛ اهتمامه وفضوله بشأن العالم السحري لما يحمله من أسرار عميقة مدهشة للغاية أكثر بكثير من كلّ الألغاز والأحاجي أو أيّ شيء شابههما، وحبّه لأمّه والمقربين منه.

أراد أن يحافظ على قوّات العالم حاليا بأكبر قدر مستطاع، فكلّها سيكون لها نفع كبير ضد الشياطين في المستقبل.

مازال الملك الأصلي وملك الشياطين يحافظان على معاهدة الهدنة إلى الآن، لكن من يعلم متى ستصير تلك الاتفاقية من الماضي. يجب على العالم الواهن أن يكون على الأقل عالما روحيا بذلك الوقت وينمّي ما أمكن من السحرة الروحيين لمواجهة أيّ أخطار مرتقبة.

كان هذا هو سبب باسل في الحفاظ على القوات قدر المستطاع، وكان السبب نفسه أيضا لإزالته أيّ عقبات في طريقه كعائلة غرين. هناك بعض العوائق يجب زوالها من المسار؛ لن تكون قادرا على إزاحتها أبدا.

راودت العديد من الأفكار ذهن باسل، لكنّه دفنها عميقا وبدأ يفكّر في المهمّ أكثر حاليا. وبعد القليل من الوقت، اتخذ قراره واتجه نحو الكبير أكاغي.

باام باام باام*

اندلعت قتالات تلو الأخرى بجيش الإمبراطورية الرياح العاتية فجأة. كانت الصراعات منتشرة بالكثير من الأنحاء ممّا أثار انتباه باسل بالطبع مثله مثل الباقيين. كان جنرالات إمبراطورية الرياح العاتية يقاتلون جنبا إلى جنب مع توابعهم ضد جنود محددين.

"أقتلوا ملاعين حلف ظلّ الشيطان المتبقّين ! " صرخ أحد الجنرالات. كان ذلك الجنرال هو كروز. حمِل على وجهه نظرات غاضبة للغاية مصحوبة مع تعبيرات الحزن الشديد.


تمتم لنفسه: "يجب أن نخجل من أنفسنا. تركنا إمبراطوريتنا تسقط في يد أعداء العالم بدون مقاومة ! " أدار رأسه ونظر إلى باسل البعيد ثم تنهد وصرخ مرة أخرى: "ثلاثي الجليد الخماسي يجب أن يموت أيضا. لا يجب أن تكون هناك رحمة لخونة مثلهم."

كان ثلاثي الجليد الخماسي عبارة عن فرقة مكونة من ثلاثة جنرالات. كانوا جنرالات مشهورين بتشكيلهم القويّ وكانت لديهم الكثير من الإنجازات خصوصا بقارّة الأصل والنهاية. لكن من خلال أمر الجنرال كروز السابق، كان من الواضح أنّهم كانوا خونة لإمبراطورية الرياح العاتية وهم من أضعفوا وطنهم فسمحوا للعدوّ بأخذ مكان إمبراطورهم الأصلي أيرونهيد غلاديوس.

كان عدد جنرالات إمبراطورية الرياح العاتية ثمانية بحساب الجنرال وايتلاند شابو. لذا بإضافة ثلاثي الجليد الخماسي له يصبح عدد الجنرالات الخونة أربعة، أيْ نصف عدد الجنرالات. وهذا هو العدد المطلوب ليكون في استطاعة شهاب جرم المطالبة بحق مبارزة التسوية ضد الإمبراطور.

نشبت معارك هنا وهناك. كان هناك أعضاء من حلف ظل الشيطان أيضا. صرخ أحدهم تجاه الجنرال كروز ومن يقودهم: "ألا يهمّكم أمر عوائلكم؟ مسّونا ولن تجدوا مرحّبين بعوْد... كاااخه ! "

لم يكمل كلامه حتى تقيأ الدم بكمية هائلة بسبب قبضة الجنرال كروز التي اخترقت جسده. كان لديه سحر التعزيز، ولكمته سحقت تابع الحلف ذاك. تكلّم حينذاك: "يا فُخُر الرياح العاتية، اجلبوا عواصفكم وأعاصيركم واحملوها على أكتافكم فأسقطوها على الأقتال واستردّوا كبرياءكم وعزّتكم بأيديكم."

صرخ جيش إمبراطورية الرياح العاتية وأبادوا أعضاء حلف ظلّ الشيطان واحدا تلو الآخر. وثلاثي الجليد الخماسي تعرّض للانهيار أيضا بسرعة كبيرة من طرف الجنرالات الأربعة الآخرين.

***

وقف الجنرال كروز أمام الكبير أكاغي بعد نهاية القتال وانحى له قائلا: "نحن خجلين من أنفسنا كمقاتلين من الرياح العاتية. ليس فقط رضخنا للعدوّ بل وقاتلنا له. اليوم... لقد أنقذتم حياتنا وحياة عائلاتنا. لن ننسى هذا المعروف للأبد. حتّى أعضاء حلف ظلّ الشيطان لن يكون بمقدورهم قتل كلّ شخص موجود بوطننا. بعد موت شهاب جِرم الآن سيهرب توابعه من إمبراطوريتنا. ولدينا بعضا من جنودنا أهل للثقة تركناهم بالسرّ خلفنا يضعون عيونهم عليهم. لا يمكننا سوى الاعتذار والامتنان لفضلكم. لو كان هناك ما يمكننا فعله، قل وسنطبّق."

حدّق بعد ذلك الجنرال كروز إلى باسل الذي كان يجلس خلف الكبير أكاغي. نظر إليه بعينين شاخصتين ثم أكمل: "أيها السيد الشاب باسل. لك الفضل الأكبر في نجاة الكثير منّا اليوم. يمكنك الإشارة بيدك وستجدنا نتبع رياحها."


لم يهتم باسل بما يقول وتركه يعبّر عن شكره، فباله مشغول بشيء آخر الآن. أخبر الكبير أكاغي بالاهتمام بتلك الأمور واستعدّ للمغادرة بما أنّه لم يجد الشخص الذي كان يبحث عنه.

سأله الكبير أكاغي بعدما رآه يهمّ بالمغادرة: "انتظر من فضلك يا حليفنا. إلى أين أنت ذاهب؟ وماذا عن قبائل الوحش النائم؟ هل قمت بالتفاوض مع زعمائها بنجاح؟ هلّا تبقى معنا قليلا فنأخذ الأمور برويّة، خصوصا بما سنفعله من الآن فصاعدا."

استدار باسل وقال: "سأذهب حاليا لمكان معيّن؛ يجب أن أذهب لأستعدّ. ولا تقلق بشأن القبائل، فأبهم قام بعمل جيّد على ما يبدو. يمكنكم فقط العودة وانتظاري ريثما أعود. حصّنوا المدن ولا تسترخوا أبدا. يجب أن يكون العدوّ قد علم بهذه الأثناء عن موت واحد قدمائهم الكبار، وليست سوى مسألة وقت حتّى نرى خطوتهم القادمة. طبقا لاعتقادي، أظن أنّها ستكون حربا شاملة."

صُدِم الكبير أكاغي والآخرين من كلام باسل. أخيرا شارفوا على أبواب الحرب المنتظرة. لم يكن الأمر أكثر واقعية ممّا أتى من كلمات باسل ونظراته. كان تعبيره عميقا وأوحى عن جدية المسألة.

حرب شاملة ضدّ حلف ظلّ الشيطان تعني قتال القدماء الكبار وظلّ الشيطان كلّهم مرّة واحدة. فقط أقدم كبير واحد كان كالجبل العملاق لهم. كان هناك سبعة قدماء كبار في المجموع، والآن أصبحوا خمسة. فقط بالتفكير في الحرب التي ستندلع جعلت القشعريرة والرّعب يتخلل قلوبهم.

قبل أن يغادر باسل سأل الكبير أكاغي: "بالمناسبة، ألم ترَ أنمار؟ ظننت أنّها ستكون هنا في الواقع. أنا أحتاجها في أمر معيّن."

"ذلك..." لم يعلم الكبير أكاغي من أين يبدأ. فحتّى لو علم أين ذهبت، مازال لا يعلم ما حالها. قال بنظرات حزينة: "لقد اتجهت في الواقع إلى أرخبيل البحر العميق. خُطِفت الأميرة شيرايوكي من طرف حلف ظلّ الشيطان فذهبت رفقة الجنرال رعد، وصهري والإمبراطور شيرو لاستعادتها. مازلت لا أعلم ما حلّ بهم حتّى الآن."

"ها؟ ! " صرخ باسل بدون شعور. لم يستطع الهدوء عندما سمع ذلك الكلام وقال بغضب: "تلك الـ... دائما، دائما، دائما، دائما... هل ظنّت أنّها ستخفّف عنّي المشاكل هذه المرّة أم ماذا؟ قلت لها مرارا وتكرارا ألّا تتحرّك بمفردها. لِمَ قامت بمثل هذا الشيء المتهوّر مرّة أخرى؟"


ذهب تفكير باسل مباشرة للاعتقاد أنّ أنمار قامت بهذه الخطوة الخطرة من أجله مرّة أخرى كما فعلت عندما اضطرّ ليقتل أوّل مرّة قبل حوالي سنتين والعديد من المرّات السابقة. لم تكن أنمار شخصا يهتمّ بأحد غير عائلتها المقربين منها وباسل، لذا لم يكن هناك منطق في اتخاذها لهذه الحركة إن كانت قد قامت بها من أجل أحد غير باسل. فلم يستطع باسل سوى التفكير أنّها اتخذت هذه الحركة من أجله.

بقي الكبير أكاغي يحدّق إلى باسل الغاضب. لم تكن ردّة الفعل هذه غريبة منه. لقد ذهبت أنمار لقلب عرين العدوّ؛ لا ينتظرها هناك سوى الموت الأكيد. علم الآن لمَ لا يستطيع التواصل معها بخاتم التخاطر؛ وزاد هذا من الطين بلّة أيضا. فقط ما الذي يمكن أن يجعلها غير قادرة على التواصل؟ علم أيضا سبب عدم وجود الجنرال رعد والجنرال منصف بالحرب العظيمة.

قال الكبير أكاغي: "حاولت الاتصال بهم أكثر من مرّة، لكن ذلك لم يفلح أبدا ! "

استخدم باسل خاتم التخاطر متصلا بالجنرال رعد. استطاع التواصل معه ممّا فاجأ الكبير أكاغي الذي لم ينجح أبدا: (أجبني أيها الرجل الأشقر، أين هي؟)

(الفتى القرمزي...) تمتم الجنرال رعد متحسّرا. لم يكن يجيب الكبير أكاغي عن عمد. لم يكن بمقدوره إخباره بحالتهم الحالية. كان الكبير أكاغي بحرب عظيمة يائسة، وإخباره بأنّ أنمار قُبِض عليها من العدوّ سيكون ضارّا فقط. لكن بعدما أتى الاتصال من باسل أجاب.

سمع باسل ما جرى من الجنرال رعد واكفهرّ من شدّة الغضب. أنهى الاتصال الطويل والتفت للكبير أكاغي ثم قال: "أخبرني عن أحد المسؤولين هنا. أريد خيل بحر ملكي حالا."

تكلم الكبير أكاغي بسرعة: "آه، إنه مالك القطاع التجاري الشمالي نورثرولر كافِل. لكن لمَ؟ لا تقل لي..."

أحكم باسل قبضتيه وقال: "أسرع من فضلك ! ليس لديّ وقت للراحة ! تبا... ! لمَ؟ لمَ فقط تجعل الأمور صعبة عليّ دائما هكذا؟"


تحسّر باسل في مكانه. فقط بالتفكير في احتمالية موتها... جعله ذلك التفكير يمرّ بوقت عصيب مع نفسه. ماذا سيقول للعمّة سميرة؟ بعمر عشر سنوات، رأى ابتسامة منها جعلت بدنه يقشعر من أعلاه إلى أسفله. ومن آنذاك، تجنّبها ولم يعاملها بطريقة حسنة كونه لم يقدر على مسامحتها. فهي وصلت لدرجة قتل صديق من أجل كسبه لنفسها؛ كره باسل هذا الأمر بقدر ما أحبها في ذلك الوقت.

استجمع أفكاره وحاول تهدئة نفسه. طبقا لما قاله الجنرال رعد، كانت أنمار هي التي أمرتهم بالهروب، وبدا أنّها تحمل شيئا في جعبتها. استطاع باسل التقليل من غضبه منها وقلقه عليها قليلا بعد التفكير في أنّها لن تقوم بخطوة إلّا وكانت تعلم أين ستؤدي بها. لو لم تكن لديه تلك الثقة بها لما كان قادرا على جمع شتات نفسه من صعق الخبر.

ركب باسل قاربا جرّه خمسة أفراس ملكية بحرية منطلقا بأقصى سرعة يملكها.

"دائما... لطالما كنتِ هكذا. أخبرتكِ مليون مرّة ألّا تتحرّكي من خلفي. أليس ذلك ما جعلني أبعدكِ عنّي في المقام الأول؟ لمَ لا تفهمين؟"

ابتعد باسل عن الساحل واختفى في الآفاق بسرعة فائقة.

بقي جيشَا الإمبراطوريّتين بالساحل الشمالي لأيام بعد ذلك قبل أن يأخذ جيش إمبراطورية الرياح العاتية طريقه نحو موطنه. كانت الأحداث السابقة صادمة، وخصوصا قوّة الفتى المناهز للخامس عشرة سنة والأقدم الكبير شهاب جِرم. جعلهم التفكير في أنّ هناك خمسة آخرين مشابهين لشهاب جرم يرتعدون، وبتخمين مستوى سيّدهم ظلّ الشيطان، لم يسعهم سوى التحسّر والدعاء للنجاة.

كانت قد نشبت بعض المعارك أيضا في إمبراطورية الرياح العاتية بعد انتهاء الحرب العظيمة مباشرة. انتقل خبر موت شهاب جِرم فقام توابعه بمحاولة الهروب، لكنّهم لوحِقوا من طرف الجنود الذين تركهم الجنرال كروز خلفه. أنقِذ الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس فأخرِج من السجن.

عندما لم يرِد باسل الالتقاء بالإمبراطورين عندما كانا ينتظرانه سابقا، كان يفعل ذلك عن عمد أيضا. لو بقيا ينتظرانه فمعناه أنّ لهما نيّة كاملة بالتحالف، أمّا إن غادرا فسيكون معناه أنّ إقناعهما بشروطه الخاصة كان صعبا أصلا.

لذا كان إقناع الإمبراطور شيرو سلسا، ومغادرة الإمبراطور غلاديوس كانت مدروسة إذْ كان باسل قد أمر التشكيل بالذهاب لإنقاذ غلاديوس من الخيانة التي ستكون تنظره ومساعدته في إرجاع العرش له. لكن كان شهاب جِرم خارج الحسابات خصوصا بما أنّه استطاع كسب أربع جنرالات بالفعل لجانبه بتلك السرعة.

قُتِل باقي توابع شهاب جرم بعد الحرب العظيمة بدون ترك ولا واحد منهم يهرب. وبالطبع، انتشر خبر موت أقدم كبير في العالم بأكمله. تصاعدت التوتّرات أكثر خوفا ممّا سيحدث تاليا. ماذا ستكون ردّة فعل ظلّ الشيطان؟

***

في أرخبيل البحر العميق، اجتمعت أربعة ظلال أحدها كان يعود لفضيلة كرم. قالت هذه الأخيرة بصوت حادّ: "كان مقتل الأقدم الكبير شهاب جرم ضربة غير متوقعة لنا. كنت أحسبه حذرا، لكن..."


تكلم صوت رزين: "لا، لقد كان حذرا. يمكنني تخمين سبب اندفاعه ذاك. لقد قلتِ لنا أنّ الفتى حدوده هو المستوى العاشر، ولا يبدو أنّ بإمكانه استخدام تلك القوّة بسهولة بما أنّه لم يفعل ذلك أمامك."

أضاف شخص بصوت مملّ: "ما فات مات. يجب علينا الآن التركيز على كيفية قتل ذلك الفتى بدون مخاطر. حاليا سيّدنا في انعزال ولا يمكننا إزعاجه بهذا. ماذا نفعل؟ هل نذهب كلّنا لمواجهة ذلك الفتى وننهي الأمر نهائيّا؟"

زمجر شخص رابع: "قد يكون ذلك هو الحلّ الأبسط والأسهل، يعجبني. لكن، قتال شامل كهذا يحتاج لبعض الترتيبات. إن تحرّكنا كلّنا فلا شكّ أنّها ستكون المعركة الأخيرة بيننا وبين العالم كلّه لنقف فوق القمّة. سيجب علينا قتال العالم كلّه حينذاك، ولهذا سننمّي قوّاتنا أكثر."

عبست فضيلة كرم ثم قالت: "لكن، لسنا وحدنا من سينمّي قوّته. الآن بمعرفة أنّ الإكسيرات والنقوش الأثرية قد انتشرت في العالم، ألا يعني هذا أنّ نموّ العالم سيكون أسرع من الخاص بنا؟"

أجاب صاحب الصوت المزمجر: "حسنا لديك نقطة، لكنّنا لن ننتظر لكلّ ذلك الوقت. لقد اقتربت من الاختراق، لا أحتاج سوى لخطوة واحدة، وهذه الخطوة تبدو من الصعب إكمالها، لذا سأدخل في انعزال لأنمّي مستواي. يمكننا حينها نشب الحرب الشاملة. ففي ذلك الوقت سيكون سيدنا قد اخترق على الأغلب أيضا، ومهما كانت قوّة العالم بأجمعه فلن يكون هناك أحد يقف في طريقه ! "

تنهدت فضيلة كرم. حدسها يخبرها أن يأخذوا المخاطرة ويتجهوا للقتال حتى لو عنى ذلك موت البعض منهم. قد يكون موت القدماء الكبار خسارة كبيرة لهم لأنّه من الصعب إيجاد مواهب مخلصة لهم مثلهم. لكن... بالتفكير في أنّ سيّدهم سيخترق إضافة لانتقال الأقدم الكبير صاحب الصوت المزمجر للمستوى التالي، استطاعت الاقتناع أنّ في ذلك الوقت ستكون قوّتهم عظيمة للغاية.

لا تعلم كيف نجح باسل في قتل شهاب جرم بدون استخدام تلك القوّة العجيبة، فهو كان بالمستوى العاشر قبل مدّة قصيرة فقط. ولقلّة المعلومات القادمة من جواسيسهم الذين راقبوا كلّ شيء من بعيد، لم يستطيعوا وضع منطق لارتفاع مستواه لتلك الدرجة في المعركة بين حين وآخر. لكنّها متأكدة تماما من فوز سيّدها عليه بكلّ سهولة عندما يخترق.

قال صاحب الصوت المزمجر: "بالمناسبة، ماذا عن الأقدم الكبير سعير؟ لمَ لمْ يأتِ؟"


قال ذو الصوت المملّ: "آه، لقد قال نائبه أنّه في انعزال ولا يستطيع المجيء."

أكمل ذو الصوت الرزين: "همم ! هل سيخترق هو الآخر؟ إنّه في قمّة المستوى العاشر مثله مثلما كان الأقدم الكبير شهاب جِرم. فبعد كلّ شيء، هما أخوان غير شقيقين ! "

قال صاحب الصوت المزمجر: "حسنا. سأدخل في انعزال الآن. عندما يخرج سيّدنا، أخبروه بالمستجدّات وسنرى ما سيقرّره. كانت إمبراطورية الرياح العاتية ستكون مقرّا لنا لننمّي قوّتنا جيّدا قبل حكم العالم بسهولة، لكن هذا أصبح من الماضي الآن. قد يُسقِط غضبه كلّه مرّة واحدة على ذلك الفتى عندما يخرج."

تنهدت فضيلة كرم وتمنّت من قلبها أن يكون ذلك حقّا ما سيحدث. بالرغم من ثقتها في سيّدها، لم يسعها سوى الشعور بعدم الاطمئنان وظهور صورة الفتى بتلك القوة الغامضة في يده.

***

كان في ذلك الوقت سفينة بالمحيط الشرقي، بين أرخبيل البحر العميق والقارة العظيمة. أخذت هذه السفينة إمبراطورية الشعلة القرمزية وجهة لها. كانت هذه السفينة عملاقة وتجرّها حيتان قلب البحر العميق الشرسة. انطلقت بسرعة كبيرة للغاية حاملة آلاف الجنود الذين بدوا كلّهم سحرة خبراء.

ترأس هذا الجيش الأقدم الكبير سعير. لم يكن ذلك الجيش ذاهبا للقتال، وإنّما احتياطا فقط. فهدف الأقدم الكبير سعير كان التفاوض مع باسل ليرجع له الأميرة شيرايوكي مقابل إعطائه أنمار لا القتال.

لم يكن لديه خيار آخر سوى القيام بهذه الخطوة. لم يرد أن يكتشف القدماء الكبار هذا الأمر كي لا تسقط قيمته أمامهم، وقد يصل الأمر لعقاب حتّى، ناهيك عن وصول الخبر لسيّده. إن حدث ذلك، فلا يعلم ما الذي قد يحدث له. فبعد كلّ شيء، تعتبر الأميرة شيرايوكي عروس ظلّ الشيطان، وفقدانها يعتبر خيانة لثقة سيّده وصفعة مباشرة في وجهه.


ابتعد عن الأرخبيل واتجه للتفاوض قريبا من منطقة العدوّ مع علمه بالخطر في ذلك. وخصوصا بعدما علم بالأخبار عن مقتل شهاب جرم. كان هذا الأخير أخاه من أبيه، وَرَافقا بعضهما طيلة الوقت. حتّى أنّهما أصبحا أقدمان كبيران في نفس الوقت مثلما دخلا للحلف في آن واحد.

ربّما لم يُظهِرا ذلك بسبب شخصيتهما المتعاكستين، لكنّهما كانا يهتمّان لبعضهما بعضا حقّا. كان ممكنا تخيّل درجة غضب شهاب سعير حاليا. ومع ذلك، لم يترك ذلك يؤثر على هدفه الأصلي. مع أنّه يتجه نحو العدوّ الذي قتل أخاه، إلّا أنّه لا يفكّر في قتاله وإنّما المقايضة معه. كان الأقدم الكبير شهاب سعير من هذا النوع، دائما ما يعطي الأولويّة للأشياء التي يظنّ أنّها أهمّ.

كان يجلس شهاب سعير حاليا على أريكته بينما يتّكئ على يده اليمنى. حملق إلى أنمار المقيّدة والجالسة بعيدا بعينين حقودتين قبل أن يقول: "سأحرص على قتلك أنت وذاك اللعين بدون شكّ ! "

كان يغلي في مكانه من شدّة الغضب. لم يتخيّل أنّه هو الذي اؤتمِن من طرف سيّده ظلّ الشيطان على خططهم واستراتيجيّاتهم أن يخدَع من طرف فتاة كهذه. كان ذلك مذلّا للغاية ولم يستطِع احتماله كما هو الحال نفسه لنظرات تلك الفتاة التي تجعل دمه يدور بسرعة ويكاد ينفجر من جسده. كانت هادئة تماما كما لو أنها تخبره أنّ كلّ شيء يحدث يسير وفقا لتوقّعها. لم يستطع إزاحة شعوره باللعب في راحة يدها من قلبه.

أغمضت أنمار عينيها غارقة في أفكارها مبتسمةً بهدوء.

***

في تلك الأثناء، كانت مجموعة الجنرال رعد تتقدّم نحو إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة. تكلّم الجنرال رعد عبر خاتم التخاطر مع باسل وقرّرا الالتقاء بوسط المحيط الشرقيّ. كان المحيط شاسعا للغاية، لكنّهما وجدا طريقة لربط طريقيهما معا.

بعد أيام، تقاطع طريق باسل مع الخاص بمجموعة الجنرال رعد أخيرا. كانت تعبيرات باسل هي نفسها التي غادر بها من إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة. اعتلته نظرة حادة وأحاط به سكون قاتل. كان يجلس متربّعا في رحلته ينمّي سحره، وعندما التقى أخيرا بمجموعة الجنرال رعد، فتح عينيه اللتين لمعتا بإشراق أحمر ساطع.


حدّق باسل إلى الإمبراطور شيرو وابنته شيرايوكي التي كانت عيناها تشبه الخاصتين بالميّت. كما لو أنّها ذهبت لأحد أراضي الجن والأشباح في الأساطير ثم شفِطت منها روحها. كانت كجسد بدون روح !

نظر إليها باسل لمدّة من الوقت ثم فهم ما حدث لها. كانت تلك نظرات شخص تخلّى عن الأمل في الحياة. لم يكن باسل سيهتمّ لها بالأصل، لكنّه اهتمّ قليلا في مواهبها. كانت الفتاة التي أمامه تقارب عمره، كانت أكبر منه بالقليل فقط على ما يبدو، حوالي الستّ عشرة سنة. ومع ذلك، كانت بقمّة المستوى الثاني. لم تكن أقلّ منه ولا من أنمار شأنا من حيث الموهبة.

شغلت عقله بعض الأفكار؛ لابدّ وأنّ أنمار فكّرت جيّدا قبل أن تقوم بتلك الخطوة. بالفعل، تحالَف باسل مع الإمبراطور شيرو ولم يكن سيترك ابنته تتعرّض للقتل من الأعداء بكلّ سهولة، لكنّه كان غائبا عن الوعي في الوقت الذي اختطِفت فيه الأميرة شيرايوكي، وكان سيأخذ منه الأمر بعض الوقت للتعافي. قرّرت أنمار إنقاذ الأميرة شيرايوكي بنفسها فقط لتعطي باسل الوقت للشفاء.

وبعد ذلك، اكتشفتْ أنّ باسل يتدرّب مع معلّمهما. عندما رأت تدريباته تلك وجروحه التي كانت لم تتعافَ بعد، عزمت أكثر على إنهاء هذا الأمر بنفسها. كلّ ذلك من أجله هو.

بالطبع، بسببها كان قادرا على كسب الوقت للشفاء والتدرّب. تنهد باسل مرّة أخرى عندما فكّر في تحرّكاتها. لطالما فكّرتْ جيّدا قبل التحرّك وأخذت في عين الاعتبار عدّة خطوات قادمة. تمنّى لو أنّها فعلت ذلك هذه المرّة أيضا.

أخبره الجنرال رعد بعد التقائه به بكل ما حدث بشكل مفصّل أكثر، فازداد باسل يقينا بأنمار.

سأله الجنرال رعد بعد ذلك: "ماذا نفعل الآن؟"

قطب باسل ثم قال: "هذا واضح. أنا ذاهب الآن للأرخبيل ! سأعيد أنمار."

صدِم الكلّ من كلامه، لكن ليس من قراره بإنقاذ أنمار، وإنّما من تقريره أنّه سيفعل ذلك الآن. توقّف باسل لقليل من الوقت قبل أن يكمل: "لا أعلم ما الذي خطّطتْ له بالضبط حاليا، لكنّني أعلم أنّها وضعت في عين الاعتبار أنّني سأتوجه للأرخبيل ما أن أعلم بأسرها. كلّ ما علي فعله هو الانسياب مع المجرى الذي صنعته."

"لكن..." تدخّل الجنرال منصف في هالته اللحظة قائلا: "أليس ذلك جنون؟ ! لقد قاتلنا سعير ذاك أيضا. وبصراحة، لولا وجود السيدة الصغيرة لكنّا رمادا بهذه الأثناء. لنقل أنّه لن يشكّل لك مشكلة، لكن لا يعني أنّه لوحده. هناك المئات من الجنود بالمستوى السادس معه. حتّى نائبه واهج بالمستوى الثامن."

صمت باسل ولم يقل شيئا. كلّ ذلك يعلمه بالفعل كما كان الجنرال منصف يعلم أنّ باسل يعرف أكثر منه بهذا الشأن. وقف الجنرال منصف وقال بحزم: "سأرافقك إذا."

ابتسم باسل ثم قال: "أقدّر لك ذلك أيها العمّ منصف." ابتسم الجنرال منصف كذلك قبل أن يكمل باسل: "لكن، لا يمكنني الموافقة على ذلك."

"لِمَ؟" تساءل الجنرال منصف. لم يكن يريد أي شيء أكثر من المقاتلة من أجل باسل وأنمار في الواقع. نما إعجابه بهما لدرجة كبيرة للغاية. أصبحا فردين من العائلة بالفعل ولم يستطع الوقوف والمشاهدة فقط. فهو فعل ذلك بالفعل بالأرخبيل لمرّة ولا يريد لذلك أن يحدث ثانية.

"اعذرني." قالها باسل واستدار فتحرك خيل البحر الملكيّ.

"انتظر ! " رفع الجنرال رعد صوته فجأة جاعلا باسل يلتفت له قبل أن يكمل: "سأذهب معك."

لم يجبه باسل وأكمل المسير فقط. قفز الجنرال رعد للقارب بعد ذلك وابتعد الاثنان عن قارب مجموعة الجنرال منصف. تحسّر هذا الأخير وأحكم قبضته ثم قال بصوت حازم: "تحرُّك. نحن عائدين ! "

كان الجنرال منصف قد قرّر بالفعل ما سيفعله. علم أنّ باسل لم يرد منه المجيء معه لأنّه سيكون في خطر فقط. أحسّ بالعجز لنقصان قوّته وعزم أكثر على الغدوّ أقوى. لم يشعر هكذا منذ وقت طويل، مذ حاول غرين هيملر الاعتداء على زوجته كريمزون سكارليت.

جلس باسل متدبرّا وفعل الجنرال رعد المثل أيضا. بعد مدّة، أخرج باسل سيفا أثريا ومرّره بهدوء للجنرال رعد الذي قبله.

بعد الإبحار لقليل من الوقت فقط من افتراقهما عن مجموعة الجنرال منصف، ظهرت سفينة في الأفق بعيدا عنهما. كانت لا تزال بعيدة بعشرات الأميال.

عبس باسل والجنرال رعد ثم توقّفا عن التدبّر واستعدّا لكلّ شيء قد يحدث. لا سفينة ضخمة كهذه آتية من جهة ثاني أكبر منطقة محظورة في العالم ستكون للتجار. إن أُوجِب التخمين، فهي تعود لحلف ظلّ الشيطان.

بالطبع، كما كان متوقعا، كانت السفينة تعود لحلف ظل الشيطان. وكما لو أنّ الأمر كان مدروسا ولم يكن بصدفة عادية، التقى باسل بالسفينة التي تحمل أنمار والأقدم الكبير شهاب سعير. بملاحظة مجموعة باسل العدوّ، لاحظهم هذا الأخير كذلك. اشتد التّوتر واحتدّ بين الطرفين بشكل لا يصدّق قبل التقائهما حتّى.

كان باسل في أتمّ الاستعداد للقتال هو والجنرال رعد، لكنّ صوتا أتى من السفينة مقدّما رسالة لهما: [أنا أقدمُ حلفِ ظلِّ الشيطانِ الكبيرُ شهاب سعير. أنت هو قاتل الدم القرمزيّ باسل، أليس كذلك؟]

عبس باسل وتأكّد شكّه حول بعض الأشياء؛ كان خياره صحيحا عندما تبع الخطّ الذي رسمته أنمار. ابتسم بينه وبين نفسه بدون شعور ثم تنهدّ. لقد قامتْ بحساب الكثير من الخطوات القادمة. لكن، لولا معرفتها بباسل الجيدة وثقتها المطلقة به لما أخذت الأمور هذا المجرى. كل شيء كان محسوبا ومدروسا.

بعدما وجدت أنمار أنّ الهرب مستحيلا من الأرخبيل بالطرق العادية، وعندما لاحظت مجهود الأقدم الكبير شهاب سعير الكبير في إخفاء خبر هروبهم عن القدماء الكبار الآخرين، فهمت أنمار أنّ أهمّية الأميرة شيرايوكي كانت أكبر من أن تكون رهينة فقط للعدوّ.

كان استماتة العدوّ في محاولة القبض عليهم بدون إيذاء الأميرة شيرايوكي مرّة تلو الأخرى سببا آخر في تأكيد شكّ أنمار. مهما هاجم توابع شهاب سعير استهدفها فقط هي والباقيين، أمّا الأميرة شيرايوكي فكانت بعيدة عن الخطر دائما.


لم تلاحظ أنمار هذا الأمر في البداية أيضا؛ ظنّت أن الأميرة شيرايوكي كانت لا تتأذى فقط لأنّها كانت تُحمى منهم، لكنّ الأمر كان مخالفا لذلك كلّيا. كانت قيمة الأميرة شيرايوكي عند العدوّ بنفس الأهمّية التي كانت لديها لهم. حبكت في تلك اللحظة أنمار خطّتها.

بما أنّ شهاب سعير لا يريد إيذاء الأميرة شيرايوكي خوفا عنها، فلا شكّ أنّه سيفعل كلّ ما بوسعه لإنقاذها. وبما أنّه يحاول إخفاء هذا الأمر بإبقائهم في منطقته فقط، فهذا يعني أنّه لن تكون هناك مساعدة له من القدماء الكبار الآخرين بما أنّه لا يريدهم أن يعلموا.

كلّ ذلك كان أساسا لخطة أنمار الجديدة. لم يتوقع أو حلم العدوّ أبدا أنّ أنمار ستقوم بجعل نفسها طعما لهروب الأميرة شيرايوكي التي لا يستطيعون إيذاءها. لكن ليس هذا هو الأمر غير المتوقّع، بل هو دراسة أنمار للحالة جيّدا وتلاعبها بشهاب سعير كلّيا.

عندما سيريد شهاب سعير استرجاع الأميرة شيرايوكي، لن يقتل أنمار التي ستكون عندها رهينة في غاية الأهمية له. وما سيفعله الشخص الحكيم واضح، سيطالب بمقايضة الأميرتين. وبهذا كانت أنمار متأكدة من بقائها على قيد الحياة ولو سقطت في أيدي العدوّ. وهذا كان تأكيدا على أنّها هي الشخص الوحيد الملائم ليكون طعما؛ شخص آخر غيرها لن تكون له فائدة كرهينة مقارنة بالأميرة شيرايوكي. وليس هذا فقط، بل حتّى أنّ دور الطعم تطلّب شخصا بقوّة كبيرة ليستطيع صنع طريق للهرب.

بعد ذلك، أتى دور توقع المستقبل المبنيّ على الحقائق فقط. عندما سيتبع شهاب سعير مجموعة الجنرال رعد التي ستكون ابتعدت عنه بمسافة كبيرة، سيكون باسل قد علم بخبر أسرها من دون شكّ من قبل الجنرال رعد الذي كلِّف بهذا الدور. فحتى لو لم يتّصل به باسل آنذاك، كان سيفعل ذلك الجنرال رعد بعد مدة ريثما يقتربون أكثر فقط من إمبراطورية الشعلة القرمزية.

وحينذاك، سيأتي دور باسل. لولا ثقة أنمار الكاملة بأفعال باسل، لما قامت بهذه الخطوة في المقام الأول. كانت تعلم ما سيفعله تماما عندما يعلم بخبر أسرها، فكانت مرتاحة البال طيلة الوقت رغم وقوعها في قبضة شهاب سعير. فبعد كلّ شيء، كانت تعرف أنّها في طريقها للالتقاء به.


لم تكن أنمار كأنّها مأسورة كرهينة من العدوّ، بدا كأنّ هذا الأخير عبارة عن وسيلة لعودتها للديار فقط. لكن، لم يكن ذلك فقط ما فكّرت به أنمار؛ ففي اللحظة التي اكتشفت بها أهمّية الأميرة شيرايوكي، ظهرت لها الخطة كاملة في عقلها. والآن، كانت قد أنقذت الرهينة، وفوق ذلك، جعلت أقدما كبيرا يغادر عرينه ليلقى مصيرا تتوقّعه أيضا.

امتدّت حافة فم باسل ليصنع ابتسامة فهمت أخيرا المجرى الذي صنعته أنمار. تنهّد وتمتم لنفسه: "حقّا... لا تتغيّرين أبدا ! " كان هذا الكلام نابعا من قلب باسل. كان هوس أنمار به واصل لحدّ كبير للغاية. كان هو يعلم بذلك الأمر جيّدا ولم يفعل أي شيء تجاهه. فلطالما كان هكذا. حتّى أنّ حرس الملاك أنمار الشخصيّ كان قد كرهه أكثر لأنّه يعامل ملاكهم بطريقة باردة.

عندما حاولوا مرارا وتكرارا القضاء عليه بدون فائدة، كانوا دائما يجلبون هذا الموضوع. وكانت إجابة باسل هي نفسها دائما: "تحبني أم لا، تلك حرّيتها. أنا فقط لا أهتم بذلك."

علم باسل دائما بمشاعرها نحوه، وكان مقرّبا منها قبل أن يبلغ العاشرة حتّى لو كان باردا تجاهها نوعا ما نظرا لطبيعته. لكن بعد تلك الحادثة تغيّرت تصرفاته من البرودة إلى عدم الاهتمام والتجنّب الكامل. كان تلك ردّة فعل باسل التلقائية عن فعل أنمار.

مرّت قرابة الخمس سنين منذ حينها، ولم يقتربا من بعضهما لتلك الدرجة. كان باسل يتجنّبها كالعادة ويتكلّم معها فقط بالأشياء المشتركة. أتى بها للعاصمة معه فقط لأنّه علم أنّها لن تستسلم وستتبعه حتّى لو لم يسمح لها بمرافقته؛ كان ذلك سيكون مزعجا أكثر فقط.

لكن وفوق كلّ ذلك، لم يهم ما إن كانت علاقتهما ليست جيّدة أم لا، دوما كان بينهما تلك الثقة التي لا تتزعزع التي نتجت عن فهمهما بعضهما بعضا. وربّما كان هذا هو سبب باسل في الابتعاد عنها في المقام الأول، لربّما أحس بأن ثقته تلك بها قد تعرّضت للخيانة في ذلك الوقت.

كانت مشاعر باسل تتضارب في كلّ مرّة تقوم فيها أنمار بالتحرّك هكذا من أجله. بالرغم من معاملته لها التي لم تحمل ذرة اهتمام معها، إلّا أنّها حافظت على تكريس نفسها له دائما والتفكير من أجله والعمل لمصلحته. في كل الأوقات والأماكن، كانت أنمار تتبع طريقا واحدا – "من أجل باسل."


لم يعلم باسل كيف يتعامل مع هذا الأمر، لذا استمرّ في تجاهلها والابتعاد عنها فقط. علم أنّه لا يستطيع مواصلة ذلك لمدى الحياة، لكن لم يكن بوسعه فعل شيء. كلّ ما أمكنه فعله هو وضع مسافة بينها وبينه فقط؛ لربّما اعتبر ذلك أنّه سيكون عقابا لها بأعماق قلبه.

كانت ابتسامة باسل سابقا في الواقع تعبر عن سخريته من نفسه. بدأ يعتقد انّ الأمر أصبح يحتاج لتسوية أخيرة. فبعد كلّ شيء، لقد تجنّب هذا الموضوع لمدة طويلة بحجّة أنّه إزعاج، لكنّه ربّما كان يهرب فقط من مواجهته بشكل مباشر. علم باسل بذلك وأحس بشعور سيّئ نوعا ما. شعر أنّه كان يبتعد عنها فقط كي لا يشعر بتلك الخيانة مرّة أخرى.

بدا على باسل العزم والحسم. اعتلته نظرات وقورة هادفة. قرّر ما سيفعله وتوقّف عن التكفير في هذا الموضوع للآن. حاليا، يجب عليه إنقاذ أنمار وإكمال خطّتها بنجاح.ابتسم لمرّة أخيرة، وكانت هذه الابتسامة مختلفة عن التي سبقتها، كانت تحمل معها شعورا مريحا نوعا ما؛ قد يكون لأنّه صفّى ذهنه وثبّت أفكاره أخيرا.

تكلم هو الآخر مجيبا شهاب سعير عن سؤاله: [أنا هو باسل الذي تبحث عنه. أعلم ما تريد التكلّم عنه، لذا سأزيح عن كتفيك عناء الشرح. الأمر بسيط، سلّم أنمار ويمكننا التكلّم بعد ذلك قدر ما شئت، فمزاجي جيّد لتلك الدرجة. حاول القيام بشيء غبي وستموت أنت وذلك الطاقم الذي أتيت به بدون رحمة.]

[هاهاها ! ] ضحك الأقدم الكبير شهاب سعير ثم قال ساخرا: [من تعتقد نفسك أيها الصعلوك؟ وهل تعلم ما الحالة التي أنت بها؟ لست أنت من يضع الشروط هن...]

قاطعه باسل فجأة بصوت مرتفع: [شروط؟ يبدو أنّك أسأت فهمي على ما يبدو. أنا لا أضع شروطا هنا؛ فأنا لا أتفاوض مع الأرواح الفقيرة. أنا أمحنك خيارين فقط، سلّم الرهينة التي لديك وسأفكر في تركك تعيش لوقت أطول. غير ذلك، ستلحق أخاك في مصيره لا غير.]

كان كلام باسل هادئا للغاية، لم يكن خائفا على الإطلاق على سلامة أنمار. وضعت هذه الأخيرة أساسا قويّا لخطّتها. لم يكن بوسع العدوّ سوى الحفاظ على حياتها من أجل التفاوض بها. كان باسل يعلم بذلك فتصرّف بناء على ذلك. كان المجرى الذي صنعته أنمار سلسا بلا عراقيل والانسياب معه كان سهلا للغاية لباسل.

صدر صوت الأقدم الكبير شهاب سعير من جديد بعد مدة من الوقت؛ لا شكّ في أن جملة باسل الأخيرة قد أثرت به: [يا فتى، لا تزد الأمر سوءا وكن مطيعا. سأمنحك خيارين، اِئت لي بالأميرة شيرايوكي ولا أحقاد. نحن نعلم من له اليد العليا هنا بكلّ وضوح، فدعنا لا نلجأ للطريقة الصعبة واتركنا نصل للحلّ الأمثل لكلينا. أنت تريد الشقراء وأنا أريد المهقاء. الأمر بهذا البساطة. لمَ الحاجة لتعقيد الأمور؟]

أجاب باسل مباشرة بنفس النبرة الحادة التي حملت معها عزما مطلقا بدون أيّ تردّد: [الحلّ الأمثل؟ تعقيد الأمور؟ معك حقّ في ذلك. إنّني أكره الأشياء المزعجة، لذا أحاول إنهاءها في أسرع وقت. إن كنت لن تسلّم أنمار فاعلم أنّك جلبت اضمحلالك إلى نفسك.]

[همف، صعلوك واهم ! ] صرخ الأقدم الكبير شهاب سعير مزيدا من شدة نبرته: [لا تغترّ بنفسك أيها الفتى. قد تكون في مستوى يخوّلك قتالنا. لكن لا تعتقد أنّك صرت سلطانا لا يقهر. يمكنني حصد روحك بكلّ سهولة بطاقمي هذا حتى لو كنت بمستوى أرفع منّي. سأقول ذلك لمرّة أخيرة ولن أعيده، سلّم المهقاء ولك الشقراء. غير ذلك، سأقتل هذه الرهينة الآن.]

اهتز حاجب باسل واسودّ وجهه. لم يكن ذلك بسبب الخوف عن حياة أنمار، ليس لأنه لا يهتم بها، بل على العكس، لأنّه يفعل. لم يخف عليها فقط لأنّه يعلم أن العدوّ لن يربح شيئا من قتلها. لقد حافظ شهاب سعير على حياته لأنّه يحتاجها بشكل مستميت. لا يُتصَوّر أنّه سيقتلها بعد كل ذلك العناء؛ ببساطة كان ذلك مجرد خداع. ومع ذلك، حتى لو كان خداعا، وحتى لو أنّ باسل يعلم بذلك، لم يمنع كل ذلك نية قتله من بلوغ ذروتها.

أشرقت عيناه بسطوع قرمزي كما لو أنّه وحش سامٍ يطالب بالدّم، وانطلقت هالته كل تلك الأميال مصاحبة لنيّة قتله واجتاحت السفينة البعيدة عنه فتخلّلت عظام ركّابها.


صدر صوت باسل بعد ذلك الغاضب والهادئ بشكل مخيف: [حاول، وإنّي لست بتارك منك لحما ولا عظما ! ]

كانت نية قتل باسل في أوجها أكثر من أيّ وقت مضى. ولم يكن بوسع الأعداء سوى الشعور بالقشعريرة من أقدامهم لرؤوسهم. ولم يكن شهاب سعير استثناءً، بل على العكس، كان أكثر شخص شعر بالخطر المميت الذي يأتي من جهة باسل. فبعد كل شيء، كانت نية القتل تلك تستهدفه هو خصيصا. شعر بضغط كبير من جهة العدوّ فعلم أخيرا لمَ مات أخوه على يد فتى كهذا.

مع أنّ هالة باسل عبرت من خلال شهاب سعير إلّا أنّها لم تأثر به على الإطلاق؛ فهو اختبر مثلها وأكثر منها للكثير من المرّات وخصوصا بعدما انضمّ للحلف. نهض عن أريكته ثم تقدّم للأمام نحو أنمار وحدّق إليها قليلا قبل أن يقول ساخرا: "يبدو أنّك لست بتلك الأهمية لدى الصّعلوك. لا يهم الآن، كنت أحاول ضبط نفسي لكنّ ذلك غدَا مستحيلا على ما يبدو."

واصلت أنمار إغماض عينيها فقط بعد كلام شهاب سعير. لم يكن لكلماته أيّ تأثير على هدوئها ذاك.

سطعت عينا شهاب سعير أيضا وامتدّت نيّة قتله عبر السفينة فتلاقت مع الخاصة بباسل. اشتدّ الاحتكاك بينهما وتصارعا بإرادتيهما قبل أن يبدآ القتال الحقيقيّ. عزم شهاب سعير على القتال أيضا بعدما وجد أنّ التفاوض مع باسل غير وارد والقتال هو الخيار الوحيد بما أنّ عدوّه يقف في طريقه نحو تحقيق غرضه من هذه الرحلة.

إن لم يكن باسل يريد التفاوض، فعليه التنحّي جانبا فقط أو الموت إن وقف في طريقه. يجب عليه أن يكمل وجهته نحو إمبراطورية الشعلة القرمزيّة ليجد شخصا مستعدا للتفاوض. بعدما وجد أنّ باسل لا يحمل نيّة في المقايضة، فسيجرّب جدّ أنمار كريمزون أكاغي. هذه حفيدته من دمه ولحمه، وسيفعل أيّ شيء من أجل استردادها.

الآن، كلّ ما عليه فعله هو تجاوز باسل. بهذه الفكرة، وجد شهاب سعير عذرا لنفسه أخيرا. كشخص وُكِّل باستراتيجيات الحلف، وجب أن يكون رزينا ويفكر بشكل عقلانيّ لا عاطفي. لكن بمجرّد ما أن وجد الحجّة الآن، غمرته ذكرياته عن أخيه وعزمهما على بلوغ الذروة بعدما مرّا بالعذاب من قاع العالم.

تكلم شهاب سعير بصوته الهادئ: [تقدّم أيها الفتى، سأجعل منك الليلة وجبة للحيتان بعدما أحرص على شويك جيّدا.]

أحاط السفينة في الحال حاجز أثري. كان هذا الحاجز مثل الذي استعملته فضيلة كرم أثناء قتالها باسل. لكن هذا الحاجز كان بنطاق أوسع من الذي استعملته هي وبدا أكثر صلابة. كانت الحواجز الأثرية عبارة عن حواجز الحماية الأرضية معززة بنقوش أثرية. كانت أكثر فعّالية بأضعاف من الحواجز السحرية.


بعد ذلك، شحذ الآلاف من السحرة بداخل السفينة سحرهم وشحنوه لأقصاه. كان هناك المئات من سحرة المستوى السادس. مع أنّهم كلهم كانوا عجزة، إلّا أنّ الإكسيرات سمحت لهم أخيرا بالاختراق للمستوى السادس. فهم تدربوا لوقت طويل للغاية من أجل الارتقاء واحتاجوا لدفعة معزّزة فقط.

اجتاحت قوتهم المشتركة الاتجاهات الأربعة وجعلت الهواء يتفرقع من أصواتهم وارتفاع طاقاتهم السحرية المستمرّ. ظهر شهاب سعير خلفهم وكانت طاقته السحرية في قمتها بالفعل. انطلق أحد عنصريه السحريين متخللا صفوف توابعه، فبدا سحرة المستوى السادس فجأة كما لو أنّ عقولهم اندمجت وأصبحت واحدة.

استخدم شهاب سعير سحر العقل. لم يكن سحر العقل بتلك القوّة في قسم مستويات الربط الأول، لكن عندما يدخل ساحر العقل القسم الثاني وينمي هذا السحر إلى مستوى جديد، فيكون بإمكانه تحرير إمكانيته التي تخوّله إلى فعل الكثير من الأشياء غير السيطرة على عقول الأعداء للتحكّم في أفعالهم.

مع أنّ عنصر العقل كان سحرا ثانويا لسحر الوهم الأساسيّ، إلّا أن إمكانيته اختلفت عن الخاصة بعنصر الوهم. إحدى هذه الإمكانيات التي اكتشفها وأتقنها شهاب سعير كانت توحيد عقول عدد محدّد من الحلفاء لتشكيل قوّة متّحدة متراصّة غير متزعزعة. عندما تتوحّد عقول توابعه هؤلاء، يصبح لديهم تفكير واحد. وانطلاقا من هذا، يكون بإمكانهم صنع تشكيل لا يقهر. يمكنهم حينها فهم واستنباط طاقاتهم السحرية ودمجها لتكوين هجوم قاتل.

كانت هذه إمكانية لعنصر العقل، ومع تطور الساحر يصبح بإمكانه استخدام إمكانيات أخرى. في هذه الحالة، لا يمكن لأيّ شخص أن يقول عن عنصر العقل أنّه سحر ضعيف. سمع باسل ذات مرّة من معلّمه كلاما حكيما ألهمه: "ليس هناك سحر ضعيف، هناك ساحر ضعيف."

يمكن لأيّ سحر أن يتطوّر لمستوى لا يمكن لأحد تخيّله طالما واصل الساحر في الثقة بنفسه والطموح بالأعلى دائما ليكون قادرا على الصمود في المسار الروحي القاسي.

ارتفع باسل إلى السماء بعاصفة نارية تحت قدميه. سمع عن قدرة شهاب سعير من شاهين فيما قبل، وعلم عنها أكثر من الجنرال رعد الذي رأى جزءا منها قبلا. لذا لم يستخف باسل به إطلاقا واستعد لمواجهته بجديّة بما أنّ العدوّ ينوي فعل ذلك أيضا.

شحن باسل طاقته السحرية. انتقلت الطاقة السحرية في بحر روحه إلى الجسم الأبيض هناك. دارت طاقتا عنصري التعزيز والنار بمسار نقط الأصل ووصلا لقمّتهما. بلغ سحر النار قمّته فامتدّت هالة المستوى الثامن طولا وعرضا جاعلةً النفوس ترتعد. أمّا عنصر التعزيز، ففاق ذلك بكثير واستمر في الازدياد حتّى ارتقى للمستوى الثاني عشر وهدأ اخيرا.


صعق هذا الأمر شهاب سعير من بعيد وفهم ما وصله من أخبار عن هذا الفتى. هناك شيء غير منطقي به؛ إحدى عنصريه يقف عند المستوى الثامن والآخر يستمر في الازدياد بدون توقّف. كان هذا أكثر شيء غرابة سبق وأن رآه.

لكنّه لم يهتم بهذا لتلك الدرجة. ماذا إن كان ساحرا في المستوى الثاني عشر؟ أمام تشكيله بقيادته، حتّى سحرة المستوى الثاني عشر سيُذبحون. كانت ثقته كبيرة لهذه الدرجة. حتّى لو كان هو بنفسه ساحرا بالمستوى العاشر فقط، عندما يترأس تشكيله يستطيع صنع قوّة لا تضاهى.

بووم

انطلق باسل بعدما تفاهم مع الجنرال رعد حول دوريهما. بلغ أعلى السفينة في لحظات بما أنّها ابتعد بأميال فقط، ثم حدّق إلى شهاب سعير وتشكيله قبل أن يخرج سيفيه الأثريين متحكّما فيهما مثاليا محوّلا إيّاهما لنصلين لهبيّين محاطيْن بطاقة زرقاء قريبة للأبيض.

رفع ذراعيه للأعلى ولوّح بهما نحو الأسفل بكلّ قوته الجسمانية. صنع ذلك ارتجاجا في الهواء وانطلقت شفرتان ناريتان تصلان لعشرات الأمتار قطعتا طريقهما نحو الهدف بقوّة لا توقَف. كان ذلك امتداد باسل الكلّيّ؛ خاصية عنصر التعزيز.

زباام

كانت تقنية الامتداد الكلّيّ عبارة عن إحدى الإمكانيات التي وجدها باسل بعنصر التعزيز. طالما استمر الشخص في المحاولة والتجربة، سيستطيع إتقان تقنية خاصة به ناتجة عن إحدى الإمكانيات.

كان الامتداد الكلّيّ الخاص بباسل يستخدم خاصية عنصر التعزيز التي تخوله أن يعزز من انتقاله مسافات كبيرة كما لو أنه ينتقل عبر الفضاء. لم يكن ينتقل عبر الفضاء حقّا، لكن كان باسل بإمكانه جعل هجماته تمتدّ كما يمتدّ عنصر التعزيز من جسده قبل أن تتشكل أخيرا في المكان الذي يريده طالما كان امتداده يستطيع بلوغه.

لكن، حتّى مع استخدام الامتداد الكلّيّ، لم تخترق الشفرتان الناريتان الحاجز الأثري. لم تكن هاتان الشفرتان هجوما سهلا، لقد كانتا دمجا لعنصر النار ذي المستوى الثامن وعنصر التعزيز الذي يعزّزه ذي المستوى الثاني عشر.


هنا اتضحت قوّة الحاجز الأثري المدعّم من شهاب سعير وتشكيله.

كانت سفينة شهاب سعير نفسها عبارة عن سلاح. مع أنها لم تكن كنزا أثريا، إلّا أنّها أحيطت بذلك الحاجز الأثري. دُعِّم هذا الحاجز من السحرة الموجودين كلهم على السفينة عبر عنصر العقل الذي أصبح كطريق لهم يمكنّهم من السيطرة على سلاح أثري بالدرجة الخامسة، فأصبحت قوته كبيرة ومركّزة كثيرا.

لم يكن هذا الحاجز مخصصا في الدفاع فقط، فبما أنّه كان أثريا، فقد استطاع حمل طاقة العناصر أيضا وليس الطاقة السحرية الخالصة فقط كما كان الحال مع حواجز الحماية الأرضية.

بمعنى، يمكن استعماله في الهجوم أيضا. فبمجرد ما أن توقف امتداد هجوم باسل عند الحاجز الأثري، حتّى تَركّز بنقطة واحدة من هذا الأخير طاقة سحرية كبيرة للغاية واندفعت تجاه باسل.

زووش

كان ذلك ضوءا أسودا. كانت قوّته السحرية كبيرة ومركزة بشكل لا يصدّق. شمل هذا الضّوء الأسود العديد من العناصر المشتركة والمندمجة. في الأحوال الطبيعية، لم يكن ممكنا واردا اندماج العديد من العناصر السحرية هكذا إلّا وكان كلّ أولئك السحرة لهم فهم عميق بعناصر بعضهم بعضا وبشخصياتهم وبطريقة استخدام كلّ واحد منهم لسحره، فكل ذلك يؤثر على اندماج العناصر، وهذا كان مستحيلا بالطبع بدون وسيلة أخرى.

لكن، لم تكن هذه حالة عادية. استخدم شهاب سعير عنصر العقل سابقا لتوحيد عقول العديد من سحرة المستوى السادس؛ فنتج عن ذلك عناصر كثيرة بعقل واحد، فكيف لا تندمج عندها؟ كانت هذه القدرة الحقيقيّة لهذه الإمكانية الخاصّة بعنصر العقل – توحيد العقول.

الآن، وجد باسل نفسه كما لو يواجه عدوّا بعناصر عديدة. كان هذا الأمر مرعبا للغاية خصوصا بعدما اندمجت هذه العناصر وشكّلت ذلك الهجوم القاهر.


تشش

في لحظة واحدة، قبل أن يستطيع باسل التجنب حتّى، بلغه الضوء الأسود بسرعة جنونيّة والتقى بسيفيه الأثريين بقوّة كبيرة للغاية أرسلت باسل محلقا لمئات الأمتار مخترقا الميل. كان باسل قد كوّن حاجزا بالامتداد الكلّيّ في آخر لحظة وإلّا كانت العاقبة وخيمة وأصيب بجروح مميتة.

كانت قوة هجوم واحد من العدوّ مهيبة للغاية. وبالطبع، كلّ شيء وله ثمن. لا يستطيع شهاب سعير توحيد عقول الآخرين لمدّة طويلة للغاية بينما يستخدم مثل هذا الهجوم مرّة تلو الأخرى. فذلك يستنزف طاقة سحرية بشكل لا يوصف.

عنصر العقل الخاص به هو سحر اكتسبه بعد بلوغ قسم مستويات الربط الثاني. ولم يكن مثل باسل، ما أن تفرغ طاقة عنصر العقل يجب أن ينتظر وقتا معيّنا قبل أن يستطيع الشحن من جديد. كانت هذه إحدى ميزات سحرة القسم الثاني؛ فعلى عكس عنصرهم الأول الذي يعود لحالته الطبيعيّة بعد وقت أطول بشكل ذاتي، يستطيعون استخدام الطاقة السحرية الخارجية للشحن من جديد بعد إراحة بحر روحهم لقليل من الوقت.

ومع ذلك، حدودهم هو الشحن لمرّة ثانية فقط. هذا إن بقوا أحياءً ولم يموتوا بعدما تفرغ منهم تلك الطاقة ويتبقّى لهم عنصر واحد فقط لمواجهة العدوّ. لذا كان شهاب سعير حريصا في استخدامه لمثل هذه الهجمات.

تعرض باسل لجروح بجذعه، لكنّه لم يهتم بها بما أنّها لم تكن قاتلة مهما آلمته. حدّق إلى العدوّ مرّة أخرى وأطلق نفس الشفرات بشكل غير متوقف من العديد من الجهات بينما يتنقل في الهواء من مكان إلى آخر، لكن لم يكن لذلك أيّ نفع على الإطلاق. كلّ ما حصده هو صنع ثغرة في دفاعه بهجومه وتلقّي هجمة أخرى من الحاجز.

تعرض لجروح كثيرة مرة أخرى. يجب على باسل حاليا كسر هذا الحاجز الأثري أولا قبل أن يكون بمقدوره قتال شهاب سعير وتشكيله وجها لوجه. ولهذا، استخدم باسل أفضليته إذْ لديه طاقة سحرية خارجية غير محدودة مقارنة مع العدوّ.

بعد مدّة قليلة من بدء المعركة، فهم باسل أنّ شهاب سعير يستخدم إمكانيتين لعنصر العقل في الواقع. إحداهما توحيد العقول، أما الثانية، فمازال لا يعلم ماهيتها بالضبط. لكن بلا شكّ بمقدور هذه الإمكانية الثانية أن تزيد من قدرة شهاب سعير في التحكّم ليكون باستطاعته استخدام الحاجز الأثري كسلاح للهجوم بهذا الشكل، خصوصا بالعناصر المندمجة تلك.


كلّ هذا زاد من رعب شهاب سعير حقّا. لم يكن مستواه السحري في هاته اللحظة مهمّا. في الحقيقة، ليس دائما ما يحدد النتيجة هو المستوى السحري، فمثلا نجد التحكّم المثالي الذي بإمكانه تغيير النتيجة كليّا. باختصار، مهارة الشخص هي العامل الأقوى.

لم يستطع باسل سوى الانبهار بعدوّه. حتى لو لم يملك شهاب سعير الآن التحكّم المثالي كأخيه جِرم، فهو لديه فهم عميق بالسحر. أن يستطيع إظهار إمكانيتين لعنصر العقل وبهذه المهارة، لا شكّ في أنه عبقري آخر.

كان بإمكان الساحر استخدام الحاجز الأثري. ومثله مثل الأسلحة الأثرية، كل ساحر والدرجة التي بإمكانه استخدامها. الآن، كان شهاب سعير يتحكّم في هذا الحاجز ذو الدرجة الخامسة، لكن كان حدّ الساحر العادي هو استخدام الحاجز للدفاع عن نفسه فقط. وفي حالة ما إذا كان الساحر موهوبا في التحكّم بدرجة كبيرة فسيستطيع استخدام الحاجز في الهجوم أيضا.

أمّا شهاب سعير فلم يكن تحكّمه ما أتاح له استخدام الحاجز الأثري في الهجوم، بل الإمكانية التي اكتشف باسل أنه يستخدمها. كان ذلك مرعبا كثيرا بالتفكير جيدا به. فباسل حتى الآن مازال يستطيع استخدام إمكانية واحدة فقط لعنصر التعزيز، أمّا عنصر النار فقد ارتفع لقسم مستويات الربط الثاني للتوّ ولا يزال باسل لم يكتشف بعد إمكانية له.

بالإضافة، كان شهاب سعير يستخدم إمكانيتين بالفعل لعنصر العقل، ولم يستخدم عنصره الثاني حتّى الآن. ومن يعلم إذا كان يستطيع استخدامَ إمكانيات عنصره الثاني أيضا؟

حتى الآن، يستخدم شهاب سعير عنصر العقل فقط. لكن، علم باسل كما علم عدوّه أنّ ذلك لن يستمرّ لوقت طويل. استخدام الأقدم الكبير لمثل هذه التقنية يضع عبئا كبيرا عليه، لذا بإمكانه الاستمرار هكذا لوقت أطول فقط.

لو لم يكن لباسل عنصر التعزيز الذي الآن في المستوى الثاني عشر وبطاقة تشحن طوال الوقت من دون أن تنخفض، لكان قد لقي مصرعه من الهجمات التي تأتي من العدوّ بدون أن تنخفض قوّتها بسبب تعاون الكثير من السحرة. ما سينهي هذا العدوّ هو فراغ طاقة عنصر العقل الخاصة بشهاب سعير.

زباام زباام*

تبادل باسل بالامتداد الكلّيّ الضربات مع الهجمات التي تستهدفه من الحاجز الأثري. ولا يتوقّف أبدا، فبمجرد ما أن يدافع حتّى يهاجم الحاجز الأثري. فذلك سيسرّع من وتيرة فراغ طاقة شهاب سعير.

مرّ مدّة تصل لعشرين دقيقة قبل أن يظهر تغيّر أخيرا في الحاجز. بدأ يتأثر أخيرا من قوّة باسل فاهتز بكلّ شفرة نارية عملاقة يتلقاها وبدأت يتصدع من العديد من الأماكن.

في ذلك الوقت، تخلّى شهاب سعير كلّيا عن استخدام توحيد العقول والإمكانية الأخرى التي خولته استخدامَ الحاجز الأثري في الهجوم. ومباشرة بعدها، أطلق باسل هجوما آخر فتكسّر الحاجز كالزجاج قبل أن يختفي كالبخار.

مع أنّ هذا حدث، إلّا أن شهاب سعير لم يرمش أبدا ولم يبدُ عليه الخوف أو التردّد. وقف في مكانه فقط وحدّق إلى باسل. علم أنّ الهجمات التي يقوم بها عن طريق الحاجز لن تصل به لنتيجة. لذا قرّر تغييرها.


شحن طاقة عنصر العقل أكثر. وفي الوقت نفسه، شحذ جميع أتباعه الذين بلغ عددهم الآلاف أسحارهم بأسلحتهم السحرية ورفعها لقمتها. وبعد ذلك، رفع شهاب سعير سيفه الأثري بالدرجة الخامسة للأعلى ووجّه طاقة عنصر العقل المشحونة إليه، ثم لوح بذراعه نحو أتباعه الذين بلغوا الآلاف.

تخللتهم طاقته السحرية فمرّت منهم جميعا. وللتدقيق، لم تمرّ منهم وإنّما من أسلحتهم السحرية. توهجت هذه الأسلحة السحرية كلها مرّة واحدة بضوء أزرق فاتح قريب للأبيض وغادرت أيدي مالكيها. توجهت كلها نحو الأعلى.

كانت هذه الأسلحة بكل أنواعها وأشكالها وبمختلف مستوياتها. كانت كلّها مشحونة بطاقات سَحَرَتِها فأطلقت سطوعا شمل العديد من التوهجات والإشعاعات بمختلف الألوان. تشكّلت كلّها لتصبح مثل طائر عنقاء خرافيّ زهت أطيافه وغمرت هالته الوجود.

كانت هذه الأسلحة كلها محاطة بطاقة عنصر العقل الخاصة بشهاب سعير. أصبحت كلّها تحت تحكّمه مع إبقائها على طاقة مالكيها الأصليّين. بمعنى، كان الأقدم الكبير يتحكّم الآن في الآلاف من الأسلحة السحرية التي احتوت على شتّى العناصر المختلفة.

كان سابقا يستخدم شهاب سعير توحيد العقول ليجعل السحرة يدمجون عناصرهم وقواهم، لكنّه الآن كان يفعل شيئا مختلفا. كان يستخدم هذه المرّة أسلحتهم المشحونة بالطاقة السحرية كأنّها خاصة به. كانت هذه الإمكانية التي أمكنته أن يستخدم الحاجز الأثري في الهجوم.

التحريك العقليّ. هذا ما كان يسمّي الأقدم الكبير هاته التقنيّة. كان يسخّر قوته ليمنح كل شيء موجود عقلا. أصبحت هذه الأسلحة الآن عبارة عن وجود يتحرّك طبقا لإرادة المتحكّم فيه، وعقله يتبع عقل شهاب سعير. كانت هذه الأسلحة التي تشكلت لتصبح طائرا طيفيّا في السماء بجناحي يمكنه استخدام العديد من العناصر السحرية.

باختصار، أنشأ شهاب سعير وجودا قريبا لوحش سحري لديه العديد من العناصر. لم يكن هذا الطائر حيّا، وإنّما كان له عقلا ونيّة متّصلتين بالخاصتين بالأقدم الكبير. كان هذه إمكانية أخرى خاصة بعنصر العقل أتقنها شهاب سعير. دلّ هذا على موهبته المرعبة كثيرا، فجعل باسل يفكّر في مدى قوّته التي لا تطابق أبدا المعلومات التي تحصّل عليها.

ليس أنّ من اخبره المعلومات قد كذب، فقط كانت قوّة شهاب سعير الحقيقيّة غير معلومة لذلك الشخص. استنبط إمكانيتين لعنصر واحد بالمستوى العاشر فقط، كم كان ذلك مهيبا !

لكن، لم يتوقّف شهاب سعير عند هذا الحدّ فقط. كان قد شحن بالفعل طاقة عنصره الآخر والذي كان العنصر الأول. ارتفع هالته وأحاطت به حرارة شديدة يمكنها تحويل كلّ شيء لرماد بمجرد لمسه. كما لو أنها حرارة مقترضة من الشمس العظيمة.


وووش

توجهت طاقته عنصر النار السحرية التي انبثقت من جسدها كلّها مرة واحدة نحو الطائر الطيفيّ وأحاطت به قبل أن تندمج معه استخدم الأقدم الكبير الصلّة التي بينه وبين الطائر الطيفيّ عبر عنصر العقل وجعلها طريقا لطاقة عنصر النار. هكذا كان بإمكانه استخدام عنصره الأول بجميع الأسلحة السحرية أيضا.

فالأمر كان مختلفا عن عنصر العقل، على عكس هذا الأخير الذي استُخدِم لمنح الأسلحة عقلا باعتبارها أشياءً فقط، فعنصر النار قد تخلل الأسلحة السحرية كما يفعل الساحر عندما يستخدم السلاح السحري أو الأثري. كان مستحيلا على الشخص استخدام أسلحة تصل للآلاف مرة واحدة. فبالمستوى العاشر يمكن للشخص أن يوظّف حوالي عشرة سلاح سحري منخفض عن مستواه بمستويات.

أما السلاح الأثري فيكون حدّه عند اثنان لو كان يملك تحكّما جيّدا. لذا كان أمرا مرعبا استعمال ساحر ما الآلاف من الأسلحة السحرية كلّها مرّة واحدة.

سطعت النيران والتهب الطائر الطيفي ليصبح كعنقاء حقيقيّة. كان طولها يصل للعشرين متر وارتفاعها لخمسة أمتار. التهب جناحيْ الطائر وأشعّت العناصر السحرية بداخلها بجميع ألوانها التي تخللت النيران من كلّ جهة.

العنقاء الطيفيّة. اكتملت !

كشّر شهاب سعير عن قوّته الحقيقيّة أخيرا وابتسم بشكل عريض محدّقا إلى باسل مستهزئا به علانية مخبّرا إياه بمصيره القادمِ المحتومِ.

اهتز جناحي العنقاء الطيفيّة في السماء فحرقت الهواء نفسه فصنعت بخارا أحاط بها بنطاق واسع وبدا كما لو أن غيمة تتشكل فوق فوهة بركان. اجتاحت هالتها الاتجاهات الأربع وكان بإمكانها جعل العاصي ينصاع والمأمور يستجيب.


وقف شهاب سعير هناك فقط بدون فعل أيّ شيء؛ الآن كلّ ما عليه فعله هو التفكير وما يرغب به من العنقاء الطيفيّة سيحدث. لذا استخدم طاقة عنصر العقل المتصلة بالطائر فوقه بأريحيّة محافظا على ابتسامته تلك.

كل ذلك حدث بسرعة كبيرة للغاية. لم يستغرق سوى ثوان قليلة قبل أن يصبح هناك وحش مخيف أمام باسل في السماء يمكنه تشريح كل ما يقف في طريقه كأنه قطعة من الورق. لقد كان ذلك تجمّعا هائلا من الأسلحة السحرية التي شملت العديد من العناصر. كم كان هذا مرعبا؟

اهتز جسد العنقاء الطيفيّة أخيرا وانطلق كالسهم الذي بإمكانه اختراق الجبال وعبور الأنهار وحيازة السماء الزرقاء. لم يكن هناك شيء يمكنه أن يوقفه.

زززن

ززبووم


بصوت هزّاز تحوّل في لحظة لاحتكاك اخترق الصوت، بلغت العنقاء الطيفيّة باسل بالفعل وصدمت جسمه بمنقارها الذي أطلق مختلف أنواع العناصر. احترق جسد باسل وتجمد، سُيطِر على حركته وجرح برياح عاتية، طغى عليه ظلام يريد التهامه فبدأ يقشر جلده.

أرسِل باسل محلّقا لأميال بينما لا تزال العنقاء الطيفيّة تدفعه. أصيب بمختلف الجروح مرّة واحدة. مع أنّه استخدم الامتداد الكّليّ بقمّته ورفع عنصر التعزيز للمستوى الثالث عشر، إلّا أن كلّ ذلك كان بلا فائدة على الإطلاق أمام العنقاء الطيفيّة التي اجتاحته بأسلوب فريد.

لم ينجح السحر فأدار باسل التعاويذ الذهنية الروحية ببحر روحه جاعلا إياها تطبّق أحكامها على الوجود لتغيّره. مع أنّه في السماء ولا يستطيع استخدام الفنّ القتاليّ الأثري بفعّالية أكبر، إّلا أنّه يمكنه استخدامه في الدفاع عن نفسه للآن.

بدأ يضعف اندفاع العنقاء الطيفيّة فجأة أمام دفع باسل. صدِم الأقدم الكبير شهاب سعير من هذا فتمتم: "الصعلوك، إنّه يستخدم فنّه القتاليّ الأثريّ."


كان خطوات الرياح الخفيفة عبارة عن فنّ قتاليّ أثري أصله فنّ قتاليّ سامٍ مثله مثل الخاص بأنمار. كانت الفنون القتاليّة تُستنبط من كتب الفنون. ما أن يستطيع الساحر استيعاب التعاويذ الذهنية الروحية الموجود بالكتاب الفنّيّ ويدركها، يكون حينها بإمكانه استخدامها ببحر روحه.

كانت هذه التعاويذ الذهنية الروحيّة عبارة عن نتاج لفهم المسار الروحيّ إذْ استطاع بعض السحرة الروحيين صنعها من أجل كسب قوّة أخرى إضافة للسحر. يمكنها أن تطبّق أحكاما على الوجود فتُغيّر قواعده. باستخدام الساحر لها يستخدم الفنّ القتاليّ حسب درجة التعاويذ الذهنية الروحيّة.

والفنّ القتاليّ الأثري الذي أصله فنّ قتاليّ سامٍ يفوق بكثير الذي أصله ليس بواحد. فالفنّ القتاليّ الأثريّ بأصل سامٍ تكون تعاويذه الذهنية الروحيّة أكثر تراصّا وإتقانا ويمكنها أن تحدث التغيّر في الوجود بشكل أسهل وأفضل، وأكثر من ذلك، يكون الفنّ بحدّ ذاته ذو فائدة عظيمة.

كل هاته الفنون القتاليّة سمحت للسحرة باستعمال أجسادهم كوسيلة لتغيير الوجود طبقا لذلك. لذا كان بإمكان باسل باستخدام خطوات الرياح الخفيفة استغلال اندفاع قوّة العدوّ وجعله يُستخدم لمصلحته. كلّما كانت قوّة هجوم الخصم أكبر كلّما صعُب تنفيذ هذه التقنية.

فباسل حاليا يقوم بتلقّي كل تلك القوّة، لكنّه يديرها ويجعلها قوّة له في المقابل. هكذا كان يبدو أنّه يخفّف من قوّة العدوّ لكنه فقط يستخدمها لصالحه. ومع مرور الوقت، يصل باسل لدرجة أنّه يكون قادرا على هزيمة اندفاع العدوّ.

كان الفنّ القتاليّ الأثري الخاص به قادرا على تسخير قوّة الدفع الناتجة عن مالكه أو عن العدوّ لصالحه. فحتى عندما يستخدم باسل خطوات الرياح الخفيفة، كل حركة منه تنتج دفعا، وكل هذا الدفع يتحوّل مرّة أخرى لقوّة تُمنَح له.

كان هذا هو الفنّ القتاليّ الأثري خطوات الريّاح الخفيفة. لذا باستخدام باسل لقوّة العنقاء الطيفيّة وقوّته الخاصة استطاع جمع قوّة دفع هائلة بعد مرور وقت قليل. وبذلك، لوّح سيفيه الأثريين أخيرا مرسلا الطائر العملاق محلّقا لأميال رادّا له المثل.

أخذ باسل وقتا طويلا لأنّه لم يملك أرضية ليجري عليها لتمنحه دفعا أكبر، لكنّه استطاع أخيرا إيقاف هجوما واحدا من شهاب سعير. مع أنّه أصيب بالعديد من الجروح وسالت منه الكثير من الدماء، إلّا أنّ باسل كان يحمل نظرة مستمتعة.


لم يسبق له أن واجه عدوّا مثل شهاب سعير، فكانت هذه أول تجربة له مع مثل هذا الشخص. قد يكون القدماء الكبار الذين سبق وقاتلهم أشداء، وخصوصا فضيلة كرم، لكن لم يكن شهاب سعير أقل شأنا منها وحتّى أنّه يمكنه قتلها هي أيضا في معركة جدّيّة لو امتلك طاقمه ليسانده هكذا.

لم يكن باسل خائفا أبدا من العدوّ، ولا هذا الأخير خاف منه. كلاهما ابتسم قبل أن يتكلّم شهاب سعير: "إنّك شيطانيّ أيها الصعلوك. من الضبط خلفك؟ أن تكون بهذا المستوى ويمكنك استخدام مثل هذا الفنّ القتاليّ الأثري، لا شكّ في أنّ هذا يعني أنّك تملك مرشدا مرعبا."

حدّق إليه باسل محافظا على ابتسامته فقط ولم يجِب. بالطبع كان مرشده مرعبا. لقد كان ذلك إدريس الحكيم. حَلم كل ساحر روحي أن يُرشد من طرفه ويتعلّم على يده. فـفاخر الفخور وريث عشيرة الينبوع الذهبي العتيق احتاج لعشر سنين طلب فيها الحكيم السيادي أن يعلّمه قبل أن ينجح أخيرا.

لو كانت هناك أيّ فرصة لشخص أن يتعلم على يد حكيم الفنون السامي السياديّ فسوف يعتقد أنّ مخزون حظ حياته كلّه استُفرِغ في تلك اللحظة ويموت من الفرح. أتى مختلف العباقرة من مختلف العوالم الروحية طالبين إرشادا واحدا منه فقط في المسار الروحي، ولم يُوفّقوا.

بعد مدّة من التحديق إلى بعضهما بعضا، تكلّم باسل أخيرا بعدما جالت في باله العديد من الأفكار عن معلّمه: "بالطبع. لقد تعلّمت من الأفضل."

عبس شهاب سعير وفكّر قليلا في حلف ظلّ الشيطان. أُرشِد القدماء الكبار كلّهم من ظلّ الشيطان الذي تعلّم من أسيادهم العظماء. لذا بالطبع سيتساءل شهاب سعير عن هوّية هذا الشخص الذي صنع وحشا مثل هذا الفتى. لمْ يستطِع سوى الاقتناع بأنّه شخصية عظيمة من عالم آخر.

لكن، لم يهمه ذلك لتلك الدرجة. كلّ ما يريد فعله الآن هو قتل هذا الفتى بأشنع طريقة ممكنة. قد يكون كمخطّط الحلف تثير هويّة معلّم هذا الصعلوك اهتمامه، لكنّه لطالما أعطى الشيء الأهمّ الأولويّة أكثر. وهذا كان هذه المرّة ذبح هذا الوحش الذي في طور النموّ. أصبح هذا هدفه الرئيسي حاليا.

تحكّم في العنقاء الطيفيّة عقليّا فعادت في لحظة واحدة بمظهر يوحي كما لو أنّه لم يحدث لها أيّ شيء بعد تلقّي ذلك الهجوم الناريّ المعزَّز من باسل الذي بإمكأنّه قتل سحرة المستوى الثامن بكلّ سهولة. لقد كانت مكوّنة من كلّ أنواع الأسلحة فقط، لذا تكسّرت بعضها فقط لا غير.

لم تكن هذه العنقاء الطيفيّة تطير حقا، وإنّما تحركت في كل الاتجاهات بقدرة عنصر العقل. أصبحت الآن كأنّها كيان في حدّ ذاتها غير أنّها تحت سيطرة شهاب سعير.

أخذ باسل نفسا عميقا بعد ذلك الهجوم المدمّر. لقد نمت قوّة الفنّ القتاليّ الأثريّ أكثر. بعدما اخترق لمستويات الربط الثاني الآن وأصبح جسده أكثر قوّة تلقائيا، ازدادت درجة إتقانه للغصن الأول وأصبح يرى أنّه بدأ يستوعب تلقائيا الغصن الثاني من التعاويذ الذهنية الروحية.

فعندما يحاول الشخص استنباط كتب الفنون، يمكنه أخذ التعاويذ الذهنية الروحية منه ووضعها في بحر روحك لتنمّيه بأحكامها والحكمة العظيمة التي تحملها معها. هكذا يستطيع الساحر دراستها فيما بعد.

كان باسل الآن في الغصن الأول، وبعدما غدا يقترب من قمّته، أمسى يستطيع فهم الغصن الثاني أكثر. فكلّما استخدم الفنّ القتاليّ الأثريّ كلّما تمكّن من استنباطه أكثر. لهذا عندما يحاول السحرة الروحيون حيازة كتب الفنون ستجدهم يخبّئون النسخة الأصلية بعيدا عن الأنظار. فحتّى لو أراد العدو سرقة هذه التعاويذ الذهنية الروحية منهم ونجح في ذلك، سيُسلَب منهم الكمّية التي استنبطوها فقط، أمّا الكمّية الأخرى فيكون بإمكانهم تبديدها من روحهم حتّى لا تقع في يد العدوّ.

فساحر بفنّ قتاليّ لا يمكن مقارنته بآخر بدونه. يكون الفرق بينهما شاسع للغاية وغير قابل للنقاش. لذا كان من المنطقيّ أن يشعر شهاب سعير بالخطر من الفتى الذي يقاتله. فلو كان بمثل هذا العمر ويحمل معه فنّا قتاليّا كهذا بالفعل، كيف سيكون بالمستقبل إذن؟


تحرّكت العنقاء الطيفيّة بعدما كانت قد وقفت فوق السفينة، وهذه المرّة بلغت باسل بسرعة أكبر من التي سبقتها فكانت القوّة التي أنتجتها خارقة للغاية ويمكنها جعل سحرة من المستوى التاسع في خبر كان ببساطة.

وفي اللحظة التي كانت ستنطلق بها العنقاء الطيفيّة، حدّق باسل إلى سيفيه الأثريّين ثم خزّن أحدهما وترك الآخر بيده. بعد ذلك، ارتفعت قوّة هذا السيف فتضاعفت نتيجة لذلك. أصبح نصلا ناريّا عملاقا للغاية محاطا بطاقة زرقاء كثيفة ومركَّزة بشكل لا يصدّق. لكن، لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ فقط.

رفع باسل من طاقة عنصر التعزيز فجعلها تبلغ المستوى الثالث عشر بالقسم المتوسط. وبذلك ازداد حجم الطاقة الزرقاء أكثر. وهكذا كان باسل قد انتهى أخيرا من الشحن، لكنّه لم ينتهِ بعد.

لقد كان يتحكّم سابقا في سيفين معا، لكنّه الآن يستخدم واحدا فقط. بمعنى أنّ تحكّمه المثالي سيكون بفعالية كبيرة للغاية على سيف أثريّ بالدرجة الثالثة. ولهذا تركَّز النصل العملاق كثيرا. كان يصل للخمسة أمتار فأصبح في لحظة واحدة يبلغ المتر الواحد.

"مازال ليس كافيا ! " استخدم باسل عنصر التعزيز أكثر في نفس الوقت مع تحكّمه المثالي. فكانت القوّة تزداد كثيرا وتُركَّزُ في نفس الوقت. اختفت الطاقة الزرقاء القريبة للأبيض التي كانت تحيط النصل الناريّ تقريبا وغدت كخيط عنكبوت، أمّا النصل في حدّ ذاته فتقلص للنصف متر.

عصر باسل نفسه واستخدم كل تركيزه وقدرة تحملّه في تركيز حجم هذا النصل. حدث كل هذا في الوقت الذي استغرقته العنقاء الطيفيّة للوصول إليه. وأخيرا، التقت العنقاء مرّة أخرى به مولّدة بذلك انفجارا ضخما للغاية.

بووم

كانت النار التي أحاطت بجميع الأسلحة التي كونت ذلك الوحش هائجة وبدت كأنّها تريد التهام كل شيء بالوجود. بذلك الوقت استخدم شهاب سعير إحدى إمكانيات عنصر النار التي كان بإمكانه استكشافها.


هذه الإمكانية كانت بسيطة للغاية، لكن لم يكن كلّ شخص بإمكانه فعلها. كانت هذه الإمكانية هي زيادة حرارة النار بأضعاف. ولهذا أرسل شهاب سعير طاقته السحرية أكثر إلى العنقاء الطيفيّة فبدأ لون النار بها يتغيّر من البرتقالي إلى الأبيض شيئا فشيئا.

وفي لحظة واحدة، تغيّر لون العنقاء الطيفيّة بالكامل. مع أنّ ألوان العناصر الأخرى كانت زاهية، إلّا أنّ لون النار الأبيض الذي غطاها كلّها فتخلّلته هي في المقابل جعل شكل الطائر يصبح مهيبا للغاية. أما قوته، فحرارته لوحدها كانت كافية لأي شخص أن يحس بعظامه تُشوى.

أصبحت النار البيضاء كنجم مشع يمكنه ابتلاع كل شيء. ازدادت كمّيتها وازداد اندفاع الطائر أيضا. شعر الجميع أن أيّ أحد يتعرض لتلك النار سيصبح رمادا لا محالة. لذا اعتقد كل المشاهدين أنّ باسل قد سبق وفارق الحياة.

لكن بعدما انجلى البخار الناتج عن التصادم، ظهر باسل بينما يطوف في السماء بالنيران تحت قدميه كالعادة وبجروح عديدة جديدة فقط. ومع ذلك، أكثر ما صدم الحاضرين كان هدوء باسل كما لو أنّه لا يتعرض لهجوم خارق. وبالنظر بشكل أقرب، لاحظ كل شخص أنّ هناك شيئا يحميه. كان كما لو تواجد هناك درع غير قابل للاختراق أمامه.

حدّق شهاب سعير إليه بارتعاد وتمتم بعدما رأى أنّ طائره الأبيض لا يستطيع اختراق دفاع باسل: "لا يمكن ! هذا غير معقول ! يجب أن يكون قادرا على صدّها إلا إذا كان في مستوى مرتفع للغاية أو جعل من ناره أكثر حرارة من الخاصّة بي. فكيف له أن يوقف ذلك الهجوم بمثل ذلك النصل الصغير؟" استطاع الأقدم الكبير أخيرا ملاحظة ما هو ذلك الشيء الذي يحمي باسل.

كان في تلك اللحظة يوجد نصل ناريّ بطول اليد فقط أمام باسل. كان هذا النصل يدور بسرعة كبيرة للغاية في مكانه مكونا بذلك دوامة ناريّة أحيطت بخيط رقيق كالخاصّ بالعنكبوت. كان هذا نتاجا للامتداد الكلّيّ، لكن بهذه التقنية لوحدها لم يكن ليكون باسل قادرا على صدّ مثل هذا الهجوم.

كان تحكّمه المثالي الذي بلغ درجة جديدة أحد الأسباب أيضا، فقوّة النصل الناريّ الصغير احتوت على طاقة عنصر النار الي بالمستوى الثامن، وطاقة عنصر التعزيز الذي كان بالمستوى الثالث عشر. كان عنصر التعزيز يعزّز في نفس الوقت عنصر النار أيضا.

كلّ ذلك جعل من ذلك النصل الذي تركّزت به قوّة كبيرة للغاية مدهشا كثيرا. فبدل أن يجعل القوّة متفرّقة، قرّر باسل تجميعها في نقطة واحدة مكونا بذلك دفاعا لا يُخترَق. وفوق هذا كلّه، استخدم فنّه القتاليّ لاستمداد الكثير من قوّة الدفع محوّلا إيّاها لقوّة خاصّة به.


ابتسم باسل ثم قال: "حان الوقت لأنّهاء هذا." شكّل رمح بأصابع يده اليمنى الخمس، ثم أرجع مرفقه للوراء قليلا. انتظر لوقت أطول حتّى مرّت حوالي ثلاثين ثانية. وبعد ذلك صرخ: "اخترق ! "

وجّه باسل ذراعه بسرعة كبيرة للغاية نحو النصل الناريّ الصغير. كانت سرعة ذراعه كبيرة لغاية استطاعته جعل الرياح تصفّر حوله.

تنن

رنّ صوت التقاء إصبع الوسطى مع طرف النصل الذي توقّف عن الدوران في الوقت الذي لمسه الإصبع تماما. ومباشرة بعد ذلك بدون أي تأخّر ولو لحظة، تحرّك النصل الناريّ الصغير بسرعة اخترقت الصوّت فبخّر الهواء بالأرجاء.

لم يستطيع أحد رؤيته وهو يتحرّك، وكل ما رأوه كان اختراقه للطائر الأبيض. كان هذا الأخير مكوّنا من آلاف الأسلحة السحرية، لكنّ عدده تقلص في لحظة واحدة بسبب النصل الصغير.

تكطكتك

كسر النصل المئات من تلك السيوف السحرية في لحظة ولم تنخفض سرعته ولا قوّته أبدا. حتّى أنّه لم يتأثر بحرارة النار البيضاء أبدا.

تكلم شهاب سعير غير مصدّق لما يراه: "كيف لهذا أن يحدث؟"


تحدث باسل في تلك الأثناء بينما لا يزال محافظا على وضعيته من السابق: "الأمر بسيط. قد تنفع نارك البيضاء بالمستوى العاشر ضد نار سحرة المستوى الثاني عشر حتّى، لكنّها بلا تأثير على نار سحرة المستوى الثالث عشر. فلو اعتقدت للحظة أنّ نار نصلي المعزّز بالمستوى الثامن فإنّك مخطئ. ذلك النصل الآن يحمل معه قوة نار تخصّ ساحرا بالمستوى الثالث عشر."

صدِم شهاب سعير ولم يستطع تصديق هذا الكلام، لأنّه مستحيل عمليّا. حتّى لو امتلك شخص ما طريقة لتعزيز ناره فلن يكون بمقدوره بلوغ هذه الدرجة لأن كمية الطاقة السحرية المطلوبة لذلك هائلة.

لكن شهاب سعير لم يكن يعلم أنّ باسل يملك طاقة سحرية خارجية غير محدودة. ولا يعرف أنّ تلك الجروح التي أصيب بها بعد التقاء هجومه بدفاع النصل هي في الحقيقة نتيجة لتعرض جسده وبحر روحه لطاقة العالم كثيرا.

ولم يكن هذا فقط، لقد كانت تلك نارا معزّزةً مركّزةً للغاية، لذا لم يكن ممكنا للطائر الأبيض هزيمتها أبدا. وهذا بدون الإشارة لقوّة عنصر التعزيز نفسها التي منحت النصل نفسه قوّة هائلة في الدفاع والهجوم زيادة السرعة، إضافة للفنّ القتاليّ.

كان هذا الهجوم من باسل كمستوى جديد للامتداد الكلّيّ. هذه المرّة استخدم الامتداد الكلّيّ على سلاحه نفسه. ولم يكن غريبا منه أن يستطيع التحكم في مثل هذا النصل المرعب، فهو قد اعتاد على التحكّم بعنصر التعزيز عالي المستوى بالفعل.

والآن، تحرّكت ذراع باسل للأعلى. بدا كأنّه يحاول تحريك شيء ثقيل كثيرا. كان ذلك نتيجة محاولته تغيير اتجاه ذلك النصل الناريّ الصغير. وهذا أوضح فقط كم هو قوّي هذا الهجوم.

بعد عدة تحرّكات لذراع باسل، كان النصل قد كسّر بالفعل جميع الأسلحة السحرية. ولم تعد ذات أي نفع. ومع ذلك، لم تسقط شظايا هذه الأسلحة من السماء وظلّت طافية؛ لأن تكسّرها هذا لم يعني أن صلتها مع الأقدم الكبير قد انفصلت، بل مازال لديها عقلا ممنوحا من شهاب سعير لذا لم تسقط. لكن لم تعد سحرية.

فقدَ شهاب سعير جزءا هائلا من قوّته، وما تبقّى له الآن كان مجرد معدن لا غير. لذا عبس وشحُب وجهه. لم يتخيّل أبدا أنّ باسل سيكون في الواقع قادرا على التفوّق على ناره البيضاء وأسلوبه الذي يفتخر به.


قال باسل بينما يحدّق إلى شهاب سعير بشكل مستمتع: "لقد كان من الجيّد مقاتلتك. فتلك الإمكانية التي أظهرتها لي أعلم عنها، لكنّني لم أرها من قبل. لذا ستسهل عليّ الكثير من الأمور الآن."

كانت إمكانية النار هذه في الواقع شيئا شائعا في العوالم الروحية. فبعد كل شيء، لقد كانت الإمكانية الوحيدة لعنصر النار. كانت فقط تحتوي على درجات.

عض شهاب سعير شفته ثم صرخ: "لا تغترّ بنفسك أيها الشقيّ. مازلت لم أخس..."

"لا." قاطعه باسل فجأة بصوت مرتاح: "لقد خسرت بالفعل."

كان شهاب سعير مغتاظا للغاية؛ قاتِلُ أخيه أمام عينيه لكنّه لا يستطيع قتله، وبدأ يشعر أنّه سيُقتل بدلا من ذلك. كان ذلك مخزيا كثيرا. نظر إلى باسل بكره عميق، سال الدم من شفته التي يعضها، وكاد أن يتقيّأ الدماء من الغضب.

كان باسل يستخدم حاليا عنصر النار بشكل مستمرّ للتحليق، لكنّه استخدم كمية قليلة منه فقط وضخّمها بعنصر التعزيز. هكذا كان قادرا على البقاء طافيا لمدّة طويلة.

لم يُضِع باسل أيّ فرصة للتدرّب أبدا في أيّ وقت وأيّ مواجهة. دائما يشاهد ويحلّل كما تعلّم في السنتين اللتين أمضاهما مع معلّمه. كلّ معركة وقتال عبارة فرصة لتدريب جدّيّ. لكن لم يعنِ هذا أنّه يستهين بالعدوّ، فذلك كان دائما خارج الخيارات بالنسبة له.

أخرج شهاب سعير إكسير التعزيز وشربه، ومباشرة ارتفع مستواه للقسم الأوّليّ من المستوى الحادي عشر. كان في القسم المتوسّط من المستوى العاشر، لذا أقسى ما استطاع بلوغه هو ذلك بعد شربه للمعزّز.

نشر عنصر العقل في كل الأنحاء فامتدّ على السفينة الضخمة كلّها متوجّها نحو البحر. وفي لحظة، ارتفعت العديد من الأسلحة العادية إلى السماء منضمّةً للشظايا، ثم تحرّكت مياه البحر وارتفعت كمّيّات هائلة منها للأعلى كذلك فأحاطت بالأسلحة.

دارت المياه فجأة بسرعة كبيرة للغاية ثم كونّت قوّة دفع هائلة بعد مدّة من الوقت.

دووف دووف دووف

انطلقت آلاف الأسلحة العادية والشظايا تجاه باسل بسرعة كبيرة للغاية. بما أنها لم تكن سحريّة كان التحكم فيها سهلا باستخدام عنصر العقل وبشكل أكثر فعّال. وكذلك كان الحال مع المياه التي كانت كالمدافع والأسلحة رفقة الشظايا كالقذائف.

وفي ذلك الوقت، كان نصل باسل قد عاد لسيف أثري. وفي مواجهة هذا الهجوم، لم يضطرّ باسل أبدا لاستخدام هجوم كبير للغاية. مع أن الأسلحة التي تتحرّك بعنصر العقل حملت معها قوّة نار شهاب سعير، إلّا أنّها كانت مجرّد أسلحة عادية بعد كلّ شيء ولا يمكن مقارنتها بسلاح أثري.


لوح باسل فخلق ارتجاجا في الهواء فكسّر الأسلحة المتوجّهة نحوه كلّها بضربة واحدة. وفي ذلك الوقت وجد شهاب سعير خلفه فجأة. كان ذلك الهجوم مجرّد تشتيت للانتباه.

أحاط عنصر العقل بشهاب سعير فمنح جسده القدرة على التحليق. كان يتحكّم في جسده باعتباره شيئا مثله مثل الأسلحة. كان يحمل سلاحه الأثري ذا الدرجة الخامسة. أحاطه بعنصر العقل والنار في آن واحد ثم أطلقه بكلّ قوّته التي يملكها. كل هذا في لحظة واحدة.

انطلق سلاحه الذي كان رمحا بسرعة كانت أكبر بكثير التي انطلق الطائر الأبيض قبلا. كان شهاب سعير يضع كلّ ما يملك بهذا الهجوم. توهّجت النار البيضاء فبدا الرمح كنجم مشعّ. اتجه نحو باسل حاملا معه قوّة غير معقولة.

كان يشبه هذا الهجوم امتداد باسل الكلّيّ نوعا ما. كان شهاب سعير يستخدم حاليا عنصر العقل الذي زاد من سرعة الرمح بشكل خيالي. والنار البيضاء التي كان باستطاعتها تحويل سحرة المستوى العاشر لرماد.

اخترق الهواء وأحسّ كل المشاهدين بِحرّ لا يطاق.

كانت تلك نار بيضاء بالمستوى الحادي عشر. سيتحوّل سحرة المستوى العاشر أمامها لرماد بدون وسيلة دفاعية مؤهلة لاحتمال مثل هذا الهجوم.

ومع ذلك، لم يتوقّف شهاب سيعر عند هذا الحدّ فقط، بل واستخدم عنصر العقل للسيطرة على عقل باسل مانعا إيّاه من الحركة. استطاع فعل هذا لثوان قليلة فقط، لكنّها كانت كافية ليبلغ رمحه الأبيض باسل ويخترقه قاتلا إيّاه.

زووش

وصل الرمح لباسل بسرعة جنونيّة ثم اخترقه مطلقا انفجارات متعدّدة صنعت ضوضاء كبيرة وجعل العديد من الأشخاص يقهرون من شدّته وقوّته.


عاد الرمح ليد شهاب سعير الذي تنفس بصعوبة. كان ذلك أقوى هجوم يملكه على الإطلاق. إن لم تنجح هذه الهجمة فستتأكّد خسارته لا محالة. انتظر بفارغ الصبر الدخان لينجلي كي يرى مفعول رمحه. لقد أحس أنّه نجح في جرح باسل لكنّه لم يستطع إزاحة الشكّ عن قلبه حتّى يرى باسل. فحتّى مع الهجوم القاهر لم يطر جسد باسل وظلّ وسط الانفجارات.

انجلى الدخان وكان باسل يقف هناك محاطا بجروح كثيرة للغاية. ظهرت عظام ساعديه وانفلح اللحم عن ركبتيه وغطِّي بالدماء التي رُشَّت من جميع أنحاء جسده. بدا كأنه خرج من أرض الموت المشؤومة العتيقة بشق الأنفس.

عض شهاب سعير شفتيه ثم أحكم القبض على رمح الأثري. كان الضرر اللّاحق بباسل بالغا؛ فكان الأقدم الكبير سعير سعيدا لذلك. لقد نجح أخيرا في إصابة عدوه إصابة خطيرة.

تقيأ باسل الدماء واستخدم خاتم التخاطر: (هل نجحت؟)

أجابه شخص ما: (بالطبع ! )

كان ذلك صوت الجنرال رعد الذي تردّد صداه في عقل باسل. ومباشرة بعد ذلك انفجرت السفينة كما حلقت أفعى كوبرا مجنّحة من داخلها. اجتاحت السفينة وقتلت الجنود الذي عليها. لقد كانت تلك الأفعى وحشا سحريا بالمستوى الثامن ولم يكن سحرة المستوى السادس بمنافس لها إطلاقا. هذا بدون ذكر الساحرين اللذين يركبانها إذْ كانا بالمستوى الثامن بدورهما. ففي ثوان فقط سبق وأبيد معظم أولئك الجنود الذين فقدوا أسلحتهم السحرية.

نظر إليهم شهاب سعير وعضّ شفته ثم حدّق إلى باسل بكره عميق. لقد كان باسل يجذب انتباهه الكامل حتّى تُنقَذ أنمار بأمان فقط. لهذا لم يحاول الهرب حتّى وتلقّى الهجوم برحب الصدر.

فلولا انشغال شهاب سعير بباسل كلّيا وتركيزه على الهجوم الأخير بصفة كاملة لاستطاع الشعور بمحاولة كسر قيود أنمار وفجرها مباشرة قبل أن تهرب أنمار كلّيا. فلو كانت ستفرّ على أيّ حال، سيكون قتلها أو إصابتها بجرح قاتل أفضل بكثير.

طافت الأفعى بجانب باسل. وجّه هذا الأخير نظره إلى الفتاة الشقراء التي بادلته التحديق لبعض اللحظات التي مرّت عليهما كنهر من الزمن حمل عصورا غير منتهية. لم يقولا ولا كلمة واحدة، لكنّهما ظهرا كأنّهما سبق وفهما ما يريدان قوله. لم تكن هناك حاجة للكلمات بينهما بينما كانا يستطيعان حزر تفكير بعضهما بعضا.

انتهت أخيرا تلك اللحظة بينهما فأعاد باسل نظره إلى العدوّ ثم رفع ذراعه الحاملة لسيفه الأثري للأعلى قائلا: "أخبرني، ما هو مستوى أقوى هجوم سبق وتلقّيته؟ المستوى الثالث عشر؟ أم ربّما الرابع عشر؟"


أزاح شهاب سعير أسنانه عن شفته التي يعضها بتحريكه لفمه متكلّما: "ما الذي تثرثر به في هذا الوقت؟ ألا ترى أنّك في الموقف الخاسر هنا؟"

"خاسر؟" ابتسم باسل بالرغم من كلّ الإصابات البالغة التي تنتشر عبر جسمه كلّه ثم أكمل: "يبدو أنّك أسأت الظنّ قليلا. هل ظننت أنّك الشخص الذي أصابني بهذه الجروح؟"

صرخ شهاب سعير بما أنّ الفتى الشبه ميّت يحاول التظاهر بامتلاكه اليد العليا: "لا تحاول التحايل أيها الصعلوك. لقد تقرّر مصيرك. فلتمت بهناء أو سوف ترى الجحيم قبل أن تبدأ في ترجّي الموت السريع."

وبهذا، رفع شهاب سيعر رمحه الأثري أيضا ثم استعد لهجوم آخر. لكن حينذاك لاحظ أخيرا شيئا غريبا بباسل. انطلق من جسد الفتى الذي أمامه كمّيّة هائلة من الطاقة السحرية وجعلته يرتعد فأحسّ أنّه مجرد حشرة لا غير أمامها.

كانت تلك الطاقة السحرية بمستوى مرتفع للغاية ومن بعد آخر لا يستطيع بلوغه حاليا أبدا. لم يشعر حتّى وجد نفسه محلّقا مبتعدا عن هاته الطاقة السحريّة التي جعلت جسده يهتز من الرعب والفزع. أحسّ بالهول المطلق الذي اتخذ "الموت" اسما له يقترب منه في كلّ لحظة تمرّ.

وفي ذلك الوقت، سقط على مسمعه كلمات أتت من باسل فجعلت جسمه وعقله يضطربان أكثر: "لا تزال لم تجبني عن سؤالي بعد. وهل تظنّ أنني سأتركك تهرب؟ لقد قمت بهذا الخطأ لمرّة ولن أعيده."

لوّح باسل بسيفه الأثري فامتد عنصر التعزيز لوحده حاملا معه تلك الطاقة السحريّة الهائلة مارّا عبر شهاب سعير في لحظة.

زباام

قطِعت رجلي الأقدم الكبير وسقطتا أمام عينيه في البحر. استطاع في آخر لحظة تجنب الإصابة المباشرة من امتداد باسل الكلّيّ الذي تشكل كسيف أزرق فاتح أقرب للأبيض الذي كان يمكنه قطع كلّ ما يوجد في طريقه. كان ذلك عنصر التعزيز الذي امتدّ مشكّلا نسخة ضخمة من السيف الأثري.


لم يعلم شهاب سعير حتّى الآن ما الذي يحدث ومهما حاول التفكير بشكل منطقيّ لم يستطع إيجاد تفسير لكمّيّة الطاقة السحرية المهولة هذه. أكانت تلك من المستوى الرابع عشر؟ لا. لقد كانت أعلى من ذلك. كاد عقل شهاب سعير ينفجر من الهلع.

تخلّى عن رجليه ولم يفكّر في استعادتهما حتّى. لحظة توقُّفٍ منه فقط ستعني موته الأكيد. وفجأة، صنِعت ضجّة في الأفق البعيد واقترب ظِلّ ضخم بسرعة كبيرة للغاية.

وووووش

باام
باام باام

لاحظ باسل ذلك الوحش السحريّ الذي يقترب في الأفق وضيّق عينيه ثم صرخ: "كما لو أنّني سأسمح لهذا بالحدوث ! "

رفع سيفه الأثري واستخدم كلا عنصريه هذه المرة ولوّح بكامل القوّة التي لا يزال يمتلكها.

زبووم

صُنِعت ضوضاء أخرى وتشكّل سيف عملاق خلف الأقدم الكبير شهاب سعير. كان هذا السيف ناريا معزّزا يمكنه محو سحرة المستوى الحادي عشر حتّى في لحظة.

أتى صوت من الوحش البعيد بأميال: "لا ! "

وبنفس الوقت، صرخ شهاب سعير: "لا... ! " وبدون أن يكمل عولته، كان قد أصبح رمادا من طرف السيف الناريّ المعزّز الذي لم يستطع فعل أي شيء أمامه.


مباشرة بعد ذلك صرخ باسل منقِلا صوته عبر الأميال: "يا فضيلة كرم، لقد هربتِ المرّة الماضية لتنجي بحياتك وأردت فعل المثل لرفيقك ! لكن للأسف أنا أحرص على عدم الوقوع في نفس الخطأ لمرّة ثانية. فهكذا عُلِّمت."

عبست فضيلة كرم التي كانت تركب الرخ في الأفق واعتلتها نظرات قاتلة، لكنّها شعرت أيضا بالطاقة السحرية المتدفقة من باسل والهجوم الذي استطاع إنشاءه، لذا أغمضت عينيها كما لو أنّها تحاول مسح شهاب سعير من عقلها وأمرت بكلمة: "العودة."

توهّج طوق ضوئي حول عنق الرخ العملاق واستدار عائدا من حيث أتى مختفيا في لحظة.

كان ذلك الرخ وحشا سحريّا بمستوى مرتفع ولم تكن بالطبع فضيلة كرم هي مستدعيته. ولهذا كان لديها عدد محدّد من الأوامر التي منحت لها لتستخدمها على الرخ من طرف مستدعيه الحقيقيّ.

أتت إلى هنا بعدما استوطنها الشكّ وعلمت أخيرا سبب غياب شهاب سعير، لكنّها كانت متأخرة في ذلك. مات أقدم كبير آخر وضعُفت قوتهم الهجوميّة. إضافة إلى اكتشافها للقوّة المروعة التي يمتلكها باسل حاليا. لو أرادوا الآن القيام بأيّ خطوة فعليهم التفكير في ذلك لألف مرّة قبل التجرّؤ على الأخذ بها.

أخرج باسل إكسير العلاج وشربه بعدما قال للجنرال رعد: "سوف نعود للوقت الحالي. سأحتاج للراحة لبضعة أيام، لكنّني سأحتاج مساعدة منك. أريدك أن تبقيني واعيا."

حدّقت أنمار إلى باسل الذي أغمض عينيه وبدأ يسقط من السماء بعدما اختفت النيران من أسفله. تحرّكت بعد ذلك الأفعى الكوبرا المجنّحة ثم التقطته. كانت جروحه بالغة كثيرا وكادت تبلغ تلك التي أصيب بها بع مقاتلة الأقدم الكبير فالتشر.

كان بإمكان باسل في الواقع ربح النزال بدون التعرض للإصابة بمثل هذه الجروح، لكنّه أراد إخفاء أوراقه الرابحة للوقت الأهم، إضافة لرغبته في تدرّيب بينته الجسمانية وبحر روحه أكثر على قدرتهما الاستيعابية لطاقة العالم؛ كانت معارك الحياة أم الموت هي أفضل وسيلة لتحقيق هذا الأمر.

جلس الجنرال رعد متدبّرا قابضا يد باسل مرسلا إشارات سحرية لعقله مبقيا عليه واعيا كما أخبره باسل. كان ذلك لسبب واحد وجيه؛ يجب على باسل أن يكون واعيا ليكون قادرا على منع الطاقة السحرية الخارجية من التوغل لبحر روحه وإبقائها بمستوى منخفض.

ففي الوقت الذي علم به باسل من الكبير أكاغي عن الحرب العظيمة، دخل في انعزال للانتقال للقسم الثاني من مستويات الربط بعدما تعالج من التدرّب على النقوش الروحية. لم يكن من السهل عليه المرور بمثل تلك المرحلة؛ فمعنى الانتقال لقسم مستويات الربط الثاني يعني كسر الختم أوّلا ثم التعرض لكمّيّات هائلة غير محدودة من طاقة العالم، ومحاولة السيطرة عليها في نفس الوقت بتعلّمه جذب الطاقة السحرية الخارجية إليه كما يفعل جميع السحرة.

مقارنة بالطاقة السحرية الخارجية التي كان يتعرّض لها جسد باسل قبل كسر الختم، فالطاقة التي واجهها بعد الكسر كانت أضعاف ذلك بمرّات لا تحصى. كان عليه الانتقال للقسم الثاني في وسط هذا المحيط من الطاقة التي تريد دخول جسده إلى بحر روحه. وفي مواجهة مثل هذه الكمّيّة التي لا يمكن لأيّ شخص طبيعيّ جذبها، وجب على باسل المرور بمعاناة جهنّميّة لم يسبق له وأن اختبرها أبدا.

لكن، حتّى لو كان لباسل تحكّما مثاليّا أو قدرة تعلّم استثنائية، لم يكن ليتمكّن من التعامل من كلّ تلك الطاقة غير المعقولة؛ كان ذلك مستحيلا بكلّ بساطة.


كانت طاقة العالم تتخذ منهجا غريبا أثناء دخولها لبحر روحه. تبدأ بكمّيّة قليلة ثم ترتفع مع الوقت وبسرعة كبيرة حتّى تبلغ أوجها وحدودها. والآن بدون الختم، لم يكن هناك حدود ولا أوج، بل استمرّت في الارتفاع فقط كما لو العالم كلّه يريد أن يدخل لبحر روح باسل. كما لو أن هذا الأخير أصبح محوره وأصله، كما لو أنّ هذا العالم موجود لدعمه فقط. بدا العالم كأنّه يريد الاتّحاد مع باسل.

وفي ذلك الوقت، توهّجت جبهة باسل بضوء ساطع للغاية. كان هذا الضوء مثله مثل ذاك الذي أنتجه جسده الرضيع. كان ذلك ضوءا ساميا يستطيع بلوغ الأعالي بالغا أرفع المقامات وحكم العوالم التي لا تحصى. كان ذلك الضوء يحوي طاقة روحية خالصة كانت نقيّة لأبعد الحدود، شملت أحكاما وتعاويذا ذهنية روحية طبّقت قواعدها على الوجود فأمكنها عبور الأبعاد واختراق الفراغات بالغةً المنشآت.

بظهور ذلك الضوء أصبح العالم مظلما، وباختفائه عاد النور. كما لو أنّ العالم كان قمرا وذلك الضوء كان شمسا.

وفي ذلك الوقت، توهّج شيء ما بداخل الضوء. كان ذلك ضوءا ينير عالما، لكنّه لم يستطع أن يتفوّق على سطوع ذلك الشيء الذي بداخله. كما لو أن ذلك الشيء هو في الواقع منبع ذلك الضوء ومنشأه وأصله.

ضاقت عينا إدريس الحكيم أمام الحدث الذي أمامه ثم ظهرت ثلاث كرات ضوئية روحية حملت أحكاما من السماوات والأرض وكل شيء كان باديا أمامها. سطعت عينا إدريس الحكيم وامتدّ التوهّج من عينيه إلى كامل جسده فتألّق بالكامل قبل أن يختفي العجوز ويظهر الشابّ ذو الهالة الملكيّة.

نظر الشابّ بعينيه اللتين شاهدا كل شيء أمامهما وعلما ماهيته وكينونته. كان ذلك طورا من أطوار الحكيم السياديّ. الدرجة الأولى: تقنية الرؤية الحكيمة السياديّة. يمكنها أن تبصر الظلام وتعقل الضلالة. فقط برؤية إدريس الحكيم للشيء داخل الضوء، استنبط وابتسم ثم قال: "هذا ما قصدته آنذاك ! لهذا أنا معلّمه يا جلالة الملك الأصليّ ! "

ووووش

في لحظة، تجمّع كلّ الضوء مرّة واحدة بنقطة واحدة. في الواقع، لم يكن يتجمّع وإنّما يعود لمنبعه الذي كان ذلك الشيء بداخله. ومباشرة بعد ذلك، ظهر شكل ذلك الشيء أخيرا بوضوح. لقد كان إبرة متصدّعة أربعة عشر صدعا تصل لحوالي ثلاثة سنتمترات. وبعدما اختفى الضوء أخيرا بداخلها، وتبدّد توهّجها أيضا، صارت مجرد إبرة طافية فوق جبهة باسل.


حدّق إليها إدريس الحكيم ثم تمتم بشكل عاطفيّ: "إبرة اخترقت فضاءً وبُعدا، فعبرت عوالما، وانتقلت عبر السماوات، واجتاحت الأراضي. طريقها خالٍ، ووجهتها مبلوغة لا محالة."

قال إدريس الحكيم مستحييا: "لقد مرّت مدّة منذ أن رأيتها، من كان يعلم أنّ الختم الذي مُنِحته هو في الحقيقة إبرة اختراق الأبعاد؟ يبدو أنّ مستواي في الحكمة السياديّة لا يزال ضعيفا ليبلغ مرحلة تخوّله الدراية بأعمال جلالته."

جلس متدبّرا مباشرة بعد ذلك وتحدّث: "يا جلالتك، لنبدأْ من فضلك."

سطعت التصدعات الأربعة عشر التي تحيط بالإبرة ثم انطلق منها ضوء معمي، ومباشرة بعد ذلك تحرّكت إبرة اختراق الأبعاد بسرعة لا يمكن رؤيتها ولا بلوغها من أيّ مخلوق. خاطت الإبرة بضوء ساطع الوجود بتحرّكها فكوّنت مصفوفة روحيّة في لحظات فقط. أحاطت المصفوفة بالمعلم والمتعلّم معا فختمت المنطقة حولها مكوّنة بذلك نطاقا ومجالا آخر. كان ذلك عالما آخر كلّيا، لا، بل كان بعدا مختلفا أصلا.

كانت طاقة العالم في ذلك البعد شبه معدومة. كان ذلك بعدا خاصّا أنشأته الإبرة لوحدها من دون أيّ مساعدة. كان أصل تلك الإبرة استثنائيا ومرعبا، ولم يعلم بشأنها سوى الملك الأصليّ وقليل معدودين. وبقدرتها على اختراق الأبعاد استطاعت أخذ الاثنين إلى هذا البعد الخاص.

استخدم إدريس الحكيم الحكمة السياديّة آنذاك وتزامن مع الإبرة ليجعل طاقة العالم تتوغّل لهذا العالم بشكل بطيء. كان ذلك أصعب ممّا بدا عليه الأمر. فذلك لم يكن ليحدث لولا وجود إبرة اختراق الأبعاد وحكيم سيادي كمعلّم باسل.

وهكذا أصبح بإمكان باسل التدرّب على إتقان التحكم في الطاقة السحرية الخارجية بشكل مريح أكثر. وبعد مرور حوالي الشهر، كان قد بلغ مستويات الربط.

كان باسل قادرا على الدخول لقسم مستويات الربط الثاني بكل سهولة كونه مرّ بتجربة طويلة مع الطاقة السحرية الخارجية. فعلى عكس السحرة الآخرين، كان باسل يتعامل مع طاقة العالم مذ كان بالمستوى الأول، وللتدقيق مذ أصبح ساحرا.


أصبح في حوزته السيطرة على طاقة العالم إذْ كان يمنعها من دخول جسده. كان هذا أصعب بكثير من جذب الطاقة السحرية الخارجية كما يفعل السحرة في الحالات الطبيعية. كان الجذب أسهل بكثير من النبذ الذي احتاج للتحكم المثالي كشرط أساسيّ في الحقيقة.

انتهت العمليّة أخيرا وحدّق إدريس الحكيم إلى إبرة اختراق الأبعاد وقال بعينين شاخصتين: "يا جلالته، لقد أخبرتني بعدم التعمّق في الأمر كثيرا، لكنّ الأمر قريب منّي لدرجة كبيرة لأتجاهله. لم يعد ذلك يقتصر على فضول شخصيّ؛ فالفتى ابني الآن وواجب الأب حمايته. سأقدّر لك ذلك لو حدّثتني عن قضيّة المختار والطفل الأخير هذه. فذلك أصبح قضيّتي أيضا الآن."

عمّ الصّمت لمدّة طويلة. كان إدريس الحكيم يبدو كأنّه يخاطب نفسه، ومن رآه يفعل ذلك سيعتقد أنّه مجرّد مجنون. تنهّد بعد مرور وقت ليس بالقليل وحدّق إلى باسل الذي يركّز كلّيّا على التدبّر والتأمّل.

وعندئذ، تحوّل المعلّم لرجل عجوز واختفت الهالة الملكيّة التي أحاطته سابقا. لم يتلقَّ أيّ إجابة أرادها فأصبح مزاجه عكرا نوعا ما. وبالتوالي بعدما أوقف تشغيل الحكمة السياديّة، ظهر أربعة عشر صدعا في النطاق الذي كانوا بداخله ثم انجلى مع الرياح كأنّه تبخّر.

اندفعت طاقة العالم مرة أخرى لجسد باسل بشكل جنونيّ، لكن واجهت قمعا ونبذا من باسل منعها من التوغّل أكثر. وأكثر ما استطاع باسل تحمّله آنذاك كان قسم المستوى العاشر المتوسط، وبعد التدرّب لمدة من الوقت أصبح أخيرا يستطيع استيعاب طاقة سحرية خارجية بكمّيّة تصل لتلك التي تكون عند القسم الأوّليّ من المستوى الحادي عشر.

في الوقت الذي عاد به الاثنان من ذلك البعد الخاص. نظر إدريس الحكيم إلى الإبرة ثم شبك قبضته وانحنى قليلا قبل أن يقول باحترام: "سآخذ ذلك على أنّني لست مستعدّا بعد."

فجأة، صدر صوت رنّان في الأنحاء وبدا كصوت عميق من رجل بلغ مقاما ساميا: "إدريس الدارِس يتعلّم دائما الدرس. قبل ألف وخمسين سنة كان أنا من منحك هذا الاسم. فلا داعٍ لتخجل من رغبتك في العلم. لقد كسبت الحكمة السياديّة ولن يمرّ وقت طويل حتّى تفوقني علما يا فتى. لا أخفي عنك لكنّني أخفيك عن الهول."


أشرقت عينا إدريس الحكيم كما لو كان طفلا متحمّسا لرؤية أبيه الذي غاب عنه لوقت طويل. حدّق إلى الإبرة ثم انحنى أكثر قبل أن يقول: "شكرا لك يا جلالتك ! "

عمّ السكون لوقت طويل مرّة أخرى فبدا الأمر كما لو أنّ إبرة اختراق الأبعاد كانت تشاهد المعلّم وتلميذه. وأثناء ذلك استمرّ إدريس الحكيم في الانحناء فقط.

رنّ الصوت من جديد على حين غرّة فزُلزِل إدريس الحكيم: "سأخبرك بشيء واحد؛ غير ذلك سيكون سيّئا لك فقط."

بدا إدريس الحكيم كما لو قد انحنى أكثر ثم قال: "الشكر لك يا جلالتك ! "

دندن الصوت من جديد: "لقد اختِرتُ قبل خمسين ألف سنة، وكنتُ الطفل السابع. في هذا الجيل، وقع الاختيار على الطفل الأخير."

رنّ ذلك الصوت بتلك الجملة قبل أن تشع الإبرة من تصّدعاتها الأربعة عشر مرّة أخرى وتنطلق نحو الأفق بسرعة الضوء فتكسّر الفضاء منطلقةً عبره إلى مكان غير معلوم مختفيةً بذلك من هذا العالم.

بقي إدريس الحكيم منشغلا بعد ذلك بالكلام الأخير الذي سمعه. ما المقصود بالضبط بالطفلين السابع والأخير؟ وما الذي اختيرا من أجله؟ ألم تزد هذه المعلومة من تساؤلاته أكثر فقط؟ هناك العديد من الأشياء المخفية التي يجب عليه العلم بها.

حدّق إلى الأفق كما لو أنّه يرى المسار والوجهة اللذين أخذتهما الإبرة ثم قال: "يا جلالتك، سيقوم تابعك هذا باتباع إرشادك للآن. لكن... الفتى ابني وسأحتاج للعلم بما يحدث بالضبط في هذا العالم."


***

بالعودة للوقت الحالي، كان الجنرال رعد يحافظ على وعي باسل. طارت الأفعى الكوبرا المجنّحة عائدة للشعلة القرمزيّة. التقوا بالكبير أكاغي بالقصر الإمبراطوريّ وعمّ الفرح بالأرجاء لعودة أنمار سليمة معافاة.

نُظِّمت حفلة صغيرة للاحتفال بالنصر المؤقت. ومباشرة بعدها عُقِد اجتماع للتكلّم بشأن ما هو قادم.

لقد قتل باسل حتّى الآن ثلاثة قدماء كبار، لذا كان من المنطقيّ التفكير في أنّ استجابة العدوّ ستكون عنيفة. وهذا ما أوصلهم لاستنتاج أنّ الحرب الشاملة قريبة، ولا يفصلهم عنها سوى أيامٍ معدودات.

مرّت بعض الأيام وساهمت شي يو وهيل الذي كان يرافق الإمبراطور شيرو في معالجة باسل أكثر. وبعد الكثير من المعاناة، تعافى باسل أخيرا ثم وقف على رجليه ثانية.

أحس بازدياد قوّته الجسمانية عمّا قبل وارتفاع قدرة تحمّل بحر روحه. فتلك الكمّيّة الهائلة كانت أكثر ممّا يستطيع هو في مستواه ذاك استقباله، لذا ما أخذ وقتا في الشفاء حقا كان بحر روحه، أمّا جروح جسده فتعافت بسرعة كبيرة خصوصا بعدما شرب إكسير العلاج وتداوى بسحر العلاج.

كان سحرة العلاج تقريبا بنفس ندرة سحرة التعزيز، لذا كانت لهم قيمة كبيرة للغاية. كانت عائلة كريمزون تمتلك نسبة كبيرة منهم مقارنة بالعائلات الأخرى وبعددهم الكلّيّ.

ساحران بالمستوى السابع معا قاما بعلاجه، فكانت الجروح الجسدية كأكل قطعة كعكة بالنسبة لهما. وكان التحدّي الحقيقيّ هو إعادة بحر الروح لاستقراره.

جلس باسل متربّعا متدبّرا ثم دخل لبحر روحه. تعمّق أكثر وبلغ حالة الصفاء الذهني والروحي بسرعة. أحاطت التعاويذ الذهنية الروحية بالجسد الأبيض بينما تدور حوله باستمرار. كأنها تعزّزه وتزيد من قدرة نقط الأصل الاستيعابية.

كان هذا سبب آخر للسحرة ليضعوا التعاويذ ببحر روحهم. فذلك، يستطيعون الاستفادة من الحكمة العظيمة التي تحملها معها، وقدرتها على تطبيق أحكامها وقواعدها على الوجود. فهاته الفنون نشأت على يد سحرة روحيّين أمضوا حياتهم في دراسة الحقائق الطبيعيّة والسحر إضافة للرّوح. وبذلك استطاعوا أخيرا إنشاء مثل هذه الفنون التي سمحت لهم باستخدام قدرات أخرى غير تلك التي منحها لهم السحر.

بعد التدرّب لأيّام أخرى، فهم باسل أخيرا الغصن الثاني من الفنّ القتاليّ السامي. عند هذا الغصن، أو ما يسمّى بالفرع الصغير، تتضاعف قدرة الفن مرّتين، وتنقص كمّيّة الطاقة السحريّة التي يحتاجها لاستخدام الفنّ. فعندما تُفعَّل التعاويذ الذهنية الروحية، تبدأ بامتصاص الطاقة السحرية من الساحر ثم تحوّلها لطاقة سحرية خالصة كلّيّا ممّا يجعل كمّيّتها أكبر ممّا كانت عليه.


فلهذا كان الكيميائيّون والحدّادون يبلغون المستويات المرتفعة بسهولة. فبما أنهم حوّلوا كلّ طاقتهم السحرية لطاقة سحرية خالصة، تكون لهم كمّيّة كبيرة منها ويخترقون للمستويات القادمة بسلاسة.

عندما تكون الطاقة السحرية غير خالصة فذلك يعني أنها تحتوي على عنصر. وعندما تتحوّل لخالصة، يُحوَّل العنصر بحّد ذاته ليصبح في الأخير طاقة سحرية خالصة إضافية. هكذا تزداد كمّيّة الطاقة السحرية عندما تصبح خالصة.

وما جعل الفنون تسيل لعاب السحرة كان هذه الحقيقة، إضافة لحقيقة أنّ التعاويذ الذهنية الروحية لا تستخدم قدرا كبيرا من تلك الطاقة السحريّة الخالصة لأنها تحتاجها فقط لتطبيق أحكامها على الواقع. كما لو كانت تلك الطاقة المدفع وكانت الفنون القذيفة.

والآن، بلغ باسل الفرع الصغير من فنه القتالي أخيرا. كان هذا مفرحا له بالطبع. كان فهمه للتعاويذ جيّدا حقا، لكنّ الإتقان كان مختلفا عن الفهم لوحده، إضافة لقدرة الجسد. أمّا الآن فقد أصبح جسمه أقوى عمّا كان عليه سابقا ودرجة إتقانه للفرع الصغير جدا بلغت ذروتها أخيرا مانحة له القدرة على استخدام الفرع الصغير.

بالطبع، كان الفن القتالي السامي بثلاث مراحل: المرحلة الأثريّة، والمرحلة الروحيّة، ثم المرحلة الساميّة والتي يصل بذروتها الساحر الروحيّ أخيرا للإتقان الكّليّ للفن الساميّ.

لُقِّب الفنّ الذي مازال استخدامه في المرحلة الأثريّة بالفن القتاليّ الأثريّ كما هو الحال مع باسل الآن. وكان بها خمسة فروع، من الأضعف إلى الأقوى: الفرع الصغير جدا – الغصن الأول. الفرع الصغير – الغصن الثاني. الفرع المتوسّط – الغصن الثالث. الفرع الكبير – الغصن الرّابع. الفرع الكامل – الغصن الخامس.

أصبح الآن باسل في الفرع الصغير – الغصن الثاني، وهذا أتاح له استعمالا مريحا أكبر. يمكنه استخدام الفن لمدّة أطول وأقوى بضعفين. ويمكنه بمستواه الحالي جزر سحرة المستوى العاشر به بكلّ سهولة. كان هذا هو رعب الغصن الثاني من المرحلة الأثريّة من فنّ قتاليّ سامٍ.

انتهى باسل بعد أيّام أخيرا من التدبّر وتدرّب بعد ذلك على استخدام الفنّ. دائما التدبّر والتدرّب هما الطريقة الفضلى لتنمية قوّة الساحر. بالتدبّر ينمّي طاقته السحريّة ويزيد من قدرة استيعاب نقط أصله إضافة للرفع من قدرة تحمّل بحر روحه. وبالتدرّب يجعل لكلّ ذلك نتائج، إضافة لتضخيمٍ يأتي فقط عن طريق تجاوز الحدود.


مرّ شهر على هذه الحال. في أحد الأيّام، ظهر رجل عجوز ببيت عادي واقفا أمام فتاة صغيرة تناهز العشر سنوات. كانت الفتاة مستلقية على سرير باديةً كجنّية من أرض العجائب نائمةً بهناء.

كان شعر الفتاة الصغيرة كنهر من الطاقة السحرية الخالصة.، وكان لونه أزرقا فاتحا أقرب للأبيض، ونصاعة جسدها تركت الجواهر مظلّلة. كما لو كانت هذه الفتاة ابنة لحوراء ما، أو كما لو كانت روحا للطبيعة نفسها. فقط بالتحديق إليها تصبح النفس مرتاحة وتحس بالطمأنينة.

ولكن، بعد النظر لمدّة أطول وبشكل أعمق، تصبح الطبيعة ظلاما أبديّا، والنصاعة اسودادا، والطمأنينة فزعا. كان هناك شيء ما مختلط بنقاوة الروح الصغيرة بلا شكّ. ذلك الشيء تصارع بقوّة مع النقاوة كما لو كان يحاول أخذ زمام الأمور والسيطرة الكاملة.

كانت النقاوة تصارع ذلك الشيء الذي كان كعدوّها اللّدود – التلوّث. كما لو كانا يمثّلان الين واليانغ. تصارعهما ذاك شكّل تجاذبا بينهما خالقا توازنا غير مسبوق. لو حدث اختلال بسيط فقط في حالتهما فسوف يذهب ذلك التوازن.

نظر العجوز إلى الفتاة بدقّة متناهية حملت حكمة سياديّة جعلت الخفيّ مرئيّا والمطموس بارزا. استطاع الرؤية عبر الفتاة بكلّ سهولة واستنباط التغيّرات التي تحدث بها. فهم لمَ يوجد التلوّث ومن أين أتى، وكيف ظهرت تلك النقاوة لتصارع. علم عن سبب التوازن واكتشف ما يحافظ على ذلك.

كان هذا العجوز هو إدريس الحكيم بالطبع. نطق أخيرا بعدما شخّص حالة الفتاة الصغيرة: "تلوّث بحر الروح. يا له من شيء نادر حقّا هو هذا التوازن. ولكن ما هو أعجب هو مصدر النقاوة الذي يقاتل التلوّث ! "

كانت هذه الفتاة الصغيرة هي أخت أخوي القطع غايرو وكاي الصغيرة. استخدِمت كفأر تجارب لغرين شارلوت من أجل تحويل البشر لمخلوقات تحمل قدرات الوحوش وأسحارها. ولكن، كانت حالة هذه الفتاة خاصة حقّا؛ فعلى عكس كلّ التجارب السابقة التي فشلت، بدت تجربة هذه الفتاة في طريقها إلى النجاح. خصوصا بعدما كانت التجربة المقامة عليها باهظٌ ثمنُ متطلّباتها كونها شملت ددمم وطاقة حجر أصل وحش سحري بمستوى مرتفع للغاية.

ومع ذلك، حدث شيء غير متوقع في وسط الطريق واضطروا لإيصالها بأحد بقايا التجارب الفاشلة. كان أحد البقايا هذه هو الكائن الوحشيّ الذي قاتله باسل بعدما فرّت منه غرين شارلوت في لقائهما بمخبئها.

كان هذا الشيء غير المتوقّع هو تلوّث بحر الروح، وإيصالها بأحد البقايا كان للحدّ من التلوّث عن طريق مشاركته معها. ومع ذلك، اشترى لهم ذلك بعض الوقت فقط، واحتاجوا لإيجاد حلّ ما فقط.


وفي ذلك الوقت أتى العالم المجنون لإصلاح المشكل بناء على طلب غرين شارلوت إذْ نشرت خبر احتياجها لعالم. ظهر العالم المجنون وعرض خدمته. لم تعلم عن نواياه أبدا لكنّه كان عالما مشهورا بعالم الإجرام الذي كان لها نفوذ كبير به.

فعلمت أنّه من المستحيل على عالم كهذا أن يحاول خداعها لأنّه يعلم ما سيحدث له آنذاك. سمحت له بالمشاركة في التجربة، وكانت نتائج عمله مدهشة للغاية. استطاع حقّا إيقاف انتشار التلوّث وجعْل حالة الفتاة مستقرّة.

وفي ذلك اليوم ظهر باسل ودمّر المخبأ ثم ذهب بالفتاة الصغيرة. وعندما سأل باسل العالم المجنون عن حالة الفتاة أخبره أنّه لا يعلم شيئا عنها.

واليوم، ظهر باسل جانب معلّمه قبل أن يسأل: "إذا أيها المعلّم، هل يمكنك إيقاظها؟"

مرّر إدريس الحكيم نظره إلى باسل ثم إلى الفتاة مرة أخرى قبل أن يتنهد أخيرا ويقول: "ذلك معقّد نوعا ما؛ فحتى لو أقظتها، سأجعلها تنهض لتموت بعد مدّة فقط."

صُدِم باسل بهذا الكلام وحدّق إلى معلّمه. هل حقّا حالة هذه الفتاة مستعصية لهاته الدرجة؟ لم يستطع تصديق ما سمعه حالا واحتاج لقليل من الوقت. لقد كان هذا العالم الواهن فقط ولم يكن به أيّ تقنيات أو حالات أو أيّ شيء آخر يمكن لمعلّمه أن يقول عنه معقّدا.

تكلّم المعلّم من جديد: "بالطبع، لو كان لديّ تلك الأداة فسيكون ذلك كلاما آخرا."

عبس باسل قليلا ثم قال: "أيّ أداة أيها المعلّم؟ وهلّا شرحت لي من فضلك ما الذي يحدث للطفلة أوّلا؟"


أجاب إدريس الحكيم شارحا: "لقد سبق ورأيت العديد من هذه التجارب على الكثير من الأشخاص، لكنّني لم أرَ مثل هذه الحالة فيما سبق. هذه حقّا حالة فريدة. فبعدما تشكّل بحر الروح بشكل إجباريّ عن طريق ددمم وطاقة حجر أصل الوحش السحريّ، استطاعت الفتاة دخول حالة الصفاء الذهني والروحي والمرور من جديد بمراحلها الثلاث لتجعل بحر الروح مستقرّا كما لو أنشأته بنفسها من الأوّل."

تفاجأ باسل بهذا كثيرا عندما سمعه. فتاة بهذا الصغر استطاعت القيام بمثل هذا الشيء. فقط ما هي الموهبة التي يتطلبها ذلك. لا، بل ما هي قوّة الإرادة التي يحتاجها الشخص لتحقيق ذلك. خلال السقوط بالهاوية، استطاعت الطفلة الحفاظ على أملها وتسلّقت خيطا رقيقا للغاية صاعدة من جديد.

أكمل المعلّم: "هناك بعض الأشخاص الذي استسلموا عن محاولة الدخول إلى عالم السحر بالطرق العادية فلجؤوا إلى طريقة أخرى أو استعمِلت عليهم. هذه الطريقة هي استعمال ددمم وطاقة حجر أصل وحش سحري لتشكيل بحر روح بشكل إجباري ومن ثم محاولة إعادة المراحل الثلاث لحالة الصفاء الذهني والروحي من أجل جعل بحر الروح هذا مستقرّا.

"...ولكن هذا يحمل مخاطرا كبيرة للغاية؛ فإن لم ينجح الشخص بالدخول حالة الصفاء الذهني والروحي ثم المرور بجميع المراحل مرّة واحدة بدون الفشل أبدا، فسيتلوّث بحر الروح كلّيّا ويصبح الشخص عبارة عن وجود لا بوحش ولا بإنسان."

فهم باسل أخيرا ما يحدث للشخص بالتجارب التي قامت بها غرين شارلوت وسبب وجود ذلك الكائن الذي قاتله فيما سبق بالمخبأ. لهذا استعملَتْ أنواعا كثيرة من الناس؛ كان ذلك من أجل زيادة عدد الفرص التي يمكن لأيّ شخص فيها أن ينجح. فلو نجح واحد منهم ستكون قد جمعت حينها معلومات كافية لصنع الكثير منه.

استمرّ إدريس الحكيم في التحدّث: "وبالطبع، فرص النجاح قليلة جدا ولا يستطيع سوى قليل القليل استغلال الفرصة؛ فالنجاح في كلّ المراحل الثلاث مرّة واحدة يعتبر أمرا في منتهى الصعوبة بالرّغم من أنّ ذلك يصبح أسهل بوجود بحر روح. هناك من ينجح في ذلك ويكتسب قوّة جيّدة، فقوّته تكون تفوق تلك التي يملكها باقي السحرة. لأنّه يبيت يملك قوّة الوحوش السحرية بجانب قوّته الخاصة.

"...وكان هذا سببا آخرا في رغبة بعض الناس بإرادتهم الخاصّة خوض هذه المغامرة. هناك من استمرّ في محاولة الغدوّ ساحرٍ لمرّات لا تحصى وأصيب باليأس، وهناك من أراد اختصار الطرق واكتساب قوّة عظيمة."

حدّق إدريس الحكيم إلى الفتاة الصغيرة التي لم تكن لا من هذا ولا من ذاك ثم أكمل: "تقوم هذه العمليّة على شيئين أساسيين: ددمم وطاقة حجر أصل الوحش، ثم إرادة وموهبة الشخص الذي يحاول تنفيذها."

تذكّر باسل شيئا ما ثم سأل: "بالمناسبة يا معلّمي، لقد كان هناك شخص تحول لكائن حمل عدة أسحار وتحوّل لشكل شمل عدة أجزاء كل واحد منها من وحش سحريّ. أذاك يعني أنّ العديد من دماء وطاقات أحجار أصل الوحوش السحرية؟"

ابتسم المعلّم وأجاب: "معك حقّ. يبدو أن ذلك الشخص كان من الأوائل الذين جُرِّبوا. فعلى ما يبدو، لم يكن يعلم المجرِّب الطريقة الصحيحة حتى استنتج أخيرا أنّ عليه استخدام نوع واحد فقط من الدم وطاقة حجر الأصل.

"...طاقة أخرى سوف تجعل النجاح مستحيلا لا محالة وتلوّث بحر الروح سيكون سريعا بشكل غير معقول. وبذلك يتحوّل الشخص إلى كائن وحشيّ بدون الحصول على أي فرصة لاجتياز المراحل الثلاث حتّى."

عبس باسل عند التفكير في عدد الأشخاص الذين مرّوا من هذا العذاب بسبب غرين شارلوت وكرهها كثيرا. ليس كأنّ له أيّ علاقة مع الأشخاص الذي تأذوا أو يحاول التصرّف كبطل، لكن لأنّه شعر بالاشمئزاز منها ومن تصرّفها. فلو أتينا لرؤية من كان يحتقره باسل أشد الاحتقار، سنجد أنّه ذلك الشخص الذي لا يتبع طريق الأقوياء ولا يتّخذ المسار الروحيّ بروح سليمة حتّى يبلغ الذروة.


تكلّم باسل: "أعمال الأرواح الفقيرة دائما رذيلة."

حدّق إليه معلّمه قبل أن يكمل: "لا مفرّ. طالما تواجد من يتبعون طريق الأقوياء سيوجد أولئك من يريدون طريقا بدون صعاب ليبلغون ما لم يستطيعوا تحقيقه بوجود أولئك الأقوياء."

تنهّد باسل بينما ينظر إلى الفتاة الصغيرة. لم يبدُ عليها أيّ معاناة للآن بسبب التوازن، لكن بالتفكير في الآلام التي مرّت بها، شعر بالغضب الكبير الذي لا يُحتمل وارتأى أنّه مهما عذّب غرين شارلوت فلن يصل لدرجة إعطائها المعاناة التي تعرّض لها كلّ من مات على يدها معذّبا بطريقة أشنع بكثير.

أكمل المعلّم: "يا فتى. أخبرتك أن تحافظ على رزانتك في كلّ الأحوال. لا يمكنك جعل العالم خاليا من الرذلاء."

حدّق إليه باسل ثم قال: "لا أهتمّ يا معلّمي بالرذلاء ولا بأعدادهم في كلّ العوالم. كلّ ما يهمّني هو ابتعادهم عن طريقي. فلو اقترب منّي أي شخص بروح فقيرة، لن يكون مصيره سوى الموت. يمكنني السماح لهم بالعيش فقط بابتعادهم عنّي. أوليس هذا ما قصدته بتعاليمك لي؟"

قال المعلّم مباشرة: "لا شكّ في ذلك. على كلّ، لا أقول لك تخلَّ عن عواطفك، وإنّما أطلب منك التحكّم فيها؛ فإن أردت الحفاظ على اتزانك بمسارك الروحيّ، أنصحك بالحفاظ دائما على عقلك وقلبك سليميْن."

هدأ باسل أخيرا متّبعا إرشاد معلّمه لكنّ غضبه لم يختفِ، وإنّما قُمِع فقط. هناك شيء اتّفق باسل دائما مع معلّمه بشأنه: "من اتبع طريقا، فليستعد لمواجهة عراقيله."

فكما اتخذت غرين شارلوت ذلك الطريق، كان عليها العلم أنّ مثل الخاتمة التي واجهتها كانت واردة الحدوث. وكما اتّبع باسل طريق الأقوياء آخذا المسار الروحي كطريق يجب أن يخلو من الشوائب، فعليه أن يعتبر وجود هذه الأخيرة اختبارا له يجب عليه تجاوزه مثله مثل كلّ منافسيه.


قال إدريس الحكيم بعدما حدّق إلى باسل الذي هدأ: "حسنا، لنعد لموضوعنا. لقد فهمتَ جيّدا حتّى الآن كيف تقام هذه العمليّة. وبالطبع، نجحت الطفلة في اجتيازها. فقط، للأسف كان ددمم وطاقة حجر أصل الوحش السحريّ أكبر من المتوقع. ففي الحالات الطبيعيّة يُستخدم في هذه العمليّة ددمم وطاقة حجر أصل وحش سحري من المستوى الأول. أمّا هذه الفتاة، فقد استخدِم عليها ددمم وطاقة حجر أصل بمستوى مرتفع للغاية.

"... فحتّى عندما نجحت، كانت الطاقة أكبر بكثير ممّا يمكن لها أن تسيطر عليها. وهكذا اجتاح التلوّث بحر روحها من جديد. وفي ذلك الوقت، قابل هذا التلوّث مضادّا جعله يتوقّف عن الانتشار. كان ذلك نقاوةً صارعت هذا التلوّث فدخلت الفتاة في مثل هذه الحالة النادرة."

حدّق باسل إلى معلّمه ثم سأل باهتمام: "أيّ نقاوة هذه أيها المعلّم؟"

ابتسم إدريس الحكيم وفرك ذقنه قبل الإجابة: "هذا هو ما أثار اهتمامي لحدّ الآن حقّا. أصل هذه النقاوة هو كنز محدّد. هذا الكنز نادر للغاية ولا يمكن إيجاده سوى في بعض الأماكن القليلة في جميع العوالم. وعلى حدّ علمي، لا يوجد مكان بهذا العالم يمكنه تنمية مثل هذا الكنز."

"إذا... ! " قالها باسل وهو متفاجئ.

اتسعت ابتسامة المعلّم بعدما حزر فكرة باسل. اعتقد هذا الأخير أنّ تلك الأداة من عالم آخر. أكمل إدريس الحكيم كلامه: "ليس بالضرورة، لقد علمتَ أنّ هناك بعض الكنوز في قارة الأصل والنهاية. تلك الكنوز على الأغلب قديمة منذ زمن طويل. وفي نظري، كل تلك الأشياء التي وجدها بعض الأشخاص من هذا العالم هي في الحقيقة تعود لسحرة روحيّين أتوا إلى هنا تابعين آثار بحوثهم."

حدّق باسل إلى معلّمه ثم قال: "بحوث؟ عن ماذا؟"

عبس إدريس الحكيم قليلا ثم قال: "بحوث عن العالم الثانويّ الذي أخبرتك عنه. ذلك العالم الثانويّ به نيّة سامية لم أرَ مثيلا لها في حياتي في أيّ من العوالم الثانوية التي أخضعتها. أخبرتني النيّة أنّه لا أحد يحقّ له الولوج إلى هناك سوى سكان العالم الواهن الأصليّين."

"ماذا...؟" تفاجأ باسل كثيرا هذه المرّة.


أكمل المعلّم: "سنتحدّث بشأن هذا في وقت لاحق. المهمّ، هذا الكنز في الواقع هو عبارة عن نبتة. هذه النبتة تعتبر نبتة روحية سامية توجد في بعض الأراضي العتيقة فقط. هذه النبتة عبارة عن وردة تدعى بـ'ياسمين الثلج النقيّ'. لدى هذه النبتة مفعول خيالي في معالجة السموم والتخلّص من بعض الكائنات في بعض الأماكن الخطرة برائحتها فقط. هناك العديد من المزايا الأخرى الخاصة بها.

"...حاليا ما يهمّنا هو قدرتها على منع التلوّث من الانتشار في بحر روح الطفلة. نقاوة الياسمين كثيفة للغاية، وفي الواقع، يمكنها إنقاذ سحرة روحيّين من الموت الأكيد من بعض السموم التي تستطيع قتلهم بكلّ سهولة. لذا لو استعمِلت مثل هذه النبتة في معالجة هذه الفتاة، فسيكون لها ضرر أكثر ممّا يكون لها نفع. فنقاوتها أكبر بكثير ممّا يمكن لبحر الروح أن يستحمله.

"...ولكن، ما يحارب هذا التلوّث هو مجرد جزء صغير فقط من بتلة من هذه الوردة في الواقع. لذا يمكنك تخيّل مدى قوّة مثل هذه النبتة."

فهم باسل أخيرا ما تحدث عنه معلّمه سابقا ثم قال: "لهذا قلت أنّك لو أيقظتها ستموت. فحتّى لو خلّصتها من التلوّث بطريقة ما واستيقظت فستقتلها النقاوة بعد مدّة. ولا يمكن إزالة النقاوة أيضا لأنّها ضروريّة لمنع التلوّث من الانبثاق مرّة أخرى؛ فهو يكون بدم وطاقة حجر أصل الوحش السحريّ اللّذين سبق واندمجا مع الساحر، لذا من المستحيل إزالتهما كلّيّا."

ابتسم المعلّم في وجه المتعلّم وقال: "ذلك صحيح. ولهذا يحتاج للشخص الذي طبّق هذه العمليّة أن يخترق للمستويات الروحيّة بأسرع وقت ممكن. لأنّ في الأصل لا يمكن لهذه العمليّة أن تنجح بدون نقاوة تحفظ الساحر من بروز التلوّث من جديد بعد جعل بحر الروح مستقرّا.

"...في الحالات العادية عندما يُستخدم ددمم وطاقة حجر أصل وحش سحريّ بالمستوى الأول، يتطلّب وجود نقاوة كافية لمحاربة التلوّث، لكنّ آثارها ستظهر بعد مدّة على بحر الروح وستحرقه. لذا يكون هناك حدّ زمنيّ لهذا الشخص لكي يبلغ المستويات الروحية حتّى يستخلص هذه النقاوة بالكامل. تقدّر هذه المدّة غالبا بعام واحد. ويحتاج بالضرورة لأداة محددّة للاختراق بسلامة للمستويات الروحيّة. ولكن الحال مختلف مع هذه الفتاة..."

فكّر باسل لقليل من الوقت في كلام المعلّم ثم عبس أخيرا كما لو أنّه اكتشف شيئا ما قبل أن يقول: "انتظر... قلت أيها المعلّم أنّ هذه العمليّة لا يمكن أن تنجح إلّا عن طريق هذه النقاوة في الأصل. ذلك يعني أنّ الأشخاص من هذا العالم، لا، يعني أنّ غرين شارلوت ومعاونيها قد اكتشفوا أنّ النقاوة ضروريّة لهذه العمليّة ! "

أجاب المعلّم: "حسنا، سيكون ذلك هو الأمر. قد يكونون على الأغلب وجدوا دراسات لأحد هؤلاء الباحثين الذين أخبرتك عنهم."


ازداد شكّ باسل كثيرا ثم أخبر المعلّم بانتظاره قليلا. ذهب لمكان ما وعاد مسرعا. سأله المعلّم عمّا ذهب لفعله فأجاب: "حسنا، لقد طلبت مجيء شخص ما فقط."

حدّق إليه المعلّم ثم أكمل: "لنكمل، قلت أن حالة هذه الفتاة مختلفة. سبب ذلك واضح، تلوّثها قوّي للغاية، فحسب تشخيصي، لقد استُعمِل عليها ددمم وطاقة حجر أصل وحش سحريّ بالمستوى الرابع عشر."

انفجر عقل باسل بهذا التصريح تماما. المستوى الرابع عشر؟ بهذا التصريح علم أخيرا قدرة ياسمين الثلج النقيّ. فقط جزء صغير من بتلة من هاته الوردة استطاعت منع تلوّث من هذا المستوى. وأيضا، تأكّد من شيء إضافي. لابد وأنّ غرين شارلوت ومن ساعدوها قد عثروا على هذا الدم والطاقة في مكان ما بقارة الأصل والنهاية. أو على الأقل عثر عليهما شخص آخر وباعهما لهم.

وفي ذلك الوقت، دقّ على الباب شخص ما. تكلّم باسل: "ادخل ! "

فُتِح الباب فظهر الشخص الطارق، فكان العالم المجنون. دخل ثم حدّق إلى باسل بخوف، وبعد لحظات وجّه نظرة إلى العجوز أمامه فلم يعلم من هو ولم يشعر بأيّ شيء منه. بان له كعجوز عادي لا غير.

ابتسم العالم المجنون ممتعضا قائلا: "ما الذي أرادني السيد الصغير بشأنه؟"

أطال باسل النظر إليه قبل أن يقول: "سألتك سابقا وأخبرتني أنّك لا تعلم شيئا عن حالة الفتاة. سأسألك ثانية سؤالا وسأنتظر منك الإجابة. طبقا لما تقوله سيتحدّد مصيرك."

تفاجأ العالم المجنون وقال بضحك: "ما الذي تقوله أيها السيد الصغير؟ هل تمزح معي أم ماذا؟ لقد أجبتك بالفعل..."

قاطعه باسل ولم يتركه يكمل كلامه أكثر: "أخبرني عن مصدر ياسمين الثلج النقيّ وكيف علمت عن الطريقة الصحيحة للعمليّة؟"

صار وجه العالم المجنون أسودا وكاد لا يصدّق ما سمعه للحظة. وفي الحال بدون أن يترك أيّ أحد يلاحظ اضطرابه ابتسم وقال: "ما الذي تتكلّم عنه أيها السيّد الصغير؟ لقد أخبرتك أنّني كنت أتبع الأوامر فقط ولا أعلم عن أيّ شيء..."

وووش

وفي لحظة، وجد العالم المجنون نفسه معلّقا بالحائط من عنقه مشدودا بقبضة باسل المحكمة عليه بشدّة. صعدت القشعريرة مع جسد العالم المجنون وأحس بنيّة قتل باسل المهولة. ومباشرة تكلّم: "انتظر... انتظر فقط. لنتحدّث قليلا وسنصل لتفاهم. السيّد الصغير شخص منطقيّ وذو صدر رحب. لمَ لا تعطيني فرصة لأدافع بها عن نفسي."

حملق إليه باسل ثم قال بصوت بارد: "خدعتني مرّة لافتقاري المعرفة. لديّ العلم الآن بحالة الفتاة جيّدا وأعلم أنّه لا محالة أن لا تعرف أنت العالم الوحيد الذي كان موجودا بذلك المخبأ آنذاك عن حالة الطفلة. لذا سبق وأعطيتك فرصة بسؤالي هذه المرّة وانتظار الإجابة منك. لقد حاولت التلاعب من جديد."

ارتعد العالم المجنون ثم قال بسرعة: "لا. انتظر..."

زاد باسل من قوّة قبضه وبدأ يعصر عنق العالم المجنون. وفي تلك اللحظة، صدر صوت هدّأه: "انتظر أيها الفتى باسل."

استدار باسل بعدما أطلق سراح العالم المجنون مباشرة. لقد كان ذلك كلام معلّمه لذا لم يفكّر لثانية واحدة قبل أن يزيل قبضته عن عنقه.


فرك إدريس الحكيم ذقنه ولحيته الطويلة ثم ضحك بينما يقول: "هذا مثير للاهتمام. لا شكّ في هذا الآن. إنّه أنت صاحب جزء وردة ياسمين الثلج النقيّ تلك."

هلع العالم المجنون أكثر ونظر إلى العجوز أمامه. لقد كُشِف كلّيّا ولم يعد يعلم ما الذي يجب عليه فعله. لقد كان حقا هو صاحب ذلك الجزء من تلك الوردة. فعندما عرض خدمته على غرين شارلوت كان قد فعل ذلك ليجرّب قوّة جزء البتلة الصغير ذاك على تلوّث من مستوى مرتفع كالذي حلّ بالفتاة الصغيرة. كان هو الشخص الذي صنع حالة التوازن هذه.

تكلم إدريس الحكيم بهدوء: "لديّ العلم بالعديد من الكنوز التي تغيّر مظهر الشخص، لكنّ الكنز الذي لديك نادر حتّى من بينها. هل ستكشف عن شكلك الحقيقيّ أم تريدني أن أدمّر كنزك الغالي؟"

صعدت القشعريرة مع جسم العالم المجنون ثم وقف في مكانه وقال بسرعة: "انتظر. سأفعل، سأكشف عن هويّتي الحقيقيّة. أنا فقط كنت أخفيها لأنّني سأقع في المشاكل إن علم أيّ شخص عنيّ."

توهّج جسد العالم المجنون ثم ظهر في لحظة واحدة شخص آخر بمحلّه. كان هذا الشخص عبارة عن شابّ. كان هذا صادما حقّا لباسل. لم يطرأ في باله أبدا أنّ العالم المجنون هو في الحقيقة شابّ لا يكبره عمرا بالكثير، لاسيما أنّ هذا الأخير كان يتقمّص الدور بشكل لا يصدّق.

تغيّر تصرّف العالم المجنون بعدما أصبح مجرّد شابّ ثم قال باسترخاء: "آه أه. وأنا الذي كنت أنوي البقاء متخفّيا ريثما أرى نتائج التجربة وأغادر بسلام."

كان الشابّ متحسّرا لانكشاف الغطاء عن هويّته. حدّق إليه باسل ثم قال: "من أنت؟ ولمَ احتجت للتّخفّي؟"

ابتسم الشابّ ببراءة بوجهه المستدير ذاك كالطفل ثم قال: "يمكنك القول أنّني مجرد عالم يحبّ التجارب، لكنّني لست عالما مجنونا. هذا شيء أنا واثق منه، لنركز على هذا الأمر جيّدا، اتّفقنا؟"

جلس الشابّ على السرير الذي تستلقي عليه الطفلة كما لو كان في غرفته الخاصة يتكلم مع أحد أصدقائه: "لقد كنت أتقمّص دور والدي في الواقع. لقد كان عالما مشهورا في عالم الإجرام والسوق السوداء. لقد احتجت لإجراء تجاربي لذا كان وجهه الطريقة الفضلى لذلك. ولحسن الحظّ كان لديّ كنز جيّد لتحقيق ذلك."

بقي باسل يحملق إليه لفترة طويلة. لقد تغيّر تصرف هذا الشخص كلّيّا بعدما تحوّل لهذا الشابّ. كما لو كان شخصا مختلفا تماما.

أكمل الشابّ: "لقد جمع والدي ثروة جيّدة حقّا من أعماله. حتّى أنّه حصل على بعض الكنوز من بينها هذا الكنز الذي يغيّر هيأتي. إضافة لذلك الجزء الصغير من النبتة. إضافة لأبحاث كثيرة حول عمليّة الغدوّ ساحرٍ بالإجبار.


"...احتجت لرؤية نتيجة هذه الأبحاث وصدف أنّني سمعت أنّ تلك الأميرة تحتاج لمساعدة عالم حتّى بلغ الطلب والدي. فاستغللت الأمر وذهبت بنفسي لإلقاء نظرة. كان التلوّث سيقتل هذه الطفلة في الواقع لولا مجيئي."

ابتسم الشابّ ثم قال ببراءة: "يمكنك شكري على ذلك في وقت لاحق."

نظر إليه باسل ثم قال: "وأين والدك هذا؟ لمَ لمْ يذهب هو بنفسه للقاء تلك العاهرة؟"

"آه، هذا..." قال الشابّ بوجهه الطفوليّ ذاك محافظا على الابتسامة البريئة: "لقد كان ميّتا آنذاك. لا، للدّقة، كنت قد سبق وقتلته."

تفاجأ باسل من قول الشابّ الذي أتى منه هذا الكلام وهو يحمل تعبيره ذاك. لو رأى أيّ شخص آخر هذا الشابّ سيعتقد أنّه مجرّد ولد مدلّل لعائلة غنيّة ما. كانت شخصيته مختلفة كلّيّا عمّا يبدو عليه.

أكمل الشابّ: "كانت الأبحاث تعود لشخصية أسطوريّة حسب فهمي. فتلك الأبحاث وذلك الجزء الصغير جدا من الوردة تعتبر شيئا لم أره من قبل في عالمنا أو سمعت عنه في أيّ مكان. لم أعلم من أين حصل عليها والدي، لكنّها وصلته على الأغلب عن طريق مواصلاته."

حملق إليه باسل ثم سأل بجديّة: "لمَ كذبت عنّي. لمَ قلت أنّك لا تعرف حالة الفتاة؟"

أغمض الشابّ عينيه ثم قال: "لا، لا يمكنني القول أنّني كذبت عليك. صحيح أنّني علمت أنّ الفتاة دخلت في حالة غريبة من التوازن، لكنّني لم أعلم كيفيّة معالجتها. يمكنك القول أنّه بسبب افتقاري للمعرفة جيّدا. فأنا كلّ ما فعلته هو اتباع إرشادات تلك الأبحاث."

في هذه اللحظة، تدخّل إدريس الحكيم: "يا فتى، إنّك مثير للاهتمام حقّا. قلت أنّك اتبعت إرشادات تلك الأبحاث. الأمر ليس بهذه البساطة، فتلك الأبحاث كتبت على الأغلب بلغة أخرى. كيف لك أن تفهمها؟"

أجاب الشابّ ببساطة تعلو وجهه: "لقد حللتها. لقد تعلّمت تلك اللّغة. فهي لم تكن صعبة لتلك الدرجة."

فرك معلّم باسل لحيته ثم قال: "همم... هذا جيّد. لا، إنّه مذهل. لأيّ مدى بلغ فهمك لتلك الأبحاث؟"

وضع الشابّ سبّابته على ذقنه كما لو كان يفكّر ثم قال: "حسنا، يمكنك القول جميعها."


"هوهوهو." قهقه إدريس الحكيم قبل أن يقول: "يا فتى. هل هناك شيء آخر تعلّمته؟"

وقف الشابّ ثم قال: "علمت بعض الأمور غير المكتشفة في هذا العالم عن السحر. وتعلّمت ما يسمّى بالنقش الأثريّ ودرست النقش الروحيّ. حتّى أنّني وجدت بعض الوصفات غير المكتملة للإكسيرات."

تفاجأ باسل حقّا. لو كانت وصفات الإكسيرات مكتملة لكانت قد سبق وانتشرت بسبب هذا الشابّ لو أراد نشرها. وكان ذلك سيدمّر كلّ شيء خطّط له سابقا.

حدّق باسل إليه ثم قال: "لِمَ لمْ ينشر والدك هذه الأشياء إذًا في عالم الإجرام؟"

تحدّث الشابّ بصوته الرقيق: "ذلك لأنّه لم يرد فعل ذلك. لقد كان شخصا جشعا لذا يمكنك التفهم. ولكن مهما حاول لم يستطع فهم تلك الأبحاث. عندما أرى أنّني احتجت لثلاث سنوات فقط لأستنبط تلك الأبحاث بينما استغرق هو وقتا طويلا بدون أيّ نتيجة، أجد أنّه حقّا كان غبيّا. أليس كذلك؟"

قال الشابّ كلمة "غبيّا" بطريقة ظريفة مستهزئا بوالده. أمّا باسل فقد استمر في النظر إليه كما لو كان يدرس هذا الشابّ العجيب أمامه. لقد كان غريبا للغاية.

حدّق إدريس الحكيم إلى الشابّ ثم استعجب من أمره. هل حقّا يظنّ أنّ أباه غبيّ؟ ألم يخطر له أنّه هو النابغة؟ ما هذا الشابّ بالضبط؟ نابغة أحمق؟ كان الشابّ غريبا حقّا سواء من ناحية شخصيته أو من جهة عبقريته.

تكلم إدريس الحكيم: "يا فتى، أزل تأثير الكنز بالكامل."

تفاجأ الشابّ مرّة أخرى ثم قال بنظرة جدّيّة كما لو كان شخصا آخرا: "يا عجوز، إنّك مذهل حقّا. من أنت؟"

ابتسم إدريس الحكيم بتغيّر تصرّف الشابّ ذو الوجه الطفوليّ. علم أنّه لم يقصد سوءا بمناداته بالعجوز، فهو ناداه بذلك فقط لأنّه يبدو كذلك حقّا. قال معلّم باسل: "من أنا ليس بالمهمّ لك. أنا لا أحتاجك أن تزيل مفعول الكنز كما تعلم. أريد للفتى باسل فقط أن يرى الأمر بعينيه."

"حسنا، حسنا." تنهّد الشابّ وأوقف تأثير الكنز.


وفي لحظة، تغيّر الجوّ حوله كلّيّا فأصبح يبدو حوله ضغط رهيب. وعندما شاهد باسل هذا الأمر صعِق حقّا. فاجأه تماما هذا التغيّر الذي حصل للشابّ. لقد بدا حتّى الآن كشابّ طبيعي لا غير. ولكن بعدما أوقف تشغيل الكنز تماما، تحوّل لشخص آخر كلّيّا مع الحفاظ على مظهره.

كانت هالته مرتفعة وطاقته السحريّة صادمة، فحتّى الآن كان يبدو كشخص بلا سحر. فقط مجرد عالم مجنون يحب التجارب. وبعد ذلك صار شابّا، ثم بات على هذه الحال.

تمتم باسل غير مصدّق: "المستوى السابع؟ وبقمّته؟"

ابتسم الشابّ ثم قال: "بعدما ظهرت تلك الإكسيرات. أكملت الوصفة كلّها من عندي بعدما قمت ببعض التجارب. كنت آنذاك في المستوى الخامس. حاليا أنا في ذروة المستوى السابع."

وضع الشابّ سبابته مرّة أخرى على ذقنه كما لو تذكر شيئا وقال بعدما وجّه نفس الإصبع نحو باسل: "آه. أيها السيّد الصغير، لمَ لا تعلّمني أنت كيفيّة الاختراق للمستوى الثامن؟"

ابتسم إدريس الحكيم وتعجّب من أمر الشابّ. أمّا باسل فقد استغرب منه أكثر. لا يزال يناديه أيضا بالسيّد الصغير. ما بال هذا الشابّ بالضبط؟ كلّ تصرّف منه لا يلحق الذي سبقه ولا يليق بكلامه. كانت شخصيته معوجّة كثيرا.

لم يعلم باسل ماذا يفعل مع هذا الشابّ فابتسم بدون شعور.

لاحظ الشابّ ابتسامتي الاثنين لكنّه لم يمنح ذلك اهتماما. كان شخصا كسولا في الواقع للقيام بذلك. لو لم يكن شيئا يتعلّق بالتجارب فلن يجذب نظره. حتّى أنّه تعلّم السحر فقط لمساعدته على القيام بالتجارب وليرى تأثيره عليه، وإلى أيّ مدى يمكن أن يصل إليه خصوصا وأنّ السحر مطلوب في العديد من التجارب التي يريد إجراءها.

كان شخصا لا يهتمّ أبدا بما يدور حوله، لذا كلّ ما كان يبقيه هنا حقّا هو نتيجة التجربة التي أجريت على الفتاة الصغيرة. كان مشابها لباسل نوعا ما، لكنّ اهتمامه اقتصر على التجارب فقط.

ومع أنّه نابغة، إلّا أنّه لا يهتمّ بذلك ولا يعتبر نفسه واحدا. قد يكون يعلم أنّه يملك مواهبا عظيمة بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين، لكنّه ظنّ أنّ المحيطين به هم الأغبياء فقط.

وفي الوقت الذي كان به باسل يستمتع بمحاولة فهم شخصية هذا الفتى الذي أمامه، كان إدريس الحكيم يحسب العديد من الأمور. وفي الأخير، هزّ رأسه ثم قال: "يا فتى، قد لا تكون لست مؤهّلا لتكون تلميذا مباشرا لي، لكنّك تستحقّ بعضا من الإرشاد. هل أنت مهتمّ؟"

رفع الشابّ يده أمامه وحرّكها يمينا وشمالا بينما يقول: "لا، لا، لا. من قال هذا؟ قد يكون السيّد الصغير يحبّ القتال والمعارك لاختبار حدوده والشعور بشيء مختلف جديد، أو السعي نحو الأفق لرؤية ما يوجد هناك، لكنّني مختلف عن ذلك. لا تقلق حولي يا عجوز واهتمّ بتلميذك فقط."

علم الشابّ حقّا القليل عن ما يجعل باسل يفضّل القتال أو لِمَ يتعلّم السحر فقط بمجرّد مرافقته لبعض الوقت. والأكثر من ذلك، استطاع تخمين هويّة العجوز بسرعة كبيرة. لقد كان يبدو إدريس الحكيم كعجوز خرف فقط، لذا لم يكن من السهل الإقرار بهذا خصوصا بما أن باسل وصل لمستوى مرتفع نسبيّا بالسحر.

حدّق إليه إدريس الحكيم ثم قال: "جيّد يا فتى، يمكنك أن تفهم بدون أن ترى. ليس هناك الكثير منك في الوجود. لكن لا تكن مخطئا؛ هناك القليل من الأشخاص الذين يستحقون تلمذتي. وبالطبع، أنت لست منهم كذلك. كلّ ما عرضته عليك هو إرشاد منّي. لكن إن لم ترد فلا بأس."


عبس الشابّ منزعجا كالطفل. لقد كان مخطئا بظنّه أنّ العجوز أمامه يعرض عليه تعليمه. تحدّث بعدما تناسى الأمر بعد هنيهة: "كلامك كبير منك يا عجوز. على كلّ، لست مهتمّا بأيّ إرشاد طالما كان بعيدا عن اهتماماتي." تحرّك الشابّ بعد ذلك محاولا مغادرة الغرفة.

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "يمكنني إخبارك عن نتيجة هذه التجربة. ما تحتاجه لإنجاحها. ما ستبلغه يوما هذه الفتاة، وما ستصيره. وكمكافأة منّي، سأريك تجربة رائعة يمكنك إجراءها بكنزك الغالي ذاك."

توقّف الشابّ مصعوقا في مكانه بعدما سمع كلام العجوز. بدون شكّ، جُذِب اهتمامه كلّيّا وتماما. لم يعد خيار المغادرة متاحا عنده وكلّ ما أصبح في عقله هو إجابة كلّ تلك الأسئلة. وفي لحظة واحدة بعد كلام إدريس الحكيم، كان الشابّ قد صار يتحرّك كما يريد منه أن يفعل.

تكلّم الشابّ بوجهه الطفوليّ وبلهفة: "ما هي؟ وما هو؟ ثم ما هو؟ وماذا؟ وكيف؟"

قفز الشابّ على إدريس الحكيم بأسئلة كلّ واحد منها متعلّق بواحد من الاقتراحات التي أعطاها له إدريس الحكيم. كانت عيناه تلمعان وأشرق وجهه. غمر العجوزَ أمامه بجسده ملتحما به. سأل تلك الأسئلة بوتيرة سريعة للغاية كما لو أنّه يريد معرفة هويّة قاتل والديه.

كان هناك هوس غير معقول بعينيّ الشابّ فبدا كأنّه سيفعل أيّ شيء فقط ليعرف هذه الإجابات التي يناشدها. لم يهمّ ما إذا احتاج للقتل أو النهب، سوف يبلغ هدفه ألا وهو نتيجة هذه التجربة التي تثير فضوله.

لم يكن هذا الشابّ في الواقع يهتمّ بأيّ شيء آخر. فهو لم ينقذ الفتاة الصغيرة أو اهتمّ بها. كلّ ما فعله هو التدخّل لرؤية نتيجة جزء الوردة الصغير باستخدامها بتلك الطريقة.

حدّق إليه إدريس الحكيم بعين واحدة ثم قال: "يا فتى، لا تكن متسرّعا. كلٌّ وبمقابل. أأنت مستعدّ للتضحية؟"


تكلّم الشابّ بسرعة كبيرة: "هذا لا يهمّ الآن ! أخبرني ولك ما تريد ! "

التفت إدريس الحكيم إلى باسل ثم نظر إليه للحظات قبل أن يتكلم: "أيها الفتى باسل. أريدني وحدي معه."

لم يقل باسل شيئا وغادر الغرفة. وبعد ذلك ذهب إدريس الحكيم مرّة أخرى إلى الفتاة ثم حدّق إليها قائلا: "أنا بنفسي أثارت حالة هذه الفتاة اهتمامي لحدّ ما، لذا أتفهمّ سبب حماسك هذا. ولكن، لو منحتني عهدا فلك جزء من إرشاداتي. لا، سأنيرك بكلّ ما لديّ من علم بالتجارب التي تحبّها. ما رأيك؟"

ما زالت عينا الفتى تشرقان. كان يريد الحصول على إجابته في أسرع وقت. ومع ذلك، بمجرّد ما ان سمع كلام العجوز أمامه حتّى أصبح أكثر حماسا وقال: "إن كنت ستعطيني علمك هذا الذي تدّعي امتلاكه لأستخدمه كما أريد فيمكنني التفكير في تقبّل كلّ ما تقترحه عليّ."

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "لا تقلق، لن أطلب الكثير. هناك شيء واحد فقط أريده منك. عهد بسيط."

وفي هذه الأثناء، خرج باسل من الغرفة ثم ذهب للالتقاء بأخوي القطع غايرو وكاي. طمأنهما على حالة أختهما الصغيرة ثم جلس رفقتهما لقليل من الوقت. لم يعلما عن الشخص الموجود بداخل الغرفة لكنّهما كانا يثقان بباسل لذا لم يشكّكا في هذا الأمر على الإطلاق وظلّا يدعوان لنجاتها فقط.

كان أخوا القطع يتدبّران قبل مجيء باسل، وعندما انتهوا من الكلام عادا لإكمال التدبّر مع مرافقته لهما في ذلك. بقي باسل يفكّر في سبب طلب معلّمه مغادرته. ليس وكأنّ هناك شخصا آخرا يعلم بعضا من أسرار معلّمه كما يعلم هو. إذًا ما الحاجة من إبعاده عن الحوار؟ ما الذي ينوي المعلّم فعله؟

واصل باسل محاولة تخمين هذه الأشياء، لكنّه استسلم في النهاية عن فعل ذلك. ببساطة، لو كان ذلك شيئا يريد معلّمه أن يعْلمه فلم يكن ليغادر تلك الغرفة. تناسى الأمر وغمر نفسه في حالة الصفاء الذهنيّ والروحيّ متأمّلا.


مرّت مدّة طويلة منذ بقاء المعلّم لوحده مع الشابّ الغريب، ثم جاء ذلك الشابّ أخيرا إلى حيث يكمن باسل. حملق إليه بنظرات جدّيّة لوقت طويل كما لو كان يدرسه، ثم تنهّد قبل أن يكمل مسيره خارجا من المنزل.

لمح باسل لمرّة أخيرة ثم قال بوجه كسول: "أخذ وعطاء. قد يكون الأمر مزعجا لكنّه بفائدة تستحقّ. نعم، نعم، كلّ هذا يستحقّ."

ذهب الشابّ يكرّر نفس الكلام بوجهه الكسول ذاك وبدا كأنه يحاول إقناع نفسه بشيء ما. تنهّد ثانية وتمتم: "أظنّها ستكون حياة مزعجة حقّا. لقد علمت هذا دائما. امتلاكي لتلك الأمّ، وذلك الأب، أو مولدي بذلك المكان اللعين، كلٌّ على حد سواء. كان يجب أن أفهم من خلال كلّ ذلك أنّ حياتي برمّتها ستكون فوضى ولا مجال لأن تكون بذلك الهدوء الذي أتخيّله."

وضع سبّابته على ذقنه ثم توقّف عن التحرّك قبل أن يقول كأنّه اكتشف شيئا ما: "انتظر، أليس كلّ هذا يحدث فقط لأنّني أحبّ التجارب؟ نعم، هذا صحيح. ألا يعني هذا أنّه سيمكنني العيش في هدوء إن تخلّيّت عن كلّ هذه الاهتمامات فقط؟"

أنزل إصبعه ثم حدّق إلى السماء وابتسم مستسلما للأمر الواقع: "حسنا، هذا محال."

أكمل سيره بينما يحادث نفسه: "ربّما أنا مجرد غبيّ بعد كلّ شيء. لا، لست غبيّا مثل ذلك الأب على الأقلّ. حسنا، لنقل أنّني أحمق. نعم، الغبيّ هو ذاك الأب. لنترك هذا على هذا الحال للآن."

كان الشابّ يتكلّم بالعديد من الأشياء الغريبة والتي لا تهمّ حقّا. وبالنظر إليه وهو بهذا الشكل، لا يمكنك سوى مناداته بالأحمق.

ابتعد عن المنزل شيئا فشيئا، لكنّه سمع نداءً من بعيد. استدار وكان يعلم من المنادي، فكانت نظراته كسولة للغاية ومنزعجة: "يبدو أنّ هذه هي بداية حياتي المزعجة."


كان المنادي هو باسل الذي صاح: "لقد أنقذت الطفلة مهما كان دافعك. عندما تريد ائت إليّ وسأعلّمك طريقة الاختراق."

حدّق إليه الشابّ من البعيد ثم قال: "عندما أصبح مهتمّا بذلك مرّة أخرى." استدار وغادر.

"أيّها العالم المجنون ! "

سمع الشابّ صياحا آخر من باسل فاستدار بسرعة: "لقد قلت أنني لست بعالم مجنون. ألم أخبرك بذلك فيما سبق؟ لا تناديني بذلك ثانية."

صرخ الشابّ محاولا تصحيح كلام باسل كما لو كانت حياته تعتمد على ذلك. لقد كان ذلك أكثر شيء يكرهه. ومع ذلك، لم يسبق له أن صرخ هكذا سوى عندما شعر بالألم عندما كان في منزله الذي كان سببا في كرهه لذلك اللقب أصلا.

تنفّس الشابّ بهدوء ثم صرخ: "اسمع جيّدا. سأقول اسمي بوضوح وأريدك أن تستخدمه من الآن فصاعدا. فحتّى لو كان ممنوحا لي من والدي اللعين يبقى اسمي الخاصّ وأفضل من العالم المجنون. اسمي هو أوبّنهايمر فرانكنشتاين."

عمّ السكوت لحوالي عشر ثوانٍ قبل أن يتكلم باسل مرّة أخرى: "المهمّ، حسب توقّعي، هناك عاصفة قادمة في هذه الأيّام القريبة. أريدك أن تشاركنا قوّتك. ستكون دعما جيّدا."

بقي فرانكنشتاين يحدّق إلى باسل لوقت طويل ثم تنهّد أخيرا. مع أنّه حاول بكلّ جهد توضيح كيف يريد أن ينادى إلّا أنّ باسل لم يلقِ لذلك بالا واعتبره شيئا غير مهمّ. كان هذا في الواقع شيئا مزعجا للغاية بالنسبة له، لذا ازداد إزعاجه أكثر ثم غادر بسرعة.


"سيكون البقاء هنا ألما في المؤخرة فقط."

غادر فارنكنشتاين بسرعة كبيرة للغاية مختفيا عن الأنظار بدون إجابة باسل. أمّا هذا الأخير فعاد للداخل للتكلّم مع معلّمه قليلا حول مآل الفتاة الصغيرة. وبعد المناقشة لبعض الوقت، فهم أنّه يجب وجود أداة معيّنة قبل أن يقوم إدريس الحكيم بإزالة التلوّث.

فعندما سيزيل التلوّث سيبدأ العدّ التنازلي الذي ستحتاجه الفتاة لبلوغ المستويات الروحية. ولكن بما أنّ النقاوة التي بها قويّة للغاية فستكون المدّة المتاحة لها أصغر من عام الذي يكون في الحالات الطبيعيّة.

إضافة لحاجتها لهذه الأداة عندما تريد أن تخترق للمستويات الروحية، فبدون تلك الأداة سيكون هذا مستحيلا. وفي النهاية ستموت من النقاوة عندما ينتهي العدّ التنازلي.

لذا كان الخيار الأكثر حكمة هو ترك التلوّث بما أنّ الفتاة الآن في حالة من التوازن. والبحث عن هذه الأداة ثم إيجادها في أسرع وقت ممكن قبل أن يحدث للطفلة شيء غير متوقّع.

بادر باسل الحديث مجدّدا: "يا معلّمي، أيمكنني طلب خدمة منك؟"

استغرب المعلّم ثم حدّق إلى باسل. فبما أنّ باسل قالها بهذا الشكل، إذًا لابد وأنّ ذلك لا علاقة له بالتدرّب بالمسار الروحيّ. ابتسم إدريس الحكيم وأجاب: "قل لي ما هي أوّلا."

عبس باسل قليلا وتذكّر حرب الاسترداد ضدّ عائلة غرين. لم يكن محبَطا بسبب الحرب نفسها، وإنّما من آثارها، وخصوصا على تينك الطفلتين الصغيرتين اللتين لا تعلمان شيئا. أصبحتا تعيشان في رعب لا يوصف ولا يطاق بعد مقتل عائلتهما.

قال بعدما تنهّد: "أريدك أن تمحي ذاكرتيْ طفلتين."

نظر إليه إدريس الحكيم بعمق وقال: "وهل طلبتا ذلك منك؟"

لم يرفع باسل وجهه وظلّ عابسا بينما يحدّق إلى الأرضيّة التي يجلس عليها. لقد فعل ما يتطلّبه الأمر فقط لتنمية هذا العالم. وبالطبع بعد إزاحة عائلة غرين عن الطريق تغيّرت الكثير من الأشياء وبدأ ازدهار جديد ينبثق في الإمبراطورية منتشرا إلى العالم.

ولكن كلّ ذلك لا يعني أنّه لم يحرم طفلتين من والديهما. هو أيضا فقد والده بدون أن يعرفه حتّى وكان ذلك قاسيا كفاية، وخصوصا عندما يرى عناء أمّه ومشقّتها. كم من ليلة رأى أمّه تبكي لوحدها وتتحسّر؟ وكم كره رؤية تلك الدموع تسقط من عينيها؟ ذاب قلبه وانصهر بكلّ قطرة تنزل من جفنها.

وُلِد بعد يوم فقط من مقتل أبيه، لذا كان يحسّ بالعجز كثيرا عندما تنتحب أمّه؛ أصبحت ذكرى مولده تصاحب ذكرى موت والده. كانت أمّه قد تزوّجت والده للتوّ فقط وكانا سيحتفلان بمولده بفرح، ولكنّ كلّ ذلك أصبح في مهبّ الرياح بسبب الدمار الشامل. كلّ ذلك بسبب الشياطين.


ولهذا كان باسل له كره عميق تجاه الشياطين. لم يكن السبب المباشر هو مقتل أبيه، وإنّما ما نتج عن ذلك من معاناة ومقاساة مرّت به أمّه كلّ ليلة. وحتّى الآن، لم يستطع باسل مسامحتهم أبدا. وما كان يحرّكه ليوحّد هذا العالم بسرعة كبيرة هو ضمان سلامة أمّه والعالم الذي تعيش به أوّلا والمقربين منه ثانيا.

هناك أشخاص لا يعدّون عانوا مثل مصيره، لذا كان يتفّهمهم ويحسّ بهم. كلّ واحد منهم سيكون بحرقة لاذعة شاعرين أنّه شلال من الجحيم يرمي بمياهه الحارة التي تصهر روحهم. وإن كان يستطيع أخذ حقّه وحقّ أمثاله بيده، فذلك سيكون واحدا من أهدافه في الحياة. وسيفعل أيّ شيء لا يخالف مبادئه ومثالياته لتحقيق ذلك.

وبالطبع كلّ هذا كان سببا في معاناته هو الآخر؛ كان هو الشخص الذي يسبّب التوجّع للآخرين. كم من عائلة جعلها تخسر فردا منها؟ المئات. وكم شخص قتل في حربه الأولى بيده؟ المئات إن لم يكن الآلاف. كان ذلك قاسيا للغاية على قلبه الشابّ.

جرّب القتل بعمر الثالثة عشر، ولولا الموقف اليائس آنذاك لما قتل، ولكن لكلّ شيء بداية. وفي عالم يعمّه القتل والنهب، كان أخذ حياة الآخرين أمرا اعتياديا. ومع ذلك، القتل يبقى قتلا مهما كان السبب، ولا يغيّر حقيقة سلب أحدهم من أعزّائه. لا يغيّر أيّ شيء حقيقة أنّه جعل عائلات عديدة تشعر بالفراغ.

حدّق إدريس الحكيم إليه لمدّة طويلة بدون أن يجيبه باسل عن سؤاله. أكمل بعد رؤيته حالة تلميذه: "لا شخصَ أزليّ أبديّ بل أمديّ، فلا فانٍ سرمديّ. من قاتل يجب أن يستعدّ ليُقتل، ومقتله لا يقع على كتفيْ قاتله. كلٌّ وخياره، فكلٌّ ومآله."

حافظ باسل على قطبه ثم رفع أخيرا رأسه ونظر إلى معلّمه بنظرات شاخصة لا تعرف معنى التردّد. قال بنبرة حادّة لكن محترمة: "يا معلّمي، كلّ ما قلتَه منطقيّ. يبقى الأمر أنّني لا أريد إراقة الدماء والخطو للأمام كأنّني لم أفعل شيئا. ذاكرتي لا تنسى، وكلّ ما يمكنني فعله هو تذكّر وجه كلّ من مرّ به نصلي والتقت به عيناي.

"...ذلك ليس عطفا منّي، وإنّما حزم وعزم. سأتسلّق طريقي بينما أحمل ذلك الجبل، ولن ألقيه بعيدا فقط لأنّه ثقيل، فلقد بنيته بيديّ. ولا ريب في غدوّه أضخم وأوْزَن، لكنّني أؤمن أنّه سيكون ذا نفع ذات يوم."

تنهّد إدريس الحكيم ونظر إلى باسل. كانت مهمّته كمعلّم له إرشاده وجعله يتّبع الطريق المنشود، ولكن لا يمكنه فعل أيّ شيء بشأن مساره الروحيّ. فكما قال سابقا: كلٌّ وخياره، فكلّ ومآله.

كلّ ما عليه فعله هو إرشاده نحو الطريق الصحيح كي لا يضلّه مستقبلا أبدا. وغير ذلك، كل شخص حرّ في كيفية إنجاز ذلك. كان هذا المسار الروحيّ ولا يمكن للكلّ الاتفاق على اتخاذه بوتيرة ومنهج واحد.


تحدّث إدريس الحكيم: "طريق صعب ذاك الذي تنهجه. وفوق كلّ شيء، هل طلبت منك الطفلتين؟"

عبس باسل وقال: "لم تفعلا، لكنّي أريد منحهما هناء لتعيشا في سعادة. لن يكون هذا تعويضا منّي لأنّني لن أستطيع فعل ذلك أبدا. وبالأحرى، سيكون ذلك استعدادا لتواجها هذه الحقيقة في المستقبل."

عبس إدريس الحكيم ثم قال: "تريد مسح ذاكرتيهما مؤقتا؟"

وقف باسل ثم قال: "بعدما تبلغان المستويات الروحيّة وتكونان مستعدّتين لمواجهة الحقيقة، فأنا لهما في أيّ وقت احتاجتاني فيه. لو أرادتا الانتقام عندئذ فسأمنحهما الفرصة لذلك. وحينئذ يمكنني القول أنّني على الأقلّ لم أسلبهما كلّ شيء."

نظر باسل إلى النافذة التي دخل منها ضوء إشراق الشمس، والذي أنار الغرفة في لحظة، ثم اجتاحت رياح المكان كأنّها تحمل فألا سيّئا. تنهّد باسل مرّة أخيرة وقال: "على العموم، لقد أدخلت نفسي في هذه الفوضى بإرادتي. ولم يعد يهمّ إن كان يزعجني أو لا يعجبني، ففي النهاية لا شيء بدون مقابل في هذا العالم. لا يمكنني الهدف إلى شيء بدون تضحية."

حدّق إليه إدريس الحكيم لمدّة طويلة. لقد كان هذا الفتى غير اعتياديّ حقّا. كانت شخصيته أكبر من سنّه بكثير وتفكيره واسع الأفق. وكان هذا هو الشيء الذي أعجب إدريس الحكيم في باسل من الوهلة الأولى – شخصيته.

استدار المعلّم بعد مدّة من التحديق إلى باسل المغمور بشتّى المشاعر المتضاربة، وقال: "لك ذلك. سأختم ذاكرتيهما حتى تبلغان المستويات الروحيّة. وعلى كلّ، استعدّ جيّدا لما ستواجهه مستقبلا؛ فكلّ من اتّبع مثل هذا الطريق صنع بحارا من الدماء وجبالا من الجثث، ولكن ولا واحد منهم حمل مثل هذا الحمل الثقيل حتّى النهاية؛ لأنّهم إمّا ألقوه بعيدا وتخلّوا عن كلّ مبادئهم أو ددممّروا أنفسهم ذاتيا من الإرهاق."

لم يجبه باسل وأخذ النصيحة ثم خزّنها في أعماق عقله وروحه. لقد كان يعلم ما ينتظره، إلّا أنّه ارتأى أنّ ذلك هو الطريق الوحيد الذي سيمكّنه من تحقيق أهدافه. هناك العديد من الخيارات الأخرى، ولكن لا يمكنها أن توصله إلى الأوج. فقط بذلك الحمل الثقيل يمكنه المضيّ قدما في الطريق الشاقّ متحمّلا كلّ مصاعبه.

لقد كان ذلك نوعا آخرا من طريق الأقوياء، وأحد الأكثر مشقّة وقساوة. لقد كان طريقا متعبا للغاية وطويلا إذْ كان السير فيه بطيئا بشكل لا يوصف. فبعد كلّ شيء، لم يكن ممكنا التقدّم دون حمل كلّ ما سبق ومررت به. كان هذا شكلا آخرا من المسار الروحيّ.


***

بعدما أنهى إدريس الحكيم عمله، دخل باسل لغرفة فوجد الطفلتين تقبضان كفّ بعضيهما بعضا وبعينين فارغتين. ابتسم بليونة في وجههما بعدما نزل ليتساوى معهما، ثمّ قال بصوت منخفض وهادئ: "كلّ ما فعلته هو إعطاؤكما فرصة، فإمّا تعيشان هكذا لبقيّة حياتكما، أم تختاران أخذ حقّكما. لقد حرصت على ضمان الاثنين معا لكما لتختارا أيّ واحد هو أفضل لكما في المستقبل."

ربّت على رأسيهما قبل الوقوف والاستدارة مغادرا. لقد انتهى عمله هنا كلّيّا وحان الوقت ليبدأ الاستعداد للحرب الشاملة. ستكون تلك هي المعركة النهائية ضدّ حلف ظلّ الشيطان، أو على الأقل سيحرص على أن تكون كذلك.

كل ما ومن يعيق نموّ هذا العالم الواهن سوف يُزال، وكان حلف ظلّ الشيطان هو العرقلة الكبرى، فكان الاصطدام المباشر به قادم لا محالة، سواء عاجلا أم آجلا.

وبعد أسبوع فقط، تأكّد أنّه كان عاجلا.

***

قبل أيّام قليلة، كان هناك شخص يقف بغابة أحيطت بالجبال العملاقة، وامتدّ عبرها نهر واسع بدا كتنّين مائيّ يقطع طريقه بسرعة كبيرة. وقف هذا الشخص هناك بينما يحيطه هدوء كبير للغاية، وغلّفته هالة بنفسجيّة داكنة من جميع الجهات. وفي لحظة، انطلقت هذه الهالة ممتدّة من جسده نحو الأرجاء، فتدمّر كل ما مسّته كما لو لم يكن موجودا.

أصبحت الجبال غبارا والنهر واديا، واختفت الغابة كما لو قد تعرضت للمحق. كلّ ما تبقّى كان هذا الشخص والأرضية أسفل قدميه. بدا كملك دمار يمكنه هدم كلّ شيء. ظهرت الوديان بخطوِه، واختفت الحياة بتلويح منه.

صار المكان الذي حلّ عليه هدما وأنقاضا، وكلّ ما ومن وقف في طريقه هُدِم. لا، بل دُمِّر، وأصبح غير موجود كما لو لم يكن قبلا.


كان هذا الشخص عبارة عن شابّ أسمر. رمقت عيناه السوداوان العالم بضوء أرجواني غامق، فبدا كمخلوق جبّار سامٍ يمكنه حكم العوالم التي لا تحصى وبلوغ الأعالي الأقاصي ليقف فوق جميع المخلوقات كسيدهم. بدا كحاكم أسطوريّ يمكنه ركوب التنانين الذهبيّة وأمر الأعراق السامية.

كان الشابّ ذو البشرة السمراء بجمال لا يضاهى، وشعره الأسود الحالك الطويل جعل أكثر النساء فخرا وتكبّرا تخجل من نعت شعرها بالأفضل. أمّا سمرته فقد كانت برّاقة بنقاوتها وتلمع بانعكاس الضوء عليها. ساحر كالليل ومتألّق كنجوم سمائه المظلمة.

كان شابّا يجعل النفس تغرق بظلام عميق بلمحة منه، ويصيبها بالفزع بحملقة منه. كان له جمال خلّاب، لكنّ هذا الحسن امتاز بنظرات شيطانيّة حادّة. كلّ ذلك زاد من هيبته وعمقه.

حدّق الشابّ إلى السماء عاليا ثم قال بصوته العميق: "يوما ما، سأبلغ السيادة العظمى. يوما ما، سأطبع قدمي في كلّ الأراضي المحرّمة والواهبة العتيقة. ويوما ما، سأحكم كلّ العوالم وأبلغ سموّا جليلا."

نظر إلى الأفق كما لو كان يبصر ما لا يُرى ثم أكمل: "لقد كان الدمار الشامل مولدي الحقيقيّ، وكان أحد السادة العظماء مرشدي السامي. سوف أبلغ مقاما عاليا ولن أخيب أملك أيها السيد العظيم 'إبلاس'."

كان هذا الشابّ هو ظلّ الشيطان، 'هدّام' الضَّروس.

فجأة، ظهر أربعة أشخاص وأحاطوا به بينما يركعون على ركبة واحدة. كانت أعينهم تنظر إلى الأسفل كما كانت رؤوسهم موجّهة نحو الأرض. بعثوا جوّا ثقيلا على الضعفاء، وهيبة زادت من وقارة الشابّ الأسمر. بدا كفاتح استسلم له ملوك قُهِروا على يده.

تكلّم أحد منهم كان بصوت غليظ: "لقد أنهينا كلّ استعداداتنا يا سيّدي. مُرْ تُطَع، تمنّى وسيتسنّى." كان هذا الشخص أحد القدماء الكبار، وكان هو أقواهم. كان هو نفس الشخص الذي دخل في انعزال سابقا.

لم ينظر إليهم ظلّ الشيطان وواصل التحديق إلى الأفق فقط. بدا كأنّه لا يهتمّ بأيّ شيء في هذا العالم. كلّ شيء بدا سخيفا بعينيه ولم يكن هناك شيء يمكنه زعزعة رزانته. كان جبلا متراصّا لا يتزحزح.

استدار فجأة ولوّح بيده قائلا: "إنّها الحرب الشاملة."

وقف القدماء الكبار الأربعة كلّهم مرّة واحدة ثمّ قالوا بصوت هادئ يحمل تبجيلا للشخص أمامهم: "هذه كلمتك فلا مفرّ. فلتكن حربا شاملة."................ يتبع!!!

(الجزء السادس)

افترقوا آخذين اتجاهات مختلفة. كلٌّ منهم ذهب لوضع اللمسات الأخيرة قبل الانطلاق. وبعد ذلك تبقّى ظلّ الشيطان لوحده مرّة ثانية. خفض جسمه وحمل حفنة تربةٍ من الأرض، ثمّ حكّها بيده لقليل من الوقت بينما يتمتم: "لو اضررت، فَلَأجعلَنَّها كلّها تربة ميّتة. أمسى يوم مبيت هذا العالم روحيّا قريبا، وغدا أجل مغادرتي هذا العالم على الأبواب."

صنع فتحة في قبضته التي تمسك حفنة التربة فانسلّت منها هذه الأخيرة ببطء. بدا حينذاك كما لو كان يتخيّل صورة كلّ ما ومن يقف في طريقه ومصيرهم. كانت له الثقة الكاملة بنفسه ولم يمكنه تخيّل هزيمته أبدا.

***


بالعودة إلى الوقت الحالي، تحرّكت قوّات حلف ظلّ الشيطان من أرخبيل البحر العميق متوجّها بأعداده المهولة من سحرة المستوى السادس وقادتهم من المستوى السابع، إضافة لبعض سحرة المستوى الثامن، وأخيرا قدماؤهم الكبار الذين أحاطوا شخصا اختبأ في الظلال – ظلّ الشيطان، هدّام الضَروس.

ظهرت يده السمراء من الظلال مشيرة نحو إمبراطورية الشعلة القرمزية، وبعد أسابيع قليلة ظهرت سفن هذا الأسطول العظيم في الأفق. صدر صوت من ناحيتها دبّ الرعب في القلوب: "أيا زئير، أرسل تبريقا كبداية ! "

أجاب شخص بصوت مزمجر: "أتى الأمر ونُفِّذ." كان هذا هو الشخص نفسه من القدماء الكبار صاحب الصوت الغليظ. صرخ الأقدم الأكبر زئير بصوته الغليظ وأمر: "أيها الرخ، أرهم ما لديك ! "

لقد كان هذا هو مستدعي طائر الرخ العملاق الذي كانت تركبه فضيلة كرم. لقد كان هذا الطائر وحشا سحريّا في المستوى الحادي عشر، وكان مشهورا في العالم الواهن. وخصوصا بعد المجزرة التي شملت آلاف الرحّالة السحرة، والتي حدثت قبل خمسمائة سنة. لقد كان مستواه غير معلوم لهم ولكنّهم كانوا متأكّدين أنّه يمكنه إبادة كلّ قوّاتهم العظيمة بجنرالاتها بسهولة.

طار شخص من ساحل الشعلة القرمزية بينما تحيط به النيران من كلّ جهة. كان هذا باسل بالطبع. تكلّم بصوت رزين: "يبدو أنّ مستدعيك قد أتى هذه المرّة أخيرا. فلنرَ قوّتك الحقيقيّة إذًا يا وحش المستوى الحادي عشر."

لقد كان هذا طائر الرخ. طائر لم تكن شهرته من فراغ. فحسب بعض التقديرات، لقد كان هذا هو أقوى وحش سبق ورآه سكّان هذا العالم. وظنّ بعضهم أنّه كان حاكم قارّة الأصل والنهاية.

لقد كان طائرا يحمل فيلة الصحراء الميّتة التي كان مستواها عاليا للغاية، إذِ كان سحرة المستوى السابع مجرّد وجبة لها. كان يحمل هذه الفيلة فقط بمخالبه العملاقة، ويقتلها مباشرة بعد ذلك بالرغم من درعها الطبيعي الذي يحيط بجسدها كجلد لا يُخترق من أقوى أسلحة سحرة هذا العالم.

كان ذلك مرعبا للغاية. كان يمكن تخيّل حجمه العملاق. لقد كان يبدو كسحابة ضخمة في السماء لو كان واقفا دون تحرّك. ولكن عندما كان يحلّق بدا كعنقاء يمكنها رمْد كل ما يوجد في طريقها.

كانت سرعته لا ترى سوى من طرف قلّة بالرغم من ضخامته. وفي لحظة واحدة جعل السماء ترعد والبرق يسقط. أصبحت السماء مظلمة وتساقطت الصواعق البرقيّة واحدة تلو الأخرى بسرعة لا مثيل لها. استهدفت كلّ هذه الصواعق السحرة بالأسفل.


ولكن، ولا واحدة منها نجحت في قتل ولو ساحر واحد. كان لذلك سبب؛ كلّ رؤساء العائلات واجهوا هذه الصواعق بدون تركها تصل للأرض حتّى. وخصوصا الجنرال رعد والجنرال براون إضافة للرئيس تشارلي. كلهم كانوا مستخدمي عنصر البرق، لذا كان لهم التأثير الأكبر في الدفاع. وكلّ هؤلاء الرؤساء استخدموا أسلحة أثريّة.

كلّ هذا حدث في لحظة فقط، ولم يدرِ ما حدث سوى سحرة المستوى السادس فما فوق. ومباشرة بعد ذلك غيّر الرخ وجهته وانطلق للأعلى. كان توقّفه عن التقدم نحو باسل فجأة صادما؛ فلم يهم كم كان مسرعا، فقط باستخدامه لذيله استطاع تغيير مساره بخفّة ودقّة متناهيتين. بلغ ارتفاعا شاهقا ونزل من جديد. وهذه المرّة أحاطت به العواصف والسحب البرقيّة. أصبح كوحش سامٍ أتى من عالم أرقى.

تكوّنت العواصف بسرعته المهولة وتساقطت الصواعق برفرفة من جناحيه الواسعين. سقط بجسده العملاق وقوّته الخرافية منطلقا بسرعة هائلة. وبذلك كان قد ثقب الهواء وكان قد بلغ باسل في لحظة واحدة.

بووم

لم يعلم أحد ما حدث حتّى ارتطم جسد باسل بجبل قريب فحطّم قمّته. كانت هذه القمّة مشوية كالفحم تماما بسبب برق الرخ العملاق. لم يتوقّف جسد باسل عند ذلك الحدّ وحلّق لأميال حارثا الأرض حتى غُرِس بها مكوّنا حفرة عميقة.

كان مصير باسل للحاضرين مجهولا بعد هذا الهجوم. وكلّ من كان بمستوى ضعيف نسبيا وجد ركبتيه تخذلانه بفشلهما عن دعمه فسقط أرضا راضخا.

اتّسعت أعين جميع الحاضرين مهما كانت قوّتهم. كلّهم أحسوا بالوهن أمام هذا المخلوق العظيم وشعروا بالارتجاف والقشعريرة. حتّى أشجعهم كاد يفقد بسالته . لقد كانت تلك قوّة هائلة وهجمة يمكنها إبادة كلّ ما يوجد بين السماء والأرض.

ظهر باسل فجأة من الأنقاض بملابس محترقة ولكن بجسد سليم. نفض الغبارَ عنه كما لو لم يحدث شيئا، ثمّ انطلق بعدما استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ بسرعة لا ترى بالعين المجرّدة. لقد كانت سرعته في مستوى مختلف كلّيّا عن قبل.

بعد أخذه الخطوة الأولى توّلدت قوة دفع دارت لتصبح دعما له. واستمرّ ذلك إلى أن كان قد قطع مسافة أميال، وبذلك الوقت كان قد أصبح لا يرى من قبل سحرة المستوى الثاني عشر حتّى واختفى تماما من بصرهم.


وفي اللحظة التالية التي ظهر بها، صنع ارتجاجا في الهواء وكوّن قنبلة صوتية. كان قد استخدم لكمة حملت عنصر التعزيز والنار معا دعِّما بالفنّ القتاليّ الأثري ليرسل طائر الرخ عائدا من حيث أتى.

بووم

لقد كان ذلك طيرا عملاقا لكنّ لكمة باسل استخدمت الامتداد الكلّي لتشكيل قبضة هائلة استطاعت منافسة حجم الوحش السحريّ الضخم. وفقط بهذه اللكمة جعل المشاهدين مصعوقين، إذْ كان قد حطّم عظاما من الرخ وحرق لحمه.

لقد كان ذلك عنصر التعزيز الذي بلغت طاقته قسم المستوى الثالث عشر النهائيّ، إضافة لعنصر النار بالمستوى الثامن والمعزّز، ثمّ الفنّ القتاليّ الأثريّ الذي بلغ الغصن الثاني. كان يمكن تخيّل القوّة الناتجة عن لكمة بالامتداد الكلّيّ استخدمت كلّ تلك الوسائل. كلّ ما كان ينتظر العدوّ هو التحطّم.

حلّق الرخ عائدا إلى سيّده زئير رغما عنه، إلّا أنّه استخدم ذيله ثمّ ركل الهواء فخلق دوّامة أوقفت تحليقه المُجبَر وأعادت له توازنه من جديد. كان تلك دوّامة مكوّنة من درع غير مرئيّ للبشر العاديين؛ أمكن السحرة شبه رؤيتها فقط لأنّهم يستطيعون الشعور بالطاقة السحرية الخالصة القادمة منها.

كانت هذه قدرة طائر الرخ. سابقا كان وحشا الفتخاء لهما قدرة في صنع حواجز غير مرئية تمكّنهم من السير عليها والتحكّم في شكلها كما يريدان. كانت قدرة طائر الرخ تعمل بنفس الطريقة. فبدل اكتساب عنصر ثانٍ تكسب الوحوش السحريّة قدرة تعمل بالطاقة السحرية الخالصة.

بدت هذه الدوّامة التي صنعها الرخ بلا قعر كما لو كانت ثقبا أسودا يمكنه بلع كلّ شيء. وأمكنه التحكّم فيها متلاعبا بها كما شاء. رفرف جناحيه فولّد سحبا أحاطت بهذه الدوّامة فجأة، ثمّ اندمجت معها بدون أن تبتلع هذه السحب البرقيّة.

تحوّلت الدوّامة لإعصار دار بسرعة كبيرة للغاية. كان هذا الإعصار أبيضا وفجأة تكهربت الصواعق به وتحوّل لونه للأسود. صار كفم للجحيم يحاول ابتلاع كلّ ما يوجد على الأرض. كان ذلك إعصارا يمكنه إبادة سحرة المستوى العاشر بكلّ سهولة. لقد كان ذلك أحد أقوى هجمات طائر الرخ العظيم.

ضرب طائر الرخ بذيله مرّة أخرى ورفرف بجناحيه، وفي لحظة أصبح من الإعصار الصاعق الأسود عشرة من مثله. تحرّكت الأعاصير كلّها مرّة واحدة وأحاطت باسل في غمضة عين بدون ترك أيّ فرصة له للمراوغة. لم يعد هناك أيّ مهرب له آنذاك وكان عليه مواجهة هذا الهجوم الذي يستطيع تحويل سحرة المستوى الثاني عشر لرماد.


شحن باسل عنصريْ التعزيز والنار في آن واحد لأقصى حدّ. فبلغ أوّلهما المستوى الرابع عشر، وثانيهما وصل للمستوى الثامن. تجمّعت كلّ تلك الطاقة حول جسده معطية هيبة كبيرة له. كان في تلك اللحظة كمخلوق أصله النار يمكنه حكم العوالم ومحق المخلوقات.

ارتفعت هالة عنصر التعزيز أكثر بإجبار من باسل بالرغم من سعله بعض الدماء حتى بلغت قسم المستوى الرابع عشر النهائيّ. وفي ذلك الوقت بدأ يعزّز النار التي شحنها بسرعة كبيرة للغاية.

لم يكن عنصر التعزيز محدودا لذا كان تضخيم كمّيّة عنصر النار المشحون غير محصور. وبذلك ازدادت هالة عنصر النار لتبلغ المستوى الثالث عشر في النهاية. حدث كلّ هذا في الوقت الذي احتجته الأعاصير للوصول إلى باسل، وبالطبع ذلك لم يستغرق سوى لحظات جدا بالرغم من المسافة التي بينهما.

كلّ الأعاصير التي بلغت باسل بعدما كانت قد أحاطت به من جميع الجهات أصبحت واحدة فصنعت قبّة سحابيّة سوداءً استوطنها عالم من الصواعق والثقوب السوداء التي لا تحصى. كلّ ذلك كوّن هجوما مدمّرا أمكنه محو كل حياة على مدى عدّة أميال بدون ترك أيّ أثر.

ابتسم الأقدم الكبير زئير وتحدّث بفخر: "قبّة الإبادة السوداء ! حتّى لو لم يمت ذلك الفتى فسيكون في طريقه إليه بعد نجاته."

صُنِع واديا هائلا فجأة وتغيّرت التضاريس المحيطة. كما لو أنّ نيزكا استهدف هذه المنطقة. أصبحت الأرض حالكة السواد كأنّها حُرِقت بنار من الجحيم. كلّ شيء أصيب بذلك الهجوم أصبح معدوما.

حرّك الأقدم الكبير زئير يده آمرا الرخ: "يكفي ذلك كتحيّة."

عاد الرخ ليطير فوق الأسطول مظلّلا العديد من السفن بجناحيه الواسعين. ضرب بذيله فصنع دوّامة ليجلس فوقها باديا كحاكم للسماء ومحتقِر للمخلوقات أسفله. فبدا كسحابة ضخمة حقّا لكبره عندئذ.

انتظر الكلّ بفارغ الصبر ما سيحدث تاليا، وكلّ الأعين كانت على الوادي الأسود كالفحم. لم يكن هناك من لم يستوطنه الفضول. كان ذلك الفتى شهاب أملهم ونور ظلمتهم، وفقدانه يعني خسارتهم المؤكّدة. لم يهم إن كان قائدا أم جنديا، كلٌّ على حدّ سواء دعا لسلامته.


انجلى الغبار أخيرا فظهرت بعض الشعل الضخمة. وبعدما ظهرت الصورة كلّها بشكل واضح أخيرا، فتح الجميع أفواههم من الصدمة لِما رأوه من مشهد لا يصدّق. لم يستطع أيّ أحد تفسير ما ذلك الشيء الذي يبصرونه.

أمام ناظر كلّ واحد منهم، ظهر مجسّم ناريّ اتّخذ شكل إنسان. لا، انتظر، لقد كان ذلك مجسّما لجسد باسل في الواقع. كما لو أنّ باسل قد أصبح ضخما للغاية وصار أحد العمالقة الجبابرة من الأساطير.

لم يفهم أيّ أحد حتّى الآن كيف استطاع باسل فعل مثل هذا الأمر الذي لم يسبق لأحد منهم وأن رآه. كان ذلك عجيبا كثيرا وأكثر الأمور غرابة اختبروها في كامل حياتهم.

تكلّم واحد منهم بدون شعور: "هل كان أحد أسلافه عملاقا من الخرافات أم ماذا؟"

بلع الجميع أرياقهم وتحمّسوا لدرجة كبيرة. أمّا العدوّ، فكانت ردّة فعله متوقّعة. لم يكد يصدّق أحد منهم أيضا ما شهده. وخصوصا الأقدم الكبير زئير، فهو الشخص الأعلم بمدى قوّة ذلك الهجوم بما أنّه اضطر للتعامل معه قبل إخضاع هذا الوحش السحريّ.

لقد كان ذلك أحد أفضل هجمات طائر الرخ إن لم يكن أقواها.

بعدما صُدِم الجميع بما حدث وانتظروا الحركة القادمة من المجسّم الضخم، تضاءل هذا الأخير بسرعة كبيرة للغاية ليظهر باسل على الأرض محاطا بلهب باهت.

حدّق باسل إلى يديه ناظرا إلى الهالة المحيطة به باهتمام ثم ابتسم. كان راضيا نوعا ما عمّا فعله قبل قليل. كما لو أنّه جرّب شيئا ما واستخلص النتيجة التي أرادها. لقد كانت تلك تقنية جديدة استخدمها.

حدّق إليه الأقدم الكبير زئير من بعيد ثم عبس بعدما لاحظ التقنية التي استعملها باسل قبل قليل. لقد كانت تلك تقنية يمكنها صدّ مثل ذلك الهجوم الذي عانى هو منه فيما قبل. لولا تقنية الخضوع الخاصة بعنصر الاستدعاء التي خوّلته قمع طائر الرخ لما استطاع ترويض مثل هذا الوحش السحري المرعب.

تكلم باسل بعد ذلك بأريحيّة: "كلّ القوات، استعداد."

ضخّم مكبر الصوت صوته فانطلق أمره عبر جيش مئات آلاف السحرة الذين لم يكن من بينهم ولا جنديّ طبيعيّ. أيّ شخص في هذه الحرب الشاملة حاليا كان ساحرا ولو كان بالمستوى الأول.

صدر صوت من الظلال من جهة العدو حاملا معه ثقلا مهيبا: "تراصٍّ ! "


نزلت قوات العدو قريبا من الشاطئ واتخذوا عدّة تشكيلات كل واحد منها بعث الرعب في نفوس الخصوم. كانت روحهم ضاغطة وتحمل معها عزيمة متناهية. كانوا كالحجارة المتراصّة التي كوّنت جبلا غير متزحزح.

كلّ تشكيل استوطن الرعب والفزع، جاعلا إيّاهما سلاحيه المطلقين أمام العدوّ. كلّ طبعة من أقدام الجنود تركت طابعا مهيمنا في قلوب سامعيها كالطبول السامية التي تستطيع بترددها توليد المصفوفات الصوتية وتدمّر ما بين السماء والأرض.

وفي الجهة المقابلة، تحرّكت القوّات بناء على أمر باسل وتشكّلت مجموعات عدّة، وفي مقدّمتها كان هناك تشكيل تكوّن من خمسين ألف ساحر أضعفهم كان بالمستوى الخامس. لقد كان ذاك تشكيل قاتل الدم القرمزيّ. لم يكن ذلك اسم التشكيل في الواقع وإنّما أطلِق عليه ذلك فقط لأنّه تشكيل باسل.

حدّق باسل إلى التشكيل ثم ابتسم راضيا. لقد فاق تطوّر التشكيل في العام الأخير توقعاته. فكلّ المواهب العظيمة بكامل الإمبراطورية اجتمعت بهذا التشكيل ليغدو هذا الأخير قوّة هائلة يمكنها مستقبلا عبور صحارى الأموات السوائر (السائرين) والتعمّق في بحار السُود السامية ثم ركوب سماء التنانين الإمبراطورية والعنقاوات الرامدة.

وبعد ثوانٍ، عمّ الصمت ساحة المعركة بالكامل كما لو أنّ كلا الطرفين يتقاتلان بنياتهما فقط جاعلين ذلك الهدوء مقشعَر منه. وكان ذلك علامة واضحة على الهدوء قبل العاصفة. استمر ذلك السكون لمدة تصل لحوالي ثلاث دقائق كاملة والتي مرّت عليهم كثلاثين سنة في الجحيم.

كلّ شخص هنا أحس بنيّة قتل مئات الآلاف من السحرة، وبعضهم ذوي المستويات المرتفعة التي طغت هالاتهم ونيات قتلهم فتلاحمت بوسط الساحة لتجعل من كلّ الأخريات معدومة. فقط الهالة والنيّة الأقوى من كانت قادرة على الصمود في وجه مثل هذا الاحتدام الروحي الشرس.

وبعد لحظات، سُمِع صوت همس آتٍ من بعيد يكاد لا يُسمع. وبعد ثوان أخرى ارتفع الصوت ليظهر أنّه همذ وهسهسة كان سببها جيش ضخم للغاية. اقترب هذا الجيش من خلف جيش إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بسرعة كبيرة جدا حتى بلغه.

كان يتقدّم هذا الجيش شخصان ارتدى واحد منهما درعا فضّيّا والآخر درعا ذهبيا. كان صاحب الدرع الفضّيّ ببشرة ناصعة وزهراء يمكنها عكس أشعة الضوء بإبهار رائع، وكلّ خطوة منه كانت تبيّن رُفعة مولده ومكانته بين من ورائه. كان هذا الشخص هو الإمبراطور أزهر شيرو.


أمّا الآخر، فحمل ضغطا معه كما لو كان وحشا برّيّا اتخذ شكل إنسان. همجيّته ونيّة قتله الطبيعيتين أوضحا علوّه عن باقي البشر الآخرين. كان يملك نظرات حادّة لا يمكن امتلاكها سوى بالمرور من الموت لعدّة مرّات قبل بلوغ مرتب عالٍ. كان هذا الشخص هو الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس.

كلا الإمبراطوريتان الأخريان انضمّتا أخيرا للمشاركة في الحرب. وبدونهما لم يكن ممكنا تسمية هذه المعركة بالحرب الشاملة. ولم يحوي جيشاهما رجلا طبيعيّا أبدا واقتصرا أيضا على السحرة فقط. ومن الآن فصاعدا، لن يكون هناك حرب يشترك فيها السحرة والناس الطبيعيّون معا.

كان هذا قانون يصنع نفسه ويثبت مكانته بين السحرة. فالناس الطبيعيّون لا يملكون أ]ّ قدرة في مواجهة السحرة، ولو كانوا بأعداد هائلة فسيكونون بلا حيلة أمام ساحر بالمستوى الخامس.

ففي العوالم الروحيّة ينقسم العالم لاثنين، أحدهما خاصّ بالسحرة ولا يشترك به الناس الطبيعيّين، والآخر خاصّ بالناس الطبيعيّين ويتدخّل فيه السحرة لأنّ لا جني منه وفائدة.

انتهى أخيرا الهدوء، فكسِر مرّة أخرى بتحليق من الرخ الضخم، ولكنّه هذه المرّة حمل معه مستدعيه – الأقدم الكبير زئير. معا اثنيهما كانت قوّتهما لا يمكن مقارنتها مع التي أظهرها الطائر لوحده سابقا.

وبالطبع، كلّ ما فعله الأقدم الكبير زئير هو كسر السكون بتحرّكه؛ فمباشرة بعد ذلك تحرّكت جبال العدوّ المتراصّة فجلبت معها وزنها العظيم لتسقط به على خصومها. وكذا فعل جيش الثلاث إمبراطوريات المشترك، هو أيضا رمى بنفسه على الجبال المتراصّة كالحِراب والنبال التي تستطيع اختراق صلب الأرض وبلوغ علو السماء.

اهتزّت الأرض من التصادم العنيف مشيرة إلى بداية المعركة الضارية الضَّروس. وبدأت موسيقى الموت تطلق بأنغامها عبر الساحة بدون توقّف. وكلّ ما كان يُرى بالأعلى كان اللون الأحمر لا زرقة سماء الصيف الحارقة.


تلطّخت الساحة بشلالات من الدماء بعد لحظات فقط من بدء القتال وسقطت صواعق وقنابل صوتية من طائر الرخ دعمتها عواصف أتت من زئير بدت كأسود مجنّحة تريد قطع كلّ ما في طريقها. فصُنِعت ضوضاء وضجّة لم يختبر أحد منهم مثلها من قبل.

كان تشكيل قاتل الدم القرمزيّ بالجبهة يأخذ القيادة باختراقه تشكيلا من العدوّ مكوّنا من آلاف سحرة المستوى السادس واحدا بعد الآخر متيحا بذلك الطريق للتشكيلات التي ورائه.

ولكن جيش الحلف كان يملك تشكيلات أقوى من التي يملكها الجيش المشترك عدا تشكيل قاتل الدم القرمزي؛ لذا مهما فتح هذا الأخير الطريق لحلفائه لم يستطيعوا التقدّم أبدا ودائما يجدون أنفسهم محاصرين ليحاولوا الاختراق من جديد.

وبالطبع، ما زاد الأمر صعوبة كان الأقدم الكبير زئير الذي اتخذ السماء طريقا والرخ مركبا. أصبحت المنطقة حوله سوداء حالكة فشحن طاقته السحرية لأوجها مطلقا العنان لكلا عنصريه. انطلق عنصر الرياح عبر سلاحه الأثري وعنصر الاستدعاء الذي أعطى للرخ طاقة كافية ليستخدم هجوما مدمّرا آخرا.

وفي لحظة، تكوّنت قبّة الإبادة السوداء، ولكنّها كانت مختلفة نوعا ما هذه المرة، فهذه المرّة شملت عنصر الرياح أيضا الذي جعل من الثقوب السوداء بالداخل أكثر قوّة أكثر فتكا بكلّ ما تلمسه أو تجذبه عنها بالرغم عنه لتمحيه من الوجود.

وفي هذه الأثناء، ارتفعت أفعى كوبرا مجنّحة للسماء حاملة فوقها خمسة أشخاص. قفز أربعة منهم كانوا شاحنين طاقاتهم لأوجها أيضا وشاحذين إيّاها بأسلحتهم السحرية. كان هؤلاء الأربعة هم الإمبراطور شيرو والجنرالات تشارلي، وبراون، وأخيرا الجنرال رعد.

رفع الإمبراطور شيرو سيفه الأثري ذو الدرجة الثالثة للأعلى ثم خبط به تجاه قبة الإبادة السوداء بكلّ ما يملك من قوّة وطاقة. انطلق موجات من المياه واحدة تلو الأخرى لتكوّن بعد ذلك رماحا عملاقة يمكنها المرور عبر كلّ شيء كما لو كانت الشيء الأحدّ. وفي الآن ذاته، عوت الكوبرا المجنّحة وأطلقت ريشها القاسي مغلّفا بالمياه التي كانت أكثر قوّة بكثير من تلك التي تكوّنت منها الرماح السابقة.

ولم يكن هذا الريش المائي مجرد ريش عاديّ، بل كان صلبا لدرجة لا تصدّق وبدا كسيوف سحريّة. وبعد ذلك مباشرة، استخدمت الكوبرا المجنّحة قدرتها فأصبح الريش فجأة هو والماء أسودين كالحبر.


ولم يتوقّف الأمر عند ذلك. أطلق الجنرالات الثلاثة معا هجومهم المزدوج الذي اختلط بالرماح المائية فصارت هذه الأخيرة فجأة صواعقا مغلفةً بدرع مائي يدور بسرعة كبيرة للغاية. كانت هذه الرماح قهّارة وغلّابة. وكذا الأمر مثله حدث مع الريش الأسود فأصبح كشظايا نيزك منطلق بسرعة البرق.

وحتّى بعد كلّ هذا لم ينتهِ هجومهم المشترك. تحرّكت أنمار أخيرا ثم أدارت التعاويذ الذهنية الروحية ومنحتها كميّة طاقة سحريّة خالصة كبيرة، ثم لكمت عدّة لكمات متتابعة تجاه القبّة، فانطلقت ذبذبات اهتزازيّة حملّت وزنا هائلا. كلّ تلك الاهتزازات كانت كضغط وجاذبية يمكن سحق أيّ شيء.

صرخت أنمار أخيرا ثم لكمت اللكمة الأخيرة التي انطلقت كقبضة عملاقة مخترقة الهواء باهتزاز يستطيع التهام وإبادة كلّ ما في طريقه. كانت هذه القبضة الاهتزازية قادرة على سحق الجبال. كانت هذه قبضة ناتجة عن استخدام للفنّ القتاليّ الأثريّ 'سحق الأرض' بقمّة الغصن الأوّل، وهذا الفنّ مستمدّ من الفنّ القتاليّ السامي – سحق الخلق.

جابهت هذه اللكمة قبّة الإبادة السوداء باحتكاك عنيف لا يصل لنتيجة، فبلغت بعد ذلك الرماح الصاعقة والريش الأسود البرقيّ ليزيدا من قوّة الهجوم. كان هذا الهجوم المشترك بين الخمسة والذي استطاع ذبح سحرة بالمستوى الثاني عشر حتّى. فمع الفنّ القتاليّ الأثريّ، كانت قوّة هجومهم لها تأثير كبير.

بووم

تفجّرت القبّة في السماء فجأة فصمّت آذان الحاضرين جميعا وتركت معظمهم مصعوقا. وبعد ذلك مباشرة، انطلقت دوامات من الانفجار فنزلت على ساحة المعركة جاعلة من قوات الجيش المشترك تتلقّى خسائرا كثيرة. وخصوصا تشكيل قاتل الدم القرمزيّ.

استغلّ جيش الحلف هذه الفرصة وتوغّل لصفوف عدوّه فشرع في قتل جنوده بسرعة كبيرة. لقد فتح لهم الأقدم الكبير زئير الطريق أخيرا بعدما كانوا يعانون من تشكيل قاتل الدم القرمزيّ. كانت تلك اللحظة المناسبة تماما لإعطاء العدوّ ضربة قاسية صعبٌ التعافي منها.

انطلقت الكوبرا المجنّحة فحملت الإمبراطور شيرو والجنرالات الأربع معا ثم ارتفعت مرّة أخرة للسماء متّجهة نحو طائر الرخ بسرعة كبيرة. وفي المقابل، بقي الأقدم الكبير زئير على وحشه السحريّ بدون تحرّك منتظرا عدوّه بأريحيّة.

كان واثقا من نفسه للغاية ولم تكن ثقته هذه من فراغ. قفز الخمسة معا واستخدموا نفس الهجوم المشترك من قبل، لكنّ ذلك كان بلا فائدة بعدما استخدم خصمهم فنّه القتاليّ الأثريّ أيضا رفقة هجوم مشترك بينه وبين طائر الرخ. كان فنّه هذا يُستخدم بسيفين أثريّين معا. حرّكهما وصرخ: "فنّ السيف، التقاطع الأسود."

انطلقت هالة السيفين فتكوّن سيفان من التعاويذ الذهنيّة الروحيّة حملا معهما أحكاما طبّقت قواعدها على الوجود وغيّرت منه. اندمج السيفان مع سحره وسحر وحشه السحريّ ثم أصبحا سوداوان بعدما كانا شفّافان. فالتقيا أخيرا عند قبضة الاهتزاز الآتية من أنمار والمصاحبة للرماح الصاعقة والريش الأسود الحالك.

اختِرَقت القبضة التي يمكنها سحق الجبال ثم تشتّت الرماح والريش فبلغ التقاطع خمستهم بقوّة أضعف من التي كان عليها في البداية، لكنّها كانت كافية لقطع دروعهم والوصول للحمهم.

صرخ الأربعة إلّا أنمار التي حمت نفسها بفنّها القتاليّ بعد صفعها التقاطع مكوّنة حاجزا هزّاز. وفي ذلك الوقت، وجد الأقدم الكبير زئير نفسه فجأة يواجه أعدادا مهولة من الرماح الصاعقة والريش الأسود ولم يكن لديه وقت للدفاع ولا للهرب. تحتّم عليه تلقّي الهجوم وتمنّي النجاة فقط.

ووووش

مرّت الرماح عبره فجرحه بعضها والبعض الآخر تلقّى صدّا منه عن طريق سحره وطائر الرخ، أما الريش الأسود فاستهدف الوحش السحريّ نفسه ثم اخترقه بتراكم مهول من الريش الذي كان أسهم آتية من مئات السحرة.

اخترقته أسهم الريش هذه حتى بلغت عظامه جاعلة إيّاه يصرخ من الألم القاسي. وبعد ذلك مباشرة تفجّرت هذه الأسهم بداخله. انطلق سائل أسود كالحبر من جروحه بدل دمه ثم تجمّد في لحظة خروجه.

أصبح طائر الرخ كدجاجة مخترقة بإبر سوداء من جميع الأنحاء. لقد كان ذلك السواد الذي أحاط بالريش هو قدرة الكوبرا المجنّحة، وهذه القدرة خوّلتها التلاعب بمدى صلب ريشها أو عنصرها المائي، وفوق ذلك، كلّ شيء يصاب بهذا السواد يجد نفسه مسمَّما بسمّ قويّ للغاية.

بدأ الرخ يتساقط من السماء وضعُفت حالته كثيرا، وعندما ازداد وضعه سوءا وبدأ يقترب من الموت تبخّر مختفيا كما لو لم يوجد من قبل. ألغِيَ استدعاؤه لعدم قابليّة مستدعيه على الإبقاء عليه أكثر من ذلك، بالإضافة لاقتراب الوحش نفسه من الموت.

كلّ هذا حدث بسبب غفلة الأقدم الكبير زئير عن وهم أنمار. فهذه الأخيرة قامت بالتحايل عليه بجعله يظنّ أنّهم يقومون بنفس الهجوم ببساطة، لكنّه لم يتوقّع أنّ الرماح الصاعقة والريش الأسود الذي محاه كان في الحقيقة مجرّد وهم. أمّا الشيء الحقيقيّ كان متوجّها إليه بدون أن يعلم حتّى استطاع أخيرا الرؤية عبر وهم أنمار لارتفاعه في المستوى عنها بكثير، فوجد نفسه متأخرا عندئذ.

ارتفعت الكوبرا المجنّحة حاملة الخمسة معا مرّة أخرى، فاتجهوا كلّهم مرّة واحدة نحو الأقدم الكبير زئير بسرعة كبيرة للغاية. كانوا هم أيضا في حالة غير جيّدة، ولم تكن جراحهم من الهجوم السابق سهلة وكانت في الواقع بليغة. كانت هذه هي فرصتهم الأخيرة للقيام بهجمة أخيرة.

زبااام

وفي تلك اللحظة، تلقّى خمستهم صفعة قويّة جعلتهم والكوبرا المجنّحة يعودون للأرض بسرعة كبيرة جدا. لقد كان ذلك هجوما من باقي القدماء الكبار مجتمعين. هجوم مشترك بين سحرة في المستوى الحادي عشر.

(هي في الواقع الأقدمون الكبار وليس القدماء الكبار، لكنّني فضّلت استخدام القدماء لأنّها تبدو لي أفضل فقط لأنّ الأقدمون تبدو طويلة وسيّئة.)

ارتطم الخمسة والوحش السحريّ بالأرض بقوّة ثم تقيّؤوا الدماء بكثرة.

أصبح الجنرالان تشارلي وبراون إضافة للإمبراطور شيرو في حالة لا يرثى لها، أمّا الجنرال رعد فقد كان قادرا على الصمود أكثر، وأنمار استطاعت النجاة أيضا لحماية نفسها بفنّها القتاليّ الأثريّ. فعندما أحسّت بضربة العدوّ لم يكن لها وقت كافٍ لتحمي الآخرين معها أيضا.

لقد انضمّ كلّ القدماء الكبار أخيرا للمعركة. لم يريدوا أن يخسروا واحدا منهم - وأقواهم في الواقع - بهذا الوقت المبكّر من الحرب، فذلك سيكون سيّئا للغاية. طالما مازال حيّا يمكن معافاته من جديد ليشارك مرّة أخرى في المعركة.


تقدّم باسل فجأة ثمّ وقف أمام أنمار وقال: "لقد قمتم بعمل جيّد حقّا أمامه. ذلك كافٍ للآن."

حدّقت إليه أنمار ثم تنهّدت. لولا امتلاكها لفنّ مستمدّ من فنّ قتاليّ سامٍ لما كان لهم فرصة في الحقيقة. فحتّى بامتلاك العدوّ فنّ قتاليّ أثريّ، كان أصل فنّه هذا أصلا أثريّا لا غير. فإمّا يطوّره هو إلى فنّ قتاليّ سامٍ بعدما يبلغ درجة معيّنة، أم سيبقى دائما في المرتبة الأثريّة بدون تقدّم.

وعلى العكس، كان فنّ أنمار يتطوّر مع نموّها بدون أن تحتاج لتطويره بنفسها. لأنّه متكامل أصلا وأصله سامٍ. وبسبب هذا كانت الفنون التي أصلها فنّ قتاليّ سامٍ بفعاليّة أكبر وإتقان أمثل وهجمات أقوى.

بدأت هالة باسل ترتفع طاقتها شيئا فشيئا. تكلّم آمرا آنذاك: "عالجوهم. سوف أذهب لأجعل أجل هذه المعركة قريبا."

استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ ثم انطلق بقنبلة صوتية مختفيا عن الأنظار ليظهر أمام القدماء الكبار الثلاثة فجأة. وفي لحظة، ارتفعت طاقة عنصريه لأوجها ثم لكم بكامل قوّته.

بدت في الأوّل كلكمة سحريّة عادية، لكنّها تغيّرت فجأة لتصبح قبضة ضخمة متجهة نحوهم بحمل ثقيل وبقوّة دفع مهيبة. كانت هذه القبضة نارية ولون لهبها كان أزرقا؛ فكانت حرارتها أكبر بكثير من تلك التي تبعثها النار البرتقالية التي كان يطلقها باسل عادة.

بووووم

أرسِل الثلاثة محلقين لأميال بدون أن يعلموا ما حدث. كانت هذه القبضة كبيرة للغاية كما لو كانت تعود لعملاق. وبمشاهدتهم لهذا الهجوم القادم من باسل، تذكر كلّ شخص موجود المجسّم العملاق الذي ظهر سابقا؛ فهذه اليد بدت كأنها تعود لذلك المجسّم في الواقع.

شحن باسل طاقته مرّة أخرى واستمرّ في فعل ذلك هذه المرّة لوقت أطول. قال بعد ذلك بصوت هادئ: "والآن..." ارتفع صوته فجأة وأصبح غليظا وحمل ثقلا رهيبا: "لتبدأ إبادة الأرواح الفقيرة."


كان ارتفاع وغلظه صوته لسبب؛ كان ذلك لأنّه تحوّل لعملاق ناريّ برتقاليّ يمكنه محق السحرة أسفله كالحشرات. بدا كأنه مخلوق سامٍ أتى من أرض العمالقة الأسطورية من عالم أرقى. وبخطوة منه كان قد حصد أرواح العديد من سحرة المستوى السادس في طريقه إلى القدماء الكبار.

تجمّع العديد من السحرة من المستوى السادس لمواجهته متّحدين ليجابهوا حجمه الضخم والمهيمن، لكنّهم لم ينجحوا أبدا وتعرضوا للانهيار. كل الهجمات السحرية منهم ارتدّت على المجسّم العملاق بدون أن تخلّف أيّ تأثير. لقد كان ذلك المجسّم العملاق شيئا استطاع النجاة من هجوم طائر الرخ الهائل وبسهولة، فكيف له أن لا يتحمّل هجمات سحرة من المستوى السادس؟

تحرّك كأنّه جبل عتيق يمكنه تحمّل كلّ شيء، سواء أكانت صواعقا أم طوفانا، سواء أسقطت السماء أم انهارت الأرض، فسيبقى ثابتا دائما مهما حدث. تقدّم المجسّم على هذا النحو.

ومع أنّه كان ضخما، فلم يكن بطيئا، بل وكانت سرعته كبيرة خصوصا عندما استخدم باسل فنّه القتاليّ الأثريّ. كان من الصعب التحرّك بهذا المجسّم العملاق، ولكن عند تدوير التعاويذ الذهنيّة الروحيّة أصبح يملك قوّة دفع جعلته يقطع الأميال بلحظات فقط، ولم يكن يقلّ سرعة عن تلك التي يتحرّك بها عند استخدام الغصن الأول.

كان القدماء الكبار الثلاثة بدون أيّ جروح على الإطلاق بالرغم من تحليقهم لمسافة بعيدة بفعل ضربة باسل السابقة. كانوا يشحنون طاقاتهم السحرية، فرفعوها لأوجها بدون أيّ بخل أو استهانة بالعدوّ أمامهم؛ فذلك كان خارج الحسابات كونهم شعروا بطاقة عنصر التعزيز غير المعقولة القادمة من ذلك المجسّم.

عبست فضيلة كرم بعدما طارت رغما عنها وتذكّرت معركتها ضد باسل سابقا. لقد كان حدسها صائبا، وبرؤيتها لما آلت إليه الأمور الآن، علمت كم كان مهمّا القضاء على هذا الفتى حينذاك. فبعد شهور قليلة فقط من ذلك الوقت، تطوّر لمستوى آخر كلّيا.

تكلّم أحد القدماء الكبار الثلاثة بصوت رزين: "يا كرم، فلتقودينا فأنت من لك خبرة في قتاله." كان صاحب الصوت رجل عجوز لكنّه بدا مفعما بالحيويّة أكثر من أيّ شاب عادي. غطّت عضلاته البارزة عمره وأخفت تجاعيده ليبدو أصغر من عمره بعشرات السنين.

حدّق إلى الشخص الثالث ثم قال بهدوء: "ليس لديك اعتراض يا طايكوتسو؟"

فتح طايكوتسو أحد عينيه ثم نظر إلى فضيلة كرم بملل كأنّه لا يهتمّ بأيّ شيء قبل أن يقول: "وهل هذا يهمّ، مهما يكن . " كان هذا الشخص شابّا بالعشرينات من عمره فقط. وفي الواقع، لقد كان أصغر القدماء الكبار سنّا. كان يبدو كأنّه ملول من العالم وما فيه، وليس هناك ما قد يثير اهتمامه.


حافظت فضيلة كرم طوال الوقت على قطبها ولم تزح نظرها عن باسل الذي يقاتل آنذاك سحرة المستوى السادس، ثم قالت بعدما سمعت الاثنين ناظرة إلى العجوز: "سآخذ المبادرة بما أنّك طلبت هذا أيها الكبير ديميور."

أزاح الأقدم الكبير ديميور بعد ذلك القميص عن كتفيه فتعرّى نصفه العلويّ، وبمجرّد ما أن فعل ذلك حتّى عصر نفسه، فأصبحت العضلات البارزة ضخمة وبدا كأنّه سينفجر، وكانت عروقه عريضة بادية كأنّها ثعابين تتخلّل جلده. وفي هذه الحالة، لم يبدُ عليه الهدوء ولا الرزانة. كلّ ما أصبح يُرى وينبعث منه كان إرادته الصلبة ونيّة قتله الثقيلة على كلّ النفوس.

انبعثت منه هالة عظيمة، وفارت منه نار هائلة كما فعل مزاجه إذْ أصبح غاضبا فجأة. فقبل قليل كان يبدو هادئا ورصينا إلى حدّ كبير، ولكنّه أصبح هائجا على حين غرّة، وحتّى عينيه اختفت منهما الحدقتان وتبقّى الأبيض المحمرّ فقط.

كما لو كان يخزّن غضبه هذا لسنين فلمّا واجه عدوّه اللّدود قرر إفراغه عليه كلّه مرّة واحدة.

وفي الجهة الأخرى، لم تتغيّر تعبيرات الشابّ الملول واستمرّ في حمل سيفه الأثري على كتفه بدون اهتمام. لم يكن يضع في الحسبان موته من حياته. لم يكترث لمصير هذه الحرب حتّى. لقد كان شخصا ضجِرا من الوجود وما فيه.

ومع ذلك، ارتفعت طاقته أيضا بسلاسة لا تصدّق. كانت كالنهر بجريانه، وكالبحر بعمقه. كان تحكّمه فيها لا يُتصوّر. تمكّن بتحرّكه جذب وجرّ كلّ شيء كما يحلو له، وبسكونه استطاع إغراق أمهر الموهوبين في ظلماته الحالكة. كان يقود إلى الموت بهوادة وبلا صعوبة.

انطلقت هالة فضيلة كرم أيضا لتزرع الفزع في قلوب الأعداء وتزيد من عزيمة الحلفاء. ولم تتجرّأ على عدم استخدام أيّ ورقة تملكها. ارتفعت طاقة عنصريْ السحاب والظلام في آن واحد حتّى بلغا الذروة، ثم أدارت تعاويذها الذهنية الروحية لتستخدم فنّها القتاليّ الأثريّ.

وفي لحظة، كانت قد تفاهمت عبر خاتم التخاطر مع الاثنين الآخرين قبل أن تختفي في الظلال، ساعية بذلك لتحقيق مرادها بخفاء بدون ارتخاء.

تضخّم جسد الأقدم الكبير ديميور أكثر فأصبحت عضلاته كبيرة للغاية. بدا كأن لكمة واحدة منه قادرة على جلب العواصف وقلب الأرض محدِثا الزلازل. أمكنه في حالته تلك حرث الأرض واختراق السماء. كان كمخلوق يجسّد القوّة الخالصة نفسها.


لم يعد هادئا أبدا ثم صرخ بصوت مرتفع في الأثناء التي تقدّم باسل بها نحوهم: "فتريني براعتك يا فتى، ولنرَ من منّا يستخلص إمكانيات عنصريْ التعزيز والنار جيدا." ظهر درع حول ذراعيه؛ لقد ذاك سلاحه الأثريّ.

انفجرت النار فجأة ليقطع الأقدم الكبير ديميور مسافة الأميال في لحظة واحدة بالغا المجسّم العملاق. سحب ذراعه الممتلئة بالعضلات والمغلّفة بسلاح أثريّ من الدرجة الخامسة، ثم كوّن قبضة تستطيع هدم جبل بضربة واحدة منها، فلكم بها ثاقبا الهواء مخترقا الصوت، مصاحبا ذلك بنار زرقاء تستطيع حرق الرماد نفسه، محوّلة إيّاه لعدمٍ.

لكمة واحدة منه فقط جعلت الكثير من السحرة يتعرضون للقتل بما أنّهم أتوا في طريقها أثناء تنفيذها، وضغطه الرهيب حينها أرهب العديد وحطّم من إرادة الكثير. صمد سحرة المستوى السادس فقط، وأمّا الباقي فقد ركع على الأرض من شدّة ثقل الهالة الفظيعة.

بووم

التقت تلك اللكمة الهائلة من ذراعه بجسده الضخم مع قبضة من المجسّم الناريّ العملاق. فنتج عن ذلك ارتداد أرسل المئات محلّقين في الأرجاء وأفقد العشرات وعيهم. لم يكن هناك الكثير من يستطيع تحمّل مثل هذا الضغط الرهيب الذي نتج عن تصادم لنفس العنصرين.

وخصوصا عنصر التعزيز. فالتقاء بين لكمتين معزّزتين عنى الاصطدام الحادّ المرافق لتحطيم حاجز الصوت وهدم الجبال. ولاسيما لكمتين من مثل هذا المستوى.

زباام

ارتدّ المجسّم للوراء كما فعل جسد ديميور أيضا. والصدمة التي نتجت عن ذلك محقت الأرض بينهما فجعلتها حفرة واسعة غير عميقة كانت قبرا فوريّا للعشرات من السحرة الذين لم ينجوا من هذا التصادم العنيف.

ارتفع فجأة ظلّ من تحت المجسّم الناريّ العملاق محاولا اختراقه برمح ثلاثي الشعب. صاحب هذا الرمح صواعقا وظلاما، ورعدا يكون قنابلا صوتية واحدة تلو الأخرى بلا توقّف.


استطاع هذا الظلّ المرور بليونة عبر كلّ شيء، وصاحب معه قوّة هجوميّة كبيرة للغاية. وفي لحظة، استطاع التوغّل لقلب المجسّم العملاق وإلحاق الضرر مباشرة بجسد باسل الفعليّ.

زجنــــن

احتكّ الرمح ثلاثي الشعب بحاجز أحاط بجسد باسل الحقيقيّ قبل أن تتركّز طاقة سحرية من كلا عنصري النار والتعزيز بالحاجز، ليسطع كثيرا قبل أن ينفجر مرسلا الظلّ محلّقا تجاه الأرض غارسا إيّاه بها.

صغُر حجم المجسّم الناريّ العملاق بعد هذا الانفجار فصار أصغر بالنصف. لقد كانت تلك الطاقة التي استنزفها باسل لحماية نفسه هي السبب في هذا. فلولا تركيزه على ذلك لكان قد تعرّض لجرح بليغ.

لم يتوّقف الأمر عند هذا الحدّ. ظهر فجأة الشابّ طايكوتسو فوق باسل بينما يجلس متربّعا، محمولا برياح هادئة، وشاحنا طاقته إلى أوجها مستعدّا لإلقاء هجمة قاضية. فهجمتا فضيلة كرم وديميور لم تكونا سوى إلهاء فقط. لقد توقعوا أنّ باسل سيكون قادرا على صدّ مثل تلك الهجمات، ولكنّهم هدفوا لإضعافه فقط واضعين ثقتهم بالهجوم الذي سيأتي من الأقدم الكبير الشابّ.

وقف الشابّ طايكوتسو أخيرا ثم التفّت حوله الرياح دائرةً بسرعة كبيرة للغاية، فتكوّن إعصار حوله. وفجأة، تقلّص الإعصار كما لو كان يتجمّع ويتركّز في نقطة واحدة. فظهر مرّة أخرى طايكوتسو بينما يحيط به خيط رفيع من الرياح. كان هذا الخيط الرفيع يهتزّ بتردّد لا يصدّق، باديا كأنّه قادر على قطع أيّ شيء يلمسه كالورق، بل كما لو أنّه يستطيع المرور من خلال كلّ شيء وليس يقطعه في الواقع.

كان هذا الخيط الرفيع بلون أزرق فاتح أقرب إلى الأبيض. لقد كان ذلك دمجا لعنصريْ التعزيز والرياح. إحدى إمكانيات عنصر الرياح كانت تسخير سرعة الريح في إنشاء العواصف والأعاصير بحدّة لا تصل إليها أيّ أعاصير أخرى في العالم، ثم أضاف عنصر التعزيز إلى ذلك.

وبعد ذلك استخدم إمكانية عنصر التعزيز؛ سمحت له هذه القدرة بتحويل جسده لرصاصة يمكنها أن تنطلق عبر تفريغ لطاقة عنصر التعزيز نفسه. كما لو أنّه يُفرغ طاقة عنصر التعزيز على حين غرة بكمّيّة كبيرة ليكون قادرا على قذف نفسه لمكان معين.

وهذه المرّة كان هذا المكان هو المجسّم العملاق. لقد كان كرصاصة تستطيع اختراق الجبال والمرور عبر البحار. وضع الشابّ طايكوتسو سيفه الأثريّ بالدرجة الخامسة أمامه ثم انطلق بدون إحداث أيّ ضجّة.

رفع المجسّم الناري العملاق ذراعه نحو الأعلى واستعد لإلقاء لكمة نحو الرصاصة القادمة. وفي لحظة قبل الاصطدام، تغيّر اتجاه هذه الرصاصة فتفادت القبضة الهائلة، ولم تنخفض سرعتها بل وزادت في الواقع.

لقد كانت إمكانية عنصر التعزيز التي يستخدمها طايكوتسو هي السبب في ذلك. فهي كانت تشبه الامتداد الكلّيّ الخاص بباسل نوعا ما. فبينما كان باسل يرسل طاقته بامتداد، كان طايكوتسو يرسل نفسه عبر مسار يستطيع تحديده بطاقة عنصر التعزيز.

وبإمكانه توجيه مسار هذه الطاقة في أيّ وقت.

زبووم

اخترقت الرصاصة المجسّم العملاق عموديّا، ولم يستطع الصمود أمام هذه الهجمة التي فجّرت العواصف والأعاصير فجأة بداخله. فعندما مرّ طايكوتسو عبر المجسّم الناريّ، أطلق العنان لكلّ تلك الرياح المركّزة. فأصبح المجسّم هباء منثورا، واختفت شرارات لهبه بمهبّ الرياح.

*ماا... ذا؟

استوطن الرعب قلوب الحشد. لقد كان ذلك هجوما يمكنه اختراق أقسى الجبال، وبلوغ أعمق ما في البحار، وتسلّق أعالي السماوات. ولهذا لم يكن بيد من شاهد هذا الهجوم حيلة سوى الارتجاف وتمنّي عدم مواجهته أبدا.

ولكن، لم يكن الشيء المثير هو صدمة المشاهدين، وإنّما كان ارتعاد أولئك المقاتلين الثلاثة. هؤلاء المقاتلون لم يكونوا بجانب جيش الإمبراطوريات المشترك، بل كانوا المقاتلون الذين كانوا في هذه المعركة أنفسهم. لقد كانوا القدماء الكبار الثلاثة فضيلة كرم، والعجوز الحيويّ ديميور، إضافة للملول طايكوتسو.

كادت أوجههم تذبل من الارتعاب من المشهد الذي أصبح واضحا بعد انجلاء الغبار والدخان. وخصوصا وجه الملول طايكوتسو الذي لم يبدُ أنّ السبب الوحيد للتعابير الشاحبة التي تعتليه هو الصدمة. وبعد اتضاح كلّ شيء على المرأى، علم كلّ شخص موجود ما آلت الأمور إليه حقّا. فأصبحت الصدمة اثنتين، وكانت الثانية أقوى من الأولى.

لقد ظهر باسل سليما معافى محلّقا بالسماء كما لو أنّه لم يتعرّض لأيّ ضرر على الإطلاق من الهجوم المشترك للقدماء الثلاثة. كان هذا الشيء هو بداية الصدمة الثانية.

وبعد تلك اللحظة، لاحظ العديد من الأشخاص حالة الملول طايكوتسو. صرخ أحدهم دون أن يدري: "كيف له أن يكون في تلك الحالة بعدما كان صاحب الأفضلية بهجمته الصاعقة تلك؟"

كان الملول طايكوتسو ممدّدا على الأرض بجرح يمتد على طول جسده بمنتصفه. كما لو كاد يُقطع لنصفين بشيء ما. وعند التفكير في هذا الأمر، اقشعرّت الأجساد وهابت المجهول الذي لا يُهاب أكثر منه في هذا العالم.

لقد كان ذلك أقدما كبيرا بالمستوى الحادي عشر استخدم أقوى هجمة له على الإطلاق، والتي جعلت منه رصاصة يمكنها اختراق أي شيء. وهذا يعني أنّ جسده كان منيعا أمام كلّ ما يواجهه، ولم يكن ممكنا تعرّضه ولو لخدش واحد.

ولكن الواقع أمامهم جعلهم يحاولون التأكد من مدى واقعيته. لقد كان هذا أصدم شيء رأوه في حياتهم كلّها. لقد رأوا شيئا لا يصدّق ومستحيلا قد حدث لذا احتاجوا لوقت من أجل استيعاب كلّ ذلك. فبمرور اللحظات في الحرب، أصبحت معايير ومقاييس العديد من الأشياء التي كانت ثابتة لوقت طويل تتغيّر.


بعد رؤية حالة الملول طايكوتسو، عادت النظرات لتسقط على باسل المحلّق. وهذه المرّة حاولوا بذلك معرفة السبب وراء حال طايكوتسو. وأوّل شيء لاحظوه كان ما يمسكه باسل في يده. لقد كان يحمل رمحا خشبيّا غريبا.

تساءل كلّ شخص عن ماهية هذا الرمح الخشبي وحاولوا معرفتها لكنّهم لم يفلحوا. ومباشرة بعد ذلك، لاحظوا شيئا آخرا.

تكلّم أحدهم كان أوّل شخص أدرك هذا الشيء الآخر: "انتظروا، ألم يكن لدى الجنرال الأعلى عنصريْ النار والتعزيز؟"

ردّ آخر عليه: "لمَ تسأل عن مثل هذا الشيء الآن وذلك معروف؟"

ازدادت حدقتا الشخص الأول اتساعا لمّا تأكّد بالجواب، فرفع أصبعه مشيرا إلى باسل قائلا بشكل هيستيري: "إذن لمَ أرى رياحا ترفعه وليس عاصفة النار التي كانت تفعل ذلك قبلا؟ ! "

رُكِّزت كلّ الأنظار بعد ذلك التصريح على باسل، وبصر كلّ واحد منهم طفو باسل في السماء بفعل رياح مع أنّه مستخدم لعنصريْ النار والتعزيز. أُهدِر تفكيرهم وتوقّف عقلهم عن العمل كلّيّا.

طفا باسل في السماء بهدوء أحاط به هذه المرّة، على عكس الضجيج الذي كانت تصنعه عاصفة النار عند رفعه، وحدّق إلى القدماء الكبار أسفله بانحطاط تامّ. لم ينبس ببنت شفة، وأطال حملقته فاستمرّ ذلك طوال الوقت الذي استمرّت فيه صدمة القدماء الكبار الثلاثة أيضا.

بدا كسلطان مستبدّ لا يمكن بلوغه. كانت نظراته شاخصة ولا تعرف معنى التردّد. كانت عيناه الحمراوان تبدوان كنجمين يمكنهما جذب الضعيف والقويّ، وجعل كلّ شيء يختفي بجاذبيتهما. كان شعره القرمزيّ يتطاير مع الرياح، فكان يبعث شعورا كالهدوء قبل العاصفة. كان يبدو كلّ شيء تحت سلطته، ويستطيع تقرير فنائه من بقائه.

هلعت فضيلة كرم ونظرت إلى الملول طايكوتسو مرّة أخرى. لقد كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بالفعل. فالجرح الذي امتد من رأسه إلى أسفله كان عميقا للغاية وبشعا جدا. لم يكن من السهل شفاء مثل هذا الجرح، هذا إن كان ذلك ممكنا بعد النظر إلى الطاقة السحرية التي تفيض منه. كانت هذه الطاقة السحرية بقايا لما أتى من باسل، ولم يكن مستواها طبيعيّا.

أرادت فضيلة كرم التحرّك للذهاب برفيقها طايكوتسو إلى أبعد مكان عن باسل من أجل إسعافه، لكنّها وجدت نفسها مقيّدة بسلطة باسل. استبداده جعل من عزيمتها خاضعة له ومقموعة.

ونفس الشيء حدث للكبير ديميور الذي بدأ كبره يظهر عليه بعدما كان يشكّك الشخصَ في عمره. حتّى أنّ جسمه تقلّص كما لو أنّ عضلاته انفشّت. وعلى عكس فضيلة كرم التي كان باستطاعتها التفكير في رفيقهما، لم يستطِع إبعاد نظره عن العدوّ الذي قلب موازين المعركة بينهم في لحظة واحدة.

كان يظنّ أنّ هذا الفتى له نفس عنصريه لذا أراد تحدّيه، لكنّه تفاجأ لمّا رأى رياحا ترفع باسل. ولكن للتدقيق، لم يكن في الواقع تركيز بصر الأقدم الكبير ديميور على باسل، وإنّما كان على الرمح الخشبيّ الذي يحمله في يده. لقد كان ذلك الرمح داميا، فعلِم أنّ هذا الرمح هو ما كان مسؤولا عن إصابة رفيقه.

تآكل عقله من أسئلته الخاصة به وعدم وجود أجوبة لها، فارتعب أكثر.

شهق باسل على حين غرّة ثم زفر. وفقط بفعله لذلك، جعل ضربات القلوب تتسارع. فكلّ حركة منه الآن أصبحت ثقيلة جدّا على الحاضرين وغدت تحمل معها هيبة عظيمة.

وعندما أراد أن يتحرّك باسل أخيرا نحو القدماء الكبار المفزَعين، انفجر صوت من بعيد فظهر مسبّبه عن قريب. ومباشرة بعد ذلك تصارعت هالتان مع بعضهما فجعلت الساحة كلّها مشوّشة كأنّها ستتحطّم بإرادتين متضادّتين.

تجلّت سلطة هذا الشخص ونافس طغيانه استبداد باسل، بل وَفَاق ذلك فغطّاه. لقد كان له هيبة لا تقاس وهيمنة لا تنافس. فاستطاع حكم كلّ ما تواجد وتمكن من اجتياح كلّ ما شاهد. لقد كان حاكما بالفطرة وبالجدارة، وبمكانةٍ متراصّة لا يستطيع أحد هزّها.

لقد كان هذا الشخص هو ظلّ الشيطان، رأس حلف ظلّ الشيطان، هدّام الضَّروس.

كان توالي الأحداث التي لم تأخذ سوى دقائق قليلة مرهقا للمشاهدين. ومع ذلك، كان تلاقي أقوى شخصين في هذا العالم شيئا لا يمكن تحمّله وخصوصا من طرف سحرة المستوى الخامس فما أسفل. كلّ شخص تحت المستوى السادس انهار وسقط على ركبتيه من شدّة الضغط الذي ولّده التقاء إرادتيْ ساحرين من مستوى أكبر من الخاص بهم بأكثر من الضعف.

كان باسل لا يزال في السماء، أمّا ظلّ الشيطان فكان في الأرض أمام القدماء الكبار الثلاثة. حدّق إلى باسل بعينيه السوداوين ثم قال بصوته العميق الهادئ: "أنا ظلّ الشيطان، رأس حلف ظلّ الشيطان، وريث السادة العظماء، سلطان المستقبل، وحاكم التاريخ، أنا هدّام الضَّروس."

بادله باسل النظر ثمّ قال: "أنا باسل. هل يجب أن أكون مشرَّفا بلقائك؟"

"مشرَّفا؟" لم يتغيّر تعبير هدّام الضَّروس أبدا وأجاب بهدوئه الذي يهدِّئ العواصف ويروّض الوحوش السامية: "يمكنك اعتبار حالك ما تشاء، فالمصير مقرّر."


قال باسل بعد ذلك بنفس الهدوء: "لا أحب الاتفاق مع الأرواح الفقيرة في شيء، لكنّ المصير فعلا مقرّر."

استعمر السكون المكان من جديد للحظات بدت أبدية لوهلة، فكسرها أخيرا ظلّ الشيطان: "أخبرني، من مرشدك؟"

لم يجب باسل في الحال بعد السؤال، وأخذ بعضا من الوقت متبادلا فيه النظرات مع عدوّه. تكلّم أخيرا: "الأفضل ! "

"الأفضل؟" تعجب ظلّ الشيطان من السؤال فابتسم قبل أن يقول: "لا تجعلني أقول شيئا مبتذلا كأنّك ضفدع في قاع بئر أو أنّك لا تعرف اتساع السماوات والأرض."

بادله باسل الابتسام وقال: "لنترك ذلك للمصير. سنرى ذلك ولو كان متأخّرا."

قال ظلّ الشيطان محافظا على ابتسامته: "لا أحبذ الاتّفاق مع الأرواح المنافقة، لكنّنا فعلا سنرى."

كان الجوّ بينهما هادئا للغاية، واعتلت وجهيهما تعبيرات مرتاحة مريحة، فظهرا كأنّهما صديقان يمازحان بعضهما لوهلة. ولكن كلّ ذلك التوتّر المتولّد من كلماتهما وإرادتيهما لم يسمح أبدا للقلوب أن تهدأ وزاد فقط من هلعها. لقد كانت هذه المحادثة بينهما أوّل قتال لهما ضدّ بعضهما بعضا.

حدّق الطرفان إلى بعضهما بعضا لفترة من الوقت مرّة أخرى، وانتظر كلّ شخص خطوتهما التالية.

بووم

باام


لم يعلم أحد عمّا حدث بالضبط حتّى كان الالتقاء قد حدث مسبقا بينهما، وكان باسل قد طار لعشرات الأميال محلّقا، ثم ارتطم بتلّ تحوّل لحفرة عميقة بعد ذلك.


لم يعرف أي شخص غير أولئك الذين بلغوا قسم مستويات الربط الثاني فقط. لقد حدث الأمر بسرعة كبيرة جدا. فاتتْ أغلبَ الحاضرين بدايةُ القتال الحقيقيّ. وعلى عكس باسل الذي طار لعشرات الأميال بعيدا، لم يتزعزع هدّام الضّروس من مكانه فكان كجبل لا يمكن زعزعته.

لاحظ الجنرال رعد ما حدث فقال مرتعبا: "بدون شكّ، لقد كان ذلك عنصر التعزيز. ولكن، ما كان العنصر الآخر؟"

حملقت أنمار بهدّام الضّروس وحدقتا عينيها متّسعتين، ثم قالت بصوت متردّد: "ذلك... باتباعنا الوصف، فذلك يصبح مؤكّدا."

حدّق إليها الجنرال رعد ثم قال بارتعاد: "لا تخبريني أنّ... ! "

عبست أنمار ثم شدّت قبضتها قبل أن تقول بصوت مندهش جدا: "إنّه عنصر الدمار ! "

انبثق باسل فجأة بعد ذلك من بعيد وقال: "إذا هذا هو عنصر الدمار ! يا له من قدر. أنْ أحظى بفرصة لرؤيته خصوصا وهو عنصر نادر جدا في عالمنا بحدّ ذاته فما بالك ببقيّة العوالم التي لم يسبق لها أن حظيت به. مثير للاهتمام ! وكثيرا ! "

فشلت ركاب العديد وسُحِقت عزيمة معظمهم. فبعدما علموا الآن بظهور مثل هذا العنصر في هذا العالم، لم يستطع الكثير منهم التصديق بوجود أيّ أمل بعد الآن. ولكن، لا يمكن لومهم. فحسب التاريخ العتيق، كلّ من اكتسب هذا العنصر صار حاكم العالم الواهن أو على الأقل اقترب من ذلك.

لقد كان جميع السحرة مغرورين بالفطرة ومعتزين بأنفسهم كأشخاص فوق البشر العاديين، ولكن عندما ظهر في كلّ المرّات السابقة ساحر دمار، جعل من الكبرياء، والفخر، والغرور، وحتّى العزّ بالنفس أشياء بدون قيمة. كان هو صاحب التجبّر والتبختر، وحُكم باختيال فقوبِل بالامتثال.

لم يعلم أيّ شخص غير القدماء الكبار عن عنصريْ ظلّ الشيطان. ولهذا لم يكن يعلم باسل والآخرون عنه، فكانوا من المصدومين أيضا. وكانت الصدمة شيئا طبيعيّا عندما يُعلَن عن وجود ساحر دمار.

وفجأة، توقّف كلّ شخص عن الحركة فانقطعت كل معركة تماما متوقّفةً الحرب كلّها بذلك. سقطت الأنظار على هدّام الضَّروس وحرصوا على عدم تفويت أيّ لحظة. لم يكن ذلك من أجل المعرفة أم المراقبة، فكل ذلك مُحِي من عقولهم، ولم يتبقَّ سوى الخوف الذي جعل أجسادهم في قمّة أهبة استعدادها... استعدادها للهرب إلى أقصى ما يستطيعون بلوغه !

وعلى حين غرّة، تجمّعت طاقة هائلة على بعد أميال. جعلت هذه الطاقة الحاضرين ينسون مؤقّتا ساحر الدمار، ويلتفّون ليروا مصدرها وكيف لمثل هذه الطاقة أن تتواجد بهذا العالم. فإذا بهم يجدون الرمح الخشبي من السابق يتوهّج بنار زرقاء، وكانت عاصفة قد تكوّنت بالفعل حوله جاعلة النار تهتاج لتصبح أكثر فتكا.

ولكن، لم يكن هذا هو مصدر الطاقة المهولة من السابق. حدّق المشاهدون إلى عنصر تعزيز باسل فعلموا أخيرا السبب. لقد كانت تلك طاقة لا يمكن لأيّ شخص من هذا العالم استحمالها أو النجاة منها حتّى. تجاوزت كلّ المقاييس والمعايير فخلقت قانونا جديدا. جعلت من ميزان القوّة يختلّ بضراوة فأرعبت الجميع.

وفجأة، كان الرمح قد أصبح نصلا عملاقا للغاية. كانت حرارته غير مطاقة فهرب العديد من السحرة إلى مكان آمن. وكلّ من استطاع البقاء قريبا للمشاهدة شغّل كلّ وسائله الدفاعيّة. فلقد استنتجوا أنّه على الأغلب، سيكون هذا هو أقوى هجوم على مرّ تاريخ هذا العالم.

أصبح الرمح الخشبي باهرا في السماء الزرقاء، ولولا الملاحظة بدقّة جيّدة لما لُمِح تشابهه معها في اللون. أصبح هذا الرمح كقطعة من السماء الواسعة، كأنّه شظية منها. يمكنه تطبيق حكمه على كلّ ما يقع تحت السماء. لقد كان رمحا ساميا يستطيع الإجهاز على المخلوقات الجبّارة وقمع الخبائث الشيطانيّة.


عصر باسل نفسه في السماء الزرقاء ثم صرخ فاهتزّت الأرض بهالته وطاقته. صنع ضوضاءً أثقلت كاهل الحاضرين وأفشلت ركاب معظمهم. لم يهم إن كان الشخص حليفا أم عدوّا، كلّ على حدّ سواء، شعر بالهول. وكلّ شخص علم، أنّه لو نجى هذا الفتى من هذه الحرب، فلا شكّ أنّه سيكون قادرا على حكم هذا العالم. وبالطبع، نفس الشيء كان ينطبق على ظلّ الشيطان.

حرفيّا، كانت هذه المعركة بالنسبة لجميع الحاضرين هنا هي ما سيقرّر مصير عالمهم. ولا واحد منهم استطاع تكهّن مآلها. كانت هذه المعركة أكبر منهم بكثير.

وفي الوقت الذي انتهى به صراخ باسل، كانت شظية السماء العملاقة قد اختفت عن الأنظار. عادت لتصبح رمح مرّة أخرى. ولكن، كان واضحا جدّا أنّ هذا الرمح مختلف كلّيّا عن سابق عهده. وللدقّة، كان كما أنّه شظية السماء العملاقة بحجم أصغر.

طار باسل في دائرة بسرعة كبيرة جدّا فولّد قوّة دفع هائلة. فعلى ما يبدو، أصبح بإمكانه استخدام فنّه القتالي في السماء بما أنّ له القدرة على الطيران باستعمال عنصر الرياح، عنصره الثالث.

وفجأة، انبثق الرمح من العاصفة التي كوّنها باسل بدورانه. لم يستغرق هذا الرمح سوى لحظة حتّى كان قد بلغ مراده. وفي هذه اللحظة، كان قد شقّ السماء وعبر الفضاء مخلِّفا الانهيار وراءه فقط.

وبالطبع، كان هدّام الضَّروس في كامل استعداده له. أخرج سيفه القصير والذي شُكِّل كالهلال. ارتفعت طاقة عنصر التعزيز به فجعلته يسطع بشكل كبير. لم تكن طاقة عنصر التعزيز هذه بنفس المستوى التي كان لدى تلك التي أطلقها باسل، ولكنّها كانت أيضا هائلة.

أصبح السيف القصير هلالا ساطعا في يده هو سيّد الليل، وجعل من الظلام مستقَرّه، ومن النور سلاحه. تصاعدت طاقة عنصر الدمار أيضا فمحت بهالتها إرادة الشجعان، وبطاقتها أهدمت ما لامست. دون دفاع قوّي مؤهلّ، سيكون الموت مؤكّدا في مواجهة سحر الدمار.

طنطن الهلال فأصبح منه عشرة فجأة. كان هذا بسبب إحدى إمكانيات عنصر التعزيز الذي كسبها هدّام الضَّروس. كان قادرا على تكوين نسخ معزّزة من طاقة عنصر التعزيز فتكون في نفس مستوى الأصل تقريبا.


كوّنت الأهلّة بتلاحمها بدرا مكتملا يستطيع صدّ كل المصائب. برز هذا البدر في السماء الزرقاء، ونافس شظية السماء القادمة نحوه. ومباشرة بعد ذلك، ظهر بجانبه نجم أرجواني. تكون هذا النجم الأرجواني من عنصر الدمار، وبدا كثقب أسود يستطيع سحق أيّ شيء.

وفجأة، اتحد البدر والنجم فكانا كأصل الين واليانغ. شملا النور والظلام واستطاعا محق أيّ شيء. وباتّحادهما معا، كوّنا عالما جديدا يحمل قوانينه الخاصة. ومن قرّر هذه الأحكام كان هدّام الضّروس.

وكإضافة أخيرة، وقف ظلّ الشيطان أمام عالم الين واليانغ ذاك ثم بسط يديه. أرجع ذراعيه للخلف قليلا ثم صرخ مشغِّلا تعاويذه الذهنية الروحية مطلِقا العنان لفنّه القتاليّ الأثريّ. ضرب الهواء وراء ذلك العالم فكسره كالزجاج، فانبثق صوت مدوٍ صمّ آذان كلّ الحاضرين. وإذا بعالم الين واليانغ ينطلق اتجاه شظية السماء مصطحبا معه قوّة وسرعة الصوت مضاعفة بكثير.

كلّ هذا حدث في تلك اللحظة التي احتجتها شظية السماء لبلوغ هدفها. وعندما فعلت، جابهت عالم الين واليانغ فتكوّن دمار مروع. مُحي جبل مجاور فورا وتكوّنت حفرة واسعة وعميقة جدّا. كما لو أنّ قطعة من السماء سقطت وخلّفت وراءها ذلك.

مات العديد من السحرة الذين ظنّوا أنّهم هربوا بما فيه الكفاية، وكذا فعل بعضُ أولئك من اعتقدوا أنّ بإمكانهم تحمّل البقاء والمشاهدة. مات الآلاف بسرعة كبيرة فاستسلم العديد من الأشخاص عن محاولة النصر في هذه الحرب. لم يعد يهمّهم من الفائز أو الخاسر، فقط غريزتهم التي تحرّضهم على النجاة هي ما تبقّى.

باام باام باام

سقطت ثلاث هجمات على مجموعة الكبير أكاغي وباقي الرؤساء الذين كانوا بالقرب منه. ومباشرة بعد هذه الهجمات الثلاث ظهر ثلاثة أشخاص. لقد كانوا ثلاث قدماء، فضيلة كرم، وزئير، إضافة للكبير ديميور.

كان الأقدم الكبير زئير قد تعافى بسبب إكسير وسحرة العلاج، وعاد الآن بكامل قوّته الجسديّة. غمرت هالته أميالا وجعلت السحرة الذين حملوا لوهلة فكرة الهجوم عليه يتراجعون بدل ذلك، وتقدّمَ إلى الأمام متكلما بصوته الأجشّ: "لأقتُلَنَّكم شرّ قتل ! "

رفع سيفيه الأثريين بالدرجة الرابعة ثم لوّح بهما بأقوى ما يملك. تشكّل نصلان يستمدّان قوّتهما من التعاويذ الذهنية الروحية، وكانا يستطيعان المرور عبر كلّ شيء. كانا خفيّان بسبب كونهما أتيا من فن قتاليّ أثريّ، ولكنّ هالة السيف بهما ونيّة مطلقهما جعلتهما يبدوان كنصلين ساميان استُخدِما من طرف أحد العمالقة الأسطوريّون.


لقد كان هذا فنّا قتاليّا يستخدم الجسد والسيف كركيزة، لذا كانت قوّته مدهشة بالرغم من أنّه ليس مستمدّا من فنّ قتاليّ سامٍ. ولهذا عندما سقط النصلين العملاقين على مجموعة الكبير أكاغي، شتّتهم تماما. ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ فقط، أضاف الأقدمان الكبيران الآخران هجومهما أيضا.

كان رمح فضيلة كرم ثلاثيّ الشعب يأتي من حيث لا يدي أحد. كان يظهر من الظلال مرّة ويختفي بها في المرّة الأخرى باستمرار. أما الكبير ديميور، فقد رمى بجسده المشتعل والمعزّز ماحيا المئات من السحرة في لحظات فقط.

نهض الكبير أكاغي بشقّ الأنفس بعدما تعرّض للهجوم الآخر، ثم نظر إلى حلفائه، فوجد الجنرال منصف بجرح بليغ. شحُب وجهه حينذاك وتذكّر ما حدث قبل قليل. لقد رمى الجنرال منصف بنفسه لحمايته من الخطر المحدّق. جعل من نفسه درعا بشريّا له.

صرخ الكبير أكاغي: "ما الذي تفعله؟ هل تريد ترك ابنتي أرملة مبكّرا أيها الأحمق؟" حمله من قذاله ثم حدّق إلى عينيه مباشرة بينما ينتظر الجنرال منصف الجريح أن يفتح عينيه.

فتح الجنرال منصف عينيه ببطء وبدا على شفا الموت، ولم تكن حالته أفضل من الأقدم الكبير طايكوتسو. اجتهد ليقول أخيرا: "عائلة كريمزون ستبلغ مقاما لم يصل إليه أحد من قبل في عالمنا. ويجب أن تبقى حيّا لوقت أطول يا حماي. ليس قبل أن يكبر كارماين، على الأقل..."

سقطت يده التي رفعها أثناء قوله الجملة الأخيرة، وسقطت قبل أن يكملها. فصرخ الكبير أكاغي بدون أن يشعر. ولكن، وجد الجنرال منصف قد غاب عن الوعي فقط ولا يزال حيّا فعاد لرشده.

بحث عن السحرة المعالجين بنظراته فرأى أخيرا هيل الذي كان يرافق الإمبراطور شيرو. لقد كان أولهما يعالج ثانيهما، إضافة للرئيس تشارلي والجنرال براون. لقد تعرّض هؤلاء الثلاثة لإصابة خطيرة بعد هجومهم المشترك الأخير.

وفي هذا الوقت، انتهت عملية شفائهم أخيرا فعادوا للقتال من جديد. ولهذا سارع الكبير أكاغي إلى هيل من أجل معالجة الجنرال منصف. هلع إلى ذلك بأقصى ما يملك من سرعة.


كان باقي الرؤساء الذي كانوا بجانب الكبير أكاغي بخير كونهم لم يتعرّضوا لهجوم القدماء الكبار مباشرة، فانضموا أيضا للقتال بجانب مجموعة الإمبراطور شيرو ضدّ القدماء الكبار. انضمّ لهم الإمبراطور غلاديوس كذلك.

الرئيس تشارلي، الرئيس براون، الرئيس كورو، الرئيس كيِرو، الرئيس لان، الرئيسة فايوليت، الإمبراطور شيرو وجنرالاته الثمانية، الإمبراطور غلاديوس وجنرالاته الأربعة. كلّ هؤلاء اجتمعوا في مكان واحد من أجل مواجهة القدماء الثلاثة الكبار.

التفت الكبير أكاغي فوجد هذه المجموعة الضخمة تسانده ريثما يعالج الجنرال منصف، ففرح وشكرهم من قلبه. لقد رأى اتحادا لم يسبق له أن حدث في هذا العالم أبدا. كلّ قوات العالم التي تنافست على القمّة لأجيال عديدة تقف اليوم من أجل القضاء على عدوّ أكبر.

بدأ علاج الجنرال منصف من طرف هيل. وفجأة، اقتربت شي يو أيضا لتعاونه على ذلك. فحدّق إليها الكبير أكاغي ثم سألها: "ألا يجب أن تكوني تساندين تشكيلكم؟"

ابتسمت شي يو ثم قالت: "لا بأس، فلا أظنهم يحتاجونني الآن على أيّ حال."

حدّق الكبير أكاغي إلى البعيد من أجل إلقاء نظرة على التشكيل، فوجده قد أباد جلّ الأعداء وكانت له اليد العليا كلّيّا. ابتسم بعد ذلك ثم همس لنفسه: "حقّا، لقد كوّن جيشا عظيما في هذه المدّة القصيرة ! "

غيّر اتجاه نظره مرّة أخرى إلى حيث آخر مكان ظهر به باسل، فرآه يطفو إلى السماء من جديد بعد أن أثر عليه ارتداد صدمة الهجوم السابق. كان يحمل الرمح الخشبي في يده ويركّز نظره جيّدا على ظلّ الشيطان الذي لم يتزعزع من المكان الذي كسر فيه الهواء كالزجاج.

لقد كان بدون أيّ خدش عليه بالرغم من أنّ الانفجار الهائل الذي حدث سابقا كان قريبا منه كثيرا. شحن طاقة السحريّة إلى أوجها فبلغت المستوى الرابع عشر. صدِم الكثير من السحرة من مستواه الحقيقيّ وارتعدوا.


ساحر بالمستوى الرابع عشر. لم يسبق لأحد أن بلغ هذا المستوى في هذا العالم قبله. كان مرعبا للغاية لاسيما امتلاكه عنصر الدمار أيضا.

ارتعد الجنرال رعد حقّا من هذا الشابّ أمامه ثم تمتم: "أفهم لمَ ينادى بظلّ الشيطان. كما لو أنّني أرى ذلك الوحش الذي صادفته قبل خمس عشرة سنة."

أدار الجنرال رعد رأسه إلى جهة باسل ثم حدّق إلى الرمح الخشبيّ الذي يحمله باهتمام قبل أن يسأل: "أيتها الفتاة الشقراء، ما ذلك الرمح الخشبي؟ كيف لشيء مثله أن يكون سلاحا بهذه القوّة؟"

حدّقت أنمار إلى الرمح الخشبيّ أيضا لمدّة من الوقت ثم تذكّرت سلاح معلّمها لوهلة، فأعادت نظرها إلى الجنرال رعد قائلة: "ستعرف مستقبلا إن أتيحت لك الفرصة. فلا أظنّك ستفهم ماهيته الآن حتّى لو أخبرتك عنها. لأنّني أنا أيضا أعرف ما أصله، ولكن ليس كأنّني أعلم أيّ شيء عنه غير أنّه نادر جدا في كلّ العوالم."

استمرّ الجنرال رعد في التحديق إلى الاثنين اللذين كانا في بعد آخر عنه حاليا. شدّ قبضته بقوّة وضرب على الأرض.

نظرت إليه أنمار مشاهدةً حسرته وإحباطه الذي شعر بهما أثناء مراقبته لِذيْنِك الاثنين. أحس بشعور مماثل للذي أحس به قبل خمس عشرة سنة من عجز ونقص قوّة. وقف ثم استمرّ في التحديق إليهما بنظرات طموحة. لقد قرّر مرّة أخرى من صميم قلبه أنّه سيصبح أقوى أكثر.

إضافة لهذا، تخيّل كم هي قوّة الشياطين الحقيقيّة بالضبط فقط. فظِلّ الشيطان حسب ما علِمه عبارة عن تابع لهم، ومع ذلك لديه كلّ هذه القوّة المهولة. تذكّر الماضي مرّة أخرى وعلم أنّهم لم يروا سوى جزء بسيط حقّا من قوّة تلك الوحوش المرعبة.

تذكر ابتسامة ونظرات ذلك الشيطان ذي القرون الذهبية مرة أخرى فشعر بالقشعريرة. لقد لعب معهم ذلك الشيطان لوقت قليل جدا فقط، ومع ذلك ترك انطباعا في قلبه لا يمكن إزالته سوى بإنهاء هذا الأمر تماما. ولن يحدث هذا سوى بقتل ذلك الوحش المهول.

عزم أكثر وحزم أمره. نظر إلى أنمار وقال: "أيتها الفتاة الشقراء، لنذهب لمساعدتهم ضد القدماء الكبار."

حدّقت إليه أنمار بهدوء ولم تجبه. لقد كانت تنوي فعل هذا بالفعل دون أن يخبرها. استدعت الأفعى الكوبرا المجنّحة من جديد، ثم ركباها معا ليصلا بأسرع ما يمكن ومستعدّيْن تماما. وبالفعل، أطلقت الكوبرا المجنّحة ريشها الأسود المائي السامّ، وتلاعبت أنمار بذلك الهجوم بعنصر الوهم، إضافة لقيامها بنفس الشيء للقبضات الذبذبية التي أتت منها عبر فنّها القتاليّ.

غلّف الجنرال رعد هجومها فجأة بعاصفة لم يعلم أحد من أين أتت، واصطحبت معها هذه العاصفة صواعقا كثيرة. لقد كان هذا هو أحد هجمات الجنرال رعد الفضلى. دمج لعنصر البرق مع عنصر الرياح الذي اكتسبه بعد بلوغه قسم مستويات الربط الثاني.

نزلت العاصفة الصاعقة على القدماء الثلاثة ولم يعلموا ما حدث حتّى كانوا قد حوصروا بداخلها تماما. كانت هذه العاصفة تستطيع محق الجبال وجفّ الأنهار. ابتعد عنها كلّ شخص خائفا من التورّط بدمارها.

تلاقت العديد من لكمات أنمار بدفاعات القدماء الكبار الثلاثة كما حدث المثل لهجوم الكوبرا المجنّحة. لقد كانت تلك العاصفة مدمّرة وفي نفس الوقت جعلت من هجمات أنمار ووحشها السحريّ تفاجئ العدوّ.

بووم


انفجرت العاصفة كلّيّا متبدّدةً كأنها لم تكن موجودة من قبل. وعندما أراد الجميع معرفة ما حدث، علِموا السبب بعدما شاهدوا القدماء الكبار الثلاثة.

لقد كان الكبير ديميور قد أصبح رجل عضلات ضخم من جديد فحملت كلّ لكمة منه قوّة تهزّ الجبال وتحرق الغابات في لمحة. وجعلت فضيلة كرم من الظلال مسكنا لها تستطيع استخدامها للتنقّل بحرية واستهداف المناطق الضعيفة. إضافة للأقدم الكبير زئير صاحب المستوى الثاني عشر، والذي استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ إضافة لعنصر الرياح من أجل صنع عاصفة قاطعة جعلت من هجوم أنمار والجنرال رعد بلا فائدة.

كان القدماء الكبار الثلاثة أقوياء للغاية ولم يكن سحرة بالمستوى الثامن ندّا لهم على الإطلاق. فبالرّغم من وجود فنّ أنمار القتاليّ الآن، إلّا أنّ ثلاث قدماء كبار، اثنين منهم بفنّ قتاليّ أيضا، كانوا أكثر ممّا تستطيع تحمّله.

انطلقت العاصفة القاطعة التي صنعها الأقدم الكبير زئير فبلغت أنمار والجنرال رعد، ثم مرّت بهما وجرحتهما عدّة جروح. ونتيجة لذلك، اختفت أفعى الكوبرا المجنّحة وبدأ يسقط الاثنان.

استخدم الجنرال رعد عنصر الرياح لرفع نفسه وأنمار، ثم اقتربوا من مجموعة الإمبراطور شيرو والآخرين. أصبحوا الآن كلّهم مجتمعين في مكان واحد من أجل مواجهة هؤلاء القدماء الكبار. كانت المجموعة مملوءة بالمجروحين فقط. فمع أنّ الإمبراطور شيرو كان قد عولج، وكذلك من هم مثله، إلّا أنّهم تلقّوا الإسعافات اللازمة من أجل العودة للقتال فقط.

وفي جهة أخرى، احتلّ التشكيل ساحة المعركة ولم يكن هناك جيش ندّا له. استطاع اجتياح كل تشكيلات العدوّ بسرعة كبيرة ولم يترك لهم الفرصة للتعافي أبدا. فهذه المرّة كان العدوّ يملك أيضا الإكسيرات، لذا كان من الأفضل التخلّص من العدوّ تماما قبل أن يعود من جديد.

وأخيرا، استطاع القادة تمهيد الطريق لباقي أتباعهم من أجل الذهاب لمساندة مجموعة أنمار. وبغرابة، لم يتجرّأ أيّ أحد من الجنود المتبقّين على إيقافهم أو طعنهم في ظهورهم. لقد كانت لهم هيبة عظيمة.

بووف

صدر صوت غريب فجأة كما لو أنّ ضغطا مركّزا أُطلِق على حين غرّة. ولمّا رأى الجميع ما ذلك، وجدوا أنّه في الواقع هدّام الضَّروس الذي كان يطفو في السماء. تعجّب المشاهدون من هذا الأمر ولم يجدوا له تفسيرا. كيف له أن يفعل ذلك بالضبط؟

قال واحد دون شعور: "كيف يمكن حدوث هذا؟ هل هو أيضا له عنصر الرياح كعنصر ثالث؟"

عمّ الصمت لقليل من الوقت قبل أن يجيب أحد آخر: "لا. ركز جيّدا. سترى أنّه لا يطفو بسبب الرياح ولكنّه يقف على شيء غير مرئي فقط."


حدّق الحاضرون إلى ذلك الشيء الذي يقف عليه ظلّ الشيطان في السماء متعجّبين ثم قال واحد منهم: "إنّه يبدو كزجاج ما."

تذكّر بعضهم ما فعله ظلّ الشيطان سابقا لمّا ضرب الهواء فكسره كالزجاج، ثمّ فهموا ما ذلك بالضبط. وبالطبع، فهم باسل أيضا أنّ ذلك فنّه القتاليّ الأثريّ.

تكلّم باسل مخاطبا ظلّ الشيطان بابتسامة هادئة تعتلي وجهه: "فنّ قتاليّ أثريّ أصله سامٍ. أأنا مخطئ يا هذا؟"

ابتسم هدّام الضَّروس ثم حدّق إليه بعين واحدة قائلا: "حتى لو كنت روحا منافقة، تبقى مؤهّلا. لديك عينان جيّدتان أيا فلان."

"هاهاها ! " ضحك باسل بصوت مرتفع ثم قال: "قد أبدو روحا منافقة في عينيك، فكلّ روح فقيرة تحتقر تلك الصامدة."

"هاهاها ! " بادله ظلّ الشيطان الضحك ثم قال بعدما فتح كلتا عينيه: "صامدة قلت. أهذا ما تسمونه بطريق الأقوياء بالمسار الروحي يا ترى؟"

تطاير شعره الأسود الطويل مع الرياح وأضاف: "تصنُّع الجمال وجعل المثالية المزيّفة وجها. ليس هناك طريق أقوياء ولا طريق أرواح صامدة،. أسمعتني أيا فلان؟ كلّنا نقتل، وننهب، ونتسلّط بحكمنا من أجل بلوغ غاياتنا، فلا داعٍ لتصنع المثالية أمامي."

أكمل بعدما أغمض عينيه: "ولكن، ماذا تتوقّع من عالم منافق. اقتل شخصا وستصير مجرما، اقتل الآلاف وستُشاد كبطل. أطريق الأقوياء الذي تتبعه هو هذا؟ أن تقتل أحدا باستخدام اسم العدالة، أو الحماية، أو السلام. ولكن كلّ هذا لا يغيّر أنّك قتلت. فما المختلف؟ لهذا دائما ما تجد الأرواح المنافقة تزيّف صورتها بشيء كطريق الأقوياء."

"هذا ليس مضحكا على الإطلاق يا هذا." عبس باسل ثم قال: "لا أعلم ما الحياة التي مررت بها لتحمل مثل هذه الأفكار. ولكن كلّ ذلك لا يهمنّي. أنا لن أقول أنّ طريق الأقوياء هو ذاك الذي لا خداع به، ولا قتل، ولا طغيان. ولكن، إنّه وبلا شكّ ذاك الذي لن تجد فيه روحا فقيرة سلّمت بأمرها لروح أخرى من أجل عبور المسار الروحيّ."

توهّج رمح باسل قليلا معلنا عن بدايته شحنه بطاقته السحريّة مرّة أخرى، ثم أكمل: "كيف لك أن تعبر المسار الروحيّ بروح لم تعد لك؟ أحقّا يمكنك القول أنّك تعبره حتّى؟ أوّل شرط بهذا المسار هو المحافظة على روحك من أجل ثباتها وصمودها أمام كلّ المصاعب والعقبات."

"...المسار الروحيّ لن يقبلك أبدا وأنت بلا روح. أسمعتني يا هذا؟"


حرّك ظلّ الشيطان يديه فرسم منحييْن ضوئييْن بسيفيه الهلالين ثم قال: "تظلّ تستخدم المسار الروحيّ كعلّة لكلّ شيء. إذن، أيمكنني فعل كل ما أريد طالما حملت روحا صامدة كما تقول؟ يا له من تناقض. لا، يا له من نفاق."

استمرّت طاقة الاثنين في الارتفاع أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وقال باسل بعد هدّام الضَّروس: "أنا كشخص يحاول سير المسار الروحيّ، لا يهمّني ما إن كان شخصا جيّدا أم لا طالما لا يتدخل فيّ وفي أموري الخاصّة. لم يُسَمَّ المسار الروحيّ بهذا من فراغ. كل شخص يمكنه عبوره طالما يحافظ على روحه. ومن يحافظ على روحه يتبع طريق الأقوياء، ولهذا فقط الأقوياء هم من ينجحون في الصمود بالمسار الروحي.ّ"

"هذا ليس مضحكا أيا فلان." قال هدّام الضَّروس مجيبا بهدوء حادّ: "لنوفّر هذا. فشخص مثلك لم يعلم يوما ما معنى اليأس الحقيقيّ لن يرى صورة هذا العالم المخادع على حقيقته. كلّ ورأيه، فكلّ ومآله. وفي مثل هذا العالم، ليس صاحب الرأي الصحيح من ينجو، ولكنّه الأقوى. كن قويّا وسوف يكون رأيك هو الصحيح."

"هذا مضحك الآن يا هذا." قال باسل بعدما استعدّ للتلاحم: "روح فقيرة تتكلّم عن القوّة."

"هاهاها ! " ضحك ظلّ الشيطان كذلك وقال: "هذا مضحك كثيرا أيا فلان. روح منافقة تتصنع المثاليّة."

زبووم زبووم زبووم

وفي لحظة، كان الطرفين قد التقيا مع بعضهما وتبادلا ثلاث ضربات جعلت المكان يهتزّ وأوقفت المعارك للحظات. كانت الضربات الثلاث تحمل قوة سحرية عظيمة جدّا فأحرقت المكان كلّه وهدمته.

كان التحامهما هذا أقوى شيء سبق ورآه سكان هذا العالم. لقد استخدم الطرفان كلّ ما يملكان من قوّة في هذا الهجوم. فنّاهما القتاليّان وسحرهم بجميع العناصر التقوا فكسروا الهواء نفسه، وبدا كما لو أن السماء ستسقط في أيّ لحظة بسبب قتالهم.

ظهر الاثنان بعد هذا التصادم العنيف. كان باسل مغطّى بجروح خفيفة، أما ظلّ الشيطان، فلم يصبه أذى. حدّق هدّام الضَّروس إلى رمح باسل الخشبي بتعجّب كبير، وزاد من حذره كثيرا.

قال باسل فجأة: "عنصر الدمار حقّا مدهش. فلقد أنجاك من موت وشيك يا هذا."

عبس ظلّ الشيطان ثم قال هو الآخَر: "يبدو لي أنّك تحوز رمحا مثيرا للاهتمام. فلولاه لكنت جثة منشورة حاليا أيا فلان."


باام باام باام

اندلعت انفجارات عدّة فجعلت الاثنين يلقيان نظرة عليها، وإذا بهما يجدان القدماء الكبار الثلاثة قد اخترقوا مجموعة أنمار وجعلوا من غالب أعضائها قريبين من الموت.

بووف

اخترق باسل الهواء وانطلق نحوهم فجأة بسرعة كبيرة. فكل ما صار بعقله الآن هو إنقاذهم من القدماء الكبار الثلاثة قبل أن يبدؤوا في فقدان حياتهم واحدا تلو الآخر.

انكسار

بووم


وفجأة، وجد باسل نفسه محلّقا لآلاف الأمتار مبتعدا عن مجموعة أنمار بدل الاقتراب منها. لم يعلم ما حدث فورا حتى وجد هدّام الضَّروس يلاحقه في السماء عبر قفزات تكسر الهواء وتجعله يحلّق بسرعة لا تضاهى.

ولم يرتح باسل حتّى بلغه هدّام الضَّروس الذي كانت قبضته مشحونة بكلا عنصريه. فلكم بها باسلَ على الوجه تماما جاعلا إيّاه يحلّق أبعد أكثر.

صرخ باسل بجنون ولم يعد هادئا. فبالرغم من أنّ ظلّ الشيطان قد لكمه إلّا أنّ نظراته لم تُزح أبدا عن مجموعة أنمار التي كانت في خطر محدّق. ولكن لم يكن هناك ما بيده فعله في هاته الظروف. لقد كان هدّام الضَّروس يقف أمام طريقه ولم يكن سيسمح له أبدا بتجاوزه في الوقت المناسب لإنقاذهم.

تقدّم الأقدم الكبير زئير ثم قال: "سأبدأ بكم أولا." أشار إلى بكلامه إلى أصحاب الهجوم المشترك السابق ضدّه وأكمل: "لأذبحنكم ذبحا."

صرخ باسل من بعيد بينما تغطيه الدماء: "أنمار ! "


باام باام* باام

انفجر الهواء خلفه ثم انطلق مسرعا مرّة أخرى بكل ما يملك تجاه مجموعة أنمار. صرخ مرّة أخرى: "ابتعد عن طريقي ! "

ابتسم ظلّ الشيطان وقال: "فلتفعل ذلك عبر طريق الأقوياء الخاص بك. أو أنّ كلّ ذلك بعد كلّ شيء مجرّد نفاق ولا شيء آخر؟"

سخر هدّام الضَّروس من باسل ثم شحن طاقته السحرية ومنعه من المرور عبر حاجز من عنصريْ التعزيز والدمار.

رفع الأقدم الكبير زئير في تلك اللحظة سيفه المشحون بطاقته، ثم أدار التعاويذ الذهنيّة الروحيّة مستعدّا لتدعيم هجومه بفنّه القتاليّ. ابتسم بشكل عريض وصرخ: "موتوا ! "

"توقف ! "

وفجأة، ظهر شخص أمامه جعله يتوقّف عما كان يحاول القيام به. توقّف الأقدم الكبير زئير في آخر لحظة بعدما كاد يقسم هذا الشخص إلى اثنين. تعرّق بعد مشاهدة من أمامه، وتوقّف عن التنفّس من شدّة الخوف. بكلّ تأكيد، ظهور هذا الشخص جعله يرتعد كلّيّا.

نظر هدّام الضَّروس إلى الأقدم الكبير زئير ثم حاول رؤية من أمامه. فإذا بحدقتيْ عينيه تتسعان مباشرة بعد رؤيته هذا الشخص وقال: "أيا زئير، تراجع ! "

انكسار

اختفى ظلّ الشيطان فكان في اللحظة الثانية أمام ذلك الشخص الذي ظهر. اعتلت هدّام الضروس ابتسامة فخورة ثم حدّق إلى الشخص أمامه بعينيه السوداوين، قائلا: "لم أكن أظنّ أنّني سأراك الآن ! " امتدّت يده بعدئذ نحو هذا الشخص.

وفي هذه اللحظة، توقّف الجميع عن الحركة كلّيّا ليروا ما الذي يحدث بالضبط. تساءل العديد من الأشخاص عن هوية هذا الشخص. وأخيرا استطاع أحد ما معرفة هويّته فصرخ: "إنّها أميرة إمبراطورية الأمواج الهائجة أزهر شيرايوكي ! "

تعجّب الجميع من هذا المنظر ولم يعلموا ما الذي يدور حوله كلّ هذا. لِمَ توقّف الأقدم الكبير زئير في آخر لحظة بعدما كاد يقسمها لنصفين وارتعد بسبب ذلك بعدئذ؟ كانت هناك العديد من الأسئلة الي تجول خاطر المشاهدين، والتي لم يعلم جوابها سوى قلّة فقط.

فحتى الآن، لم يعلم احد عن اختطاف الأميرة شيرايوكي سابقا سوى الشخصيات الكبرى والمعنيين بالأمر. وعلى رأسهم كان الإمبراطور شيرو، أبوها الذي كان على شفى الموت أيضا مثله مثل الآخرين من مجموعته.

ومع ذلك، عندما ظهرت ابنته العزيزة رفع رأسه الذي كان موجَّها نحو الأسفل قبل قليل، ثم جمع أنفاسه ليتكلّم: "شيرايوكي... ما الذي تفعلينه هنا؟ أنا متأكّد من أنّني تركتك في القصر الإمبراطوريّ قبل مغادرتنا."

تطاير شعر الأميرة شيرايوكي الأبيض بالرياح، ولمعت عيناها البيضاوان، ولم تزح نظرها عن الشخص الذي أمامها، هدّام الضَّروس. تلاقت أعينهما مباشرة، فشعرَتْ بالرعب مرّة أخرى، ولكنّها تغلّبت عليه بسرعة كبيرة هذه المرّة. حاربت مخاوفها، وفتحت ذراعيها، ثم صرخت: "أنا أميرة إمبراطورية الأمواج الهائجة الصغرى، أزهر شيرايوكي. ولن تتقدّم خطوة أخرى إلّا وعلى جثّتي ! "

ارتدّ صوتها في الأرجاء وعمّ الصمت للحظات. لقد حملت كلماتها عزما ملهما، وكانت كمحور لملحمة ألقاها خير الشعراء. سطع بيوضها وبدت كشمس انبثقت بقلب هذا العالم. كانت نظراتها راسخة على ظلّ الشيطان أمامها، فتحدّته بها وأثبتت حزمها.

تكلّم الإمبراطور شيرو بينما يتقيّأ الدم مرّة أخرى ونظراته أشحب عمّا كانت عليه بسبب جروحه: "لقد تركتك مع إخوانك وأخواتك ضمانا لحياتك ومستقبل إمبراطوريتنا. ما الذي جئت من أجله إلى هنا أيتها الابنة الغبيّة."


لم تلتفت الأميرة شيرايوكي إلى أباها، ولكنها قالت في وجه هدّام الضروس مجيبة إيّاه لكنّها بدت تخاطب ظلّ الشيطان: "إذن أبدو غبيّة الآن؟ قد يكون معك حقّ يا أبي. فهذه الحرب التي أمقتها بدأت أجدها معلّلة أيضا."

أكملت محافظة على نفس النظرات: "وبالطبع، لقد أتيت إلى هنا لسبب واحد. يمكنك القول أنّني استفقت أخيرا من أحلامي الواهمة."

لم تختفِ ابتسامة هدّام الضَّروس طيلة الوقت، بل وازدادت فرحا مع مرور الوقت وتصرّفات الأميرة شيرايوكي الشاخصة. أوقف يده التي امتدّت نحوها سابقا فأعادها. تطلّع إلى رسوخها ثم قال أخيرا: "يبدو أنّنا التقينا ثانية. عندما علمت أنّك هربت، لم أغضب ولو قليلا بسبب ذلك. أتعلمين لماذا؟" وضع يده على صدره ثم أكمل: "لأنّني أعلم أنّك ستعودين إليّ في نهاية المطاف."

أنزل ذراعه من على صدره ثم أضاف: "لقد سبق وأخبرتك في لقائنا الأول. أخبرتك أن تكوني فخورة عاتية. وإنّني لَأُؤْثر المرأة الزاهية المزهوّة."

تقدّم خطوة إلى الأمام، ومع ذلك لم تتزحزح الأميرة شيرايوكي أبدا بالرغم من أن خطوته تلك كانت تهزّ قلوب الشجعان وترنّح عزيمتهم. بدا كأنّه يحاول اختبارها بإلقائه نيّته وهالته عليها.

أكمل قائلا: "في المرّة السابقة، سقطتِ فاقدةً الوعي بعدما قمت بنفس الشيء. ولكن انظري إليك الآن، يبدو أنّك بدأت تكملين الأوصاف التي أريدها. يجب أن تحمل كِبرا ينافس الذي لديّ وإلا ستغرق في ظلماتي بسهولة."

أضاف خطوة أخرى فازداد الضغط باقترابه. بدت كلّ خطوة يقترب بها إليها كحمل عظيم يزداد على كاهلها. ومع ذلك، ثبتت في مكانها كأنّها جبل يستطيع تحمّل كلّ المشاقّ ولو سقطت السماء فسيظلّ راسخا.

أضاف ظلّ الشيطان: "وقوفك أمامي بكلّ فخر هكذا خير دليل على ذلك. ولاسيما تقديم نفسك بكلّ زهو، الشيء الذي لم تفعليه في لقائنا السابق، وكنت الشخص الوحيد الذي قدّم نفسه."

زاد خطوة أخرى فلم يتبقّ بينهما سوى خطوة واحدة ليتلامس جسداهما. قال أخيرا بعدما نظر إليها عن قرب شديد جاعلا بنظراته العديد يسقط في غرامه والكثير يرتعب من هيبته: "ولكن، هناك شيء واحد نسيتِ القيام به. عندما قدّمتُ نفسي إليك، لقد أخبرتك أنّني أنا هدّام الضَّروس زوجك، وأنّك زوجتي. وها أنا ذا أنتظر، إنّه دورك الآن."

أحسّ كلّ الشخص ظلام عميق في عينيه السوداوين، ويقبع خلفه هاوية تلتهم كلّ من نظر إليها. ومع ذلك، بالنسبة للأميرة شيرايوكي التي سبق ومرّت بهذه التجربة، إضافة إلى نموّ عزيمتها الواضح والمبهر، لم تُزِل نظرها عنه أبدا واستمرّت في النظر إلى تلك الهاوية محافظة على نفسها بدون أن تُلتَهم.

بدأ هدّام الضَّروس يخطو الخطوة الأخيرة، وهذه المرّة جعل من نيّته وهالته في أقصى درجاتها. كان وقوف الأميرة شيرايوكي أمام مثل هذا الوجود شيئا قريبا للمعجزة. ومع ذلك، كان وجهها قد شحُب وظهرت عليها آثار الإرهاق. بدأ يختفي بهْرها كالشمس التي شارفت على الاختفاء في نهاية غروبها. أصبحت عزمها وحزمها يضعفان شيئا فشيئا.

ومع تلك الخطوة التي بدت كأنها أخذت عمرا لتبلغها، كانت الأميرة شيرايوكي قد خفتت وكادت تُلتَهم أخيرا. وفي ذلك الوقت، أضاءت السماء بضوء آخر كما لو أنّ الشمس اقتربت من السماء.

كانت الحرارة الناتجة عن تلك الإضاءة حارقة، فابتعد جميع من كان ضعيفا وهرب ليتظلّل. وتبقّى فقط أولئك من هم أرفع من المستوى السابع، ومع ذلك كان شاقّا عليهم أيضا البقاء.

باام بووم

مع انفجارين متتاليين، اختفى مركز الإضاءة من السماء ليكون فجأة أمام الأميرة شيرايوكي، وهدّام الضروس الذي كان أمامها لم يعد موجودا، وكذا الحال نفسه مع قدمائه الكبار الثلاثة.

كانت هذه الإضاءة عملاقة للغاية، وحجبت الرؤية على الأميرة شيرايوكي التي لم تؤثر عليها هذه الإضاءة بسبب كبح ما. جاهدت لتحصل على رؤية واضحة، فرفعت رأسها لامحة بذلك أخيرا من أمامها.

لقد كان ذلك باسل، أو يجب قول المجسّم العملاق الذي اتّخذ شكله.

تكلم باسل الذي كان في مركز ذلك المجسم بصوت عميق دبّ الرعب في الأعداء وزاد من ثقة الحلفاء: "لا تحدّقي طويلا إلى الهاوية حتّى لا تلتفت إليك."

حدّقت إلى باسل بعينيها اللتين خفت فيهما الضوء مشيرا إلى اقترابها من فقدان وعيها، ولكنّها لم تسمح لنفسها أبدا أن يغمى عليها. عضت شفتها حتى حفرت أسنانها بها فسال الدم منها، فاستفاقت بذلك مرّة أخرى.

أرادت أن تشاهد باسل لوقت أطول؛ أرادت أن تراقب هذا الفتى الذي يقارب عمرها؛ أرادت أن تعلم ما مصدر عزمه وحزمه ذاك؛ أرادت أن تشهد ما سيبلغه؛ أرادت أن ترى ما يفعله؛ أرادت أن ترى بعينيها بعدما تغيّرت نظرتها إلى هذا العالم إلى هذا الشخص الذي حقدت عليه قبل أن تعرفه أو تلتقي به حتّى لأنّها علمت عمّا فعله.


اعتقدت أنّها كشخص علم أخيرا أنّه لا مفرّ من القتال في بعض الأحيان، يجب عليها مراقبة شخص علم ذلك في وقت سابق. والمثال الأفضل لذلك في هذه الحالة كان باسل، الفتى الذي حكمت عليه دون النظر إليه. لذا قرّرت أنّها ستنظر هذه المرّة بكلّ حرص وتتعلّم.

حدّق كذلك الإمبراطور شيرو إلى ابنته التي تغيّرت كثيرا عمّا كانت عليه، ووجّه بعد ذلك نظره إلى باسل فرمقه لوقت طويل.

وقفت أنمار بالرغم من إصابتها الشديدة وتقدّمت إلى الأمام ثم وقفت بجانب المجسّم العملاق، ولم تحتج للنظر إلى باسل كي يفهم مقصدها.

بدأت تشحن طاقتها السحريّة إلى أوجها كما أدارت التعاويذ الذهنية الروحية. كانت تجمع كلّ ما تبقّى لها من طاقة إلى آخر قطرة. كانت عازمة على مساعدة باسل في هذا الهجوم الأخير لها.

وبعدما استعدّت جيّدا أخيرا، التفت إلى الأميرة شيرايوكي ثم قالت بعدما حدّقت إلى عينيها مباشرة: "لقد رأيت مثل نظراتك أكثر من مرّة في حياتي، لذا سأقول لك شيئا يجب عليك وضعه في عين الاعتبار، لا، بل ترسيخه في قلبك. يمكنك مشاهدته كما تحلين، ولكن لا تقعي في غرامه."

"ها؟" تعجّبت الأميرة شيرايوكي مما جاء من فم أنمار ثم قالت بغضب: "لمَ سأقع في حب مثل هذا الشخص؟"

ابتسمت أنمار ثم أجابت: "لأنّه مثل هذا الشخص ! "

انكسار

انكسر الهواء مرّة أخرى كأنّه زجاج فظهر في اللحظة التالية ظلّ الشيطان في السماء بحيث كان يقابل باسل، ثم قال بهدوء حمل غضبا شديدا: "أيا فلان، ألا تعلم أنّ هناك وقتا لكلّ شيء؟ ألم تراني مشغولا بإغراء زوجتي؟"

"هاهاها ! " ضحك باسل ثم قال: "إنّ هذا لمضحك يا هذا. تراني أهتمّ ! وفوق ذلك، أتسمّي ذلك إغراءً؟ يبدو أنّ أحدهم لم يتلقَّ بعضا من الدروس المهمّة."


رفع ظلّ الشيطان ذراعيه ثم قال: "أيا فلان، أنا بطبيعتي أستطيع كسب كلّ شيء. لا أحتاج إلى أيّ خدع."

ابتسم باسل ثم قال: "فرض طبيعتك على امرأة ليس شيئا جميلا يا هذا. قد تكسبها، لكنّك لن تملك جوهرها."

اتّخذ المجسّم وضعية قتال، فأرجع ذراعيه للخلف، وأطلق عدّة لكمات متتالية. ومباشرة بعد ذلك، ظهرت عدة قبضات بنار زرقاء كالتي يتكون منها المجسم العملاق، وحملت عنصر تعزيز بطاقة لا تصدّق جعلت ظلّ الشيطان نفسه يندهش كثيرا.

وعندما نزلت هذه القبضات على هدفها، انفجرت منها أعاصير، كلّ واحد منها دار بسرعة قاطعة وحرق بالنار التي حملها معه كلّ شيء، وسحق بعنصر التعزيز كل ما لمسه.

كان عنصر التعزيز هذا مرتفعا للغاية، ولم يستطع هدّام الضَّروس تحمّله بسهولة، فاضطرّ إلى استخدام كلا عنصريه وطاقتهما في أوجهما بسيفيه الأثريين ذوي الدرجة السابعة.

كوّن نجوما وأقمارا فصنع عوالم ين ويانغ بسرعة كبيرة. ثم كوّن من كلّ ذلك حاجزا كبيرا بدا كمجرّة. صغُرَت المجرّة وأحاطت به فحمته من كلّ أذى.

ولكن، من دون أن يدري، كانت هناك بعض الأعاصير المزيّفة بين الحقيقيّة، ولم يلاحظ إلّا متأخّرا. فبعض الأعاصير الحقيقيّة مرّت به وبلغت القدماء الكبار الثلاثة خلفه، فسقطت عليهم بقوّة لا يمكن تحمّلها من طرف سحرة بالمستوى الحادي عشر أو الثاني عشر مثلهم. وبكلّ تأكيد، أصيبوا إصابة بالغة أن لم يكونوا ماتوا.

وفي الواقع، لم يكن السبب هو الأعاصير لوحدها، ولكن كان أيضا فنّ أنمار القتاليّ الأثريّ 'سحق الأرض'. لقد كانت قد أدارت تعاويذها الذهنيّة الروحيّة لوقت طويل وجمعت قوّة كافية لتخترق كافّة دفاعات القدماء الكبار الثلاثة. وبالطبع، استخدمت عنصر الوهم على هجماتها كما فعلت على هجمات باسل.

كان ذلك هجومهما المتناسق، وكان مدمّرا جدّا. فمع أنّ حالة أنمار سيّئة، إلّا أنّها استطاعت القيام بهجمة أخيرة تعتبر إفادة كبيرة لهم في هذه الحرب.

حدّق هدّام الضَّروس إلى جهة القدماء الكبار الثلاثة منتظرا انقشاع الغبار ليرى حالتهم. وعندما ظهروا أخيرا، وجد أن من نجى كان اثنين وواحد مات بالفعل. كان الشخص الذي مات هو الأقدم الكبير زئير.

بقي الكبير ديميور حيّا بسبب عنصر التعزيز الخاصّ به الذي كان السبب الأكبر في امتلاكه دفاع أبقاه على قيد الحياة، خصوصا بإضافته لعنصر النار. وكذلك فعلت فضيلة كرم عن طريق استخدامها فنّها القتاليّ في آخر لحظة عبر الانسلال في الظلال للفرار من الموت المؤكّد.

ومع ذلك، لم يسلما بدون أيّة جروح، بل وكانت جروحهما خطيرة. وبسبب هذا، وصل غضبهما إلى حدّه كما حدث لغضب سيّدهما هدّام الضروس.

لقد كان ظلّ الشيطان يغلي في مكانه من الغيظ، ونظر إلى أنمار بعينين باردتين مطلقا نية قتله تجاهها، وبذلك كان قد وضعها كهدف ذي أهميّة قصوى. لا يُخدَع في المعارك كثيرا، بالأحرى، لم يسبِق له أن خدِع على الإطلاق، ولكن هذه الفتاة قامت بذلك بكلّ بساطة دون أن يدري.

أدار تعاويذه الذهنيّة الروحيّة ثم كسر الهواء لمرات متتالية دون توقف حتى أصبح لا يرى لأيّ أحد من المشاهدين. وفي اللحظة التي استطاعوا أخيرا رؤيته بها، كان يقف بالفعل أمام أنمار مباشرة، شاحذا سيفيه بعنصريه، ومستعدّا للتلويح بهما.

ولكن، كان هناك شخص قد استطاع تتبّعه، وبالطبع كان هذا الشخص هو باسل. لذا ركله باسل عبر المجسّم العملاق في نفس اللحظة التي ظهر بها ثم تبعه باستخدام فنّه القتالي الأثري. أنتج قوّة دفع في كلّ خطوة يخطوها، ثم أدار هذه القوّة لتزيد من سرعته وثقله. فبدا كأنّه يقود الرياح راكبا إيّاها.


انكسار انكسار انكسار

بووم


لم يعلم باسل متى حدث الأمر، حتّى كان هدّام الضروس قد انتقل إلى ورائه وأطلق عليه هجوما أرعب الحاضرين بهوله. لقد كان ذلك الهجوم مرعبا للغاية.

كان ذلك سيفين عملاقين يبدوان كأنهما نسخة مكبّرة من اللذين في يديّ هدّام الضَّروس. نزل هذان السيفان على المجسم العملاق ثم قسماه لاثنين وخلقا انفجارا هائلا.

وعلى عكس هجمات امتداد باسل الكلّيّ، لم يختفِ هذان السيفان، بل وشقّا طريقهما نحو باسل من أجل القضاء عليه نهائيّا. لقد كان كهلالين حقيقيين، واختلفا فقط بلونهما الأرجوانيّ الذي غطاهما بسبب عنصر الدمار.

قطعا كلّ ما في طريقهما دون أن يستطيع شيء إيقافهما. كما لو أنّهما نصليْ أحد العمالقة الجبابرة. كلّ شيء يتعرّض لحكمهما ينقضِ.

بلغ الهلالان الأرجوانيان باسل ثم نزلا عليه من كلتا الجهتين دون ترك أيّ مهرب له، ثم جلبا معهما طاقة الدمار التي بدأت تحاول محق وجود باسل نفسه، وطاقة عنصر التعزيز الذي أسرعت وقوّت ذلك.

شغّل باسل رمحه الخشبيّ شاحنا إيّاه بطاقات عناصره الثلاثة في آن واحد، ثم أداره بسرعة كبيرة واستخدم فنّه القتاليّ في نفس الوقت، وعندما كاد يضربه السيفان، اخترق الأرض بالرمح فولّد موجة ارتدّ بها كلّ شيء حوله وجعل من المكان يهتزّ كأنّ زلزالا يستطيع هدم الجبال يحدث.

احتك الهلالان الأرجوانيان بهذا الارتداد قبل أن يرتدّا أخيرا. وبسبب هذا، اختفيا أخيرا واندثرت طاقتهما تماما.


حدّق هدّام الضَّروس إلى باسل بعبوس ثم قال: "من أين تأتي بكلّ تلك الطاقة السحريّة؟ أنا لا أفهم ما يحدث هنا ! كيف لعنصر التعزيز الخاصّ بك أن يبلغ مثل هذا المستوى؟ إنّه بمسوى أرفع من المستوى الرابع عشر بكثير. ما الذي يحدث هنا بالضبط؟"

حدّق إليه باسل للحظة ولم يجبه، وبدل ذلك انقضّ عليه بسرعة كبيرة جدا.

باام انكسار بووم

اختفى الاثنان عن الأنظار وتبقّت فقط الأصوات التي تنتج من تصادمهما العنيف، والذي شق الأرض أسفلهم وهز السماء فوقهم. كان قتالا عنيفا جدا، ولم يكن بيد أيّ أحد حيلة فيه. كان أعلى من مستواهم بكثير.

لقد كان هدّام الضروس ساحرا بالمستوى الرابع عشر، بعنصر التعزيز وعنصر الدمار، أقوى عنصرين في هذا العالم على الإطلاق، وفنّه القتاليّ الأثريّ. وفي المقابل، كان باسل في المستوى الثامن بعنصري النار والرياح، وبعنصر التعزيز غير معلوم المستوى، إضافة لفنّه القتالي الأثريّ أيضا.

لقد كانت هذه هي أقوى معركة في تاريخ هذا العالم على الإطلاق، ولم يسع المشاهدون سوى الانبهار كثيرا ورؤية ما آل إليه عالمهم. لقد كان هذا حدثا تاريخيّا مهما كان الفائز، ولم يكن أيّ ساحر يريد أن يفوّته أبدا. سينوّر مثل هذا القتال طريقهم ويريهم إمكانيات جديدة يمكنهم بلوغها.

بدأ يغمى على أنمار في هذه الأثناء بسبب استفراغها طاقتها السحرية، وسقطت على الأرض باقية بدون أيّ دفاع. وعندما رأى الأقدمان الكبيران اللذان ما زالا بعافيتهما حاليا، احمرّت عيناهما وانطلقا بأسرع ما أملكا. لقد كان هدفهما الأوّل هو القضاء على أنمار قبل أن تتعالج مرّة أخرى لأنهم يعرفون خطورتها عليهم.

شرب الأقدمان الكبيران إكسير التعزيز، ثمّ سارعت فضيلة كرم عبر الظلال والكبير ديميور باستخدام عنصر التعزيز والنار، فوصلا إلى أنمار في لحظات قليلة فقط. انبثقت القدمى الكبيرة من الظلال ووجّهت رمحها ثلاثي الشعب والمشحون بعنصريّ الظلام والسحاب تجاه أنمار، كما وثب الأقدم الكبير ديميور بجسده الضخم.

كلّ ما كان ينتظر أنمار في هذه اللحظة هو الموت الأكيد لا غير. ومع ذلك، توقّف القدماء الكبار مرّة أخرى بسبب ذلك الشخص كما حدث للأقدم الكبير زئير سابقا. سبقتهما الأميرة شيرايوكي ورمت بجسدها على جسد أنمار حامية إيّاها.


لفّت جسدها على أنمار بقوّة كما لو أنّ حياتها تعتمد على ذلك، وصرخت مغمضة العينين: "إن أردتما حياتها، فيجب عليكما سلب حياتي أولا."

لقد كانت الأميرة شيرايوكي تعلم تماما ما تفعل. فبالنظر إلى ما حدث سابقا مع الأقدم الكبير زئير، علمت أنّ القدماء الكبار لا يستطيعون قتلها. وبالرغم من أنّ ذلك كان احتمالا ضعيفا أن يحدث مرّة أخرى مع هذين الأقدمين الكبيرين، خصوصا وهما في أعماق الغضب، إلّا أنّها لم تتردّد ولو للحظة في القفز من أجل حماية أنمار.

فتحت الأميرة شيرايوكي عينيها في تلك الأثناء ثمّ نظرت إلى أنمار وتذكّرت ما فعلته من أجلها سابقا عندما جعلت من نفسها طعما لتستطيع هي والآخرون الهرب. لقد بقي ذلك العمل البطوليّ من أنمار مرسّخا في عقلها، وكان وسيكون دائما دافعا لها لأن تمضي في قناعاتها الجديدة.

صرخت فضيلة كرم مباشرة بعد ذلك: "ابتعدي عن طريقنا أو ستجدين نفسك في موقف لا تحسدين عليه."

أغمضت الأميرة شيرايوكي عينيها مرّة أخرى ولم تتحرّك أبدا عن مكانها ولبثت فيه كأنّه ما يبقيها على قيد الحياة. كانت متشبّثة بهذا الأمر بقوّة.

حدّقت فضيلة كرم إليها بغضب ثم قالت إلى رفيقها: "أيها الكبير ديميور، الباقي عليك."

بقيت الأميرة شيرايوكي مغمضة العينين، ولكنّها فتحتهما مباشرة بعدما صدر صوت جعل قلبها يهتزّ كثيرا. لقد كان ذلك الصوت قادما من أبيها. نظرت إلى جهته فاتسعت حدقتا عينيها أكثر من الهلع.

لقد كان الكبير ديميور يحمل أباها من عنقه، وكان يستطيع إنهاء حياته في أيّ وقت شاء. ولكن الإمبراطور شيرو صرخ بالرغم من حالته العويصة: "من أجل الفوز بهذه الحرب، يجب أن تبقى تلك الفتاة حيّة يا شيرايوكي مهما حدث. أنا أصبحت مجرد عقبة في الطريق الآن بما أنّني في هذه الحالة وقد عولجت لمرّة مسبقا، لذا سيكون موتي أفضل من بقائي. لا تتحرّكي أبدا وحافظي على حياة تلك الفتا..."

سعل الإمبراطور شيرو الدم بعدما عصر الكبير ديميور قبضته أكثر، وحدّق إلى الإمبراطور شيرو باحتقار قائلا: "أنت تتكلّم كثيرا بالنسبة لرجل على شفا الموت."


أخذت فضيلة كرم وضعية الاستعداد ثم قالت بصوت بارد: "ابتعدي عن طريقي. أنت تعلمين الآن ما سيحدث لو لم تفعلي ! "

ارتعدت الأميرة شيرايوكي عندما فكرت بهذا الأمر، ولكنّها منعت دموعها من النزول، ثم زادت من قوّة شدّها لأنمار وبدأت تطلب السماح من والدها. فحتى لو أخبرها بأن تفعل ذلك، لم يكن ذلك شيئا سهلا على ابنة القيام به لأب مثله.

عصر الكبير ديميور عنق الإمبراطور شيرو أكثر بينما تردّد فضيلة كرم كلمة "ابتعدي" على مسامع الأميرة شيرايوكي بجانب صراخ والدها المريع. عضّت الأميرة شيرايوكي شفتها السفلى ولم تبتعد أبدا عن أنمار. كانت معاناتها في هذه اللحظات قاسية للغاية ولا تحتمل.

توقّف أبوها عن الصراخ بسبب قوّة القبضة التي شارفت على أخذ حياته، ونظر مرّة أخيرة إلى ابنته بعينيه الداميتيْن ثم ابتسم راضيا عمّا تفعله. وجّه نظره مرّة أخرى إلى الكبير ديميور ثم بصق الدم المتجمّع في فمه على وجهه.

وبعد تلك اللحظة، كُسِر عنق الإمبراطور شيرو مباشرة. فانهمرت الدموع من عينيْ الأميرة شيرايوكي ودوى صراخها في أنحاء ساحة المعركة. ومع ذلك، لم ترفع رأسها أبدا واستمرّت في حماية أنمار. لم تودّع أباها حتّى بالشكل المطلوب، ولم تشهد نهايته أيضا، وواكبت الصمود في وقاية أنمار.

كان باقي أعضاء مجموعة الجنرال رعد في حالة يرثى لها، ولم يكن بيدهم شيء لفعله. كان معظم الرؤساء غائبين عن الوعي، وكان فقط الجنرال رعد والكبير أكاغي إضافة للإمبراطور غلاديوس من استطاع المحافظة على وعيه. ومع ذلك، لم يكن لديهم أيّ قدرة على التحرّك فما بالك بحماية الإمبراطور شيرو.

شعر كلّ واحد منهم بالغيظ ونظروا إلى الكبير ديميور بحقد عميق. أرادوا الثأر للإمبراطور شيرو ولكنّهم كانوا عاجزين.

حدّق باسل من بعيد إلى ما حدث، ولكن لم يكن هناك ما بيده فعله أيضا. جلّ تركيزه وقوّته كانت على ظلّ الشيطان. تحسّر في مكانه وزاد غضبه ثم انقضّ على هدّام الضروس بشراسة أكثر.

حدّقت فضيلة كرم إلى الكبير ديميور ثم قالت: "التالي ! "


خطى الكبير ديميور ثم حمل الكبير أكاغي من عنقه أيضا، وبدأ يفعل ما فعله للإمبراطور شيرو، بينما توقّفت فضيلة كرم عن إلقاء كلمة "ابتعدي" واكتفت بالمشاهدة فقط. فليس هناك حاجة لأن تقول أيّ شيء، الأفعال ستحسم كلّ شيء.

صرخ باسل من بعيد: "توقف ! "

وكذلك فعل العديد من الأشخاص. وفي هذه الأثناء انقضّ الجنرال منصف من حيث لا يدري أحد. لقد كان علاجه قد انتهى أخيرا، فتحرّك مباشرة بعد ذلك متّجها بسيفه نحو قلب الكبير ديميور.

شحن الكبير ديميور عنصر التعزيز والنار معا في ذراعه، ولوّح بها في الجهة التي قدِم من الجنرال منصف. ضُرِب الجنرال منصف بهذه الضربة فحلّق مئات الأمتار ساعلا الدم دون الحصول على أيّ فرصة في ردّ الهجوم.

لقد كان هذا شيئا طبيعيّا. لقد كان ذلك ساحرا بالمستوى الحادي عشر في الأصل والآن قد شرب إكسير التعزيز، وكان الجنرال منصف ساحرا بالمستوى السابع فقط. كان المستوى بينهما شاسعا جدّا.

وحينذاك، ظهر أربعة أشخاص. لقد كانوا قادة التشكيل الذين استطاعوا أخيرا الوصول إلى هنا. فرغم أنّه لا أحد تجرّأ فيما سبق على اللحاق بهم أثناء ذهابهم من أجل مساندة مجموعة أنمار، إلّا أن ذلك كان مؤقّتا فقط واستعاد جيش العدوّ جرأته بسرعة بعدما شاهد قدماءه الكبار وسيّدهم ظلّ الشيطان. واستطاع هؤلاء القادة الأربعة الوصول إلى هنا بمعاونة أتباعهم.

ومع ذلك، حتى باستخدامهم خطّة محكمة من أجل إنقاذ الكبير أكاغي من قبضة العدوّ، إلّا أنّ كلّ ذلك كان بلا فائدة أمام قوّة الكبير ديميور الهائلة. كلّ ما احتاج فعله هو إطلاق بعض من اللكمات المنفجرة عليهم فاخترق تشكيلتهم بسهولة. كان فارق القوّة بينهم كبيرا.

أكمل بعد ذلك الكبير ديميور ضغطه على عنق الكبير أكاغي الذي كان بلا حول ولا قوّة. ومع ذلك، تذكّر الكبير أكاغي ما فعله الإمبراطور شيرو قبل موته ثم ابتسم قبل أن يبصق في وجه الكبير ديميور.

ظهرت العديد من العروق على وجه الكبير ديميور بعد هذه الإهانة التي تكرّرت لمرّة ثانية، فزاد من قوّة ضغطه. ومباشرة بعد ذلك بعدما ظنّ كلّ شخص أنّ مصير الكبير أكاغي قد تحدّد، سمعوا أصواتا غريبة قادمة من بعيد.

كانت هذه الأصوات بهيبة مدهشة للغاية، وحملت معها ثقلا كان منبعه هالات ونيّات شرسة عديدة. أحسّ جميع السحرة بشعور غريب ووحشيّ. لقد كان هذا الشعور مماثلا للذي يحسّون به عندما يواجهون وحوشا سحريّة عديدة مرّة واحدة، ولكن هناك شيء مختلف بهذا.

نظروا كلّهم ليعرفوا ما القادم بالضبط، وبالطبع، كان الكبير ديميور منهم أيضا، فكان هذا سببا في توقّفه عن قتل الكبير أكاغي للوقت الحالي.

واواوا هاااا

كانت هذه الأصوات تقترب أكثر فأكثر، واتضحت صورة مصدرها أيضا بذلك.

بعيدا عن ساحة المعركة بأميال، تقدّم آلاف البشر، لا، آلاف الوحوش، لا، ربّما الاثنين معا. وفي مقدّمتهم، كان هناك ذئب فضّي يجري على قدمين، ولديه قرنين أحدهما أكبر من الآخر، وكانت عيناه زرقاوان.

عوى هذا الذئب الفضّيّ ثم تكلّم بصوت مرتفع: "استيقظي أيتها الوحوش النائمة ! "

غواااه

اهتزت الأرض بأصوات الزئير، والعواء، ومختلف الأصوات المزمجرة. فبعد جملة الذئب الفضّيّ مباشرة، أصبح آلاف البشر منهم وحوشا شرسة. كأنّهم حشد وحوش سحرية يمكنه هدم مدن في لحظة، وجف الأنهار في رشفة، ودكّ الجبال بخطوة.

اقترب هذا العدد الهائل من البشر الوحوش وزاد ضغطهم حملا أكبرا على كاهل الحاضرين. أصبح كلّ شخص موجود يرتعد كلّيّا ممّا هو قادم وترجّى ألّا يكون من مستهدَفي ذلك الحشد الهائل القادم.

حدّق الأقدم الكبير ديميور إليهم بعينين مندهشتين وبدا عليه التعرّف على هويتهم، ثم أفلت الكبير أكاغي بسرعة كبيرة واختفى من ناظر الجميع، وفي اللحظة التالية التي ظهر بها كان خلف فضيلة كرم.

قال على عجلة من أمره: "انسيها حاليا. لدينا مشكل أعوص."

كانت فضيلة كرم قد لاحظت أيضا مثلها مثل الباقي هول الحشد القادم، لذا تخلّت عن قتل أنمار مباشرة بعد كلام الكبير ديميور واختفت بالظلال. ومرّة أخرى، في اللحظة التي ظهرا بها معا كانت عندما أصبحا تحت سيّدهما ظلّ الشيطان.

قبل لحظات قليلة...

بووم بووم* بووم

تبادل باسل وهدّام الضروس قبضات شرسة جدّا. لكمة من أحدهما لن يستطيع ساحرا بالمستوى الثاني عشر حتّى تحمّلها. لقد كان ظلّ الشيطان يستخدم عنصريْ الدمار والتعزيز، وكان باسل يوظّف عناصره الثلاثة، ومن بينها عنصر التعزيز الذي كان بمستوى مرتفع عن الرابع عشر بكثير، وكان هو السبب في قدرة باسل على مواجهة ظلّ الشيطان بتعادل.


وهذا بدون ذكر الارتجاجات والصدمات التي تنتج فقط بسبب فنّيهما القتاليين. لقد كانا ذانك فنّان قتاليّان أصلهما سامٍ، وكلاهما كان في الدرجة الثانية، الغصن الثاني، الجزء الصغير. وكان التقاؤهما شيئا جعل كل المشاهدين يعلمون كم هي مرعبة الفنون القتالية حتى لو لم يعلم بعضهم ما هي.

شعر كلّ شخص تحتهم أنّ السماء ستسقط عليهم من شدّة الضغط الذي عليهم. أحسّوا كأنّ هناك جبالا لا تحصى فوقهم تقمعهم بوزنها الهائل. ومعظم السحرة تحت المستوى الخامس كانوا قد غابوا عن الوعي بالفعل بعد تصادم هجمتيْ باسل وهدّام الضروس الأخير.

وفي لحظة، ارتدّ جسدا الاثنين معا فابتعدا عن بعضهما أميالا بسرعة كبيرة. شحن باسل مرّة أخرى طاقته السحرية في رمحه الخشبيّ، وكذا فعل ظلّ الشيطان بسيفيه الهلالين.

وفي لحظة، أصبح باسل عبارة عن مجسّم عملاق، برمح ضخم جدّا في يده. وفي المقابل، كان هناك نسخ مكبّرة من هدّام الضروس بلغ حجمها نفس الذي كان عليه مجسّم باسل العملاق.

بلغ عدد هذه النسخ المكبّرة ثلاثة، وحملت معها طاقة هائلة للغاية. بدت كلّ واحدة منها كأنّها فعلا ظلّ الشيطان، وزاد هذا من شدّة الوضع بالنسبة للمشاهدين فابتعدوا إلى أقصى ما أمكنهم مرّة أخرى.

كانت هذه النسخ فضّيّة وفوق كلّ واحد منها هلال أرجوانيّ. بدت كمخلوقات سامية أتت من عالم أرقى، وظهرت قادرةً على تطبيق أحكامها وقواعدها في هذا العالم المتدنّي بكل سهولة، وجعلت من كلّ شخص آخر ينحني لها خوفا منها.

كان مجسم باسل العملاق بنفس الهيبة، وكان أزرقا بسبب ناره الزرقاء، فبعد آخر معركة ضدّ الأقدم الكبير شهاب سعير، استطاع باسل إتقان إمكانية عنصر النار أخيرا لهذا المستوى. وكانت إمكانية النار الوحيدة بمستويات مختلفة، فترتفع درجة حرارتها بتحوّلها من الأحمر إلى الأصفر ثم الأزرق والذي به باسل حاليا، ويتلي ذلك الأبيض فالبنفسجي، ثم يتبع ذلك فوق البنفسجي قبل أن يصل إلى الأسود الأسطوريّ أخيرا.

انتشرت أسطورة عن النار السوداء الأسطوريّة في العوالم الروحيّة، وكانت تقول أنّه قد بلغ تلك المرحلة شخص واحد فقط عبر التاريخ كلّه. وهذا الشخص كان في ذلك الوقت على شفا حكم العوالم الأربعة عشر وصنع ميراثه الأبديّ، ولكنّه مات عكس ما توقّع الجميع.

والسبب في موته هو ما كان يجعل من هذه الحكاية أسطورة تتناقل جيلا بعد الآخر. لقد كان السبب في موته هو احتراقه بسبب ناره الخاصّة. كانت النار السوداء الأسطوريّة أكثر مما أمكنه تحمّله بالرغم من أنّها من عنصره الخاص، وهذا ما جعل هذه الحكاية أسطورة أرعبت الناس عبر الأزمان. فصار هناك مثل منتشر: "العب بالنار كما تشاء، ولكن احرص على البقاء في الضّياء، ففي الظلام يوجد فقط وباء بلا شفاء."

قيل، أنّ ذلك الشخص كان قادرا على تدمير عالم كلّه لو أراد، ولكنّه مات بسبب هذه النار السوداء الأسطوريّة، وهذا كان سببا في اعتقاد الناس أنّ تلك النار يمكنها أن تجلب نهاية العوالم برمّتها؛ فأصبح لديها اسم خاص: "جوْنُ النهاية".


حلّق المجسّم الأزرق العملاق، فبدا كحاكم للسماء الواسعة، يمكنه صرع الأرواح مطبّقا ذلك برمحه الذي كان كنصل عقاب تكوّن من إرادة هذا العالم نفسه.

كان باسل قادرا على التحليق بسبب إحدى إمكانيات عنصر الرياح التي كانت الطيران بحرّيّة في السماء، وكان باسل قادرا على إتقانها بسهولة أيضا بعدما كان قد واجه الأقدم الكبير فالتشر. فإمكانية عنصر الرياح هذه كانت الأكثر شيوعا بين سحرة هذا العنصر.

تزلزلت الأرض أسفل الاثنين بسبب هالتيهما الضخمتين وجعلت من كلّ شيء أسفلهما خاضعا لهما. تلاقت نيتاهما واشتدّت الأوضاع أكثر فأكثر، ثم انطلق أخيرا المجسّم الأزرق العملاق.

بووم

اخترق الهواء، وبالرغم من حجمه الكبير إلّا أنّه لم يُرَى لأحد غير خصمه هدّام الضروس الذي اعترض طريقه عبر النسخ الثلاث الضخمة.

انكسار

باام
باام باام*

ثلاث تلويحات من رمح باسل قابلتها دفاعات النسخ فارتد جمعهم مرّة واحدة. نزلت الصدمة فسقطت على ساحة المعركة شاقّة بذلك الأرض لنصف صانعة جرفا عميقا.

لم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ. ظهر ظلّ الشيطان وراء باسل ثم كسر الهواء مّرة أخرى، وهذه المرة بدا كأنّه كسره عشرات المرّات أثناء توجّهه نحو باسل ممّا جعل منه غير مرئيّ بتاتا، وحتّى لباسل لوهلة.

اخترق ظلّ الشيطان بجسمه المغلّف بعنصر الدمار والتعزيز المجسم العملاق وكاد يمر عبر باسل لولا قيام هذا الأخير بفعل نفس ما فعله ضدّ القدماء الثلاثة قبلا.


ركّز كلّ طاقة المجسّم عندما اختُرِق على جسده مباشرة ورمحه الخشبي ثم قاوم جسد هدّام الضروس المدمّر.

وكان هذا الالتقاء بينهما أشرس من الذي سبق فهدم الأرض أسفلهما وجعل الهواء يصبح له حمل أثقل. ازدادت حدّة المعركة ولم يبدُ أنّ نهايتها قريبة.

ارتدّ جسدا الاثنين معا إلى أميال مرّة أخرى فاقترب الأقدمان الكبيران من سيّدهما. تكلّمت فضيلة كرم بسرعة: "سيّدي، ذلك العدد القادم صعب التعامل معه."

حدّق إليها هدّام الضروس الذي جسده مغطّى بجروح خفيفة لم تؤثر عليه أبدا، ثم قال بعدما نظر إلى ذلك الحشد الذي يقترب: "لا عجلة. اتركيهم يتجمّعون."

حدّقت فضيلة كرم إلى سيّدها لمدّة قبل أن تفهم ما يقصد. اختبأت في الظلال مبتعدةً ونصحت الكبير ديميور بالابتعاد بينما يحمي نفسه بكلّ ما يملك.

وفي هذه الأثناء، اقتربت شي يو وهيل من الأميرة شيرايوكي وأنمار ليعالجا هذه الأخيرة. وفي ليفعلا ذلك وجب أن يحملاها بعيدا عن الخطر، ولكنّ الأميرة شيرايوكي ظلّت متشبثة بها غير تاركة أيّ أحد يلمسها.

حدّق إليها هيل ثم تذكر موت الإمبراطور شيرو فتحسّر بقلبه. اقترب من أميرته وربّت على ظهرها قائلا: "كان ليكون أبوك أفخر الآباء بك يا سيّدتي الصغيرة."

انهمرت الدموع من عينيها بعد سماعها كلامه، وصرخت بصوت مرتفع للغاية. اعتقدت مع نفسها أنّه لا يهمّها افتخاره بها أم لا، فهو لم يعد موجودا لفعل ذلك حتّى ولامت نفسها على موته. أحسّت بأنّها لم تقم بالكثير من أجله وكانت تصعب عليه الأمور فقط. فات الوقت على الندم الآن ولم يعد هناك أيّ شيء بإمكانه إعادة أبيها.

إن لم تقتُل ستقتَل. وأخيرا علمت معنى هذه الجملة التي كرّرها أبوها لها كثيرا مبرّرا أفعال باسل. يبدو أنّه لم يكن هناك خيار آخر في هذا العالم غير هذا. فعندما يملك شخصا قوّة كافية ليحكم بها العالم، لن يوجد شيء يوقفه سوى قوّة معادلة معادية له.

نهضت حازمة بأفكارها الجديدة ونظرت إلى الكبير ديميور البعيد بأميال عنها، ثم نظرت إلى شي يو وهيل ثم إلى أنمار من جديد. كانت عيناها البيضاوان في تلك اللحظات تجعلانها تبدو كأميرة صقيع بمشاعر جامدة لا تحمل ذرّة من الدفء.


أعادت نظرها إلى الكبير ديميور ثم قالت بهدوء: "الدم بالدم."

اقتربت شي يو وهيل من أنمار ثم أخذاها بعيدا، وحاول هيل نصح الاميرة شيرايوكي بالابتعاد أكثر من مرّة لكنّها لم تستجب لطلبه أبدا.

واواوا هااا

اقترب حشد المتوحّشين أكثر فأصبح مرئيّا كلّيّا لجميع، فزاد هذا من رعبهم أكثر فقط. تقدّمهم ذلك الذئب الفضّيّ ثم صرخ: "يا سيّدي باسل، آسف على التأخر، لقد واجهنا بعض مشاكل الخيانة في طريقنا إلى هنا."

حدّق باسل إليه من بعيد ثم أجاب: "تعلم أنّني بمواعيدي وكذا أريد مواعديني. لا يهمّ حاليا، المهمّ أنّك أتيت. أخبرني عمّا حدث لاحقا."

حدّق باسل إلى ظلّ الشيطان ثم قال مكملا بنظرات هادئة: "والآن، لمَ لا تبيدوا بقيّتهم وتتخلّصوا من ذينك الاثنين، واتركوا أمره لي." أشار باسل بذينك الاثنين إلى الأقدمين الكبيرين، وبالأخير إلى هدّام الضروس.

زحف جيش المتوحّشين عبر ساحة المعركة فمرّ بما بقي من الأعداء، فأبادهم كأنّهم مجرّد حشرات فقط لا غير.

انبثق شيء من الأرض فجأة ووقف على قدمين. لقد كان ذلك ساحرا متحوّلا أيضا. كان هذا الساحر عبارة عن وحش يشبه النمر بمخالب كأنّها تعود لخلد. كان يقف على قدمين فكان طوله يبلغ المترين، وبدا مهيبا بلونه الأسود والخطوط البيضاء التي تلتف عليه.

كانت هالته مرتفعة وبلغت المستوى السابع. وأخيرا تكلم: "يا قبيلة حاكم الأرض، اتخذوا تشكيل أولاد الأرض ! "

كان الصوت يعود لامرأة، والتي كانت لمياء رأس عشيرة الغبراء المظلمة وزعيمة قبيلة حاكم الأرض. كانت عشيرة لمياء في منصب الزعامة لعدّة أجيال بما أنّ صاحب الكفاءة ظهر منها في كلّ تلك المرات السابقة.

تحرّك سحرة الوحش النائم في تناسق كبير وفي لحظة أصبحوا وحدة متراصّة تستطيع هدم الجبال والأراضي. كان هناك فقط سحرة متحولون في حشد السحرة هذا ممّا جعل القشعريرة تصعد مع أجساد الحاضرين فأحسوا أنّهم بمواجهة حشد من الوحوش السحريّة مرتفعة المستوى.

تحرّك تشكيل أولاد الأرض فتحطّمت الأرض أسفلهم، وفي لحظة، ارتفع من الأرض مئات الحوائط التي أحاطت بالأعداء من كلّ جهة. كانت هذه الحوائط كالجبال عمقا وتراصّا، ولم يكن من السهل اختراقها لاسيما بوجود التشكيل يدعمها باستمرار.

فجأة، ظهر العديد من السحرة في الجو. لقد كانت تلك قبيلة حاكم الجو. كلّ ساحر منها كانت له القدرة على التحوّل لوحش سحريّ بالقدرة الطبيعيّة على الطيران. لذا ارتفعوا إلى السماء وأسقطوا هجماتهم على المحاصرين بين جبال تشكيل أولاد الأرض.

سقطت الهجمات من السماء كشظايا نيازك بدون توقّف جاعلين الأعداء يخسرون حياتهم بسرعة كبيرة.

تلى ذلك عواصف مصاحبة بفيضانات متعدّدة من قبيلتي حاكم الرياح والمياه، فتسبب ذلك في إبادة العدو الشبه كاملة. ولكن لم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ فقط. ففجأة، ظهر متحوّلون من باطن الأرض داخل محيط الجبال بين الأعداء. وكان الذي قادهم هو لمياء.

انطلقت لمياء فاخترقت الأعداء بسرعة كبيرة للغاية. كان واضحا أنّ تلك السرعة كبيرة كثيرا حتّى بالنسبة لساحر تحوّل بالمستوى السابع، وهذا بدون ذكر القوّة الهائلة التي تصحب ذلك.

كان ذلك بسبب قوّة أعضاء قبائل الوحش النائم الجسمانية المخيفة. فمع أنّ لمياء الآن بالمستوى السابع، إلّا أنّها كانت تملك جسدا كأنّه يعود لشخص في المستوى العاشر.

حتى الطفل في هاته القبائل يملك جسدا صلبا كالذي لدى ساحر بالمستوى الأول، فما بالك بشخص قد بلغ المستوى السابع.

تحطّمت قوّات الأعداء بسرعة مرعبة كثيرا، ولم يتبقّ منهم الكثير الذين نجوا من أن يحاطوا بتلك الجبال. كان ذلك هجوما مشتركا بين القبائل القياديّة في الوكر إلّا قبيلة حاكم النيران التي لم توجد.

لم تدم فرحة الناجين من هذا الهجوم المشترك طويلا حتّى تعرّضوا للقتل من طرف قبائل أخرى وهذه المرّة بقيادة أبهم.

أصبح حاليا في قمّة المستوى الخامس، واستطاع اكتساب تحوّل جديد. كان هذا التحوّل هو الذئب الفضّيّ ذو القرنين الذي كان له سحر الظلام بفعالية أكبر من التي كانت لدى الوحش السابق.

قاد جيشا ضخما وأبادوا كلّ ما تبقّى من الأعداء نهائيّا.

تحمّس جميع الحلفاء وفرحوا بالتعزيزات. كلّ شخص ارتاح باله أخيرا برؤية قبائل الوحش النائم وما قادرة على فعله. اطمأنّت قلوبهم وسقط العديد منهم على الأرض معتبرا المعركة قد حسمت.

ومع ذلك، لم تطل فرحتهم أيضا حتى واجهت قبائل الوحش النائم بعض الهجمات الشرسة التي لم تستطع تجنّبها في الوقت المناسب ولا الدفاع ضدّها. والسبب كان بسيطا، فتلك الهجمات كانت مزيجا من أقوى عنصرين في هذا العالم في المستوى الرابع عشر إضافة لدعم من فنّ قتاليّ سامٍ بالغصن الثاني.

أيّ شيء لمسته تلك الهجمات تدمّر تماما بدون ترك أيّ أثر. فلو لم يكن لديك كمّيّة سحر كافية للدفاع عن نفسك، ستتعرض للدمار بمجرّد ما أن تُلمَس منها. كانت تلك الهجمات من هدّام الضروس كنقط أرجوانية بدت كنجوم داكنة في السماء، وأيّ شيء لمسته هذه النجوم اختفى مباشرة.

هذه النجوم الداكنة غلِّفت بشيء غير مرئي بدا كالزجاج، وعندما اقتربت من الأعداء انكسر ذلك الزجاج فجعل النجوم الداكنة تنطلق بسرعة لا يمكن التعامل معها أبدا.

وفي لحظات فقط، أبيد الآلاف من سحرة قبائل الوحش النائم.

كانت أجساد المقتولين مليئة بثقوب في عدّة أنحاء. كلّ ثقب كان بوسع القبضة وكان سببه أحد النجوم الداكنة الضئيلة.

صرخ باسل بعد رؤية هذا الأمر غاضبا ثم انقض على ظلّ الشيطان. فإن كانت هناك أيّ طريقة لمنعه من قتل المزيد من حلفائه، فهي قتاله مباشرة وعدم ترك له أيّ فرصة ليكون قادرا على فعل ما يشاء.

فحتّى لو كان باسل قادرا على النجاة من هول عنصر الدمار ولاسيما بعدما كان معزّزا، ذلك كان لأنّ باسل يملك طاقة غير محدودة تشحن عنصر التعزيز الخاص به وترفعه لمستوى عالٍ جدّا، ولكنّ الآخرين لا يملكون مثل هذه الوسيلة الدفاعيّة لتحميهم. لذا كلّ شخص ليس بالمستوى المطلوب لن يستطيع أبدا النجاة من عنصر الدمار المعزّز.

والمفاجِئ، كان قبائل الوحش النائم التي هاج أعضاؤها أكثر فقط واشتدّت عزيمتهم أكثر فقط. حتّى بعدما شاهدوا مقتل الآلاف منهم على يد ظلّ الشيطان إلّا أنّهم توجّهوا نحوه بدون توقّف كما لو أنّهم من قتلوا الآلاف للتوّ.

كان أعضاء هذه القبائل بعزيمة مخيفة وشجاعة جبّارة. ضعهم فوق الجبل وسيدكّونه، امنحهم نهرا وسيجفّونه، أغرقهم في البحر العميق وسيركبون حيتانه الشُرس منطلقين نحو سطحه من جديد. كانوا مخلوقات مقاتلة بالغريزة، وكانوا الجنس الأقوى في العالم الواهن.

ففي الحرب قبل حوالي خمسين سنة، كانت هذه القبائل قادرة على مواجهة إمبراطورية الشعلة القرمزية في حرب طاحنة، والمحافظة على وكْرها سالما في حالة هوجِم من إمبراطورية الأمواج الهائجة من الجهة الأخرى.

استطاعت عائلة كريمزون في ذلك الوقت أن تخفّف من سرعة تقدّم القبائل بسبب شيء وحيد – عشيرة النار القرمزية. لولا هذه الأخيرة لما استطاعوا أبدا النجاة في العديد من الحالات. فمع أنّ قبائل الوحش النائم كانت تحمل الجنس الأقوى في هذا العالم، إلّا أنّ عشيرة النار القرمزية لم تكن أقلّ منها بما أنّ جميع أعضائها كانوا مواهبا صاعقة دائما بمستويات مرتفعة.


انطلق الجنس الأقوى نحو العدوّ الذي يراه أمامه دون تردّد. وفي تلك الأثناء، اتّسعت ابتسامة هدّام الضروس لمّا رأى ذلك واستعدّ أكثر.

انبثق إعصار فجأة في السماء، وتوجّه نحو مجموعة ظلّ الشيطان بسرعة كبيرة للغاية، وكان باسل في مركزه مشيرا برمحه المشحون بالعناصر الثلاثة تجاه هدّام الضروس. انطلق كحفّار لا يسع أحد إيقافه صارخا: "لن أسمح لك بذلك يا هذا."

في مواجهة مثل هذا الهجوم العنيف، لم يكن لدى ظلّ الشيطان وقتا ليهتمّ بالقبائل، وأمر بصرف انتباه تلك الوحوش البشريّة القادمة. التفت بعد ذلك بسرعة إلى باسل ثم لكم الهواء عشرات المرّات بسرعة كبيرة ومن كلّ لكمة صنع شيئا أسطوانيا مجوَّفا حادة النهاية. شحن بعد سحره في سيفيه الهلالين واخترق الأسطوانات، والتي انكسرت بعد ذلك كالزجاج، سامحةً بذلك لكلّ القوّة التي أطلقها هدّام الضروس بها أن تنطلق بسرعة وقوّة أكبر بأضعاف.

باام باام باام

تواجه باسل مع وابل هجمات سحر ظلّ الشيطان، فاخترق العديد منها، وراوغ بعضها، وأصيب بعدد منها. وفي تلك اللحظات، اختفى كلّ ذرّة من طاقة باسل السحرية التي كانت تحميه لتذهب كلّها نحو الرمح الخشبي، والذي استوعبها بسرعة خياليّة بدوره ثم ركّزها كلّها بتحكّم باسل وبدأ شكله يتغيّر قليلا حتّى أصبح مشوّها نوعا ما.

عنى ذلك أنّ باسل قد جعل كلّ تركيزه وطاقته من أجل التحكّم في هذا الرمح الخشبي والطاقة الهائلة التي استوعبها. ففي كلّ الأوقات السابقة كان الرمح يسخّر طاقة باسل بشكل جيّد للغاية، ولكنّه لم يصل لمرحلة التحكّم المثاليّ أبدا. وتشوّهه هذا هو إعلان عن اقتراب باسل من السيطرة كلّيّا عليه والحكّم فيه مثاليا.

تعرّض جسد باسل بعد ذلك لبعض الإصابات من هجمات ظلّ الشيطان، لكنّه كان حريصا على إزالة دفاعاته حتّى الوقت المناسب. أيّ عندما يكون على مقربة من خصمه كفاية حتّى يكون متأكدا من عدم تلقّيه العديد من الإصابات البالغة ومن الحرص على مفاجأة عدوّه.

وبالطبع، لم يتوقّع هدّام الضروس أنّ باسل سيتخلّى عن دفاعاته من أجل القيام بهجمة، وبالتالي لم يجد وقتا للدفاع بشكل كلّيّ ولا للمراوغة.

بووم


نزل باسل برمحه على المشحون بالسحر إضافة لتزويده بكميّة هائلة من قوّة الدفع التي أتت من الفنّ القتاليّ. وفي الجهة الأخرى، أطلق هدّام الضروس كميّة كبيرة من سحره حتّى يدافع عن نفسه قدر الإمكان، ودعم ذلك بفنّه القتاليّ أيضا، وكلّ ذلك لم يكفِ ليوقف رمح باسل الخشبيّ، فأخرج من مكعّب التخزين في آخر لحظة شيئا ما.

نتج عن ذلك انفجار هائل جعل كلّ شيء من حولهما يندثر كما لو لم يكن موجودا أصلا. ولحسن حظّ الأقدمين الكبيرين أنّهما ابتعدا مسبقا وإلّا كان مصيرهما محتوما – الموت ولا شكّ.

ظهرت صورة ما حدث بعد قليل من الوقت فجعلت كلّ شخص يفزع من الهلع. لم يصدّق أحد ما نتج عن هذا الاصطدام العنيف، ولكنّهم لم يصدّقوا أكثر ما حدث لمسبّبيْه.

كان باسل ساقطا على ركبة واحدة، بينما تغطّيه جروح بليغة في كامل أنحاء جسده. فعلى ما يبدو، لقد قام بمجازفة كبيرة لمّا أزال دفاعاته وكانت النتيجة معلومة، ولكنّ هذه الجروح كان سببها شيء آخر أيضا.

اتّضح أنّ هدّام الضروس قد تعرّض لجرح عميق ببطنه ولكنّه لم يؤثّر عليه حتّى أنّه بقي واقفا بينما يحمل شيئا في يده ويحدّق إلى باسل بعينيه السوداوين وفمه الذي غطاه الدم.

وقف باسل غير مهتمّ بالآلام ثم حدّق إلى هدّام الضروس وقال: "يبدو أنّني لست الوحيد الذي لديه كنز من أحد الأراضي العتيقة، فقط يبدو أنّ كنزي من الواهبة وكنزك من المحرّمة."

***

وفي تلك اللحظات، فتح شخص على بعد مئات آلاف الأميال عينيه. لقد كان هذا الشخص عبارة عن شابّ تدور حوله رأسه ثلاث كرات كنجوم تحمل معرفة شاملة بهذا الكون. كان هذا الشابّ هو الذي ظهر ببحر روح باسل.

رمق بعينيه اللتين تستطيعان الرؤية عبر كلّ شيء في هذا العالم، واللتين كان بإحداهما نجمين والأخرى نجم. تحرّكت هذه النجوم الثلاثة حول الحدقتين ببطء شديد، وتارة فالأخرى انتقل النجمان من العين الأولى إلى الثانية، ليتبادلا المكان بالنجم الذي هناك. رأى الشابّ بهاتين العينين من خلال المسافات بحكمة سياديّة فعبس ثم أغمض عينيه مرّة أخرى.


نطق بعدما فهم بعض الأشياء: "قبل ألف سنة، واتتني الفرصة للحصول على ذلك الكنز، ولكنّه سبقني إليه. لم أتحسّر ولو قليلا على عدم الحصول عليه لأنّني كسبت الحكمة السياديّة بعد وقت وجيز فقط، ولكن... من كان يتوقّع أنّني سأراه في هذا المكان وبهذا الشكل؟ يا له من عالم. حتّى لو كان بإمكاني توقّع الكثير من الأشياء فلن يمرّ كلّ شيء عبري."

شدّ قبضته أكثر ثم وقف وأكمل التفكير بصوت مسموع: "لقد تأكّد الأمر بهذا. لم أستطِع حسم شكّي عندما رأيت الفنّ القتاليّ الذي يستعمله فقط، ولكن برؤيتي لذلك الكنز الآن، أصبحت متيقّنا." ابتسم الشابّ ذو الشعر الفضّيّ باعثا هدوءا كالذي يكون في سماء مظلمة ببدر ساطع وأكمل: "يبدو أنّ القدر جمعنا مرّة أخرى يا شيطان اليأس، إبلاس."

***

في هذه الأثناء، بصق هدّام الضروس الدم ثمّ تكلّم: "إذن كنزك ذاك من أحد الأراضي الواهبة العتيقة، لا عجب في نجاتك."

كان ظلّ الشيطان يحمل بيديه شيئا دائريّا فضّيّا. كان هذا الشيء يبدو كالبدر المنعكس في بحيرة ما تماما. تموّج سطحه كأنّه ماء يهتزّ، وبعث ضوءا ساميا حاملا وقورا مهيمنا. كان هذا البدر بإمكانه حكم المخلوقات من السماء وإحاطة كلّ شيء بنوره.

حدّق باسل إلى ما في يد هدّام الضَّروس ثم قال: "إذن هذا هي قوّة كنز من الأراضي المحرّمة العتيقة؟ تبدو مثيرة للاهتمام."

ابتسم هدّام الضروس وبادله الحديث مرّة أخرى: "اهتمامي برمحك الخشبي أيضا كبير."

***


نطق إدريس الحكيم بعدما نظر في عقله إلى العديد من الذكريات: "أعماق مئوية، لُعِنَت، فصارت ظلاما أبديّا. بحيرة المائة، حيث الموت بلا حياة، انعكس عليها ضوء البدر الأبديّ."

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "يا له من زمان دوّار. مرّت ألف سنة لأرى 'قرص بحيرة المائة الفضّيّ'."

***

ارتفع قرص بحيرة المائة الفضّيّ فجأة من يد هدّام الضروس وتوقّف فوق رأسه ثم وسطع أكثر. أطلق القرص ضوءه الفضّيّ عليه فبدا ظلّ الشيطان كأنّه سيحترق لوهلة، ولكن في اللحظة التالية علم كلّ شخص أنّ عكس ذلك ما يحدث في الواقع.

لقد كان لهذا الضوء الساطع قدره غير معقولة على شفاء الجروح، ففي لحظات فقط اختفت جروح هدّام الضروس وأصبح في حالة أفضل من التي كان عليها قبل أن يبدأ القتال أصلا. وبعد النظر بتركيز أكبر، لاحظ الجميع أنّ طاقته السحرية قد شُحِنت من جديد كلّيّا.

صدِم العديد من الناس، واندهشوا. فما حدث كان مختلفا تماما عن تأثير الإكسيرات. فذاك لم يكن مثل إكسير العلاج أو التعزيز. فحتّى إكسير العلاج لن يستطيع علاج مثل تلك الإصابة التي نتجت بسبب الرمح الخشبي المشحون بثلاث عناصر إحداها تجاوز المستوى الرابع عشر بكثير.

وأيضا لم ترتفع قوّة هدّام الضروس ولكنّها عادت لتصبح كما كانت من قبل. جديدة كما لو أنّه لم يرفع إصبعا في هذه الحرب أبدا.

اندهش الجميع من الآثار المخيفة لذلك القرص الفضّيّ وارتعبوا. أمّا باسل، فعبس كثيرا وخمّن بعض الأشياء. يا ترى هل بإمكان ظلّ الشيطان استخدام هذه الطريقة لأكثر من مرّة أم لا؟

وليس ذلك فقط، بل حتّى أنّه لا يزال يتذكّر الحاجز الذي حمى هدّام الضروس في الموت بسبب الرمح. وكلّ ذلك كان بسبب نور القرص الفضّيّ. زاد كلّ هذا من اهتمام باسل في القرص، كما زاد حذره وأحس بشعور لم يختبره لمدّة طويلة – الخوف.


كان باسل في هاته اللحظات متوتّرا بعدما لاحظ ما يمكن أن يفعله القرص، وحزم أمره على شيء ما. لقد اقترب من التحكّم مثاليّا سابقا في رمحه الخشبيّ، ولا شكّ في أنّه سينجح بعد محاولة أخرى أو اثنتين، ولكنّ المشكل يقبع في النجاة حتّى ذلك الوقت.

حسب ما تعلّمه باسل، فلن يستطيع استخدام قدرة من إحدى قدرات ذلك الرمح الخشبيّ إلّا إذا كان يستطيع التحكّم فيه مثاليّا. ولهذا حاول باسل فعل ذلك متخلّيّا عن كلّ دفاعاته، ولحسن حظّه، فهو يمتلك كمّيّة غير محدودة من طاقة عنصر التعزيز، ولكن حتّى لو كانت الكمّيّة غير محدودة فجسده وبحر روحه سيصلان لحدودهما بوقت ما.

فما زاد صعوبة التحكّم مثاليّا في هذا الرمح الخشبيّ، كان أصله العتيق والاستثنائيّ، إضافة للتحكّم في ثلاث عناصر في آن واحد بينما واحد منها في مستوى مرتفع عن الرابع عشر. وهذا بالطبع شيء صعب جدّا على ساحر في المستوى الثامن كباسل. فلولا موهبة أعضاء عشيرة النار القرمزيّة المذهلة، وتدريبات إدريس الحكيم، لما كان باسل قادرا على بلوغ مثل هذا المستوى.

أصبح هدّام الضروس مفعما بالحيويّة أكثر من أيّ وقت مضى، وعاد قرص بحيرة المائة الفضّيّ إلى يده، ناويا استخدامه لحماية نفسه من رمح باسل الخشبيّ.

فكونه كنز من إحدى الأراضي المحرّمة العتيقة، كانت له منفعة كبيرة للغاية، ولكنّه في المقابل يرهق بحر الروح والجسد كثيرا حتّى لو عالجهما، ويجعل من استخدام السحر أكثر صعوبة. وبالطبع، كان الأمر نفسه ينطبق على كنز باسل من إحدى الأراضي الواهبة العتيقة.

بلغت معركتهما ذروتها أخيرا، وأصبحت نهابتها تقترب أخيرا بعد التطوّرات الأخيرة. فحتّى هذه اللحظة، كانت المعركة بينهما متساوية، وأمّا الآن أصبح كلّ شخص يعلم أنّ نتيجة المعركة ستتحدّد اخيرا حتّى لو لم يكونوا يعلمون عن الفائز بها.

وبالطبع كانت الأفضليّة في هذه الأثناء لهدّام الضروس، كونه أصبح معافى وطاقته السحرية مشحونة بالكامل، على عكس باسل الذي كان مجروحا بجروح خطيرة وطاقة عنصري النار والرياح كانت تقترب من الوصول إلى حدّ لا تقدر فيه على تزويده بأيّ طاقة.

وما كان يعطي ميزة لظلّ الشيطان حقّا على باسل كان معرفته بأنّ ذلك الأخير لا يستطيع استخراج قدرة الرمح الخشبيّ كلّها. كان باسل قد بدأ يستخدم الرمح في الآونة الأخيرة فقط على عكس هدّام الضروس الذي كان يتدرّب عليه لمدة طويلة.

علم الآن ظلّ الشيطان لمَ تخلّى باسل عن كلّ دفاعاته سابقا وابتسم بالتفكير في ذلك. لقد كان يواجه مشكلة في التعامل مع باسل الذي يملك عنصر التعزيز بكمّيّة ومستوى كبير، ولكنّه الآن أصبح يرى طريق الفوز واضحا.

أمّا باسل، فعلم ما الوضع الذي أصبح فيه وبدأ يفكّر في طريقة تمكّنه من البقاء على قيد الحياة ريثما يصير يتحكّم في الرمح الخشبيّ مثاليّا. فهذا كان هو أمله الأخير الذي سيمكنه من قتال خصمه بتساوٍ مرّة أخرى.

لقد كان باسل يستخدم الرمح الخشبيّ منذ بداية معركته ضدّ هدّام الضروس، ولكنّ هذا الأخير اكتفى بسلاحيه الأثريين بالدرجة السابعة، وكان هذا دليلا آخرا على مدى قوّة عنصر الدمار فقط. احتاج باسل إلى مثل هذا الرمح وعنصريه بالمستوى الثامن إضافة لعنصر التعزيز بمستوى فوق الرابع عشر حتّى أصبح قادرا على مواجهة هدّام الضروس.

وحاليا، كان هناك شيء إضافيّ يشغل بال باسل. لو كان هدّام الضروس قادرا على استخدام مثل هذا الكنز العتيق، فلا شكّ أنّه يملك التحكّم المثاليّ. وحقيقة أنّه لم يرهق نفسه باستخدامه طوال المعركة قبل الآن، تشير إلى أنّه كان ينتظر هذه اللحظة بالضبط حتّى تكون له الأفضليّة بشكل واضح.

أحكم باسل قبضته على رمحه الخشبيّ، وثبت في مكانه مركّزا على دفاعاته جيّدا. وفي اللحظة التالية أدرى أنّه ضُرِب من طرف شيء بسرعة كبيرة للغاية لم يستطع تتبّعها. وعندما رأى ما كان ذلك أخيرا، علم أنّه القرص الفضّيّ الذي كان مشحونا بسحر ظلّ الشيطان.


كانت سرعة هذا القرص لا تقاس فبلغ باسل في لحظة كأنّه انتقل عبر ضوئه الخاص. وبمجرّد ما أن وصل إلى باسل حتّى تضاعف حجمه فصار كبيرا كفاية ليصفع جسده بقوّة جعلته يهتزّ ويرتجّ بشكل عنيف. ولولا دفاعات باسل لكان عنصر الدمار المعزّز قد جعله في خبر كان.

حاول باسل تثبيت نفسه من جديد بعدما حلّق بسبب تلك الضربة لعشرات الأميال، فرأى قبائل الوحش النائم تتّجه نحو ظلّ الشيطان، لذا صرخ: "إنّه لي، اهتمّوا بأمر أولئك القدماء الثلاثة الذي بقوا."

كان باسل يعلم أنّهم لو اقتربوا من هدّام الضروس فسيموتون بدون فائدة ترجى. ولو أن هناك عمل يستطيعون إنجازه فهو محاولة التغلّب على القدماء الثلاثة المتبقّيين.

كان الكبير ديميور وفضيلة كرم في حالة يستطيعان القتال بها، ولكنّ الملول طايكوتسو كان بجروح بالغة جدّا ومازال يُعالج. هؤلاء الثلاثة وبعض المتبقّيين من جيش حلف ظلّ الشيطان أصبحوا في أهبة الاستعداد بعد كلام باسل وقوّوا من دفاعاتهم متّخذين تشكيل تقوده فضيلة كرم والكبير ديميور.

عاد القرص الفضّيّ إلى يد هدّام الضروس الذي استخدم بعد ذلك فنّه القتاليّ مباشرة ملاحقا باسل بسرعة كبيرة. وفي الجهة الأخرى، أدار باسل تعاويذه الذهنيّة الروحيّة واستخدم عنصر الرياح ليطير، ثم شحن رمحه الخشبيّ أكثر. فحتّى عندما ضُرِب بالقرص لم يتوقّف عن شحن رمحه الخشبيّ.

بدأ شكل الرمح يتموّج ببطء شديد، ولكنّ ظلّ الشيطان لم يكن سيتيح الوقت الكافي لباسل حتّى ينهي عمله.

انكسار انكسار انكسار

تتابعت الانكسارات واختفى هدّام الضروس تماما بعد عشرات من الانكسارات فبدا كأنّه ينتقل عبر الفضاء بعدما يكسره. كانت سرعته تزداد مع الوقت ولا تنخفض أبدا. وفي المقابل، كان باسل يدور مكوّنا إعصارا ليزيد من قوّة فنّه القتاليّ، لقد بلغ الدرجة الثانية فيه ولهذا كانت قوّة الدفع التي ينتجها كبيرة جدّا كفاية ليقاتل بها ساحرا بالمستوى الثامن دون استخدام السحر.


انبثق هدّام الضروس فجأة كأنّه قدم من الفراغ، والتقى بباسل مباشرة. كانت قبضة ظلّ الشيطان مغلّفة بسحره، وعندما اقتربت من باسل كسر الهواء مرّة أخرى فانطلقت قوّة هائلة مصاحبة لعنصر الدمار المعزّز كأنّما سماء أرجوانية سقطت بثقلها، وكان هذا الثقل قادرا على دكّ أعتق الجبال وأرسخها.

أمّا باسل، فكان قد ولّد قوّة دفع كافية ليواجه بها هذا الثقل العظيم. خلقت قبضته ارتجاجا في الهواء بعدما ضرب بها، وبالطبع صاحب ذلك سحره، مطبّقا الامتداد الكلّيّ، فصنع قبضة زرقاء ضخمة جابهت تلك السماء الأرجوانيّة، فكان الأمر كما لو أنّ عملاقا جبّارا أقوى من جبال العالم وأصلب منها يحاول رفع هذه السماء التي لم تترك شيئا إلّا ودمّرته.

احتدّ بينهما الضغط، وجعل من التنفس حوله شبه مستحيل. أظهر بعد ذلك ظلّ الشيطان قرص بحيرة المائة الفضّيّ، فشعّ ضوء هذا الأخير، وكان هذا الضوء حارقا للغاية، دون ذكر أنّه صاحب معه عنصر الدمار المعزّز.

ومن أجل إيقاف هذا، اضطرّ باسل إلى استخدام رمحه الخشبيّ الذي مازال لم يتحكّم فيه مثاليّا.

بووم بووم بووم

استمرّت التلاحمات بينهما وكان التعب على باسل ظاهرا، على عكس هدّام الضروس الذي كان معافى كلّيّا. بدأ مستوى عنصر تعزيز باسل يتراجع فأصبح في المستوى الرابع عشر، وكان هذا دالّ على كم أرهِق بحر روحه وجسده. وبالطبع، كلا عنصراه الآخران اقتربا من حدودهما.

لم يترك هدّام الضروس أيّ فرصة لباسل حتّى يحاول التحكّم في رمحه مثاليّا، وكان فقط يلاعبه طوال الوقت منتظرا إيّاه ليرهق. كان يعلم تماما ماذا يفعل ولم يتعب نفسه أو استفرغ كلّ ما لديه، وكان يخزّن قوّته بدل أن يضيعها على باسل الذي كانت نهايته محتومة.

وبعدما نزل مستوى عنصر تعزيز باسل إلى المستوى الثالث عشر مرّة أخرى، قرّر هدّام الضروس التحرّك من أجل القيام بالضربة القاضية. استعمل كلّ ما يملك من فنٍّ قتاليٍّ وسحرٍ وتوظيفٍ للكنز العتيق.

صنع عالم ين ويانغ، ثم جعل القرص الفضّيّ يطوف فوقه كداعم له. انكسر بعد ذلك الهواء بركلة منه فحلّق في السماء، وبعد عدّة ركلات أخرى اتّجه نحو باسل بسرعة مرتفعة، بحيث لم يكن خصمه المجروح والمرهق قادرا على مراوغته.


*بووم

ركل ظلّ الشيطان مرّة أخيرة عالم الين واليانغ عبر كسر الهواء، وكانت كلّ ركلة منه كافية لتسقط جبلا، وفي كلّ مرّة كان يركل بها كانت تزداد القوّة.

صار عالم الين واليانغ محاطا بنور فضّيّ بسبب قرص البحيرة، وانطلق نحو باسل بسرعة وقوّة لا تقاسان. كان هذا هو أقوى هجوم من هدّام الضروس حتّى الآن. لقد كان في هذا الهجوم طاقته السحريّة في قمّتها، وكذا فنّه القتاليّ، إضافة لاستغلاله قدرة القرص الفضّيّ الذي جعلت من هذا الهجوم أفتك وأمثل.

انكسر الهواء مرّات عديدة حتّى اختفى في الفضاء متنقّلا عبره. لقد كان بإمكان هذا الهجوم قمع ما يجابه ومحق ما يمرّ به. استطاع بلوغ الأعالي الأقاصي واختراق العالم السفليّ بهيمنة مدهشة.

شغّل باسل كلّ ما يملك من أجل الدفاع عن نفسه ضدّ هذا الهجوم المرعب، والذي انبثق فجأة من الفراغ فسقط بثقله كنجم ثاقب لا يستطيع شيء إيقافه من اختراق أهدافه.

باام باام باام

استمرّ النجم في الاندفاع تجاه باسل دون توقّف أو تباطؤ، وكان باسل يزداد ضعفا مع الوقت فقط وبدون حيلة أمام الحمل الهائل. كان هذا هو أقوى هجوم واجهه في حياته، ولم يسبق لأيّ شيء أن هدّد حياته لهذه الدرجة بهذا الشكل.

ابتسم هدّام الضروس في هاته اللحظات متأكدا من فوزه، فهو يعلم حال باسل ومدى قوّة هجومه الخاص. نزل عنصر تعزيز باسل إلى المستوى الثاني عشر، وكان عنصراه الآخران في المستوى الثامن فقط، وحتّى مع الفنّ القتاليّ، لم يكن ليستطيع أبدا إيقاف هذا الهجوم الضاري من الفتّاك ظلّ الشيطان.


بووم

طغى النجم أخيرا على باسل كلّيّا وجعل العديد من أنحاء جسده تتلقّى ضررا هائلا، إضافة للجروح السابقة، فصار باسل بعد ذلك غير قادر على رفع ذراعيه بالشكل المناسب حتّى ليدافع عن نفسه.

اقترب من فقدان الوعي، وفي هذه اللحظة، على بعد مئات آلاف الأميال، فتح الشابّ ذو الشعر الفضّيّ والحكمة السياديّة عينيه بقوّة كما لو أنّه سمع أفظع خبر في حياته كلها. أحكم قبضتيه بينما يجلس متربّعا مستخدما قدراته وحواسه الخارقة رائيا عبر مختلف الأشياء، كاشفا حقيقتها.

توهّجت النجوم الثلاثة بعينيه ثم تكلّم: "إنّك لمثابر لحوح يا هذا. لقد قمعت الاتصال بينك وبين ابني، ومع ذلك استطعت التغلّب على ذلك. من أنت بالضبط؟ ماذا تريد من تلميذي؟ لِمَ تحاول سلب جسده؟" كانت لهجة الشابّ حادّة للغاية وحملت هدوءا به غضب لا يُرى عمقه كظلام أبديّ بأحد البحار السوداء المحرّمة.

"لا أسلب شيئا. إنّه ليس جسده، إنّه جسدي، ملكي ولي وحدي." رنّت هذه الكلمات فجأة في ذهن الشابّ فسبّبت له الصداع من ثقل النيّة التي حملتها. جعلته يركّز كلّيّا على التخلّص منها تماما، فهرع إلى قطع كلّ ما ربطه بها عن طريق باسل. وبسبب هذا، انبثقت منه ثلاث مخطوطات عتيقة وطفت أمامه، وفي لحظة، اختفت بسرعة الضوء متنقّلة نحو مكان ما.

ومباشرة بعد ذلك، سطع جسد باسل بضوء ساطع سامٍ جعل المخلوقات تخضع لحامله وترتعب من حضوره. كان ذلك إعلانا عن ظهور مخلوق جبّار يستطيع بسلطته حكم الخلق كسلطان بأكبر طغيان.

وفي الحال، ظهرت المخطوطات الثلاثة أمام باسل، وكانت هي السبب في هذا الضوء المعمي والذي جعل من النجم شيئا من الماضي. اختفى النجم الذي كان سيقتل باسل في اللحظة التي ظهرت بها المخطوطات الثلاث متبدّدا كأنه غبار فقط.

دار القرص الفضّيّ بسرعة كبيرة للغاية بعدما جابه المخطوطات الثلاث وعاد بأقصى سرعة يملك إلى يد هدّام الضروس. بدا في تلك اللحظات كأنّ للقرص نيّة خاصة جعلته يرتعد من النيّة التي تقبع داخل هذه المخطوطات.

توهّج جسد باسل الذي كان مغمض العينين، وفي اللحظة التي فتح بها عينيه، ارتجّ الهواء وارتفع الضغط أكثر مما كان عليه، وسبّب الصداع والإرهاق لأقوى السحرة حتّى.


شدّ هدّام الضروس عزيمته ثم نطق بصعوبة بعدما حدّق إلى باسل: "من... من أنت؟"

رفع باسل يده إلى الأعلى ناويا استخدام هجوم قاتل، ممّا جعل عزيمة ظلّ الشيطان التي استجمعها بصعوبة تتلاشى في لحظة. لقد كانت هذه النيّة بمستوى مختلف للغاية. كانت سامية جدّا ولا يمكن لساحر بمستويات الربط أن يستطيع الثبوت بأيّ شكل من الأشكال أمامها. كانت تثبِّط العزم وتذعن المخلوقات دون حاجة للكلام.

رأى ظلّ الشيطان مصيره في اللحظات التي رفع بها باسل يده، ومع ذلك، لم يدر ظهره للفرار وجابه الموت بصدر رحب. كان هدّام الضروس في هاته اللحظات من المرحّبين الشجعان.

وبمجرد ما أن بدأت ذراع باسل تسقط، حتّى توقّفت فجأة، والغريب في الأمر أنّ باسل نفسه من أوقفها بيده. بدا يعاني وصنع تعبيرات تدلّ على الألم بسبب مقاومته شيء ما.

صرخ فجأة بصوت هز الأرض: "إنّه جسدي، ملكي ولي وحدي ! "

بدا باسل يصارع نفسه، واستخدم قدرا هائلا من قوّته الجسمانيّة حتّى يوقفها نفسها. كان كما لو أنّ جسده منقسم تحت تحكّم إرادتين، وكلّ واحدة تحاول التسلّط على الأخرى. صاحَب كلّ ذلك آلاما غير معقولة ببحر الروح. لقد كانت هناك نيّة سامية تحاول السيطرة على بحر روح باسل ثم تحويله إلى مستقرّ لها حتّى تستحوذ على الجسد، ولكن إرادة بحر روح باسل صارعت ذلك كما لو أنّها تحاول إزالة فيروس ما، ممّا سبّب عذابا كبيرا.

توهّجت القطعة الأرضية في بحر روح باسل وانبثق منها بخار ما. أحاط هذا البخار بالجسم الأبيض كما لو أنّه يحاول السيطرة عليه. وفي المقابل، تحكّم باسل في الجسم الأبيض الذي يمثّل جسده وقاوم هذا البخار الغريب.

وفجأة، ظهرت ثلاث أشكال من الضوء فوق الجسم الأبيض. كانت هذه الأشكال الثلاثة تجسيدا للمخطوطات الثلاث، والتي صعقت الجسم الأبيض ثم ضغطت عليه بحمل هائل مرهقة إيّاه. تألم باسل أكثر فأكثر وصرخ: "لا يهمّني من أنت، ولكنّك لن تسلبني شيئا."

استخدم باسل سحره وتعاويذه الذهنية الروحية، وقاوم ذلك البخار والمخطوطات الثلاث بجهد أكبر. ازداد توهّج القطعة الأرضية، وفجأة، ازداد حجمها فتضاعف بشكل واضح. عبس باسل عند رؤيته ذلك وفكر بصوت مسموع: "إنّه كما قال المعلّم. في العادة ستكبر القطعة الأرضية كما استنتجت في الأوّل عبر امتصاصها العناصر وتنقيتها، ولكنّ هذه القطعة الأرضيّة تكبر بعدما تسيطر وتملك سلطة أكبر على بحر روحي."

أصبح البخار المحيط بالجسم الأبيض غامقا أكثر وبدأ يتّخذ شكلا معيّنا. كان هذا الشكل لشخص ما، ولكنّ جنسه لم يكُن واضحا، بدا كظلّ متشبّث بالجسم الأبيض يحاول الاستحواذ عليه.

تقيّأ جسد باسل الكثير من الدماء ممّا جعل الجمهور متفاجئا كثيرا. حدّق إليه كلّ شخص بتعجّب ولم يعلموا ما يحدث له. فتحت أنمار عينيها أخيرا ونظرت إليه بعبوس، غير قادرة على تخمين ما يحدث له أيضا. ولكنّها تذكّرت تلك الطاقة التي استخدمها ضدّ الأقدم الكبير فالتشر.


كانت تلك الطاقة طاغية للغاية، وبدت كأنّها تعود لسلطان حكم ذات مرّة العوالم وأمر مخلوقاتها بطغيان غير متناهٍ. أوضحت تلك الطاقة السامية كم كان كلّ الخلق أمامها تافها ولا يسوى أيّ مخلوق في نظرها شيئا، ولم يكن حتّى حشرة ليستطيع التسبّب في بعض الإزعاج لها.

نظر هدّام الضروس إلى باسل في هذه الحالة لكنّه لم يتجرّأ على الاقتراب بينما مازالت تلك الطاقة موجودة. أحسّ أنّ حركة واحدة بتلك الطاقة السامية كافية لجعله في خبر كان.

ومرّة أخرى، ازداد الضوء الساطع من جسد باسل، حتّى اختفى هذا الأخير في وسطه تماما. وفي هذه الأثناء، كان باسل متربّعا في بحر روحه بتعابير مرهقة لحدّ كبير. وكانت القطعة الأرضية تكبر مع مرور الوقت، ومع كلّ لحظة كان وعي باسل يتلاشى ببطء.

وبعد مدّة من التحمّل والتركيز في وسط كلّ ذلك العذاب، لمعت عينا باسل أخيرا ثم أحسّ بالارتباط الكامل بالجسم الأبيض، وبإرادة بحر روحه.

توهّجت كلّ نقط الأصل الأربعة عشر بالجسم الأبيض، وفجأة، تحرّكت ذراعه، وفي تلك الأثناء، لم يعد هناك جسم أبيض وبقي باسل فقط، والذي بدوره اختفى من المكان الذي كان متربّعا فيه، وصار في محلّ الجسم الأبيض. فكانت ذراع باسل هي التي تحرّكت في الواقع وليست ذراع الجسم الأبيض.

تكلّم باسل بصوت هادئ في هذه اللحظة: "أنا رابط كلّ نقط الأصل، وكلّ ما كان عليّ فعله هو الارتباط بإرادة بحر روحي كلّيّا، وعلى ما يبدو، فلقد نجحت في ذلك أخيرا. أظنّ أن إرادة بحر روحي أيضا لم ترد أنّ تصبح تحت سيطرتك يا هذا."

ابتسم باسل بهذا الوقت واخترق بيده اليمنى صدر ذلك البخار، ثم توهّجت تلك اليد، فقال باسل: "لقد كنت وشيكا، ولكنّك ارتكبت خطأً فظيعا، لم عليك أبدا وإطلاقا مساعدتي في ربط نقط أصلي أو تحفيز إرادة بحر روحي. فلولاهما، ما كنت لأقاومك هكذا. والآن، أنا مستردٌّ جسدي." اختفت الأشكال الضوئيّة التي كانت مثل المخطوطات الثلاث من فوق رأسه بعد ذلك.

سطعت نقط الأصل بجسد باسل، ورُسِم عليه مسارها، ثم توهّجت عيناه كذلك، وبتفكير منه، امتدّ ذلك التوهّج الذي على يده إلى البخار ثم قشعه. تشتّت البخار حتّى أصبح لا شيء في بحر الروح، وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يختفي تماما، تشكّل فم أسود بأسنان لونها كلون الحبر، ونطق: "كما قلت، إنّه جسدي وسيعود لي ذات يوم."


ابتسم باسل مرّة أخرى وقال: "احلم كما شئت، فلو لم أحمل هذه المخطوطات الثلاث أصلا، لم تكن لتحصل على الفرصة في الاتصال ببحر روحي حتّى."

ظهرت تلك الأسنان السوداء بعدما كان الفم مغلقا، وارتسمت بها ابتسامة عريضة، فصدر ذلك الصوت العميق مرّة أخرى والذي لم يكن واضحا أكان لامرأة أم لرجل: "إذن تظنّه محض صدفة حملك هذه المخطوطات الثلاث؟"

"هاهاهاهاهاهاها ! " اهتز بحر الروح بهذه الضحكة، وجعلت باسل يشمئزّ نوعا ما. وعندما توقّفت أخيرا تلك الضحكة الطويلة، أكمل الفم الأسود الكلام: "لا تقل لي أنّك تعتقد أنّ جسدك هكذا أيضا مجرّد صدفة؟"

عبس باسل ثم حدّق إلى الفم الأسود لوقت طويل. لم ينبس ببنت شفة وظَلّ صانعا ذلك الوجه المنزعج.

قال الفم الأسود مرّة أخرى: "ماذا هناك؟ أأكل القط لسانك؟"

ارتفع حاجب باسل قليلا قبل أن يتنهّد ويقول: "لا. فقط ضحكتك أزعجتني. أنصحك بالتدرّب على الضحك، فأنت فظيع به."

فتح الفم نفسه من الدهشة، وفي اللحظة التي أراد أن يتكلّم بها مرّة أخرى، أحكم باسل قبضته فاختفى كلّيّا. عبس باسل مرّة أخرى بعد اختفائه وفكّر لقليل من الوقت. ففي الواقع ما قال ذلك الفم الأسود أرّقه ولم يستطِع إبعاده عن تفكيره.

حدّق بعد ذلك إلى القطعة الأرضية فرأى أنّها توقّفت عن النموّ، ولكنّها لم تصغُر. كان ذلك معناه أنّ المستوى الذي بلغته النيّة في السيطرة على بحر روح باسل لم يتراجع وتوقّف عند ذلك الحدّ فقط، وعنى أيضا أنّ الاتصال مازال قائما بينهما.


وفي الخارج، اختفى الضوء الساطع المحيط بجسد باسل فجأة، واختفت أيضا المخطوطات الثلاث بما أنّ باسل أدخلها لمكعّب التخزين. جعل هذا الحضور يندهش من جديد. ولكن ما صعقهم حقّا كان ما حدث لجسد باسل. اختفت الجروح التي كانت تغطّي جسده تماما وأصبح جسده يلمع من النقاوة. عادت له حيويّته من جديد، وصار سحره مليئا بالطاقة من جديد.

حرّك باسل أصابعه ونظر إلى جسده بتعجّب. أحسّ بالمثالية، كما لو أنّه أصبح أخيرا في جسده، في جسد ملائم له تماما، جسد أقوة وأمرن، أحسّ أنّ له التحكّم الكامل في أيّ جزء منه.

كان ذلك شعورا رائعا للغاية. والأكثر من ذلك، شعر بنتيجة الارتباط بإرادة بحر الروح. أصبح يحس كأنّه في بحر الروح وفي الخارج بنفس الوقت. فهم باسل لمَ كان الدخول للمستويات الروحية شرطا أساسيّا حتى يكون الساحر الروحيّ قادرا على تقسيم وعيه. ففي ذلك الوقت يكون مرتبطا تماما بإرادة بحر روحه ويستطيع أن يكون في بحر الروح عبر إرادة هذا الأخير، وفي الخارج بإرادته الخاصة.

أحسّ باسل بأنّ بحر روحه يقترب من الاكتمال الكامل.

حدّق الشاب ذو الحكمة السياديّة عن بعد مئات آلاف الأميال وتعجّب: "بلغ مرحلة الارتباط بإرادة الروح بالفعل. هوهوهو، هذا مثير حقّا. يبدو أنّه قد لا يكون بحاجة لي للتغلّب على تلك النيّة."

ابتسم الشاب ذو الشعر الفضّيّ وأكمل تأمّله بينما يراقب المعركة في نفس الوقت. كان في هاته اللحظات يقوم بانقسام الوعي.

ابتسم باسل مرتاحا. كان لديه سيطرة كبيرة جدّا على بحر روحه، ورأى أفقا أبعدا. وكبداية، جرّب شيئا ما.


ووووش

ارتفعت طاقة عنصر التعزيز بجنون، وفي لحظة بلغت المستوى الرابع عشر، ومع ذلك، كان يشعر باسل براحة كبيرة للغاية، حتّى أنّه كان يتحكّم مثاليّا بها كأنّها بالمستوى السابع فقط. سمح لقدر أكبر هائل من الطاقة السحريّة الخارجيّة أن يتوغّل لبحر روحه، ففاق عنصر التعزيز المستوى الرابع عشر بكثير وعاد لما كان عليه في المعركة ضدّ هدّام الضروس.

ازدادت جدّية باسل لمّا رأى أنّه مازال بإمكانه بلوغ قدر أكبر بكثير، فتوغّلت طاقة أكبر مرّة أخرى إلى بحر روحه حتّى جعل بذلك الشابّ ذا الشعر الفضّيّ يفتح عينيه من الدهشة. صرّح الشابّ متفاجئا: "إنّها طاقة سحرية تصل لنصف ما يملكه سيّد روحيّ." جعله هذا الحدث يُصعق تماما.

وأخيرا توقّف باسل عند ذلك الحدّ، ولم تظهر عليه أدنى علامات التعب أو أيّة جروح ولو طفيفة. كان في كامل عافيته وحيويّته.

تمتم الشابّ ذو الشعر الفضّيّ مرّة أخرى: "ذلك المستوى لا يصله سوى من يكون في عمليّة الاختراق للمستويات الروحية. هذا غير معقول ! ساحر بالمستوى الثامن يملك كلّ هذا القدر من الطاقة السحرية ! "

أصبح جسد باسل بعد تلك المحنة قويّا جدّا كفاية ليتحمّل كلّ تلك الطاقة، فهو صار الجسم الأبيض نفسه الذي كان ببحر روحه، ممّا عنى أنّ جسمه ارتقى وصار أقسى. أصبح جسده الآن كالذي يملكه ساحر بقمّة المستوى الرابع عشر. وهذا إضافة لبحر روحه الذي أصبح تحت تحكّمه مثاليّا. وبذلك غدا قادرا على تهدئة وقرّ بحر الروح وزيادة قدرته الاستيعابية.

انذهل هدّام الضروس من كلّ الأحداث المتتالية والتي لم يجد لها تفسيرا. لقد استغلّ هو سابقا القرص الفضّيّ وطاقته الروحية السامية في معالجة نفسه، ولكنّه لم يفهم كيف فعل باسل ذلك. وحتّى أنّه صار أقوى عن ذي قبل وهذا أفضل ممّا حدث له بعد معالجة القرص.

أحس بشعور غريب نوعا ما، وعندما التقت عيناه السوداوان بعينيْ باسل الحمراوين، انتصب شعر جسده، وبدا لوهلة كأنّه سمع ضربات قلبه. لم يزح نظره عن باسل واستمرّ في التحديق إليه.


ابتسم أخيرا وتمتم: "لقد مرّت مدّة طويلة مذ شعرت بهذا الإحساس. لقد نسيته تقريبا. ليس سيّئا الشعور به من حين إلى آخر على ما أظنّ، إنّه يعطي شعورا بالحياة."

رفع رأسه نحو باسل، والذي قال بدوره بنظرات حادّة: "لقد قوطعنا في وسط معركتنا، ولا أحبِذ أن يفعل شخص ما ذلك. والآن، ما رأيك أن نكمل يا هذا؟"

استمتع هدّام الضروس بذلك الشعور لوقت أطول، ثم ابتسم قبل أن يجيب: "أيا فلان، قد لا نكون نختلف في كلّ شيء."

ابتسم باسل كذلك، ثم شغّل رمحه الخشبيّ، وفي لحظات من بدء شحنه، حتّى كان الرمح قد أصبح عبارة عن نصل ناريّ بطول اليد فقط. كان كشعلة نارية زرقاء مستقرّة ولهبها ثابت. وهذا الأمر جعل هدّام الضروس يحملق إلى باسل بعبوس. فلو كان هناك شيء يعنيه ذلك، فهو أنّ باسل تحكّم مثاليّا في الرمح الخشبيّ.

ظهرت تعبيرات خوف على وجه هدّام الضروس للحظة، واختفت في اللحظة التالية بحيث لم يلاحظها أحد. وفي قرارة نفسه، كان يعلم تماما خطورة الموقف الذي أصبح فيه، فومضت الكثير من الذكريات في عقله ومرّت بسرعة كبيرة كأنّها شريط به صور من حياته الخاصة يعرَض أمامه.

كانت تلك الذكريات تبدأ من اللحظة التي بدأ يتذكّر فيها الأشياء إلى الآن. كان ذلك شعورا غريبا للغاية ولم يسبق له أن اختبره. كان الخوف كمجرد دهشة سريعة مقارنة به.

مرّت تلك الذكريات وحملت معها ثقلا كبيرا على قلبه. تذكّر كلّ تلك اللحظات التي رأى فيها اليأس، ثم وجد الأمل، فتحطّم وتكرّرت الدورة حتّى لقي الخلاص. كانت اللحظة التي وجد فيها قدوته، ومثله الأعلى، وهدفه الأسمى.

في ذلك اليوم الذي اعتبِر كأسوء مرّ على العالم الواهن، كان أفضل يوم في حياة *** في ذلك الوقت. فعندما عدَّ معظم سكّان هذا العالم الدمار الشامل الذي حلّ عليهم قبل خمسة سنة كارثة مأساويّة، كان بالنسبة لذاك الطفل لحظة عثر فيها على ما احتاجه وأراده.

قبل عشرين سنة، في أحد القرى البسيطة بإمبراطوريّة الشعلة القرمزية، ازداد *** بعينين دهماوان، وبشعر رطوبته كالحرير، وسمرة كقمر بين النجوم. كان هذا الطفل متميّزا منذ مولده، سواء من حيث جماله، أو شخصيّته الحادّة والقويّة، أو عبقريّته المتميّزة عن باقي أقرانه.

فلمّا بلغ الطفل الرابعة، كان يتكلّم بطلاقة، وتعلّم لغة العالم الواهن الموحّدة وبعض اللغات القديمة التي لم تعد تُستَعمل. حلّ أحاجي وألغاز عجز الكبار عن فكّها، وكان ملكا بين أقرانه من الأطفال. ولكن لسوء حظّه وُلِد في عائلة في أدنى درجات المجتمع.

ومع ذلك، لم يكن ذلك بمشكلة للطفل العبقريّ إطلاقا، فهو عاش حتّى بلغ الخامسة بهناء محاطا بوالده السكير ووالدته بائعة الهوى، إضافة لأخته الصغرى التي كانت دائما تتبعه في كلّ مكان، ولا تفارق جانبه أبدا. كان أخوها قدوتها، واحترمته كثيرا. فمع أنّها كانت بالرابعة فقط إلّا أنّها شابهت أخاها في الذكاء قليلا، وفي الجمال كثيرا، ولكنّ جمالهما هذا كان مختلفا.

كانت أخته الصغرى بشعر أبيض وعينين بنفس اللون، وببشرة بيضاء ناضرة تزهي العين الناظرة. كانا يبدوان كتوأم متعاكس. وبالطبع، علم الفتى أنّ أخته هذه كانت أختا غير شقيقة له، ولكنّه اعتزّ بها وكانت أغلى ما ملك.


عاش الفتى مع أخته لا يلقي بالا لوالديه اللذين اعتقد أنّهما يستحقّان أن يكونا بأدنى درجات المجتمع. فلم يكن والده السكير يعود للمنزل إلّا لأخذ النقود من أمّه، ولم تكن هذه الأخيرة تقاومه أبدا أو تحمي ابنيها من غضبه، بل تتركه يتعدّى عليهما حتّى تنجو من غيظه، وتذهب لجني المال من جديد.

تحمّل الابن المعاناة والحياة التي عاشها في سنواته الخمس الأولى كأنّها لا شيء. كان سنده الوحيد هو وجود أخته، وعقليّته الكبيرة عنه بكثير. كان متأكّدا من أنّ كلّ تلك اللحظات التي يمرّ بها ستختفي بمجرّد ما أن يصل للسنّ المطلوب للدخول إلى أكاديميّة السحر. وعندئذ سيوفّر لأخته أفضل حماية ومعيشة بحيث لن تخاف من أيّ شيء آخر مستقبلا.

كان دوما يحمل نظرات حادّة تعتبر المحيطين به مجرد قاذورات لا تصلح للمرور بجانبها حتّى، واستُثنِيَت أخته الصغرى من ذلك، إضافة لشخص آخر. كان هذا الشخص عبارة عن تاجر لا يعلم الفتى عنه شيئا لكنّه كان يحمل معه قصصا مشوّقه أعجبته.

كان هذا التاجر ساحرا بالمستوى الأول، فكان أحد الأشياء التي يتحمّس لها الفتى في العالم المملّ الذي يحيط به. وأصبحت هناك مكانة مرتفعة لهذا التاجر في قلب الفتى. فكان يتردّد عليه في كلّ مرّة يأتي فيها التاجر إلى القرية.

وذات يوم، مرّت بالقرية عائلة نبيلة. كانت القرية تحت حكم هذه العائلة لوقت طويل، وبين تارة والأخرى كان رئيسها يزورها. لم يكن هناك شخص لا يعرف سبب قدوم هذا الرئيس أو أتباعه إلى القرية.

فعندما كانت يُسمَع خبر قدومه، كان الأطفال يختبئون وخصوصا الأجمل والموهوب منهم. كان يُعرف رئيس هذه العائلة بتجارة البشر، وخصوصا الأطفال. كان يبيع ما يريد منهم ويحتفظ بما يشتهي منهم.

كانت زياراته تتردّد أشهر بعد الأخرى، ولكنّ تلك المرّة كانت زيارته مختلفة نوعا ما عن سابقاتها. أتى يبحث عن صفات محدّدة من الأطفال.

تكلّم شخص بعربة ما: "من يريد مثل هذه الصفات النادرة؟ إنّه صعب جدّا العثور على مثل هذه العيّنات يا سيّدي."

جلس أمام الشخص الذي تحدّث رجل يبدو في الستينات منه عمره. كان هذا الرجل الكبير كبير الجسد أيضا، ولم يفارق اللحم فمه أبدا، ولا يديه. عضّ اللحم بفمه وداعب محظياته اللائي حملن طعامه. كانت المحظيات مجرّد فتيات صغيرات لا يتجاوز عمرهنّ العشر سنين، وأصغرهنّ كانت في السادسة.


أجاب الرجل الكبير ببطء وملل: "لا تقلق. هناك بائعة هوى قالت أنّها تعرف طفلين لا يهتمان بهما والديهما. أمرت رجالي بالبحث في هذا الأمر جيّدا، واستطعنا تأكيد كلامها. لا شكّ في أنّ هاتين العيّنتين أفضل ما تلقّينا حسب المعلومات التي وصلتني."

حدّق إليه الشخص أمامه باهتمام ثم قال: "أوه، هذا مذهل. ومن يريدهما؟"

ضرب الرجل الكبير مؤخّرة إحدى محظياته لأنّها تأخّرت قليلا في إطعامه، وعضّ ما منحته له. بلع الطعام ثم قال: "ومن سيكون غيره في ظنّك؟ إنّه الشخص الذي يمنحنا حرّيّة القيام بما نشاء هنا."

ابتسم الشخص أمامه ثم قال: "أوه، إنّه الأمير الأول غرين هيملر إذن ! لم أكن أعلم أنّ لديه هذه الاهتمامات."

أجاب الرجل الكبير: "لا. لا أظنّه يحتاجهما لتلبية رغباته الجنسية. لدى ذلك الأمير نوع مفضّل آخر. على الأغلب اشترك في إحدى التجارب مع أغنياء عالم الإجرام وطلب مساعدتنا، فهو يعلم أنّنا نقدّم له الأفضل دائما."

"هاهاها." ضحك الشخص أمامه ثم قال: "معك حقّ. ولكن ما أدهشني هو قدومك هذه المرّة شخصيا. هذا يحدث إلّا قليلا. هل هو بسبب هاتين العيّنتين؟"

ابتسم الرجل الكبير ثم نظر إلى محظياته واحدة تلو الأخرى، وقال أخيرا بنظرات مهووسة: "لقد كنت أبحث عن واحدة مثلها مؤخّرا. فلقد سمعت أنّ أميرة إمبراطوريّة الأمواج الهائجة التي ولدَت مؤخّرا لديها نفس صفات الجمال." سال لعاب الرجل الكبير، فاسترجع نفسه بعد قليل من الوقت ثم ضرب إحدى محظياته على مؤخّرتها وقال بغضب: "تتركين لعابي يسقط؟"

حدّق إليه الشخص أمامه بنظرات فارغة غير مهتمّ بما يحدث، وسأل مرّة أخرى: "إذن، من هاتين العيّنتين؟ قد يكون لي علم عنهما." وبعدما انتهى من الكلام، تذكّر ما قاله الرجل الكبير وتغيّرت تعبيراته قليلا كأنّه خائف.

داعب الرجل الكبير محظياته الصغيرات ولم يكلّف نفسه عناء النظر إلى الشخص أمامه، وقال: "إنّه فتى معروف بهذه الأنحاء اسمه أدهم، وأخته الصغرى – سبب مجيئي – أريحا."

وفي لحظة، اسودّت تعبيرات الشخص أمامه بعد ذلك الكلام. شعر بالهلع فجأة وبقي على ذلك الحال لمدّة طويلة، ولحسن حظّه لم يلاحظه الرجل الكبير المنشغل بمحظياته، ولكنّ ذلك لم ينطبق عليهن. صُدِم ذلك الشخص تماما لمّا سمع ذلك، وعاد إلى صوابه فقط عندما اصطدمت العربة بحجر في الطريق.


نزل هذا الشخص من العربة، واعتذر من الرجل الكبير: "آسف يا سيّدي، ولكنّي نسيت أنّ لديّ موعد مع أحد التجار الكبار هذه الليلة. سوف أعوّضك في وقت لاحق."

اتّضح أنّ هذا الشخص شخص كان تاجرا، ولكن ليس أيّ تاجر عادي، لقد كان التاجر نفسه الذي أعجِب به الفتى كثيرا. انطلق هذا التاجر الذي كان ساحرا بالمستوى الأول بأقصى سرعة يملك نحو مكان محدّد.

وفي ذلك الوقت، داعب الرجل الكبير إحدى محظياته بينما يقول: "أحسنتِ، أحسنتِ. سأكافئك في وقت لاحق." ربّت على على رأس الفتاة الصغيرة، وحمل تعبيرات مشمئزة عكس ما يقوله. عضّ اللحم مرّة أخرى وأمر: "اتبعه وأخبرني بما ينوي عليه."

تحرّك ظلّ في الخفاء متتبّعا التاجر الذي غادر.

وصل التاجر أخيرا إلى مخبأ في أحد الجبال المحيطة، وبعدما دقّ في حائط كهف ثلاث دقّات بإيقاع معيّن، انزاحت صخرة كبيرة عن مدخل الكهف، فظهر فتى أسمر مبتسما. قال الفتى: "هل أتيت بقصص مثيرة للاهتمام مرّة أخرى أيها التاجر؟"

انقض التاجر بسرعة على الفتى وتحسّس وجهه، كما لو أنّه يتأكّد ما إن كان حقيقيّا. فعل نفس الشيء لأخت الفتى الصغرى وأغلق بعد ذلك الكهف بسرعة كبيرة.

تكلّم بسرعة خائفا: "أيا أدهم، جئ إلى هنا. اسمع جيّدا ما سأقوله لك وطبّقه حرفيّا. لا يجب أن نتأخر أكثر من هذا."

"ما بالك أيها التاجر؟" تقدّم نحوه الفتى ببطء: "ليس من عاداتك التسرع."

أمسك التاجر يد الفتى أدهم بعنف وجرّه عنده: "أيْ أدهم، ركّز معي جيّدا. ألا تريد إنقاذ أختك؟"


أصبحت تعبيرات الفتى أدهم جدّية كثيرا بعدما سمع ذلك الكلام وجلس متصنّتا إلى التاجر بعناية. مرّ قليل من الوقت وتقرّر ما سيفعلون.

حمل التاجر نظرات عبوسة ثم قال بعدما أطال النظر إلى الفتى وأخته الصغرى أمامه: "افعل بما اتّفقنا عليه ولا تقم بأيّ شيء أحمق. سوف أحاول إماطة الباحثين عنكما بكلّ ما أملك. سنلتقي بمكاننا المعتاد." لقد كانا هذان الطفلان مثل ابنيه بالنسبة له، واعتزّ بهما جدّا، فلم يستطع التخلّي عنهما وهرع إلى هنا من أجل إنقاذهما فور سماعه باستهدافهما.

ابتسم الفتى أدهم، ثم قال للتاجر: "إنّك شخص جيد أيها التاجر. سوف أجعلك من أكبر التاجرين عندما أكبر."

ابتسمت الأخت الصغرى وأكملت ما أخبر أخوها: "التاجر جيد. أخي سيجعل التاجر كبيرا."

ابتسم التاجر في وجه الطفلين أمامه ثم انحنى وربّت على رأسيهما. قال بتلك الابتسامة الحنونة: "هكذا إذن. يجب أن تكبرا أنتما أوّلا قبل ذلك."

كان يعلم أنّه لا يستحقّ أن ينادى بالجيّد وخصوصا من طرف هذين الطفلين. شعر بتأنيب الضمير كثيرا وقرّر اتّباع طريق جيّد حقّا بعد المرور بهذه العقبة. قرّر أن يكون جيّدا كما يعتقده الطفلان.

أزاح التاجر الحجر ثم التفت إلى الطفلين قائلا: "حسنا. لنلتقي في المكان المحدّد." قال ذلك الكلام بنفس الابتسامة، ولكنّه استغرب بعد ذلك من تعبيرات الطفلين. كانا مرعوبين للغاية، ولمّا رأى التاجر وجهيهما، التفت مرّة أخرى إلى الخارج ليجد عشرات من الجنود، خلفهم رجل كبير – نفس الرجل الكبير، رئيس العائلة النبيلة.

لم يستطِع التاجر بلع ريقه حتّى، وشعر بأنّ جسده تجمّد وتوقّف عن العمل، وكلّ ما كان يشغل باله كان الطفلين وراءه. وفي لحظة، شعر باليأس ثم وصرخ: "اهربا ! " ثم انقضّ على أولئك الجنود لوحده حتّى يكسب وقتا لهما.

خرج الطفلان من الكهف وحاولا الفرار بأقصى ما لديهما، ولكنّهما جابها ساحريْن بالمستوى الثاني في طريقهما ولم يكن هناك أيّ فرصة لهما في الهرب منهما، وعندما التفتا ليطلبا النجدة من التاجر، وجدا جسده مطروحا أرضا، وبدون رأسه.

"هل حقّا تظنّ أنّك ستخونني وتنجح في ذلك؟ لا تحلم بذلك حتّى." تكلم الرجل الكبير بينما ينظر إلى شيء ويخاطبه كان يحمله بيده.


حدّق إليه الطفلان بهلع، وعندما ريا أخيرا ما يحمله، لاحظا أنّه رأس التاجر.

صرخ الفتى دون أن يشعر وأراد صنع طريق له ولأخته الصغرى للهرب، ولكن مهما حاول لم يكن لينجح. لقد كان مجرّد *** ضد ساحران بالمستوى الثاني. فأُمسِك بهما دون حول ولا قوّة، وأجبِرا على الانحناء أمام الرجل الكبير.

حدّق الرجل الكبير إليهما باهتمام، ثم قال: "يبدو أنّ المعلومات كانت صحيحة تماما." أمر الجنود بحمل الفتاة الصغيرة، حتّى أصبحت في نفس مستوى رؤيته، واقترب من وجهها كثيرا حتّى أصبح بإمكانه شمّها.

احمرّت عيناه ولم يستطِع منع لعابه من السقوط، فأسرعت إحدى محظياته بإطعامه، وإذا به يضربها بقوّة صارخا: "لا تزعجيني الآن."

رأى الفتى أدهم نظراته تلك، وصعدت القشعريرة مع جسده حتّى كاد يفقد عقله. فقفز من مكانه بالرغم من أنّه مربوط صارخا: "ابتعد عنها أيها الوغد. ابتعد عنها وإلّا قتلتك. سأقتلك. لا تقترب منها أيها الحثالة." ضُرِب الفتى من أحد الجنود حتّى لا يصل لرئيسهم.

حملق الرجل الكبير لوهلة إلى الفتى، ولم يبالِ به كثيرا، فرفع يده فقط فضرب أحد الجنود الفتى مغيبا إيّاه عن الوعي. ومع ذلك، كانت عزيمة الفتى قويّة للغاية ومشاعره لأخته قويّة، فلم يغب عن الوعي مباشرة وظلّ يتمتم أثناء تلاشي وعيه: "أرجوك. إلّا هي... أرجو..."

في المرّة التالية التي استيقظ فيها الفتى أدهم، كانت بقبو مظلم لا يعلم أين يقع، أو ماذا فيه، أو ماذا سيحدث له به. كان أدهم مجرّد فتى بعمر خمس سنين، ولكنّه كان هادئا بالرغم من الموقف الذي هو عليه، ولكنّه كان هادئا عند التفكير بنفسه، امّا بالتفكير في أخته الصغرى، كان يكاد يجنّ وحاول تحرير نفسه من السلاسل التي تقيّده مرارا وتكرارا.

جرّ وجرّ، ثم جرّ فجرّ، فجرّ وجرّ. أصبحت يداه مليئتان بالدماء وكادتا تُقتلعان من مكانهما. كان مجرد ***، لكنّ عزيمته كانت مدهشة للغاية. كان حقّا فتًى مختلفا للغاية عن باقي الفتيان، ولم يبدُ عليه ذرّة من الاستسلام.

بدأ يستخدم الدم الذي يغطّي يديه حتّى يمرّرهما من القيود بسلاسة أكبر، واستحمل كلّ تلك الآلام التي ستجعل من رجل بالغ يصيح. وبالطبع، صرخ الفتى كذلك من الآلام أثناء معاناته من أجل تحرير نفسه، ولكنّه لم يتوقّف أبدا حتّى جعل يده الأولى تتحرّر، وحدث هذا فقط بعدما كُسِرت.

استمرّ في فعل نفس الشيء ليده الأخرى حتّى تحرّرت بعدما كُسِرت هي الأخرى. كان هذا الفتى غير طبيعيّ بتاتا، وكان هوسه بإنقاذ أخته لا حدود له.

"هاهاها." فجأة دخل شخص ما بينما يضحك. كان ذلك رئيس العائلة النبيلة. حدّق إلى الفتى أمامه ثمّ تكلّم: "لا يمكنني إرسالك هكذا. ستُفسِد سمعتي على هذا الحال."

حالما رأى الفتى الرجل الكبير أمامه، انقضّ عليه بكلّ ما يملك من قوّة متبقّية، لكنّه لم يبلغه للأسف بسبب القيود التي كانت على قدميه أيضا. صرّ الفتى أدهم أسنانه وأظهر غضبا وحقدا من عينيه تجاه الرجل الكبير حتّى جعل هذا الأخير يقشعرّ منه.

اقترب الرجل الكبير من أدهم وضرب ذقنه بعكّازه. وفي اللحظة التي ظنّ فيها رئيس العائلة أنّه ضرب الفتى، وجده يقبض العكّاز بأسنانه. قضم أدهم العكّاز بكلّ قوّة يملكها وحدّق إلى الرجل الكبير بنفس النظرات مستفزّا إيّاه.


صرخ الرجل الكبير: "أفلت العصى أيها البرغوث. ستلوّث عكّازي." سحب رئيس العائلة عكّازه ولكن كان ذلك بدون فائدة.

"بصق ! "

بصق الفتى في نفس الوقت الذي أفلت به العكّاز. فسقط بصاقه على الرجل الكبير الذي فقد توازنه بعد ذلك ساقطا على مؤخرته صارخا من الألم. وقف بسرعة بعد ذلك ونظر إلى عينيْ الفتى أمامه فشعر بإحساس مريب، فاستدار وغادر.

وقف عند الباب ثم التفت إلى الفتى وقال: "ستُرَوَّض هنا جيّدا حتّى تصبح كلبا مطيعا، وبعد ذلك سأسلّمك." لمس الرجل الكبير ذقنه ثم أكمل بابتسامة عريضة: "لا تقلق. لن تكون وحيدا. سوف أروِّض أختك أيضا في جهتي. يمكنك التفكير في ذلك والارتياح بأنّك لست الوحيد الذي سيمرّ بوقت عصيب."

كان فم الفتى مليئا بالدم بسبب العكّاز سابقا، وعندما سمع كلام الرجل الكبير، صرخ مرّة أخرى بينما يبصق الدم دون قصد منه: "سأقتلك أيها الوغد ! حتما سأجعل من جثتك معرضا. سأقتلك، سأقتلك، سأقتل..."

صرخ الفتى باستمرار، ولكنّه أُسكِت فجأة من قبل أحد الحرّاس. سقط الفتى مغميا عليه، ولم يمر عليه يوم بعد ذلك إلّا وحمل معه عذابا لا يقدر على تحمّله رجال أشدّاء. ومع ذلك، كلّ ما كان يردّده الفتى أثناء كل تلك الأيام التي مضت هو "أريحا". حتّى عندما خارت قوّته وكاد يفقد عزيمته، أعاد نطق اسم أخته الصغرى مرارا وتكرارا فجدّد من عزيمته وانتظر لتتجدّد طاقته حتّى يستحمل لوقت أطول.

لم يعلم كم عدد الأيام التي مرّت وهو في ذلك الظلام، وكل ما كان ينيره هو التفكير في أخته الصغرى، ولكنّ ذلك النور كان يأتي بظلال حالكة. كلما فكّر في أخته تذكّر كلام وأفعال رئيس العائلة النبيلة، فعاد عليه الأمر عكسيّا. كاد يفقد عقله مرّات عديدة، ولولا تميّزه منذ الصغر لكان قد أصبح عبدا لهم منذ وقت طويل.

مرّت شهور، ولكنّ الفتى كان لا يزال لم يخضع. وفي يوم من الأيّام، أتى الرجل الكبير مرّة أخرى بينما يحمل نظرات قبيحة من الغضب. دخل إلى القبو ثم ضرب الفتى بشدّة بينما يصرخ: "أيها البرغوث، هيّا اخضع وخلّصنا من كلّ هذه المعاناة معك ! "

لم يعد الفتى أدهم في تلك اللحظات يستطيع حتّى النظر إلى رئيس العائلة النبيلة، وكانت عيناه فارغتين، وكلّ ما كان ما يزال بداخله كان أخته الصغرى، فاستمرّ في ترديد اسمها دون توقّف: "أ..ري..حا".


سمعه الرجل الكبير ثم حدّق إلى أتباعه، فقال أحدهم بسرعة: "إنّه على هذه الحال طوال الوقت. لم يعد يستجيب لضرباتنا حتّى، ويبقى يردّد ذلك الاسم طوال الوقت فقط."

"أريحا، أريحا." بقي الرجل الكبير يفكّر لقليل من الوقت، فبدا كأنّه تذكّر شيئا أخيرا، فقال بينما يحمل نظرات غاضبة: "أما تزال تتذكّر أختك كلّ هذا الوقت بعد كلّ هذه المعاناة. أنا نفسي ونسيتها."

رفع الفتى أدهم رأسه بصعوبة وببطء شديد، ثم نظر إلى الرجل الكبير أمامه، لا يعلم مقصده.

حدّق إليه رئيس العائلة النبيلة ثم تكلّم بسخرية: "أعتذر، أعتذر. ذلك خطئي لأنّني لم أخبرك." اقترب الرجل الكبير من الفتى أدهم وأمسك ذقنه الصغير، ثم حادثه بينما ينظر إليه عن قرب شديد: "لقد نسيتها تماما لذا لم أخبرك بهذا، ولكنها ماتت قبل حوالي خمسة أشهر على ما أذكر. لم أتوقّع أنّها ستنكسِر في شهرها الأوّل فقط. ولكن لا يمكنك لومها على ذلك، فلقد كنت تلك المرّة متحمّسا أكثر على غير العادة بما أنّها كانت تحمل نفس أوصاف أميرة الأمواج الهائجة."

كانت عينا الفتى أدهم فارغتين تماما، وعندما سمع كلام الرجل الكبير، أصبحتا بدون حياة فيهما. وفي اللحظة التالية، وجد الرجل الكبير أنفه غير موجود بمكانه، فصرخ بشكل مريع وكاد يفقد عقله من الألم.

فتح عينيه بينما يمسك المكان الذي اعتاد أنفه التواجد به، فرأى أنفه ذاك في فم الفتى أدهم. فبدا هذا الأخير في تلك اللحظة كوحش صغير، وجعل كلّ شخص في الغرفة يرتعد ممّا فعله على حين غرّة.

لقد كان الفتى خاليا من الحياة تماما، وكان ساكنا لفترة من الوقت بعدما انتهاء رئيس العائلة من تحدّثه، فلم يتوقّعوا أن يحدث ما حدث. كلّهم أصيبوا بالفزع من شدّة الوضع، وخصوصا أولئك من عذّبوا هذا الفتى لأشهر. فحمِدوا ربهم على سلامتهم.

وقف الرجل الكبير أخيرا على رجليه بعدما كان ساقطا، وصرخ: "أيها الحثالة، يا قمامة العالم. لقد ولدت فقط لتسلّي وتلبّي رغبات مالكي هذا العالم. كيف تجرأ؟ لقد سئمت أمرك. سأقتلك." أخذ الرجل الكبير سيفا من أحد أتباعه وبدأ يقترب نحو الفتى الذي بدا غير مهتمّ بأيّ شيء على الإطلاق. كانت عيناه لا تزالا خاليتيْن من الحياة، ولم يبالِ بموته من حياته.


وصل الرجل الكبير إلى الفتى أدهم مرّة أخرى وأكمل حديثه: "كان عليك أن تكون كلبا كما كانت أمّك التي أخبرتنا عنكما. لربّما كنت ستنجو من هذا العذاب كلّه على الأقل. ولكن بالتفكير في كلّ شيء الآن، لربّما كان عليّ استخدما تلك المهقاء لجعلك تخضع من الأوّل. عادتي غلبتني."

هرع أحد الأتباع فجأة إلى القبو بينما يصرخ: "يا سيّدي، يا سيّدي، يجب أن نهرب بسرعة. هناك كارثة حلّت علينا. لا أعلم ما ذاك، ولكنّهم أفظع من الوحوش حتّى. إنّهم يغزون مدينتنا."

التفت الرجل الكبير إلى تابعه الذي أبلغه الخبر، ثم صرخ في وجهه: "لا تقاطعني الآن. لا يهمني ما يحدث للمدينة ولا لأي شيء آخر. تكلّفوا بذلك واتركوني لوحدي مع هذا البرغوث حتّى أرضى."

تمتم التابع الذي أتى حاملا الخبر: "ولكن يا سيّدي..."

التفت الرجل الكبير ورمى التابع فجأة بالسيف الذي كان في يده. اختُرِق ذلك التابع في صدره وسقط ميّتا. نظر بعد ذلك رئيس العائلة إلى أتباعه الآخرين ولم ينبس ببنت شفة، فتحرّكوا كلّهم بسرعة كما أمروا وتركوا له سيفا آخرا.

قطع رئيس العائلة النبيلة ملابسه ليضمّد وجهه بها. وقف بعد ذلك أمام الفتى أدهم وصنع ابتسامة عريضة، ونطق أخيرا بينما يقرّب سيفا من ذراع الفتى: "سنرى كم يمكنك أن تتحمّل حتّى تموت."

جرح الفتى بذراعه أوّلا، فم يتلقّى أيّ استجابة، فزاد الجرح الثاني، والثالث... حتّى أصبح الفتى مليئا بعشرات الجروح بجسده وفقد دما كثيرا، وبدأ يفقد وعيه. كاد الرجل الكبير يفقد عقله من ذلك، ولم يرد أن يفقد الفتى وعيه قبل أن يجعله يصرخ ولو لمرّة واحدة على الأقل.

بدأ يجرحه بسرعة كبيرة آملا في النجاح قبل فوات الأوان، فسمع صراخا أخيرا بعدما أصبح متعبا نفسيّا وجسديّا. ولمّا رفع رأسه نحو الفتى وجده يحدّق إليه بنفس العينين الفارغتين، فعلم أنّ الصراخ لم يكن منه. كان الصراخ قادما من خارج القبو. علم في ذلك الوقت جدّية الموقف الذي تحدّث عنه تابعه ذاك.

انتصب ثم قال بهلع: "سأكون في مأمن هنا. هذه غرفة سحرية من المستوى الخامس. لن يحدث لي مكروه."


حدّق إلى الفتى أدهم وأراد إكمال ما كان يفعله. فمع أنّه سمع أتباعه يُقتلون إلّا أنّه كان شخصا مهووسا لا يترك شيئا إلّا بعدما يبلغ مراده.

حرّك سيفه مرّة أخرى مستعدّا لإكمال عمله.

باام

فجأة، صُنِع ثقب في سقف القبو وسقط شيء ما، وعندما التفت رئيس العائلة النبيلة ليرى ماذا حدث، وجد شخصا يقف هناك بينما يحملق إليه بعينين صفراوان تشرقان في الظلام، ولمّا اقترب هذا الشخص أخيرا واتّضح شكله بأشعة الشمس التي تدخل عبر الثقب في القبو، ارتعد الرجل الكبير من شكله وصرخ: "من أنت؟ ما أنت؟"

كان هذا الشخص غريبا للغاية. كان له قرنان صغيران ذهبيان بجبهته، وأذنان حادّتان بالجزء الأفقيّ والسفليّ، وأنياب كالتي لدى مصاصي الدماء في الأساطير، وعينان صفراوان. كان يرتدي معطفا أسودا مغلقا بحيث لا يمكن رؤية جسده.

وقف هذا المخلوق أمام الرجل الكبير بهيبة تجعل الجبال ترتجف والبحار تهيج. تحدّث هذا المخلوق فجأة: "أنا جالب اليأس. أنا اليأس." كان صوته مثل صوت البشر، كان له صوت عميق لذكر، وعندما تحدّث به، جعل الروح المليئة بالحياة والأمل تيأس كما لو أنّها جابهت الموت الحتميّ.

لم يعلم الرجل الكبير ما يتحدّث عنه هذا المخلوق أمامه، ولكنّه لم يستطع التحرّك أيضا. لا، كان جسده يتحرّك في الواقع، ولكن هذا إن كان الارتجاف والاهتزاز بقوّة من الرعب يُحتَسب تحرّكا.

تكلّم المخلوق مرّة أخرى بصوته العميق: "لقد جذبني يأس إلى هنا. يأس لم أصنعه أنا أو أحد أتباعي. يأس لا يبلغه الكثير من الأشخاص. يأس أفضّله وأريده."


حدّق إلى الرجل الكبير أمامه ثم صرّح: "ليس أنت." وجّه نظره إلى الفتى المعلّق ثم أشرقت عيناه الصفراوان كأنّهما نجمان في الفضاء المظلم. قال بصوت متفاجئ وسعيد جدّا: "إنّه أنت."

نظر المخلوق مرّة أخرى إلى الرجل الكبير، فعلم ما كان يحدث هنا. اقترب بعد ذلك منه، وقال بنظرة جعلته يشعر أنّه يحدِّق إلى هاوية العالم وتحدّق إليه: "أظنّني سأمنحك موتا سريعا بما أنّك ساهمت في بلوغه هذه المرحلة."

بششخ

لم يعلم الرجل الكبير متى مات حتّى، وكان قد أصبح مجرّد لطخة من الدم على الأرض دون أيّة بقايا. اقترب ذلك المخلوق من الفتى أدهم بعد ذلك، ثم رفع رأس الفتى ونظر إلى عينيه عن قرب مباشرة، قائلا: "اجعل اليأس موطنك، ولن تيأس مرّة أخرى. لا تحمل أملا، ولن تتحمّل ألما. سأمنحك شيئا جيّدا عليك استغلاله بطريقة صحيحة، وسأعود إليك عندما يحين الوقت المناسب."

وفي تلك اللحظة التي سمع بها الفتى أدهم كلام المخلوق أمامه، عاد الضوء إلى عينيه اللتين لم تعودا فارغتين بعد آنذاك.

كانت تلك هي أول مرّة يقابل فيها الفتى أدهم اليأس الحقيقيّ.

كان هذا اللقاء قصير المدّة، ولكنّه كان مديد التأثير؛ فبعده أصبح الفتى أدهم شخصا قد رأى اليأس الحقيقيّ وجعله موطنه، فلم يعد يشعر باليأس. اعتاد على كلّ مصائب العالم وارتآها كلّها مجرّد عقبات بسيطة حتّى يبلغ مقاما ساميا.

كان أوّل شيء فعله الفتى أدهم بعدما افترق مع ذلك المخلوق هو العيش في جبل قريب من منطقة محظورة. تدرّب هناك لمدّة طويلة، بينما كان يزور إحدى المدن تارة والأخرى لأخذ كتب السحر والفنون القتالية. أمضى خمس سنوات في البرّيّة القاسية ونمّى من قدرة حواسّه وجسده.

وفي يوم من الأيام، كان قد فرغ من البرّيّة، ورسم خطّة ليتبعها من أجل بلوغ مراده. فارتحل إلى إمبراطورية الأمواج الهائجة، وبسبب هذا، قُبِض عليه بعد قتال ضدّ سحرة من عالم الإجرام، وبِيع إلى أحد العائلات الغنيّة.

كانت هذه العائلة نبيلة واحتاجت إلى مواهب ترث منصب الرئيس وتحافظ على مكانتها في الإمبراطورية. كان لقب هذه العائلة النبيلة هو فضيلة، وكانت تحكم مدينة الأوردة الشمالية. وهناك، التقى الفتى أدهم بذلك الشخص الذي أصبح أول شخص يتبعه.

وفي الواقع، كان الفتى أدهم من خطّط لكي يُقبَض عليه من قبل أولئك السحرة بعدما بحث في أمرهم. لقد كان سيباع في صغره إلى أحد العائلات من أجل نفس الغرض الذي بِيع إليه في هذه المرة، ولهذا أتته خطة في باله. علم أنّه لن يستطيع تعلّم السحر بشكل لائق ولن يحصل على الموارد المطلوبة لذلك إن بقي لوحده.


كان يعلم ما ينتظره، فهذا النوع من العائلات يجمع مواهبا متعدّدة ويجعلها تتصارع من أجل منصب الوريث حتّى يحصل على الأفضل. وفي هذه المرّة كان الفتى أدهم هو الوريث المرشّح الأخير، مضافا إلى أربعة من قبله.

كان هؤلاء الأربعة فوق سنّ العشرين، فكان هو الفتى الصغير من بينهم جميعا. ومع ذلك، لم يؤثّر ذلك عليه أبدا. فلقد مُنِح وقتا كافيا ليتدرّب على السحر، وكان ذلك حتّى يبلغ العشرين.

بدأ تدريب الفتى أدهم الشاقّ طول السنوات القادمة، ومرّ بكلّ ما أعطِيَ له. رأى العجب مّما تفعله هذه العائلة التي كانت من إحدى أغنياء عالم الإجرام. كانت هذه العائلة تتّخذ اسم فضيلة كاسم ووجه لها حتّى تكون لها أفضل صورة في الضوء، وحملت اسم الوريد الأسود في عالم الإجرام.

وعندما رأت العائلة لأول مرة موهبة الفتى أدهم، خبّأته عن الأنظار كلّيّا ولم تكشف عنه أبدا. لقد كان هذا الفتى عبقريّا بكلّ المقاييس. وما زاد من حرصهم على عدم إخراجه إلى الضوء أبدا كان ذلك الحدث الصادم عندما بلغ هذا الفتى الثانية عشر.

في تلك السنة، ظهر ساحر دمار بعد سنين عديدة أخيرا في العالم الواهن. كان هذا الخبر أكثر من صاعق وبدأت العائلة في أخذ موهبة الطفل بجدّيّة كبيرة جدّا. حتّى أنّها اعتبرته الوريث التالي وتناست الأربعة الآخرين. وبسبب هذا نمت الحقود على الفتى أدهم وبدأت محاولات الاغتيال تتكرّر مرّة تلو الأخرى

كان الشيء المدهش في الأمر هو تصدّي الفتى أدهم لكلّ محاولات الاغتيال هذه بنفسه دون الحاجة لأيّ مساعدة. كان من الواضح أنّ الأربعة الآخرين هم من حاولوا قتله مرارا وتكرارا، ولكنّ العائلة لم تفعل شيئا بشأن ذلك لأنّ هؤلاء الأربعة كانوا بمواهب عظيمة أيضا ولم ترد خسارتهم.

فعندما سيبلغ الفتى أدهم مستوى معيّن بسحر الدمار، لن يتجرأ بعد ذلك أيّ أحد على اغتياله، وسيصبح أولئك الأربعة جنرالاته الذين سيساعدونه في غزو العالم فأي ساحر دمار يولد، يكون المصير الوحيد أمامه هو محاولة حكم العالم كان هذا عالما قاسيا، وكلّ شخص يحاول البحث عن القوّة للوقوف في القمّة، فلم يكن أيٌّ منهم ليتخلّى عن فرصة حكم العالم بعد ظهور ساحر دمار في عائلته


وفي السنة الخامسة من قدوم الفتى أدهم إلى هذه العائلة، كان قد أصبح في المستوى السادس بالفعل سبّب هذا الصداع لمن يعرف بوجوده وجعلهم ذلك يرتعدون ويتحمّسون في نفس الوقت. لم يكن هناك أيّ شخص مثله في التاريخ بأكمله. لقد كان ساحر دمار وبموهبة لا مثيل لها على الإطلاق.

وفي هذه السنة نفسها، قرّر الفتى أدهم التحرّك أخيرا. ففي حفل بلوغه السرّيّ، جعل من كلّ شخص حاضر مجرّد فتات. محق القاعة بأكملها وقتل كلّ من فيها، فكان قتله الأوّل عبارة عن مجزرة جماعيّة، باستثناء شخص واحد فقط.

كان هذا الشخص واحدا من أولئك الأربعة، وكان امرأة بشعر أحمر يسلب القلوب، وبعينين خضراوين هادئين كالطبيعة الأمّ بشكل لافت. حدّق الفتى أدهم إلى هذه المرأة ثم قال: "أيا امرأة، لقد كنت الوحيدة من بين الأربعة التي لم تحاول اغتيالي، ما سببك؟"

كانت المرأة تجلس على كرسيّها كما فعلت طوال الوقت الذي كان يقتل فيه الفتى أدهم كلّ الحاضرين هناك، ونظرت إليه بنفس الهدوء يعتلي وجهها. كأنّها لم تهتم أبدا بما حدث للعائلة التي أصبحت عائلتها، أو ما سيحدث لها نفسها.

وقفت المرأة ثم قالت بنفس الهدوء: "لربّما لأنّني مثلك لم أهتم بالمنصب."

ابتسم الفتى أدهم ثم وضع يديه خلف ظهره وتمشى خطوات قليلة للأمام، قائلا: "جيد. كوني لي إذن، ولك ما تريدين."

علمت المرأة ما قصد الفتى بكلامه. لقد كان يعني أن تتبعه، وتخدم لأجله من آنذاك فصاعدا. ابتسمت مباشرة ثم قالت: "سمعا وطاعة يا سيّدي. وتباعا لسخائك، أريد شيئا واحدا فقط." رفعت المرأة رأسها ثم حملت عينين جعلتا الفتى أدهم يتذكّر نفسه عندما تعذّب لوقت طويل بصغره: "أريد إبادة هذه المدينة عن بكرة أبيها."


كانت هذه المرأة تحمل حقدا كبيرا على هذه المدينة. فمع أنّها ولدت بها، إلّا أنها لم تمر بأيّ يوم جميل على أرضها ورأت الجحيم مرارا وتكرارا فقط. حتّى أنّها أصبحت أَمَة ولم ترَ العالم الخارجي حتّى. وعندما اكتُشِفت موهيتها من العائلة التي تحكم هذه المدينة، أجبِرَت على التدرّب بقساوة كبيرة للغاية.

لقد مرّ عليها الجحيم فقط في هذه المدينة حتّى مقتَتْها بلا حدود، فلم يكن هناك ما سيزيح عن قلبها كلّ تلك الآلام سوى اختفاء هذه المدينة عن الوجود.

وفي تلك الليلة بالضبط، انتشر خبر إبادة مدينة برمّتها على يد امرأة لُقِّبت فيما بعد بـ'ساحرة الليلة الحمراء'، و'مبيدة مدينة الأوردة الشماليّة'. ولم يعلم أحد عن ذلك الفتى الذي كان السبب الأكبر في ذلك الحدث.

عندما انتهيا من أعمالهما في ذلك المكان، حدّق الفتى أدهم إلى ما خلّفه من هدم ودمار، ثم استدار دون قول أيّ شيء آخر. وأثناء مغادرتهما، سأل: "أيا امرأة، ماذا أناديك؟"

ارتسمت ابتسامة على وجه المرأة وحدّقت إلى المكان الذي اعتادت المدينة الوجود به، وأجابت بعد ذلك بعدما أصبحت عيناها مشرقتين من جديد وعادت الحياة لهما: "نادني فضيلة كرم من فضلك يا سيّدي."

توقّف الفتى أدهم بعدما كان يتمشّى وحملق إليها باهتمام، ثم تحرّك إلى الأمام مرّة أخرى حاملا ابتسامة خفيفة قائلا: "لك ذوق غريب."

لم تعلّق فضيلة كرم على ذلك، وتبعته بهدوء فقط. اقتربت منه وسألت: "بمَ يجب أن أناديك يا سيّدي؟"


التفت إليها الفتى أدهم، وبذلك كان قد رأى المدينة المهدمة مرّة أخرى، فقال بعدما حدّق إلى الأفق البعيد: "في ذلك اليوم، استوطنت اليأس الحقيقيّ، وأصبح الكثير من الأشياء لا تؤثّر عليّ، ولكن ما زال هناك شيء يؤرّقني. إنّه اسمي. فكلّما سمعته تذكّرت قمري يناديني. والآن بعدما فقدته، لم يعد لي نور في ظلامي. وكلّ ما بقي هو العذاب الذي يتلو سماع ذلك الاسم."

تناسى كلّ شيء تذكّره لتوّه ورفع يده ثم أحكم قبضته. قال بعد ذلك: "سيبتلع ظلامي كلّ شيء، ويدي ستمحق كلّ ما تلمس. ناديني 'هدّام'."

ارتحل بعد ذلك الاثنان، ومنح هدّام فضيلة كرم بعضا من الأدوات التي ملكها لتساعدها في النموّ، كالإكسيرات وسلاح أثري. كل ذلك تحصّل عليه عبر مكعّب تخزين قبل عشر سنوات. حصل على مخطوطات تشرح له كيفيّة استخدامها وما الغرض منها، ولهذا فاق توقّعات الجميع ببلوغه المستوى السادس في سنّ الخامسة عشر فقط.

وبعد ثلاث سنين أخرى، كان هدّام قد كوّن حلف ظلّ الشيطان، وفي إحدى الليالي، واتته الفرصة ليلتقي باليأس الحقيقيّ من جديد. أخيرا التقى به بعد كلّ ذلك الوقت. لقد كانت تلك هي اللحظة التي انتظرها هدّام طيلة الثلاثة عشر سنة الماضية.

أمضى بعد ذلك شهورا في مكان غير معلوم لأيّ أحد، وتعلّم العديد من الأشياء. أرشِد من اليأس الحقيقيّ وعلم عن الكثير من الأشياء. وفي غضون سنتين، انتقل من المستوى السابع إلى الرابع عشر.

وبعد كلّ ما واجه، وجد نفسه مهدّدا بخسارة كلّ ما بناه. وكل ذلك بسبب فتى يناهز خمسة عشر سنة فقط. لم يعلم سبب قوّة هذا الفتى التي تزداد فقط لا تنقص، ولا الشخص الذي يدرّبه فجعله مثل هذا الوحش المرعب في مثل هذا السن.

ولكن، كشخص رأى اليأس الحقيقيّ، لم يكن وأبدا ليشعر باليأس في مثل هذا الموقف. كانت حياته لتكون فارغة تماما لولا التقائه باليأس الحقيقي وجعل اليأس موطنه، فشخص بلا إرشاد، ولا هدف، ولا وطن، هو شخص بلا أصل ولا حياة.


تذكّر اليوم الذي فارقه فيه اليأس الحقيقيّ، وسمع تلك الكلمات التي رُسِّخت في قلبه. لم يسعه سوى تذكرها في هذا الموقف: "كن ضروسًا، يائسًا، ولن تختبر أسًى. من الآن فصاعدا، أنت ظلّي. سألاقيك لاحقا يا هدّام الضَّروس."

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه هدّام الضَّروس في هذا الوقت، وحدّق إلى باسل بعينين مشرقتين. لقد كان في كامل حيويّته بالرغم من الموقف الذي سيجعل المقدام متقاعسا، والبئيس بائسا. سيقع أيّ شخص في اليأس بعدما يرى كلّ تلك الطاقة التي تُشحَن في ذلك الرمح الخشبيّ، ولكن ليس من رأى اليأس الحقيقيّ وجعل من اليأس موطنه مسبقا.

تكلّم ظلّ الشيطان بعدما استعدّ جيّدا لكلّ ما يمكن أن يأتي من باسل. فحتّى مع شعوره بأنّ الاصطدام التالي بينهما سيقرّر الفائز على الأغلب، إلّا أنّه لم يكن متردّدا على الإطلاق. كان حازما وعازما أكثر من أيّ وقت مضى، ولكن ليس على البقاء على قيد الحياة، بل على عدم الوقوع في فخّ الأمل.

لقد وجد قدوته، ومثله الأعلى، وهدفه الأسمى في هذه الحياة، وكان كلّ ذلك أكثر من كافٍ له. لم يحتج لأمل قد يصاحبه ألم. لقد كان ظلّ الشيطان. لقد كان هدّام الضَّروس.

كان هدّام الضروس يقف أمام ساحر بلغت طاقة أحد عناصره السحريّة نفس الكمّيّة التي يملكها عنصر ساحر مشرف على الانتقال إلى المستويات الروحية. كان هذا الساحر المشرف على الانتقال إلى المستويات الروحية يُسمّى بـ'الصاعد'.

يمكن القول أنّه يمكن مناداة باسل في تلك الحالة كـ'شبه صاعد'. كان يملك الصاعد طاقة سحريّة هائلة للغاية، وهذا بسبب كونه ربط كلّ نقط أصله، وبلغ قمّة المستوى الرابع عشر، ثم ارتبط بإرادة بحر روحه، وبدأ يستعدّ للدخول في مرحلة الاستحواذ على روح وحش سحريّ.

كان باسل مختلفا عن ذلك. فلقد كانت طاقة عنصر تعزيزه فقط ما ارتفع، وحتّى لو كان قد ربط كلّ نقط أصله وارتبط بإرادة بحر روحه، فلن تزداد طاقة عنصريه الآخريْن تلقائيّا لأنّه لم يبلغ قمّة المستوى الرابع عشر.

ولهذا، ساعده ربط نقط أصله والارتباط بإرادة بحر روحه على تقوية جسده بسرعة كبيرة جدّا، وزيادة قدرة تحمّله وقدرة تحمّل بحر روحه على استيعاب طاقة سحريّة كبرى. وهكذا صار عنصر التعزيز بطاقة كالتي لدى أحد عناصر 'صاعد'.

علم ظلّ الشيطان معنى ذلك جيّدا، ولهذا جعل من حذره في أقصى درجاته، واستعدّ بكلّ ما يملك. وفي الجهة الأخرى، كان باسل يأخذ وقته في كشف تقنية أصليّة بالرّمح الخشبيّ. فمثل هذا السلاح العتيق لا يمكن ألّا يكون بأيّ قدرة. والآن بعدما استوفى الشرط الأساسيّ لاستخدام إحدى قدراته، كان باسل يركّز على فهمها جيّدا.

لقد كان مثل هذا السلاح العتيق بنيّة خاصة به، وبمجرّد ما أن تتحكّم فيه مثاليّا، ستصير لك القدرة أخيرا على معرفة إحدى قدراته الخاصة.

لم يكن هذا السلاح العتيق في الواقع بسلاح، وإنّما مجرّد كنز عتيق فقط. وكلّ شخص بعد ذلك يمكنه تحويله إلى سلاح سحريّ، أو أثري، أو روحيّ. وعندما رأى باسل هذا الرمح الخشبيّ أوّل مرّة، كان فقط كنزا، حتّى حوّله إدريس الحكيم إلى كنز أثريّ بالدرجة السابعة.

ولكن بما أنّه كنز عتيق، فحدوده ليست في أن يكون مجرّد سلاح أثريّ، ولكن يمكنه أن يكون سلاحا روحيّا أيضا. وكذلك الحال نفسه مع قرص بحيرة المائة الفضّيّ.


وفي الوقت الذي لم يكن يستطيع فيه ظلّ الشيطان الاقتراب من باسل، كانت المعركة قد بلغت ذروتها ضدّ القدماء الكبار. كان الملول طايكوتسو قد عولج ليصبح قادرا على القتال من جديد على الأقل، وانضمّ إلى فضيلة كرم والكبير ديميور.

أصبحت المعركة دمويّة للغاية بعدما فقدت قبائل الوحش النائم العديد من أعضائها، فكان ذلك سببا في نموّ بحر الدماء في ساحة المعركة. واجه القدماء الكبار وقتا عصيبا ضدّ أولئك البشر المتوحّشون. لم يكن باستطاعتهم إيقافهم عن تقدّمهم الفائض، ولا دحض معنوياتهم الفائقة. لقد كانوا يزدادون قوّة في كلّ مرّة يموت واحد منهم بدل أن يثبّطهم ذلك.

لقد كانوا العرق الأقوى في هذا العالم، وكانت لديهم بنيات جسمانيّة يحلم أيّ ساحر لو امتلك مثلها. قاد أبهم ولمياء ذلك الجيش العظيم وخبطوا القدماء الكبار مرارا وتكرارا. لقد كانت لمياء وباقي رؤساء القبائل القياديّة في المستوى السابع حاليا، فكانت قوّتهم الجسمانية مثل تلك التي لدى ساحر بالمستوى العاشر. كان يمكن تخيّل مدى شراسة هذه القبائل.

شعر القدماء الكبار كأنّهم يواجهون آلاف سحرة من قسم مستويات الربط الثاني، فتلك الأجساد الصلبة كان صعب اختراقها لاسيما بعد تحوّلها إلى طور الوحش السحريّ. كان القدماء الكبار متفوّقين من ناحية السحر، ولكنّهم لم يستطيعوا النجاح من ناحية القوّة الجسديّة. فأصبحت مسألة وقت فقط حتّى يصلوا لحدودهم بعدما تفرغ طاقاتهم السحريّة.

ولم يمر وقت طويل حتّى سقط أوّلهم. كان ذلك طايكوتسو الملول الذي كان النقطة الأضعف من جهة القدماء. وبسبب ذلك، ظهر فرق شاسع في القوّة الجسمانيّة بين القبائل والقدماء الكبار، فانقضوا بأعدادهم الهائلة على الاثنين الباقييْن وأنهوا أمر الكبير ديميور أيضا.

حتّى بكلّ الوسائل الدفاعيّة، لم يستطع الكبير ديميور النجاح في النجاة بعدما استفرغ كلّ ما ملك من طاقة سحريّة. صرخ بشكل مزرٍ في نهايته وحدّق إلى هدّام الضَّروس بنظرات يأس.

وفي الأثناء التي بقيت فيها فضيلة كرم واقفة لوحدها ضدّ تلك الأعداد المهولة بلا حول ولا قوّة، نظرت هي الأخرى إلى سيّدها وتذكّرت كلّ الطريق الذي قطعوه إلى هنا. لقد كان طريقا مليئا بالتضحيات والمآسي، ولكنّها لم تعتقد ولو للحظة في حياتها بجواره أنّها قامت بالخيار الخطأ. لقد كان هدّام الضَّروس هو الشخص الذي خلّصها من عذابها ومحاه.

نزلت دمعتان من عينيها في آخر لحظة، فكانت تلك هي آخر مرّة تتنفّس بها.

راقب ظلّ الشيطان كلّ ذلك من بعيد فقط ولم يكن لديه أيّ خيار آخر غير المراقبة. لقد كانت عينا باسل عليه ولم يكن تكن هناك أيّ ثغرات كي يذهب ويساعد بها أتباعه. حدّق إلى باسل مرّة أخرى فوجده انتهى من عمله. وفي تلك اللحظة بالضبط، شعر هدّام الضروس بالقشعريرة مرّة أخرى، ولكن هذه المرّة كانت مختلفة كثيرا عن السابق.

لقد كانت هذه القشعريرة حاملة معها إنذارا سيجعل أيّ شخص يفرّ لينجو بحياته.

لقد أحسّ ظلّ الشيطان في ذلك الوقت بالموت الوشيك. لم تكن هناك سابقة لهذا الشعور، كانت هذه أول مرّة له. فحتّى بعدما مرّ بكلّ أنواع العذاب في صغره، لم يسبق له أن أحسّ بمثل هذا الإحساس. شعر كما لو أنّه شاهد رؤيا مستقبليّة لاضمحلال روحه.


ومع ذلك، لم ييأس هدّام الضروس.

كان الرمح بيد باسل هادئا، وكذا كانت طاقته السحريّة. كان باسل كأنّه ليس في وسط معركة أبدا ولم يكن شاحنا لطاقته السحرية. فكلّ الطاقة التي شحنها سابقا اختفت على حين غرّة كأنّها لم توجد من قبل.

تكلّم باسل حينها: "لقد بقيت لوحدك يا هذا. ومع أنّك تدري ما الوقف الذي أنت فيه، فإني لا أرى يأسا في حدقتيك."

ابتسم هدّام الضروس، وقال بهدوء كعادته: "لقد فقدت قمري، فغمرني ظلامي. التقيت باليأس الحقيقيّ، فاستوطنت اليأس، حيث لا يوجد البأس."

رمقه باسل بنظرات جدّيّة ثم علّق: "يبدو أنّ طرقنا مختلفة حقّا. اليوم، ستكون حملا آخرا على ظهري. فعلى عكسك، لا أنوي أبدا الهروب من البأس."

حافظ هدّام الضروس على ابتسامته ثم صرّح: "اعتبره ما شئت، ولكنّ استيطان اليأس حتّى لا أرى البأس لا يعني أنّني هربت، إنّه يعني فقط أنّني يائس بائس كفاية كيلا أشعر بأسى."

رفع هدّام الضروس يده إلى الأعلى ثم أكمل: "عندما تستوطن اليأس، لن يكون موتك موتا، لأنّه سيكون مجرّد خطوة لتُبعَث من جديد. اليوم، سواء متُّ أو حييت، فسأحيا."

ابتسم باسل عندها وضحك تاليا قبل أن يقول: "تكلّمني عن بيع روحك يا هذا. لا تقلق، دور مستهلِكك بعدك. سأحرص كلّ الحرص على عدم تبقّي أيّ آثار لروحك اليائسة."

اتّخذ باسل وضعيته مستعدّا، وفي لحظة، سطع الرمح الخشبيّ الذي كان هادئا طوال الوقت، فابتسم باسل قائلا: "يبدو أنّ العمليّة قد انتهت. والآن، لنجرّب فاعليّتها."

أصبح الرمح عبارة عن نصل بطول اليد قبل أن يلاحظ أيّ شخص. أصبح نصلا أزرقا ملتهبا بنار هادئة، ومحاطا بضوء أزرق فاتح أقرب إلى الأبيض، وبضوء آخر أبيض. كلّ ذلك كان معناه أنّ باسل بلغ تحكّما مثاليّا في العناصر الثلاثة لدرجة مخيفة بحيث أصبح قادرا على جعلها مندمجة لتلك الدرجة.


ولكن لم يكن السبب الوحيد هو تحكّم باسل المثاليّ. لقد كان هناك شيء آخر لم يعلمه احد غير شاب جلس بعيدا. فجأة، أخرج هذا الشاب رمحا خشبيّا يبدو تماما كالذي لدى باسل. حدّق إليه الشاب الفضّيّ ثم تكلّم متعجّبا: "لقد نجح في استنباط أفضل قدرة لديك من المحاولة الأولى. لربّما منحه إيّاه كان أفضل مآل لهذا الكنز العتيق."

وقف الشابّ الفضّيّ ثم أكمل: "في ذلك العام، اكتسبت حكمتي السياديّة، وبعد خمسمائة سنة منذ آنذاك، حاولت مرارا وتكرارا كسب هذا الكنز، ولحسن حظّي وُهِبت غصنيْن. جعلت أحدهما سلاحيّ الروحيّ، وثانيهما جعلته ينتظر وقته. يبدو أنّ وقته ذاك قد حان أخيرا."

اختفى الشابّ من ذلك المكان فظهر قرب ساحة المعركة ببعض مئات الأميال كعجوز مرّة أخرى. أراد أن يأخذ نظرة أقرب على ما سيفعله باسل.

كان رمح باسل الخشبيّ حاليا سلاحا أثريا بالدرجة السابعة، وكذا كان أسلحة هدّام الضروس، وإن تقاتلا باستخدام هذه الأسلحة فلا شكّ انّ المعركة ستكون لصالح ظلّ الشيطان، ولكن الحال في هذه الأثناء كان مختلفا جدّا بما أنّ باسل يملك طاقة سحرية ضخة للغاية.

حرّك باسل ذراعه متحكّما بذلك في النصل الأزرق، وتكلّم: "سأجعل موتك سريعا يا هذا."

فسس

اخترق باسل الهواء بذراعه، فإذا بالنصل الأزرق يختفي عن الأنظار نهائيّا. لقد كان ذلك نصلا بثلاثة عناصر، النار، والرياح، وعنصر التعزيز ذو الطاقة الهائلة، والذي يعزز العنصرين الآخريْن معه أيضا. ومع ذلك، كان هناك شيء مختلف بهذا الهجوم من باسل عن باقي الهجمات الأخرى.

صرخ هدّام الضروس دون أن يشعر: "كيف؟ هذا مستحيل. لم الطاقة التي تنبعث من هجومك أقوى من التي تنبعث منك؟"

ابتسم باسل ثم أجاب بهدوء: "هذا لأنّها تلك هي قدرة ذلك الرمح."


لكم هدّام الضروس الهواء عشرات المرّات مكوّنا حاجزا زجاجيّا، وواستخدم قرصه الفضّيّ، ثم سلاحيْه الأثريين بعد ذلك، ولكنّ كلّ ذلك وجده غير نافع ضد اختراق النصل الصغير. لقد كان ذلك النصل الأزرق كشفرة أحد التنانين السامية. بإمكانه شطر السماء لنصفين، واختراق أصل الأرض.

حاول ظلّ الشيطان بكلّ ما يملك لكنّه لم يستطِع إيقاف اختراق النصل لدفاعاته الواحد تلو الآخر. فمع أنّ باسل شبه صاعد في هاته اللحظات، إلى أنّ هذا النصل بدا كأنّه قادم من صاعد حقيقيّ، فلم يكن لهدّام الضروس أيّ فرصة في الدفاع عن نفسه.

تمتم إدريس الحكيم عن بعد: "نسبة المضاعفة، عشرة في المائة، هذا جيّد جدّا كبداية."

كان سيكون هجوم باسل العادي كافيا لإنهاء حياة ظلّ الشيطان، فما بالك الآن باستخدام قدرة الرمح الخشبيّ.

صرخ هدّام الضروس واستخدم كلّ ما تبقّى له من قوّة حتّى ينجو من هذا الهجوم المروع. استخدم عنصر الدمار حتّى بلغ حدّه، ولكنّه لم يكن كافيا بعد.

نطق إدريس الحكيم مرّة أخرى: "قد يكون عنصر الدمار هو أقوى عنصر في العالم الواهن، ولكنّه ليس الأفضل. فعنصر بلا إمكانيات لن يتطوّر أبدا."

لم يسع هدّام الضروس سوى الصراخ من الآلام المتتالية. استخدم مرارا وتكرارا قرص بحيرة المائة الفضّيّ حتّى يعالج نفسه، ولكنّ ذلك كان بلا فائدة بما أنّ الأضرار تعود بسرعة أكبر.

شحن باسل في ذلك الوقت طاقته السحرية من جديد ثم قال: "آه، على غير عادتي كنت سأنسى. قلت أنّني سأجعل من موتك سريعا."

ووش ووش ووش

استخدم باسل الامتداد الكلّيّ لثلاث مرّات فانطلقت طاقات سحرية ظاهرة أمام هدّام الضروس طاعنة إيّاه. وبعد ذلك ظهر باسل، أو المجسّم العملاق للدقّة، فنزل بذراعه العظيمة عليه.


تكسّرت كلّ دفاعات ظلّ الشيطان بعد هذا الاندفاع العنيف من باسل، فشقّ النصل طريقه عندئذ بكلّ سلاسة نحو العدوّ.

زباام

التقى النصل قرص بحيرة المائة الفضّيّ، فتصارع الكنزان العتيقان معا، ولكنّ داعم النصل – طاقة باسل السحرية، كان أقوى من داعم القرص، فأرسِل القرص بعيدا، وبقي ظلّ الشيطان دون أيّ دفاع حقّا هذه المرّة.

بووم

التقى النصل الأزرق بجسد ساحر المستوى الرابع عشر، فصُنِعت ضوضاء كبيرة، وصدمة ضخمة من كلّ اللائي سبقنها. كان دفاع هدّام الضروس الأخير هو جسده نفسه، ولكنّ ذلك لم كافيا ليمنع النصل الأزرق من اختراقه.

صُنِع ثقب كبير في منتصف هدّام الضروس، علم هذا الأخير أنّ شعلة حياته بدأت تختفي. حدّق بنظرته الأخيرة إلى أزهر شيرايوكي، ثم تمتم: "أريحايْ" فسقط أرضا بعد ذلك.
خُبِط جسد هدّام الضروس مع الأرض بقوّة، فشعر الجميع بتلك الضربة في قلوبهم كأنّ مَطَارِقا دقتها. كانت تلك لحظة صاعقة وغير قابلة للتصديق أبدا. فقبل دقائق فقط كان الموقف عكس ما حدث كلّيّا. كان باسل من يواجه خطر الموت، ولكن الآن، ها قد فارقت روح ظلّ الشيطان جسده.

لم يعد هناك خطر مرتقب بعد الآن. جعل كلّ هذا ضربات قلوب الحاضرين تتسارع كثيرا، ونظروا إلى باسل الواقف أمام جثّة خصمه. كان باسل يحدّق إلى هدّام الضروس لوقت طويل، بينما يتذكّر كلّ ما قاله وفعله. ترك ظلّ الشطان انطباعا عميقا عنده. لقد كان أوّل عدوّ منافس له.

نظر باسل إلى قرص بحيرة المائة الفضّيّ بجانب الجثّة، فانحنى ليحمله، فإذا بالقرص يطلق ضوءا ساطعا وهالة سامية جعلته يتراجع للخلف عدّة خطوات. لم يتوقّع أنّ هذا القرص سيفعل مثل هذا الشيء أبدا.

لم يعلم باسل ما الذي يحدث، ولكنّ القرص طفا ثم بدأ يدور بشكل جنونيّ حول نفسه، حتّى انبثق فجأة من داخله ضوء أسود حالك. كان هذا السواد عبارة عن نقطة تبدو كالثقب الأسود، فجذبت كلّ ما جاورها بقوّة لا تقاوم.

انجرّ جسد باسل رغما عنه إلى هذا الثقب الأسود فجأة، فشغّل باسل كلّ ما يملك من طاقة سحريّة وقوّة. استخدم فنّه القتاليّ والرمح الخشبيّ، ولكن كلّ ذلك كان بلا جدوى أمام الجاذبيّة الهائلة التي تأتي من الثقب الأسود الضئيل.

وفي تلك اللحظات، حُكِم على باسل بالموت............ يتبع!!!!!
 
  • عجبني
  • حبيته
التفاعلات: Apo Omer, محمد محمود ابو عيدان, البرنس احمد و 10 آخرين
--------------------------

(الجزء السابع)

وفي تلك اللحظات، حُكِم على باسل بالموت
وليس هو فقط، بل كلّ شخص كان يجاوره، ومع الوقت بدأت الجاذبية تقوى حتّى بدأت تبلغ الذين اعتقدوا أنّهم في مأمن. كان يبدو كما لو أنّ ذلك الثقب الأسود يستطيع بلع النجوم والمجرّات دون أن يواجه أيّ مشكلة.

وعلى حين غرّة، لم يعد هناك تأثير للجاذبيّة على باسل. انبثقت أرض واسعة أسفله وأسفل الجميع كأنّها عالم يستطيع حمل السماء من السقوط وتنمية الجبال الأوتاد. كانت تلك الأرض حمراء كالدم، تجعل الشخص يعتقد أنّه وثب بحر دماء.


ظهرت تلك الأرض للحظة فقط ثم اختفت قبل أن يفكّر أيّ أحد في ماهيتها، ولكنّ مجرد الشعور بها في تلك اللحظة الوجيزة كان كافيا ليجعل كلّ شخص موجود يحسّ بوجوده الضئيل ويحتقر نفسه على مشاركته نفس العالم مع صاحب تلك الهالة.

اختفت تلك الأرض الواسعة، وبدت لمن استطاع لمح القليل أنّها أصبحت رمحا بطريقة ما. ارتفع الرمح المتوهّج في السماء، وبحركة من إدريس الحكيم الذي كان بعيدا بمئات الأميال، انطلق الرمح نحو القرص بسرعة كبيرة للغاية. كان هذا الرمح مقاوما لجاذبية الثقب الأسود ولم تؤثّر عليه أبدا، فكانت تلك السرعة التي ينطلق بها سرعته الخاصة.

لم يكن بإمكان أحد رؤية الرمح عند تحرّكه، وفي اللحظة التالية التي بصروه فيها، كان قد اخترق الثقب الأسود بقوّة أرعبت الوجود في هذا العالم. تزلزلت الأرض بفعل ذلك، وتقلّبت الأمواج في البحر المجاور، اسودّت السماء وتساقطت الصواعق، ثُقِب الفضاء وتشوّهت صورة الوجود حول الرمح والثقب الأسود.

عبس إدريس الحكيم ثم قال: "إذا هكذا انتقلت إلى هنا يا شيطان اليأس. لا أعلم ما هذا الكنز، ولكن بالنظر إلى هذا الجزء البسيط فقط من قوّته... هذا يجعلني أتساءل."

حكّ إدريس الحكيم ذقنه بينما يترك رمحه يتعامل مع الموقف بدلا منه، ثمّ فكّر لقليل من الوقت. تمتم مرّة أخرى: "لقد سبق وأن رأيت العديد من كنوز الفضاء، ولكن ولا واحد منها يشبه هذا. ما أصله؟"

حدّق باسل إلى الرمح ثم علم ما حدث، فتحدّث عبر خاتم التخاطر: (أيّها المعلّم، ماذا هناك؟)

ابتسم إدريس الحكيم في وجه باسل: (هوهوهو، لا شيء مهم يا أيها الفتى باسل.)

استمرّ التصادم بين الرمح والثقب الأسود لمدّة لا بالطويلة ولا بالقصيرة، وكلّ ذلك سبّب في تحرير الآخرين من الجاذبيّة التي أصبح جلّ تركيزها على الدفاع ضدّ الرمح.

وفجأة، اختفى القرص عن الأنظار، ولم يعلم أحد أين ذهب غير إدريس الحكيم الذي قَطَبَ وقال: "هذا حقّا غير متوقّع. كنز يفوق توقّعاتي يجب أن يكون كنزا ساميا على الأقل." تنهّد إدريس الحكيم بعد ذلك ثم خاطب باسل بينما يداعب لحيته: (خسارة لك يا فتى، لقد فقدت غنيمة فوزك. لقد كان هناك شيء مختلط بالقرص.)


تنهّد باسل قليلا ولكنّه لم يتحسّر. لقد كان راضيا نوعا ما. فعندما كان ينظر إلى نتائج الحرب، كان يجدها أكثر من كافية حتّى تجعل مزاجه جيّدا للغاية وتنسيه في كلّ شيء سيّئ آخر. نظر إلى تشكيله ورضي عمّا أنجزوه، ورأى حال الكبير أكاغي والآخرين فحمد ربّه على سلامتهم، ثم اطمأنّ على بعض أتباعه كأخويْ القطع والحارس جون فوجدهم بخير أيضا.

لقد كانت هذه الحرب دمويّة، والعديد من الجنود ماتوا، وفقدت الإمبراطوريات الثلاث الكثير من قواها، ولكنّ كلّ ذلك كان فوزا بالنظر إلى ما حقّقوه. لقد أبادوا العدوّ الذي كان يشكّل خطرا على العالم بأسره، ولم يتركوا أيّ عضو منه. لقد كانت هذه بداية جديدة أخرى لهم، بداية حيث يرجون ألّا تكون هناك حروب ولا قتالات صراع على السلطة.

مات مئات الآلاف اليوم، وأصبحت أرض المعركة قرمزيّة، ولم تكن بمكان سيزوره البشر للسياحة. لقد حدثت هنا مجازر مريعة، وتركت بصمتها طويلة الأمد في هذا المكان. وعلى الأقل منذ آنذاك حتّى بضع آلاف سنين، ستُقَصّ هذه الحادثة كقصة للأطفال لإرعابهم، أو قصة لتحفيزهم حتّى يصبحوا مثل ذلك الشخص الذي أنقذ عالمهم، والذي سيُعرَف على مرّ تلك السنين بـ'بطل البحر القرمزيّ'، إشارة بذلك إلى بطولته في تلك الحرب التي خلّفت بحرا دمويّا ولم يسبق لها مثيل في العالم الواهن.

أخبر إدريس الحكيم باسل: (يا أيها الفتى باسل. رتّب أمورك وجدني في الكوخ.)

اختفى الرمح من أمام ناظر الجميع، كما فعل بعد ذلك إدريس الحكيم، ولم يستطع أحد معرفة ما حدث بالضبط. ولكن كلّ ما كانوا متأكّدين منه هو أنّهم نجوا من كارثة عظيمة كانت ستجعل من فوزهم مجرّد وهم وجيز. كانوا سيقعون في يأس عميق في اللحظة التي غُمِروا فيها بالأمل.

أحاطت الدماء المكان كلّه، وجعل ذلك باسل يشعر بإحساس سيّئ بالرغم من مزاجه الجيّد، فأراد الابتعاد عن هذا المكان بسرعة. توجّه إلى الكبير أكاغي والآخرين وتبادلوا الحديث المرِح بعد الحرب. لقد كان ذلك فوزا عظيما حقّا لهم، ولن يفوّتوا الفرصة للاحتفال.

وقف الكبير أكاغي بسرعة ثم قال لباسل: "يا حليفنا، لمَ لا تُكمِل فوزنا؟"

ابتسم باسل ثم أجابه: "ذلك دورك أيها الكبير أكاغي. لقد قمتُ بما يتوجّب عليّ فعله مسبقا."

بادله الكبير أكاغي الابتسامة وخالفه الرأي: "بلى، لقد فعلت، ولكنّك لم تُكمِل. أقسِم أنّه لن يكون مكتملا حتّى يأتي منك." غيّر نظره ثم وجّهه نحو جميع من يوجد في الساحة، فأكمل: "انظر إلى الأبصار الناظرة، أتعلم إلى أين هي متّجهة؟ إليك ليس إليّ. إنّهم ينتظرونها منك."


تنهّد باسل ثم حدّق إلى نفس المنظر الذي يشاهده الكبير أكاغي، فحكّ رأسه وتقدّم إلى الأمام: "أظنّ أنّه لا يوجد خيار." رفع رأسه ونظر إلى الشمس التي بدأت تغرب، وتذكّر الأحداث التي مرّت في ذلك اليوم الطويل. لقد كان يوما مرهِقا حقّا.

استخدم باسل عنصر التعزيز فرفع من صوته: [اليوم، بدأنا حربا لم نكن نعلم بفوزنا أم خسارتنا بها. اليوم، فقدنا الكثير من حلفائنا، و كسبنا آخرين، قَتلْنا وقُتِل منّا. اليوم، حاربنا، فكنّا آخر الصامدين. اليوم، أنهينا الحرب الشاملة. اليوم، فزنا.]

رفع باسل ذراعه إلى الأعلى ثم صرخ: [إنّـــه فـــوز عـــالـــمـــنـــا ! ]

اقشعرّت أجساد الحاضرين، وتناغمت مع الجملة الأخيرة، فأحسوا بنشوة لا مثيل لها، ولم يسبق لهم اختبار مثلها. لقد كانت هذه هي اللحظة التي ظهر فيها اتّحاد خالص بين كلّ قوّات العالم لأوّل مرّة في هذا العالم.

'فوز عالمنا'. تردّدت هاتان الكلمتان على مسامع الجمهور، فجعلتهم يقفزون فرحا، وصياحا: [عـــالـــمـــنـــا ! ]

أكمل باسل كلامه بعد ذلك: [نعم، إنّه عالمنا، ولن نسمح لأيٍّ كان بسلبه منّا. حقّنا مُلكنا، ومُلكنا لا يفارقنا. عـــالـــمـــنـــا ! ]

تحمّس الجميع بحديث باسل، فتكلّم أحد منهم فجأة بعدما تأثر بالمشهد الذي صُنِع بوقوف باسل وتحدّثه كذاك. فصرخ: "يحيا بطلنا حامي عالمنا ! يحيا البطل ! "

سمعه الجميع، فردّدوا من بعده: "إنّه بطل الحرب الشاملة، إنّه البطل الذي أنجانا من البحرِ القرمزيِّ. إنّه بطلُ البحرِ القرمزيِّ ! "

[بطل البحر القرمزيّ ! ]

[بطل البحر القرمزيّ ! ]


[بطل البحر القرمزيّ ! ]

ردّد الجيش العظيم ذلك الاسم مرارا وتكرارا حتّى ترسّخ في قلوب جميع الحاضرين.غُمِر كل شخص بالسرور، ببطل سيحميهم من كلّ الشرور. لقد كان ذلك ظهور لبطل سينقذهم من كلّ المخاطر المرتقبة. سعِد الجمهور بهذا وبدأ بعضهم يؤلِّف الشعر والقصائد بالفعل من شدّة الحماس.

لقد كانت هذه لحظة ستجعل من أيّ شاعر يريد تأليف وصفه الخاص لها. كانت تلك ملحمة تاريخيّة ستُروى لآلاف السنين، ولم يكن هناك شاعر لم يرغب في أن يكون مؤلّف القصيدة المأثورة.

مات اليوم مئات الآلاف من كلا الطرفين، ولكنّ العالم قد فاز. لقد مرّ العالم الواهن مرّة أخرى بعقبة كبيرة، فأحسّ ساكنيه بالطمأنينة المؤقّتة.

انتشرت الأخبار بسرعة البرق، وبلغت الصغير والكبير في الإمبراطوريات الثلاث. نُظِّمت الولائم والحفلات، واحتفل العالم الواهن بعد ذلك لأيّام. كان هناك الحزانى على أعزائهم، ولكن بعدما تذكّروا الدور الذي أنجزوه بموتهم، أصبِح الألم متحمَّلا وقابلا للشفاء.

لا يهم أين، أو من، كل شخص احتفل بالفجر الجديد، وبالنجم الذي سطع كشمس الشروق – بطل البحر القرمزيّ.

أثناء تراجع الجيش العظيم، افترقت قواه، كلّ واحدة اتّخذت طريقا نحو ديارها. كانت إمبراطورية الشعلة القرمزيّة هي الأقل تعرّضا للخسارة، وتوسّطت إمبراطوريّة الأمواج الهائجة اللائحة، ثم جاءت إمبراطورية الرياح العاتية في المرتبة الأولى من حيث عدد القتلى.

لقد كانت تملك أربع جنرالات فقط، وذلك أثّر كثيرا على مردوديّة تشكيلاتها أثناء المعركة، أمّا قبائل الوحش النائم، فبالرغم من تلقّيها خسائرا فادحة أيضا إلى أنّها كانت في مدّة قصيرة فقط كونها أتت في الوقت الأخير من الحرب.

عادت القبائل إلى وطنها أيضا، ولكن رافقت لمياء وقادة القبائل الثلاث الأخرى الكبير أكاغي كي يقرّروا مستقبلهم. كان هناك خمس قبائل قياديّة في الواقع، ولكن تبيّن كما توقّع باسل أنّ إحداهنّ كانت خائنة، وكانت قبيلة حاكم النيران، ولهذا لم تظهر في هذه الحرب. فبعد كلّ شيء، مصير الخائن هو الإعدام في هذا العالم دون استثناء.

أعدِم جميع المسؤولين وحُجِز التوابع إلى أجل غير مسمّى حتّى يتّضح الأبيض من الأسود. وبسبب ذلك، هرب بعضهم، فجعل ذلك القبائل تتأخر في القدوم إلى الحرب، بما أنّهم اكتشفوا أنّ من هرب تلقّى المساعدة، واحتاجوا إلى أن يعرفوا من قدّمها لهم، فذلك عنى وجود خائن شريك.

وهكذا كانت القبائل قد انتهت أخيرا من انعزالها الذي استمرّ لخمس وخمسين سنة. فأصبح بمقدور أعضائها الانطلاق نحو العالم لرؤية معالمه وما يحمله من مفاجآت ومغامرات. ولكن ليس حتّى يتقرّر الأمر على يد قادتهم.

عندما اختفى الجميع، ظهر شخص أمام جثّة ظلّ الشيطان، مبتسما بوجه طفولي. كانت عيناه تحملان وهجا من الحماس، بينما تحدّقان إلى الجسد الميّت أمامه. نطق فمه بعد أن انحنى إلى الجثّة: "حامل عنصر الدمار الوحيد في كلّ العوالم. لا تقلق يا ظلّ الشيطان أو أيّا كنت، فبالتأكيد لن أجعل من موتك يذهب سدى."

عاد باسل وأنمار إلى القصر الإمبراطوريّ أيضا، ولبثا هناك لأيام قليلة قبل أن يقرّرا العودة إلى ديارهما التي ابتعدا عنها لمدّة طويلة. لم يرَ باسل أمّه لعام كامل، لذا كان متسرّعا من أجل العودة.

ترك كلّ الأمور المهمّة لقادة التشكيل، واتّفق مع الكبير أكاغي على مغادرته، فترك له التعامل مع القبائل وكلّ شيء آخر. لقد مرّ بعام مليء بالأحداث، ولم يكن ولا واحد منها يشمل أمّه، أو العمّة سميرة، أو الجدّ عليّ حتّى.


اشتاق باسل كثيرا إلى أمّه، أكثر شخص يعزّه في حياته، وافتقد مزاح العمّة سميرة، ولطف الجدّ عليّ إضافة لجزره الحلو. كلّ ذلك أصبح أقصى أولوياته، ولم يرد أن يبقى بعيدا عنه لوقت أطول بعدما انتهت كلّ الحفلات.

أثناء مغادرتهما، لم يأخذا معها عربة ولا شيء آخر. كان باسل يريد الترحال بين المناطق المحظورة والتمتّع بالمناظر في طريقه. فلو أراد الإسراع للوصول لاستخدمت أنمار وحشها المستدعى أو طار هو بهما بالرياح. لقد كان يريد أخذ رحلته نحو الديار بهدوء، ويحسّ بالشعور الذي ألف به طوال صغره.

كانت أنمار في الجهة الأخرى سعيدة بذلك. كلّ ما تريده هو وقت تكون فيه لوحدها مع باسل، ولو كانت هذه الرحلة ستمنحهما ذلك، فستفضّل أن يكون وقتها طويلا. كانت مبتسمة طوال الوقت، ولم تزح نظرها عن باسل بينما تمشي بجانبه. حتّى أنّ نظراتها جعلت باسل يشعر بالإرهاق من محاولة تجنّبها.

كانت تبدو أنمار في قمّة السعادة، وكأنّها ذاهبة لحفل زفافها، من أجل الزواج بحب حياتها. حيّرت أمر باسل بصمتها غير المعتاد، والذي استمر لمدّة طويلة جدّا بعد مغادرتهما العاصمة. فجعلته يتكلّم قائلا سؤالا لم يتخيّل أنّه سيأتي يوم ويقوله: "لمَ أنت صامتة هكذا؟"

ابتسمت أنمار، فجعلت الزهور المشرَقة بالشمس تخجل من فخرها بجمالها. كانت ملاكا بين الجنّيات، وجعلت من أرواح الطبيعة تقرّ بنقص فتنها أمامها. كانت ابتسامتها مغمضة العينين كافية لإسقاط جميع الرجال في غرامها، وعندما فتحتهما، بدت كأنّها أخذت هيبة السماء وسموّها وجعلتهما ملكها.

جعلت تصرفاتها قلب باسل يتحرّك، فاضطرّ إلى النظر بعيدا. خطت أنمار بعد ذلك قليلا ثم قابلت وجهه عن قرب، فجعلت وجنتيه تحمرّان من الخجل. تراجع عدة خطوات للخلف كأنّه هرب من عدوّ، فتبعته أنمار مباشرة فلم يستطع باسل ملازمة مكانه.

خطوة بعد خطوة، عاد باسل من الطريق الذي أتى منه، متراجعا مبتعدا عن أنمار، غير مدركٍ لمَ لا يستطيع مواجهة تصرّفاتها الغريبة. لم يسبق لأنمار أن تعاملت معه هكذا، لذا لم يعلم كيف يستجيب. تبع غرائزه فقط، والتي أخبرته أنّه في خطر محدّق.

تعثّر باسل فجأة، فسقط أرضا بعدما اختلّ توازنه، ثم نظر إلى العينين الزرقاوين اللتين تحدّقان إليه مباشرة دون أن ترمشا. ازداد توتّره فقال: "ما الذي يحدث معك؟ إنّك تتصرّفين بغرابة."

اقتربت أنمار منه، فجعلت حرارته ترتفع، لقد كان يعلم أنّ مشاعره لها من الماضي لم تختفِ، ولكنّه لم يتوقّع ان يكون الأمر إلى هذا الحدّ. أغمض عينيه وانتظر ما سيحدث، ولكنّ لا شيء وقع. فتح عينيه فوجد أنمار تمدّ يديها إليه فقط لتساعده على النهوض.

أمسك باسل يدها ثم نفض عنه الغبار بعدما نهض، وركّز النظر إلى عينيْ أنمار محاولا اكتشاف سبب تصرّفاتها المفاجئة، واستمتع بجمالها في نفس الوقت بينما يشعر بالخجل. راودته العديد من المشاعر المتضاربة ولم يعلم كيف يتعامل معها. فحتّى مع كلّ الدروس التي تلقّاها من معلّمه عن كيفية التعامل مع النساء، إلّا أنّه لم يستطِع إثبات نفسه أمام أنمار.

أخذ نفسا عميقا لمرّات متتالية، ثم أهدأ من روعه. لقد كان قلبه متسارعا بشكل مذهل حقّا. تنهّد قبل أن يقول: "حسنا. يمكنك الكلام فقط إن أردت. أنا دائما أخبرك بالسكوت، ولكن تستطيعين التحدّث الآن."

وبشكل مفاجئ، نطقت أنمار بصوت منخفض وحنون: "لمَ ابتعدت عنّي؟"

تفاجأ باسل لأنّها تكلّمت أخيرا، وسألت ذاك عكس ما توقّع أن تقول، فأجاب: "هذا لأنّك كنت تتصرفين بغرابة."

"لا ! " رفعت أنمار صوتها: "أنا أقصد لمَ ابتعدت عنّي في ذلك الوقت. لقد واصلت وضع مسافة بيننا طوال تلك المدّة. ألا تعلم كم كان مؤلما لي؟"

صمت باسل غير قادر على الإجابة، كما لو أنّ القط أكل لسانه. تذكّر بعض الأشياء ثم قطب بينما يحدّق إلى السماء. لقد كان هذا موضوعا صعب عليه ذكره. نظر إلى أنمار مرّة أخرى وأجاب: "أنت تعلمين لماذا."

قطبت أنمار واستهجنت. لقد علمت ما عناه، فأحكمت قبضتيها دون شعور، وأرادت ضرب أيّ شيء مهما كان. ودّت أن تنفّس عن غضبها الذي ذكّرها به في أسرع وقت. ومع ذلك، استجمعت أفكارها وهدّأت نفسها. نظرت إلى عينيْ باسل مباشرة ثم قالت: "إنّك من لا تفهم. فلو حدث ومررنا بنفس الأحداث مرّة ثانية، فلا أزال سأفعل نفس ما فعلته. إنّه ليس خطئي أنّني أردت المحافظة عليك لي. إنّه خطؤها لمحاولتها أخذك منّي."

"دوما، دوما، دوما." تكلم باسل بعد أنمار مباشرة وبدأ يرفع صوته مع كلّ كلمة يقولها: "إنّك دائما تظنّين نفسك تفهمينني ولكنّك لا تفعلين ذلك حقّا."

"ها؟" صرخت أنمار كذلك: "ما الذي تعنيه بهذا؟ ليس هناك مخلوق يفهمك أكثر منّي في كلّ ما بين السماوات والأرض. وما علاقة هذا بذاك؟"

صاح باسل: "حتّى لو فهمتني كثيرا، لو لم تفهمي لماذا ابتعدت عنك فلا معنى لكلّ ذلك. لو أنّك فهمتني وفهمت لمَ ابتعدت عنك في المقام الأوّل لما بلغنا هذا الحال."


جهرت أنمار بصوتها أكثر قبل أن تضيف: "ولهذا أسألك لماذا ابتعدت عنّي، أيها الأحمق ! " لم تستطِع ضبط نفسها أكثر، وفاق غضبها المستوى الذي تقدر على تحمّله، فلكمت باسل فجأة بكلّ ما تملك من قوّة.

طار جسد باسل لعشرات الأمتار بعيدا وارتطم مع جبل قريب. نهض بسرعة بينما يسيل القليل من الدم من فمه. حدّق إلى أنمار ثم قال: "أنت لا تفهمين..."

بووم

لم يعرف باسل ما حدث حتّى وجد نفسه محلّقا لمئات الأمتار بعيدا. لم يتوقّع أنّ أنمار ستكمل الضرب.

"لقد فرغتُ من التصرّف كالعروس الجيّدة ! " استدعت أنمار وحشها السحريّ ثم ركبته فتبعته. كانت تستشيط غضبا في تلك اللحظات، وقالت صارخة: "لا تفهمين، لا تفهمين، لا تفهمين. نعم أنا لا أفهم، وذلك محبِط كثيرا. نعم لا أفهم، وذلك مؤلم كثيرا. نعم لا أفهم، ولهذا أسأل. فلِمَ لا تتوقّف عن قول لا تفهمين وتفهّمني."

لم تتركه أنمار يرتاح، وأكملت ضرباتها المتتالية، باستخدام فنّها القتاليّ، وعنصر الوهم، إضافة لاقتراض عنصر الماء من وحشها المستدعى، والذي بدوره استخدمته في الهجوم أيضا. لقد كانت تهاجم باسل كأنّها تقاتل عدوّا لدودا. كان ذلك مقدار غضبها. بدت كأنّها تسأل السؤال ولا تنتظر الجواب لأنّها تخاف أن تسمع ما لا يرضيها.

وعلى عكس ما توقّعت، لم يقاومها باسل إطلاقا، وتركها تضربه لوقت طويل حتّى جعلت جسده مغطّى بالدماء، ومحطّمَ العظام، كما لو كان قد مرّ بمعركة ضارية. لقد ضربته لوقت طويل جدّا حتّى استفرغت كلّ ما لديها من طاقة وقوّة.

وفي النهاية، اقترب منها باسل بجسد الدامي، ونطق: "أنا أعلم لِمَ ضربتها حتّى شارفت على الموت، أعلم أنّك فعلت ذلك لأنّكِ علمتِ أنّها كانت تحاول أخذي منكِ، وأنّها فعلت ذلك فقط لتلبّي رغبة أخيها عثمان في إبعادي عنك. ولهذا أبرحته ضربا قبل خمس سنين."

ضربته أنمار مرّة أخرى بقضبتها، ولكنّها لم تكن تملك قوّةً، ليس فقط لأنّها استفرغتها، ولكن أيضا لأنّها كانت محطَّمة. نزلت قبضتها على صدر باسل المحطّم، فتبع جسدُها قبضتَها واتّكأت على باسل المليء بالجروح.


أكمل باسل بعدما وضع ذراعيه حولها: "ابتعدت عنكِ لأنّكِ تحرّكتِ من خلفي ودون علمي. لقد كنت تفعلين ذلك دائما، ولم تخبريني أبدا عمّا تنوين فعله. إنّكِ لا تفهمين، أنت لا تفهمين أنّني خشيت أنّني لا أستطيع فهمك."

دمعت عينا أنمار بعد ذلك مباشرة، ثم قالت: "أيها الأحمق ! " فنامت بين ذراعيه. جلس باسل بعد ذلك ثم حدّق إليها لوقت طويل، حتّى وجد نفسه هائما في جمالها. أخرج إكسير علاج وشربه، ثم استلقى هو الآخر بينما يضع رأس أنمار على ذراعه، وناما في تلك الليلة من شدّة التعب.

استيقظت أنمار أوّلا في الصباح التالي، فوجدت نفسها في تلك الوضعية، فاحمرّت وجنتيها ومدّت يدها ثم لامست وجه باسل النائم، وداعبت شعره لوقت بينما تنظر إلى كلّ زاوية من جسده. شعرت بالهناء والراحة، وأرادت استغلال هذه اللحظات الثمينة.

فتح باسل عينيه، فوجد أنمار تجلس بجانبه، بينما تلمس شعره، فوقف بسرعة كبيرة، ولم ينبس ببنت شفة، ثم ذهب إلى نهر قريب متصّرفا كأنّه لم يحدث شيء. غسل وجهه وبدأ يزيل ملابسه حتّى يغتسل، فإذا به يجد أنمار خلفه مباشرة.

صاح متفاجئا: "ما الذي تفعلينه هنا؟ ألا ترينني أستعد للاغتسال؟"

ابتسمت أنمار ثم قالت: "من واجب الزوجة الاعتناء بزوجها."

"زوجة؟" استغرب باسل من كلامها ثم أكمل: "أيّ زوجة تتحدّثين عنها؟ ليس لديّ الوقت لهذ..."

توقّف باسل عن الكلام فجأة. كان ذلك بسبب تلقّيه اتصالا عبر خاتم التخاطر: (أيها الفتى باسل. أسرع إليّ. يجب أن تكون عندي في أسرع وقت ممكن.)

استغرب باسل ثم أجاب في الحال: (نحن قريبان أيّها المعلّم. سنكون عندك في الحال.)


أكمل إدريس الحكيم: (من الأفضل ألّا تأتي بالصغيرة أنمار. سأنتظرك.)

تعجّب باسل من كلام معلّمه، وحدّق إلى أنمار دون شعور. أنهى الاتصال ثم أخبر أنمار: "سأذهب للقاء المعلّم الآن. فلتسبقيني، سآتي لاحقا."

عبست أنمار ثمّ قالت: "لا، أودّ الذهاب معك."

قطب باسل ثم فكّر: "ها قد عدنا من جديد." فوَردت فكرة في ذهنه، فقال مباشرة: "أليس من واجب الزوجة الاستماع لزوجها؟" ابتسم باسل عند قوله ذلك، وكان واثقا ممّا يقول.

وبالطبع، كما توقّع مباشرة، أكلت أنمار الطعم ثم هدأت وقالت: "حسنا. سأسبقك."

ودّعته، ثم أخذ باسل طريقه نحو معلّمه.

كان إدريس الحكيم يطوف فوق الكوخ، في شكله الشابّ، بينما يستخدم حكمته السيّاديّة لحساب العديد من الأشياء. كان العالم الواهن الصغير مثل راحة يده، يمكنه رؤية كلّ شيء به وتوقّع أيّ شيء يحدث به. وركّز هذه المرّة بشكل كلّيّ على مكان محدّد في قارّة الأصل والنهاية.

كان ذلك المكان محميّا بهالة خارقة، جعلت من الحكمة السياديّة دون نفع. كان ذلك المكان يدار بنيّة سامية لم يقدر حتّى إدريس الحكيم على معرفة من مالكها لمدّة طويلة، ولكنّه حمل شكّا هذه المرّة جعله ينادي باسل في عجلة من أمره.

كانت هناك أشياء أخرى أراد مناقشتها أيضا مع باسل، ولكنّ ذلك الشكّ الذي حمله في قلبه كان صادما حتّى بالنسبة له. كان ذلك له علاقة بما كان يحدث لباسل مؤخّرا، وبدأ يربط إدريس الحكيم الخيوط كي يحصل على الصورة الكاملة.

أحاط ضوء فضّيّ إدريس الحكيم فجعله يبدو كأنّه في عالمه الخاصّ، ولا يقدر أحد على الإفلات من أحكامه وسيطرته المطلقين في ذلك العالم. ظهرت تعاويذ ذهنيّة روحيّة، وجعلت منه يبدو كسيّاديّ سامٍ قادر على محق كلّ العالم الواهن بكلّ سهولة لو أراد.

لقد كان إدريس الحكيم يدعى بـ'حكيم الفنون السامي السياديّ' لسبب، وكان ذلك يفوق مخيّلة أيّ شخص من العالم الواهن. لقد كان اسم الحكيم السياديّ منتشرا عبر العوالم الروحيّة كلّها، ولم يكن هناك شخص لا يضع الاعتبار له، سواء أكان من أقوياء الوجود أو من حكّامه حتّى. لقد كان إدريس الحكيم دائما شوكة في حلوقهم، وليس فقط بسبب مستواه الحالي، ولكن بسبب الإمكانيات الهائلة التي يملكها كحكيم سياديّ.

كان لا يزال صغيرا كساحر روحيّ، ومع ذلك كان مستواه جيّدا للغاية مقارنة بمن في نفس عمره. كان هناك القليل من يستطيع منافسته، ولم يكن ذلك القليل من جنس البشر لأنّه كان في قمّة شبّانه، واقتصر ذلك على الشبّان من الأجناس الأخرى كونها لديها مزايا مختلفة تخوّلها مجاراة الحكمة السياديّة.

ومن بين كلّ هؤلاء الشبّان، تذكّر إدريس الحكيم واحدا راسخا في ذاكرته. لقد كان ذلك الشخص منافسه، وعدوّه اللدود منذ أن كانوا مجرّد سحرة. لم يكن هناك شخص أكثر منه أهلا لينادى بخصم إدريس الحكيم. فبكلّ حرب، ترقّب الجميع قتالَهما، وتضاربَ استراتيجياتهما.

كان ذلك الشخص من جنس الشياطين، وكان من أفضل الموهوبين بعرقه. كانت له مكانة، وأيّ شخص يسمع باسمه يهرب إلى أقصى ما يمكنه بلوغه. لقد كان يجلب اليأس معه أينما حلّ، لأنّه كان اليأس بعينه في نظر كلّ شخص. لقد كان ذلك الشخص أحد قادة جيش ملك الشياطين العظيم، شيطان اليأس، إبلاس.


كان إدريس الحكيم قلقا، ومتشوّقا. تضاربت مشاعره مع بعضها، ولم يعلم ما الإحساس الذي يجب عليه الأخذ به. "فأينما حلّ إبلاس نزل اليأس". كانت هذه مقولة معلومة لدى العوالم الروحيّة. لذا كان إدريس الحكيم قلقا بسبب ذلك، ومتشوّقا لمقاتلة خصمه بعد مدّة طويلة.

وصل باسل أخيرا إلى معلّمه، ثم بقي معه ليوم كامل قبل أن يذهب إلى منزله بنظرة عبوسة للغاية، والتي لم تطل ما أن بصر باسل القرية. استنشق الهواء بعمق ثم انطلق إلى المنزل. تناسى مؤقّتا ما دار بينه وبين معلّمه ثمّ ركّز على مقابلته لأمّه والآخرين.

وعند دخوله القرية، لمح رأس ثعبان ضخم معلّقا فوق البوابة. لقد كان ذلك رأس ملك الثعابين الشره. لم يعلم باسل كيف وصل إلى هنا، ولكنّه لم يهتم بذلك وأكمل طريقه.

وصل إلى المنزل بسرعة، وكان الوقت صباحا، وبمجرد ما أن دقّ على الباب، حتّى فتحت أمّه لطيفة الباب بسرعة وانتفض جسدها، فترامت إلى ابنها جاعلة إيّاه بين ذراعيها. انهمرت الدموع من وجهها بينما تعانقه بشدّة، قائلة: "انظر كم كبرت. لقد أصبحت أطول قبل أن أعلم، وجسدك أضخم، هل كان عليك حقّا أن تغيب عنّي كلّ هذه المدّة؟"

لقد كان باسل قرّة عينها، وكأمٍّ وحيدة دون زوج يساندها، ربّت باسل جنبا إلى جنب مع صديقتها سميرة أمّ أنمار. لقد كان باسل عائلتها الوحيدة من دمها، ولم تستطِع معاناتها إن فقدته أيضا. تذكّرت العديد من الذكريات عندما حدّقت إلى ابنها، فرأت زوجها المتوفّى جاسر، فبكت أكثر وتحسّرت بينما تتذكّر بعض كلمات أب باسل: "هل حقّا تريدين هذا حتّى بعدما علمتِ بلعنتي؟"

ومضت بعض الصور في عقلها، وأحسّت كما لو أنّها في نفس اللحظة التي ردّت فيها على زوجها آنذاك: "لا تهمّني أيّ لعنة، فكلّ ما أريده هو البقاء إلى جانبك أقصى ما أمكنني."

حدّقت إلى باسل فوجدته يصنع نفس الابتسامة التي رأتها في أبيه حينذاك، فجعلها ذلك تسقط على ركبتيها من شدّة الأمر عليها. لطالما حاولت البكاء مختبئة عن باسل، ولطالما علم هذا الأخير بذلك. ولكن اليوم، كلّ شيء ظهر إلى العيان، فأحسّ باسل بأنّ أمّه بدأت تنظر إليه كرجل قادر أخيرا.

انحنى باسل ثم قبّل رأس أمّه، و نظر إليها بعدما نزلت دمعة من عين واحدة، رافقتها ابتسامة مشرقة وحنونة لم يسبق له أن بَسَمَ مثلها. غمرته الفرحة والسرور، واختفت منه كلّ الأحزان والشرور. كلّ ما بقي هو معزّته لأمّه لا شيء آخر.

عانق أمّه ثم قال لها: "لقد عدت يا أمّي. لطالما فعلت، ولَأفعلنّ."

كانت اللحظات التي يمضيها باسل مع أمّه إحدى اللحظات التي يجد فيها السكينة والطمأنينة، ويشعر أنّه في هناء لا يقربه شقاء. أعزّ أمّه واعتبرها عالمه، فأراد حمايتها وتوفير لها حياة رغيدة حيث لا تمرّ بما سبق اختبرته من مآسٍ.


نطقت أمّه ثم قالت: "لقد كنت خائفة من أن تصيبك اللعنة أيضا."

دخل باسل بأمّه إلى المنزل ثمّ أمضى معها وقتا تحدّثا فيه عن كلّ المغامرات التي قام بها باسل دون ذكر مخاطرها. وفي المقابل، كانت أمّه دائما تعلم أنّه يفعل ذلك في كلّ مرّة يحكي لها. لقد كان ذلك طبعا من أبيه فقط، ولم يكن ليمرّ بها كلام منه دون أن تكشف خباياه.

بعد فترة وجيزة، أتت العمّة سميرة وأنمار في نفس الوقت، وبقوا معا حتّى تناولوا الغذاء مجتمعين، بينما تلقي العمة سميرة مزاحها المعتاد: "أيها الغرّ، ما بالك لا تمرّ على منزلي حتّى بعدما عدت. حقّا عادتك لا تتغيّر."

تكلّمت بعدها لطيفة: "لا تكوني قاسية عليه. فأنا من أسره معي."

عبست سميرة ثم قالت: "أنت دائما ستأخذين جانب ابنك على أيّ حال، لذا كلامك غير مبرِّر."

ضحك أربعتهم لوقت طويل بينما يأكلون. مرّ النهار على ذاك الحال، حتّى جاء موعد ذهاب باسل لزيارة الجدّ عليّ. ومرّ وقت قصير فقط بعد ذهابه فعاد إلى المنزل. فقال سائلا أمّه والآخرين: "أتساءل، أرأى أحدكنّ الجدّ عليّ؟ فأنا لم أجده في السوق، وعندما سألت عنه لم يعطني أحد إجابة مرضية."

صنع جميعهنّ نظرات مستغربة، فنطقت لطيفة أوّلا: "الجدّ عليّ؟ من هذا يا ترى؟"

قطب باسل ثم حدّق إلى أنمار وأمّها، فوجدهما تنظران إليه بغرابة، كأنّه يتحدّث عن غريب ما. لم يفهم باسل ما يحدث فنطق بسرعة: "لا تقلن لي أنكنّ أيضا نسيتنّه، إنّه الجدّ عليّ صديق عائلتنا، بائع الجزر الحلو. كيف لكنّ ألّا تتذكّرنَه؟"

كانت أنمار تغسل الصحون في ذلك الوقت، فاستدارت وقالت: "لا أذكر أنّني وضعتك تحت وهم كهذا. من أين تأتي بكلّ هذا؟"

اتّسعت حدقتا باسل فتأكّد أنّ هناك شيء خاطئ لا محالة. كيف لأمّه وتينك الاثنتين أن ينسين الجدّ عليّ. لا بدّ وأنّ شيئا ما حدث. خرج مسرعا من المنزل وذهب إلى السوق مرّة أخرى، فوجد أولئك الأشخاص الذين كانوا يزعجونه دائما يتحرّكون في مجموعة بينما يترأّسهم عثمان – حرس الملاك أنمار الشخصيّ.


أوقفهم، ثم حدّق إليهم بشكل شرس، لكنّ قائدهم عثمان لم يهلع كعادته هذه المرّة، وتقدّم إلى الأمام قائلا: "ماذا تريد أيها البرغوث؟ هل أتيت باحثا عن مقتلك؟"

تنهّد باسل ثم فكّر لقليل من الوقت: "لماذا لا يتعلّم هذا المخلوق درسه أبدا؟" قال بنظرة جدّية بعد ذلك: "لا أريد ضرب أحد في الوقت الحالي، فلا مزاج لي. أريد سؤالكم عن شيء واحد فقط، فأجيبوني عنه."

تقدّم أحد من المجموعة إلى الأمام ثم تكلّم بصوت مرتفع: "هيْ، هيْ، هيْ، مع من تظنُّكَ تتحدّث؟ ألا تعلم أنّك في حضرة ساحر القرية الأقوى، عثمان قاتل الثعبان؟ إنّه الشخص الذي أتى برأس ملك الثعابين الشره من وادي الظلام العميق، وجعله رمزا لقريتنا. انظر إلى هناك."

أشار الشابّ بيده إلى مدخل القرية، وأكمل: "لقد رأيت رأس الثعبان الضخم عند المدخل؟ سأنوّرك يا هذا. لقد كان قائدنا، مفخرتنا، عثمان أبو عثمان هو من علّقه ها هناك. وهل تعرف ماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني أنّ القرية تحت حمايته. واسمها الآن هو قرية العثمان. لقد عفى عنك الزمن أيها البرغوث الأحمر، إنّه زمن سيّدن..."

فرقعة

فجأة، توقّف ذلك الشخص عن التكلّم ثم علم كلّ واحد أنّه أُرسِل محلّقا لعشرات الأمتار. حملق باسل إلى عثمان ثم قال: "لن أعيد كلامي."

تقدّم عندئذ عثمان إلى الأمام وازدرى باسل بأسلوب متعالٍ: "إنّك حقّا لمغرور كعادتك."

ابتسم باسل وردّ: "وإنّك حقّا لصرصور كعادتك."

ارتفع ضغط ددمم عثمان، فاحمرّ وجهه وانقضّ على باسل، وفعّل سحره، فكوّن سيوفا من الرياح، ورمى بها واحدة تلو الأخرى على باسل حتّى يصنع لنفسه ثغرة في دفاع باسل. لم يتحرّك هذا الأخير وتركها تضربها كلّها، فضحك عثمان بصوت مرتفع، واثبا، مستعدّا للكم باسل بكلّ ما يملك من قوّة وسحر.


وفجأة، امتدّت يد من الغبار، وقبضت عنقه. لم يعلم عثمان ما حدث حتّى وجد نفسه معلّقا في الهواء بيد باسل. لم يستطِع التحرّك ولا استخدام سحره تحت ذاك الضغط الهائل الذي وجد نفسه تحته. لقد كان واثقا كلّ الثقة هذه المرّة من فوزه، ولكنّه لقي نفسه، مرّة أخرى، في نفس الوضعية التي اعتاد باسل إمساكه بها دائما.

تكلم عثمان صارخا: "أنتم، اهجموا ! "

حملق إليهم باسل ثم قال: "أتريدون إعادة الكرّة؟"

ارتعدوا جميعا، ولم يستطيعوا التقدّم. فنظر بعد ذلك باسل إلى عثمان المعلّق في الهواء: "والآن، فلتجبني. أرأيتَ الجدّ عليّ؟"

نظر عثمان إليه، وقال بصعوبة: "من سيجي..."

توقّف عن الكلام قبل أن يكمله، وكان ذلك بسبب أنّ باسل ضغط على عنقه أكثر. تكلم باسل بجدّية: "أجبْ ! "

تنفس عثمان بصعوبة ثم قال: "لا أعلم. أنا لا أعلم."

ارتفع غضب باسل ثم قال: "أخبرني، إنّه الرجل العجوز قبل ثلاث سنوات. لا تقل لي أنّك لا تتذكّره. لقد حنيت رأسك له." ضغط باسل بقبضته على عنقه أكثر، فجعله يقترب أكثر من الموت.

قال عثمان بخرخرة: "أقسم لك. لا أعلم. أرجوك اتركني."

أطلق باسل سراحه ثم ذهب يسأل الناس واحدا تلو الآخر، ولكن كل ذلك كان بلا نتيجة. لم يعلم أحد عمّن يسأل باسل، والذي جعله يصبح مجنونا. كيف لشخص أن يختفي فقط هكذا. بدأ الشكّ يتخلّله حتّى، أنّه الشخص الواهم.


هرع باسل في ذلك الوقت مباشرة نحو الكوخ: "يجب أن أعرف ما يحدث في هذا العالم ! "

كان في ذلك الوقت إدريس الحكيم داخل عالمه الفضّيّ، وكان يدرس العديد من الأشياء في آن واحد. كان يدرس التعاويذ الذهنيّة الروحيّة، والسحر، والروح، والأسلحة، إضافة للعالم الواهن. وفي ذلك الحال، كان يستطيع الإحساس بكلّ شيء في نطاق شاسع للغاية.

وفجأة، نطق صوت بداخل عالمه الفضّيّ. كان صاحب هذا الصوت عجوزا بسيطا. لا يبدو عليه أيّ أثر من القوّة. بدا كعجوز يعيش ما تبقّى له من سنوات قليلة فقط لا غير.

"ما زلت مبتدئا."

فتح إدريس الحكيم عينيه المغلقتين، وتسارع قلبه بجنون. لم يحسّ بأيّ ذرّة من الوجود تأتي من ذلك العجوز أمامه، فلم يشعر أبدا بدخوله، فلم يعلم كيف دخل. قال إدريس الحكيم بشكله الشابّ بصوت مرتعب: "مـ-من أنت؟"

ظهرت أسنان العجوز البيضاء الناصعة، صانعا ابتسامة عريضة، قائلا: "لا أحد."

حملق إدريس الحكيم إلى الشخص أمامه، وحاول إدراك ما حدث، وكيف لهذا الشخص ألّا يبعث ذرّة وجود. كان إدريس الحكيم يشعر كأنّه يواجه صورة وهمية فقط، دون جسد ولا روح ولا نيّة.

بلع الشابّ الفضّيّ ريقه ونطق: "كيف دخلت؟"

حدّق إليه العجوز محافظا على نفس الابتسامة العريضة، وقال مستهزئا: "إن لم تعلم ذلك حتّى، فإنّك مجرّد مبتدئ لا أكثر."

عبس إدريس الحكيم، وقال: "هذه المرّة الثانية التي أسمع فيها هذا الكلام في هذه السنة. هذا نادر حقّا. إن لم تكن ستقدّم نفسك بشكل لائق، فانقلع من نطاقي!"

حرّك إدريس الحكيم ذراعه إلى الأعلى، فدارت الكرات الثلاث المحاطة بالحروف الرونية، وبدأت تصنع أحكاما خاصة بها. كانت هذه الأحكام مختلفة عن تلك التي تطبّقها التعاويذ الذهنية الروحية، ولم تكن تستمدّ طاقتها من الطاقة السحرية، ولكن من مصدر آخر.

كان هذا المصدر هو الكرات الثلاث فوق إدريس الحكيم. فكلما دارت تلك الكرات وارتفعت سرعتها، ازدادت قوّة تلك الأحكام وتأثيرها على الوجود. وفي لحظة فقط، كان إدريس الحكيم قد كوّن ختما كبيرا أمامه مكوّن من كلمتين: "طرد إجباريّ."

كانت هاتان الكلمتان تحملان حكمة متناهية، وعبر نيّة ملقيهما، تكوّنت حالا يدان عملاقتان، فاندفعتا نحو العجوز بثقل يستطيع دكّ أعتق الجبال وترويض المخلوقات السامية.

بااام


ضربت اليدان العملاقتان العجوز، فسبّبتا صدمة هزّت جنوب إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بأكمله، فهلع الناس في شتّى الأماكن، وارتعبوا من ذلك الزلزال المفاجئ والمفزع.

كانت مهمّة هاتان اليدان العملاقتان هو طرد العجوز دون ترك فرصة له للمقاومة. لقد كان إدريس الحكيم داخل نطاق من صنعه بحكمته السياديّة، وطاقته الروحيّة، فكانت له اليد العليا. في هذا النطاق، كان بإمكانه تشكيل ما شاء من الأحكام وتطبيقها على الوجود. لقد كان ذلك عالما صُنِع بواسطته عبر حكمة لا مثيل لها، فكانت له القدرة على القيام بما يشاء داخله.

"ليس سيّئا بالنسبة لمبتدئ." انبثق الصوت من جديد، فجعل ذلك إدريس الحكيم يُصعق مرّة أخرى. كان العجوز يقف أمام اليدين العملاقتين بدون أن يؤثّر عليه أبدا الطرد الإجباريّ.

تكلم إدريس الحكيم صارخا: "من أنت بالضبط؟ ليس هناك سوى قليل ممّن باستطاعتهم تحمّل أختام حكمتي السياديّة في هذا النطاق."

لم يزل العجوز تلك الابتسامة من على محياه أبدا، ثم قال مرّة أخرى ساخرا من إدريس الحكيم: "سأنيرك يا فتى. لربّما أختامك وأحكامك لها تأثير كبير على الوجود بحكمتك السياديّة، ولكنّها بدون فائدة عليّ، فأنا لست من الوجود، ولن يؤثّر عليّ شيء مهما كان. أنا لا أحد."

وفي تلك اللحظة، سمع إدريس الحكيم صوتا قادما من بعيد. لقد كان ذلك باسل يصرخ: "أيّها المعلّم، ماذا هناك؟"

قطب إدريس الحكيم ثم خاطب العجوز أمامه: "سأتجاوز كلّ التساؤلات الأخرى. ما هدفك؟"

ضحك العجوز: "هاهاها. لا داعٍ لأنْ تأخذ الحيطة والحذر منّي. لقد جئت لأرى معدنك فقط." نظر العجوز إلى خارج النطاق، ولم يكن صعبا عليه بتاتا ملاحظة باسل يتقدّم نحوهما، فأكمل: "أتيت لأرى فقط إن كنت ستكون سببا في نجاة الفتى من لعنته الأبديّة، أم ستكون مجرّد سبب آخر في المعاناة طويلة الأمد التي تنتظره."

حملق إدريس الحكيم إلى العجوز ثم صرخ: "ما الذي تقصده؟ أخبرني عمّا تعلمه! أتعلم عن قضيّة الطفل الأخير والمختار تلك؟ قل لي ما الذي المصير الذي ينتظر الفتى باسل."


"يبدو أنّني قلت الكثير." نظر العجوز إلى باسل مرّة أخيرة ثم قال: "لربّما تأثّرت قليلا، ولكن... أنا ليس لديّ الإجابة عن تساؤلاتك. أنا مجرّد مراقب. حتّى مجيئي إلى هنا كان نزوة فقط لا أكثر."

اختفى العجوز مباشرة بعد ذلك، وترك إدريس الحكيم في حيرة من أمره. لقد كان ذلك الشخص من أكثر الأمور غرابة التي اختبرها إدريس الحكيم في حياته كلّها. لم يعلم من أين أتى أو إلى أين ذهب، أو هل سيظهر مرّة أخرى أم لا. لقد كان حقّا شخصا بلا وجود.

بدّد إدريس الحكيم بعد ذلك نطاقه الفضّيّ، ثم استمع لما لدى باسل. وبعدما سمع لكلّ ما حدث، صنع ابتسامة خفيفة لم يلاحظها باسل، ونظر إلى الأفق دون قول أيّ شيء. لقد كان يفكّر في كلّ الأمور التي تحيط باسل.

وفي نفس الوقت، راقبتهما عينان من مكان غير معلوم. كانت العينان تعودان للعجوز الذي لم يستطِع إزاحة عينيه عن باسل. بقي يفكّر لوقت طويل ثم قال بعدما ابتسم، ساخرا من نفسه: "لقد راقبته لسنوات فقط، لا يمكن أن تكون سوى قطرة من نهر الزمن الذي أسري مجراه، ولكنّه أثّر بي؟"

تذكّر العجوز بعضا من الذكريات العتيقة، وأكمل تكلّمه مع نفسه: "هاهاها. لقد راقبت كلّ الثلاثة عشر، ولكنّ الرابع عشر ترك أثره فيّ. لقد كان السابع مثيرا للاهتمام أيضا في صغره، ولكنّه لم يكن بقدر هذا. حتّى أنّ جميع الثلاثة عشر لم يمرّوا بما اختبره هذا."

راقب العجوز إدريس الحكيم وباسل من اللّامكان، وأخرج جزرة، ثم بدأ يأكلها، واختفى نهائيّا.

نظر إدريس الحكيم إلى باسل ثم قال: "يا أيّها الفتى باسل، إنّك لست بواهم، فقط يبدو أنّ الشخص الذي تبحث عنه غير موجود. اسمعني ولا تسألني. لم يكن الشخص الذي تبحث عنه موجودا أبدا، لذا ليس من الغريب ألّا يتذكّره أحد. ستفهم ذات يوم."

قطب باسل، ولم يفهم شيئا. لقد كان يزور الجدّ عليّ منذ نعومة أظافره، وكان يأخذ الجزر منه دائما، ويتحدّث معه عن الكثير من الأشياء طوال الوقت، فكيف ألّا يكون موجودا؟ كان باسل سيُجنّ، ولكنّه توقّف عن التفكير في هذا للآن. فحسب كلام معلّمه، سيأتي وقت يفهم فيه ما يحدث بشكل جيّد.

حدّق إدريس الحكيم إلى تلميذه، وابتسم مفكّرا: "حسنا، حتّى لو أراد إجابة مقنعة فلن يجدها عندي. يجب أن ينتظر الوقت فقط ليحلّ كلّ شيء."

بقي باسل بعد ذلك لمدّة قليلة مع معلّمه، ثم عاد مرّة أخرى إلى منزله. أمضى أيّاما هانئة هناك دون حصول أيّ شيء. فقط نفس الأيام الهادئة التي اعتاد عليها بصغره. اعتادت ان تكون هذه الأيّام مجرّد ملل بالنسبة له عندما كان صغيرا، ولكنّه يجدها الآن باعثة للراحة.


وفي أحد الأيّام، كان باسل قد قرّر شيئا، فاستخدم خاتم التخاطر: (يا تورتش، أريدك أن تقوم بالتالي.)

وبعد أيّام أخرى، ذهب ليخبر أمّه والعمّة سميرة مع حضور أنمار بشيء كان يجب الانتهاء منه. وقبل دخوله إلى المنزل، كانت أنمار تتحدّث مع أمّها ولطيفة: "نعم. ذلك حقّا حدث."

وضعت لطيفة وسميرة يديهما على فميهما من الدهشة وقالتا: "إنّ هذا لخبر مسعد. حتّى أنا لم أتوقّع أنّ باسل سيُقدِم على هذا الخطوة بهذه الجرأة. هنيئا لك يا صغيرتي."

نهضت سميرة من على كرسيّها وعانقت أنمار قائلة: "وبهذا، سيكون أبواكما سعيدين أيضا."

تحرّك حاجب أنمار عند سماع ذلك، وفي عندها دخل باسل ثم جلس ودخل في الموضوع مباشرة: "لم أخبركما عن هذا. لقد التقيتُ بجدّتي، والتقت أنمار بعائلتها، العائلة الإمبراطورية كريمزون."

نبض قلبا لطيفة وسميرة بسرعة كبيرة للغاية بعد ذلك، وأصبحت تعبيراتهما جامدة. لقد علمتا أنّ هذا اليوم آتٍ لا محالة، وعندما غادر الاثنان المنزل قبل عام، شكّا في أنّ فرصة معرفة الطفلين بهويّتهما ستكون كبيرة. واليوم بعدما واجههما باسل بهذه الحقيقة، لم تعلما ما الوجه الذي يجب عليهما صنعه أو الكلام المناسب لقوله.

لقد كانت قرية باسل في أقصى جنوب الإمبراطوريّة، ولم تكن تلّم بالأخبار كثيرا. فلم يكن هناك ساحر حتّى، وكانت القرية مجرّد منطقة زراعيّة منعزلة لا تصلها الكثير من الأخبار. ولهذا لم تعلم الأمّان عن أميرة الإمبراطوريّة الجديدة أنمار، أو حتّى عن الجنرال الأعلى باسل.

وحتّى لو بلغت الأخبار هذه القرية، فلن تصل إلى الأمّين. لقد كانتا مجرّد امرأتين عاديتين لا علاقة لهما بعالم السحر أو السلطة. لو وصلت الأخبار إلى القرية فسيعلم عنها زعيمها أو الشخص الذي يتكلّف بأمورها. وفي الوقت الحالي، وضع عثمان نفسه كذلك الشخص، لذا علم عن ظهور الأميرة الجديدة، وعن الجنرال الأعلى، ولكنّه لم يكن ليتخيّل أنّهما باسل وأنمار في الواقع.

بلعت الأمّان ريقهما ثم بدأت لطيفة بالتحدّث: "بما أنّك تعلم عن كلّ شيء الآن، فلن أخفي أيّ شيء بعد الآن. نعم، لقد أردت إبعادك عن عائلة كريمزون، أنت وأنمار. لقد اتفقنا على هذا معا حتّى نحميكما."


أكملت من بعدها سميرة: "وفوق كلّ ذلك، لم نعلم إن كانت عائلة كريمزون ستقبل بكما. أنتما طفلا الشخصين اللذين اختارانا على عائلتيهما، وخاناهما. لم نكن سنقوم بالمجازفة بجعلكما تواجهان حياة صعبة حيث تشعران بالنبذ." رفعت سميرة رأسها وحدّقت إلى عينيْ باسل، ومن ثمّ إلى عينيْ أنمار، وواصلت: "أنا لست نادمة أبدا على اختياري ذلك."

أمسكت لطيفة يدها ثم قالت: "ولا أنا."

ابتسم باسل وأنمار آنذاك، فتكلّمت أنمار: "لا تقلقا، فلقد التقينا بالعائلة، وتلقيّنا أفضل المعاملة."

دمعت أعين لطيفة وسميرة عند سماع ذلك، فتابع باسل: "لم نأتِ كي نسأل لماذا خبّأتما عنّا ذلك. أتينا لطلب شيء منكما فقط."

حدّق باسل بجدّية إلى أمّه والعمّة سميرة، ثم قال: "يجب أن تواجها ماضيكما. فكما أنا متأكّد من أنّ عائلة كريمزون مستعدّة تماما للقائكما، آمل أن تكونا كذلك أيضا."

مسحت الاثنتان دموعهما، ثم أجابتا بعد قليل من الوقت استغرقتاه في استرجاع الذكريات: "لكما ذلك. سنواجهه."

وقف باسل مبتسما، ثم قال: "حسنا. فلنذهب إذن."

استغرب جميعهنّ، فسألت لطيفة: "إلى أين؟"

رفع باسل يده ثم أشار بها إلى اتّجاه محدّد، قائلا: "إلى الشمال، حتّى العاصمة."

"هاه؟" استغربت لطيفة وسميرة من هذا الأمر: "ولكن..."

أجاب باسل عن تساؤلهما: "كلّ شيء في أهبة الاستعداد."

تدخّلت أنمار بعدما فهمت ما يحدث: "لا تقل لي."

اقترب باسل من باب الخروج قائلا: "نعم. وسيلة نقلنا هنا مسبقا."

تعجّبت الأمّان: "وسيلة نقل؟"

فتح باسل الباب، فطلّت الأمّان، فإذا بهما تتفاجآن بالمشهد أمامهما.

صـــهـــيـــل


قفز خيل ملكّيّ، وتطاير شعره فبدا كأنّه يحلّق فوق قوس قزح بسبب الألوان الطبيعيّة التي يملكها شعره. كان هذا الخيل يجرّ عربة كبيرة تتسع لأشخاص عدّة، وكان عدد الأفراس ستّة. كان المنظر أمام الأمّان مدهشا للغاية، ولم يعلما كيف لمثل هذه المخلوقات النادرة أن تكون أمام المنزل.

نزل شخص من العربة، ثم تقدّم نحو باسل وانحنى أمام باسل، قائلا بلهجة محترمة: "لبّى التابع النداء."

ابتسم باسل ثم قال: "شكرا لك يا تورتش. يبدو أنّك أعددت وسيلة نقل مريحة كما أُخبِرتَ."

رفع تورتش رأسه ثم نظر إلى أمّ باسل وسميرة، فصُعِقَ تماما، وبدأت الشكوك تتخلّله. هل حقّا هاتان المرأتان هما والدتا باسل وأنمار؟ لقد كانتا آيتان في الجمال ولم يستطِع إبعاد نظره عنهما لفترة طويلة. لقد كانت أمّ باسل صاحبة شعر أسود حالك، يجعل النفس تضطرب، وتشتاق للمسه. وكانت سميرة نسخة كبرى من ابنتها أنمار. كانت الاثنتان من أجمل نساء هذا العالم بلا شكّ.

عبس باسل ثم قال مبتسما نصف ابتسامة: "كيف تركت شي يو يا تورتش؟"

صُعِق تورتش مرّة ثانية فاستفاق من أحلامه، فهرع بعد ذلك إلى العربة مسرعا، قائلا: "سأقود يا سيّدي، على إشارتك."

ضحك باسل وأنمار بعد رؤية تصرّفاته. أخذت لطيفة وسميرة وقتهما في محاولة استيعاب ما يحدث، والتي باءت بالفشل ثم قالت أُوْلَاهما: "ما كل هذا يا بنيّ؟ لمَ يناديك بـ'سيّدي'؟ وألم يبدو شخصا مهمّا؟ أعلم أنّ الجنرالات فقط من يرتدون دروعا فضّيّة. ما الذي يحدث؟"

حكّ باسل ثم قال: "كيف أفسّر هذا يا ترى. لنختصر الأمر." رفع باسل أصبعه وأكمل: "ببساطة، لقد فعلت شيئا مذهلا وأصبحت الجنرال الأعلى."

"هــــاه؟" صُدِمت الاثنتان تماما.

أخذت أنمار جانبه ثم ارتسمت على محياها ابتسامة مشرقة، قبل أن تقول: "وأنا بعد أحداث عدّة، أصبحت أميرة عائلة كريمزون الجديدة."

"هــــاه؟"

صدمة بعد الأخرى، جعلت ذقنا الاثنتين يسقطان أرضا من الدهشة. قالت لطيفة بسرعة: "الجنرال الأعلى؟ أتعني الشخص الذي يتحكّم في جيوش الإمبراطوريّة بأكملها؟"


أكملت سميرة: "وماذا تعنين بالأميرة الجديدة؟" سبقهما باسل وأنمار إلى العربة ثم قال: "حسنا، حسنا. ستعلمان عن كلّ شيء في طريقنا إلى هناك. لدينا كلّ الوقت."

كان الناس مجتمعين ببوابة القرية، بينما ينظرون إلى المشهد المذهل أمامهم. لقد كان هناك مئات الجنود ذوي المستوى الخامس أمامهم، والعديد من ذوي المستوى السادس. كان ذلك منظرا مدهشا جدّا بالنسبة لأولئك القرويّين. كلّهم حدّقوا إلى الجيش الصغير أمامهم، مرتعبين، متحمسين، منتظرين معرفة ما يحدث.

وفجأة، أتت عربة من خلفهم. كانوا قد سبق ورؤوا هذه العربة تدخل، ولكن لا أحد تجرأ على تبعها. والآن، بعدما شاهدوها من جديد، ترقّب الجميع رؤية راكبها ليعلموا من الشخص الذي أتى بهذا الجيش المدهش إلى أبوابهم.

أتى شخص مسرعا إلى البوابة بينما يصرخ: "ابتعدوا، ابتعدوا." كان هذا هو عثمان، الشخص الذي أصبح الآمر الناهي في القرية لأنّه غدا ساحر مستوى ثانٍ. جاء بسرعة لأنّه أراد أن يعلم من هذا الشخص المدهش الذي أتى. فإن كان حظّه جيّدا، فسوف تكون لديه الفرصة ليرتقي ويملك منصبا ذا نفوذ جيد بعد العمل تحت إمرة هذا الشخص المدهش.

مرّت بهم العربة حتّى خرجت من البوابة، وفجأة، توقّفت فنزل منها تورتش وذهب إلى أعلى البوابة. اقتلع رأس ملك الثعابين الشره وحرقه إلى رماد. فجعل ذلك عثمان يتجمّد في مكانه من الغضب. لقد كان ذلك رمزه وشعاره، وما فعله تورتش لم يعطه أيّ ماء وجه.

تقدّم عثمان إلى الأمام ثم خاطب تورتش بلهجة محترمة، فبعد كلّ شيء، كان من الواضح أنّ تورتش ساحر بمستوى مرتفع: "المعذرة يا سيّدي. أيمكنني المعرفة لمَ أزلت شعار قريتنا؟"

حملق تورتش إليه ثم قال: "ومن أنت؟"

حكّ عثمان يديه وقال بابتسامة متكلّفة: "أنا عثمان أبو عثمان، زعيم هذه القرية الحالي."

"هوو." ابتسم تورتش ثم قال: "ومن أعطاك هذا اللقب؟ هل أُجمِع عليه من أهل القرية؟"

"هذا..." تمتم عثمان وقال: "لا في الواقع، ولكنّهم لم يبدوا منزعج..."

"إذا لست بزعيم شرعيّ." قاطعه تورتش ثم أكمل: "سأجيبك، لا، سأجيبكم. كونوا فخورين. اليوم يوم سعدكم. اليوم، قرّر أقوى رجل في هذا العالم أن يمنح قريتكم حماية خاصة منه. إنه الجنرال الأعلى لإمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، والشخص الذي أصبح بطل العالم في الآونة الأخيرة، بطل البحر القرمزيّ."

لم يعلم الكثير من الناس معنى كلام تورتش الأخير، ولكن كلّ واحد منهم كان على دراية بلقب الجنرال الأعلى. لقد كان يُمنح هذا الشخص إلى أقوى رجل في الإمبراطوريّة فقط، والذي يُعتبر مؤهّلا لقيادة جيوشها كقائد أعلى.


تحمّس الجميع بعد قليل من الوقت استغرقوه في استيعاب كلام تورتش. لقد كان معنى ذلك أن قريتهم أصبح لها مستقبل زاهر لا محالة، ولن يمرّ وقت طويل حتّى تصبح مدينة عظيمة. فحماية الجنرال الأعلى لم تعنِ فقط حراستهم، وإنّما مساعدتهم في حياتهم وتجارتهم، ومعاونتهم على بناء مدينة عظيمة.

تقدّم عثمان إلى الأمام ثم قال بلهفة: "في الواقع، لقد سمعت بإنجازات الجنرال الأعلى المتتالية، وقد حلمت طوال الوقت الذي سمعت فيه عنه بخدمته. لقد سمعت أنّه شابّ يقاربنا العمر فقط، ولكنّه بلغ ما لم يبلغه أحد قبله. إنّه حقّا مفخرة لنا، وسأكون سعيدا للغاية إن استطعت الخدمة تحته. سيكون ذلك أشرف شيء في حياتي كلّها."

ابتسم تورتش وتقدّم إليه. ربت على كتفه فقال: "أوه، هكذا إذن، هكذا إذن. يبدو أنّك شخص مستقيم عكس ما اعتقدت. في الواقع، لقد كان سيّدي يريد لقاءك أيضا."

نزل شخص من العربة الضخمة فجأة، فسقطت عليه كلّ الأنظار. وبعد ذلك، بدأ العديد من الأشخاص يتمتمون: "انتظر، أليس ذلك باسل؟"

"لا شكّ في هذا. ليس هناك شخص بمثل تلك المواصفات."

"ما الذي يفعله في عربة الجنرال الأعلى؟"

"هل يمكن أنّه استطاع أن يصبح تابعا له؟"

"واااه، لو كان هذا صحيحا فذلك عظيم. لطالما ظننت أنّه سيكون شخصا عظيما."

استمرّت الهمسات، كما استمرّت خطوات باسل، مقتربا بذلك إلى تورتش وعثمان. بقي هذا الأخير فاتحا فمه من الصدمة، وفجأة، ومضت بعض الأشياء الغريبة في ذهنه جعلته يصاب بالجنون في لحظة واحدة.

"لا، ذلك مستحيل ! لا يمكن ! غير وارد ! محال ! كذب ! يجب ان يكون من مخيّلتي ! "

تذكّر بعض المواصفات التي وصلته: (إنّه فتى مراهق. شعره كالدّم لونا، وعيناه تسايران تلك الحمرة كالجمرة. ترافقه فتاة بشعر ذهبيّ، اتّضح أنّها الأميرة الجديدة، اسمها أنمار. اسمه باسل.)

"لا ! "

ربت تورتش مرّة ثانية على كتف عثمان، فجعل ركبتيه تفشلان بسبب ذلك. لقد كان يعلم تماما ما القادم من فم تورتش: "افرح يا عثمان أبو عثمان، فكما تمنّيت، ها أنت ذا في حضرة بطل البحر القرمزيّ، الجنرال الأعلى، باسل."


ارتجف عثمان في الأرض، وأراد أن يحفر قبرا ويدفن نفسه به.

وقف باسل أمامه ثم حدّق إليه بازدراء، قائلا: "ها أنا ذا هنا. إذن، تريد أن تخدمني يا صرصور؟"

أخذ باسل خطوة أخرى فوضع بها قدمه بين رجليّ عثمان، ثم أكمل: "اعتبارا لصداقتنا الطويلة، سأمنحك فرصة في ذلك."

كانت الخطوة التي خطاها باسل قويّة بشكل أكبر ممّا يمكن لعثمان تحمّله. فبلّل بنطاله من شدّة الرعب.

واصل باسل: "قف وتصرّف كما فعلت طيلة السنين الماضية أمامي، ولك ما تريد."

فزع عثمان أكثر، ونظر إلى عينيْ باسل فوجدهما تحملان كمًّا هائلا من الضغط. فقط نظراته كانت كافية لجعله يرضخ. لقد كان دائما يظنّ أنّ هذا الفتى القرمزيّ وحش صغير، ولكنّه تأكّد من ذلك اليوم، وعلم انّ الوحش الصغير قد نضج كثيرا عمّا كان عليه سابقا.

سقط بعد ذلك عثمان فاقدا الوعي كلّيّا، فاستدار باسل وغادر. لمحت عيناه أثناء ذلك فتاةً تقف بعيدا، لا تقدر على الاقتراب من مكانهم، فابتسم بعدما تذكّر صورة أنمار في عقله، وأكمل طريقه غير مهتمّ، ولكنّه تمتم: "أكنت سأقع في حبّ هذه؟ يا لها من مسخرة."

وقف باسل أمام العربة ثم تكلّم بصوت مرتفع: "من اليوم فصاعدا، لم يعد هذا المكان قرية منعزلة متعرّضة للخطر دائما. الآن بهذا المكان، أعلن أنّها تحت حمايتي. أنا باسل، أمنح هذا المكان اسم مدينة العصر الجديد ! "

ركب باسل العربة، وترك الناس لابثين في أمكانهم، غير مصدّقين ما حدث قبل لحظات أمام أعينهم. مرّت لحظات سكون، وأحس كلّ شخص كما لو أنّه يتواجد عميقا داخل البحر. كانت مشاعرهم مختلطة، ومن الصعب التفريق بين كلّ شعور عن الآخر.

لحق تورتش باسل ثم أخذ دور الحوذيّ من جديد، وحرّك الخيل الملكيّ. وفي اللحظة التي لمح الجمهور بها تحرّك العربة، تحرّكت قلوبهم كذلك، فأصبح هناك شعور واحد يتملّكهم. كان ذلك السرور الذي ولّد حماسا غير طبيعيّ لدى جميعهم.

ومباشرة بعد رجوعهم إلى وعيهم وإحساسهم بذلك الأحساس، انطلق صياحهم فتحوّل المكان من السكون إلى صخب تخلّله الفرح. لقد كان هذا أفضل خبر سبق وسمعوه في حياتهم.

لقد كانوا مصدومين بسبب حقيقة كون باسل – واحد منهم - صار الجنرال الأعلى، ولكنّهم تناسوا صدمتهم هذه مؤقّتا ليتمتّعوا بالخبر المفرح الذي جعل من كلّ واحد منهم في قمّة السعادة. لقد كان مصير قريتهم واضحا الآن بعدما قرّر الجنرال الأعلى توفير حمايته لهم. ستصبح القرية مدينة مزدهرة مثل أفضل المدن الأخرى، ولها حرّاس وجنود من الأرقى. ستتحسّن تجارتهم وتُبنى أكاديميّة في مدينتهم. سيُنمّون سحرة بمدينتهم التي سيفخرون بها كمدينة أسّسها الجنرال الأعلى، وسمّاها بمدينة العصر الجديد.

تبعت الهتافات العربة طوال الوقت حتّى اختفت عن الأنظار تماما. وعندما هدأ الجميع أخيرا، تحرّك الجنود الذين كانوا أمام بوابة القرية. لقد كان عددهم يصل للمئات، وكانوا هنا لسببين. أوّلهما حماية القرية، وثانيهما كان المساعدة في تحويلها إلى مدينة.

تقدّم الجنودَ شخصٌ ارتدى درعا فضّيّا، فكان من الواضح أنّه ساحر في المستوى السادس. كان شابّا فقط ممّا جعل الأنظار تتساقط عليه كالمطر. حمل نظرة مستقيمة وبدا شابّا مخلصا في حياته لما ولمن حوله.

رفع الشابّ ذراعه إلى الأعلى وقال بصوت مرتفع: "لدينا مهمّة أعطيَت لنا من سيّدنا باسل، ولا يجب علينا خذله فيها. يا من أقسمتم بخدمة الجنرال الأعلى، أنتم موكّلون بترميم هذه القرية، وجعلها مدينة مؤهّلة. سنحوّل هذا المكان إلى نقطة تجاريّة هامّة ومكان للسياحة يزوره الناس من شتّى أنحاء العالم ليروا أوّل مكان يبنيه بطل البحر القرمزيّ. فلنجعله مدينة العصر الجديد ! "


[هواااه]

صرخ الجنود فهزوا المكان، وبتحرّكهم جعلوا الأرض تتذبذب، فأرجفوا قلوب الحاضرين.

تكلّم بعض الناس فيما بينهم: "هذا مهيب ورهيب حقّا ! "

"معك حقّ. إن واجه أيّ جيش مثل هؤلاء الجنود فلا شكّ أنّه سيموت لا محالة."

"يا له من أمر. إذن هؤلاء هم جنود تشكيل الجنرال الأعلى؟ توابع باسلنا ! حقّا مثير للافتخار ! "

تقدّم ذلك الشابّ الذي كان يقود كلّ أولئك الجنود إلى الناس، ثم قال: "من يتزعّمكم؟"

نظر الناس إلى بعضهم بعضا، ثم أشاروا إلى رجل عجوز أتى من الخلف. كان هذا الرجل العجوز نحيلا للغاية، ولكنّه كان يتمتّع بروح قويّة تمثّلت في نظراته الثابتة والعميقة. حدّق الرجل العجوز إلى الشابّ لوقت قليل، ثم قال: "عينان جيّدتان. إنّها لمفخرة لنا أن يساعدنا أمثالكم؛ فتشكيل الجنرال الأعلى شيء يحلم أيّ صغير وكبير أن يتلقّى المساعدة منه."

ابتسم الشابّ، وصافح العجوز الذي مدّ يده إليه، ثم قال: "إنّه فخرنا نحن أن نساعد موطن الجنرال الأعلى. ولكن يجب أن أتأسّف، فنحن لسنا تشكيل الجنرال الأعلى في الواقع ولكنّنا مجرّد توابع جانبيين."

صُدِم الناس بعد سماع هذا الكلام، وأعادوا النظر مرّة أخرى إلى الشابّ والجنود خلفه. لقد كانوا سحرة من المستوى الخامس والسادس، فكيف ألّا يكونوا التشكيل الذي ذاع صيته كثيرا في الآونة الأخيرة؟

غاب العجوز في ذكراته، ثم عاد بعد وقت لم يعلم أحد عن مدّته. حدّق إلى الشابّ أمامه، والذي قال: "يبدو أنّك كنت تتذكّر شيئا ما."


ابتسم العجوز ثم أجاب ضاحكا: "هاهاها. ذلك صحيح. فلتوّي، ظهرت بعض الصور في عقلي من الماضي. أنا المشرف هنا على المكتبة، لذا تذكّرت الجنرال الأعلى باسل عندما كان يأتي إليها ويمضي مددا طويلة يخزّن المعلومات في ذاكرته. لقد كان حقّا طفلا غريبا، ولكنّني لم أتوقّع يوما أن يصل إلى كلّ هذا في هذا السن الصغير حتّى لو كنت أظنّ أنّه سيصير ساحرا ماهرا عندما يكبر."

ضحك الشابّ مع العجوز قليلا، فسأل ذلك ثانيهما: "بالمناسبة. بم أناديك يا أيها السيد الشابّ؟"

"لا، أرجوك. لا داعٍ لتتكلّم برسمية معي." ابتسم الشاب وأكمل: "يمكنك مناداتي بـ'الحارس جون' فقط. لقد أتيت وأتباعي لحراسة هذا المكان كدورنا الأساسيّ، ومساعدتكم في كلّ ما تريدون."

ابتسم العجوز وحدّق إلى عينيْ الشاب، ثمّ قال: "إنّك تعجبني، وخصوصا عينيك. إنّهما مستقيمتان وخالصتان. والأكثر من ذلك، أنت تذكّرني نوعا ما بنفسي. أنا من اختاره أهل القرية ليكون الشيخ. يمكنك مناداتي بـ'الشيخ عهد'."

تحرّك الحارس جون ثم قال للشيخ عهد: "لم لا نذهب للاستعداد والتحدث قليلا. فبما أنّ هناك فرصة للاستماع عن قصص حول طفولة سيّدنا، فكيف لي أن أضيعها؟"

***

مرّت أيّام منذ مغادرة باسل والآخرين القرية، وبسرعة الخيل الملكيّ لم يأخذوا وقتا طويلا للوصول إلى العاصمة كما لم يتأخّر تورتش عند قدومه إلى القرية. وبمجرّد ما أن دخل باسل إلى العاصمة حتّى كان الجنود على طول الطريق مصطفّين، منظّمين المكان، معطين له أفضل آمان.

كانت لطيفة وسميرة متعجّبتين كثيرا من هذا الأمر، وما زالتا تندهشان من المعاملة فائقة الاحترام، ومن كون باسل الجنرال الأعلى وأنمار أميرة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة. والأكثر من ذلك، من عودة عائلة كريمزون إلى سابق عهدها بل وأفضل. لقد كانت العاصمة شيئا جديدا لهما بشعار العائلة الإمبراطوريّة كريمزون، والذي كان عبارة عن شعلة قرمزّية يحملها ظلّ بيديه فوق رأسه.

نظرت لطيفة إلى الشعار ثم تذكّرت ما قاله زوجها آنذاك: "أتعلمين يا لطيفتي، ذلك الظلّ هناك هو ظلّ سلفي. قيل أنّ السلف باسل قد جعل شعار عائلته يمثِّل ما فعله صديقه بالضبط. لقد كان سلفي كريمزون حامل الشعلة القرمزيّة المختبئ في الظلال والحامي."


ابتسمت لطيفة ثم نزلت دمعة بعدما أكملت تذكّرها تلك الذكرى: "لا أعرف إن كانت هذه مجرّد إشاعة، ولكن قيل أنّه كان هناك سبب لكون سلفي قويّا جدّا، ولتمريره دمه وموهبته إلى عشيرتنا. أُخبِرنا أنّه واجه شيطانا، أو ملاكا، لا أحد يعلم بالضبط، ولكنّه كان بالتأكيد كيانا مذهلا. قام هذا الكيان بتعديل دمه وروحه وأعطاه كنزا ما. وإلى اليوم، لا أحد يعلم ما هو أو أين ذلك الكنز، ولكنّنا نعلم أنّ تعديل الدم والروح ذاك هو ما تسبّب في إنشاء عشيرتنا."

نزلت دمعة أخرى من عين لطيفة الأخرى، وغاصت في ذكرياتها من جديد: "ولكن لكلّ شيء ثمن. فمنذ القدم، تبعت عائلتنا لعنة لم يستطع أحد معرفة كيفية النجاة منها. كانت لعنتنا أن نعيش في الظلّ، ونموت به. وإن خرجنا إلى الضوء احترقنا فمتنا. وإن ارتبط أحدنا بآخر، حامت اللعنة حوله منتظرة الفرصة للقضاء عليه. لربّما هذا هو ثمن تعديل الدم والروح. لربّما ذلك عنى أنّه أكمل مهمّته ولم يعد هناك حاجة لبقائه حيّا."

حدّق باسل إلى أمّه ثم قال: "لا تقلقي يا أمّي. كلّ شيء سيكون على ما يرام."

ابتسمت لطيفة ولم تقل شيئا. لقد كانت تفكّر في المصير الذي ينتظر ابنها. أسيكون مثله مثل غيره من عشيرة النار القرمزيّة؟ حدّقت بعد ذلك إلى أنمار ثم تذكّرت ما قالته عندما كانوا في القرية، وعبست مرّة أخرى. هل سيواجه باسل نفس مصيره أبيه، وتواجه أنمار ما واجهتْه؟

وفي الجهة الأخرى، كانت سميرة منكمشة على نفسها، بينما تتذكّر أفعال كريمزون أكاغي وعائلته تجاهها. لقد تعرّضت للاحتقار منهم في تلك السنة، وما زال الأمر يؤثّر عليها حتّى الآن. ما زالت نظرات الازدراء التي وُجِّهت إليها آنذاك راسخة في عقلها ولم تستطع محوها.

اقتربت أنمار إلى أمّها وقالت: "الأمر مختلف هذه المرّة. لقد كان جدّي في ذلك الوقت مستميتا جدّا وأراد أن يعيد عائلته إلى مجدها، ولكن بعدما اختفى أبي وهرب معك، ندم كثيرا على ما فعله في حقّكما. فلو كان هناك أيّ شيء لا يزال يندم عليه جدّي، فلا شكّ أنّه أنتما الاثنتين."

قبضت أنمار يد أمّها ثم هدّأتها. لقد كانت سميرة في حالة سيّئة جدا.

ابتسمت أنمار وقالت: "وفوق كلّ شيء، أنت أمّي أنا، الأميرة كريمزون أنمار، وخطيبة جنرال الإمبراطوريّة الأعلى."

ابتسمت سميرة ثم ضحكت: "أنت حقّا لا تتغيّرين يا أنمار."


لم يسمعهما باسل حينذاك ما تكلّما عنه لأنّه كان يواسي أمّه، ويتكلّم معها حول أبيه.

دخل أربعتهم إلى القاعة الرئيسيّة، وكانت لطيفة وسميرة محنيتي الرأس، ولم تقدرا على رفعه. فمع أنّهما تعلمان أنّ باسل هو الجنرال الأعلى، وأنّ أنمار هي أميرة الإمبراطوريّة، وأنّهما أخبِرا أنّ عائلة كريمزون قد تغيّرت كثيرا عن تلك الفترة العصيبة، إلّا أنّ قلبيهما لم يستطيعا المرور بكلّ ذلك بسهولة.

وفجأة، دون أن ترفعا رأسهما، وجدتا نفسيهما تنظران إلى ذلك الرجل – كريمزون أكاغي. لم تحتاجا أن تحرّكا رأسيهما الموجّهين نحو الأسفل حتّى تواجهانه، ومع ذلك استطاعتا رؤيته. وذلك عنى شيئا واحدا فقط لا غير. صدِمتا كثيرا حتّى أنّهما لم تصدِّقا ما إن كان ذلك حقيقة أم لا.

كان الكبير أكاغي منحنيا عند أقدامهما، بينما يقول: "ندمت وندمت، ثم ندمت فندمت. انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر. أنا آسف يا سميرة، أرجوك تقبّلي منّي خالص الاعتذار وسامحيني. أنا أعلم أنّ الأوان قد فات عن هذا، ولكن..."

نطقت سميرة بسرعة: "م-ما الذي تفعله؟"

أكمل الكبير أكاغي: "لقد فعلت أمرا شينا في حقّك، وأنت أيضا يا لطيفة. حتى لو كنت مررتُ بفترة سيئّة، لم يكن عليّ معاملتكما كذلك. أنا خجل من أسلافي."

قبضت سميرة ولطيفة ملابسهما، وتذكرتا الماضي، ثم نزلتا على الأرض ورفعتا الكبير أكاغي، ثم قالت سميرة: "أرجوك ارفع رأسك أوّلا."

كانت نظرات الكبير أكاغي شاحبة، وامتلأت عيناه بالدموع. وفي الجهة الأخرى، لم تعلم سميرة ولطيفة ما المعمول. لقد كانت هذه لحظة لا تصدّق. لم يكن هذا هو كريمزون أكاغي من آنذاك. لقد كان شخصا مختلفا عنهما كلّيّا.

ابتسمتا ثم وقفتا بعدما جعلتا الكبير أكاغي يقف أيضا، وأومأتا إلى بعضهما بعضا، وقالتا في نفس الوقت: "نسامحك يا كبير العائلة."


نزلت الدموع من عيني الكبير أكاغي ثم قال بتأسّف: "لولا عنادي وقساوتي في ذلك الوقت، لما مررتما بتلك المعاناة، وما كان ليموت أكاي وجاسر. كلّ ذلك خطئي."

اقتربتا الاثنتان من الكبير أكاغي ثم قالت سميرة: "لقد كان أكاي يدافع في الواقع عنك، ويخبرني أنّك أصبحت كذلك بعدما مات ابنك الأوّل مسموما فقط. وأنّك كنت تفعل ما تراه مناسبا لمصلحة العائلة فقط."

عانقتاه معا، فجعلتا قلبه يتسارع من الفرح، ومن الشعور بتخفيف الحمل الثقيل الذي كان يحمله طوال ذلك الوقت. لقد كان ينتظر أن تُغفر له أعماله ويصلحها من جديد.

بادلهما العناق وبكى كالطفل الرضيع. بادلتاه البكاء أيضا، ثم قالت لطيفة: "لقد كان يعلم جاسر أهمّيّة البقاء في الظلّ، ولكنّه أراد دوما الخروج للضوء. فعندما علم أنّ أكاي ينوي الهرب، أراد أن يتبعه كذلك. أراد أن يعيش مختلفا عن بقيّة أعضاء عشيرة النار القرمزيّة ويتجنّب ما آلوا إليه كلّهم – اللعنة."

عبس باسل عندما سمع ذلك، وأثار ذلك اهتمامه قليلا. فهذه المرّة الثانية التي يسمع فيها أمّه تتحدّث عن هذه اللعنة. لقد ظنّ أنّها قصدت في المرّة الأولى، عندما عاد إلى المنزل، أنّها فرحت لأنّه نجى من الموت. ولكنّه سمعها تقولها لمرّة أخرى وعلى أبيه وعشيرة النار القرمزيّة.

قطب الكبير أكاغي كذلك، وتذكّر ما آل إليه أعضاء عشيرة النار القرمزيّة خلال حياته. لقد اختفت العشيرة في عهده، لذا كان موضوع اللعنة تلك يدور دائما في عقله. لقد كانت مجرّد حكاية قديمة تمتدّ لآلاف السنين عن سلف العشيرة كريمزون، ولكنّ علاماتها ظلّت تتكرّر كثيرا حتّى صار من يعلمون بشأنها يصدّقون وجودها.

قال الكبير أكاغي بعدما نظر إلى باسل وتنهّد: "بالتأكيد، بكل تأكيد سيكون الأمر مختلفا هذه المرّة." ربّت بعد على كتف لطيفة، وصنع ابتسامة مشرقة. لقد كان هذا يوما مفرحا له كثيرا.

ذهب الجميع بعد ذلك إلى الفناء، فالتقوا هناك بجدّة باسل، وبالأميرة سكارليت. كان هناك الكثير من الدموع، وغُمر المكان بمشاعر السعادة والسرور. اختفت الأحقاد وانتشر الوداد. نُسِيت الذكريات المرّة وذُكِرت الحلوة. لقد كان ذلك يوما حافلا بالنسبة لهم، وكان باسل في قمّة سعادته أيضا.

وذات يوم، أراد باسل أن يفتح ذلك الموضوع الذي ظلّ يشغل باله. طلب حضور أمّه والكبير أكاغي وانفرد بهما. لقد كانت هناك بعض الأشياء التي تؤرقه ووجب عليه قطع شكّها.

"يا أمّاه، ويا أيّها الكبير، أخبراني ما تعرفانه عن اللعنة." كان باسل يحمل تعبيرا جدّيا، لذا عندما سمعه الاثنان علما أنّ الإجابة الصادقة هي الشيء الوحيد الذي سيرضي فضوله ولا شيء آخر.

عبست لطيفة، وتذكّرت بعض الأشياء قبل أن تقول: "إنّها الشيء الذي سلب منّا أباك."

لم يتكلّم باسل، وانتظرهما يكملان ما لديهما.

نطق بعد ذلك الكبير أكاغي: "إنّها شيء لحق عشيرة النار القرمزيّة منذ تأسيسها. قيل أنّ سلف العشيرة قد أبرم اتفاقا مع كيان خارق، واستطاع بذلك اكتساب قوّة وذكاء مرعبيْن، وأصبح باستطاعته تمرير كلّ ذلك إلى أبنائه وأحفاده. وفي كلّ جيل تزداد فاعليّة الاتفاق، فيزداد أعضاء العشيرة قوّة وذكاء. ولكن نحن في عالم به أخذ يرافقه عطاء؛ حملت الاتفاقيّة لعنة صاحبت كلّ تلك المزايا."

"...فكما مرّر سلف العشيرة قوّته وذكاءه إلى أبناء دمه، نقل لعنة تقوّت جيلا بعد الآخر أيضا. قيل، حسب خبرات أجيال بعد أجيال من أعضاء العشيرة، أنّ هذه اللعنة تسقط في حالتين. كان إذا خرج أحد أعضائها إلى الضوء وغادر الظلام، صرعته. وإذا ارتبط وخلّف نسله أصبح مهدّدا بالموت، وتبعه حظّ سيّئ للغاية. وحتّى لو لم يمت من سوء الحظّ مات من قصر العمر. هكذا كان مصيرهم. عندما يلدون يقلّ طول عمرهم."

رشف باسل الشاي، ثم أنزل الفنجان، وتمعّن، وفجأة بدون أن يشعر تذكّر تلك اللحظة أثناء قتاله ظلّ الشيطان. لم يعلم بالضبط لمَ حدث له، ولكنّه لطالما امتلك حدسا قويّا جدّا. ابتسم باسل ثم تمتم: "هل يا ترى حدسي هذا جزء من الموهبة التي نُقِلت إليّ؟"


نظر إلى أمّه التي كانت تبادله النظر، بعينين خائفتين على ابنها الذي يعتبر *** عشيرة النار القرمزيّة الوحيد المتبقّي، وارتجفت عندما فكّرت بما قد يحدث له. لقد كانت تحاول دائما إبقاءه في الظلّ، لكنّ ابنها شابه أباه واستعصى عليها فعل ذلك. وها قد صار باسل ضوء هذا العالم نفسه كبطله.

حدّق باسل إلى عينيْ أمّه، ثمّ اقترب منها وقال: "يا أمّي. لعنة كانت أم مصيبة، لأحطّمنّها وأبقى دائما إلى جانبك." انحنى وقبّل رأس أمّه، ثم أكمل حديثه مع الكبير أكاغي: "أهذا كلّ شيء؟"

"لا." أجاب الكبير أكاغي: "هناك شيء آخر. لا أحد يعلم مدى حقيقة هذه الإشاعة، فعلى عكس اللعنة لم نرَ أيّة آثار لها. قيل أنّ سلف العشيرة قد أخذ من الكيان الخارق كنزا كجزء من الاتفاقيّة، ولكنّنا لا نعلم ما هو هذا الكنز أو أين تموضع."

وضع باسل يده على ذقنه، وفجأة، طرأت له فكرة في باله. أخرج من خاتم التخاطر ثلاث مخطوطات وبسطها أمام الكبير أكاغي: "ألديك فكرة عن هاته؟"

"تلك ! " قال الكبير أكاغي بدهشة: "أو ليست المخطوطات الغريبة التي كانت في قاعة كنزنا؟ لقد رأيتها مرارا وتكرارا. لا أحد يعلم عن ماهيتها، لذا لا أحد أعطاها أيّ اهتمام جيلا بعد جيل. لقد كانت هناك في قاعة الكنز دون أن يمسّها أحد لسببين، أوّلهما كان لأنّها عديمة الفائدة، وثانيهما كان لأنّها ذكرى من السلف. لقد سُلِبنا القصر من عائلة غرين فيما مضى، لذا ظننت أنّها رُمِيَت فقط. فلم أكن أظنّها ستجذب اهتمامك."

عبس باسل وقال: "لقد قلت أنّها ذكرى. كيف ذلك؟"

أجاب الكبير أكاغي دون تأخر: "ذلك... لا أحد يعلم في الواقع. كلّ ما مرّ لنا أنّها ذكرى من السلف. ولطالما تعلّمنا الحفاظ على كلّ ما خصّ أسلافنا والاهتمام بها."

جمع باسل المخطوطات بعد ذلك وقال: "هكذا إذن. شكرا لك. لا بأس إن احتفظت بهذه المخطوطات الآن؟"

ابتسم الكبير أكاغي وقال: "أنت من العائلة يا حليفنا باسل، لا مانع من ذلك."

أمضى باسل بعد ذلك أسابيعَ أخرى في العاصمة، وقضى بعض المهام التي احتاجت وجوده، من تدريبات للجنود وزيارات للأكاديميّة. لقد الإرشاد من الجنرال الأعلى بلحمه ودمه شيئا يقدِّره أيّ شخص في هذا العالم.

كانت أيّامه حافلة، حتّى انتهى منها أخيرا وقرّر العودة إلى القرية مع أمّه، والعمّة سميرة، إضافة إلى أنمار. كانت هناك مفاجأة منه لأمّه.


ودّعوا عائلة كريمزون، وشدّوا الرحال. كانت المناظر في العودة بالنسبة إلى لطيفة ومسيرة أكثر جمالا، وتأثيرا في النفوس. لقد مزاجهما جيّدا للغاية بعد تصالحهما مع عائلة كريمزون وأزالوا النقط السوداء فجعلوا الصفحة بيضاء من جديد، لذا كانت رؤيتهما للأمور مختلفة عن ذات قبل.

مرّت أيّام السفر بسرعة البرق، وبلغوا المكان الذي اعتاد أن يكون قريتهم. نطقت لطيفة على حين غرّة: "ما هذا؟ أليس من المفترض أن نرى القرية الآن؟"

ابتسم باسل، ثم أمر الحوذيّ بالتوقّف، ونزل مصطحبا أمّه معه، إضافة إلى أنمار وأمّها. كان المكان أمامهما صادما للغاية.

كان هناك حائط يصل علوّه إلى الخمسة عشر متر، ويمتد محيطا بما بداخله لآلاف الأمتار. تمركزته بوّابة كتلك التي لدى العاصمة كبرا وهيبة. كانت هنكا قواعد صغيرة يحرسها جنود على طول الحائط، فأعطى ذلك شعورا بالأمان لكلّ من يبقع بالداخل. لقد كان هذا بدون شكّ مظهرا لمدينة غنيّة كالعاصمة.

لمحت لطيفة بعض التجار ينتقلون عبر البوّابة الضخمة، ذهابا وإيابا. كانت الأجواء حيويّة للغاية خلف الحائط. كان ممكنا سماع أصوات الناس النشطة، وضحكاتهم السعيدة.

لقد كان ذلك منظرا غريبا لشخص أمضى أسابيع بعيدا عن هذا المكان تاركا إيّاه كقرية فيعود ويجده تحوّل لذاك.

أخذ باسل بيد أمّه وتمشّى معها إلى ما بعد الحائط. وعندما بلغا الحائط، قرأت لطيفة ما كُتِب هناك. كان المشهد من الخارج مهيبا ورائعا للغاية، ولكنّه لا شيء مقارنة بالداخل. اصطفّت المنازل برتابة، وتخلّلتها حدائق صغيرة، مع وجود نافورات بين الشوارع التي كانت واسعة. كانت الأرضية نقيّة للغاية، فكاد ينعكس ضوء الشمس عليها.

سُخِّرت الأنهار القريبة لتكون منبعا مائيا للمدينة، وارتبط بكلّ المنازل. كان هناك سوق كبير، ولم يكن مليئا بالتجّار، ولكنّه بدا حيويّا. لا شكّ في أنّه سيصبح سوقا مهمّا بعد مدّة فقط.

شعرت لطيفة وسميرة التي تبعتها بسرور كبير، وتمعّنا في المدينة التي اعتادت أن تكون قريتهما البسيطة. استنشقتا الهواء، فقالت لطيفة: "يا له من أمر عجيب. لقد تغيّر المكان، ولكنّ رائحته لا تزال هي نفسها."

نظرت إليها سميرة، وقالت: "معك حقّ. لربّما لأنّ هذه المدينة بُنِيت عن إخلاص وحب."

ابتسمت الاثنتان، وقالتا في نفس الوقت: مدينة العصر الجديد ! "

اقترب منهما باسل وقال: "سأحرص على ذلك يا أمّي، ويا عمّتي."


وفجأة، شعرت الاثنتان أخيرا بالنظرات التي تسقط عليهم من شتّى النواحي. لم تحسّا بسبب حماسهما، ولكنّهما أدركا أخيرا أنّهما يصاحبا جنرال الإمبراطوريّة الأعلى وأميرتها، إضافة إلى أنّ هذا الجنرال الأعلى هو من شيّد هذه المدينة.

ابتمست لطيفة وقالت: "إنّني حقّا لا أعتاد على كلّ هذه النظرات."

ظهر على حين غرّة شخص أمام باسل. لقد كان ذلك الحارس جون. كان هذا الأخير مجرّد حارس لوّابة العاصمة عندما التقى به باسل أوّل مرّة، ولكنّه صار الآن ساحرا في المستوى السادس، وكُفِل بحراسة هذه المدينة كلّها.

"مرحبا بك يا سيّدي." انحنى الحارس جون وقال: "بمَ أخدمك؟"

ابتسم باسل وقال: "شكرا لك يا جون. هل فعلت طبقا لما أخبرتك؟"

أومأ الحارس جون وقال: "نعم. لقد فعلت."

غادر باسل والأخريات بعد ذلك متجهين نحو مكان محدّد بقيادة الحارس جون، فسألت لطيفة: "إلى أين يا باسل؟"

ابتسم باسل: "فقط إلى المنزل."

بادلته لطيفة الابتسامة بعد ذلك: "هكذا إذن؟ لم أكن لأعرف أين نحن ذاهبين ونحن بوسط هذه المدينة الكبيرة."

أخذوا الطريق على مهل، وتمتّعوا بالمناظر على طوله، حتّى بلغوا هدفهم. فوجئت لطيفة وسميرة بعد ذلك مباشرة. لقد كان ذلك غير متوقّعا بعد المرور بكلّ ما سبق.

كان هناك منزلان لم يتغيّر شكلهما أبدا، وظلّا على حالهما. كان هذان المنزلان هما منزلا باسل وأنمار.


حدّقت لطيفة إلى باسل وقالت: "لماذا؟"

ابتسم باسل وقال: "وهل أخطأت؟"

نزلت دمعة من عينها، كما حدث لسميرة، فقالتا معا: "لا، لم تخطئ. شكرا لك."

لقد كان هذا المنزلان عزيزين على قلبيهما، وعاشا فيهما لخمسة عشر سنة كاملة كوالدتين، واختبرتا الحلوة والمرّة فيهما. لقد كان من الصعب رؤية اختفائهما ببساطة. وعندما رياهما على حالهما، لم تستطيعا ضبط مشاعرهما. لقد قدّرا ذلك حقّا. لم يهم إن تغيّرت المدينة أو العصر، طالما لم يتغيّر ذانك المنزلان.

كانت تلك أيّام سعيدة، وهانئة. أمضى باسل أسابيع أخرى، حتّى أتاه بلاغ من معلّمه.

تكلّم إدريس الحكيم على انفراد مع باسل: "لقد مكثت لفترة طويلة هذه المرّة. وجهتنا تعلمها."

عبس باسل وقال: "قارّة الأصل والنهاية ! "

ابتسم إدريس الحكيم وقال: "لا داعٍ للقلق هكذا. لا شيء سيحدث لك طالما تواجدت هنا."

نظر باسل إلى معلّمه وقال: "لا. ليس كذلك يا معلّمي. عبست لأنّني سأغادر أمّي مرّة أخرى، ولا أعلم متى سأراها من جديد."

حدّق إدريس الحكيم إليه وواساه: "لا تقلق إذن. لقد كنت أصنع مصفوفة طيلة الأسابيع التي مضت. يمكنك اعتبارها هديّة منّي بما أنّك صرت بالغا الآن."

ابتسم باسل وقال: "ذلك لطف منك يا معلّمي. سوف أغادر الآن وأنا مطمئنّ تماما. بالمناسبة، لقد قالت أمّي أيضا أنّها تهيّئ شيئا ما لي. أظنّه هديّة أيضا."

اتّفق باسل مع معلّمه على الموعد، وغادر قائلا: "سأوصل الخبر إلى أنمار أيّها المعلّم. ألقاك بعد أسبوع من الآن."


لقد كان هذا هو الأسبوع الأخير لباسل مع أمّه قبل أن يرتحل من جديد، لذا صرفه بالكامل معها، ومع العمّة سميرة. فمع أنّه سيغادر مطمئنّا عليهما، إلّا أنّ الفراق لمدّة طويلة قد يكون صعبا. لاسيما وأنّ لطيفة وسميرة مجرّد امرأتين عاديتين لديهما عمر قصير مقارنة بالسحرة.

وفي اليوم الأخير، سلّم باسل وأنمار على سميرة، فجعلاها لا تستطيع التحمّل، فذهبت إلى غرفة واختبأت فيها ريثما يغادران. وعندما كانا سيسلّمان على لطيفة، انهمرت الدموع من عينيها هي الأخرى ولم تستطِع التحمّل أيضا، ولكنّها أجبرت نفسها على رؤيتهما يغادران.

أعطت لطيفة حقيبة لباسل، فحملها. قالت بعد ذلك: "إنّها هديّتك يا باسل. لقد كنت أستعدّ طيلة السنة الماضية حتّى أعطيها لك. افتحها بعدما تغادر."

ابتسم باسل وقال: "شكرا لك يا أمّاه. سأعتز بها لبقيّة حياتي."

عانقت باسل بعد ذلك، وفعلت نفس الشيء لأنمار. لقد أحببتهما كثيرا، وأحبّاها كثيرا.

"حسنا، أنا ذاهب يا أمّي." قالها باسل بعينيه الحمراوين اللتين لمعتا نوعا ما.

"رافقتك السلامة يا باسل. واهتم جيّدا بأنمار، فهي صديقة طفولتك العزيزة. آه، أظنّ أنّها الصديق الوحيد الذي تملك على أيّ حال. هوهوهوهوهو."

قام باسل بإجابة أمّه ونظرة ملل على وجهه: "أنا لا أحتاج إلى أيّ أصدقاء. وأيضا هي ليست صديقتي. إنّها فقط تلحقني منذ نعومة أظافرنا."

"هذا صحيح، يا عمّتي نحن لسنا صديقين، نحن خطيبان متعهّد كلّ واحد منّا للآخر بالزواج منه." أجابتها أنمار بابتسامة مشرقة.

اختفت نظرة الملل من على وجه باسل لتتحوّل إلى نظرة تفاجؤ: "هاه؟ ما الذي تقولينه أيّتها الحمقاء المتخيّلة؟ متى وعدتك أنا بشيء مثل هذا؟"

أجابته أنمار بابتسامة خفيفة مغمضة العينين: "هيّا، هيّا. هل تدّعي الجهل؟"

بدأ باسل ينزعج وأجابها بصوت مرتفع: "هاه؟ أيّ جهل تتحدّثين عنه؟ ما لم يحدث لم يحدث، ولهذا توقّفي عن إخبار الناس بهذا الهراء."

بدأت الدموع تتجمّع في عيني أنمار، وعند رؤية لطيفة لذلك صرخت في وجه باسل قائلة: "يا باسل، أعرف أنّك ستشعر بالخجل إن قيل لك هذا أمام شخص آخر، ولكن لا ترفع صوتك بهذه الطريقة في وجه شخص وعدته بالزواج." وبدأت لطيفة تربّت على رأس انمار لتخفّف من ألمها، ولكن في تلك اللحظة ظهرت ابتسامة عريضة على وجه أنمار فردّ باسل بينما يشير بإصبعه نحو أنمار: "انظري يا أمّي، إنّها تضحك. إنّها تخدعك. إنّها لا تبكي. إنّها دموع التماسيح فقط."

نظرت لطيفة إلى باسل وقالت له بغضب: "ألا تخجل من نفسك؟ أن تبكي زوجتك المستقبليّة وبدل مواساتها تناديها بالمخادعة. لا أتذكر انّني ربّيتك هكذا."

عادت نظرة الملل إلى وجه باسل واستسلم عن محاولة تصحيح الأمر، ثم تمتم: "أناديها بالمخادعة؟ مناداتها بالمخادعة كلمة لطيفة عندما نتطرّق لوصفها." ثم قال: "حسنا لا يهم. لقد تأخّرنا. لنذهب الآن."

"حسنا." أجابته أنمار بالموافقة لتكمل لطيفة: "سأقولها مرّة أخرى. اهتم بأنمار جيّدا؛ فالإنسان لا يعلم قيمة الشيء الحقيقيّة إلّا بعد فقدانه." قالتها لطيفة وهي تضع أنمار على صدرها وتعاملها بحنان بينما تعتلي نظرة حزينة وجهها.

"إذن إلى اللقاء يا أمّي." "إلى اللقاء يا عمّتي."

أجابتهما لطيفة والدموع بعينيها: "إلى اللقاء يا طفليّ العزيزيْن. فلتحترسا."

غادر باسل وأنمار، باشتياق إلى منزليهما، وحنين إلى هذا الوطن. ستكون رحلة طويلة هذه المرّة، لذا سيتركان والدتيهما لمدّة طولى عن العادة. كانت عينا باسل تلمعان نوعا ما، فجعل ذلك أنمار تقترب منه قائلة: "قد تكون قد بلغت الخامسة عشر وصرت رجلا في أعين الناس، ولكنّك لا تزال طفلا عندما يؤول الأمر لأمّك حقّا."

حدّق إليها باسل، ولم يقل شيئا. غاب في بحر ذكرياته وهدّأ من نفسه. ابتسم بعدما فكّر لوقت قليل في كلام أنمار ووافقها على كلامها. لطالما فقد حسّه السليم عندما يؤوب الأمر إلى أمّه.

حدّق إلى أنمار ثم تذكّر ما قالته سابقا عن كونها خطيبته، فلم يعلم حتّى كان ينظر إليها طوال الطريق إلى معلّمهما. لم يشعر متى قطعا الطريق أبدا، وأحسّ أنّه حدّق إلى أنمار للحظة وجيزة فقط بالرغم من أنّهما استغرقا وقتا لا بأس به للوصول إلى إدريس الحكيم.

كان إدريس الحكيم ينتظرهما كالعادة، وعندما شاهدهما، وضع يده على لحيته الطويلة وضحك: "هوهوهو." قبل أن يقول: "ما بالك يا صغيرة، إنّ وجهك يبدو كأنّه على وشك الانفجار."

قبضت أنمار ذراعها اليسرى بيدها اليمنى وانكمشت في مكانها، ثم تمتمت: "ذلك..." وأدارت بعد ذلك رأسها نحو باسل.

نظر إدريس الحكيم إلى باسل، فوجده يحدّق إلى أنمار دون أن يرمش، ففهم ما يحدث. ضحك مرّة أخرى ثم قال: "أحم... يا أيّها الفتى باسل."

استفاق عندها باسل أخيرا من أحلام يقظته، ووجد نفسه أمام المعلّم فقال: "إيه. وصلنا. آسف أيّها المعلّم لأنّني لم أحيّيك بشكل لائق." انحنى باسل قليلا ثم شد قبضته بيده الأخرى: "التحيّة للمعلّم."

هدّأت أنمار نفسها ثم فعلت نفس ما قام به باسل. وعندما انحنت، أخذت نظرة خاطفة نحو باسل، فاتّسعت حدقتا عينيها عندما وجدت باسل ينظر إليها بالفعل، وبنفس النظرات التي لا تتزحزح، فاستقامت بسرعة واحمرّ وجهها أكثر ممّا سبق.

حكّ إدريس الحكيم لحيته ثم ابتسم، وتمتّع بما يحدث أمامه. لقد كان ممتعا مشاهدة توتّر هذين الاثنين وتصرّفاتهما البريئة. لقد كانا حقّا مجرّد طفلين منجذبين لبعضهما بالنظر إليهما وهما هكذا.


"أحم..." كحّ إدريس الحكيم ثم قال: "حسنا. لننطلق إذَن. سنأخذ طريقا طويلا قبل أن نصل إلى قارّة الأصل والنهاية."

تعجّب باسل فسأل: "ماذا تعني بذلك أيّها المعلّم؟"

تحرّك إدريس الحكيم بخطوات، لم تبدُ كخطوات. بدا كأنّه يقف في مكانه ولا يحرّك رجليه، ولكنّه لا يزال يتقدّم. كما لو أنّ هناك شيئا يزيحه عن مكانه السابق دون أن يحتاج إلى القيام بأيّ شيء.

حدّق باسل إلى تحرّكات معلّمه، فلمعت عيناه من الحماس. لقد كان إدريس الحكيم في الواقع يستخدم فنّه القتاليّ، وهذا الفنّ هو نفسه فنّ باسل القتاليّ. لقد كان إدريس الحكيم يستخدمه بطريقة سلسة ومرتاحة للغاية.

وضع باسل الحقيبة التي كان يحملها طوال الوقت على ظهره في مكعّب التخزين، ثم تحرّك باستخدام فنّه القتاليّ. أراد أن يلحق إدريس الحكيم الذي كان قد قطع مئات الأميال بالفعل.

بووم

انطلق مستخدما خطوات الرياح الخفيفة، وبقوّته القصوى. لقد كان قد بلغ الغصن الثاني مسبقا، والآن ازداد أكثر تحكّما فيه، لذا كانت سرعته كبيرة للغاية، فقطع عشرات الأميال في لحظات فقط. ولكن بالرغم من أنّه كان يتحرّك بسرعة مذهلة إلّا أنّه لم يلحق معلّمه وبقي يتتبّع الآثار التي خلّفها إدريس الحكيم خلفه عمدا.

أمّا أنمار، فقد ركبت الجوّ بضربها الهواء بقديمها وتكوين موجات اهتزازية سمحت لها بالتحليق بسرعة جنونيّة عبر السماء. كانت تنكمش على نفسها ثم تطلق ضربة من رجليها تجعلها تقطع عشرات الاميال في لحظات فقط. لقد من الواضح أنّها صارت تتقن فنّها القتاليّ أكثر ممّا سبق كذلك.

قطع الثلاثة آلاف الأميال في مدّة قصيرة بسرعتهم المدهشة، حتّى بلغوا منطقة محظورة توقّفوا عندها. وبالطبع، لم يلحق باسل معلّمه أبدا. كان إدريس الحكيم يتدبّر لوقت بالفعل قبل أن يصل باسل وأنمار.

حدّق باسل إلى الأرجاء، ثم قال: "إذَن هذه هي وجهتنا الأولى."

نزل إدريس الحكيم من جبل ثم وقف أمام باسل ثم قال: "لن نبرح مكاننا من هاهنا حتّى تتسيّدا هذه المنطقة المحظورة وتجعلانها تحت سيطرتكما. سيكون مستحيلا تسيّدها بشكل فعليّ وجعلها ملك لكما بما أنّكما لم تبلغا المستويات الروحيّة، ولم يصبح هذا العالم روحيا بعد، ولكن بمقدوركما جعلها تحت سيطرتكما."


تحمّس باسل قليلا ثم قال: "هكذا إذَن. ما المدة التي يجب علينا فعل ذلك بها؟"

"لا توجد مدّة محدّدة. ولكن كلّما كان أسرع كلّما كان أفضل. فحسب تقديراتي، ستصير هذه منطقة محظورة تحوز وحوشا سحريّة من المستوى الثاني عشر والثالث عشر عمّا قريب، وسيكون صعب عليكما عندئذ إخضاعها."

"صعب؟" استغرب باسل وقال: "كيف ذلك أيّها المعلّم؟ لمَ سيكون صعبا علينا بسبب وحوش بهذا المستوى؟"

اقترب إدريس الحكيم من الاثنين، ثم وضع يديه على جبهتيهما، فسطعتا هاتان الأخيرتان، ثم برزت نقطة الأصل عليهما بضوئها المشعّ، ورُسِم مسار نقط الأصل على جسديهما، فإذا بعينيْ إدريس الحكيم تتوهّجان بضوء فضّيّ، وتغيّرت صورته لوهلة، فصار شابّا بها، ثم صرخ: "ختم مؤقّت ! "

كان ذلك لوهلة وجيزة للغاية فقط، وحجب الضوء الفضّيّ رؤية أنمار ولم تستطع النظر إلى معلّمها، فلم تلمح صورته الشابّة.

اختفت نقطة الأصل من جبهتهما، وكذلك المسار من جسديهما، فأحسّ كلاهما بالغرابة نوعا ما. لقد اعتادا على الشعور بتدفّق الطاقة السحريّة في جسديهما، وبحر روحهما، لكنّ ذلك لم يعد يحدث بعدما انتهى إدريس الحكيم.

حرّك باسل يديه بغرابة، وحاول استخدام السحر، ولكنّه لم يستطِع أبدا مهما حاول. لم ينجح في شحذ أيّ قدر من عناصره السحرية. وكذلك كان الحال مع أنمار. لقد خُتِمت عناصرهما السحريّة تماما.

"أيّها المعلّم..."

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "لهذا سيكون صعبا عليكما إن تأخّرتما."

"ها؟" تفاجأ باسل ثم قال: "ولكن، أيها المعلّم. إنّه مستحيل هزيمة وحوش بالمستوى الحادي عشر هنا دون سحر."


حدّقت أنمار إلى معلّمها، ثم فكّرت فيما قاله باسل. "دون سحر". تردّد ذلك في ذهنها مرارا وتكرارا حتّى فهمت ما يحدث. إنّه كما قال باسل تماما. من المستحيل لهما هزيمة وحوش سحريّة بالمستوى الحادي عشر بدون السحر، نعم بدون السحر. أحكمت قبضتها ثم لكمت الهواء فجأة، وإذا بفنّها القتاليّ يعمل دون أيّ صعوبة.

نظر باسل إلى ما فعلته أنمار، ثم فهم ما يحدث عندئذ. ابتسم ثم تنهّد وقال: "حقّا تحبّ التدريبات الجسديّة يا أيّها المعلّم."

"هوهوهوهو." ضحك إدريس الحكيم وقال: "بالطبع. لا يهم أيّ حاجز سحريّ، أو أثريّ أو روحيّ ملكت، كلّ ذلك سيكون بلا معنى إن ملكت جسدا ضعيفا. تذكّر هذا جيّدا. الدفاع المثاليّ هو الجسد الأكثر تحمّلا. تدرّب وتعذّب، وسترتاح بوقت الكفاح."

تنهد باسل وتقبّل الأمر الواقع، فليس كأنّ هناك خيارا آخرا له. التفت إلى أنمار ثم قال: "حسنا، لنذهب ونسرع في ذلك حتّى لا يطول بنا الأمر هنا."

"لا." أوقف إدريس الحكيم أنمار، ثم قال: "ستعملان مفترقين. لا يحقّ لكما تجاوز الحدود التي ستفرّقكما."

استغرب باسل، ثم نظر إلى أنمار، فوجدها تحدّق إليه بعينين تعبران عن رغبتها في البقاء معه. أحسّ بوخز غريب في قلبه، فاستدار مستعدّا للمغادرة دون أن يقول كلمة واحدة. شعر نوعا ما أنّه من الصعب عليه قول أيّ شيء في هذا الموقف، وأراد أن يذهب في أسرع وقت ريثما يمكنه ذلك.

قال إدريس الحكيم: "لك الجانب الشماليّ. وستأخذ الصغيرة أنمار الجانب الجنوبيّ. لا يحقّ لأحدكما تجاوز النهر الوسيط بين الجانبين."

انطلق باسل بعد ذلك مباشرة واختفى عن الأنظار. لا يعلم كم المدّة التي سيتطلّبها إخضاع الجانب الشماليّ، أو كم ستستغرق أنمار كيْ تنتهي بدورها. كان ذلك يعني أنّهما لن يلتقيا لمدّة طويلة. كان من الواضح أنّ أنمار لا تريد ذلك أبدا، ولكنّ باسل الذي كان معتادا على الهرب منها وكلّ ما كان يريده هو الابتعاد عنها، شعر أنّه يكره افتراقه عنها هكذا.

مرّت بعض الأيّام، وواجه باسل وأنمار العديد من الوحوش السحريّة بمختلف المستويات، لكنّهما كانا لم يواجها أيّ وحش سحري بالمستوى العاشر فما فوق. كان باسل في حالة عويصة، وكانت أنمار بنفس الحال. لقد ظلّا يقاتلان الوحوش السحريّة في ثالث أكبر منطقة محظورة لأيّام دون توقّف، وفقط باستخدام الفنّ القتاليّ. كم كان ذلك صعبا ومرهقا يا ترى؟

كان باسل يجلس متدبّرا في كهف، محاولا استرجاع طاقته السحرية التي فقدها في الأيّام السابقة. فلم تكن هناك فرصة له لفعل ذلك أبدا. بالإضافة إلى أنّه كان يحاول استنباط التعاويذ الذهنيّة الروحيّة أكثر حتّى يصير له رؤية واضحة للغصن الثالث. كان هدفه الأوّل حاليا هو الاختراق إلى الفرع المتوسّط من الفنّ القتاليّ الأثريّ حتّى تصير له فرصة جيّدة ضدّ وحوش المستوى الحادي عشر.

كان يضع باسل ذلك من أولويّاته لأنّه كان يعلم إن بدأ القتال ضدّ وحوش بالمستوى العاشر، فلا شكّ أنّه سيجذب بذلك وحوش المستوى الحادي عشر، والتي لن يكون قادرا على هزيمتها أبدا. وحتّى لو لم تأتي وحوش المستوى الحادي عشر، فسيكون هناك عدد كبير من وحوش المستوى العاشر ولن يستطيع هزيمتها جميعها.


وللمفاجأة، كانت أنمار تفكّر في نفس الشيء في جانبها.

لكن لسوء حظّ أحدهما، لم يسر الأمر كما كان مخططا له. كان سيّئ الحظ هو باسل، وكان ذلك بسبب الغارة التي تعرّض لها على حين غرّة من طرف حشد من الوحوش السحريّة.

كان إدريس الحكيم يراقب من بعيد، وعندما رأى ما يحدث، ابتسم قائلا: "يبدو أنّ الأمر قد بدأ أخيرا. لنرَ الصراع على المنطقة المحظورة الآن. من سيُخضِع من يا ترى؟"

كان في الواقع لا بدّ من حدوث هذا الحدث. فعندما يظهر غازٍ في منطقة محظورة، ستحشد الوحوش نفسها للمقاومة من أجل المنطقة المحظورة التي تعتبر وطنها، ومآلها، وحاميها.

يا إمّا باسل، أو الوحوش السحريّة.

تمتم إدريس الحكيم: "يبدو أنّ الوحوش قد قرّرت استهداف الفتى باسل أوّلا قبل الصغيرة أنمار."

لقد كانت الوحوش السحريّة كائنات تتبع غريزتها، وكان لها ذكاء يختلف حسب مستوياتها وأصنافها. كانت هناك وحوش سحريّة بذكاء مرتفع منذ الصغر، وعندما يمرّ وقت أطول وتكبر، تصير أكثر قوّة وذكاء، ثم تترأّس نوعها كالزعيم.

اختلفت الوحوش السحريّة في مستوياتها غالبا حسب أصنافها. فهناك بعض الوحوش التي يمكنها بلوغ مستويات مرتفعة للغاية، وأخرى يقف نموّها عند حدّ معيّن. يتباطأ تقدّم عمر الوحوش السحريّة عند عمر محدّد وتكبر بعد ذلك ببطء شديد حتّى تبدو كأنّها لا تزداد عمرا، ولهذا تعيش لمدّة طويلة للغاية.

وبسبب ذلك، اختلفت الوحوش السحريّة عن السحرة. فعلى عكس السحرة ذوي العمر المحدود، كانت الوحوش السحريّة بعمر مديد جدّا، وهذا أعطاها الفرصة لبلوغ المستويات الروحيّة بغض النظر عن سرعتها في ذلك. وهذا عنى شيئا واحدا فقط – أقلّ حدّ يمكن لأضعف وحش سحريّ بلوغه هو الخطوة الأولى في المستويات الروحية.

طالما بقيت روح الوحش سليمة فستكون له الفرصة في الغدو وحشا روحيّا مهما تعرّض للقتل من مرّات، ولكن إن حدث واضمحلّت روحه فستكون تلك نهايته الأبديّة. وبالطبع، انطبقت إعادة الإحياء على الوحوش السحريّة فقط، أمّا الوحوش الروحيّة، فكان الأمر مختلفا في حالتها تماما.

ما زال العالم الواهن عالما سحريّا فقط، ولم يشهد حتّى الآن ساحرا روحيّا أو وحشا روحيّا من قبل، ولكن بعدما ارتفع العديد من السحرة في المستوى، حتّى أنّ هدّام الضروس كان قد بلغ المستوى الرابع عشر سابقا، فقد حدثت تغيّرات كثيرة خصوصا في المناطق المحظورة التي استجابت لنموّ السحرة، فنمت الوحوش السحريّة التي تقطنها أيضا.


وحاليا، كانت أقوى الوحوش بثالث أكبر منطقة محظورة بالعالم الواهن تحتوي على وحوش سحريّة بالمستوى الحادي عشر، وكان ذلك شيئا مرعبا للغاية. ففي الشهور الأخيرة، ابتعد الكثير من السحرة عن هذه المنطقة المحظورة ولم يعد يقترب منها سوى سحرة المستوى السادس فما فوق خوفا من الموت.

كان باسل يعلم كلّ العلم مدى شراسة هذه الوحوش السحريّة. ففي الأيّام التي مضت، جاب الجانب الشماليّ طولا وعرضا، ثمّ قدّر عدد الوحوش السحريّة التي تقطن هنا. علم أنّ هناك زعيمين يترأّسان الجانب الشماليّ، أحدهما يترأّس الشمال الشرقيّ والآخرُ الشمالَ الغربيّ. كلاهما كانا وحشين بقمّة المستوى الحادي عشر، وكلاهما قد أتيا حتّى يقتلا الغازي الذي يحاول السيطرة على منطقتيهما.

كانت هناك عشرات آلاف الوحوش تتبع كلّ واحد منهما، ممّا جعلهما مهيبان للغاية. لقد كانا حقّا يقودان كلّ تلك الوحوش السحريّة كأنّهما جنرالان يقودان جيشا. لم تكن هناك سلطة تقيّد هذه الوحوش السحريّة على اتّباعهما سوى الغريزة التي ملكوها. الأضعف يطيع الأقوى. كانت وحوشا فحَكمها قانون الغاب.

كان زعيم الشمال الشرقيّ في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة هو الأسد الشيطانيّ. لقد كان هذا الصنف في المستوى الخامس قديما، ولكنّه تطوّر عبر السنوات حتّى بلغ هذا المستوى. كانت قدرة الوحوش السحرية على التطور دائما موجودة، ولكنّها كانت مقموعة لسبب ما. وأتيحت لها الفرصة للتقدّم بالمستويات فقط بعدما كان سحرة العالم الواهن يحرزون تقدّما ملحوظا في بلوغ مستويات أعلى لم يسبق أن بلغها أحد.

والآن بعدما كان قد بلغ هدّام الضروس المستوى الرابع عشر بالفعل والعديد من السحرة تجاوزوا القسم الثاني من مستويات الربط، فقد سمح للوحوش السحريّة بأن تتقدّم عدّة مستويات أيضا، وبعضها كان قد بلغ مستوى مرتفعا جدّا، وخصوصا في قارّة الأصل والنهاية.

والأكثر من هذا كلّه، ازدادت قوّة هذه الوحوش السحريّة بشكل أكبر في الأيّام الأخيرة، وعندما فكّر إدريس الحكيم فيما سبّب ذلك، تيقّن أنّه نموّ باسل المفاجئ. لقد بلغ باسل مستوى حيث أصبح ممكنا تلقيبه بشبه صاعد.

ابتسم إدريس الحكيم من بعيد ثم قال: "أتساءل ما الوحش السحريّ الذي سيكون الأسرع في الاختراق للمستويات الروحيّة بعدما يبلغ الفتى باسل نقطة التحوّل ويصير صاعدا حقيقيّا. يجب أن أصنع بعض المصفوفات استعدادا لتحوّل هذا العالم السحريّ إلى عالم روحيّ."


كان الأسد الشيطانيّ وحشا سحريّا بذكاء مرتفع جدّا، وإمكانيات متقدّمة. كان جسمه يساوي ثلاثة أضعاف الأسد العادي، وكان له ذيل ثعبانيّ، فبدا هذا الذيل لوحده كأنّه وحش سحريّ بالمستوى الثالث أو الرابع، وكان له قرنان رقيقان توهّجا باللون الأحمر فجعلا طبيعته البريّة شيطانيّة أكثر. كلّ خطوة منه جعلت الأرض أسفله تلتهب كما لو أنّ حمما مرّت عليها.

كان جسده البرتقالي قاسيا، ويستطيع تحمّل كلّ أنواع الضربات. كان للأسد الشيطانيّ هيبة كبيرة بين الوحوش السحريّة. وعندما زأر، جعل المنطقة حوله بأكملها تهتزّ، وكلَّ شيء ينصاع لأمره.

وفي الجهة الأخرى، تواجد وحش سحريّ مألوف نوعا ما. لقد كان ذلك نمر البرق الذي واجه باسل وأنمار ذات مرّة عند ذهابهما إلى العاصمة أوّل مرّة. لقد كان آنذاك في المستوى الرابع فقط، ولكنّه ارتفع بالمستويات بسرعة كبيرة للغاية. حتّى أنّ باسل قد اكتشف في الأيّام الأخيرة قوّته وصُدِم بسبب ذلك. لم يكن باسل ليظنّ أنه سيقاتل هذا النمر لمرّة ثانية دون يكون هناك فرق كبير بينهما في القوّة.

كان نموّ الوحوش السحريّة إلى هذه الدرجة سريعا ومخيفا، أسرع من نموّ السحرة حتّى. ولكن ذلك كان لسبب وجيه. فهذه الوحوش السحريّة كانت تحاول الاختراق للمستويات العليا دائما ولكنّها كانت مقموعة. ولهذا عندما اختفى القمع نسبيّا اخترق العديد منها عدّة مستويات مرّة واحدة.

لمح إدريس الحكيم شيئا ما، ثم حكّ لحيته قبل أن يقول: "هذا مثير للاهتمام. سيجد الفتى باسل صعوبة غير متوقعة بالنسبة له إن اعتمد المعلومات التي جمعها في الأيّام الأخيرة."

كان باسل قد أمضى أيّاما في ذلك الكهف، متدبّرا تارة، ومتدرّبا تارة أخرى. حتّى إدريس الحكيم لم يعلم ماذا كان يفعل هناك بالضبط. وعندما أتت الوحوش السحريّة التي تربّصت بهذا المكان لأيّام حتّى تيقّنت من وجود باسل بالداخل، خرج هو إليها ثم نظر إلى حشد الوحوش السحريّة العظيم أمامه. كانت الوحوش السحريّة بمختلف المستويات.

كان هناك عشرات الوحوش السحريّة بالمستوى العاشر، وهذا لوحده كان كافيا ليجعل أيّ ساحر بهذا العالم يرتجف. ومع ذلك، كان باسل هادئا أمام هذا المنظر المهيب. لطالما كان باسل طفلا غير اعتياديّ، ولم يتأثّر بالعديد من الأشياء، فكان هناك القليل من الأشياء التي تثير اهتمامه، لذا كان يتشبّث بأيّ شيء يثير اهتمامه لأّنّه يجد فيه متعة كبيرة.


وبعدما مرّ بتدريبات جهنّميّة من طرف معلّمه، واختبر معنى الحرب الطاحنة الحقيقيّ، وواجه الموت أكثر من مرّة، لم يرتعد أبدا من هول المنظر قبالته. كان باسل واثقا من نجاته كلّيّا، فلم يزعج نفسه بالخوف أو التوتّر.

حدّق إلى الحشد أمامه، ثم ابتسم ونزل الجبلَ. كان يتصرّف بتأنٍّ طوال الوقت ولم يزعج نفسه بالتسرّع.

نظر إليه زعيما الوحوش السحريّة ثم أطلقا هالتيهما، ونيّتيْ قتلهما الشرستين تجاهه. لقد كان ضغطهما لوحده قادرا على شلّ سحرة المستوى السابع.

وقف باسل بكلّ أريحيّة في مواجهة ضغطهما، ولم يتأثّر أبدا بذلك. أخذ الخطوة الأولى، ثم اختفى عن الأنظار في التالية. وعندما حاول الزعيمان معرفة إلى أين ذهب، وجداه قد قطع عشرات الأميال بعيدا عنهما.

كان ذلك غير متوقّع على الإطلاق، حتّى لهذه الوحوش السحريّة. فبالنظر إلى تصرّفات باسل، كان واضحا أنّه واثق بنفسه وسيتشابك معها في القتال.

ابتسم إدريس الحكيم وتمتم: "خيار حكيم يا فتى. فحسب معلوماتك التي جمعتها في الأيّام الأخيرة، هذان الوحشان بالمستوى الحادي عشر، والقليل من وحوش المستوى العاشر. ولكن الآن الأمر مختلف كلّيّا. إنّهما الآن في المستوى الثاني عشر، وهناك العشرات من الوحوش بالمستوى العاشر، إضافة إلى القليل من أخرى بالمستوى الحادي عش..."

حدّق المعلّم إلى باسل بتركيز أكبر، فلاحظ شيئا، تمتم مرّة أخرى: "ذلك مثير للاهتمام حقّا. حتّى أنا لم أتوقّع هذا."


عندما علم إدريس الحكيم عن شيء آخر، صارت تصرّفات باسل الحالية غير منطقيّة إليه أيضا، وصار غير قادر على تفسير سبب هربه ذاك. ظنّ أنّه هرب كي ينجو بحياته، ولكنّ الأمر كان مختلفا تماما.

قطع باسل مئات الأميال، وكانت الوحوش السحريّة تتبعه باستمرار. كان يبدو كأنّه فأر قد حوصر من جميع الاتجاهات ولم يعد هناك مهرب له. زاد ذلك من انتباه إدريس الحكيم أكثر فقط. لقد لاحظ أنّ باسل لم يكن يستخدم كلّ ما يملك للهرب، وبدل ذلك كان يبقي على مسافة آمنة بينه وبين الوحوش دونَ أن تخسره. كان واضحا أنّه يجرّها لمكان ما.

أدرك إدريس الحكيم أخيرا وجهة باسل، فعبس وتمتم: "إذن هذا ما أنت مقدم عليه يا أيّها الفتى باسل، حسنا، إنّه ليس ضدّ القواعد."

تنهّد إدريس الحكيم وحدّق إلى باسل بنظرات حنونة. لقد كانت أنمار تحبّ باسل كثيرا، وكان باسل يحاول لمدّة طويلة ألّا يحبّها، فظلّا بعيدين عن بعضهما بعضا. لا أنمار شعرت بالهناء في قلبها، ولا باسل استطاع الهرب من السلسلة التي كانت تقيّده.

وبمشاهدة حالتهما هاته، لم يسع إدريس الحكيم سوى أن يتذكّر تلك المرأة، فغطّت صورتها ذهنه لمدّة حتّى نسي كلّ ما يحدث حاليا ودخل لعالم لا بثانويّ أو رئيسيّ. كان بعالم آخر تماما أنشأته ذكرياته فغُمِر بمشاعر حرّكت كيانه كلّه. حتّى أنّ صورته العجوزة قد اختفت وحلّت مكانها صورته الشابّة. كلّ ذلك بسبب تلك الذكرى عن تلك المرأة.
لقد كان شكل هذه المرأة في عقله مترسّخا، لا يمكن نسيانه أو إزالته أبدا. ارتدَتْ فستانا حريريّا بلون أزرق فاتح، فجعل بشرتها البيضاء تبدو أكثر إثارة مما هي عليه. كانت تبدو كطفلة مباركة أنعِمت بوقار عظيم. كانت بعض أجزاء رجليها تبدو واضحة عبر فستانها، ممّا زاد من سحرها.

كانت بشعر أسود طويل يصل إلى قدميها، فكان جميلا كالليل الهادئ المزيَّن بنجومه المضيئة، والتي كان وجهها الأبيض يمثّلها، فأنار المكان الذي حلّه. كان لديها قوام يزلزل الممالك والإمبراطوريات. كان صدرها ونهدها مرتفعين ومكتملين. ملكت خصرا نحيفا، وردفا ثقيلا، وساقين طويلتين أكملتا ذلك التناسق بشكل مدهش. لقد كانت أم باسل جميلة جدّا، ولكنّها نقُصت ذلك الوقار والعظمة اللذين بورِكت بهما هذه المرأة. لم يكن هناك مجال للمقارنة حتّى في الواقع. لقد كانت تلك المرأة أحد أجمل عشرة نساء بالعوالم الأربعة عشر بأكملها.


عاد إدريس الحكيم إلى رشده بعد مدّة من الوقت ثم تمتم: "هل افتقدَتْني يا ترى؟" ابتسم بتكلّف قبل أن يضيّق عينيه حزنا، متنهدّا: "أو يجب عليّ القول هل سامحَتْني أوّلا؟"

لقد كان قلب إدريس الحكيم يتقطّع عندما يتذكّر هذه المرأة. حدثت الكثير من الأشياء في حياته، ومرّ بعذابات مختلفة. بدءا من صغره والتقائه بالملك الأصليّ إلى الآن، لم يكن هناك ما هو أصعب بالنسبة إليه أكثر من المعاناة التي يواجهها قلبه بسبب تلك المرأة. لقد كانت امرأة مختلطة الدم من عرقين، فكان هناك تعقّدُ مشاكلٍ لم يكن ممكنا حلّه سوى عن طريق إراقة الدماء.

ضاقت عينا إدريس الحكيم، وكان الحزن باديا على وجهه، ولم يستطع سوى أن يأمل: "لقد مرّت مدّة طويلة منذ آخر مرّة رأيتها فيها. أتساءل إن كانت ستسمح لي برؤيتها في المرّة القادمة على الأقل ! "

عاد إدريس الحكيم إلى هذا العالم بعد مدّة، ثم حدّق إلى باسل الذي كان يتّجه نحو ذلك المكان. شغّل نظرته السامية وبصر بها آلاف الأميال بعيدا. وفي ذلك المكان، كانت تقبع أنمار بينما تتدبّر فنّها القتاليّ. كانت قد بدأت تستنبط الغصن الثالث، ولم يتبقّ لها سوى القليل على بلوغ الفرع المتوسّط.

لقد كان الفنّ القتاليّ ذو الأصل السامي شيئا سيُسقِط لعاب كبار شخصيات العوالم. فعند إكمال كل الفروع، أي عندما ينتهي الساحر أو الساحر الروحيّ من استنباط وإتقان المرحلة الأثريّة، فسيُلقَّب عندها بالساحر الروحي الأثريّ. ولا يكون ذلك مجرّد لقب من فراغ. فالساحر الروحيّ الأثري له شأن كبير بسبب قوّته المرعبة.

كان الساحر الروحيّ الأثريّ صاحب فن بأصل سامٍ مختلف تماما عن ذاك الذي بفنّ لم يبلغ السموّ. فالفنّ القتاليّ يبلغ المثاليّة عندما يبلغ السموّ. غير ذلك، يبقى فنّا بثغرات لأنّه لم يبلغ الذروة حتّى يصير مثاليّا.

والآن، كانت أنمار تتدرّب على الفنّ القتاليّ السامي سحق الخلق. لو علم أيّ شخص من العوالم الروحيّة عن هذا فسوف يسقط فكّه السفليّ من الدهشة، ويصنع بركة من لعابه. سيريد أن يحصل عليه بأيّ طريقة ممكنة.

وفي تلك الأثناء، كان باسل قد بلغ هدفه. لقد كانت وجهته هي المكان الذي حرّم إدريس الحكيم عليهما عبوره – النهر الذي يفصل الجانب الشماليّ عن الجانب الجنوبيّ. لقد كان ذلك النهر مليئا بالوحوش السحريّة البحريّة، وانتقلت عبره أنواع مختلفة من الأسماك والمخلوقات البحريّة الأخرى.

معظم هذه الأسماك كان سحريّا، وكان هناك بالطبع أسماك عادية. كان هذا النهر يقطع مئات الأميال عبر السلاسل الجبليّة الحلزونية، وبدا كتنين مائيّ يعبر الأرض بعدما قرّر التخلّي عن السماء. كان هذا النهر غنيّا بطاقة العالم ممّا جعله يحمل أنواعا شرسة من المخلوقات البحريّة.


فالأسماك لوحدها هنا كانت قادرة على تهشيم سحرة المستوى السادس ببساطة. لذا غالبا ما ابتعد سحرة هذا العالم عن هذه المنطقة، أو بالأحرى، عن مركز السلاسل الجبلية الحلزونيّة.

وقف باسل عند النهر، ثم حدّق إلى الوحوش السحريّة التي تتبعه. ولكن عندما اقترب من ذلك النهر، توقّفت تحرّكات الوحوش السحريّة بتوقّف الزعيمان فجأة، ولبثت في أماكنها دون القيام بأيّ شيء. كان من الواضح أنّ هذه الوحوش السحريّة لا تستطيع الاقتراب من هذا النهر بأريحيّة.

ابتسم باسل ثم قفز على حين غرّة وغطس إلى أعماق النهر. كان ذلك جنونا بالنسبة لأيّ شخص من هذا العالم، ولو رآه أيّ شخص فستفشل ركبتيه من الرعب. لقد كان هذا النهر يُلقّب في هذا العالم باسم معيّن – نهر ددمم التنين.

كانت هناك أسطورة تقول أنّه في وقت ما قديما، انحدر تنين سامٍ إلى هذا العالم البسيط هاربا من شيء ما. فلبث بهذه السلاسل الجبلية لآلاف السنين، منتظرا إصابته البالغة تُشفى.

وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك مثل هذه السلاسل الجبلية الحلزونيّة، ولكنّها برزت بعدما ظهر هذا التنين العظيم. قيل أنّ سقوطه ذاك سبّب زلزالا هزّ العالم الواهن لعشرة أيّام متواصلة، فبرزت هذه السلاسل الجبليّة الحلزونيّة بسبب ذلك. وبالطبع، نهر ددمم التنين كذلك.

قيل أنّ هذا النهر كان المكان الذي لبث التنين العظيم في أعماقه. وبسبب ذلك، فقد تغذى هذا النهر من دماء الوحش السامي طيلة آلاف السنين حتّى صار من أفضل ثلاث مواقع في العالم الواهن غنيّة بطاقة العالم. كانت هناك إشاعة على أنّ التنين العظيم ترك بصمة له كوريد تنين في أعماق هذا النهر.

لا يعلم احد إن كانت مثل هذه الأسطورة حقيقة أم لا، ولكن الشيء الأكيد كان هو غنى هذا النهر بالطاقة السحريّة. وبسبب ذلك، حمل في أعماقه أقوى الوحوش بهذا العالم على الإطلاق. قيل أنّه الوحش الذي يسكن في باطن هذا النهر هو أقوى وحش في العالم الواهن، وقيل أنّه لا يستطيع أن يكون أقوى من الوحوش السحريّة التي تتزعّم قارّة الأصل والنهاية.


اختفى باسل لوقت طويل، وبقيت الوحوش السحريّة تنتظر هناك بصبر. لم يتجرّأ أيّ وحش على الاقتراب أكثر من نصف ميل من البحيرة. كانت غريزة هذه الوحوش السحريّة حادة للغاية، وتجنّبت بسببها العديد من المخاطر، ولكن هذه المرّة لم يبدُ أنّها تتبع غريزتها فقط، وإنّما كان أقرب إلى تجنّبها هذه المنطقة المحرّمة لأنّها تعلم سبب ذلك.

وفي هذه الأثناء، كان باسل يستخدم فنّه القتاليّ لزيادة سرعته بداخل الماء، فانطلق كشعاع ضوء يخترق الأعماق. وصل إلى عمق حيث لم يعد هناك نور وبقي الظلام الحالك فقط. كان كلّ شيء يحيط به غير مرئيّ لعينيه.

وفجأة، أحسّ بنيّة قتل مرعبة آتية من خلفه، فأسرع بضرب عشر لكمات متتابعة دون توقّف، وفي كلّ لكمة ازدادت القوّة حتّى ولّد صدمّة داخل الماء كوّنت موجات عبرت طريقها إلى أن بلغت سطح النهر.

استخدم باسل حواسّه ثم واجه هذا المخلوق الذي لا يعلم عن شكله، ولكنّه كان قدّ مرّ بتدريبات متنوّعة من معلّمه حتّى يكون قادرا على القتال ولو بعينين مغلقتين. فلطالما كان واعيا، سيكون قادرا على القتال بنفس المردوديّة. وبالطبع، كساحر كان بإمكانه الرؤية قليلا في هذا الظلام، ولاسيما إن استخدم التعاويذ الذهنية الروحية، فسيكون قادرا على تعزيز نظره حتّى يصبح قادرا على الرؤية، ولكنّه لم يفعل ذلك واستغلّ الفرصة لشحذ حواسّه أكثر.

وبعدما قاتل باسل هذا المخلوق المجهول داخل النهر لوقت معيّن، علم عن طوله وعرضه، وعن قوّته القصوى أيضا، حتّى انّه استطاع تحديد شكله. لقد كان ذلك وحشا سحريّا بالمستوى العاشر، وبلغ طوله عشرة أمتار، وعرضه نصف طوله.

علم باسل أنّه عبارة عن حوت أعماق سحريّ، ولهذا لم يتخاذل أبدا واستخدم كلّ ما يملك من قوّة للهرب. لم يكن هدفه من الغوص عميقا هكذا هو القتال أبدا. لقد كان ذلك لتحقيق شيء آخر تماما.

لحق الحوت الضخم باسل إلى الأعماق بدون تردّد. لقد كانت هذه منطقته الخاصة، وموطنه، فلم يفكر لثانية قبل أن يتبع فريسته التي كان متأكّدا من قدرته على هزيمتها.

قابل باسل وحوشا سحريّة أخرى في طريقه، وبمجرّد ما أن كان يعلم أنّها بالمستوى العاشر فما فوق، كان يستفزّها ويهرب مرّة أخرى. وبعد مدّة، كانت هناك العشرات من الوحوش تتبعه في كلّ مكان.


كان ينتقل من مكان إلى آخر، بينما يستفز الوحوش السحريّة أكثر فأكثر بين حين والآخر. كلّ ذلك زاد من غضب الوحوش السحريّة، وتبعته بأكبر سرعة تملكها. ومع ذلك، كان باسل يستخدم فنّه القتاليّ لمدّة طويلة الآن، لذا كان قد بلغ ذروة سرعته، ولم يكن بمقدور حتّى هاته الوحوش السحريّة المائية أن تلحقه في بيئتها الخاصة.

وبعد وقت طويل، استطاع باسل أخيرا أن يحدّد الاتجاه الذي يريد أن يأخذه. فبعدما حاول كثيرا، لاحظ أنّ الوحوش السحريّة تنقص تدريجيّا عندما كان يأخذ هذا الاتجاه، وكانت الوحوش السحريّة تنقص بشكل تصاعديّ حسب المستوى. فكلّما قطع مسافة أكبر في هذا الاتجاه، اختفى وحش بمستوى أرفع.

تأكّد تماما من أنّ المسار الذي يأخذه هو الصحيح. وبعدما تعمّق كثيرا، اختفت كلّ الوحوش السحريّة التي كانت تتبعه، ولم تشأ أن تفعل ذلك مهما استفزّها.

تعمّق لمئات الأمتار أكثر، فأحس عندها بضغط كبير. لم يسبق له أنّ شعر أبدا بمثل هذه الهالة والنيّة القاتلة من أيّ وحش سحريّ. بدون شكّ، لقد هذا الوحش القابع هناك هو أقوى وحش سحريّ سبق وواجهه.

لا عجب في عدم جرأة الوحوش السحريّة على اللحاق به. لو اقترب أيّ كائن من هذا الوحش السحريّ فسيجد نفسه ميّتا قبل أن يعلم حتّى.

ابتسم باسل في الأعماق، وحافظ على استخدام تعاويذه الذهنية الروحية باستمرار حتّى يبقى فنّه القتالي في ذروة استخدامه، ثم قطع مئات الأمتار المتبقيّة في لحظات وجيزة.

وأمام باسل، كان هناك شيء عملاق. استخدم باسل نظر الساحر وزاد من قدرة ذلك بالتعاويذ الذهنية الروحية، فأصبح قادرا على رؤية ما أمامه. كان هذا الشيء الراقد هناك يبدو كأنّه لم يتحرك لمدّة طويلة جدا، حتّى أنّ الطحالب قد نمت على جسده.


كان باسل يبعد عنه بعشرات الأمتار فقط، لذا كان قادرا على استشعار هيبة هذا الوحش المرعبة. كلّ شيء في هذا العالم كان مجرّد نمل مقارنة بهذا الكيان المدهش. حتّى أنّه بلع ريقه عندما فكّر في نسبة تحقيق مراده. هل سيستطيع النجاة وتحقيق مراده؟ أم سيقضي عليه هذا الكيان المرعب قبل ذلك؟

شدّ عزيمته، ثم تحرّك في دائرة لمدة قبل أن ينطلق نحو الوحش السحريّ بسرعة مجنونة.

بووم

اصطدمت قبضة باسل بالوحش السحريّ، فكان ذلك بمثابة *** يلكم رجلا بالغا بكامل قوته. فحتّى لو كانت مؤلمة، لم تكن قاتلة أبدا أو أمكنها ترك جرح بالغ. وبسبب ذلك، استيقظ الوحش السحريّ من سباته العميق والطويل، وبالطبع، كأيّ أحد آخر، كان غاضبا للغاية. لم يكن هناك أيّ شخص أو حيوان أو وحش سينهض بمزاج جيّد بعد إيقاظه بمثل هذه الطريقة المؤلمة.

غواااااه

صرخ الوحش السحريّ، وفتح عينيه في نفس الوقت ثم نظر إلى ما سبّب له ذلك. رأى باسل يطفو أمامه، فازداد غضبه عندما علم أنّ مخلوقا صغيرا كهذا سبّب له ذلك الألم.

أمّا باسل، فقد حدّق إلى الوحش العملاق أمامه، ثم أشار بقبضته تجاه الوحش السحريّ العملاق، وابتسم متكلّفا، ممّا جعل الوحش العملاق يهيج ويصل غضبه إلى قمّته. وفي لحظة، انطلقت هالته ثم جعلت النهر كلّه يرتجف. هربت جميع المخلوقات بهذا النهر إلى أبعد مكان يمكنها بلوغه.

وفي نفس الوقت، ضرب باسل بقبضته فوصل تأثيرها إلى الوحش السحريّ، وبالطبع، لم يكن لها أيّ تأثير جسديّ عليه، وكانت مزعجة أكثر فقط لا غير. كلّ ذلك جعل من الوحش السحري العملاق يريد التخلّص من باسل بأسرع وقت، ولكن بأبطأ طريقة.

وفي اللحظة التالية، اختفى باسل من أمام الوحش السحريّ العملاق واتّجه نحو الأعلى، نحو سطح النهر. وعندما رأى الوحش العملاق باسل يهرب بعدما أغضبه لهذه الدرجة، زاد هيجانه أكثر، ثم تبع باسل بسرعة مجنونة. وفي لحظة، وجد باسل الوحش العملاق خلفه مباشرة وفمه مفتوح على مصراعيه مستعدّا لقضم باسل.

وفي الواقع، كان باسل من تعمّد ترك الوحش العملاق يلحقه. وعندما كان أن يُعضّ، زاد من سرعته أكثر فقضم الوحش السحريّ الماء فقط، ممّا زاد من غضبه إلى درجة مخيفة. لم يعد هناك أيّ شيء يستطيع إعادته إلى رشده غير القضاء على ذلك المخلوق الدنيء الذي تجرّأ على مضايقة سباته.

قام باسل برمي بعض اللكمات في طريقه إلى الأعلى، وذلك جعل الهائج ثائرا فقط. ازدادت سرعة الوحش السحريّ بدرجة مخيفة على حين غرّة، فلاحظ باسل أنّه يستخدم سحر الماء من أجل أن يزيد من سرعته. توقّف باسل عن استفزازه أكثر وانطلق بأقصى سرعة يملكها.

قطع آلاف الأمتار، وأصبح أخيرا في الجانب المضيء من النهر.

كان إدريس الحكيم يطفو بعيدا في السماء، وعندما أحسّ بهالة الوحش السحريّ في المرّة الأولى، تفاجأ أيضا. لم يكن يظنّ أنّ هذا الوحش قد بلغ مثل ذلك المستوى في الواقع. لقد كان ذلك غير متوقّع. ظنّ أنّه سيكون في قمّة المستوى الثاني عشر على الأكثر، ولكن ذلك كان مختلفا.

شعرت الوحوش السحرية خارج النهر بما كان قادما، فبدأ العديد منها يهرب بالفعل ولم يهتم للزعيمين بعد ذلك. كان الكيان الذي يقترب أكثر إخافة من الأسد الشيطانيّ ونمر البرق بالنسبة لها.

تناقص عدد الوحوش السحريّة بكثير عمّا سبق، فانخفض من عشرات الآلاف إلى الآلاف، ومع مرور الوقت، صارت مئات فقط. وبعد مدّة أطول، لم يتبقّ سوى حوالي المائة فقط.

كان ذلك منظرا غريبا للغاية. تفرّقت جميع الوحوش السحريّة في جميع الأنحاء. كان ذلك مشابها نوعا لما حدث عندما أتى إدريس الحكيم إلى هنا أوّل مرّة وأرعب الوحوش السحريّة فجعلها تخلي المنطقة بمحيط ألف ميل.

وبعد مدّة أخرى، انطلق شيء ما من النهر، فجعل الوحوش السحريّة تزيد من حذرها بسبب رعبها. كان هذا الشيء هو باسل الذي بلغ علوّا في السماء، وبعدما نزل إلى الأرض، نظر إلى عدد الوحوش السحريّة المتبقّية ثم ابتسم وتمتم: "لقد كانت النتيجة أكبر مما كنت أتوقّع ! "

حدّق إلى الوحوش السحريّة، كما فعلت هي الأخرى تجاهه. تقدّم خطوة إلى الأمام، فجعل بذلك الوحوش السحريّة تهلع. كانت غريزتها تخبرها أنّها عبثت مع الشخص الخطأ.

وفي اللحظة التالية، انفجر النهر فجأة، وظهر مخلوق عملاق جعل الوحوش السحريّة المتبقيّة ترتجف تماما. وقبل أن يكون هناك أيّ وقت لها للهرب، كان باسل قد اتّجه نحوها بسرعة كبيرة، فتبعه المخلوق العملاق، مّما أدّى إلى التصادم بينه وبين باقي الوحوش السحريّة بسبب باسل الذي دخل بينها.

كان ذلك الوحش يشبه التمساح، ولكنّه كان مختلفا عن ذلك بكلّ تأكيد. فعندما حلّق إلى السماء، انبسط جناحاه الكبيران، واللذان بدوَا كذينك الخاصّين بالخفّاش، إلّا أنّهما كانا أكثر صلابة وضخامة؛ فبدا لوهلة كتنّين عتيق أتى من عالم سامٍ. وعندما حرّكهما، اهتزّ المكان وعصفت الأرجاء. وبزئيره، شلّ حركة الوحوش السحريّة كلّها. كانت له مخالب يمكنها اختراق كلّ ما تلمس، وجلد حرشفيّ قاسٍ لا يقدر أحد على اختراقه. اتخذ شكل التمساح، ولكنّه امتلك مواصفات تنينيّة أسطوريّة.

حتّى الأسد الشيطانيّ ونمر البرق لبثا في مكانهما غير قادرين على الهرب ولا على الهجوم. وبسبب ذلك، مرّ باسل بين الوحوش ببساطة دون أن يتعرّض للإعاقة قطّ.

حدّق إدريس الحكيم إلى الوحش السحري ثم قال باهتمام: "هذا مثير للاهتمام حقّا. يبدو أنّ هذا المكان مميّز بالفعل ! أن يكسب مثل هذه المواصفات المدهشة، يا له من تطوّر. أتساءل إن كان سيتحوّل إلى شكل أقرب إلى التنين عندما يتأصّل."

ابتسم بينما ينظر إلى باسل، وأكمل: "يبدو أنّه أغضب وحشا قد لا يستطيع التعامل معه جيّدا فيما بعد؛ فهذه السحلية حقّا مذهلة بصفاتها العادية، ولكنّها قد اكتسبت أخرى أسطوريّة. تمساح الأعماق الفولاذي. لا، سيكون التمساح التنينيّ إن تأصّل وحدث أن تحوّل بشكل كبير."

وقف باسل خلف الوحوش السحريّة، والتي كانت تقابل تمساح الأعماق الفولاذيّ في تلك الأثناء. كان الوحش العملاق غاضبا للغاية، حتّى أنّه صار غير قادر على تمييز أيّ شيء آخر سوى باسل. لذا عندما أراد أن يتّجه نحوه، حرث طريقه إليه والوحوش السحريّة التي أمامه تحت أرجله الأربعة. سحقت كلّ خطوة منه عظام الوحش الذي لقي نفسه تحت ذلك الوزن العظيم والمخالب المهيبة.

وحوش سحريّة بالمستوى العاشر كانت مجرّد حشرات أمام هذا الوحش العظيم، ولم تقدر على الحركة أمامه، ففشُلَّت وكان مصيرها السحق. حتّى أنّه شحن طاقته السحريّة، وشحذها بمخالبه، فصارت المخالب أمواجا قاطعة. كان سحره الوحش العملاق هو الماء، وعلى الأغلب، لقد كان أقوى وحش سحريّ بهذا العنصر في العالم الواهن. فقط بإدارته للماء بأرجله، كان باستطاعته تكوين أمواج وركوب بحر يستطيع السباحة فيه كما يحلى. كان هذا الوحش السحريّ يستطيع صنع حقل حيث يعيث فيه فسادا كما يشاء.


وفي تلك الأثناء، لاحظ باسل شيئا غريبا يحدث لم يسبق له وأن رآه. كانت هناك طاقة غريبة تحيط تمساح الأعماق الفولاذيّ. كان لونها أزرق فاتح، وكانت مألوفة نوعا ما. وعندما دقّق النظر، وجد أنّ هذه الهالة الزرقاء لا تحيط بالوحش العملاق في الواقع، ولكنّها تنجذب إليه. كان ذلك أمرا غريبا، وتذكّر باسل نفسه عندما تنجذب إليه طاقة العالم. لقد كان ذلك مشابها نوعا ما لحالته.

كان الوحش يتقدّم إليه بسرعة كبيرة، ولهذا لم يكن لدى باسل وقت ليحلّل به الموقف جيّدا. ففي لحظة كان تمساح الأعماق الفولاذيّ قد شقّ طريقه نحوه، وقضى على العشرات من الوحوش السحريّة بالمستوى العاشر.

اقترب الوحش العملاق من باسل، ولكنّ هذا الأخير لم يثبت في مكانه وانتظر الموت. شغّل تعاويذه الذهنيّة الروحيّة وانطلق مباشرة إلى جهة الأشد الشيطانيّ. كانت سرعة باسل مدهشة للغاية، وعندما شاهده إدريس الحكيم، ابتسم وقال: "لقد فاجأني سابقا بعدما رأيته بعد أيّام صرفها في ذلك الكهف وخرج بهذا المستوى."

شاهد المعلّم تلميذه ينطلق بخطوات خفيفة بحيث يكاد المرء لا يرى صورة القدمين عندما كان باسل يحرّكهما، ونتيجة لذلك كان يولّد قوّة دفع عظيمة. تكرّرت العمليّة في دائرة، فسُخِّرت قوّة الدفع التي تكوّنت سابقا لتزيد من سرعة الحركة، وهكذا استمرّ الأمر. وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يبلغ باسل الأشد الشيطانيّ، سُخِّرت كل قوّة الدفع التي تراكمت وانطلقت مرّة واحدة كلكمة صاحبها صوت يشابه الرعد.

بووم

كانت لكمة باسل تلك تحمل قوّته الجسديّة، والتي كانت هي نفسها تلك التي يملكها صاعد. لقد كانت قوّة جسديّة لا يستهان بها أبدا، ولوحدها كانت قادرة على سحق سحرة المستوى الثامن والتاسع. والآن بعدما أضيف لها فنّ أثري بأصل سامٍ، أصبحت قبضة باسل تساوي جبلا بثقلها.

انطلق جسد الأسد الشيطانيّ محلّقا رغما عنه واصطدم بجبل بسرعة مرعبة. وفي اللحظة التالية، أحسّ باسل بنيّة القتل القادمة من خلفه، فاستخدم فنّه القتاليّ للهرب، ولكنّه كان متأخرا خطوة، فتعرّض لقبضة التمساح العملاق بمخالبها، وبرشّاش مائيّ يستطيع اختراق معادن العالم الأقسى بسهولة. كان ذلك الرشّاش لوحده قادرا على اختراق سحرة المستوى الثامن التاسع بدروعهم السحريّة.

باام


تبع باسل الأسد الشيطانيّ وارتطم به ثم بالجبل، ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ. بل اخترق باسل والأسد الشيطانيّ معا الجبل بسبب القوّة العظيمة، حتّى التقيا بجبل آخر. كان ذلك التمساح العملاق وحشا مرعبا حقّا.

"هوهوهو." ضحك إدريس الحكيم بينما يراقب، ثم قال مستمتعا بما يحدث: "لولا كونه صار يمتلك جسد صاعد، واخترق إلى الفرع الكبير أيّ الغصن الرابع من الفنّ القتاليّ، لكان في عداد الموتى."

كان ما فاجأ معلّم باسل هو اختراق الأخير في الأيّام التي صرفها في ذلك الكهف. لقد كان ذلك استثنائيّا كثيرا، ويقترب من أن يكون غير عادل. فعلى عكس إدريس الحكيم في صغره، عبقريّة باسل لا حدود لها، وتنمو مع مرور الوقت ولا تضمحلّ.

نهض باسل بجسد مخدوش فقط، فوجد الأسد الشيطاني يشحن طاقته السحريّة كي يهاجمه. لقد كان ذلك فعلا وحشا سحريّا في المستوى الثاني عشر، ولم يكن من السهل قتله بذلك فقط.

التهب جسده وأصبحت ناره قادرة على حرق وحوش المستوى العاشر بسهولة. زئر ثم انقضّ على باسل بجسمه الصلب، وفي نفس الوقت، توهّج قرناه الأحمران، ثم فحّ ذيله الثعبانيّ قبل أن ينشطر فجأة إلى ثعبانين. انشطر الثعبانان بعد ذلك ليصبحا أربعة، وفي لحظة، تفرّق كلّ ثعبان عن الجسد الرئيسيّ ساحبا معه أسد شيطانيّ.

كانت هذه قدرة الأسد الشيطانيّ الحقيقيّة – الانشطار. أو يمكن تسميتها بالنسخ أيضا. لم يكن هناك العديد من الوحوش السحريّة التي تملك مثل هذه القدرة المدهشة، وحتّى لو امتلكها بعضها، لا تكون قوّة هذه النسخ كبيرة، لأنّ قوّة الأصليّ تنشطر أيضا بانشطاره.

ولكن الحال كان مختلفا مع الأسد الشيطانيّ. فعندما انشطر إلى أربع، نقُصَت قوّته قليلا فقط، وكان يستطيع استخدام مقدار خمس وسبعين في المائة من قوّته الأصليّة بكلّ نسخة. وبالطبع، كانت هذه القدرة محدودة الوقت ولم يكن بإمكانه استخدامها لوقت طويل، ولكنّها لطالما كانت كافية ليتغلّب على المصاعب التي تواجهه.

حدث كلّ ذلك بسرعة كبيرة، ولم يكن لدى باسل وقتا ليردّ على هذا الهجوم المباغت.


بووم بووم

صنعت الأسود الشيطانيّة الأربعة حفرة منصهرة في المكان الذي كان يقبع فيه باسل، وتصدّعت الأراضي القريبة. كان الانصهار الذي حدث بسبب قوّة النار التي دُمِجت من النسخ الأربع، وكانت التصدّعات بسبب ثقلها. لقد كانت هذه النسخ قادرة على فرم خصومها بشكل سريع وبسيط – القوّة والنار العظيمان.

وثب باسل من إحدى التصدعات، محروق الذراع، ولكنّه كان لا يزال قادرا على تحريكها. فمهما حدث، يبقى صاحب جسد صاعد. حتّى لو احترق جلده كانت عضلاته وعظامه قويّة بشكل مذهل. حدّق إلى محيطه ثم ابتسم. لقد انحرف الأمر قليلا عمّا أراده، ولكن ليس لدرجة الخروج عن المسار الذي يجب أن تأخذه الأمور.

انتظر قدوم الأسود الشيطانيّة، وفي الوقت نفسه كان تمساح الأعماق الفولاذيّ آتيا بسرعة جنونيّة، وهذه المرة كان قادما محلّقا. حرّك جناحيه فاخترق بهما الهواء، ولوهلة، بدا كأنّه اخترق الفضاء نفسه. لم يعلم أحد ما حدث حقّا، إلّا إدريس الحكيم الذي كان يشاهد من الأعلى.

حكّ إدريس الحكيم لحيته ثم قال بعدما توهّجت عيناه حماسا: "مواصفات جنونيّة. كم من قرن، لا، كم من ألفيّة احتاج حتّى يكتسب مثل هذه الصفة المرعبة ويحوّلها لقدرة؟ هذا المكان مغرٍ حقّا، ولكن أظنّني سأتركه للفتى باسل."

"عندما يتحوّل هذا العالم السحريّ إلى عالم روحيّ، سنرى ما ستصل إليه هذه السحليّة. لا، قبل ذلك، لربّما تتأصّل أكثر من مرّة عند دخولها للمستويات الروحيّة مباشرة. إن حدث ذلك، فسيجب علينا العودة إلى هنا." تابع إدريس الحكيم قتال باسل باهتمام.

لقد أصبح باسل في الفرع الكبير الآن، ولم يتبقّ له سوى ثلاث مراحل حتّى يتقن الفنّ الأثريّ بالكامل، ولكن عند الوصول إلى الغصن الرابع، يصبح فهم واستنباط الأغصان الثلاثة المتبقية صعبا للغاية. لقد كانت تلك الفروع هي الأصعب في إتقان الفنّ الأثريّ، ولم يتجاوزها سوى القليل. فبعد كلّ شيء، يواجه الشخص اختبارا من الفنّ نفسه عندما يريد الاختراق، وهناك من يجد نفسه مقتولا بالتعاويذ الذهنيّة الروحيّة.

ظهر التمساح العملاق فوق باسل مباشرة، وبدا كأنّه انتقل عبر الفضاء، فوصل في لحظة واحدة فقط. لم تكن تلك مجرّد سرعة بسيطة، ولكنّها كانت تجاوزا للفضاء نفسه، ممّا سمح له بالانتقال لمسافات عديدة في وقت قصير جدّا.


رفرف جناحيّه، ثم استنشق الهواء، ونفثه مرّة واحدة، ولكن ما خرج من فمه لم يكن نفسه ما دخل من أنفه. لقد استنشق الهواء، ولكنّه زفر قنبلة اخترقت الفضاء بسرعة، وبلغت باسل في لحظة واحدة. كانت هذه القنبلة عبارة عن كرة من عنصر الماء، مركّزة بشكل خارق. كان شكلها الكرويّ يجعلها تبدو كجوهرة زرقاء تحمل قوّة سامية.

سقطت الجوهرة الزرقاء على باسل، ولكنّ هذا الأخير كان مستعدّا تماما بالرغم من سرعة الهجوم عليه. اختفى بعدما خلّف حفرة كبيرة وراءه نتيجة لإقلاعه القويّ، وفي المقابل، وجد الأسد الشيطانيّ الذي كان يتقدّم نحوه نفسه محاصرا في الدمار الذي صنعته الجوهرة الزرقاء.

فعندما لامست الأرض، محت محيطا قطره نصف ميل، وصنعت حفرة عمقها لا يرى. لقد كان ذلك هجوما من وحش سحريّ فاق كلّ توقّعات باسل. لقد كان وحشا سحريّا بقمّة المستوى الرابع عشر. لذا جعلت واحدة من أفضل هجماته فقط هذا المكان في حالة يرثى لها.

وبسبب هذا، كان مصير النسخ الأربع الموت، إلّا أنّ النسخة الأصليّة ضحّت بالثلاثة الأخريات ونجت بروحها. ومع ذلك، لم ينجُ الأسد الشيطانيّ بجسده معافى. قُتِل ذيله الثعبان، وتحطّمت بعض عظامه. كاد يُقتل حقّا.

وفي تلك الأثناء، كان باسل قد وصل إلى نمر البرق. وبمجرّد ما بلغه، حتّى فعل له نفس ما قام به للأسد الشيطانيّ سابقا. لكمه فجعله يحلّق، ولحقه بينما يتجنّب صواعقه التي كان يطلقها بالرغم من أنّه يطير بسبب قوّة الضربة.

عبر باسل من بين الصواعق كأنّ شيئا لم يحدث، واستمرّ في الاقتراب من النمر الذي كان يطير بسرعة كبيرة، ولكنّ سرعة تحليقه كانت أبطأ من سرعة باسل الذي يلاحقه، لذا شعر بضغط رهيب قادم من باسل الذي لا يتأثر بهجماته اليائسة.

وفي وسط هذا الضيق، قرّر النمر الأبيض والمخطّط بالأسود استخدام ورقته الرابحة.

زززن


ارتجف الهواء أسفل أقدامه، وفجأة تجمّعت هالة متموّجة حولهما. انكمش نمر البرق على نفسه، وبعدما مرور لحظات وجيزة واقتراب باسل أكثر حتّى صار بينهما حوالي خمسة أمتار فقط، انبسط بسرعة فائقة وضرب بأقدامه الهواء، فطنّ وولّد صوتا يصمّ الآذان. بدا كما لو أنّه استخدم الصوت كوسيلة يغيّر بها مساره الذي لم يكن لديه تحكّم فيه.

بووم

عُكِس مسار نمر البرق مباشرة بعد ذلك بسبب القوّة الهائلة التي أنتجها بفرقعته الهواء، وفوق ذلك، كان يحلّق بسرعة هائلة تجاه باسل. شحن بعد ذلك طاقته السحريّة، وامتدّ البرق على جسده، فبدا كنمر سامٍ يمكنه تحدّي التنانين الأسطوريّة. كانت تلك صورة وهمية فقط، ولكنّها لم تكن خاطئة كلّيّا. في المستقبل البعيد، قد يتطوّر أحد نمور البرق هذه بعدما يتأصّل إلى الأصل الحقيقيّ ويصبح ساميا.

بعدما أصبح نمر البرق اسما على مسمّى، التفّ حوله نفس الهالة المتموّجة السابقة، وبعدما قطعه متران بسرعته الخارقة فقط، كان قد أصبح ينطلق بسرعة الصوت، وثقب الهواء صانعا ضجّة كبيرة كالرعد.

ابتسم إدريس الحكيم من الأعلى البعيد، وتمتم: "أفضل هجوم لدى نمر البرق. نمر الصاعقة الرعدية. يبدو أنّنا سنشهد تحوّلَ عالم سحريّ إلى عالم روحيّ ممتع. لم يسبق لي أن رأيت ذلك، لذا سيكون هذا محمِّسا حتّى بالنسبة لي. العالم الواهن، هاه. سنرى بشأن ذلك."

كانت الخمسة أمتار مسافة قصيرة جدا، ولكن بسرعة باسل ونمر البرق، كانت عندها لا شيء تماما. ومع ذلك، في تلك اللحظة فقط تحوّل نمر البرق إلى هذا الطور المرعب وأصبح نمر الصاعقة الرعديّة. ومن هذه المسافة، لم يكن ممكنا لباسل المراوغة قطّ.

كان من الواضح من كلّ القوّة التي وضعها نمر البرق في هذا الهجوم أنّه علم أنّه ليس بأهل لباسل من ناحية القوّة الجسدية، وأنّ هجماته السحريّة لوحدها غير كافية، لذا دمجهما معا مع استخدام قدرته التي خوّلته استخدام الصوت، فجعل من نفسه بقوّة جسديّة وسحريّة مرعبتين.

انطلقت التعاويذ الذهنية الروحية من بحر روح باسل والتفّت حول جسده. لقد كان هو الاستخدام الفعليّ للتعاويذ بتسخيرها كدرع جسديّ يدعّم قدرة الجسم الهجوميّة والدفاعيّة. لقد كانت هذه التعاويذ عبارة أحكام تطبّق قواعدها على الوجود لتغيّرها طبقا لإرادة مستخدمها، ولكنّها لوحدها كانت عبارة عن كلمات رونية عتيقة، لا يعلم أحد عن ماهيتها حتّى يحلّ ألغازها.

كان سموّ هذه التعاويذ بلا نقاش، وكانت هيبتها تعطي شعورا بالنقص والخوف. كانت تكسب الاحترام بجدارة، وتجعل كلّ من رآها يبجّلها. لقد كانت هذه التعاويذ سامية للغاية، وأوضحت مدى عظمة صانعها. أيّ أحد قادر على صنع مثل هذا الفنّ السامي سيكون فاق السموّ بلا شك. لقد كانت تلك التعاويذ إحدى قمم المعرفة والحكمة التي بلغها البشر يوما.

تحوّلت التعاويذ إلى درع فضّيّ أحاط بباسل، وجعلته حصينا ضدّ كلّ الصدمات. وبالطبع، لم يكن جعلها درعا جسديّا ممكنا هكذا قبل أن يبلغ مستخدمها الفرع الكبير على الأقل. فعند ذلك المستوى يصير لديه فهم أعمق وتحكّم أكبر بالتعاويذ حتّى يستطيع تسخير هذه القدرة.


بووم تشش

صدى صوت التقاء الاثنان لأميال، وهزّ الجبال المحيطة. كان هجوم نمر البرق مدهشا للغاية، لكنّ باسل استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ بذروته إضافة لتعاويذه الذهنيّة الروحيّة بشكل مباشر. كانت النتيجة متعادلة لوقت، واستمّرت صاعقات ورعد نمر البرق في محاولة اختراق جسد باسل، إلّا أنّه كان قاسيا لوحده فما بالك بعدما حُصِّن بالتعاويذ. كان جسم باسل في هذه الحالة يشبه قطعة ألماس أثريّة لا يمكن لشيء خدشها حتّى.

باام

انتهى الضجيج أخيرا بعدما أرسِل نمر البرق محلّقا إلى الأفق بسبب لكمة باسل الخارقة، وهدم جبلا بعدما اصطدم به، ثمّ سقط على الأرض ميّتا فورا.

وفجأة، حلّق تمساح الأعماق الفولاذيّ تجاه جثّة نمر البرق بسرعة كبيرة وبدا مستميتا. كما لو كان يحاول بلوغ شيء ما قبل فوات الأوان. جعل تصرّفه ذاك باسل مذهولا، ولم يعلم ما الذي يفعله هذا الوحش العملاق. لقد كان غاضبا كلّ هذا الوقت، ولكنّه نسي باسل كما لو لم يهتم به أصلا.

لاحظ باسل شيئا بعدما اقترب التمساح من جثّة النمر؛ كان يحدث نفس الشيء مرّة أخرى؛ كانت هناك طاقة غريبة تنجذب إلى جسمه. وبعدما دقّق باسل النظر أكثر، لاحظ أنّ هذه الطاقة تتجمّع في صدر الوحش العملاق قبل أن تُشفط بسلاسة.


ابتسم إدريس الحكيم بعدما نظر إلى باسل المندهش، ثمّ قال مستمتعا: "لم أخبره عن هذا عمدا حتّى يراه بنفسه. لقد أصبح شبه صاعد على نحو غير اعتياديّ، وبدأ يقترب من رؤية العالم على حقيقته الأصليّة."

كان ذلك منظرا غريبا، وممتعا في نفس الوقت. كان ذلك شيئا جديدا اكتشفه باسل في هذا العالم، وكان مذهلا حقّا. كان لا يزال لا يعلم ما يحدث حقّا، لكنّه كان متأكّدا من شيء واحد – تنجذب تلك الطاقة الغريبة إلى تمساح الأعماق الفولاذيّ من جثت الوحوش السحريّة بعدما تموت.

التفت إلى جهة الأسد الشيطانيّ الذي كان يهرب في الأفق بعدما تخلّص من التمساح العملاق. كان باسل يلهث في تلك اللحظات من التعب. لقد استخدم فنّه القتالي لمدّة طويلة، وكان هذا لا بأس به طالما لم يستخدم الطاقة السحريّة في نفس الوقت لمدّة طويلة كي لا تُستنزف، ولكن بعدما استخدم التعاويذ الذهنيّة الروحيّة مباشرة استنزف كلّ ما تبقّى له من طاقة تقريبا. كان ذلك الدرع مكلّفا بشكل مدهش.

لحق الأسدَ الشيطانيَّ الذي ضعُفَت حالته بسبب هجوم الوحش العملاق السابق، واستخدم كلّ ما تبقّى من طاقة. عصر نفسه وقطّر كلّ ما يملك، ثمّ استخدمه مرّة واحدة في الهجوم التالي.

زباام

قطع باسل الهواء كما فعل للأسد الشيطانيّ الذي لم يجد فرصة ليردّ على ذلك، ومباشرة بعدها استُنزِف باسل تماما، فشدّ رحاله مغادرا المكان بأسرع ما يمكن. كان هدفه الوحيد هو الابتعاد عن هذا المكان وإيجاد ملجأ مناسب بعيدا عن الوحوش السحريّة ليرتاح فيه ريثما يعود لحالته الطبيعيّة. كان باسل راضيا بما أنّه حقّق مراده، وكلّ ما بقي هو انتظار أنمار كي تلعب دورها كما اتّفق معها قبل أن يُقدِم على هذه الخطّة.

غادر دون أن يلحقه تمساح الأعماق الفولاذيّ، وكان ذلك بسبب انشغال ذلك الأخير باستهلاك الطاقة التي تأتي من جثّة نمر البرق. لقد كان هذا هو الأمر الذي ظلّ يشغل ذهن باسل عندما ذهب. بدأ يضع جميع الاحتمالات لما يمكن أن يكون سببا في حدوث مثل تلك الظاهرة. لم يكن لديه شكّ في أن معلّمه يعلم عن ذلك، لذا فهم أنّه تُرِك جاهلا عن الأمر عمدا حتّى يكتشف ذلك بنفسه.

مرّت بعض أيّام أخرى، وتماثل باسل للشفاء تدريجيّا، وكانت طاقته قد شُحِنَت من جديد. لذا أخذ دوريّة في المنطقة من أجل أن يرى ما آلت إليه الأمور بعدما كان مختبئا في كهف بعيد عن النهر لمدّة طويلة.

اقترب بحذر من المناطق المجاورة إلى نهر ددمم التنين، وأمضى وقتا طويلا في التنقّل من هنا إلى هناك قبل أن يتجرّأ على أخذ خطوة قريبة حقّا من النهر. وفي ذلك الوقت، لسبب ما، كانت كلّ الوحوش السحريّة التي يلتقي بها في هذه المنطقة تبتعد عن طريقه كما لو أنّها رأت وحشا لا يقهر. وخصوصا تلك التي يقلّ مستواها عن العاشر. كانت تبتعد لمئات الأميال كما لو أنّ حياتها تعتمد على ذلك.

كان سبب ذلك واضحا للغاية لباسل بعد التفكير لقليل من الوقت. لقد قتل زعيميْ هذا الجانب الشماليّ، لذا أصبحت له هيبة عظيمة بهذه المنطقة حسب ما خمّن. لم يعلم باسل في الأول لمَ كانت تهرب هذه الوحوش منه عندما تلتقي به؛ فهو كان مختوم الطاقة السحريّة حاليا ولم يبدُ عليه من مظهره ذلك القويّ، لكنّ الوحوش السحريّة خافت منه لسبب ما.

علم باسل أنّ السبب الوحيد الممكن لذلك هو قضاؤه على الزعيمين. لربّما هناك شيء تستطيع الوحوش السحريّة من خلاله معرفة قتله لزعيميْها. وهذا ما كان لغزا له. كان لا يزال لا يعلم السبب بالضبط.

عندما تأكّد باسل من عودة تمساح الأعماق الفولاذيّ إلى سباته بأعماق نهر ددمم التنين، ذهب ليرى ساحة المعركة ويلتقط أحجار الأصل التي بقيت هناك. ولكن على عكس ما توقّع، لم يكن هناك ولا حجر واحد على الإطلاق. كما لو أنّ شخصا ما قد أخذهم. كان ذلك مريبا جدّا لأنّ باسل علم أنّ لا أحد سيصل إلى هذه النقطة. وما كان أكثر دهشة كان أنّ جثت الوحوش السحريّة لم تختفِ حتّى بعدما اختفى حجرها.


كان هناك العديد من الأشياء الغريبة التي حدثت مؤخّرا، وكان هذا إحداها. كان حدس باسل يخبره أنّ هذا يتعلّق بالأخريات أيضا. في الواقع، لقد كان يحلّل ما حدث سابقا مع تمساح الأعماق الفولاذيّ وجمع بعض الأفكار عن ذلك. والىن ازداد أمر غامض آخر جعله يفكّر في نفس الشيء ويربط الخيوط مع بعضها.

ابتسم ثمّ أخذ خطوات بطيئة نحو النهر بينما يفكّر: "هل يمكن أنّ تمساح الأعماق هو من أخذ تلك الأحجار؟ ولكن لماذا؟ هل تعود بأيّ نفع عليه؟ لم أرَ وحشا سحريّا يقتل آخرَ ويأخذ حجره الأصليّ من قبل. ويبقى أمر انجذاب تلك الطاقة من جثت الوحوش السحريّة إليه مثيرا للدهشة نوعا ما."

"...على كلٍّ، لديّ فكرة لست متأكّدا من صحّتها بعد، ولكنّي بعدما أصبحت شبه صاعد، صرت أرى الكثير من الأشياء بشكل مختلف نوعا ما. تبدو لي السماء والأرض واضحتين أكثر بطريقة ما. كما لو أنّه كان هناك غشاء على عينيّ وبدأ ينجلي. زاد إحساسي وارتباطي بطاقة العالم بشكل ملاحظ، وتطوّرت قدرتي على رؤية جوهر الأشياء. يمكنني معرفة عدد الوحوش السحريّة التي تحيط بمحيط أكبر من الذي اعتدت أن أستشعره، وليس ذلك فقط، بل وباستطاعتي الآن استشعار قوّتهم وأبسط تحرّكاتهم."

كان باسل مذهولا ممّا يحدث معه. لقد علّمه معلّمه عن مستويات الرّبط بشكل كلّيّ، ولكنّه لم يعطِه معرفة شاملة عن المستويات الروحيّة أو مرحلة الصاعد. صحيح أنّه يعلم بعض الأشياء، لكنّه لا يعلم المهم والحاسم. ابتسم باسل وعلم أنّ هذا مجرّد اختبار آخر من معلّمه. اختبارٌ أخذ بالفعل دروسا عن كيفيّة الإجابة عنه، ولكنّه لم يكن يعرف ذلك فقط.

راقب إدريس الحكيم من بعيد ثمّ قال: "لم أكن أظنّ أنّه سيصبح شبه صاعد، لذا توقّعت أنّ اختباره في كشف ماهية هذا العالم الحقيقيّة سيكون بعد حوالي عام من الآن. إنّه اختبار مؤكّد تجاوزه بالنسبة لأيّ شخص سيخترق المستويات الروحية، وبالنسبة لشخص مثل الفتى باسل شخص قد ربط كلّ نقط الأصل وهو بالمستوى الثامن فقط وأصبح شبه صاعد فبلوغ المستويات الروحيّة أمر طبيعيّ له لا غير."

ظهر كوب فضّيّ بيد إدريس الحكيم الذي جلس، ثمّ أخرج قنّينة مليئة بمشروب ما، فملأ الكوب. كان الكوب فضّيّ اللون، وعندما سُكِب فيه هذا المشروب، صار اللون الفضّيّ لامعا ومشرقا. كان هذا المشروب شفّافا وأنقى من أفضل مياه هذا العالم حتّى، وحمل معه هالة سامية، وجعل كلّ ما لمسه يرتقي لنفس سموّه. طهّر العديد من الأشياء، وجعلها تبدو عتيقة في اللحظة التي يتّصل بها.

تنهّد إدريس الحكيم بعدما حدّق إلى الأفق ونظر إلى أنمار بنظرته السامية السياديّة، ثمّ تمتم لنفسه: "حقّا يجعلانني أتذكّر الكثير من الأشياء التي تؤرّقني." رشف المشروبَ بعد ذلك، وتركه يمرّ في عروقه، ودمه، وروحه. ترك نفسه تغرق في الذكريات، وأخذ رشفة بعد الأخرى. كان ذلك المشروب غريبا؛ لم يكن نبيذا ولا عصيرا. كان مشروبا روحيّا تطهير الروح وإزالة المشاعر السلبيّة.

عاش حوالي ألف سنة طويلة، ولكن سنينا قليلة منها كانت كافية لتجعله يتعذّب لما بقي من حياته. كان فرحا طوال الوقت ونشيطا، لكنّه لطالما كان يعلم أنّ كلّ ذلك كان من أجل قمع تلك المشاعر الجيّاشة التي تموّج روحه.

لم يكن الأمر هو عدم قدرته على طلب السماح، لكن في قبوله. فحتّى لو كان حكيم الفنون السياديّ السامي الذي يخشاه الكثير من عظماء العوالم الروحيّة، إلّا أنّه كان مجرّد شخص عادي أمامها. لقد كانت تلك المرأة تجعله يعود للأصل حقّا، وتنسيه في كلّ شيء.

تغرغرت عيناه، فاستفاق بعد ذلك مباشرة. خبّأ الكوب والقنّينة، ثمّ وقف وعاد إلى وضعه الطبيعيّ. لم يعد هناك مشاعر جيّاشة تحاول زعزعة قلبه الحكيم، ولا ذكريات تجعله يغرق في بحرها. حدّق إلى الاثنين ثمّ قال: "يبدو أن إمضائي وقتا طويلا بجوارهما قد أثّر عليّ. يجب ألّا أسمح لنفسي بالانغماس في ندمي، وإلّا فقدت مساري الروحيّ."

كان أهمّ شيء بالنسبة للساحر الروحيّ هو المسار الروحيّ. ما أن يفقده، يفقد غايته في الحياة ووجهته، فيضيع في عالم ليس به نهاية ويتعذّب لما تبقّى من عمره. كان المسار الروحيّ شيئا يحدّده الساحر الروحيّ في حياته، وكان يشمل طريقة حياتهم، والغاية التي يرشدونها.

"يوما ما، سأحلّ لغز الأربعة عشر الأعظم ! " ظهر وميض من عيني إدريس الحكيم آنذاك بينما ينظر إلى الآفاق. مع أنّه في شكله العجوز، إلّا أنّ ذلك لم يمنع سموّه من الظهور في تلك اللحظة. كان لديه عزم وحسم ليس لهما مثيل.

***

كان باسل يجلس بجانب النهر، بينما يتدبّر بكلّ هدوء هناك. كان ينتظر شيئا ما، أو للدّقة، شخصا ما. وبالطبع، كان هذا الشخص هو أنمار لا غير. كانت قد تأخّرت عن الميعاد الذي يُفترض أن تصل فيه، لكنّه لبث في مكانه مؤمنا بقدرتها على المجيء. مضى اليوم الأول، والثاني، والثالث... فمرّ أسبوع. ومع ذلك لم يتحرّك شبرا واحد.

وبينما كان ينتظر، استشعر ساحة المعركة، وتذكّر ما كان يحدث مع تمساح الأعماق الفولاذيّ. لم يستطع أن يفهم بالضّبط ما ذلك، لكنّه كوّن تخمينات وشكوكا. ومن جهة أخرى، ظلّ يحاول معرفة سرّ ابتعاد الوحوش السحرية عنه. وبعد مدّة طويلة، استنبط شيئا ما كما أحسّ به بعد ذلك وفهم ما كان يحدث حقّا. أراد أن يختبر ذلك حالا. ففتح عينيه أخيرا ونظر إلى الجهة الأخرى من النهر، فوجد أنمار هناك.

وقفت أنمار بعيدة عن النهر بمئات الأمتار، والذي بدوره كان بعرض يمتدّ لآلاف الأمتار. ولكن بعينيّ الساحر كان من السهل رؤيتها. كانت ترتدي فستانها الأسود الذي أظهر بعضا من بشرتها المغرية، وخبّأ كل المناطق المهمّة. كانت تبدو كملاك اختار الأسود لونا له، وجعله يظهر ويخفي جماله في نفس الوقت.

كانت هادئة للغاية، وحدّقت إليه بعينيها الزرقاوين. كانتا تبدوان كما لو يمكنهما جعل أيّ شخص يقع تحت تأثيرهما، ويغرق في عمقهما. كانتا تمثّلان السماء بوسعها، والبحر بعمقه. فإذا نظر إليهما أحد، سبح في عالم أزرق لا ترى آفاقه، ولا أعماقه. سيجد الشخص نفسه مسجونا في ذلك العالم بدون أيّ فرصة للعودة.

كان الشخص الذي يصبح ساحرا يكتسب أيضا وقورا وهيبة تجعله مميّزا عن الطبيعيّين. فحتّى لو لم يكن جميلا كفاية، ستغطّي هالته ومستواه السحريّ ذلك. ولن يقف الأمر عند التغطية فقط، بل سيزداد جمالا في أعين الناظرين، كما لو أنّه ينفّذ وهما عليهم. ولكن ماذا عن شخص مثل أنمار بجمال ملائكيّ؟ كان من السهل تخيّل مدى الجمال الذي ستظهر به.

وفي المقابل، وقف باسل قرب النهر بينما يحدّق إلى ذلك المنظر الرائع أمامه. لقد كان دوما يرى جمالها، لكنّه لم يعتد عليه قطّ. كان هذا هو الاختلاف بينها وبين سائر النساء في الوجود. فحتّى لو التقى بأّيّ حسناء تسقِط الملوك والأباطرة في عشقها، كان سيعتاد عليها بعد مرور وقت لأنّه آلف على رؤية الجميلات.

أخذت أنمار خطوة بعد لحظات من السكون، فتبع الخطوة ضجيج وزمجرات كانت قادمة من خلفها. وبعد وقت قصير، ظهر حشد وحوش سحريّة بلغ عددها مئات الآلاف. كان هذا الموقف مثل الذي حدث مع باسل. وبالطبع، عندما اقتربت الوحوش السحريّة من نهر ددمم التنّين توقّفت كلّها.


تقدَّم هذه الوحوش السحريّة زعيماها، وأطلقا هالتيهما تجاه أنمار بغيظ شديد. كانا غاضبين لدرجة كبيرة وأرادا تمزيقها بأسرع وقت، إلّا أنّها كانت بعيدة عن منالهما في هذه اللحظات باقترابها من النهر. لقد كانت الغريزة تحكم هذه الوحوش السحريّة، لذا لم تستطع الاقتراب من النهر.

أمّا السحرة الذين كانوا بعقل وحكمة، فكان بإمكانهم اختيار الاقتراب من الخطر ولو علموا عن عواقبه. ففي هذه الأثناء، كان تمساح الأعماق الفولاذيّ نائما، لكنّ منطقته هذه لا تجرؤ الوحوش السحريّة على الاقتراب كثيرا منها.

كان زعيما الوحوش هما الأفعى الكوبرا المجنّحة وحصان مخالب الظلام. وكانا قد بلغا المستوى الثاني عشر، لكنّهما لم يتجرّآ على الاقتراب من النهر كما حدث مع زعيميْ الجانب الشماليّ. لا وحش سحريّ قادر على قمع غريزته التي تخبره بالابتعاد عن هذا المكان.

بلغت أنمار النهر بعد ذلك، فاستخدمت فنّها القتاليّ وطفت على الهواء قليلا باهتزازات تحت قدميها. وفي الجهة الأخرى، ولّد باسل قوّة دفع في كلّ خطوة يأخذها ممّا سمح له بالطفو فوق الماء. ففي الغصن الرابع، كان للمستخدم درجة تحكّم مدهشة في قوّة الدفع، فيستطيع بخطوات الريّاح الخفيفة أن يطفو فوق الماء.

كانت خطوات الاثنان ثابتة وغير متسرّعة. أخذا وقتهما في عبور آلاف الأمتار ببطء بينما ينظران إلى بعضهما بعضا دون إزاحة نظرهما. كانت المسافة بينهما واسعة، لكنّهما كانا يشعران بالقرب كما لو أنّهما يمشيان بمحاذاة أحدهما الآخر. بل وأكثر من ذلك، شعرا أنّهما يفهمان في هاته اللحظات نفس الآخر، ولا أحد قادر على فصل ذلك الارتباط بينهما.

كلّ خطوة أخذاها جعلت ذلك الاتصال الذي بينهما أقوى، وبدّدت جزءا من الواقع الذي يحيط بهما. ففي تلك اللحظات، لم يهم شيئا آخرَ غير الشخص قبالتهما والطريق المؤدّي إليه. بدا كأنّ الوجود نفسه كان ينكسر وينهار بقَطْع الاثنان المسافة بينهما.

اختفت العوالم غير المعدودة وبقي ذلك العالم الفارغ فقط. كان عالما مظلما بالكامل، وحمل طريقا واحدا في وسطه أنشأه الاتصال بين ذينك الاثنين. كان هذا الطريق المضيء هو الشيء الوحيد الذي يهمّهما بعدهما.


كانت تلك الخطوات بطيئة، لكنّهما لم يشعرا بالوقت الذي مضى في هذا العالم الفارغ. وعندما اقتربا أخيرا من بعضهما، ولم يتبقَّ من المسافة سوى إنش حتّى يتلامس جسداهما، حدّق أحد إلى الآخر كما لو كانا ينظران إلى منظر خياليّ لم يسبق لهما أن رأوه في حياتهما. كان هذا المنظر الخياليّ جذّاب كثيرا، وليس له مثيل في ما اتّسع من الخلق.

أراد كلّ واحد منهما النظر إلى ذلك المشهد الأخّاذ طيلة حياته دون أن يرمش ولو للحظة، وأن يدوم كلّ هذا إلى الأبد حتّى ينقطع ذلك الاتصال بينهما، ويفرّقهما الموت لا غير.

كان ذلك عالما خاصّا بهما، ولا أحد يمكنه الدخول إليه أو التدخّل به. استطاعا أن يكوّنا علاقة لا يمكن فهمها من طرف ثالث، وبلغا مرحلة مدهشة من فهم أحدهما للآخر. فبدون الحاجة لقول أيّ شيء، كان كلّ شيء واضحا لهما. ومع ذلك، علم باسل أنّه يحتاج إلى نقل أفكاره على شكل كلمات. علم أنّ أنمار تحتاج إلى سماعها من فمه مباشرة.

كانا قريبين من بضعهما كثيرا، فكانت ضربات قلبيهما سريعة جدّا. كانا يحسّان بتوتّر شديد، لكنّهما لم يريدا أن يزيحا نظريهما. ولكن عندما أراد باسل أن يفكّر في كلمات تفسّر مشاعره الحالية، لم يستطِع تكوين جملة واحدة. كان المرأى أمامه ساحرا أكثر ممّا تخيّل، فبلغ به الأمر أن ينسى كلّ كلمة يفكّر بها مباشرة.

لم تنفعه ذاكرته القويّة، ولا مهارته في الكلام. كل شيء يجيده أصبح عديم الفائدة أمام أنمار في هذا العالم الفارغ. كما لو أنّ أفكاره كانت تتبدّد في اللحظة التي تتكوّن فيها، وكلّ ما كان يتبقّى هو المشاعر التي لم يتوقّف إنتاجها بسبب تحديقه إلى الفتاة التي أمامه. جعله هذا يُجنّ ولم يعلم ماذا يفعل.

وفي الجهة الأخرى، لاحظت أنمار تصرّفاته تلك وابتسمت. ومباشرة بعد ذلك، جعلت المنظر الخرافيّ مضاعَف التأثير. ولكن لم تكن على عجل، فصبرت هناك حتّى يجدَ الفتى أمامها حلّا. لقد كان باسل في تلك اللحظات يبدو كفتى بريء حقّا.

أمضى وقتا في التململ، ولكنّه لم ينجح في تكوين كلمات مناسبة قطّ. وفجأة، بدا كما لو أنّه أدرك شيئا أخيرا. لقد كانت هناك كلمة واحدة لم تختفِ كما فعلت باقي الكلمات عندما فكّر بها. أدرك أنّه لم يحتج لقول جمل ولا شعر. ففي هذا العالم الفارغ الذي جعلهما متّصلين بالفعل، لم يكن لكلّ ذلك معنى. كلّ ما كان عليه فعله هو قول كلمة واحدة فقط.


ابتسم هو الآخر، فجعل أنمار تتأثّر بذلك، فأصبحت متوتّرة كذلك وكادت تزيح نظرها عنه. كان وجهاهما محمرّين، لكنّهما أبعدا خجلهما وأكملا النظر إلى بعضهما بعضا.

اقترب باسل منها حتّى اختفت المسافة التي بينهما كلّيّا، وتلامس جسداهما كما لو كانا سيعانقان بعضهما بعضا. ثمّ قرّب فمه إلى أذنها، وقال تلك الكلمة الواحدة. لقد كانت كلمة سحريّة يمكنها أن تصف كلّ ما احتاج لقوله. كانت هذه الكلمة كافية أيضا لأنمار حتّى تسعد كفاية.

بدا كما لو أنّ أنمار هي الوحيدة التي كانت قادرة على سماع هذه الكلمة في هذا العالم الفارغ.

انحنى جسدها، فاتّكأت عليه كما لو أنّها شعرت بالانهيار، وسقطت دمعة من عينها، فهزّت ذلك العالم الفارغ. فحتّى الآن، لم يسبق لها أن سمعته يقول لها هذه الكلمة قطّ. لقد كانت كلمة سحريّة حقّا.

اختفى العالم الفارغ بعد ذلك الاهتزاز، وعاد الاثنان إلى الواقع. كان الأمر كما لو أنّهما انتقلا لعالم آخر حقّا وعادا للتوّ. نظر باسل إلى حشد الوحوش السحريّة فلاحظ أنّ ذينك الزعيمين لن يستسلما حتّى يفترسا أنمار.

اختفى أثر الدمعة من عين أنمار، فرفعت رأسها لتنظر إلى باسل، ثمّ وجدته يحدّق إليها بالفعل. لقد كان بينهما سكون ونوع من الاتصال قبلا، إضافة إلى كونها كانت تنتظره أن يقول لها ما أرادت سماعه، لذا كانت تستطيع أن تحدّق إلى عينيه مباشرة. ولكن الآن بعدما سمعت الكلمة السحريّة، كان من الصعب عليها الحفاظ على هدوئها بينما تنظر إلى عينيه.

لقد كانت عيناه الحمراوان مثل شمسين تنيران رؤيتها، لكنّهما كانا مشعيّن كثيرا ولم تتحمّل النظر إليهما مباشرة. كل ما أمكنها فعله في تلك اللحظة هو النظر إلى الأسفل بوجه محمرّ من الخجل. فعندما نظرت إلى باسل، بدا لها يتألّق أكثر من أيّ وقت مضى. كان مفعول الكلمة السحريّة أقوى ممّا اعتقدا.


ابتسم باسل بعدما شهد ردّة فعلها تلك، وتسارعت ضربات قلبه نوعا ما. لقد كان ذلك تصرّفا نادرا من أنمار الجرّيئة تجاهه. كان ذلك ظريفا وجذّابا بصورة لا توصف، فشعر بسعادة غامرة في هذه اللحظات. لم يعلم إن كان السبب في ذلك هو تصرّفاتها الخجولة الحالية، أم لأنّه واجه نفسه أخيرا وصارحها.

هدأت الأمور بينهما بعد مدّة، فنظرت أنمار إلى حشد الوحوش السحريّة وعبست: "الأفعى الكوبرا المجنّحة وحصان مخالب الظلام. لقد مررت بوقت عصيب حتّى استطعت استفزازهما كي يحشدا كلّ هذه الوحوش ويتبعاني. فقبل أن أصل لهما اضررت إلى مقاتلة وحوش بالمستوى العاشر والحادي عشر، ثمّ الاختباء باستمرار قبل أن أبلغهما أخيرا. صرفت أيّاما في التعافي لذا تأخرت عنك."

حدّق باسل إلى حشد الوحوش السحريّة، وبالأخص نحو الزعيمين. لقد كانا حانقين بشكل لا يوصف. حتّى هو لم يستطِع جعل زعيميْ الجانب الشمالي يصلان لهذه الدرجة من الغيظ. نظر إلى أنمار التي تتّكئ على جسده ثمّ ابتسم. لقد كانت دائما ماهرة في الخداع. من يعلم ما الذي فعلته لهاته الوحوش التي تتبع غريزتها حتّى تصير هكذا؟

كانت أنمار تشعر براحة كبيرة على صدر باسل. شعرت بالأمان، ولم يهم إن كانا في خطر يحدّق بهما من جميع الزوايا طالما كانا معا. مرّرت يدها على جذعه العلويّ بينما تتحسّس نضوجه. لقد كان بعمر الخامسة عشر فقط مع أنّ هذا عمر البلوغ والرشد في هذا العالم إلّا أنّه امتلك جسدا قويّا لا يملكه رجل في هذا العالم الواهن. شعرت بنبض قلبه متسارع الضربات، وأحسّت بقوّته الغامرة، فتركت نفسها تغرق في بحر العاطفة ذاك دون أن تخاف من الاختناق.

كانت عينا باسل لا تستطيعان النظر بعيدا عن أنمار لمدّة طويلة. فبسرعة وجد نفسه ينظر إلى شعرها الأشقر الذهبيّ الطويل، بينما تنزلق منه نظرات إلى جسدها المغري. لا رجل كان قادرا على مقاومة هذا الإغراء بسهولة، فما بالك بباسل الذي كان في تلك الحالة.

وفجأة، طرأت في باله فكرة وتطلّع إلى الآفاق كما لو كان يحاول إيجاد شيء ما. كان يريد أن يرى إن كان معلّمهما ينظر إليهما من مكان ما، لكنّه لم يجده مهما حاول بنظرات السحر. تنهّد بعد ذلك وتمتم لنفسه: "حقّا المعلّم... هل يمكن أنّ الغاية من هذا الاختبار لم تكن في الواقع الإخضاع فحسب...؟ حقّا الأفضل."


وفي هذه اللحظات، كان إدريس الحكيم يراقب عن بعد بنظراته السامية السياديّة، فضحك دون أن يستطيع المقاومة: "هوهوهو... يبدو أنّه أدرك. لا أريد أن أراك أيّها الفتى تقوم بخطأ مشابه لخطئي."

لقد كان إدريس الحكيم يعلم مدى صعوبة المسار الروحيّ، والذي احتاج إلى عقل وقلب سليم. فمهما بلغ الساحر من مستويات خياليّة، سيجد نفسه عرضة للانهيار الداخليّ يوما ما إن لم يحمل عقلا وزينا وقلبا رصينا. كان يعلم تمام العلم عن أمثلة من ذلك، وخصوصا صاحب أسطورة جون النهاية.

نظر المعلّم إلى تلميذيه وعبس: "العب بالنار كما تشاء، ولكن احرص على البقاء في الضيّاء، ففي الظلام يوجد فقط وباء بلا شفاء." تنهّد إدريس الحكيم بعدما ردّد المقولة الشهيرة في العوالم الروحيّة. لم يشأ أن يرى هذين الاثنان يقعان في نفس الموقف الذي هو فيه.

استمتع باسل وأنمار بهذه اللحظات وقدّراها.

سألت أنمار بعدما شرحت له سبب تأخّرها: "إذن ما الذي سنفعله الآن؟"

حملق باسل إلى الحشد البعيد، وأجاب باسترخاء. لقد كانت نبرته تجاه أنمار أكثر حنانا: "لا قلق. كنت أودّ فعل نفس ما قمت به في حالتي، لكنّ الأمور تغيّرت نوعا ما بعد قتلي الزعيمين. لذا أريد تجربة شيء ما." وبذلك، رفع ذراعه فأحكم قبضته.

لم يطرأ أيّ تغيّر ملاحظ لأنمار على باسل. فهو لم يحاول استخدام نيّة قتله أو هالته أو فنّه القتاليّ الأثريّ لقمع الوحوش السحريّة أو ما شابه، لذا وجدت تصرّفاته غريبة ولم تعلم ما الذي يحاول تجربته.

ولكن، لم تمر سوى لحظات وجيزة، وإذا بشيء غريب يحدث أمام عينيها فأثار دهشتها؛ على حين غرّة، ارتعدت معظم الوحوش السحريّة إن لم تكن كلّها، وفرّ العديد منها بدءا من الضعيفة وصولا إلى ذات المستوى التاسع حتّى. اتّسعت حدقتا عينيها ولم تكد تصدّق الأمر. نظرت إلى باسل مرّة أخرى فوجدته مبتسما كما لو كان يتوقّع حدوث هذا الأمر. سألته بسرعة: "م-ما الذي قمت به؟ أنا لم أشعر بأيّ طاقة تنبعث منك مهما كان نوعها."

بقي باسل محافظا على استرخائه بينما يراقب الوحوش السحريّة وردود أفعالها. كان لا يزال على وجهه نفس الابتسامة الهادئة، وأجاب مفسّرا: "بعدما قضيت على الزعيمين هنا، صارت الوحوش السحريّة تتجنّبني بطريقة غريبة. شغل هذا الأمر بالي طوال الوقت لذا كنت أحاول اكتشاف ماهيته. وأخيرا قبل وصولك بمدّة استطعت استنباط وإدراك ما يحدث حقّا."

"قد لا يمكنك فهمي حتّى ترين ذلك بنفسك، ولكن..." وفي هذه اللحظات تذكّر باسل معلّمه، وعلم لِمَ لمْ يخبره قبلا عن مثل هذا الأمر. لقد كان أمرا لا يمكن إدراكه سوى عن طريق اختباره حقّا. أكمل شرحه: "ولكن يمكنك القول أنّني بعدما قتلت ذينك الزعيمين، صارت هناك آثار روحيّة متبقيّة منهما عليّ كعلامة. وعندما ترى الوحوش السحريّة هذه العلامة تهرب طبقا لما تفرضه عليها غريزتها. يمكنك القول أنّه نفس الشيء بالنسبة لعدم اقترابها من نهر ددمم التنين هذا."

لم تستطِع أنمار استيعاب الأمر بأكمله كونها لا تستطيع رؤية مثل هذه الآثار التي يتكلم عنها باسل. سألت بعد ذلك مرّة ثانية: "أيّ آثار روحيّة متبقيّة؟ أين هي؟"

ربّت باسل على رأس أنمار بلطف بينما يداعب شعرها الحريريّ، ثمّ أجاب: "ستعلمين عن ذلك عمّا قريب. لقد كان بإمكاني ملاحظة هذه الآثار والتحكّم في استخدامها بشكل جيّد لأنّني صرت شبه صاعد كما تعلمين. لذا أظنّك ستدركين كلّ هذا عندما تصيرين صاعدة."

أومأت أنمار إليه برأسها، وانتظرت ما سيحدث تاليا بصمت فقط. وفجأة، ودون أن تتوقّع، وجدت نفسها تطفو في الهواء، أو للدقّة، محمولة من طرف باسل كأميرة أنقِذت من بطل. أحسّت بالخجل كثيرا فاحمرّ وجهها لدرجة كبيرة وكادت تفقد حسّها السليم. وما زاد الطين بلّة كان ابتسامة باسل المسترخية وقوله: "أريد التقدّم أكثر، لكنّني لا أريد الابتعاد عنك، لذا هذا هو الحلّ الوحيد."

انكمشت أنمار وخبّأت رأسها في صدرها. يبدو أنّ دروس المعلّم كان لها مفعول بعد كلّ شيء.

استمتع باسل بتصرّفات أنمار الحالية، لذا رضي عن نتيجة استجماعه شجاعته وقيامه بهذا الأمر. وجّه نظره بعد ذلك نحو الوحوش السحريّة التي انخفض عددها بشكل مهول. لقد كان يصل إلى مئات الآلاف، لكنّه اختُزِل الآن إلى المئات أو أقل.

أخذ الخطوة الأولى إلى الأمام، ثمّ أخرى، وبمدّة زمنيّة ملاحَظة بينهما. كان يتحرّك ببطء كما لو أنّه يريد إعزاز وحفظ كلّ لحظة من هذا الوقت في ذاكرته بجميع أحاسيسه. وفي الجهة المقابلة، كان الأمر صعبا على الوحوش المتبقيّة على عكس استرخاء باسل. فكلّ خطوة منه كانت كجبل بحمل كبير يسقط عليها. كلّما قطع المسافة واقترب منها، وَزُن الحمل وأحسّت الوحوش بنفَسها ينقطع وتُستعصى قدرتها على الوقوف بشكل جيّد.

وكلّما مرّ الوقت، نقُص عدد الوحوش السحريّة التي أمكنها تحمّله. وبسرعة اختفى عدد منها بدءا من ذات المستوى العاشر، وصولا إلى ذات المستوى الحادي عشر. وبعد مدّة معيّنة، كان باسل قد بلغ نهاية النهر عرضا، ولم يبقَ له سوى خطوة أخرى على عبوره. توقف عندئذ، وحدّق إلى زعيميْ الجانب الجنوبيّ بنفس الابتسامة الهادئة التي اعتلت وجهه طوال الوقت. ففي الوقت الذي اقترب فيه إلى هذه الدرجة، لم يكن أمامه سوى الأفعى الكوبرا المجنّحة وحصان مخالب الظلام.

لقد كان ذلك رهيبا للغاية، وجعل أنمار تشعر بالهيبة القادمة من باسل بالرغم من استرخائه، لكنّ استرخاؤه هذا لم يدم عندما بلغ تلك المرحلة، وفجأة، انطلقت نيّة قتله وهالته، وبالطبع صاحبهما الضغط من فنّه القتاليّ الأثريّ.

كلّ هذه الأشياء زادت من هيبة باسل ورعبه في أعين الوحشين السحريّين. لقد استطاع الزعيمان المحافظة على رباطة جأشهما حتّى الآن، ولكن بعدما أطلق باسل ضغطه المخيف لم يستطيعا الوقوف في هذا المكان بشكل جيّد لوقت أطول. لقد كان من الواضح أنّ غريزتهما كانت تخبرهما بالهرب إلى أقصى مكان يقدران على بلوغه.

فتح باسل فمه قائلا بهدوء: "هل حقّا تريدان منّي خلع حجريْ أصلكما؟"

بدا ذلك كتهديد بسيط نوعا ما، لكنّه حمل ثقلا رهيبا وأثّر بشكل كبير في غريزة وحشيْ المستوى الثاني عشر. لم يفقها شيئا ممّا قاله باسل، لكنّ نيّته أوضحت تماما ما أراد فعله.

صهل حصان مخالب الظلام، وصاحب صهيله ذاك زئير فجعله مختلف تماما عن الصهيل العادي، وفحّت الأفعى الكوبرا المجنّحة بصوت مختلط بزمجرة، فاستدارا معا واختفيا بسرعة كبيرة. لقد كانا يقفان هنا بصعوبة حقّا.

قال باسل لأنمار بعد ذلك بابتسامة خفيفة وعينين ضيّقتين: "سنكمل رحلتنا الآن ! "

أومأت أنمار برأسها وظلّت تحدّق إلى باسل بينما يبادلها النظرات دون أن يملّ. ظهر جوّ ورديّ بينهما، وظهرت بعض الأفكار في عقلهما جعلتهما يخجلان. لقد كانا حقّا مجرّد مراهقين واقعين في حبّ بعضهما في هذه اللحظات.

"لقد نجحتما . " صدر صوت من خلفهما فجأة، فجعلهما يعودان لهذا العالم من جديد. وعندما التفتا وجدا معلّمهما مبتسما، ويغمض عينا واحدة بينما ينظر بالأخرى إلى باسل يحمل أنمار. أومأ برأسه بعد ذلك دون قول شيء.

نظر باسل وأنمار إلى بعضهما بعضا قبل أن ينزلها. فباسل لم يكن وحده الذي اكتشف أنّ كلّ هذا من صنع معلّمهما، بل أنمار كذلك. نظرَت إلى إدريس الحكيم بعينين تحملان قمّة الاحترام والتقدير. لقد كان السبب في حدوث هذا الشيء المفرح لها.

اقترب منهما إدريس الحكيم، ثم رفع يديه ووضع أحد كفّيه على جبهة باسل والآخر على جبهة أنمار، ثم قال: "فتح ! "

وفي اللحظة التالية، أحسّ كلاهما بحيويّة فائقة. شعرا باختفاء الختم المؤقّت الذي كان يقمع طاقتيهما، وبتدفّقها في مسار نقط أصلهما وبحر روحهما من جديد. كان ذلك إحساسا مألوفا، لكنّه بدا جديدا ومنعشا. لقد مرّ حوالي شهرين منذ آخر مرّة شعرا فيها بطاقة حياتهما تعود إلى العمل كما اعتادت.

كان الأمر مختلفا قليلا لباسل عن أنمار. فهو ظلّ يختبر توغّل طاقة العالم لبحر روحه عبر جسده، ولكنّه لم يكن قادرا على استخدامها لأنّ تدفّقها كان يُختَم ما أن تدخل لبحر روحه. وبالطبع، حدث هذا لمدّة وجيزة فقط. فعندما بلغ باسل الحدّ الذي يستطيع تحمّله من طاقة العالم، أوقفها عن التوغّل، وهكذا صار مثله مثل أنمار.


ابتسم إدريس الحكيم ثم استدار قائلا: "هيّا. سنكمل رحلتنا."

"حاضر ! " أجاب الاثنان في نفس الوقت، وبدآ يلاحقان معلّمهما الذي كان قد ابتعد بآلاف الأمتار في لحظات. وبالطبع، كان يبدو كما لو أنّه يأخذ نزهة فقط. وبدا كما لو كان يركب الرياح، بينما يتحرّك العالم من أجله حتّى يتقدّم إلى الأمام. فـتحت تأثير خطوات الخفيفة، صار العالم بلا وزن وكلّ سرعته سُخِّرَت من أجله. لقد كان ذلك إتقانا تامّا للفن القتاليّ الأثريّ، خطوات الريّاح الخفيفة.

***

مرّت أشهر على الحرب الشاملة، وكان العالم الواهن في سلام لم يحظَ به من قبل. ففي هذا الوقت، كانت علاقة الإمبراطوريات الثلاث وطيدة واختفت الكثير من العداءات. أصبحت التجارة بسبب ذلك سهلة، وزاد الآمان بأضعاف.

كان الإمبراطور غلاديوس حزينا لفقدانه جنراليه على يد شهاب جِرم سابقا، وندم كثيرا على اتّخاذ مثل ذلك القرار في ذلك الوقت. لو أنّه أخفض من كبريائه فقط، لكان الحال أفضل الآن. ومع ذلك، لا ندم ينفعه الآن. كلّ ما كان قادرا على فعله هو الغدو أقوى من أجل حماية إمبراطوريّته من الخطر الذي ما زال يحوم حول عالمهم، والعمل يد بيد مع الإمبراطوريتين الأخريين لتحقيق أفضل نتيجة.

ومن جهة أخرى، كانت إمبراطوريّة الأمواج الهائجة في حالة من الحزن المستمرّ على الإمبراطور شيرو. لقد مات موتة شريفة يحلم بها كلّ رجل من هذا العالم، لكنّه يبقى مات. كان عزيزا على قلوب شعبه، كما كان والدا عطوفا على أبنائه وبناته.

كانت الصدمة قويّة للغاية، وجعلت الأبناء في حالة من الفوضى لوقت طويل قبل أن تتدخّل الأميرة شيرايوكي التي كانت معتادة على البقاء مبتعدة عن مثل هذه المشاكل.

"لقد مات والدنا الفاضل موتا بطوليّا حتّى ينقِذ عالمنا، وها أولاء أبناءه يتصارعون على الشيء الذي خاف منه في حياته أن يحدث بعد موته." ظهرت الأميرة شيرايوكي وسط القاعة الرئيسيّة التي كان عرشها فارغا، وصرّحت بذلك لإخوانها وأخواتها.


كان لديها ثلاث أخوات وأربع إخوان. عبسوا كلّهم بعدما سمعوا كلامها ذاك، فتكلّم أحد إخوانها. كان هذا أخاها الثاني: "يا أختي الصغرى، فلتبقي بعيدة عن هذه المشاكل كما اعتدت. أمّا ما قلق عليه والدنا، فلا تقلقي؛ نحن نحاول تقرير الشخص المثاليّ لوراثة العرش فقط. نحن نتّبع وصيّة أبينا الفاضل في عدم القتال والتحاور من أجل إيجاد الأفضل لإمبراطوريّتنا." كانت نبرته حادّة نوعا ما، ولكن لم يبدُ كأنّه يهاجم شيرايوكي بكلامه في نفس الوقت.

تطلّعت الأميرة شيرايوكي إليه بعينيها البيضاوين كبدرين ينيران الليالي، وقالت بصوت ناعم ترقّ له القلوب: "لقد مرّت أشهر وما زلتم تتحاورون؟ أنا لا أرى ذلك. لقد كانت وصيّة أبينا واضحة تماما. 'كونوا أمواجا هائجة، لكن متّحدة'. لا يهمّني ما تعتقدون نفسكم تفعلونه حاليا، ولكن كلّ ما يبدو له هو صراعكم على ذلك العرش."

"أنت..." عبس أخوها الأوّل بسبب طريقة كلامها: "لقد بالغتِ. وفي المقام الأوّل، هذا نقاش بيننا نحن، المؤهّلون والمرشحون لاعتلاء العرش، فلا تتدخّلي فيما لا يعنيك." كانت نبرته تحمل عزما، وبدا كلامه كمثل ذلك الذي يأتي من جنرال إلى تابعه.

حدّق الأخ الثالث إليها بهدوء ولم يقل شيئا. لقد كان يعزّ أخته كثيرا، لكنّه لم يستطِع الوقوف في جانبها بعدما أهانتهم جميعا بكلماتها تلك. كل ما استطاع فعله من أجلها هو عدم الرد عليها.

ولكنّ الأمر كان مختلفا مع أخيها الرابع. لقد كان منفعلا أكثر من جميع إخوانه، وكان كموجة هائجة في تصرّفاته وكلامه: "يا شيرايوكي، يا من تخبرنا بكلّ هذا، يا أيّتها السيّدة الفاضلة، ماذا عنك أنت؟ لربّما فشلنا في تحقيق وصيّة والدنا حتّى الآن، لكنّك تجاوزت ذلك بمراحل بالفعل. من كان السبب في موت أبينا الفاضل؟ لا، بل من ضحّى بإمبراطورنا العظيم من أجل أميرة قوم آخر؟"

ظلّت الأميرة شيرايوكي مغمضة العينين طوال الوقت، لكنّها عندما سمعت هذا الكلام فتحتهما واتسعت حدقتاهما. لقد ذكر أخوها الرابع أكبر ندم لها في حياتها. فمع أنّها فعلت ذلك من أجل هذا العالم، إلّا أنّه لم يغيّر من حقيقة تفضيلها شخص آخر على أبيها. لقد كان ذلك خيارا صعبا اتّخذته آنذاك، وما زالت آثاره جديدة وحيّة.

عبس الأخ الثالث عندما سمع الأخ الرابع، لكنّه ظلّ صامتا بالرغم من كلّ هذا. لربّما كان الأخ الأصغر وقحا، لكنّه قال شيئا في الصميم. لقد ذلك يوخز قلوبهم حقّا. كيف لأختهم الصغرى التي كان يدلّلها والدهم دائما أن تتّخذ مثل ذلك الخيار؟ لقد ذلك صادما من عدّة نواحٍ.

لم تستطِع الأميرة شيرايوكي التحدّث لوقت، فتدخّلت أختها الكبرى هذه المرّة. لقد كانت الابنة البكر في الواقع، وكان لها مكانة جيّدة في إمبراطوريّة الأمواج الهائجة حتّى، إلّا أنّها حافظت على ظهور قليل ومشاركات بسيطة. كان تعبيرها في هذه اللحظات سيّئا: "لربّما كان عليك المشاركة في الحرب الشاملة قبل أن تتجرّأ على البوح بمثل هذه الكلمات يا أخي الأصغر."


"ها؟ ! " صرخ الأخ الرابع مجيبا: "كيف لك أن تقولي هذا يا أختي الكبرى؟ أنت تعلمين كلّ العلم عن مدى رغبتي في الذهاب آنذاك لمرافقة والدنا في تلك الحرب، لكنّه كان الشخص الذي لم يوافق قطّ."

حملقت الأخت الكبرى إليه، فجعلت نظراته تتّجه إلى الأسفل. لقد كانت بشخصية قويّة للغاية حقّا، وكان يبدو عليها من شكلها وأسلوبها دمها الملكيّ. كانت ملكة بطبيعتها. أغمضت عينيها وتنهّدت راثيةً لحال أخيها الصغير. أومأت برأسها لليمين ثم إلى اليسار قبل أن تصرّح: "لكنّك تبقى لم تذهب."

عبس الأخ الصغير ولم يجد شيئا ليقوله لأخته المهيمنة. فلو كان هو موجة هائجة، كانت هي طوفانا لا يستطيع تخطّيه. بدا من محادثتهم مدى تأثير هذه الأخت الكبرى في العائلة الإمبراطوريّة.

تدخّل آنذاك الأخ الأكبر. لقد كان أصغر من الأخت الكبرى بسنة فقط، لكنّه كان يملك نفوذا أكبر منها بكلّ تأكيد. وبعد كلّ هذه الشهور من ظهور الإكسيرات، كان قد بلغ قمّة المستوى السادس بالفعل وغدت له شعبيّة كبرى ممّا كانت عليه في الإمبراطوريّة.

"يا أختاه. يمكنك أن تدافعي عنها كما تشائين، لكنّها أنقذت غريبا بالتضحية بأبينا. كان يمكن معاقبتها كآثمة أبديّة، أو خائنة للإمبراطوريّة. لولا كونها أختنا الصغرى العزيزة على قلوبنا، لما كان لها مكان بيننا الآن." كان الأخ الأكبر واضحا في نيّته. لقد كان بشخصيّة ملكيّة حقّا. ظلّ حكمه مبنيا على مكانته كالأمير الأوّل وليس كأخ.

نظر الأخ الثاني إلى شيرايوكي وتنهّد. لقد أخبرها سابقا أن تبقى بعيدة عن نقاشهم مصلحةً لها فقط؛ كان يعلم أنّ الأمور ستصل إلى هذا وتصير هي في موقف سيّئ. لقد كان قاسيا في معاملته لها عمدا لأنّ نظرته للقادم كانت واضحة. لقد أعزّ أخته مثل أخيه الثالث، لكنّه كان مختلفا عنه. كان شخصا حازما ويمكنه اتّخاذ قراراته الخاصّة بعزم.

أراد أن يقول شيئا ما، لكنّ الأخت الكبرى كانت مستعدّة للإجابة عن الأمير الأوّل بالفعل. وجّهت إصبعها نحو إخوانها الأربعة، وقالت: "أنتم الأربعة." ثم أشارت إلى نفسها وثم أختيها الأخريين: "ونحن الأخوات الثلاثة. أخبرني يا أخي الأوّل، من منّا ذهب؟"


عبس الأمير الأوّل وقال: "لقد أخبرناك. لقد أمرنا أبونا الفاضل بعدم الذهاب حتّى نرتقي بالإمبراطوريّة إن حدث وتوفّى. أتقولين أنّه كان يجب علينا أن نعصي؟ فماذا نكون عندئذ؟"

رثت الأخت الكبرى مرّة أخرى لحال أخيها الأوّل. كلّ ما كان يفكّر فيه دائما هو الأوامر واتّباعها، وطريقة سير الحكم. وقفت هناك بجانب الدرج المؤدّي إلى العرش، وقالت: "كنّا لنكون بجانب أبينا عند موته. لا يهمّني موته البطوليّ بقدر ما أهمّني رؤية لحظاته الأخيرة."

رفعت يدها وأشارت بإصبعها إلى الأميرة شيرايوكي ثم قالت: "في بعض الأحيان يا أخي الأوّل، لا يجب أن تطيع أباك بشكل أعمى. فبالرغم من أنّها اتّخذت خيارا قاسيا على قلبها، إلّا أنّها كانت الشخص الوحيد الذي ذهب لمرافقة أبينا الفاضل في حربه الأخيرة. لقد سمعَتْ أوامره مثلنا، لكنّها ذهبت. لقد كانت تعلم بقيمتها عند العدوّ فاختارت أن تغامر بحياتها حتّى تضمن لنا مستقبلا. لقد كانت الشخص الذي اختار حياة شخص آخر على حياة أبينا، لكنّ ذلك كان بأمر منه.

لقد كانت أختنا الصغرى، الأميرة الرابعة، أزهر شيرايوكي هي الشخص الوحيد الذي أحبّ أبانا أكثر من أيّ أحد آخر."

تنهّدت الأخت الكبرى من جديد وأكملت: "لقد كانت بطلة في الحرب الشاملة، وبسبب تصرّفاتها أنقذت أرواحا عديدة. قد تلومونها على موت أبينا الفاضل، لكنّكم تحاولون إيجاد عذر يبرّر موقفكم لا غير. يا أخي الأوّل، أخبرني عن اختيارك لو كنت في نفس الموقف؟ هل كنت لتطيع أبانا كما فعلت أختنا الصغرى أم تعصيه؟"

عبس الأمير الأوّل بعدما سمع هذا الكلام. لقد كانت أختهم الكبرى حكيمة حقّا. كان معها حقّ في كلّ ما قالته حتّى الآن ولم يجد ما يردّ به. لقد كانت أولويّاته هي طاعة الأوامر دائما، سواء كان الآمر أو المأمور. فهل يمكنه وضع اللوم على أخته الآن لأنّها أطاعت أباها؟ أم هل يجب أن يعاقبها لأنّها عصته وتبعته إلى الحرب؟ أصبح ذهنه مشوّشا بالكامل.

لم تترك الأخت الكبرى فرصتها هذه تضيع سدى وأضافت: "يا أخي الأوّل، إنّك تصلح جنرالا، لكن ليس حاكما. أنت تعلم أنّني لا أهينك."

اتّفق معها الأمير الأوّل في الواقع. فهو لم يكن حاقدا على شيرايوكي، كان فقط ينظر إلى الموقف من جهته ولم يضع نفسه بمكانها. ظلّ يفكّر في ما كان ليختاره لو سقط في نفس موقف أخته الصغرى.

واصلت الأخت الكبرى: "وأنت يا أخي الثالث. لربّما تكون لديك بعض الأفكار في ذهنك، لكنّك لا تجرؤ أحيانا على الإقدام عليها. وتلك صفة لا يجب أن يتحلّى بها الحاكم. الحسم ضروريّ لاتّخاذ القرارات الصعبة. قد يكون بإمكانك أن تصبح اليد اليمنى وتقترح أفكارك فقط."


حدّقت بعد ذلك الأخت الكبرى إلى الأخ الأصغر، ثم تنهّدت كأنّها لا تريد الحديث عنه حتّى. لقد كان شخصا منفعلا كثيرا، لذا لم يكن من المرشّحين لاعتلاء العرش حتّى. كان هو بنفسه يعلم ذلك جيّدا.

بقي عندئذ الأخ الثاني. كان ينتظر رأي أخته عنه بفارغ الصبر. لقد كانت الأكثر حكمة بينهم وكان لكلامها عندهم شأن. وهذا كلّه بدون ذكر قوّتها. ففي الحقيقة، لقد كانت قويّة جدّا. كان ذلك واضحا بعد ملاحظة تصرّف الأخ المنفعل تجاهها.

نظرت إلى أخواتها الثلاث ثم قالت: "أخواتي كلّهن صغيرات عن الحكم، لذا دعونا لا نتحدّث عنهنّ. أمّا أنا، فلست ملائمة للحكم. كلّكم يعلم أنّني لا أحبّ التقيّد بمنصب." وبالطبع كان هذا صحيحا. فبالرغم من أنّها كانت بمكانة جيّدة في الإمبراطوريّة، إلّا أنّها شاركت في أحداث بسيطة ولم تتدخّل بالأمور الكبرى.

نظرت إلى الأمير الثاني ثم قالت: "تبقى أنت أفضل اختيار لنا يا أخي الثاني. لربّما أنت الوحيد الذي يحمل بعضا من الحكمة وعزما يليقان بحاكم."

ابتسم الأمير الثاني ثم قال: "شكرا لك أختاه على مدحك لي، لكنّني أعتقد أنّ أخي الأكبر ملائم أكثر لهذ..."

"لا ! " قاطعة الأمير الأوّل فجأة وقال: "أختنا الكبرى معها حقّ. حتّى لو كنت غبيّا، ما زلت قادرا على إدراك حدودي. سأتضامن بالاعتناء جيشنا العظيم وأريحك من هذا على الأقلّ."

تكلّم الأمير الثالث أخيرا بعد صمته الطويل: "مع أختنا الحكيمة الحقّ. لديك يا أخانا الثاني ما نملكه ولا نملكه. ولا تقلق، سنكون في جانبك دائما."

حدّق الأخ الأصغر إلى أخيه الثاني ولم يقل شيئا، وعندها وجد أخته الكبرى تحملق إليه، فاقشعرّ جسده وقال بسرعة لأخيه الثاني: "نعم، نعم. أخي الثاني هو الأكثر ملاءمة."

لقد كان يخشى أخته الكبرى حقّا. وعندما رأى الجميع تصرّفاته، لم يسعهم سوى أن يضحكوا. وخصوصا الأخ الأوّل؛ إذْ كان صوت ضحكه مرتفعا جدّا. تحرّك بعد ذلك واقترب من شيرايوكي فوضع يده على رأسها وقال: "اعذري أخاك الأكبر هذا. لم أكن فقط غبيّا كفاية لكيلا أفهم معاناتك، لكنّني أضفت إلى ذلك إلقاء اللوم عليك أيضا."

تطلّعت شيرايوكي إليه بعينيها اللتين تغرغرتا بالدموع، فجعلت قلبه يهتزّ. تململ بعد ذلك في مكانه عاجزا عن معرفة ما يجب فعله. لقد كانت تلك دموع الأخت الصغرى في العائلة، ولم يكن الأخ الأكبر يعلم كيفيّة التعامل معها.

اقتربت الأخوات منهما، فقالت الأخت الثانية: "انظر كيف جعلتها تبكي. لقد كانت أختي الكبرى محقّة بشأنك. همف ! "

ربّتت الأخت الثالثة على رأس شيرايوكي، ورمت نظرة عبوسة تجاه أخيها الأكبر. لقد كان يتململ فيما سبق، لكنّه أصبح الآن متجمّدا في مكانه. وبعدما رأوا هذا يحدث، ضحكوا عليه فكان دور الأخ الأصغر حتّى يضحك بصوت مرتفع.

اقترب جميعهم من شيرايوكي، وواسوها. تكلّمت الأخت الثالثة بينما تحاول إقاف دموع أختها الصغرى من النزول جفنيها: "أنت لم تخطئي يا أختنا الصغرى. لقد قمت بالخيار الصحيح."

نزلت الدموع من عيني شيرايوكي على يد أختها الثالثة، وعانقها الجميع. لقد كان هذا الأمر يؤرّقها حتّى الآن، وما زال سيفعل مستقبلا، ولكن على الأقلّ حظيت بفهم إخوانها وأخواتها ودعمهم لها.

مرّ وقت طويل قبل أن تتوقّف عن البكاء، وقالت بعدما مسحت دموعها: "لن أنسى أبانا أبدا ما حييت. لقد اخترت، وسأتعايش مع ذلك. لن أترك تضحية أبينا تذهب سدى أبدا."

ابتسم الجميع بينما يحدّقون إلى عينيها ذواتا احمرار بسبب البكاء. لقد كانت أختهم الصغرى بعد كلّ شيء، وبعدما تفاهموا أخيرا، ندم من أساء إليها بكلامه على ما قاله لها سابقا، واعتذروا جميعا سواء أأخطؤوا بشأنها أم لا.

نظرت إلى إخوانها وأخواتها الذين يعانقونها ثم قالت بحزم بعينيها: "كونوا أمواجا هائجة، لكن متّحدة."

ابتسم الأخ الأكبر وقال بينما يحكّ رأسه: "نعم، ذلك صحيح. لقد كدنا ننسى وصيّة أبينا الفاضل باتّهامنا لك." أمسك بعد ذلك يد أخته الصغرى، ثم أعطى يده الأخرى لتمسكها الأخت الكبرى، فوقفوا جميعا في النهاية مشكّلين دائرة بينما يمسك أحدهم يد الآخر.

تكلّموا في نفس الوقت كما لو امتلكوا نفس الروح والعقل: "سنكون أمواجا هائجة، لكن متّحدة."

في إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كانت الأجواء حماسيّة نوعا ما هذه الأيّام بشأن ذلك الخبر الذي تلقّوه. فبعد مرور أشهر على الحرب الشاملة، بدأ ينسى الناس أخيرا أحزانهم على فقدانهم أعزّائهم، وواصلوا حياتهم.

وما أثار بعض الروح فيهم من جديد وحفّزهم كان الإعلان الذي أصدرته عائلة كريمزون.

"سيصبح العالم في الأيّام القادمة مشتعلا. أنا متشوّق لرؤية الأكاديميّة الجديدة التي تبنى. قيل أنّها ستحمل أفضل المواهب في العالم على الإطلاق من جميع الأكاديميات المنتشرة في بقاعه."

"نعم، نعم. يبدو أنّها تقع في الحدود بيننا وبين إمبراطوريّة الأمواج الهائجة. لقد مرّ شهر الآن منذ أن بدأ بناؤها. يقال أنّها تبنى على أساس سحريّ غنيّ بعدد هائل من أحجار الأصل، وهذا بدون الإشارة إلى حقيقة كونها تبنى بـ'الأرض المسالمة المباركة' ودعم من سحرة بالمستوى السادس والسابع."

أصبح سحرة المستوى السادس والسابع شيئا طبيعيّا في العالم الواهن بعد مرور أشهر على الحرب الشاملة. ففي تلك الحرب، علم العالم عن القوّة العظيمة الحقيقيّة، وعرفوا أنّ هناك مستويات أخرى بعد المستوى السابع.

وبعد هذه الحرب، ساهم كلّ من الجنرال رعد والجنرال منصف، إضافة لبعض رؤساء العائلات في نشر طريقة الاختراق. لقد كانت طريقة الاختراق نفسها، لذا لم يكن هناك داعٍ لاحتكارها. وخصوصا بما أنّ العالم أصبح يحتاج إلى سحرة بالمستوى الثامن فما فوق.

أكمل الناس حواراتهم: "ليس ذلك فقط. لقد سمعت أنّ الجنرال رعد والجنرال منصف الذي اخترق إلى قسم مستويات الربط الثاني وبعض الشخصيات من تشكيل بطل البحر القرمزيّ يدعّمون أساس تلك الأكاديميّة."


صدِم بعض الأشخاص الذين لم يكونوا يعلمون بهذا: "أووه! ذلك حقّا مدهش. يبدو أنّ هذه الأكاديميّة ستصير شيئا مذهلا بالمستقبل حقّا."

تدخّل آخر في الكلام: "ولا تنسوا المدينة التي أسّسها الجنرال الأعلى. لا شكّ في أنّها ستكون مدعّمة بتقنيات مدهشة. قد أذهب وأسكن فيها. عندها سأعيش مرتاح البال طيلة حياتي."

"هاهاها. معك حقّ. لربّما سنفعل ذلك قبل أن يصبح السكن مستعصيا فيها."

كانت هناك الكثير من المواضيع التي أصبح يتحدّث عنها سكّان العالم الواهن. كانت الأجواء هكذا في جميع الإمبراطوريّات، وأينما حلّت قدم الشخص كان يسمع بلقب بطل البحر القرمزيّ. لقد أصبح أسطورة بالفعل، وكانت هناك مسرحيّات تقام بناء عليه. لعب الأطفال فيما بينهم بينما يحاكون المعركة بين باسل وهدّام الضَّروس.

كانت الإمبراطوريّات في علاقة جيّدة بينهنّ، حتّى أنّهنّ قرّرن بناء تلك الأكاديميّة التي ستتكوّن من جميع عباقرة العالم، وتصبح قوّة يمكنها مجابهة أيّ خطر مستقبليّ.

كانت هذه فكرة باسل بالطبع. كان يريد فعل هذا بعدما تصبح الإمبراطوريّات على وفاق تامّ، ويمكنهنّ أن يتضامنّ إلى هذه الدرجة. فإن لم يكن هناك تعاون كلّيّ بينهنّ، لن تنجح هذه الأكاديميّة في بلوغ الذروة أبدا.

لم يكن كافيا تدريب السحرة الصغار في جميع الأكاديميّات كلّ على حدى؛ فوجب تأسيس مثل هذه الأكاديميّة التي ستجمع كلّ النخبة. وبالطبع، هؤلاء النخبة سيأتون من جميع الأكاديميات الأخرى بعدما ينجحون في عدّة اختبارات ويصبحون مؤهّلين.

كان الأمر كالتالي: تكوين المواهب في الأكاديميّات عبر العالم، وصقلها في الأكاديميّة العظمى. كانت هذه هي الطريقة الأكثر فعّاليّة حتّى ينمو عباقرة العالم الواهن في أسرع وقت.

مرّت أيّام، فأسابيع، فأشهر، وكانت الأخبار عن بطل البحر القرمزيّ مجهولة تماما ولم يعلم أحد عن مكانه. ومع ذلك، لم تتوقّف الأحاديث عنه ولا البحث عن مكانه. أراد بعض الأشخاص اللقاء بهذا الشخص المذهل وتمضية الوقت معه. لقد كانت لحظات معه تعدّ كفرصة لا مثيل لها وحظّ يمكنه جعل الشخص الصعود إلى قمّة العالم بكلّ سهولة.


***

في أحد الأيّام، استقبلت العاصمة مدينة السيف القرمزيّ شخصيّات مهمّة من جميع بقاع العالم. لقد كانوا عائلات نبيلة بأسماء ثاقبة ونفوذ عظيم. وبالطبع كان إخوة وأخوات الأمواج الهائجة من بينهم، وكذلك الإمبراطور غلاديوس. كان زعماء قبائل الوحش النائم حاضرين أيضا.

كانت هذه المناسبة تخصّ العديد من الأشياء. فقبل مدّة، اعتلى أمير إمبراطوريّة الأمواج الهائجة العرش، إضافة إلى السبب الرئيسيّ من أجل هذا الاجتماع. ولكن مع أنّه كان اجتماعا إلّا أنّه كان أقربا إلى احتفال بالمصادقة على ذلك القانون الذي اتّفقت عليه كلّ هذه العائلات المهيمنة على العالم الواهن – إزالة العبوديّة!

كان من الصعب في الشهور قبل الحرب الشاملة أن يتمّ هذا الأمر، ولكن بعدما رأى العالم قوّة تفوق المستوى السابع بكثير، ووحّدت الإمبراطوريّات قواها من أجل الاستعداد للخطر المستقبليّ، لم يعد هناك الكثير من العائلات المعارضة وصار تقريبا جلّ المهيمنين على العالم، سواء بتجارتهم أم قوّتهم، موافقين.

أصبح هذا القانون معلوما في العالم الواهن بأكمله، وأيّ شخص كان عبدا صار حرّا من حيث لا يدري، وبالطبع أجزِي المالك من طرف سيّد المدينة. كان هناك اختيار للعبيد بأن يبقوا كخدم للمالك بينما يتلقّون أجورهم، أو يغادرون بعدما أتتهم حرّيتهم.

كان هناك العديد من العبيد اختاروا البقاء كخدم مأجورين في الواقع على الحرّيّة. لقد كانوا أصلا أشخاصا لا مال لهم ولا منزل خاصّ، لا علاقات مفيدة ولا أعمال؛ كلّ ذلك جعلهم يهابون تلك الحرّيّة التي أرادوها في وقت ما؛ كان البقاء كخدم كضمان لهم بحيث يعملون ويتلقّون أجرة. من يعلم ما الذي سيحدث لهم دون منزل وعمل؟

ولكن حتّى لو أزيلت العبوديّة، تواجد عالم الجريمة وتواصل كلّ ذلك في الخفاء، لكنّه اختفى تدريجيّا من العلن. كان ذلك بداية جيّدة حتّى يتبدّد غالب ذلك مع الوقت.

وبالطبع بعدما لم يصبحوا عبيدا، صار لهم الحقّ في الدخول إلى أكاديميّات السحر للتعلّم، والحقّ في تلقيب أنفسهم. كان ذلك شيئا مدهشا للغاية في الواقع. لم يكن ليظنّ أحد أنّ شخصا اعتاد أن يكون عبدا سيدخل أكاديميّة سحر ويكون ساحرا بعد ذلك.


كانت الأجواء حيوّية لأيّام أخرى بسبب هذا الخبر، وعمّ الفرح والسرور العالم الواهن. كانت هناك أسر كاملة قد عَبُدت، فما الذي كان أكثر فرحا لهؤلاء الناس من اكتسابهم الحرّيّة؟ كانوا عند العبوديّة أقلّ من الحيوان، والآن بعدها صاروا بشرا كما ولِدوا أخيرا.

في هذه الأيّام، ظلّت العائلات ذات النفوذ في العالم الواهن والأباطرة الثلاثة مجتمعين في قصر عائلة كريمزون. لقد كان ذلك لسبب وحيد؛ كانوا ينتظرون انتهاء بناء الأكاديميّة العظمى حتّى يقيمون احتفالا لائقا بافتتاحها.

وبعد أيّام أخرى، انتهى بناؤها أخيرا، واستعدّ الجميع للذهاب إلى هذه الأكاديميّة من أجل رؤية افتتاحها. كان الافتتاح بإشراف الأباطرة الثلاثة، لذا كانوا متوجّهين إليها بالفعل ما أن سمعوا عن اقتراب اكتمال بنائها.

ركب الأباطرة الثلاث عربة واحدة يجرّها الخيل الملكيّ، وصاحبتهم لمياء ممثّلة قبائل الوحش النائم الحالية. تحدثوا في بعض المواضيع المهمّة. ومن بينها كان باسل وأنمار. تساءل الإمبراطور غلاديوس: "يا أيها الإمبراطور أكاغي، ما الأخبار عن بطل البحر القرمزيّ؟"

قطب الكبير أكاغي ثم أجاب: "ذلك... ما زلت لا أعلم في الواقع. فآخر مرّة سمعت منه كانت قبل شهور. لا يمكنني الاتصال به."

كان إمبراطور الأمواج الهائجة، أزهر هاكوتشو، يستمع طوال الوقت دون أن يتكلّم كثيرا، لكنّ اهتمامه أثير حينما سمع اسم باسل. لقد أراد اللقاء بهذا الشخص حقّا. فبعدما سمع تلك القصص عنه من أخته الصغرى شيرايوكي، أصبح معجبا كبيرا به وأراد أن يمضي بعض الوقت معه.

تدخّل عندما لاحظ عبوس الكبير أكاغي: "يا أيّها الإمبراطور كريمزون، لقد سمعت الكثير من الأشياء عنه، وبناء عليها، فلا أظنّ أنّ هناك داعٍ لقلقك. قد يكون هناك سبب لذلك."

علم الكبير أكاغي أن الإمبراطور هاكوتشو يحاول مواساته، لذا ردّ الابتسامة وقال: "معك حقّ. لقد حدث هذا من قبل، لذا أظنّه ليس غير اعتياديّ. تُشكر أيّها الإمبراطور أزهر."

ابتسم أزهر شيرايوكي ولم يدع الموضوع عن باسل ينتهي، لذا بدأ يسأل عن الكثير من الأشياء حوله طوال الطريق إلى الأكاديميّة العظمى.


أمّا لمياء، فقد ظلّت صامتة طوال الرحلة دون أن تتحدّث بشيء. لقد كانت هادئة وحادّة في طبعها، ولم تكن كثيرة الكلام. ما لم يكن هناك شيء يخصّ قبائلها بطريقة ما أو العالم عامّة، فلن تنبس ببنت شفة.

***

كان موقع هذه الأكاديميّة قريبا من مدينة العصر الجديد في الواقع. كان بالضبط بينها وبين السلاسل الجبليّة الحلزونيّة. اختير هذا المكان من طرف باسل بعد أخذه مشورة معلّمه. لقد كان هذا المكان غنيّا بالطاقة السحريّة، وكان قريبا من ثالث أكبر منطقة محظورة، والتي سيحتاجون إلى تسيّدها ما أن يصير العالم الواهن عالما روحيّا. ستكون السلاسل الجبليّة الحلزونيّة مكانا جيّدا لتدريب التلاميذ فيما بعد.

كانت الأكاديميّة على الحدود بين الإمبراطوريتين الشعلة القرمزيّة والأمواج الهائجة. كانت هذه الحدود تملك عدّة مناطق محظورة، ومرّت عبرها بعض الأنهار لتصبح غنيّة بطاقة العالم بعد مرور عصور. كان أحد هذه الأنهار هو نهر ددمم التنين. صبّ شلّاله مثله مثل الأنهار الأخرى ببحيرة كبيرة للغاية بدت كأنّها بحر صغير.

كانت هذه البحيرة شهيرة في العالم الواهن. فلقد كانت مصبّا للعديد من الأنهار الغنيّة بطاقة العالم، وخصوصا نهر ددمم التنين. ولهذا لطالما ما كانت هدفا للسحرة حتّى يستطيعوا تنمية قوّتهم أكثر. لقد كان تمضية أسبوع بهذه البحيرة مشابها لشهر بمنطقة محظورة، ونصف سنة بمنطقة عادية.

وقعت هذه البحيرة في منطقة غريبة. لم تكن هي بنفسها منطقة محظورة، لكنّها أحيطت بعدّة مناطق محظورة من جميع الزوايا وبدت كما لو أنّها كانت محاصرة في الداخل. كانت هذه المناطق المحظورة تحمل وحوشا سحريّة مرتفعة المستوى، فلم يكن يستطيع بلوغ هذه البحيرة سوى سحرة المستوى السادس فما فوق.

ولكن في هذه الأشهر الأخيرة، صارت مكانا مرعبا وجعلت الكثير من سحرة المستوى السادس ضحايا لها. كان هؤلاء السحرة قد بلغوا المستوى السادس بعدما ظهرت الإكسيرات، لذا أرادوا الإسراع والدخول إلى تلك البحيرة من أجل الارتفاع في المستوى بشكل أسرع، لكنّهم واجهوا الموت ولم يتغلّبوا عليه.

أصبحت المناطق المحظورة التي تحاصر هذه البحيرة تحمل وحوشا سحريّة بالمستوى السابع إلى التاسع، لذا كان من الصعب على سحرة لم يخترقوا إلى قسم مستويات الربط الثاني على الأقلّ أن يتجاوزها، ووجب أن يكون هناك تعاون بينهم حتّى ينجحوا ما لم يكن هناك ساحر بفنّ قتاليّ أثريّ أو وسيلة تجعله أقوى من مستواه الفعليّ.


كان ذلك مخيبا للآمال للكثيرين، كما كان تحدّيا لآخرين. هناك من استسلم، وهناك من جعل بلوغ تلك البحيرة كهدف آخر له. فعندما يكون ساحر قادرا على الوصول إلى هذه البحيرة، سيكون قد أصبح قويّا بالفعل لأنّه سيكون ساحرا عبر تلك المناطق المحظورة المرعبة، وسيُضاف عندها إلى ذلك تدرّبه في البحيرة المدهشة.

لقِّبت هذه البحيرة بـ'بحيرة العالم المباركة المحاصَرة'. كانت نقيّة جدّا ولمعت مياهها، وتراقصت الأسماك بجميع ألوانها من أعماقها إلى سطحها. تميّزت بهدوء يجعل الروح مسالمة، ويوصل بعضا من الحكمة الطبيعيّة. كان المكوث في هذه المنطقة منيرا لعقل الساحر.

امتدّ قطر البحيرة المباركة لعشرات الأميال، وجاورها غابة كبيرة، إضافة إلى بعض الجبال والسهول. كانت منطقة يعمّها السلام، وبدت كأرض مباركة لا يمسّها شرّ. كانت هذه المنطقة تُسمّى بـ'الأرض المسالمة المباركة'؛ فمع أنّ هذه الأرض لم تكن وفيرة الطاقة بالدرجة التي كانت بها البحيرة المباركة، إلّا أنّها كانت بجودة منطقة محظورة عادية. كانت أرضا هادئة للغاية ولم يبدو عليها آثار حرب قديمة أو أيّ شيء مشابه. بدت كأنّها قطعة من الجنّة في هذا العالم الفاني.

وفي هذه الأرض المباركة، أسِّست الأكاديميّة العظمى. لقد كان ذلك خبرا صعق الكثير من الناس في الواقع. فقبل أن تصبح الإمبراطوريّات على وفاق تامّ، كان من المستحيل السماح لأيّ شخص باحتكار هذه المنطقة. ولكن بعدما تحالفن، من كان هناك ليقف في وجههنّ ويمنعهنّ من تأسيس مثل هذه الأكاديميّة؟

وفي الواقع، لم يكن احتكارها ممكنا بالنظر إلى قوّة الوحوش السحريّة في هذه المنطقة. فلو أراد قوم فعل ذلك سيضطرّ لخسارة عدد هائل من الجنود حتّى يصل آخرين إلى مرادهم. كان أقوياء العالم يجتمعون ويوحّدون قوّتهم من أجل الدخول إليها غالبا. كانت منطقة مسالمة ففرضت سلمها على كلّ شخص أراد بلوغها.

وبالطبع، كانت قبائل الوحش النائم مشاركة في هذا التأسيس. فبعد كلّ شيء، كان وكر الوحش النائم كبلاد عظيمة توصل إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بإمبراطوريّة الأمواج الهائجة. لم يكن ممكنا تركه خارج الأمر بعدما أصبحت جزءا من هذا العالم من جديد.

كان هناك العديد من السحرة خارج المناطق المحظورة المحيطة بالأرض المسالمة المباركة، وظلّوا ينتظرون وصول الشخصيّات المهمّة حتّى يقام افتتاح الأكاديميّة العظمى. لم يكن هناك أيّ شخص عادي هنا قطّ، واقتصر الأمر على السحرة من جميع المستويات. كان غير مسموح لغير السحرة بالقدوم إلى هذا الحدث في الواقع.

مرّت مدّة طويلة واجتمع مئات الآلاف من الأشخاص. كان كلّ واحد منهم متحمّسا لرؤية الأكاديميّة التي انتهى بناؤها أخيرا. أو بالأحرى، أراد غالبهم استغلال هذه الفرصة لرؤية الأرض المباركة؛ لطالما كانت مكانا أبعد ممّا يمكنهم بلوغه.

وعندما وصل الأباطرة الثلاث أخيرا، أصبح الجميع على أهبة الاستعداد لوضع قدمه داخل المناطق المحظورة من أجل العبور. لقد كان الجنرالان رعد ومنصف بقسم مستويات الربط الثاني، فكانت مرافقتهما إضافة إلى باقى تشكيل بطل البحر القرمزيّ أفضل ضمان.

نزل الأباطرة الثلاث ولمياء من العربة، فصنع الحاضرون ممرّا واسعا لهم. مع أنّ هؤلاء الأربعة لم يكونوا أقوياء بشكل جنونيّ، إلّا أنّ مكانتهم لوحدها كانت كافية لجعل الجوّ حولهم صعب التنفس فيه. لم يستطِع أحد أن يصدر صوتا فما بالك بإحداث ضجيج. كان الهدوء يعمّ المكان، لدرجة أنّه لو سعل شخص لتردّد صوته في جميع الأنحاء. وبالطبع لم يكن هناك شخص يجرؤ على السعال حتّى.

تقدّم الجنرالان رعد ومنصف بعدما كانا ينتظران وصول الأباطرة الثلاث والآخرين، ثم انحنيا وقدّما لهم التحيّة.

تكلّم الكبير أكاغي: "ارفعا رأسيكما."

استجاب الاثنان لأمره، فأكمل بعد ذلك: "هل الطريق مؤمَّن؟"

ردّ الجنرال منصف بعد ذلك: "نعم، يا جلالتك. إنّ قادة تشكيل الجنرال الأعلى يقمعون الوحوش السحريّة حتّى يكون الطريق آمنا."


ابتسم الكبير أكاغي ثم أضاف: "إذن ليس هناك وقت لنضيعه. قُودَا الطريق."

"حاضر يا جلالتك!" ردّ الاثنان والتفتا إلى جهة المناطق المحظورة.

كانت هذه المناطق المحظورة مترابطة كما لو كانت واحدة. كان هناك بضع سنتمترات تفصلهنّ عن بعضهنّ. ولكن هذا الممرّ الذي صنعته هذه السنتمترات أغلقته منطقة محظورة أخرى إمّا من الأمام أو من الوراء، ولهذا كان عبورها مستحيلا دون دخول بعضها.

تطوّر مستوى قادة التشكيل عمّا كان بكثير، لذا كان بإمكانهم كبح الوحوش السحريّة التي تتواجد هنا. فَبِاجتماعهم معا، لم يكن هناك شيء يوقفهم. كانت الوحوش السحريّة ذات المستوى الثامن والتاسع هنا سهلة التعامل معها بالنسبة لهم بما أنّ هذه الوحوش السحريّة تفرّقت في تلك المناطق المحظورة.

تبع الأباطرة الثلاث ولمياء العديد من الشخصيات المهمّة. كان من بينها أمراء وأميرات إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، ومعظم الجنرالات من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى العديد من الشخصيّات المهمّة؛ كان هذا حدث عالميّ ولم يرد أحد منهم تفويته. وأخيرا دخل جميع السحرة الذي أتوا إلى هنا.

كانت المناطق المحظورة تختلف، فكان الطريق إلى الأرض المباركة مليئا بالعديد من المناظر المدهشة. كانت هناك وحوش سحريّة تطير فوق الجبال، وأخرى تتراقص في الأنهار. كانت المناطق المحظورة كأراضٍ مباركة في الواقع لولا وجود الوحوش السحريّة.

كان الطريق مؤمّنا من الجنرالين رعد ومنصف حتّى بلغوا نقطة التقوا فيها بقادة التشكيل. كان قادة التشكيل في الواقع يقاتلون الوحوش السحريّة طول الطريق الذي أتى الجنرال رعد والآخرين، ولهذا كان خاليا من الوحوش السحريّة. وبالطبع لم يكن ذلك كافيا فأخذ الجنرالان رعد ومنصف الجبهة.

عندما التقوا بقادة التشكيل، كانوا قد بلغوا آخر منطقة محظورة قبل الدخول أخيرا إلى الأرض المباركة. لم ينتظروا كثيرا وأكملوا تحرّكهم. ولكن هذه المنطقة المحظورة لم تكن بالشيء السهل.

كان بها أربع وحوش سحريّة بالمستوى التاسع. كانت هزيمتهما ستأخذ بعض الوقت لذا استعدّ قادة التشكيل والجنرالات كلهم للدخول في معركة.


كانت المناطق المحظورة التي تحيط هذه الأرض المباركة بشكل مباشر كلّها تحتوي على ثلاث وحوش بالمستوى التاسع أو أكثر في الواقع. لذا لم يكن الأمر مهمّا من أين يدخل المرء، لأّنه سيضطرّ لمواجهة وحوش بهذا المستوى مهما كان اختياره.

لم يكن هزيمة تلك الوحوش السحريّة بالمستوى التاسع صعبا عليهم مجتمعين. لقد كانوا قوّة مدمّرة حقّا لا يمكن زعزعتها بسهولة. لم يأخذوا وقتا طويلا قبل أن يصنعوا طريقهم إلى الأرض المباركة.

وبمجرّد ما أن وضعوا أقدامهم بها حتّى شعروا بسكينة لا مثيل لها. أحسّوا أنّهم في جنّة لا صراع بها. أعطى كلّ شيء وُجِد بها شعورا بالرقيّ والسموّ. حتّى عشبها كان غنيّا بطاقة العالم، فما بالك بالجبال والسهول، إضافة إلى تلك البحيرة المباركة. لقد كانت أرضا مسالمة مباركة حقّا.

مرّوا بالجبال والسهول والغابة الكبيرة، حتّى بلغوا أخيرا مرادهم. كان هناك أمامهم مبانٍ بدت كالقصور، وتوهّجت حوائطها كما لو أنّها مصنوعة من الألماس. كان بها عدة أجنحة بدت كالقلاع، وارتفع العديد منها آلاف الأمتار إلى السماء. كان هناك جبل في المركز بُنِيَ على قمّته قصر طلّ على بقيّة العالم بهدوء وسلام، وبدا كأنّه مكان يعيش به مخلوق سامٍ.

امتدّت الأكاديميّة لعشرات الأميال، وبدت كمدينة صغيرة. كان بها كولوسيوم وعدد من المعاقل التدريبيّة. انقسمت إلى أربع مناطق كبرى اختلفت في جودة مبانيها ومصادر طاقة العالم. فمثلا، كان ذلك الجبل المركزيّ غنيّا بطاقة العالم أكثر من أيّ مكان آخر في هذه الأرض المباركة غير البحيرة المباركة. كان يمرّ بهذا الجبل العديد من الأنهار التي كانت غنيّة بطاقة العالم، لذا كان أفضل من أقرانه.

أحسّ الجميع بشعور رائع. لقد مرّوا من المناطق المحظورة وأحسّوا بغناها بطاقة العالم، لكنّها كانت خطرة وتعجّ بالوحوش السحريّة فكان الشعور بها مشؤوما نوعا ما. أمّا هذه الأرض فقد كانت مختلفة؛ كانت مسالمة وهادئة أكثر من أيّ مكان آخر. كانت الحيوانات بجميع أنواعها تعيش في هدوء هنا.

لاحظوا عندما دقّقوا النظر أنّ هناك خيل ملكيّ في العديد من الأماكن، وليس هذا فقط، كانت هناك العديد من المخلوقات التي تشبهه. كلّ هذه المخلوقات كانت كيانا بين الحيوانات والوحوش السحريّة. كانت قويّة لدرجة معيّنة، ولم تبدُ كأنّها تحمل بغضا تجاه البشر أو ما شابه عكس الوحوش السحريّة.

كان هناك أيل بقرون طويلة ومتوهّجة تبدو كمرجان مصنوع من نوع من اليشم. كان توهّجها ذاك يبعث ألوانا مختلفة من كلّ زاوية. كان هناك طيور بمختلف الأنواع، وبتحليقها خلّفت وراءها أقواس قزح برّاقة. قفزت بعض الأسماك من الأنهار وبدت كجواهر حيّة بلمعان زعانفها وتألّق حراشفها.

صعد الأباطرة ولمياء إلى قمّة الجبل المركزيّ، ثم حدّقوا إلى الأكاديميّة العظمى التي كانوا بمركزها. لقد كانت شيئا مدهشا حقّا.

تضامنت الإمبراطوريّات الثلاث ووكر الوحش النائم من أجل تغذية أساس هذه الأكاديميّة بشكل جيّد، وبنيت على أساس سحريّ بعدد هائل من أحجار الأصل، ثمّ دعِّمت من قبل سحرة كُثر بمستوى مرتفع. استغرق بناؤها كلّ هذا الوقت لهذا السبب.


وقف الأباطرة ولمياء منتظرين استمتاع السحرة بتلك المناظر المدهشة، وتحدّثوا فيما بينهم حتّى يقرّروا بعض الأشياء، واتّفقوا بعد ذلك على ترك الكبير أكاغي يتكلّف بالإعلان المهم.

وصل خبر التجمّع إلى الجميع، فذهبوا إلى أسفل الجبل المركزيّ وانتظروا الكلمة من الكبير أكاغي. كان هذا الأخير يشعر بحماس لا مثيل له، وفرحة كبيرة للغاية. من كان يعلم أنّ والعالم الواهن في وقت ما سيبلغ هذا الحال ذات يوم؟

أخرج مكبّر الصوت وتكلّم: "إنّه ليوم عظيم حقّا. أشكر كلّ من ساهم في بناء هذه الأكاديميّة العظمى، وقدّم بذلك إلى عالمنا خدمة كبيرة. من اليوم فصاعدا، ستكون هذه الأكاديميّة رمزا لاتّحادنا، وقوّة تضامننا. وبهذه القوّة، سنواجه كلّ المخاطر المستقبليّة ونحمي عالمنا من كلّ الشرور."

تنهّد هنا بعدما تذكّر باسل وأنمار. ودّ لو تواجدا هنا. أكمل بعد ذلك: "في الحرب الشاملة، تيقّنا بأنّنا مجتمعين لا نوقَف. عندما نضمّ أيدينا، يثقل وزننا، وتزدهر حضارتنا."

"لذا أنا هنا اليوم، بالنيابة عن الإمبراطوريّات الثلاث العظمى ووكر قبائل الوحش النائم، بالنيابة عن العالم، أعلن عن افتتاح 'أكاديمية الاتّحاد المباركة'!"

تحمّس الجميع وأحسّوا بنشوة مذهلة. تسارعت ضربات قلوبهم وشعروا بدمائهم الساخنة تتدفّق بسرعة كبرى بشرايينهم. لقد كانت تلك لحظة يعلن فيها العالم الواهن عن اتّحاده أخيرا من أجل ضمان مستقبل آمن. لم يكن لهذا مثيل في التاريخ قطّ.

"أكاديميّة الاتّحاد المباركة!"

ردّدوا ذلك الاسم مرارا وتكرارا، ولم يهمّ أصل الشخص في هذا المكان، لأنّهم كانوا كلّهم من العالم الواهن. لم يكن هناك شخص يستطيع إيقاف زخمهم عندما يجتمعون هكذا.

***


في مكان ليس بالبعيد جدّا عن الأرض المسالمة المباركة، قريبا من مدينة العصر الجديد، تزلزلت الأرض للحظات في منطقة محظورة وارتفع الغبار إلى الأعلى كما لو أنّه فقد وزنه، واهتزّ بشكل عنيف مع الزلزال، ثم ارتجّ الهواء، وفي اللحظة التالية، سقط الغبار كما لو أنّه صار يزن آلاف الأطنان.

بااام

سحقت الأرض بسبب هذا الغبار، وتوقّف الزلزال أخيرا. كانت تلك مجرّد لحظات، لكنّها كانت مرعبة للعين الناظرة. كان هناك بعض الأشخاص قريبين من هذا الحدث، لذا أحسّوا بالقشعريرة، ومرّت برودة عبر عظامهم كنصل من الصقيع يتخلّل جسدهم.

لم يكن ذلك مجرّد قشعريرة، لقد كان شعورا بالخوف لدرجة الموت. فشُلَت ركابهم وسقطوا على الأرض غير قادرين على الوقوف من جديد. كلّ هذا حدث أثناء ذلك الزلزال، وعندما توقّف أخيرا، لم يحدث ما كانوا يتوقّعون.

ظنّوا أنّهم سيستطيعون الوقوف ما أن ينتهي هذا الزلزال ويختفي ذلك الشعور المفزع من قلوبهم، ولكن بعدما هدأت الأمور أخيرا، تكسّر الفضاء أمام أعينهم كأنّه قطعة من الزجاج. كما لو أنّه مرآة تهشّمت لقطع صغيرة. فظهر فراغ بلون بنفسجيّ داكن في الجهة الأخرى من الفضاء المنكسر.

لقد كانوا جميعا سحرة بالمستوى الخامس، وكانوا يحاولون غزو هذه المنطقة المحظورة من أجل العثور على بعض الكنوز وجمع أحجار الأصل، لكنّهم لم يتوقّعوا أنّ شيئا كهذا سيحدث.

وبعدما حدّقوا إلى الجانب الآخر من الفضاء المنكسر، وجدوا أنفسهم غير قادرين على البقاء واعيين حتّى. أحسّوا كما لو أنّهم ينظرون إلى هاوية بدون عمق، ويأس يمكنه غمر آمال المخلوقات وجعلها تسقط في تلك الهاوية لتختفي بدون آثار. وبالطبع، لم يكن كلّ هذا بسبب نظرهم إلى الجانب الآخر من الفضاء المنكسر، وإنّما بسبب ما كان يظهر منه.

لقد كان ذلك مخلوقا يجعل باقي المخلوقات تخضع له بمجرّد وقوفها أمامه. كان يمكنه جعلهم يجنّون بفقدانهم آمالهم، وينتحرون من أهوال الأوهام التي تغزو عقولهم. كان كلّ شيء يصبح عديم القيمة والفائدة أمام هذا المخلوق.

كان كلّ هؤلاء السحرة بالمستوى الخامس، لكنّهم كانوا أقلّ من النمل أمام هذا المخلوق الذي بدا لهم كجبل شاهق مقارنة بهم. كان وزنه رهيبا للغاية وسحقهم به دون أن يحتاج لرفع إصبع حتّى. فقط بالنظر إليه، كانوا قد فقدوا الأمل في الحياة، والاهتمام بها أيضا، فارتعبوا ممّا قد يحدث لهم مستقبلا.


بووم بووم بووم

انفجر المكان مرّة تلو الأخرى كما لو أنّ هناك معركة شرسة تحدث، وتحوّلت المنطقة المحظورة في الأميال المحيطة إلى غبار.

حدثت كلّ هذه الانفجارات بشكل سريع ومفاجئ.

كان سبب هذه الانفجارات الأصليّ هو الخوف، ولكن ليس من الموت، بل من اليأس الذي أتى من ذلك المخلوق أمامهم، فلم يكن هناك خيار آخر أمامهم سوى أن ينتحروا!

كلّ السحرة بالمستوى الخامس الموجودين هنا انتحروا واحدا بعد الآخر بتفجير بحر روحهم! لقد كان ذلك جنونيّا. من سيختار الانتحار حتّى لو واجه الموت؟ كل شخص سيحاول النجاة وليس الموت عندما يهربون من الموت.

لكن وا حسرتاه، لم يكن ما واجهوه موتا، وإنما يأسا عظيما!

نطق المخلوق فجأة بينما يخرج من ذلك الفضاء البنفسجيّ الداكن، وكان صوته هادئا كثيرا، وبدا كما لو أنّه شعر بخيبة أمل نوعا ما عندما رمى كلّ أولئك السحرة بحياتهم: "ليس جيّدا، ليس جيّدا. لقد ماتوا بتلك البساطة. نسيت أن أقمع هالتي بسبب تحمّسي. ليس جيّدا، ليس جيّدا."

قبل مدّة قصيرة، كان هناك ثلاث أشخاص يتحرّكون بغابة ما بهدوء بينما يستمع اثنان منهم إلى ثالثهما. كان هؤلاء الثلاثة هم إدريس الحكيم وباسل وأنمار.

"في المستويات الروحيّة، تصبح روحك كاملة مكتملة عندما يستحوذ بحر روحك الذي يتغيّر عند بلوغ مرحلة الصاعد وبدء الاختراق على روح وحش روحيّ ويندمج معها."

استمع الاثنان بحرص، فسألت أنمار بعد ذلك باهتمام: "كيف يتغيّر بحر الروح؟"

نظر المعلّم إلى باسل ثمّ قال: "قد يكون للفتى باسل فكرة عن ذلك. عندما يبلغ الساحر قمّة المستوى الرابع عشر، ويربط نقط أصله كلّها، ثمّ يرتبط بإرادة روحه، يكون قد أصبح صاعدا حقيقيّا. وفي ذلك الوقت، يختار الساحر الصعود إلى المستويات الروحيّة."

"ويفعل ذلك عن طريق ضغط بحر الروح نفسه حتّى يصير مندمجا بالجسم الأبيض في بحر روحه، أو ما يكون بعد ذلك جسده نفسه. يمكن للفتى باسل الذي ارتبط بإرادة بحر روحه أن يفهم ما أعنيه بالضبط."

أومأ باسل ثمّ حدّق إلى أنمار وقال شارحا: "عندما قاتلت ظلّ الشيطان، ارتبطت بإرادة بحر روحي، فاستُبدِل جسدي بالجسم الأبيض هناك، وعندها أحسست أنّه لديّ تحكّم مثاليّ في بحر روحي بأكمله."

حدّقت أنمار بعد ذلك إلى المعلّم وانتظرته يكمل. لقد كانت هناك الكثير من الأشياء التي عليهما تعلّمها. لقد مرّت شهور منذ أن بدآ التدرّب مع المعلّم، فقرّر أخيرا إخبارهما بهذه المعلومات المهمّة.

واصل إدريس الحكيم: "عندما يدمج الصاعد بحر روحه مع جسده، تصير الروح كاملة ويمكن القول أنّه قد وضع الخطوة الأولى في المستويات الروحيّة، لكنّ روحه تكون ما زالت غير مكتملة، فتكون غير مستقرّة وغير متراصّة. يمكن القول أنّ المستويات الروحيّة تتطلّب روحا أشدّ، لذا يلجأ هذا الساحر الصاعد إلى جعل روحه مكتملة."

فهمت أنمار ما عناه المعلّم واحتاجت إلى التعليق: "هكذا إذن. لهذا يحتاج إلى الاستحواذ على روح وحش روحيّ!"

ابتسم المعلّم ثمّ قال بعدما نظر إلى باسل: "ذلك صحيح. يبدو أن الفتى باسل قد اكتشف ذلك مسبقا."


حكّ باسل رأسه: "ليس تماما. كانت لديّ شكوك فقط."

طرأ سؤال في بال أنمار: "كيف تكون تلك الخطوة الأولى في المستويات الروحيّة؟ هل يمكن أنّه مثل ما حدث لباسل؟ لقد سمعتك تقول أنّه لمس الدرج الأوّل من المستويات الروحيّة عندما أتيت لتعالجه بعدما قاتل الأقدم الكبير."

أجاب المعلّم: "نعم، في ذلك الوقت ظننت أنّه بسبب مخاطرته أثناء ذلك القتال، لكنّ السبب كان المخطوطات الثلاث. كانت هي السبب في اكتسابه تلك القطعة الأرضيّة، لذا ما زال لم يلمس الدرج الأوّل من المستويات الروحيّة في الواقع."

كانت أنمار تعلم بالفعل عن قضيّة المخطوطات. حدّثها باسل عن كلّ ما حدث معه في هذه الأشهر الأخيرة التي أمضياها معا. لم تشعر بالراحة عندما علمت أنّ هناك نيّة ما تحاول السيطرة على باسل، لذا عبست عندما ذكر معلّمهما ها الأمر.

لاحظ إدريس الحكيم ذلك فواساها: "لا قلق يا أنمار الصغيرة. لن يحدث شيء للفتى باسل طالما وُجدْت."

ابتسمت أنمار كذلك. لقد كان لكلام معلّمهما أثر حقّا. كان ذلك نتيجة لثقتها الكبيرة فيه. لم يكن هناك شخص تعرفه قادر أكثر من معلّمهما.

استأنف إدريس الحكيم شرحه: "حسنا. بعدما ينجح الشخص ويمتلك روحا كاملة مكتملة، يصير عندها ساحرا روحيّا عامّة، و'سيّدا روحيّا' خاصّة. يكون بنطاق 'الأرض الواسعة'."

"ولكن قبل ذلك، أثناء عمليّة الصعود والاختراق، يحتاج الشخص إلى 'تقنية تكامل تأصّليّ' حتّى يستطيع دمج روح الوحش الروحيّ بروحه."

"تقنية تكامل تأصليّ؟!" تعجّب باسل وأنمار. لقد كانت هذه أوّل مرّة يسمعان فيها هذا الاسم.

"صحيح." أجاب المعلّم: "تقنية التكامل التأصّليّ هذه هي ما يمنح الصاعد القدرة على دمج الروحيّن معا. وبالطبع لا تقف فائدتها عند ذلك الحدّ. فعندما يصير الشخص ساحرا روحيّا، تنمو روحه الكاملة المكتملة مع الوقت، وتكسب خواصّ الروح الوحشيّة التي استحوذ عليها، لكنّ مدى قوّة وآفاق ذلك تكونان وفقا لتقنية التكامل التأصّليّ."

اندهش باسل وأنمار من هذا الأمر الغريب. لقد بدأ معلّمهما يتحدّث عن شيء لم تكن لديهما فكرة عنه قطّ، لذا كان ذهولهما كبيرا.


واصل إدريس الحكيم: "هناك اختلاف في تقنيات التكامل التأصّليّ، لكنّنا سنترك ذلك ليُشرح لاحقا عندما تقتربان من الاختراق."

فهم باسل وأنمار الفكرة العامّة للآن، ولكن كان هناك شيء يشغل باسل فسأل عنه: "يا أيّها المعلّم، ما الذي يقبع بعد نطاق الأرض الواسعة؟ ما الذي يفوق السيد الروحيّ؟"

ابتسم إدريس الحكيم كما لو أنّه كان ينتظر هذا السؤال، وقال بجدّية: "هذه هي المستويات الروحيّة."

"نطاق الأرض الواسعة – سيد روحيّ"

"نطاق الأرض الحيّة – حاكم روحيّ"

"نطاق الأرض الوفيرة – ملك روحيّ"

"نطاق أرض العالم – إمبراطور روحيّ"

"نطاق نهر العالم – روحانيّ مبارَك"

"نطاق بحيرة العالم – روحانيّ سامٍ"

"نطاق بحر العالم – روحانيّ أسطوريّ"

"نطاق شجرة العالم – سلطان روحيّ"

"نطاق نواة العالم – سلطان مقدّس"

"نطاق أصل العالم – سلطان أصليّ"

"العالم – مؤسّس عالم"

تحدّث إدريس الحكيم: "هذه هي كلّ النطاقات التي عرفتها العوالم الروحيّة."


انبهر الاثنان ورسّخا كلّ المعلومات التي عرفاها اليوم في عقلهما. لقد كان كلّ ذلك مذهلا للغاية. وبالأخصّ عدد المستويات الروحيّة المتبقيّة أمامهما. لقد أشار ذلك إلى شيء واحد فقط – كم كان العالم كبيرا!

كان ذلك محمّسا كثيرا وبالخصوص لباسل. لطالما أراد الاكتشاف وأثير اهتمامه بمثل هذه الأشياء. فُتِح أمامه باب إلى عالم واسع عندما تعلّم السحر، لكنّ ذلك لا يقارن أبدا مع هذا العالم الذي اكتشفه الآن. لقد كان ذلك عالم هائل للغاية لدرجة لا يتخيّلها.

وفي أثناء ذهوله، فكّر في ما قاله معلّمه، فسأل مباشرة: "أيها المعلّم، قلت كلّ النطاقات التي عرفتها العوالم الروحيّة. هل يمكن أن يعني ذلك أنّ هناك احتماليّة لوجود مستويات أخرى لا تعلم عنها العوالم الروحيّة؟"

حدّق إدريس الحكيم إلى باسل ثمّ ابتسم وقال: "لا أحد يعلم ذلك. ربّما يعرف الأشخاص الذين بلغوا مستويات شاهقة مثل مستويات السلطنة بعض الأشياء، ولكن أشخاص مثلنا لا يمكنهم أن يدركوا مثل هذه الأمور حاليا."

"مستويات السلطنة!" كرّر باسل ذلك ووضع هدفا آخر له في الحياة. فسأل مرّة أخرى: "وماذا عن مؤسّس عالم؟ هل يمكن أنّه يعلم عن ذلك؟"

ابتسم إدريس الحكيم ثمّ أجاب: "وجود مؤسّس عالم عبر التاريخ بنفسه مشكوك في أمره، فما بالك بعلمه من جهله بهذا. يقال أنّ هناك شخص واحد فقط في كلّ الأزمان قد بلغ مثل ذلك المستوى، وهذه بنفسها مجرّد أسطورة."

قطب باسل وقال: "كيف إذن يوجد هذا المستوى إن لم يبلغه أحد؟"

ابتسم إدريس الحكيم مرّة أخرى وأجاب: "معك حقّ. بما أنّ المستوى موجود فلا شكّ أنّ أحدا قد بلغه. ولكن لأنّه ليس هناك أيّ معلومات كافية عنه أو آثار متبقيّة منه، فقد أصبح مجرّد أسطورة عبر التاريخ، وبقي لقب 'مؤسّس عالم' فقط. لربّما وُجِد، لكنّه اختفى بدون ترك أيّ دليل على ذلك. وهذا سبب في اعتقاد بعض الأشخاص أنّه مجرّد أسطورة لا أكثر بالرغم من وجود اسم المستوى."

فهم باسل ما يقوله ملعلّمه، لكنّه أراد أن يعرف أكثر فسأل مرّة ثانية: "حسنا إذن، ما الذي تعتقده أنت حول ذلك يا معلّمي؟"

سرح إدريس الحكيم بأفكاره بعدما سئل عن هذا، ومرّ وقت قصير قبل أن يتنهّد ويجيب: "أنا أقول أنّه وُجِد مثل هذا الكيان."

لمعت عينا باسل قبل أن يسرع في طرح سؤال آخر. لقد كان شرها جدّا تجاه بحر المعرفة الذي يقف أمامه: "لماذا أيّها المعلّم؟ يجب أن يكون هناك سبب لذلك."


فكّر إدريس الحكيم لقليل من الوقت مرّة أخرى، وتذكّر بعض الأمور التي كانت سببا في جعله يؤمن بهذه الأسطورة. لقد كانت هناك الكثير من الأشياء المخفية من طرف أشخاص عظماء ولم يريدوا أن يكشفوا عنها. كانت هناك محرّمات وجب على الشخص عدم الاقتراب منها.

ربّت على رأس باسل ثمّ قال: "فلنترك ذلك لما هو مقدّر. قد يأتي وقت وتعلم، لكنّك يجب أن تكون دائما مستعدّا لحمل ثقل تلك المعرفة إنْ كسبتها يوما ما."

لم يفهم الاثنان ما قصده إدريس الحكيم من كلامه الغامض ذاك، ولكن بما أنّه أنهى الموضوع فلم يحفرا به أكثر أيضا وقمعا فضولهما وأنهيا أسئلتهما عنه.

تحرّكوا مرّة أخرى، وحدّق باسل إلى الأفق كما لو أنّه يحاول رؤية مكان معيّن. نظر بعد ذلك إلى إدريس الحكيم ثمّ قال: "ولكن أيّها المعلّم، ما حاجتك في الذهاب إلى الأرض المسالمة المباركة؟"

أجاب المعلّم باسترخاء: "ذلك من أجل وضع بعض المصفوفات عليها ودعم أساسها. يجب أن يكون كلّ شيء مضبوطا استعدادا لتحوّل هذا العالم إلى عالم روحيّ. سأمرّ على بعض المدن الكبرى لاحقا."

انبثق موضوع جديد يثير اهتمام الاثنين، فسبقت أنمار في السؤال هذه المرّة: "ما الذي سيحدث عندما يتحوّل هذا العالم إلى عالم روحيّ؟ ومتى سيقع ذلك؟"

أجاب إدريس الحكيم بنفس الهدوء: "عندما يجعل أحدكم روحه كاملة، سيصبح هذا العالم روحيّا."

تفاجأ باسل وأنمار. إن عنى ذلك شيئا واحدا، فهو أنّه عندما يصير الساحر صاعدا، ويضغط روحه حتّى تصبح مندمجة مع الجسد، فسيغدو هذا العالم روحيّا. كان ذلك شيئا عجيبا للغاية وغير متوقّع بتاتا.

أكمل إدريس الحكيم بنفس الوتيرة: "وبذلك الوقت، سيكون الأمر كما لو أنّ العالم كلّه أضحى منطقة محظورة."

صُعِق باسل وأنمار مباشرة بعد هذا التصريح. يصبح العالم كلّه منطقة محظورة؟ ما المقصود بذلك بالضبط؟ هل يمكن حدوث ذلك حتّى؟ وكيف سيحدث؟

ابتسم إدريس الحكيم عندما رأى نظراتهما المندهشة وقال: "ليس منطقة محظورة بالضبط، ولكن..."


فجأة، توقّف إدريس الحكيم عن الكلام وأحسّ بشيء جعل وجهه يسودّ كما لو أنّه سمع باقتراب نهاية العالم. لقد كان وجهه جدّيّا للغاية أكثر من أيّ وقت مضى.

جعل ذلك تلميذيه يصابان بالتوتّر أيضا. لم يعلما ما الذي يحدث في هذا العالم حتّى يجعل معلّمهما هكذا.

"هذا سيّئ!" هلع إدريس الحكيم، ثمّ صرّح: "مدينة العصر الجديد في خطر! الحقاني إلى هناك ولتكن مهمّتكما أن تخلوَا المدينة وتهربا بالناس إلى أبعد مكان عن هناك."

كان موقع الثلاثة حاليا قريبا من الأرض المسالمة المباركة. كانوا يتوجّهون إلى هناك من أجل الغرض الذي أراد إدريس الحكيم أن يقضيه.

لم يفهما ما تحدّث المعلّم عنه، لكنّ شيئا واحدا كان يهمّ: مدينة العصر الجديد في خطر! وليس أيّ خطر بسيط، لقد كان ذلك خطرا جعل إدريس الحكيم يتصرّف بذلك الشكل.

باام باام باام

اختفى إدريس الحكيم مباشرة بعد ذلك بانفجارات هائلة سبّبت الزلزال في المناطق المجاورة. ذهب بأقصى سرعة يملكها وقطع آلاف الأميال في وقت قصير جدّا. لقد كانت مثل هذه المسافة لا شيء يذكر بالنسبة لساحر روحيّ في مستواه. بالأحرى، حتّى لو كان العالم الواهن شاسعا للغاية، كان صغيرا جدّا مقارنة بعالم روحيّ، أمّا مقارنة بالعالم الأصليّ، فكان لا شيء سوى جزيرة في عالم به ملايين الجزر.

عبس باسل وأنمار ثمّ فعّلا طاقتيهما السحريّتين وفنّيهما القتاليّين وانطلقا بسرعة كبيرة تجاه المدينة أيضا. لقد كان ذلك أروع خبر سمعاه في حياتهما حتّى الآن. كانت تلك المدينة مسقط رأسيهما، وكان بها الكثير من الأشخاص الأعزّاء على قلبيهما، وأكثر من ذلك، لقد كانت والدتاهما هناك، وكان ذلك أكثر من سبب كافٍ حتّى يهلعا.

كان إدريس الحكيم يحلّق في السماء كنجم ساطع يتحرّك بسرعة ضوئيّة. لم يكن هناك مجال لرؤية شكله عندما حلّق بهذه السرعة العجيبة وخلّف وراءه صورا عديدة كأطياف لشكله. كان يقطع آلاف الأميال في ثوان قليلة ويمكنه بلوغ مراده فقط بخطوات قليلة.

تحدّث إلى نفسه بينما يصنع وجها عبوسا: "لا بدّ وأنّه هو. إنّه يملك حقّا وسيلة للدخول إلى العوالم الروحيّة دون الحاجة إلى بوّابة عالم، فلو استخدم بوابة عالم لاستشعرت ذلك. يبدو أنّه أتى لأنّ هدّام الضّروس مات، وعندئذ وجد مدينة العصر الجديد لأنّني وضعت عليها مصفوفة روحيّة."

كزّ على أسنانه ثم ظهرت له مدينة العصر الجديد. كان هناك حاجز يحيط بها من جميع الزوايا. كان هذا الحاجز يتموّج بشكل عنيف وظهرت به بعض الثغرات بعد لحظات، ثم انكسر في اللحظة التالية كقطعة من الزجاج.

"اللعنة. لقد كان ذلك حاجزا مخصّصا ليصدّ كلّ الأخطار الموجودة في العالم الواهن فقط ولم أدعّمه كفاية ليصمد أمام أشخاص من مستويات روحية مرتفعة. قد يكون بإمكانه الصمود أمام سيّد روحيّ حتّى، لكنّه لن يقدر على مقاومة ما يفوق ذلك." لم يكن إدريس الحكيم يظنّ أنّ شيئا كهذا سيحصل، لذا صنع هذه المصفوفة أوّلا حتّى يدعّمها لاحقا.

لم تمرّ سوى لحظات حتّى كان إدريس الحكيم فوق مدينة العصر الجديد، وبالطبع، لاحظ آنذاك أشخاصا يطوفون في السماء، وفي نفس الوقت، انتبهوا له أيضا. لقد كانوا ثمانية أشخاص يغطّون أنفسهم ولم يمكن رؤية مظهرهم غير واحد منهم الذي كان يشبه البشر لكنّه لم يكن إنسانا بلا شكّ.

تقدّمهم هذا المخلوق الذي ارتدى معطفا أسودا غطّى جسده بالكامل، ولم يُرى سوى رأسه ذو الشعر الأشقر. تمركز عند جبهته قرنين صغيرين ذهبيّين، وطالت أنيابه كمصاص دماء من أساطير الأجداد، وعندما فتح عينيه ثم حدّق إلى إدريس الحكيم، انطلق وهج ذهبيّ من عينيه الصفراوين جعله يبدو كوحش سامٍ استيقظ من سبات عميق، فحدّق إلى الوجود فاكتشف أسراره الكبرى. لقد كان وجوده بحد ذاته ثقيلا على القلوب لتتحمّله. لم يكن يطلق هالة ولا نيّة تجاه المدينة، ومع ذلك جعل الناس بها تفشل ركابهم ويسقطون في هاوية لا قعر لها من اليأس.


لقد كان هذا الشخص بوجه أبيض شاحب كما لو أنّه لم يرى أشعة الشمس لعصور، وبدا كأنّه شابّ نبيل من عائلة سامية. كان أصله العتيق ودمه الملكيّ جليّا، وحمل كلّ تصرّف منه هيبة عظيمة كما لو كان العالم وما فيه موجوديْن لإظهار روعته بسموّه عليهما فقط.

كان الناس مرتعبين من الذي يحدث أمامهم، وزاد فزعهم حينما رأوا وجه هذا الشخص وتذكّروا ما حدث قبل خمسة عشر سنة. لقد كان هذا الشخص يملك وصفا مطابقا للغاية لأحد الشياطين التي اشتُهِرت بعد الدمار الشامل.

حدّق هذا الشخص إلى إدريس الحكيم لمدّة طويلة قبل أن ينطق أخيرا بصوت هادئ: "ليس جيّدا، ليس جيّدا. يبدو أنّ عادتك السيّئة في تغيير مظهرك لم تتغيّر. هل يمكن أنّك خجول لهذه الدرجة؟ مرّ وقت طويل يا حكيم!"

لوحظ تغيّر في وضعية وقوف السبعة الآخرين عندما سمعوا ما قاله، ثم نظروا إلى الرجل العجوز أمامهم بتعجّب. لقد كان هناك شخص واحد يناديه قائدهم بهذه الطريقة، ولم يكن سوى إدريس الحكيم. لقد كان هذا الأخير منافسا أبديّا لقائدهم منذ طفولتهم. كانا عدوين لدودين في الواقع أكثر ممّا كانا منافسين. لقد كان العالم حولهما هو ما اعترف بهما كمنافسين لبعضهما.

"حكيم الفنون السامي السياديّ؟!" صُدِموا ولم يحسّوا حتّى كانوا قد صاحوا بلقبه بصوت مرتفع. تكلّم أحدهم مرّة أخرى: "م-ما الذي يفعله هنا؟ ليس هناك مجال ليعلم بقدومنا!"

لقد كانت دهشتهم كبيرة جدّا. كان ذلك شيئا طبيعيّا. لقد أتوا إلى هذا العالم الواهن ظانّين أنّه لا أحد يمكنه معرفة بقدومهم إلى هنا. والآن يوجد شخص مثل الحكيم السياديّ أمامهم، وظهر بسرعة كبيرة للغاية، كما لو أنّه قد حسب موعد مجيئهم وسبقهم بخطوة.

كان السبعة مذهولين، لكنّ قائدهم بدا غير متفاجئ. كان وجهه جامدا دون أن يحدث تغيّر في تعبيراته ثم تكلّم: "لا داعٍ للاندهاش. عندما عاد إليّ قرص بحيرة المائة الفضّيّ، علمت أنّه لابدّ من وجود شخص بمستوى حاكم روحيّ أو أعلى هو السبب. فليس هناك مجال لشخص بمستويات الربط بهذا العالم الواهن أن ينجو من ذلك الثقب الأسود الذي أضمرته في القرص."

حدّق عندئذ إلى إدريس الحكي ثم قال: "ولو كان هناك شخص ليس بمستوى شاهق كفاية ليكسر الفضاء ويدخل إلى العوالم الأخرى عنوة، فلابدّ من أنّه يملك وسيلة ما مريحة للانتقال مثلي. وعلى حدّ علمي، فليس هناك شخص آخر يحبّ فعل هذا أكثر منك يا حكيم. وإضافة لذلك، عادتك في إنشاء المصفوفات الروحيّة في العديد من الأماكن لا تتغيّر. بمجرّد ما أن رأيت هذه المصفوفة ولاحظت مثاليتها تأكّدت عندها كلّيّا أنّها بنيت بحكمتك السياديّة."


حدّق إدريس الحكيم إلى الأشخاص أمامه دون أن ينبت ببنت شفة. لقد كان جلّ تركيزه حاليا على إبعاد هؤلاء الثمانية عن هذه المدينة بأكبر سرعة. كان يعلم مدى شناعة ذلك الشخص أمامه.

حملق قائد تلك المجموعة إلى إدريس الحكيم وقال: "ليس عاديا، ليس عاديا. ليس من عادتك الصموت أثناء حضوري. ألا يجب أن نتناقش كالعادة؟ أنت تجعلني أشعر بالوحدة يا حكيم. وما بالك ما تزال بذلك المظهر؟ ذلك غير مريح نوعا ما. أنا أحب رؤية شكلك الحقيقيّ. ألن تلبّي طلبي الأنانيّ تقديرا لمعرفتنا الطويلة؟"

لم يجبه إدريس الحكيم وظلّ محافظا على هدوئه بينما يفكّر في وسيلة لتحقيق مراده.

تنهّد ذلك القائد وارتسم على وجهه خيبة الأمل ثم قال: "ليس رائعا، ليس رائعا. أنا أشعر بالوحشة هنا يا حكيم. على كلٍّ، إن لم تكن ستناقشني هذه المرّة، فسأجعلها سؤالا منّي وجوابا منك. الرفض غير مقبول أو سأفعل بالضبط ما لا تريده أن يحدث في هذه اللحظات."

قطب إدريس الحكيم بينما ينظر إلى تصرّفات ذلك الشخص المعتادة. لقد كان شخصا يصعب التعامل معه حقّا. لقد كان يمكنه رؤية حقيقة هذا العالم كما لو أنّها شمس ساطعة في منتصف النهار بقمّة فصل الصيف. لا شيء كان باستطاعته الهروب من إدراكه للأمور.

لقد فهم إدريس الحكيم ما عناه. فكّر ذلك القائد بهذا الشكل: بما أنّه أتى مسرعا إلى هذه المدينة بهذا الشكل بعدما استشعر دمار المصفوفة، فلابدّ من أنّ ذلك يعني أنّ هذه المدينة مهمّة له.

كلّ شيء كان واضحا لقائد تلك المجموعة، لذا هدّد بتدمير هذه المدينة إن لم يجب إدريس الحكيم عنه تساؤلاته.

لم يقل إدريس الحكيم شيئا، لكنّ ذلك القائد علم أنّه صمته ذاك كان علامة عن الرضى، فأشار إلى المدينة أسفله وقال: "أوّلا، ما الذي تعنيه هذه المدينة لك بالضبط؟"


كان إدريس الحكيم لا يزال في شكله العجوز، ثم أجاب بهدوء كبير: "يمكنك التخمين أنّني أُعِزّ شخصا بها."

نظر القائد إلى إدريس الحكيم بعينيه اللتين توهّجتا من جديد، ثم صرّح: "حسنا، حسنا. نعم أنا أعلم أنّ هناك شخصا مهمّ لك حتّى تحميه بمصفوفة روحيّة مصنوعة بحكمتك السياديّة، ولكن ما قيمته بالضبط؟"

عبس إدريس الحكيم. لقد كان يعلم أنّه لا مفر لتخبئة الحقيقة أمام هذا الشخص، لذا قال الحقيقة. فلو ساء مزاجه لن يبق من تلك المدينة بالأسفل شيئا قبل أن يستطيع الذهاب لحمايتها في الوقت المناسب.

لو أنّه استخدم الحكمة السياديّة، لاستطاع خداعه أوّليّا، لكنّ ذلك لن يغيّر النتيجة النهائيّة لأنّ القائد سيعلم أنّه يخبّئ الحقيقة فورما يرى استعماله للحكمة السياديّة بعينيْ الحقيقة خاصّتيْه.

"حسنا، حسنا." تكلّم إدريس الحكيم بسرعة: "لا مفرّ، سأخبرك. حقّا تحبّ جعل الأمور صعبة على الأشخاص يا إبلاس. يبدو أنّ عادتك لم تتغيّر أيضا."

ارتجّ الهواء حول إدريس الحكيم بعد ذلك، فظهرت صورته الحقيقيّة، كشابّ بشعر فضّيّ يصل إلى كتفيه وعينين زرقاوين. ارتدى رداءً به أنماط عديدة من النقوش الروحيّة فجعلته يبدو كإمبراطور شابّ يمكنه أمر العالم ونهيه.

ابتسم إبلاس أخيرا حينما رأى صورة إدريس الحكيم الحقيقيّة، وقال بصوت فرح: "يبدو أنّك صرت صادقا أخيرا. الآن يمكننا التحدّث."

ابتسم إدريس الحكيم وقال: "هل حقّا تحبّ البحث في أموري؟ ما العيب في حماية امرأة أو بعض من النساء في العوالم الروحيّة؟ أنت تعلم أنّني أعشق الجمال وأقدّر النساء. لم يكن بإمكاني ترك جوهرة من المدينة تضيع قبل أن أصقلها."


كان إدريس الحكيم صادقا في كلامه للغاية، إلّا أنّه كان بنيّة مختلفة تماما عمّا قاله. بالطبع كان كلامه عن عشقه للجمال وتقديره للنساء حقيقة، وكذلك مسألة الجوهرة، إلّا أنّ الاثنين لم يكن لهما علاقة ببعضهما. لقد كان يعني بالجوهرة باسل. كان كلامه حقيقة، فلم يرى إبلاس كذبا بها.

حدّق إبلاس إلى إدريس الحكيم وبدا غير مقتنع نوعا ما، وظلّ يفكّر في العديد من الأشياء. كيف علم إدريس الحكيم عن هدّام الضّروس حتّى أتى وقضى عليه؟ هل هناك شخص خائن في صفوفهم أخبره بذلك؟

كان إبلاس مشوّشا. بالطبع حتّى لو كان هناك خائن، فلن يعلم هذا الأخير حتّى بما قام به إبلاس؛ لقد كان أمر تدريبه لهدّام الضروس سرّا لا يعلمه أحد. أتى إلى العالم الواهن بعدما تمّت الاتفاقيّة بين الملك الأصليّ وملك الشياطين، ولم يعلم أحد عن ذلك أيضا.

فكّر لقليل من الوقت، وفجأة فهم أمرا وحدّق إلى إدريس الحكيم ثم ضحك بصوت مرتفع قبل أن يقول: "ليس سيّئا، ليس سيّئا. نعم هذا صحيح. لستَ هنا لأنّك علمت بقدومنا، أنت هنا لغرض ما وصادف ذلك معرفتك لهدّام الضروس."

فهم إبلاس بعض الأشياء بسرعة كبيرة بمجرّد ما أن فكّر قليلا. لقد كان شخصا مرعبا حقّا. نظر إلى مدينة العصر الجديد ثم قال: "أتساءل إن كان لهذا الأمر علاقة بهذه الجوهرة التي تريد صقلها بشدّة."

قطب إدريس الحكيم بعدما عاد اهتمام إبلاس إلى المدينة، وشدّ قبضته. فكّر لقليل من الوقت: (فقط انتظر قليلا. لا تقم بأيّ شيء لثوان أخرى.)

لقد كان إدريس الحكيم ينوي فعل شيء ما في الثواني القادمة على ما يبدو، لكنّ تلك الثواني بدت طويلة للغاية.

لاحظ إبلاس صموت إدريس الحكيم، فضحك وصنع وجها متحمّسا كطفل وجد لعبته المفضّلة التي كان يبحث عنها، واخترقت عيناه كلّ شيء فرأتا توتّر إدريس الحكيم الشديد.


"يا حكيم، أتعلم لمَ تعجبني؟ ليس لأنّك حكيم العوالم الروحيّة، أو خبير فنونها السامي، أو لأنّك بنّاء المصفوفات المثاليّة، أو لأّنك التابع الأقرب إلى الملك الأصليّ. أنت تعجبني لأنّني مهما فعلت لم يكن بإمكاني رؤية اليأس في عينيك ولو للحظة واحدة في الألفيّة التي عرفتك بها. وكشيطان اليأس يجب أن أستاء من ذلك، أليس كذلك؟ لكن أتعلم لماذا لم أستأ؟ كلّما صعُب عليّ إسقاطك في اليأس، زاد حماسي عندما أفكر في اللحظة التي سأحقّق فيها ذلك."

بَسَرَ إدريس الحكيم عندما سمع كلامه ذاك. لقد كانت هناك ثوان فقط يحتاجها، لذا أراد أن يطيل هذا الكلام قدر المستطاع، فأجاب: "لا تفكّر ولو للحظة يا إبلاس أنّني خائف منك أو في طريقي لليأس. شتّانَ ما بيني وبين اليأس."

ابتسم إبلاس وقال: "قل ما شئت. لربّما أنت محقّ، لكنّني أرى حقيقة توتّرك عندما أوجّه اهتمامي إلى هذه المدينة. وبالطبع، توتّرك ذاك أكبر من الذي قد يأتي من اهتمامك بجمال إحداهنّ."

رفع إبلاس يده التي كانت مغطّية بقفّاز أسود، وقال ببرودة بينما ينظر إلى المدينة: "أفضل طريقة للبحث عن شيء ما هي إزالة كلّ ما يعيق رؤيتك."

ظهرت شعلة في كفّ إبلاس، وفي لحظة واحدة تضخّمت حتّى صارت كرة عملاقة بشكل لا يصدّق. لقد كانت كشمس مصغّرة لكنّها حملت نفس الشدة. كلّ شخص في المدينة شعر بضيق تنفّسه وذابت ملابسه من الحرارة. تعرّقوا كثيرا وسقطوا على الأرض متقبّلين الأمر الواقع وحكموا على أنفسهم بالموت كما لو أنّ نهاية العالم قد أتت. كلّ من رأى تلك الكرة النارية العملاقة سيعتقد أنّ الشمس انخفضت إلى عالمهم لتنهيه.

أنزل إبلاس يده ببطء بعد ذلك، وسقطت الشمس المصغّرة بسرعة جنونيّة كما لو كانت نجما متحرّكا. لقد حُكِم على مدينة العصر الجديد بالإبادة – هذا ما فكّر فيه كلّ شخص.

وفجأة، سطعت أرضية المدينة بأكملها وانطلق أربعة عشر عمود من مختلف الأنحاء. لقد كانت هذه الأعمدة هي ما استعمل إدريس الحكيم في بناء هذه المصفوفة. كانت أعمدة يصل طولها إلى العشرين متر، وكانت أسطوانيّة الشكل، وبلغ طول قطرها الخمسة أمتار.

لم يعلم أحد أين كانت هذه الأعمدة الضخمة التي لم يسبق لهم رؤيتها. لقد كانت تحمل العديد من النقوش الروحيّة عليها، واختلفت أنماطها. بدت كأنّها مصنوعة من مواد غير عادية، وما أكّد ذلك كان عدم تأثرها بحرارة تلك الشمس المصغّرة.

اقتربت الأعمدة من بعضها فالتقت وشكّلت زهرة دارت بشكل دائريّ بسرعة كبيرة للغاية. لقد كانت كمروحة تستطيع تبديد كلّ شيء بقوّة رياحها، وقطع أيّ شيء لذرّات متناثرة.

التقت المروحة العظيمة بالشمس المصغّرة وجعلت العالم يشهد زلزالا دبّ الرعب في قلوبهم من أصغرهم إلى أكبرهم. وعندما حدث ذلك تذكروا كلّهم ذلك اليوم قبل خمسة عشر سنة. يوم الدمار الشامل.

ارتعب الحاضرون في الأرض المسالمة المباركة ونطق الكبير أكاغي بينما يصنع وجها شاحبا مثله مثل الجميع: "ما الذي يحدث في عالمنا الواهن؟"

كان باسل وأنمار قد اقتربا من مدينة العصر الجديد، فأحسّا بالصدمة التي نتجت عن التقاء ذينك الهجوميْن، ورفعا رأسيهما ليريا ذلك المنظر المهيب. كانت الشمس المصغّرة والمروحة العملاقة مدهشتين للغاية وجعلتاهما يفهمان مدى ضعفهما أمام هذه القوّة الهائلة.

أسرعا بكلّ ما يملكان حتّى ينفّذا ما قاله لهما المعلّم. لقد كانت تلك هي الطريقة الوحيدة ليقدموا بها مساعدتهما. كانت هذه المعركة من مستوى آخر تماما ولم يكن لهما مكان بها. شدّ باسل وأنمار قبضاتهما وأكملا مسيرهما بالسرعة القصوى.

تزلزل العالم بأسره تقريبا عندما التقت المروحة العظيمة بالشمس المصغّرة، وعندما انفجرا معا في نفس الوقت بعدما تلاحما لمدّة، هبّت العواصف في العديد من الأماكن في العالم الواهن وانتقلت السحب آلاف الأميال كما تبدّد بعضها. لقد كانت تلك قوّة عظيمة للغاية لم يشهد العالم الواهن مثل لها فيما سبق.

كان إبلاس قد قام بهجوم مشابه في يوم الدمار الشامل مرارا وتكرارا على العديد من القرى، لكنّ هذه الشمس المصغّرة كانت مختلفة جدّا. لقد كانت بطاقة روحيّة وليس سحريّة فقط. فلو أنّها نزلت على المدينة، لن تختفي هذه الأخيرة فقط، بل مئات الأميال ستختفي كأنّها لم توجد من قبل ولن يبقَ سوى الرماد.

اختفت الشمس المصغّرة، وتبدّدت الأعمدة معها. كان الغرض من هذه الأعمدة بناء مصفوفة روحيّة يمكنها حماية المدينة من وحوش روحيّة بنطاق السيد الروحيّ، لكنّ المصفوفة اخترِقت بسهولة من طرف إبلاس، ومع ذلك بقيت الأعمدة سليمة لأنّها كانت بأعماق الأرض بعيدا محميّة بحاجز أقوى، لذا استغرق إدريس الحكيم بعض الوقت حتّى يجعلها تأتي دون أن يحسّ إبلاس وأتباعه بأيّ شيء غريب.

تنفّس الناس الصعداء بعدما هدأت عواصف الرياح لكنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا بما أنّ أرجلهم لم تكن قادرة على حملهم. كلّ ما كان يسعهم فعله هو النظر إلى أولئك الكيانات العظيمة فوق رؤوسهم وانتظار موتهم المحتّم.

وفجأة، ظهر شخص فوق رؤوسهم بعلوّ مئات الأمتار، وأسفل إبلاس وأتباعه بمئات الأمتار. كان ذلك إدريس الحكيم بالطبع. لقد حقّق مراده بإنقاذ مدينة العصر الجديد من الهجوم الذي لن يكون باستطاعته صدّه دون أن يترك إبلاس يستغلّ تلك الثغرة التي ستظهر في دفاعه بسهولة.

لو كان عدوّا آخر لما كان إدريس الحكيم بهذه الحيطة، لكنّه كان إبلاس ولم يكن لديه خيار سوى التحرّك بأقصى درجات الحذر.

والآن بعدما أنقذ المدينة أوّليّا، صار هدفه إنقاذها كلّيّا. ظهرت ثلاث كرات فوق رأسه كان لونها أزرق فاتح مائل إلى الأبيض، وبدت كأنّها تحمل مجرّات وكواكبَ بداخلها لتراقبها بحكمة سياديّة. أحاطتها حروف رونيّة كانت عتيقة لدرجة أنّه لا أحد استطاع فهمها أو تحليلها.


دارت الكرات الثلاث فوق رأس إدريس الحكيم بسرعة ازدادت مع الوقت، وتسابقت معها الحروف الرونيّة بدورانها على الكرات نفسها في الاتجاه المعاكس. ازدادت سرعة الاثنين حتّى أصبحت صورتهما غير واضحة.

توهّج جسد إدريس الحكيم بضوء فضّيّ ممّا جعله يبدو كقمر تجسّد في هيئة إنسان، فبدا كأنّما كان ينير العالم برؤيته له، ويظلمه بغض بصره عنه. لقد كان يبدو كملاك، وانتشرت هيبته طولا وعرضا في جميع الأنحاء. جعل الناس في المناطق القريبة والبعيدة على حدّ سواء تحسّ بمشاعرَ متضاربة؛ أحسّوا بسكينة عندما لمحوا الضوء الفضّيّ، لكنّهم خافوا من عظمته وهيبته اللتين غمرتهما.

تكلّم إدريس الحكيم بأسلوب لا يضاهى، لا من حيث هدوئه أو ثقته أو عظمته. لم يكن لذلك علاقة بالقوّة، وإنّما كان ذلك بسبب شخصيته التي هابتها العوالم الروحيّة عندما كان يكشّر عن أنيابه ويمشّط أعداءه دون أن ترمش له عين: "لا أعلم ما الذي جرّك إلى هنا يا إبلاس، فأنت لن تجيء فقط لأنّ قرص بحيرة المائة الفضّيّ قد عاد إليك بتلك الطريقة، لكنّني لا أهتمّ بذلك أيضا."

كانت كلّ كلمة من إدريس الحكيم تهزّ القلوب، وتردّد صداها في المسامع والقلوب لمدّة طويلة. بدت كلماته كما لو أنّها تحمل حقيقة لا يمكن دحضها، وجلبت معها عزيمة لا يمكن ثبطها.

نظر بعينيه الزرقاوين إلى إبلاس وأتباعه، فجعلهم يشعرون أنّ عينيْ وحش عتيق كبيرتان كالسماء تحدّقان إليهم. لم يكن هناك شيء يستطيع الهرب تحت هذه السماء الشاسعة.

شعّت عيناه فظهرت بها ثلاث أضواء فضّية تألّقت كنجوم في السماء الشاسعة. كان هناك نجمان يدوران حول البؤبؤ الأمين ببطء شديد كما لو كانا متوقّفين، واتّخذ النجم الثالث البؤبؤ الأيسر فلكا له بنفس السرعة.

عندما انبثقت هذه النجوم الثلاثة في السماء الشاسعة، أنارت بصر الوحش العتيق فسمحت له بالرؤية عبر العديد من الأشياء الخفيّة.

صدى صوت الوحش العتيق من جديد: "يبدو أنّك أتيت بحفنتك المفضَّلة. أمم... أربعة حكّام وثلاثة ملوك. لقد تطوّروا بوتيرة متوقّعة. هذا كثير على مجرّد زيارة كما توقّعت."

كانت مستويات هؤلاء الأشخاص واضحة كالشمس لإدريس الحكيم حتّى بدون استخدام الحكمة السياديّة. لقد كان مستواه أعلى من مستوياتهم ولم يكن بإمكانهم إخفاء شيء عنه. وحتّى لو كانت لديهم وسيلة مذهلة ليفعلوا بها ذلك، فعندئذ ستكشف حكمته السياديّة ذلك بكلّ بساطة.


ركّز إدريس الحكيم بعد ذلك نظره على إبلاس، فعبس قليلا ثم صرّح: "مثير للاهتمام. يبدو أنّك تجاوزت توقّعاتي مرّة أخرى يا إبلاس. ذلك ما يجعلك الخصم المناسب دائما. سيجعل ذلك من هذا تحدّيا مناسبا لي لأجد تنويرا من أجل رفع درجة حكمتي السياديّة."

نظر إبلاس إلى إدريس الحكيم لمدّة طويلة بتعجّب كما لو أنّه يرى أغرب شيء في حياته. مرّت لحظات طويلة قبل أن ينفجر ضحكا. بدا كأنّه سمع أفضل نكتة في حياته.

استغرب إدريس الحكيم من تصرّف إبلاس المفاجئ. لم يكن شيطان اليأس يضحك بهذه الطريقة إلّا وكان الأمر صاعقا. لم يستطع إدريس الحكيم أن يفهم فاستفهم: "شاركني متعتك يا إبلاس، أنت تجعلني أشعر بالوحدة هنا."

توقّف شيطان اليأس عن ضحكه أخيرا وأعاد النظر إلى إدريس الحكيم. أصبحت تعبيراته باردة مرّة أخرى، ثمّ سأل: "لم أكن أظنّ أنّك لا تعلم سبب مجيئي إلى هنا. لا أظنّها ستكون متعة لك يا حكيم، ولكن على كلٍّ، بما أنّني متشوّق لرؤية الوجه الذي ستصنعه عندما تسمعها منّي، فسأخبرك."

كان إدريس الحكيم قلقا نوعا ما. فبما أن إبلاس قالها بهذا الشكل، لابدّ وأنّها ستصدمه.

"العالم الأصليّ في فوضى وأنت هنا تقضي عطلتك دون أن تعلم شيئا."

قطب إدريس الحكيم بعدما سمع ذلك وانتظر إبلاس يكمل.

"باختصار، ليست هناك اتفاقيّة بين سيّدنا ملك العوالم الأربعة عشر وحاكمها الأبديّ وملكك الأصليّ الذي يخال نفسه يعتلي عرش قمّة العالم."

أحسّ إدريس الحكيم كما لو أنّ صاعقة سقطت عليه، فتركته متجمّدا في مكانه غير قادر على معرفة ما إذا كان ما سمعه حقيقة أم مجرّد توهّم.


كيف له ألّا يعلم عن ذلك؟ لو أنّ شيئا كهذا حدث لَعَلِم في أقرب وقت ممكن. ظهرت احتماليتين في عقله: إمّا إبلاس كذب، والذي كان أقرب إلى المستحيل لأنّه لم يكن ليكذب في شيء كهذا، وإمّا فسخ الاتّفاقيّة قد حدث مؤخّرا جدّا، وهذا كان أقرب إلى الحقيقة في نظره.

وردت فكرة في باله مباشرة بعدما سمع هذا الخبر وتذكّر ما أُخبِر به قبل سنتين عندما ذهب إلى العالم الأصليّ. لم يعلم أحد عمّا حدث في القتال قبل سنتين بين الملك الأصليّ وملك الشياطين الذي اتّخذ الفضاء السحيق ساحة له. لقد اختفيا آنذاك في مكان لا يعلم أحد أين يقع، وعندما انتهت المعركة أخيرا أعلِنت الاتفاقيّة من طرف الملك الأصليّ وملك الشياطين.

لم يدرِ أحد كيف توصّل ذانك العدوّان اللدودان إلى هذا الحلّ الوسيط بعد تلك المعركة التي شطرت الكواكب وأخمدت النجوم، لكنّهم لم يتجرؤوا على الدخول في هذه المسألة العويصة. لقد كان الملكان كيانيْن هائليْن للغاية، ولم يتجرّأ على الوقوف بجوارهما أو ضدّهما سوى عظماء العوالم الروحيّة الحقيقيّين، أو بعض الأغبياء الذين لم يعلموا معنى القوّة الحقيقيّة.

استنتج إدريس الحكيم من كلام إبلاس أنّ ذلك حدث مؤخّرا، لذا لابدّ وأنّ حروبا طاحنة ستتخلّل العوالم الروحيّة مرّة أخرى. وما زال أمر فسخ الاتفاقيّة ذاك يؤرّقه؛ لطالما تساءل عن الذي جعل ملك الشياطين يوافق على هذه الاتفاقيّة في المقام الأوّل.

لم يرد الملك الأصليّ التكلّم عن الموضوع، فلم يحاول إزعاجه في انعزاله الروحيّ، وحتّى عندما تكلّم مع نيّته عبر إبرة اختراق الأبعاد لم يجرؤ على طرح السؤال. لقد كانت تلك حقّا مسألة لا يجب على أشخاص غير الملك الأصليّ وملك الشياطين التدخّل فيها.

أراد أن يغادر إلى العالم الأصليّ فورا ويساند الملك الأصليّ في الحرب، لكنه وجب عليه قضاء غرضه أوّلا هنا قبل أن يفكّر في ذلك.

حدّق إلى إبلاس وقال بعبوس: "إذن، أيمكنني القول أنّ الهدف من قدومك هو نفس الهدف الذي أتيت من أجله قبل خمسة عشر سنة؟"

أجاب إبلاس على مهل: "لقد كنت أريد استخدام ساحرَ العالمِ الواهنِ الروحيَّ الأوّلَ كوسيط بعدما ينمو جيّدا بعدما تُفسخ الاتّفاقيّة، لكن أظنّني سآخذ الطريقة الأخرى كما كان مخطّطا من قبل."

كان يعلم إدريس الحكيم ما الهدف من مجيء إبلاس إلى هذا العالم قبل خمسة عشر سنة بناء على أمر ملك الشياطين.، ولكنّه اضطرّ للعودة بعدما نودي من طرف ملك الشياطين نظرا إلى حاجتهم له.


كان وجود إبلاس في الحروب ضدّ قوّات الملك الأصليّ لا غنى عنه مثله مثل العديد من الشخصيّات العظيمة حتّى لو لم يكن في مستواها الروحيّ. كان لديه شيء يجعله متميّزا عن الآخرين مثل إدريس الحكيم.

في الواقع، كان هناك لقب له غير شيطان اليأس. لقد كان يعرف في العوالم الروحيّة بـ'مدبّر الحروب الشيطانيّ'. كان حضوره يصنع فارقا ملاحظا بكثير. لم يكن هناك منافس له في هذا المجال غير إدريس الحكيم، لذا عندما كان هذا الأخير بالحرب مع قوّات الملك الأصليّ، احتاج العدوّ إلى إبلاس فنادوه.

عبس إبلاس ثم أكمل: "لو أنّ الوغد الحقير لم تسانده بقيّة العوالم المتحالفة معه طيلة السنوات الماضية لكانت هناك فرصة لي حتّى أجد الوقت المناسب كي أنفّذ الخطّة بسلاسة، لكنّني كنت مقيّدا لذا نويت تجهيز الأمر باستخدام ذلك الفتى. ولكن للأسف..."

تنهّد ثم أكمل: "على كلٍّ، لقد أخبرني سيّدنا أنّه ليس من الضروريّ وجودي هذه المرّة لذا يمكنني بدء العمل. وبالطبع جاءت الفرصة لآتي وأرى الشخص الذي تساءلت عن هويّته، فالتقينا كما ترى."

فكّر إدريس الحكيم في كلام إبلاس، إضافة إلى بعض المعلومات الأخرى، فاكتشف شيئا صرّح به مباشرة: "هكذا إذن. لقد حُلّ اللغز أخيرا. كنت أتساءل لمَ يجب أن يكون أنت بالضبط ولم يأتِ أحد آخر إلى هنا بما أنّك مشغول، لكنّني أظنّ أنّه يجب أن يكون أنت حقّا، يا مدبّر الحروب الشيطانيّ. فبدون هبتك لن ينجح هذا الأمر." ابتسم بعدما قال ذلك مباشرة.

قطب إبلاس مرّة أخرى وقال: "ليس سيّئا، ليس سيّئا. قد أكون لم أتغيّر، لكنّك حقّا ما زلت كما أنت يا حكيم. دائما يعجبك كشف الأمور التي لا يريد الأشخاص منك اكتشافها. على كلٍّ، لقد أتيت إلى هنا عازما على إنهاء هذا الأمر من أجل بدء سيادة سيّدنا على العوالم الروحيّة."

كشّر إدريس الحكيم ثم قال: "أتعلم شيئا يا إبلاس؟ لطالما تساءلت عن شيء ما. كيف لشخص مثلك لا يحترم أحدا سواء أكان قوّيّا أم ضعيفا، وكلّ شخص بالنسبة له مجرّد حشرة يدهس عليها بينما يتمتّع بذلك، أن يعترف بأحد كسيّده؟ ولكن يبدو أنّ ملك الشياطين يعرف كيف يروّض مخلوقا مثلك."

لم يجبه إبلاس عن كلامه هذا. لقد كان هذا موضوعا حسّاسا له نوعا ما، ولطالما تجنّب الحديث عنه.


ابتسم إدريس الحكيم بتكلّف: "حسنا، بدون مزاح، يمكنني التفهّم بما أنّني اختبرت شيئا مشابها مع جلالته."

تكلّف إبلاس الابتسام أيضا دون أن يقول شيئا. لا أحد يعلم إن كان حال إبلاس مع ملك الشياطين هو نفس الحال لإدريس الحكيم مع الملك الأصليّ، لكن يمكن القول على الأقلّ أنّهما متشابهان في الكثير من الأشياء.

كلاهما تابع مخلص للملكين المهيمنان على العوالم الروحيّة، وكلاهما عنصر مهمّ في جانبهما. لقد كانت هناك الكثير من الأشياء المشتركة بينهما، لذا لقّبتهما العوالم الروحيّة بمنافسيْ المسار الروحيّ. لقد كانا مرتبطيْ المصير في العديد من الأمور.

مرّ بعض الوقت من الهدوء، فتنهّد إبلاس أخيرا بعدما بدا كأنّه كان يفكّر في شيء ما، وقال بنظرة جدّيّة: "لقد رافقتني يا حكيم في مساري الروحيّ لمدّة طويلة وأمتعتني متعة مختلفة عن تلك التي أتلقّاها من اليأس، ولكن أظنّه حان الوقت أخيرا لإنهاء كلّ هذا. لقد تناقشنا قليلا، ولكن يجب أن يكون ذلك كافيا كآخر حوار بيننا." تألّق بؤبؤا عينيْ إبلاس بعد ذلك بضوء ذهبيّ.

توهّجت النجوم الثلاثة في عينيْ إدريس الحكيم، وردّ بنفس الجدّيّة: "وجدتني أشعر بنفس الشيء. وفي الواقع، لطالما أردت حسم نتيجة قتالنا. كفانا جدالا ودعنا نبدأ قتالا. لنجعله آخر قتال بيننا يا إبلاس."

لم يضف أحدهما كلمة أخرى بعد ذلك، فعمّ السكون لوقت طويل مرّة أخرى، حتّى أن عملة معدنية سيتردّد صداها لمدى بعيد لو أنّها أسقِطت.

ززن

بوف


بصوت جعل الشخص يشعر كما لو أنّ سيفين قد تقاطعا، اختفى إدريس الحكيم من مرأى الجميع. وبصوت ثانٍ غريب، انكشف مكانه بعدما كانت ذراعه قد اخترقت جسد أحد السبعة الذين كانوا خلف إبلاس.

انطلقت هالة هائلة فجعلت الناس المحيطين على مدى بعيد وليس ناس المدينة فقط يسقطون على الأرض هلعا وشللا. لقد كانت تلك هالة صاحبتها نيّة مستبدّة للغاية جعلت كلّ شيء يرضخ لها تحت طغيانها العظيم.

جعلت هذه الهالة والضغط من ذلك الهجوم إبلاس والستّة الآخرين يتراجعون عدّة خطوات إلى الوراء رغما عنهم. أمّا الشخص الذي اخترِق جسده، فقد كان ميّتا بعدما سُحق قلبه في يد إدريس الحكيم التي خرجت من الجهة الأخرى من جسمه كحبة طماطم ضغِطت ليخرج عصيرها.

صُعِق الجميع إلّا إبلاس الذي حافظ على هدوئه في جميع الحالات؛ لقد رأى عبر تحرّكاته إلّا أنّ ذلك كان متأخرا نوعا ما لأنّه استخدم الحكمة السياديّة.

بدا لوهلة كما لو أنّ إدريس الحكيم قد اخترق الفضاء وانتقل آنيا إليهم، ولم يعلموا إن كان قد فعل ذلك حقّا أمّ أنّها كانت سرعة فائقة فقط. جعلهم ذلك يشعرون بظلّ خلف ظهورهم يمكنه قتلهم في أيّ لحظة. لقد كان ذلك هو الشعور بالخوف من الموت أمام وحش كإدريس الحكيم.

"حاكم روحيّ في ضربة واحدة؟!" صرّح أحد الستّة صارخا.

"إدريس الحكيم، خبير الفنون السامي السياديّ!" قالها أحد آخر منهم بصوت مرتجف.

وفجأة، امتدّت هالة جعلت كلّ شيء يحسّ بظلام أبديّ يتخلّل قلوبهم وشعروا بأجسادهم تسقط في هاوية لا قعر لها. قارعت تلك الهالة هالة إدريس الحكيم وجعلت الجوّ مشحونا. حتّى أنّ السحب تكاثفت وصعق البرق بينما هدر الرعد. كانت تلك هالة إبلاس.

"أيّها القائد!" فرح الستّة وتذكّروا أنّ قائدهم موجود. لقد كانت هالة إبلاس منافسة لهالة إدريس تماما لوقت محدّد، لكنّها فاقتها حتّى قليلا. كان هذا الصراع قويّا لدرجة جعله الناس في العديد من المدن القريبة يفقدون الوعي، وأجبر السحرة على التقيّؤ بسبب شعورهم بالدوار وثقل تنفّسهم بعدما سقطوا ممدّدين على الأرضيّة.

"حاولوا أن تحافظوا على حياتكم!" عبس إبلاس وأكمل: "لا أعلم إن كنت أستطيع القتال وحمايتكم في نفس الوقت."

علم إبلاس أنّ هناك شيء مختلف هذه المرّة بإدريس الحكيم عن كلّ المرّات السابقة، وخصوصا بحكمته السياديّة التي لم يستطِع أن يرى من خلالها شيئا قطّ. لم يكن واثقا من حماية أتباعه بينما يقاتله.

ارتعد الستة ولم يفكّروا لوقت أطول قبل أن يسرعوا ويبتعدوا آلاف الأميال. فحتّى لو لم تكن مسافة بعيدة على إبلاس وإدريس، كانت كافية لهم للهروب من مدى هجماتهما والتورّط في مجال دمارهما.

وبالطبع، لم يتجرّؤوا أيضا على الاقتراب من المدينة التي حماها إدريس الحكيم، خوفا من أن تكون نهايتهم سريعة دون أن يعلموا كيف ماتوا كما حدث لصاحبهم.

حدّق إدريس الحكيم فجأة إلى قلب المدينة برؤيته السحيقة فرأى باسل وأنمار يخلوان الناس. كان هناك بعض السحرة الذين أحسّوا بالخطر بعدما دُمّرت المصفوفة فابتعدوا عشرات الأميال عن المدينة، لكنّهم علموا أنّ ذلك ليس كافيا لينجوا من هيمنة ذينك الكيانيْن المرعبين.

حدثت الكثير من الأشياء في العالم الواهن التي فتحت عصرا جديدا كالقسم الثاني من مستويات الربط، والإكسيرات، والأسلحة الأثريّة، ولكن كان هذان الكيانان أكثر ممّا يمكن لعقولهم تحمّله.


بدأت الناس تخلو مدينة العصر الجديد بعدما أظهر باسل نفسه كالجنرال الأعلى، وبالطبع ساعده الحارس جون وباقي قوّات المدينة. لقد كانت الإجراءات الاحتياطيّة في حالة ما إذا وقع شيء كهذا مثاليّة، لذا كان الإخلاء سريعا للغاية. تكلّف السحرة بمساعدة السكّان حتّى يغادروا بخفّة كبرى.

باام بووم باام

تفرقع الهواء واختفى إدريس الحكيم وشيطان اليأس وبقي طيفاهما فقط في المكانين اللذين اعتادا على العوم فيه. سُمِعت عدّة ضربات جعلت هدير الرعد لا يُسمع عندما صدى صوتها، وانطلقت شرارات من التلاحمات التي حدثت بين الاثنين امتزجت مع البرق في السماء وسقطت في العديد من الأماكن مخلّفة حفرا من الرماد.

كانت كلّ لكمة منهما تزلزل العالم وتجعل الناس يخافون من مجيء دور انكسار السماء على يد هذين المخلوقين المهولين.

لقد كان كلّ ذلك مجرّد تلاحم جسديّ بين إدريس الحكيم وشيطان اليأس، إلّا أنّ كل لكمة حملت معها وزن جبال وسرعة البرق. كانت هذه بداية القتال المعتادة بين هذين الاثنين؛ لطالما بدآ معركتهما بشحذ جسديهما عن طريق تبادل بعض الضربات.

انهارت العديد من المناطق التي دُعِّمت بالسحر بمدينة العصر الجديد بعدما سقطت عليها تلك الشرارات البرقيّة وانتشرت فيها العواصف المتولّدة من الصدمات الصوتيّة، فما بالك بما حدث للمناطق العادية بالمدينة. لقد أصبحت مدينة العصر الجديد أطلالا في دقائق! وبالطبع حدث نفس الشيء للعديد من المناطق المحيطة.

ولحسن حظّ السكّان أنّهم كانوا قد أخلوا المنطقة القريبة من الضرر الأكبر مسبقا، وكلّ ما كان يهدّد حياتهم قد تصدِّي له من باسل وجميع السحرة الآخرين.

ابتسم إدريس الحكيم بعدما رأى أنّ المدينة قد أصبحت خالية في دقائق بعدما وصل باسل، ورضي عمّا فعله. وبالطبع لم يحتج لقول أيّ شيء لباسل، لأنّ هذا الأخير كان يعلم ما عليه فعله جيّدا. لقد كان ذلك التلاحم الأخير مجرّد قتال جسديّ لا غير، ولم يُستخدم فيه فنونا قتاليّة ولا سحر ولا تقنيات روحيّة. كلّ ذلك كان إشارة للمدى الهائل الذي سيشمله دمار هذه المعركة.

تنفّس باسل الصعداء عندما وجد أمّه والعمّة سميرة. لقد كان هذا أهمّ شيء له في تلك اللحظات الصعبة. كلّ ما فكّر فيه هو سلامتهما ولم يعتبر شيئا آخرَ حتّى تأكّد من صحّتهما وعافيتهما. لقد كانت أمّه بالخصوص سببه في إدخال نفسه في شيء مزعج كتقوية العالم الواهن. لو لم تكن موجودة لما أقلق نفسه بكلّ ذلك وتمتّع بإرضاء فضوله فقط.


كانت الوسيلة الوحيدة المضمونة لإعطاء لوالدته مكانا آمنا للعيش في العالم الواهن هو جعل العالم الواهن آمنا.

بصق إبلاس بعض الدم من فمه ثم مسحه، وحدّق إلى إدريس الحكيم بعينين ضيّقتين: "يبدو أنّني لا أملك ولن أملك فرصة أمامك بالقتال الجسديّ ما حيينا. ما الجحيم الذي مررت به يا حكيم حتّى يصير لديك ذلك الجسد القاسي؟"

كان إدريس الحكيم يلمع بضوء فضّيّ كعادته، ولم يكن هناك خدش واحد عليه. ابتسم بتكلّف وأجاب: "مجرّد تدريبات خفيفة يا إبلاس، لا يمكنها أن تُعتبَر من طرفك حتّى."

كان إدريس الحكيم يستخدم حكمته السياديّة، لذا كانت كلّ كلمة منه تبدو حقيقة مطلقة، فلم يستطع إبلاس الرؤية عبره حتّى بعينيْ حقيقته، ولكن حتّى بدون الحاجة لاستخدام عينيه في هذه اللحظات كان يعلم تماما أنّ إدريس الحكيم كان يلاعبه فقط. لقد كان هذا شيء خاص بينهما دائما. كانا عدوّيْن لدوديْن، ولكن بما أنّهما لم يختما نتيجة معاركهما قطّ أصبحا يتعلّمان من بعضهما بعضا كصديقين متنافسين. كانت علاقتهما نادرة للغاية.

أزاح شيطان اليأس نظره عن إدريس الحكيم، ثم نظر بعينيه اللتين تستطيعان كشف ما ستره الكفّ إلى عشرات الأميال بعيدا. كان يحدّق بالضبط إلى شخص ما كان يهرب مع الناس، أو يجب القول كان يقودهم. وبالطبع كان هذا الشخص هو باسل.

ابتسم إبلاس ثم نظر إلى إدريس الحكيم بينما يقول: "لقد كنت ترمي بعض النظرات إلى ذلك الاتّجاه لذا تساءلت عمّا يثير انتباهك أثناء تبادلنا الضربات، ولكن... أنت يا قاسي الرأس صعب المراس علّمت شخصا من العالم الواهن؟!" وضع يده بعد ذلك على وجهه، فظهر من بين أصابعه تلك الابتسامة التي كان يحاول إخفاءها. لقد كانت تلك عادة به.

قطب إدريس الحكيم بعدما علم إبلاس عن هذا الأمر.

ضحك شيطان اليأس بصوت مرتفع أخيرا بعدما أزال يده. رفع ذراعيه إلى الأعلى وقال بصوت مرتفع: "حسنا، حسنا. الآن هذا جيّد، فعلا جيّد."

"لا تحاول القيام بشيء غريب يا إبلاس!" أسرع إدريس الحكيم في التكلّم: "أنت تعلم..."

"غريب؟!" قاطعه إبلاس فجأة مواصلا حديثه بصوت مرتفع: "أيّ غرابة تتحدّث عنها يا تُرى؟ أو لستُ أتصرّف كعادتي؟ هذا هو أنا يا حكيم. لا تنسَ، حتّى لو كنت تعطيني متعة مختلفة، فلن تقترب أبدا من تلك التي أناشدها منك."


"مسَّ منه شعرة وسأسلخ من أقربائك عشرة!" تحدّث إدريس الحكيم بتجهّم يعتلي محياه. امتدّت نيّة قتله طولا وعرضا فجعلت الناس تعتقد أنّ وحشا من جحيم ما قد اجتاح عالمهم الفاني هذا. أكمل بنفس الوتيرة: "لا تكن جشعا كي لا تلقى مصيرا بشعا!"

"هاهاها!" ضحك إبلاس بصوت عال من جديد وقال: "تهدّدني؟ أنا يا حكيم؟ لا أكون جشعا؟ ومتى كنت قانعا؟ إنّك تطلب الكثير. لقد حرمتني من رؤية النظرة التي أريد على محياك طيلة ألف سنة، فكيف تريدني أن أضبط نفسي. هاهاها!"

"اليوم، إنّه اليوم. لا، بل الآن." ارتعش جسد إبلاس من الحماس، ثم التفت بسرعة مرعبة واخترق بصره 'باسلا' كاشفا كلّ شيء.

انكسار

تشقّق الهواء فجأة كقطعة زجاج، فاختفى إبلاس في نفس الوقت. لقد استخدم فنّه القتاليّ في تلك اللحظة، وعلى ما يبدو، فقد كان يشبه فنّ هدّام الضروس القتاليّ.

وبالطبع، لم يفت ذلك إدريس الحكيم الذي رأى برؤيته السحيقة نوايا إبلاس، وبتحليله الشامل جهّز أفضل طريقة لمقاومة ذلك، وبتحكّمه السليم طبّق كلّ ذلك.

ززن

اختفى إدريس الحكيم في نفس الوقت بعدما خلّف صوتا يشبه صوت تقاطع سيفين، وظهر مرّة أخرى فوق باسل بمئات الأمتار. كانت سرعته كبيرة للغاية ففاق إبلاس بكلّ سهولة واعترض طريقه. كان إبلاس في هذه الأثناء أمامه ببعد عشرات الأمتار.

أرجع إدريس الحكيم ذراعه إلى الوراء استعداد للّكم، ثم أطلق ضربة صاحبها عاصفة وهدير رعد أرعب الناس.


أرسِل إبلاس محلّقا عدّة أميال مصطدما بعد ذلك بالخراب الذي اعتاد أن يكون مدينة العصر الجديد. لقد كانت تلك ضربة مدمّرة بشكل لا يصدّق. فلو كان هناك حاكم أو ملك روحيّيْن أمامها لشعرا بالوهن والعجز الكلّيّيْن، ولم يكن ليتبقى منهما عظما إلّا وتحوّل إلى غبار بداخل جسميهما المفرومين.

ومع ذلك، انبثق شيطان اليأس من الغبار كوميض ضوئيّ كما لو لم يحدث له شيء. كان على ما يرام، حتّى أنّ تعبيراته كانت مشرقة. كان مزاجه جيّدا كثيرا أكثر من أيّ وقت مضى.

أكمل باسل والآخرون الهرب دون التوقّف. تأكّد بعض الأشخاص أخيرا أنّه عليهم الهروب بعيدا بمئات آلاف الأميال إن أرادوا أن ينجو من آثار دمار هذه المعركة.

تحدّث إدريس الحكيم آنذاك بنظرات عازمة: "أنا أقسم لك يا إبلاس، لو مسسته بأيّ شرّ، لأقتلنّك حتّى لو كان الثمن روحي."

"هاهاها!" ضحك شيطان اليأس مرّة أخرى متمتّعا: "نعم. تلك النظرات هي بداية متعتي. أتشوّق لرؤية تغيّرها."

نظر إلى باسل البعيد ثم قال: "سيكون فتاك فاخر غيورا يا حكيم لو رأى ما تفعله من أجل هذا الفتى." أكمل ضحكه ثم واصل كلامه بعد ذلك: "هناك أمر يشغل بالي. أصبحت أريد أن أعرف هل كان هذا الفتى أم أنت من قتل فتاي."

صمت إدريس الحكيم ولم يجبه.

لوّح إبلاس يده قائلا: "لا، لا تحتاج للإجابة حتّى. لقد كان من الغريب أصلا تدخّلك وقتلك مجرّد ساحر. لابدّ وأنّك تركت هذا الفتى يتعامل معه. يبدو أنّه يستعمل خطوات الرياح الخفيفة، ويبدو أنّ هناك شيء غريب يحدث في بحر روحه. هذا مثير، مثير للغاية. لربّما يكون أحد ألغاز العالم التي لطالما حيّرتني."

عبس إدريس الحكيم عندما سمع ذلك. لقد كان ذلك بسبب أنّ إبلاس قال شيئا آخر غير رغبته في استعمال باسل في صالحه ضدّه. لقد أراد شيطان اليأس أن يرى اليأس في وجهه، لذا أراد أن يستخدم باسل، لكنّه الآن أبدى اهتماما لما يحدث مع باسل وربطه بألغاز ما.

شكّ إدريس الحكيم في ما إذا كان إبلاس يعلم شيئا عن حالة باسل، لذا ازداد قلقه أكثر؛ فبذلك ستكون رغبة إبلاس بباسل أشدّ. لطالما كان التعامل مع هوسه صعبا، لكنّه الآن سيصير أصعب.


لم يجرؤ إدريس الحكيم على التفكير لثانية أخرى، ففعّل طاقته الروحيّة، وإذا بأرض واسعة يمكنها حمل السماء وتغطية العالم تظهر تحته مباشرة. لقد كانت حمراء كثيرا كما لو أنّها اعتادت أن تكون ساحة قتال سُفِكت فيها دماء الملايين. كانت هذه الأرض واسعة كأرض إمبراطوريّة ما بشسوعها، وغطّت جزءا كبيرا من العالم الواهن في لحظة.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ؛ انبثقت أعشاب وأزهار في الأرض الواسعة فجأة فبدت حيّة للغاية ووفيرة بالطاقة الروحيّة. بدت كأنّها أرض عالم عميقة مباركة تحمل كمّا هائلا من جوهر طاقة العالم. كان بها نبع طاقة روحيّة متّصل بجذر شجرة لم تنبت بعد تعمّق إلى نهايتها ممّا جعلها تكسب قوّة عظيمة، وتمركزها جوهر روحيّ بدا كأنّه الروح نفسها.

عبس إبلاس عندما رأى هذه الأرض الواسعة ونطق: "نطاق أرض العالم!" ابتسم بتكلّف ثم أكمل: "حسنا، حسنا. هذا غير متوقّع نظرا لموهبته الميّتة. يبدو أنّ الحكمة السياديّة تغيّر الشخص حقّا."

لم يتوقّف دور الحكمة السياديّة في جعل مظهر إدريس الحكيم لوحده متخفّيّا، بل جعلت مستواه غير معروف لأشخاص يفوقونه بمستويات مرتفعة كثيرا أيضا. لم يستطع شيطان اليأس رؤية هذه الحقيقة حتّى بعينيْ حقيقته.

جعلت هذه الأرض الواسعة العالمَ الواهنَ مظلّلا للحظات، قبل أن تختفي مرّة أخرى. وللدقّة، لم تختفِ وإنّما تحوّلت، أو يجب القول اندمجت مع رمح خشبيّ كان بيد إدريس الحكيم. صار الرمح الخشبيّ بعد ذلك مشعّا، وأصبح أحمرا، وبدا كما لو أنّه صار ثقيلا بوزن تلك الأرض الواسعة، وغنيّا بطاقتها، ومدعّما بقوّتها.

لقد كان ذلك سلاح إدريس الحكيم الروحيّ.

ظهر كلّ شيء للعيان عندما قرّر إدريس الحكيم استخدام سلاحه الروحيّ المدعّم بنطاقه بأكمله. لقد عنى ذلك أنّه يستخدم كلّ ما يملك من قوّة روحيّة في سلاحه الروحيّ.

كان عندما يجعل الساحر الروحيّ كنزا ما سلاحه الروحيّ، يدمجه تماما بروحه ممّا يجعله قابلا للاندماج بالنطاق الروحيّ بالطبع. كلّ ذلك يجعل السلاح الروحيّ يحمل خواصّ النطاق الروحيّ الذي بلغه الساحر الروحيّ ويدمج قدراته الخاصة بها.

وبعدما ينهي الساحر الروحيّ ذلك يكون قد اكتمل سلاحه الروحيّ أخيرا.

ابتسم إبلاس حينما رأى ما فعله إدريس الحكيم وقال بهدوء بالرغم من تفاجئه سابقا: "أرض واسعة كإمبراطوريّة، وحيّةٌ حمراءٌ، ووفيرةٌ لامعةٌ، وعميقة."

حكّ ذقنه ثم صرّح: "في الواقع، لم أكن أظنّ أنّك ستبلغ مرحلة العمق بنطاق أرض العالم، لكن أنّك نجحت بطريقة ما."

كان إدريس الحكيم يحدّق إليه بازدراء من السماء كمخلوق سامٍ ينظر باستصغار إلى بقيّة المخلوقات. لم يتكلّم قطّ وواصل شحذ سلاحه الروحيّ بينما يتحكّم فيه بشكل استثنائيّ، حتّى شيطان اليأس كان غيورا من درجة التحكّم تلك.


صنع إبلاس ابتسامة باهتة وأكمل: "فوجئت تماما عندما رأيت عمق أرض عالمك. هل يمكن أنّك وجدت كنزا ما ساعدك؟ أجد تحقيقك هذا ولو بحكمتك السياديّة صعب التصديق، نظرا إلى موهبتك الميّتة. وإضافة إلى ذلك، لا يجب أن تبلغ هذا العمق بما أنّك بلغت تلك المراحل فقط بنطاقاتك الثلاثة الأولى."

صمت إدريس الحكيم كما لو أنّه يخبر شيطان اليأس أن يكفّ عن الكلام، ثم ضرب قاعدة رمحه الأحمر اللامع بالهواء، فصدى صوتٌ في جميع الاتّجاهات بموجات صوتية لم يبدُ أنّها تضعف بينما تتنقّل عبر المسافات البعيدة.

أصبح كلّ شيء هادئ بعدما هدأ الصوت أخيرا، وعندئذ تكلّم إدريس الحكيم أخيرا بصوت هادئ، ومع ذلك كان صوته يخترق الروح ويتلاعب بالعواطف: "يا إبلاس، انس عاداتنا. لننهِ هذا الآن."

كشّر إبلاس عن أنيابه الطويلة فجأة، فتجلّى تعطّشه للدماء ونيّة قتله الوحشيّة. شعرت الوحوش في الكثير من المناطق المحظورة بجميع مستوياتها بالرعب واختفت من المرأى إلى أعمق مخابئها. شعر ناس مدينة العصر الجديد الذين كانوا يهربون بالهلع أكثر فأكثر، وأصبحت خطواتهم أسرع فأسرع.

كان باسل عابسا طوال الوقت بينما يتساءل عمّا سيحدث، وعندما شعر بنيّة قتل شيطان اليأس زاد قلقا أكثر من ذي قبل. اقتربت منه أنمار ثمّ أمسكت يده وقالت بصوت حازم: "ما هذا الذي أراه على محياك؟ أيمكن أنّه قلق؟" أحكمت إمساكها ليده ثم أكملت بنظرة أكثر جديّة: "لا تنسَ يا باسل، إنّ معلّمنا هو الأفضل."

ارتاح قلب باسل قليلا عندما سمع كلمات أنمار. لقد كانت هذه الكلمات هي أشدّ شيء يريد سماعه في هاته اللحظات. ابتسم في وجهها قائلا: "معك حقّ. إنّه الأفضل."

قطبت أنمار حينما رأت ابتسامة باسل، فعلمت أن هناك شيء غريب. توقّفت فتوقّف معها باسل، فسألته مباشرة بعد ذلك: "ذلك الوجه، أيمكن أنّه حدسك؟"

نظر باسل إلى جهة معلّمه ولم يجب أنمار بعدما كان قد أعطاها الإجابة بتعبيراته تلك. لم يكن قلقه من فراغ، لقد كان من حدسه الذي لطالما كان صائبا، لذا لم يستطع أن يخفي هاجسه وخوفه من تحقّق ما لا يريده أن يحدث.


أفلتت أنمار يده، ثم وضعت بعد ذلك كفّيها على وجهه وجعلته ينظر إليها مباشرة، فاقتربت من وجهه حتّى صارت عيناها قريبتين من عينيه، فقالت بعد ذلك: "إنّه الأفضل، لذا سيتفوّق حتّى على حدسك هذا."

تنهّد باسل بعدما حدّق إلى أنمار لمدّة طويلة عن قرب، ثمّ وضع جبهته على جبهتها وقال: "معك حقّ. فهكذا يكون الأفضل."

أمسك يدها ثمّ أكملا الجري بعيدا. لقد كانا يعلمان أنّه يجب عليهما الابتعاد إلى أقصى ما يستطيعون. وبالطبع، كان باسل قد استخدم خاتم التخاطر وأبلغ الكبير أكاغي كي يغادروا إلى العاصمة ويتّخذوا أقصى إجراءات الاحتياط، وكذلك فعل الإمبراطوران الآخران. لقد علموا أنّ خطرا مشابها لما حدث قبل خمسة عشر سنة يغزو عالمهم، لكنّ باسل طمأنهم بأنّ هذه المرّة مختلفة عن السابقة؛ هذه المرّة يوجد شخص قادر على التعامل مع هذا الخطر، ولم يكن هذا الشخص هو بنفسه، وإنّما أحد آخر.

فهم الكبير أكاغي من كلام باسل أنّ هذا الشخص يجب أن يكون أقوى من باسل بكثير، وتذكّر ما حدث في نهاية الحرب الشاملة. بما أنّ باسل ليس الشخص الذي سيتعامل مع هذا الأمر، يجب أن يكون ذلك الشخص أقوى منه بالطبع.

أصبح العالم الواهن مرتعبا بعدما حدثت كلّ تلك الزلازل والعواصف. لقد كان هناك هدوء وسكون مؤخّرا، ولكنّ كلّ ذلك صار كحلم عابر بعدما أيقظهم ذلك القتال الجنونيّ. لقد كان هذا معنى قتال يهزّ العالم.

تبقّى في أكاديميّة الاتحاد العظمى تشكيل بطل البحر القرمزيّ فقط، وشغّلوا أعظم وسائلهم الدفاعية استعدادا للأسوء.

نظرت أنمار مرّة أخرى إلى إدريس الحكيم كما لو أنّها تحاول ترسيخ شكله في ذاكرتها؛ لقد هذا الشكل جديدا عليها؛ لم يسبق لها أن رأت معلّمهما هكذا أو تخيّلت أنّه سيكون شابّا في الواقع ليس عجوزا.

سألت باسل باهتمام: "هل كنت تعلم عن مظهر معلّمنا؟"


أومأ باسل رأسه وقال: "لقد سألته عن السبب الذي يجعله يقوم بذلك، فأخبرني أنّها مجرّد عادة. يحبّ أن يلاعب الآخرين، وخصوصا الأقربين."

تنهّد باسل بينما ينظر إلى أنمار؛ كان يفكرّ آنذاك في شيء واحد – علم أخيرا ما السبب الذي جعل أنمار تروق لمعلّمه بلقائهما الأوّل. كان غريبا في الواقع أن يتّخذها إدريس الحكيم تلميذه له بتلك البساطة.

وبالطبع، كانت هناك مقاصد أخرى لإدريس الحكيم وراء تعليمه أنمار، فحتّى لو أعجبته شخصيّتها التي أشبهت خاصته نوعا ما، لم يكن ليجعلها تلميذه له بتلك السهولة. لقد كان يفكّر في الأفضل لتلاميذه، لذا أرادها أن ترافق باسل في مساره الروحيّ الطويل. لم يكن هناك ما هو أفضل من مرافق أبديّ يفهمك ويقدّرك مهما حدث. لقد رأى بحكمته السياديّة مدى حبّها له، وقدّر أنّه حتّى لو فرّقتهما عصور فسوف تبقى مشاعرها لباسل نفسها أو تزداد فقط.

حدّق إدريس الحكيم إلى وجه إبلاس المتحمّس واستعدّ جيّدا. حافظ شيطان اليأس على ابتسامته تلك وارتفع إلى السماء فجأة في لحظة واحدة. ظهر بيده اليمنى سلاح معقوف يشبه الهلال شكلا. لقد كان هذا السلاح يبدو بسيطا من الوهلة الأولى كسلاح سحريّ، ولكن بعد التدقيق بأعين جيّدة، يمكن للشخص أن يعرف أنه ذو أصل عتيق ولا يُدرَك غوره.

حدّق إدريس الحكيم إلى هذا السلاح وتذكر بعض الذكريات القديمة. نظر إلى إبلاس ثمّ قال: "لقد حصلتَ على مثل هذه الأداة الجيّدة آنذاك، لكنّك حقّا كنت ولا تزال جشعا؛ مع أنّك كسبتَ 'سيف هلالِ الألفِ عصرٍ' إلّا أنّك طمعتَ في قرص بحيرة المائة الفضّيّ."

ابتسم إبلاس وردّ: "لطالما كنت أنا وسأبقى كذلك. لن أتغيّر أبدا. أتعلم لمَ؟ ذلك لأنّني أحبّ نفسي هكذا."

كان شيطان اليأس يفتخر بشخصيته علانيّة. في الحالات الطبيعيّة، كان بعض الأشخاص سيفقدون حسّهم السليم بعدما يقومون ببعض الأفعال الخاطئة إن لم يثوبوا إلى رشدهم بسرعة، أو سيؤنِّبهم ضميرهم ممّا يجعلهم يكرهون أنفسهم أو لا يمدحونها على الأقلّ، ولكن كلّ ذلك كان مختلفا مع إبلاس.

لم يزد كلمة على ذلك وفعّل طاقته الروحيّة التي انتشرت في جميع الاتّجاهات وأسقطت العالم الواهن في رعب شديد من يأس عميق.


ظهرت بعد ذلك أرض واسعة غطّت العالم الواهن. لقد كان من الواضح أنّها أكبر من الأرض التي أظهرها إدريس الحكيم. كانت هذه الأرض زرقاء اللون، وأشعّت كما لو أنّها تستمدّ ضوءها من الشمس، فأنارت السماء أعلاها والأرض أسفلها. كانت أعشابها وأزهارها التي انبثقت من أعماقها كقطع من اليشم والمرو. كان عمقها مثل العمق الذي بلغته أرض إدريس الحكيم.

مرّ عبرها نبع طاقة روحيّة كان واضحا أنّه أغنى من الخاص بإدريس الحكيم، ولكن ليس ذلك ما كان مدهشا، بل ما كان يحدث بمرور طاقة هذا النبع في هذه الأرض ذات الخصوبة بشكل لا يوصف.

قطب إدريس الحكيم كما لو كان ينتظر حدوث شيء ما، وفي اللحظة التالية، أصبحت الزهور والأعشاب أشجارا فجأة وتحوّلت إلى غابات جاورتها بعض الجبال التي ظهرت من الأعماق بسرعة خاطفة. كان هذا بسبب التغذية التي تلقّتها من نبع الطاقة الروحيّة في الأرض.

كان جذر شجرة لم تنبت بعد يتغذّى من هذا النبع باستمرار، لكنّ نموّه كان أبطأ بكثير مقارنة بالأعشاب والأزهار الأخرى.

صنعت الجبال ممرّا معوجّا امتدّ عبر الأرض الواسعة بأكملها حتّى بلغ باطنها واتّصل بنبع الطاقة الروحيّة. وفجأة بدأت أشجار الغابات تقطّر بعض القطرات بدت كرحيق يطيل العمر عبر شربه ويغذي الروح بحيويّة وطاقة غير محدودتين. كان هذه القطرات بلون أزرق وبدت كأنّها كانت فيما سبق طاقة استخلِصَت من أحجار الأصل السامية، وكُثِّفَت عندئذ لدرجة مدهشة.

نزلت القطرات ببطء، لكنّها سرعان ما أصبحت كالمطر فشبَّعت الأرض الواسعة. غاصت بعد ذلك حتّى التقت بنبع الطاقة الروحيّة وجعلّته يغلي كأنّه تعرّض لقطرات من الجحيم. وبعد لحظات هدأ النبع، ثم انفجر في اللحظة التالية في المنطقة التي يتّصل بها مع الممرّ الذي صنعته الجبال.

خلّف هذا الانفجار هيجانا من النبع، فانطلق هذا الأخير، بعدما أصبح لونه أزرقا، عبر الممرّ صانعا نهرا غنيّا بالطاقة الروحيّة المركّزة. كان هذا النهر أزرقا وجعل لمعان الأرض الزرقاء يبدو باهتا مقارنة به. لقد كانت درجة طاقته الروحيّة مختلفة عن تلك التي تتمتّع بها الأرض الواسعة أو التي كان يملكها قبلا عندما كان نبعا.

انزلقت مياه هذا النهر عبر بعض الشقوق وغنّت الجبال والغابات فجعلتها برّاقة عمّا كانت عليه بشكل ملاحظ بكثير، ومرّة أخرى قطّرت الأشجار قطرات من نفس النوع السابق وتكرّرت نفس العمليّة. كانت دورة تصبح فيها الطاقة الروحيّة مركّزة بأضعاف كثيرة.


كانت الأرض الواسعة مهيبة، ولكن عندما انبثق هذا النهر أصبحت تبدو مباركة بشكل لا يوصف، وللدّقّة، لقد غدت مباركة حقّا. اكتسبت رقيا روحانيّا وجعلت إبلاس الذي كان يقف عليها يبدو كمخلوق سامٍ أتى بقارّة من عالم مبارك إلى هذا العالم الواهن.

توهّج جسد شيطان اليأسّ بضوء ذهبيّ وبدا كشمس ساطعة تجسّدت في جسد شخص ما. كان في هاته اللحظات يبدو مباركا بالرغم من الهالة الفظيعة التي كانت تنبعث منه، وجعل كلّ شخص يقرّ بعظمته ويهابه.

كان إدريس الحكيم لا يزال عابسا، وعندما لاحظ شكل إبلاس الحالي لم يسعه سوى أن يصرّح: "نطاق نهر العالم مدهش حقّا، يتغيّر الشخص تماما حينما يصير روحانيّا مباركا."

فكّر أثناء ذلك في الكثير من الأمور. لو لم يكسب الحكمة السياديّة لكان مجرّد حشرة أمام إبلاس لا يمكنها بلوغ الذروة مهما تدفّق الزمن. كان شيطان اليأس عبقرّيا منذ ولادته، ولم يكن هناك العديد من أقرانه في كلّ العوالم الروحيّة. لقد كان مستقبله واعدا للغاية.

تمتم إدريس الحكيم لنفسه: "أرض واسعة كقارّة، وحيّة زرقاء، ووفيرة مشعّة، وعميقة." تحسّر على الفرق في الموهبة العظيم بينهما وأكمل: "إنّه يفوقني في النطاقات الثلاث الأولى، ويعادلني في الرابع، لكنّه قد بلغ نطاق نهر العالم بالفعل."

كانت هناك مراحل بجميع النطاقات، وعلى ما يبدو، فإنّ شيطان اليأس يفوق إدريس الحكيم في مراحل نطاق الأرض الواسعة، ونطاق الأرض الحيّة، ونطاق الأرض الوفيرة، ويعادله في نطاق أرض العالم، ولكنّ إدريس الحكيم كان لا يزال لم يبلغ نطاق نهر العالم لذا كان أضعف في المستوى الروحيّ عامّة.

لكنّه مع ذلك لم يفقد ثقته بنفسه قطّ. لقد لاحظ كلّ هذا برؤيته السحيقة عندما رأى عبر إبلاس والسبعة الآخرين في الأوّل، ولم يعبّر عن ذلك سوى بمثير للاهتمام. لم تكن المستويات الروحيّة مطلقة في القتال بين السحرة الروحيّين، وخصوصا عندما أتى الأمر إلى إدريس الحكيم، خبير الفنون السامي السياديّ. لقد كان يثبت في العديد من القتالات الماضية مرارا وتكرارا أنّه لم يُلقَّب بذلك من فراغ.

حتّى لو كانت موهبته ميّتة، فبحكمته السيادية غطّى ذلك بمشقّة وكان متفوّقا في جهة الفنون القتالية بشكل طاغٍ. كان ذلك يعوّضه بشكل كبير، بل وفاق مرحلة التعويض وكان يمنحه أفضليّة عظيمة.

اختفت الأرض الواسعة التي غطّت جزءا عظيما من العالم الواهن واندمجت بالسيف الهلاليّ الذي كان في يد إبلاس، مانحة إيّاه وزنها العظيم، وطاقتها الوفيرة، وقوّتها الشديدة. أصبح بعد ذلك أزرقا وأطلق وهجا جعل لمعان رمح إدريس الحكيم الأحمر خافتا. كان من الواضح أنّ السيف الهلاليّ كان أقوى بكثير وأغنى بطاقة روحيّة أشد تركيزا ممّا كان عليه الرمح الأحمر.

اكتمل سلاح شيطان اليأس الروحيّ أخيرا.

حدث كلّ هذا في مجرّد لحظات وجيزة جدّا، ولكنّها كانت كافية لإظهار عظمة روحانيّ مبارك للعالم الواهن، أو جزءا منها على الأقلّ. علم باسل أنّ العالم الواهن سيتعرّض لدمار كبير وأمر كلّ سحرة الاستدعاء أن يستدعوا وحوشهم السحريّة ويساعدوا الناس على الهرب إلى أقاصي العالم بعيدا عن ذينك الاثنين، وأخبر الكبير أكاغي أن يقوّوا دفاعاتهم إلى أقصى الدرجات ويختبئوا من الكوارث التي قد تحدث.

قطب أتباع إبلاس الستّة واختفوا من المكان الذي كانوا فيه إلى مكان أبعد بكثير ثم استخدموا كنزا يبدو كبركة مائية صغيرة حتّى يراقبوا عبره المعركة.

كانت هناك مراحل بكلّ نطاق من المستويات الروحيّة، وفورما ينهي الساحر الروحيّ مرحلة ما كلّيّا، فإنّه يكون مؤهّلا للاختراق إلى النطاق التالي، لكنّ ذلك يكون أصعب بطبيعة الحال، ولا يمنحه فرصا جيّدة في بلوغ مراحل مرتفعة في النطاقات القادمة، ويتوقّف نموّه عند نطاق محدّد في النهاية، وفي المقابل كلّما أكمل مراحلَ أكثر سهُل اختراقه إلى النطاقات التالية وزادت فرصه في بلوغ مراحل عليا بها.

كانت موهبة إدريس الحكيم ضعيفة للغاية، لكنّه استطاع التعويض عن ذلك بحكمته السياديّة. أمّا إبلاس، فقد كان من أفضل عباقرة العوالم الروحيّة. قيل أنّ شخصا بموهبته الطبيعيّة لا يظهر إلّا مرّة في عشرة آلاف سنة.

كان بلوغ نطاق نهر العالم يتطلّب تجاوز اختبار تحت القوانين الطبيعيّة التي تحاول قمع انبثاق كيان مثل هذا. لقد كان الساحر الروحيّ الذي يتجاوز هذا الاختبار يدعى بـروحانيّ مبارك.

كان لذلك سبب وجيه؛ ففي الحقيقة، لم يكن هدف تلك القوانين الطبيعيّة النهائيّ هو قمع انبثاق كيان كروحاني مبارك إلى الوجود، وإنّما كانت كممتحِن يختبر أهليّة الشخص الذي يريد بلوغ ذلك النطاق، لذا سمِّي ذلك 'اختبار العالم'، وعرِف أيضا وغالبا بـ'اختبار الجدارة'.

وبعدما يتجاوز هذا الاختبار، يكسب الروحانيّ المبارك قطرات الحياة من جوهر العالم الروحيّ حتّى يصنع نهر عالمه الخاصّ. كانت قطرات الحياة هذه تغذّي نبع أرضه الواسعة حتّى يصبح في النهاية نهرا يمدّه بالحياة.

كان هذا النهر الروحيّ يمثّل حياة جديدة بالنسبة للساحر الروحيّ، أو على الأقلّ بدايتها. فبعدما يصير هذا النهر بحيرة، وتصير البحيرة بحرا، وينتهي إكمال النطاقات الأخرى، سيكون الساحر الروحيّ مستعدّا عندئذ لُيُمتحن من جديد ليُرى إن كان أهلا لاكتساب تلك الحياة الجديدة بأكملها، أم سيمنح حياته الخاصّة التي نمّاها كلّ الوقت الماضي بفشله.

كانت قوانين هذا العالم الطبيعيّة مبرمجة على اختبار هذه الكيانات التي تحاول تجاوز الاختبارات بدون استثناء، ولم ولن يمرّ سوى الجدراء. كان هذا هو السبب في كون عالم السحر والروح يتّخذ منحى النجاة للأجدر، وليس للأقوى.


على مرّ التاريخ، كان هناك العديد من العباقرة الأقوياء؛ إذ هزموا كلّ أعدائهم ومنافسيهم أثناء تسلّقهم إلى القمّة، لكنّهم فشلوا في الاختبار النهائيّ. وفي الجهة الأخرى، كان هناك أشخاص أخذوا وقتهم في الصعود ببطء وقوّوا أسسهم الروحيّة حتّى بلغوا ما لم يبلغه العديد من الأقوياء، وكان هناك آخرون استخدموا مخطّطات واستراتيجيّات لينجحوا في ذلك. كان ذلك خير دليل على نجاح الأجدر وليس الأقوى.

***

فاضت طاقة شيطان اليأس وغمرت العالم الواهن بأكمله جاعلة إيّاه يسقط في يأس عظيم. لم يتجرأ أيّ شخص على التفكير في مواجهة صاحب هذه الطاقة فاختبؤوا في جحورهم.

لم تكن طاقة إدريس الحكيم بندّ لها أيضا؛ استطاعت فقط أن تصارعها من أجل إنارة هاوية اليأس تلك التي يكاد العالم الواهن يسقط فيها. كان إدريس الحكيم في هاته الأثناء كقمر يضيء الظلام السحيق، وكان نوره بالكاد يجعل الرؤية واضحة لأولئك الذين لا يزالون يبحثون عن ضوء الأمل.

كان السيف الهلاليّ الأزرق في يد إبلاس كقطعة من نجم أزرق يجعل الشمس تبدو كشعلة ضئيلة، وكان شيطان اليأس كمخلوق جبّار يمكنه تلويحه ومحو باقي النجوم والمجرّات به.

كان رمح إدريس الحكيم الأحمر خلّابا ومهيبا، وبدا كما لو أنّه صنِع من دماء مخلوقات جبّارة لا تعدّ ولا تحصى. كان يملك قمعا يطبّقه على العالم وقواعده فيحكم بما يشاء.

لم يمرّ وقت طويل على انتهاء الاثنين من استعداداتهما، لكنّ تلك اللحظات القصيرة مضت كأنّها عصور انقلبت فيها الهاوية أملا تارة، واختفى النور متحوّلا إلى ظلام عميق تارة أخرى. كانت تلك العصور من صنع ذينك الاثنين لا غيرهما.

ززن بووم


وفي لحظة، انشقّت سماء العالم الواهن وسقط منها ضوء أحمر يحيطه ضوء فضّيّ بينما تحرّكه رياح تستطيع تحريك الكواكب والنجوم. اتّخذ الضوء الأحمر شكل رمح عملاق، بينما كان الضوء الفضّيّ سرابا للنجوم التي غلّفته حتّى كادت تغطّيه، ثم التفّت حولهما زوابع وأعاصير جعلت الضوءين يتوهّجان أكثر فأكثر في كلّ جزء من الألف من الثانية.

كان يتحكّم في هذا الرمح العملاق إدريس الحكيم، ولم يكن ممكنا رؤيته قطّ إلّا إذا كان الشخص يملك عينين جيّدتين للغاية كعينيْ حقيقة إبلاس.

ارتجف الهواء تحت إبلاس وانشقّت الأراضي ثم تحولّت إلى غبار، وكلّ ذلك كان بسبب الضغط الذي تولّد من طبقات الهواء الزجاجيّة المشوَّهة التي ظهرت وأحاطته من جميع الجهات. كانت هذه التشوّهات الزجاجيّة كأشكال خماسيّة عديدة متداخلة فيما بينها، ولم يكن ممكنا مرور أيّ شيء عبرها.

صرخ إدريس الحكيم الذي ظهر من العدم فجأة: "رمح العدم!"

كان هجومه ذاك أحد أقوى هجماته. لقد حوى كلّ تقنياته مجتمعة مرّة واحدة.

اختفى إدريس الحكيم في كلّ جزء من الألف من الثانية فبدا كأنّه ينتقل عبر الفضاء ويتجاوز الزمن. لقد كانت تحرّكاته تلك تتجاوز مستوى الإمبراطور الروحيّ بكثير ولم يكن ذلك ممكنا إلّا عن طريق شيء واحد – الفنون القتاليّة، وليست أيّة فنون؛ لقد وجب أن يكون أصلها سامٍ أو لن يكون لها هذه الفعّاليّة والمثاليّة.

كان إبلاس مبتسما عندما كان يستعدّ لذلك الهجوم من غريمه، وفي لحظات كان قد شوّه جزءا كبيرا من المنطقة المجاورة، فبدا كما لو كان قد أنشأ عالما ثانويّا يمكنه التحكّم فيه كما يشاء. لقد كان نتاج فنّه القتاليّ الروحيّ.

فجّر بعد ذلك طاقته الروحيّة التي كانت خالصة لدرجة لا تصوّر. كانت الطاقة الروحيّة الخاصة بنطاقات الأرض مجرّد قمامة أمامها، فما بالك بكم هي نفاية كانت الطاقة السحريّة أمامها؟ لقد كانت هذه طاقة روحانيّ مبارك تجاوز اختبار الجدارة وجعل طاقة جوهر العالم ملكا له.

فلو كان السحرة والسحرة الروحيّون يستنزفون طاقة العالم، فلقد كان سحرة لنطاقات الروحانيّة يستنزفون طاقة جوهر العالم، وكانت تلك الطاقة مباركة ويمكنها إحداث تغيّر في قوانين هذا العالم على يد الروحانيّ المبارك. ولهذا كان العالم مبرمجا على عدم ترك أيّ شخص يحصل على هذه الميزة إلّا بتجاوزه اختبار العالم.


غمرت هذه الطاقة ذلك العالم المشوّه فتحوّلت مباشرة إلى شموس تحرّكها عواصف، وفي مركزها تواجد سيف هلال الألف عصر، وكان يمدّها بالطاقة اللازمة كوسيط بينها وبين شيطان اليأس. لقد كان يبدو ذلك العالم المشوّه كمجرّة تخلّلتها نجوم سبحت بينما تصنع موجات تموّجت فزادت المجرّة تعقيدا.

تكوّن بحر نجوم هائج عاصف وانطلق ليجابه رمح العدم. كلّ ذلك جرى بتحكّم إبلاس الذي صرخ أيضا: "سيف المجرّة المشوَّهة!"

باام

التقت المجرّة المشوّهة برمح العدم واختلطت قوانينهما فجعلت من قوانين العالم الواهن عديمة الفائدة. كلّ شيء أصبح تحت سيطرتهما ولم يعد هناك منطق خارجيّ يمكنه شرحهما. لقد كانا أبعد وخارج سلطة هذا العالم، وتحت سلطتهما تحوّل العالم الواهن إلى كوكب يكاد ينكسر من شدّة الاهتزاز الذي كان يحدث به، لكنّه كان لا يزال عالم سحريّا ولم يكن من السهل تدميره. ومع ذلك، تشتّت الجبال المحيطة وجفّت الأنهار المجاورة وأظلمت السماء.

وفي المقابل، استمرّ رمح العدم في اختراق كلّ شيء مبيدا كلّ ما يعترض طريقه على يد إدريس الحكيم. لقد كانت قوّة هذا الرمح مدهشة للغاية وفاقت كلّ المتوقّعات. لقد كان ذلك بسبب خاصّية الرمح الخشبيّ الأصليّة - مضاعفة الطاقة السحريّة!

كانت طاقة إدريس الحكيم كإمبراطور روحيّ أقلّ بكثير من طاقة روحانيّ مبارك، وأقلّ نقاوة منها، لكنّه كان بإمكانها تعزيز طاقته وجعلها تنمو بشكل مرعب عبر قدرة الرمح الخشبي. لقد كان ذلك مثلما حدث مع باسل في معركته الأخيرة ضدّ هدّام الضروس.

كان سرّ قدرة هذا الرمح الخشبيّ يكمن في أصله. لقد كان مجرّد غصن ورث قدرة الشجرة الأمّ في الواقع. لقد كانت هذه القدرة تسمح له باستنزاف طاقة المستخدم واستخدامها كمحفّز يجعله يشفط طاقة العالم حتّى يضاعف الطاقة التي تلقّاها مسبقا من المستخدم.

ولكن لم يكن هذا هو الجزء المرعب في هذا الهجوم، لقد كان ذلك بسبب ما جعل إدريس الحكيم يُلقَّب بخبير الفنون السامي السياديّ.


لقد كان ذلك بسبب تحرّكات إدريس الحكيم حامل رمح العدم التي لم يستطِع إبلاس رؤيتها حتّى لو كان روحانيّ مبارك إلّا بعدما استخدم عينيْ حقيقته بكامل قوّتهما.

ضحك إبلاس ثم تحكّم في سيفه الهلاليّ من بعيد ولم يتجرّأ على الالتحام مع إدريس الحكيم عن قرب. لقد كان متأكّدا من تعرّضه لجراح بالغة لو التحم معه بشكل مباشر.

. كانت المجرّة المشوّهة تطلق أضواءها الغريبة في جميع الاتجاهات، بينما تتفرقع نجومها كقنابل نارية، وشحذت العواصف ذلك فكوّنت كمّا هائلا من النيران الزرقاء التي اندمجت في النهاية بالسيف الهلاليّ الأزرق، والذي اخترق بعد ذلك المجرّة المشوّهة نفسها ليخلّف دويا هزّ العالم الواهن بزلازل لم تتوقّف إلّا بعد مرور وقت طويل.

التقى رمح العدم بسيف المجرّة المشوّهة فجعلا عشرات الأميال تتحوّل إلى غبار كآثار لاصطدامهما، وسبّبا الرعب والفزع لناس العالم الواهن من هولهما.

كلّ الأشخاص المهمّين ردّدوا بهلع: "أيّ أهوال هذه؟!"

"أهوال نهاية عالمنا قد حلّت!"

حاول سيف المجرّة المشوّهة بكلّ ما يملك من قوّة اختراق رمح العدم، لكنّ إدريس الحكيم كانت له اليد العليا هنا باستخدامه شيئا آخر غير الطاقة الروحيّة بشكل مباشر.

فلو كان شيطان اليأس قد استخدم طاقته الروحيّة مباشرة وفنّه القتاليّ الروحيّ عن بعد، فلقد كان إدريس الحكيم يفعل الاثنين بشكل مباشر ممّا منح له أفضليّة. وبالطبع لم يكن إبلاس ليتجرّأ على الاقتراب من إدريس الحكيم وهو في هذه الحالة بسهولة.

انشقّ الهواء وظهرت فراغات بنفسجيّة إثر شدّة الالتقاء بين السلاحين الروحيّين؛ لقد كان ذلك الالتحام عظيما لدرجة مهولة. حتّى قوانين العالم انكسرت وصُنِعت شروخ فضائيّة أصبحت مباشرة بوّابات لمأوى العدم.


وتحت تحكّم وتحليل إدريس الحكيم، وبصيرته السحيقة، أَضعِف كلّ شيء بشكل كبير ثمّ نُفِيَ إلى ذلك العدم. لقد كان كلّ ذلك ممكنا لأنّه كان إدريس الحكيم، خبير الفنون السامي السياديّ.

صرخ شيطان اليأس: "نعم! هذا هو خبير الفنون السامي السياديّ. هذا هو الشخص الذي هابته العوالم الروحيّة وعجزت الكثير من الشخصيات العظمى عن قتله."

فتح ذراعيه على مصراعيهما ثم أكمل بشكل هيستيري: "لا أحد غيرك في العوالم الروحيّة يمكنه أن يكون منافسا جديرا لي. نعم، كلّ العباقرة مجرّد حشرات أمامي، إلّا أنت يا حكيم؛ ولهذا تعجبني، أنت يا من أجبرت كلّ عباقرة العوالم الروحيّة على سلك الطريق الطويل واحتكرت الطريق المختصر. اليوم، باعتباره كآخر يوم لك، أنا أقرّ بأنّك الأفضل!"

"نعم، أنت الأفضل يا مستخدم ثلاثة فنون قتاليّة روحيّة ذات أصل سامٍ!"

كان هذا هو ما أرعب العوالم الروحية بشأن إدريس الحكيم. لقد كان ذلك بسبب كونه يستخدم ثلاثة فنون قتاليّة سامية بينما اقتصر الأمر على فنّ قتاليّ واحد لباقي السحرة بجميع مستوياتهم! لقد كان أفضل مستخدم فنون قتاليّة! لقد كان خبير الفنون السامي السياديّ!

فرقع سيف المجرّة المشوّهة الهواء ومرّ عبر البوّابات الفضائيّة ثم عاد إلى صاحبه بسرعة لا تضاهى. لقد كان ذلك سلاح روحانيّ مبارك بعد كلّ شيء ولم يكن ممكنا التأثير عليه حتّى بتحكم إدريس الحكيم.

توهّج السيف الهلاليّ في يد إبلاس فانبعثت منه نار بنفسجيّة اللون غطّت السماء فجأة فجعلتها مظلمة. لقد كانت تلك النار مرعبة لدرجة لا توصف؛ أذابت كلّ ما أحاط بها في محيط عشرات الأميال بسرعة كبيرة. كانت الشمس في هاته اللحظات لا شيء أمامها.

اختفى إدريس الحكيم وظهر بعيدا بمئات الأميال في لحظات بعدما رأى تلك النار البنفسجيّة واتّخذ الحذر منها جدّا. لقد كانت تلك نار روحانيّ مبارك، وكانت بالدرجة الخامسة من سبع درجات بإمكانيّة النار الوحيدة، وفي هذه المرحلة كان يمكن لهذه النار أن تبخّر نهرا كاملا بسرعة كبيرة.

لقد كانت هذه الدرجة صعبة المنال ولم يبلغها سوى شخصيات هيمنت على العالم.

كان يعلم إدريس الحكيم تمام المعرفة أنّ شيطان اليأس ما يزال يلعب فقط ولم يظهر شيئا من قوّته الحقيقيّة، وبالطبع كان الحال نفسه معه أيضا. فحتّى لو أراد هذان الاثنان القتال حتّى الموت بأسرع ما يملكان، كان لابدّ لهما من أن يمرّا بكلّ خطوة على حدة قبل أن يطلقوا تقنياتهم العظمى.

***

ظهرت نجوم زرقاء في السماء البنفسجيّة، وتحرّكت الجبال أسفلها بسبب الأعاصير التي قلَعَتها من أعماقها فحوّلتها إلى رصاص قُذِف بعدما تملّكته النار البنفسجيّة.

انطلق الرصاص بسرعة مهولة عابرا مئات الأميال في لحظات وجيزة قبل أن يصطدم بإدريس الحكيم، لكنّ هذا الأخير لم يتحرّك من مكانه وبسط كفّه ثم لوّح بها فقط، فإذا بكلّ تلك الجبال البنفسجية تندثر وتختفي بعدها مباشرة كما لو لم توجد من قبل.


رفع إبلاس سيفه الهلاليّ ثم وجّهه تجاه السماء البنفسجيّة، فشفط كلّ تلك الطاقة مرّة واحدة وصقلها، ثم بتلويح من يد شيطان اليأس، اختفى هو وسيفه عن الأنظار بعدما خُلِّف صوت دندنة وانكسر الهواء ثمّ تشوّه الفضاء بشكل كبير، وبعدئذ انبثق مسار فضّيّ يبدو كضوء قمر يمكنه إيصال زمان بزمان واختراق أيّ مكان.

لم يكن هذه المرّة تشوّه الفضاء هذا بسبب فنّ إبلاس القتاليّ، وإنّما حدث عن طريق قدرة سيف هلال الألف عصر. كان الأمر مشابها جدّا لما حدث عندما اخترق سلاحه الروحيّ المجرّة المشوّهة سابقا.

صرّح إدريس الحكيم بعدما رأى السيف الهلالّيّ: "ضوء ألف عصر، صنع الممرّ، حتّى بلغ المقرّ!"

لو عنى شيئا بهذا الكلام، فلقد كان ذلك حول قدرة سيف هلال الألف عصر. لقد كانت إحدى قدرات هذا السيف تخوّله أن يصنع ممرّا عبر الفضاء ويتجاوز به المسافات حتّى يبلغ هدفه؛ لقد كان ذلك بسبب أصله العريق. قيل أنّ هذا السيف قد غمر بأعماق أرض محرَّمة وتعرّض لضوء هلال مبارك طيلة ألف عصر. لقد كانت تلك أعماق أرضا محرّمة، إلّا أنّ ضوء الهلال عبرها وبلغ مقرّه – مكان السيف الهلاليّ. استمدّ هذا الأخير آنذاك تلك القدرات.

لقد كان كنزا عتيقا يسيل لعاب العديد من الشخصيّات العظمى من أجله حتّى!

وبالطبع، لم يكن أيّ شخص مؤهّلا ليحصل على مثل هذا السيف العظيم. لقد كان كلّ شيء يتحقّق عن طريق اختبارات الجدارة، ولم يكن ليظفر به سوى الأجدر. لقد كان شيطان اليأس هو الأجدر به على مرّ العصور التي عاصرها هذا الكنز العتيق.

كان هذا الممرّ الذي يصنعه السيف الهلاليّ يبدو كضوء فضّيّ يمكنه اختراق الزمكان حتّى يصل إلى مراده في أقلّ وقت ممكن. والآن على يد روحانيّ مبارك، كان قد صُقِل تماما وأصبح سلاحا روحيّا، لذا صاحَبه في هذا الممرّ كلّ شيء يتعلّق به حتّى صاحِبه.

أصبحت المسافة البعيدة بلا معنى أمام تقدّم إبلاس، ولم يمرّ وقت ملاحظ حتّى كان يلوّح بسيفه ليقطع إدريس الحكيم. كان هذا الأخير في أتمّ استعداداته، شغّل رمح العدم مرّة ثانية، لكنّ هذه المرّة كان هناك شيئا مختلفا به.

في الهجمة السابقة، استخدم إدريس الحكيم فنّين قتاليين فقط، لكنّه هذه المرّة كان يستخدم الثلاثة معا.

كان إبلاس جاهزا لذلك أيضا؛ استخدم فنّه القتاليّ كدفاع مثاليّ، وزاد به سرعته عبر تشويهه للفضاء بشكل متسارع. كان ممرّ السيف الهلاليّ يسمح للشخص بالسفر عبره بسرعة مدهشة، لكن بعدما أضاف إبلاس الفن القتاليّ إلى ذلك أصبح لا يرى بشكل جيّد حتّى لعينيْ إدريس الحكيم. لقد كان ذلك مرعبا جدّا.


وجّه إدريس الحكيم رمحه إلى نهاية الممرّ التي ظهر منها إبلاس، وأطلقه بقوّة كسرت الفضاء وظهرت شروخ به. لقد كان تلك القوة القادمة منه عظيمة جدّا.

اختفى رمح العدم كما حدث في الهجمة السابقة، لكنّه هذه المرّة لم يظهر من جديد إلّا بعدما كان قد بلغ مراده. لقد كان ذلك بسبب قدرة فنّ إدريس الحكيم القتاليّ الثالث؛ كان قد استخدم سابقا فنّيْن قتاليّيْن فقط.

كان فنّه القتاليّ السامي الأوّل هو "صدْم العالم"، والذي كانت مرحلته الأثريّة تُلَقّب بـ"خطوات الرياح الخفيفة" الذي يتدرّب عليه باسل.

كان الثاني هو "سحق الخلق" الذي تتدرّب عليه أنمار وهي حاليا في المرحلة الأثريّة "سحق الأرض"

وكان الثالث هو "قضاء الفضاء".

كانت هذه هي فنون إدريس الحكيم القتاليّة الساميّة، وكان بمراحلها الروحيّة.

يبدأ الفنّ القتاليّ بالمرحلة الأثريّة، ثم الروحيّة، وينتهي عند الساميّة. كان يُلقّب الأشخاص الذين يبلغون الدرجة الرابعة بالمرحلة الروحيّة من فنّ قتاليّ سامٍ بخبراء الفنّ السامون.

وفي حالة إدريس الحكيم، فلقد كان يفوق ذلك بكثير. لقد لُقِّب بخبير الفنون السامي السياديّ كنية على حكمته السياديّة وسيادته في عالم الفنون القتاليّة. لقد كان ذو طغيان في هذا المجال.

***

بعدما انطلق رمح العدم، أصبح كلّ شيء آخر متوقّفا دون حركة. لقد كان سريعا لدرجة لا توصف. لقد كان ذلك رمحا من إمبراطور روحيّ مدعّم بثلاثة فنون قتاليّة روحيّة، وفوق كلّ ذلك، لقد تحكّم فيها بحكمته السياديّة.

كان حكيما سياديّا بالدرجة الثالثة، وكانت حكمته السياديّة تكسب في كلّ درجة قدرة خاصّة.


في الدرجة الأولى، اكتسب "البصيرة الحكيمة السحيقة". في الدرجة الثانية، امتلك "التحليل الحكيم الشامل". في الدرجة الثالثة، امتلك "التحكّم الحكيم السليم".

كلّ هذه القدرات جعلت التنبؤ بأفعاله مستعصٍ، والهروب من ملعبه الخاصّ أكثر صعوبة. كلّ شيء كان يخضع لبصيرته التي جعلتْ ممّا رأته عاريا، وتحت تحليله أصبح مفهوما، وبتحكّمه صار له مملوك.

لقد كان هجوم شيطان اليأس مدهشا للغاية، لكنّ إدريس الحكيم لم يكن إمبراطورا روحيّا عاديا.

في اللحظة التي ظهر فيها رمح العدم ثانية كان قد بلغ هدفه بالفعل. لم يكن يحتاج لقدرة خاصّة مثل قدرة السيف الهلاليّ حتّى يعبر تلك المسافات؛ فبفنون إدريس الحكيم القتاليّة كان يمكنه عبور ما يفوق ذلك حتّى.

وبالطبع، لم يتفاجأ إبلاس قطّ. لقد رأى من خلال ما حدث بعيني الحقيقة ولم يتأخّر لحظة في ردّه.

بووم

التقى السلاحان الروحيّان وجعلا العالم الواهن يشهد زلازلَ مرّة أخرى، ولكن مهما حدثت هذه الزلال لم يعتد الناس عليها، وظلّوا مختبئين آملين في هدوء الأمور كيلا أعماق أراضيهم لهم قبور.

اختفى إدريس الحكيم بعد هذا الالتقاء وظهر خلف إبلاس مباشرة ثمّ رفع كفّه ونزل بها بكلّ ما يملك من قوّة. لقد كانت هذه كفّا يمكنها قمع المخلوقات السامية والجبّارة. كانت كـكفّ تنين عتيق اجتاح السماوات وغزا الأراضي.

سقطت الكفّ بثقل لا يحتمل على جسد إبلاس فجعلته يختبر ألما حارقا حتّى سعل الدم ثلاث مرّات بكمّيات كبيرة، فاضطرّ بعد ذلك إلى التخلّي عن سلاحه الروحيّ في مواجهة رمح العدم وتراجع عدّة خطوات إلى الخلف. كلّ خطوة منه قطعت عشرات الأميال بعيدا بسرعة كبيرة.

شغّل فنّه القتاليّ من جديد وصنع مجرّة مشوّهة كالسابق، وهذه المرّة أنشأ أخريات حتّى كوّنت عناقيد من مجرّات مشوّهة. كان كلّ واحد منها يبدو كعنقود عنب متّصل بالآخر قبل أن يكوّنوا شجرة في النهاية. لقد كانت تلك شجرة مضيئة بالداخل بلون بنفسجيّ مظلم، وجعلت الناس يتساءلون عن ماهيتها من الخارج إذ بدت كشجرة سامية مكوّنة من جوهر عالم روحيّ.


كلّ شيء كان ضئيلا أمام هذه الشجرة الجوهريّة!

شدّ إبلاس عليها من جذعها الذي كان به مقبضا من أجله، ومباشرة عاد السيف الهلاليّ بعدما صنع ممرّا إلى قلب الشجرة، ثمّ أصبح عندئذ نواتها وصقل كلّ طاقتها. أصبحت الشجرة الجوهريّة لامعة وبرز في مركزها السيف الهلاليّ كهلال يشعّ بنوره في كون غير متناهٍ.

لوّح شيطان اليأس بعد ذلك بالشجرة الجوهريّة تجاه إدريس الحكيم، فحدث ما لم يتوقّعه أحد.

اختفت الشجرة من يد إبلاس وظهرت ثانية أمام إدريس الحكيم في جزء بسيط من الثانية كما لو انتقلت عبر الفضاء.

كان إدريس الحكيم مستعدّا بعدما استرجع رمح العدم إلى يده، لذا التقى بالشجرة الجوهريّة بكلّ ما يملك من قوّة. استخدم فنونه القتاليّة في كامل فعّاليتها، وقدرات حكمته السياديّة الثلاث، إضافة إلى مستواه الروحيّ كداعم.

كانت الشجرة الجوهريّة ككون معقّد من المجرّات، وكان رمح العدم الذي لم يوقفه شيء كشظية صغيرة تتنقّل من كوكب إلى كوكب، ومن نجم إلى نجم، ومن مجرّة إلى أخرى، محاولةً بعثرة ذلك الكون.

لقد كانت تلك الشجرة الجوهرّية مهيبة للغاية بعدما ملكت قدرة السيف الهلاليّ، لذا تجاوزت العديد من هجمات رمح العدم، لكنّ هذا الأخير كان أسرع بكثير من ذلك. لقد كان يقترض قوّة دفع هائلة بـ"صدْم العالم"، ويسحق كلّ شيء بجاذبيّة عظيمة بـ"سحق الخلق"، ثمّ يمرّ من خلال كلّ شيء ويصدّ أيّ شيء بـ"قضاء الفضاء".

سمح له قضاء الفضاء بتشويه الفضاء فيصدّ بذلك شتّى أنواع الهجمات عبر توجيهها إلى مكان آخر، وأعطاه قدرة الانتقال عبره بشكل مؤقّت. لقد كان رمح العدم يخترق الفضاء ويبلغ هدفه بسرعة أكبر من السيف الهلاليّ لهذا السبب.

كلّ هذا حدث تحت سيطرة إدريس الحكيم بسلاحه الروحيّ – رمح العدم. كلّ شيء يستهدفه يصير عدما من القوّة العظيم أو ينفى إلى العدم مجبرا.

اختفى إدريس الحكيم من جديد ثم ظهر خلف شيطان اليأس مرّة أخرى، وفعل نفس الشيء كالمرّة السابقة، إلّا أنّ هذه المرّة لم تكن كفّا لكن قبضة.

توقّع إبلاس في الواقع هذا في كلتا المرّتين، لكنّه لم يقدر على التعامل مع ذلك في الوقت المناسب. فلو كان رمح إدريس الحكيم بتلك السرعة والقوّة بعدما طبّق عليه الفنون القتاليّة، فكيف هو الشخص الذي طبّق عليها تلك الفنون؟

كان هذا سبب آخر في موت حاكم روحيّ على يده بكلّ سهولة سابقا.

سقطت قبضته، فاختفت في لحظة وظهرت في التاليّة أمام إبلاس بقوّة دفع يمكنها تحريك عالم وبجاذبيّة يمكنها قمعه؛ كلّ شيء تحوّل إلى عدم تحت هذه القبضة.

أُرسِل إبلاس محلّقا مئات الأميال بعيدا ثم ارتطم بالأرض مخلّفا بذلك حفرة امتدّ طولها آلاف الأمتار وعمقها المئات.

أمّا رمح العدم، فكان قد شتّت ما استطاع من الشجرة الجوهرّية حتّى اصطدم بالسيف الهلاليّ وكسر رابطته بها، ثمّ عاد إلى صاحبه في النهاية.

لقد كان تلك قوّة ثلاثة فنون قتاليّة روحيّة ذات أصل سامٍ!

زهزق شيطان اليأس كثيرا حتّى كاد الناس يعتقدون أنّه يتقيّأ دما من الضحك لا من ضربة إدريس الحكيم، ومسح الدماء من على فمه ثمّ حدّق إلى خصمه بعينين تشتعلان حماسا. من كان يعلم ما إذا كانت تانك عينان تحدقان باحترام إلى الشخص أمامهما، أم مجرّد عينين تتربّصان بفريستهما المفضّلة.

أشعّ جسده فجأة ثمّ أطلق أشعّة في العديد من الاتّجاهات، وفي لحظة، اختفت كلّ آثار الدماء التي غطّته والجروح والكدمات التي غطّت جسده. لقد أصبح جديدا كسابق عهده كأنّما لم يُضرب قطّ.

عبس إدريس الحكيم وتمتم: "الشفاء الذاتي!" تنهد ثم أكمل: "حقّا الروحاني المبارك شيء مدهش. بمجرّد ما أن تحصل على البركة فتكسب قطرات الحياة، يتسنّى لك شفاء نفسك من هجمات حتّى بمثل هذا المستوى بهذه السرعة."

توهّج جسد إبلاس مرّة ثانية بنور ساطع يجعل العين تُغمَض أوّلا قبل أن يشعر صاحبها بالاحتراق. انطلق ضوء ذهبيّ من أعماق روحه مانحا الذين سقطوا في هاوية اليأس أملا، قبل أن يدركوا أنّه كان طعما فقط يقود إلى يأس أعظم سحقا. كان كتلك الشمس التي أنارت العالم، لكنّها أحرقته ما أن ظهرت.

التفّت حوله عواصف من شأنها تمزيق كلّ ما يوجد إلى جزيئات متبعثرة، وصاحبتها أعاصير قلبت العالم رأسا على عقب. وكلّ ذلك كان وقودا للشمس حتّى تزداد سطوعا أكثر وفتكا أشدّ من ذوي قبل.

وفي الجهة الأخرى، امتدّ ضوء إدريس الحكيم الفضّيّ إلى جميع الأنحاء والزوايا من أجل قيادة الناس بحرص أكبر حتّى لا يُخدَعوا من طرف الضوء الذهبيّ، بعث فيهم السكينة والطمأنينة وجعل الروح تشتعل أملا من جديد بعدما أصبحت رمادا بسبب الشمس الفتّاكة.


أحاطته عواصف وأعاصير أيضا قوّت لمعان الضوء الفضّيّ، وحمت كلّ شيء من العواصف والأعاصير الأخرى، وأضعفت قوّة تلك الشمس المرعبة.

تفاجأ الناس في العالم الواهن بأجمعه من جديد، وأحسّوا باقتراب نهاية عالمهم بسبب معركة هذين الاثنين لحظة تلو الأخرى.

اليوم، عرف العالم الواهن حقّ المعرفة إمكانيات السحر الحقيقيّة، وأنّه كلّ شيء بمستويات الربط لا يُعدّ سوى المرحلة التمهيديّة إلى عالم الروح الحقيقيّ؛ كلّ شيء من أجل كسب حياة جديدة بإمكانيات غير محدودة؛ كلّ شيء من أجل بلوغ تلك القمّة غير المبلوغَة ولا المعلومة.

حدث كلّ ذلك في لحظات وجيزة للغاية، وبعدما ظهر إدريس الحكيم وشيطان اليأس مرّة أخرى، لم يكونا نفسيهما بعد ذلك. لقد بدا للجميع أنّ هناك شخصين... أو يجب القول شيئين لا يعلمون ماهيتهما قد حلّا مكانيهما.

اتّضح شكل الأوّل في المكان الذي اعتاد أن يكون به إبلاس وبدا كأسد ذهبيّ عظيم. كانت لبدته تبدو كشمس وُضِعَت كـتاجٍ ملكيّ فوق رأسه الذي يعلو بفخر وكبرياء، وانتشر تألّقها على باقي الجسد، فجعلت من اللون الذهبيّ يلمع بشكل مستمرّ وأقوى فأقوى مع مرور الوقت. كلّ شعرة منه تألّقت بإشعاع يبيّن مدى غنى هذا الأسد بطاقة جوهر العالم.

كان هذا الأسد الذهبيّ العظيم عملاقا بشكل لا يعقل. بلغ حجمه خمسين مترا طولا. كلّ ذلك كان جزءا بسيطا من هيبته؛ فما أثار الدهشة في قلوب الناس هو حضوره السامي وروحه القويّة التي جعلت الناس ترتعد من هوله. لم تكن ذلك روح وحش أو ساحر، وإنّما شيء فاق ذلك.

لقد كان ذلك شعورا مختلفا تماما عمّا شعروا به من قبل؛ لم يكن ذلك الرعب بسبب هالته المفزعة أو يأسه المظلم؛ لقد كان ذلك بسبب إحساسهم بدمه الملكيّ الذي يسري في عروقه ويجعله جديرا بحكم العالم كعاهله الفاضل، وروحه المختلفة عن أيّ شيء سبق ورأوه.


وفي الجهة المقابل له، لاحظوا ظهور نمر فضّيّ لا يصغر ولا يكبر الأسد الذهبيّ العظيم حجما. لقد كان ببرا أبيضا ملكيّا مخطّطا بالأسود، وكانت عيناه الزرقاوان مهيبتيْن للغاية وتجتاح العالم، وكان بريقه يغطّيه، وفقط أنفاسه كانت غنيّة بطاقة العالم كما لو كانت ضبابا روحيّا.

انطلق الوحشان المرعبان وتلاحما عن قرب، فاهتزّ العالم الواهن من جديد واحترقت العديد من أراضيه وانشقّت، تساقطت الجبال الشامخة وجفت الأنهار المديدة، أظلمت السماء فاختفت الشمس والقمر وانطفأت النجوم كلّها في السماء الشاسعة، فكان الأسد الذهبي والنمر الفضّيّ هما المصدر الوحيد للضوء حاليا.

كان حجماهما كبيريْن للغاية، لكنّ سرعتهما لم تتأثّر بذلك، بل أصبحت أكبر بكثير حتّى. فغبارا أصبحت مئات الأميال بجوارهما بإلقاء الأسد الذهبيّ شموسا تصحبها رياح يمكنها قلب العالم وقطعه، ومواجهة النمر الفضّيّ له بنجوم وأقمار ركبت العواصف وقادت الأعاصير.

كلّ شيء أصبح بلا معنى عندما كشّر ذانك الوحشان الهائلان عن أنيابهما، ولم يهمّ إن كان شخصا أو وحشا أو مخلوقا ساميا، كلٌّ على حدّ سواء كان مآله الموت تحت هيبتهما العظيمة.

لقد كانت تلك معركة تفوق فهم ناس العالم الواهن بكلّ المعاني، ولم يعلم أحد ما الذي كان يحدث بالضّبط غير الدمار الذي كان ينتشر في عالمهم لحظة بعد الأخرى كوباء بلا شفاء.

هدأت الأوضاع ووضع الوحشان مسافة بينهما، وتارة أخرى، حدث المذهل وفوجئ الناس؛ اختفى هذه المرّة الوحشان الساميان من السماء وظهر كيانان مختلفان، فبدا لوهلة كما لو أنّ ذينك الوحشين قد ضُغِط حجماهما حتّى صارا شيئين آخرين.

بلع أولئك الستّة الذين كانوا يشاهدون من بعيد عبر "بركة المراقبة السامية" أرياقهم، وقوّوها بإضافة كميّة كبرى من أحجار أصل سامية حتّى يتسنّى لهم مراقبة ما يحدث بصورة أوضح وأقرب. ركّزوا أنظارهم جيّدا بعدما شغّلوا أبصارهم الروحيّة.

لقد كانت هذه معركة ستهزّ نتيجتها العوالم الروحيّة فتسبّب السعادة للكثير، والكآبة لعدد كبير. من لمْ يتساءل يوما عن الأقوى بين هذين الاثنين؟ من لم يرد أن يرى نتيجة نزالهما النهائيّة؟ من لم يرد أن يشهد المعركة الأخيرة بين أفضل عباقرة العوالم الروحيّة؟ كان هناك عدد ضئيل جدّا من الأشخاص الذين بلغوا درجات عظمى في عالم الروح ولم يعودوا يهتمّون بهذه الأمور الدنيويّة البسيطة بالنسبة لهم.


علم الستّة أنّ قائدهم وإدريس الحكيم قد بدآ الشيء الحقيقيّ.

كان ما ظهر في مكان شيطان اليأس هو نفسه في الواقع، إلّا أنّه كان هناك العديد من التغيّرات التي طرأت عليه؛ طال شعره الذهبيّ وأصبح كلبدة أسد خشنة غطّت ظهره، وبرزت أنيابه أكثر ثم تغيّر شكل بؤبؤيه فأصبحا كأنّهما شمسين صغيرين، وتمركزهما نقطتان سوداوان مشتعلتان بلون بنفسجيّ يمكنهما اختراق وبلع أيّ شيء والنظر إلى حقيقته.

أصبح جسده أطول قليلا وصُقِلت عضلاته لدرجة لا توصف. لقد بدا كما لو أنّ قوّة ذلك الأسد الذهبيّ العظيمة قد خُزّنت في جسده ذاك؛ كان تلويح واحد منه قادر على سحق البرّ، وفرق البحر، وفلق البصر.

لقد كان دمه ملكيا أصلا، والآن غدا أكثر سموّا من ذي قبل. لقد أصبحت روحه ذاتها ملكيّة. كان محاطا بصورة ذلك الأسد الكبير كما لو كانت تحمي جسده وتقوّي روحه.

لقد هذا هو تحوّلُ شيطانِ اليأسِ الروحيُّ، ومُنِح لقب "أسد شمس الحقيقة السامي".

أمّا إدريس الحكيم، فقد حدث معه شيء مشابه. ظهر على ظهره معطف فرو يبدو مصنوعا من ذلك النمر الفضّيّ سابقا، وبدا مندمجا مع لحمه الخاصّ من الكتف إلى الكتف فجعله يبدو كصيّاد يرتدي جلد فريسته السامية، ممّا جعل منظره الهادئ سابقا يظهر شرسا نوعا ما.

صارت عيناه الزرقاوان المزيّنتان بالنجوم برّاقتين أكثر من قبل وامتدّ وريد أسود كسلسلة جوهريّة من جفنيه إلى ذقنه فصدره مرورا بجميع نقط أصله في النهاية. كان ذلك كوشم أسود يميّز ببرًا ساميا عن أقرانه.


لقد كان هذا هو تحوّلُ إدريس الحكيم الروحيُّ، وسُمِّيَ بـ"الببر حاكم القمر الحكيم".

أحسّ الجميع بظهور روحين قويتين في سماء العالم الواهن؛ لقد كانتا روحا ساحرين مستحوِذيْن على روحيْ وحشين روحيّيْن. كانت تلك هي اللحظة الأولى في تاريخ العالم الواهن أنْ شهدَ تحوّلا روحيّا.

مجرّد الحضور في نفس المنطقة والعالم مع هذين الكيانين جعل التنفّس صعبا والوقوف أصعب. نسي الناس شيئا يسمى بالشجاعة وحاولوا الابتعاد قدر المستطاع عنهما. لقد كانوا مجرّد نمل أمام ذلك القمر وتلك الشمس.

تحدّث فجأة شيطان اليأس بنبرة سياديّة كملك يخاطب عبيده: "عندما تظهر شمس الحقيقَة، لا تخفى دقيقَة؛ وتصير كلّ نفس رقيقَة. يعبر الأسدُ الذهبيُّ الممر، مغلِقا المفر، فله آنذاك يعود الأمر؛ فهو المدمّر المدبِّر."

اهتزّت صورته بعدما ردّد تلك التعويذة، ثم التفّت حوله فجأة قوانين تحكم هذا العالم وتضع قواعد لا يمكن خرقها. اخترقت جسدَه وروحَه كلّ تلك القوانين الروحيّة التي اتّخذت شكل حروف لغات عتيقة للغاية لا يعلم شخص معناها، فدعّمتهما من كلّ النواحي.

كانت تلك تقنية تكامل إبلاس التأصّليّ. لقد كانت تقنيات التكامل التأصّليّ هي ما يسمح للساحر بالاستحواذ ودمج روح الوحش الروحيّ مع روحه، وفي نفس الوقت جعلت كلّ من تقنيات الساحر الأصليّة تتكامل مع قدرات الوحش الروحيّ الأصليّة، منتجة بذلك قدرات جديدة كلّيّا.

فعل إدريس الحكيم نفس الشيء فحدث معه نفس الأمر. كانت تعويذة تقنية تكامله التأصّليّ كالتالي: "يطلع ويسطع القمر، فيرتفع الببر، فيخضع البرّ والبحر. يسود الحكيم، بالقانون السليم، فله التسليم بدون غريم؛ فهو الصميم."

قد أصبحا الآن في الشكل النهائيّ للساحر الروحيّ؛ كان التحوّل الروحيّ هو أقوى تقنية يملكها الساحر الروحيّ إذ يصاحب ذلك استخداما مجهِدا للغاية للطاقة الروحيّة وتقنيات جديدة تتطلّب جهدا أكبر.


كان هذا التحوّل يستنزف طاقة الساحر الروحيّ بشكل سريع للغاية ولم يكن يمكنه البقاء في هذه الوضعيّة لوقت طويل، لاسيما بعد البدء في استخدام "تقنيات التحوّل".

كانت تقنيات التحوّل هذه هي ما يستخدمه الساحر في طور التحوّل الروحيّ، وكلّ واحدة منها كانت تتطلّب كمّا هائلا من الطاقة الروحيّة حتّى تُنَفّذ؛ فكانت هناك أفضليّة للأشخاص ذوِي المستوى الروحيّ الأعلى، وبالخصوص الذي أكملوا مراحلَ أكثر في نطاقاتهم؛ كلّ ذلك كان لأنّهم يكونون يملكون طاقة روحيّة وفراء ونقوى.

كان الستة يشاهدون من بعيد معركة هذين الاثنين الأخيرة. لقد كان ذلك قتالُ أسدِ شمسِ الحقيقةِ السامِي والببرِ حاكمِ القمرِ الحكيمِ النهائيُّ الذي سيحدّد نتيجة كلّ المعارك السابقة بينهما.

كان أولئك الستة متحمّسين كثيرا لرؤية نتيجة هذه المعركة بغض النظر عن الفائز بها، نظرا لأهمّيتها الكبرى في العوالم الروحيّة، ولكنّهم لم يكونوا ليعلموا قطعا ما الآثار المرعبة المستقبليّة التي ستكون بدايتها نتيجة هذه المعركة؛ لم يكونوا ليتخيّلوا إطلاقا العصر الذي سيجدون أنفسهم فيه في المستقبل؛ إذ سيكون عصرا تتسابق فيه الأجناس والأعراق كلّها من أجل بلوغ تلك القمّة الخرافيّة وكسب الحياة الجديدة، من أجل السيادة العظمى وحلّ اللغز الأعظم!

ظهر رمح العدم في يد إدريس الحكيم مع ظهور تغيّرات عديدة عليه، فكان يتميّز بأنماط خطّيّة سوداء متداخلة في بعضها مشكّلة أحاجي وألغاز من لغات عتيقة لا يمكن تتبّع أثرها عبر الأزمان والعصور القديمة. صنعت تلك الأنماط السوداء صورة نمر، فتوهّجت فجأة بضوء فضّيّ جاعلة صورة النمر تنبثق إلى الوجود الفعليّ كما لو كانت نمرا حقيقيّا.

طُبِعت صورة النمر على السلاح الروحيّ والتفّت عليه فاندمجت معه. كان هذا شيء لا يستطيع فعله سوى أشخاص محددين؛ وجب أن تكون روح وحشهم قد تأصّلت على الأقلّ سبع مرّات في المجموع، وأن يصقل الساحر كلّ تأصل بتقنية التكامل التأصّليّ على حدة حتىّ يخلق تزامنا بين روح الوحش المندمجة مع روحه وسلاحه الروحيّ.

لقد كان رمحه الخشبيّ في هاته اللحظات يمثل وجوده بنفسه؛ لقد كان روحه الأصليّة، وروح الوحش، وهما معا، فكان روحه المتحوّلة، فحمل كلّ تقنياته السحريّة والمتحوّلة معه. لقد كانت هذه هي صورة سلاح الساحر الروحيّ الحقيقيّ. كان كما لو أنّ الساحر الروحيّ يحوّل روح وحش روحيّ إلى سلاح خاصّ به بعد المرور بعدّة مراحل لا يمكن الاستغناء عنها أبدا.

لقد كان ذلك هو تحوّل السلاح الروحيّ.

ابتسم شيطان اليأس ثم رفع رأسه إلى السماء الشاسعة ووضع يده على وجهه قبل أن يتكلّم: "هاهاها، يا لسخرية القدر؛ يا لسخرية العالم، ويا لسخرية قوانينه وطبيعته؛ على مرّ التاريخ، ظهرت العديد من المواهب العظيمة الثاقبةِ أسماؤُها، لكن ولا واحد منها ملك الحكمة السياديّة واقتصر الأمر على المواهب الضعيفة جدّا أو الميّتة فقط."

رفع سبّابته ثم أشار بها إلى غريمه: "أنت يا حكيم تعلم أكثر منّي ومن أيّ شخص آخر ما أعني بكلامي هذا. أنت تعلم أنّ 'أرض الوهب والسلب العتيقة' اختارتك لسبب، وتعلم أيضا لمَ توجّب أن تكون أنت بالضبط. الأمر لا يتوقّف عند موهبتك الميّتة، بل يفوق ذلك بكثير ويصل إلى حدّ الألغاز المحرّمة."

لقد كان صوت شيطان اليأس كهدير رعد تردّد في السماء لوقت طويل، وبدا كمخلوق جبّار ينطق بكلمة، فتكون الحقيقة.


حملق إدريس الحكيم إليه بعينيه العميقتين وغاب في ذكرياته لقليل من الوقت قبل أن يستدرك نفسه: "قد تكون محقّا، لكن هذا يعني أنّك قد تكون مخطِئا. لربّما اختِرت لسبب، لكنّني أعلم أيضا أنّني أعطيت فرصة، وسأستغلّها في تجاوز الاختبار بكلّ جدارة مهما حدث."

كانت هناك العديد من الأشياء التي ناشدها إدريس الحكيم في حياته ممّا جعله يلج إلى العديد من العوالم الثانويّة ويجوب العوالم الروحيّة باحثا في الكثير من الأمور. كانت هناك ألغاز أراد أن يحلّها، وكانت هناك أهداف أقسم على تحقيقها بوسيلة أو بأخرى.

لقد ظلّت أرض الوهب والسلب العتيقة هناك لعصور لا تحصى، ولم يعلم أحد عن مصدرها أو أصلها، أو عن أسبابها الخاصّة أو أسباب وجودها أصلا، لكنّ كلّ هذا كان مجرّد سؤال وجب على إدريس الحكيم حلّه في الاختبار العظيم الذي وجده أمامه. لقد كان الامتحان الذي يختبره أكبر وأشدّ تعقيدا بكثير.

ضحك إبلاس مرّة أخرى كما لو كان يستهزئ، لكنّه توقّف بسرعة فرمق إدريس الحكيم بنظرات جدّيّة: "يا حكيم، يا صاحب العقل السليم، يا من لطالما كان لي غريم، دعنا لا نراوغ كثيرا بما أنّ هذه نهاية أحدنا. كلانا يعلم أنّنا في الواقع نبحث عن نفس الإجابة. سمِّه اختبارا أم لغزا محرّما، فالإجابة عنهما واحدة. أنت مثلي ومثل ملكنا العظيم، تريد السيادة العظمى وبلوغ القمّة الخرافيّة. على الرغم من أنّ الملك الأصليّ يحاول قدر المستطاع منع كلّ شخص أن يعلم عن كل تلك الأمور، إلّا أنّنا نحن على الأقلّ وبعض الهرمى المقموعين نعلم."

حدّق إدريس الحكيم إليه لوقت قليل، ثمّ انبثقت صورة فتى بشعر قرمزيّ وعينين حمراوين في ذهنه، جاعلة إيّاه يبتسم بشكل عريض، تاركا شيطان اليأس متسائلا عمّا يفكر به؛ فحتّى لو ملك عينيْ الحقيقة، لم يمكنه الرؤية عبر الحكيم السياديّ.

تنهّد إدريس الحكيم أخيرا فأجاب: "لربّما تكون محقّا، لكنّ إجابتك ليست سوى جواب لسؤال آخر من الاختبار أيضا. لربّما هي إجابة مهمّة وتتيح للشخص الإجابة عن الكثير من الأسئلة الأخرى، لكنّها ليست هدفي ولن تكون أبدا يا إبلاس. هناك الكثير من الأشياء التي تغفل عنها يا غريمي، ولا أعتقد أنّها طفيفة. لقد حسبت وحسبت فحسبت بحكمتي السياديّة، ليلا نهارا، لمدّة طويلة جدّا، وأخيرا استطعت اكتشاف بعض الأشياء الطفيفة. فبكلّ بساطة بالرغم من تعقيداته..."

كان كلام إدريس الحكيم غامض حتّى بالنسبة لشيطان اليأس، ومع ذلك لم يضف كلاما أكثر من: "كلّ شيء مقدَّر، وكلّنا نُختبَر!"

سها شيطان اليأس حتّى وجد نفسه يردّد نفس الجملة الأخيرة مرارا وتكرارا في ذهنه. لقد كان تأثيرها على عقله كبيرا، وجعلت من كلّ الغموض ضبابيّا أكثر فقط. لقد كان من الواضح أنّ إدريس الحكيم لا يلاعبه بما أنّ هذه كانت معركتهما الأخيرة، لذا هوسه بالألغاز المحرّمة جعله يتساءل عن كلّ هذه الأشياء لوقت طويل قبل أن يعود إلى الواقع الحيّ أخيرا.

رفع سيفه الهلاليّ ثم فعّل تحوّل سلاحه الروحيّ، فانطلق ضوء ذهبيّ مشكّلا أنماط قوانين عالميّة ظهر منها أسد ذهبيّ زأر فهز العالم، ثمّ التصق بالسيف الهلاليّ حتّى اندمج معه وزاد من هيبته.

انتهى الأقوال وحضر النزال! لقد قيل كلّ ما يجب أن يقال بينهما، ولم يكن هناك حاجة لإطالة ما يجب عليهما إنهاؤه. كانت هناك بعض المشاعر المختلطة تتخلّل قلبيهما، لكنّها كانت خفيفة جدّا حتّى تثقِل مساريهما الروحيّين. لقد كان أحدهما حكيم العوالم الروحيّة السياديّ، وكان الآخر مدبّر الحروب الشيطانيّ.

تمتم إدريس الحكيم بتعويذة ما، وفعل شيطان اليأس نفس الشيء، فأطلقا سلاحيهما في نفس الوقت تجاه بعضهما.

كان هذان السلاحان الروحيّان يحملان كلّ خوّاص هجماتهم السابقة والتي لم يظهراها بعد، وفاقا ذلك حتّى أنّهما اكتسبا قدرتيْ الوحشين الروحيين واستخدماها في نفس الوقت. صوحِبت الفنون القتاليّة في هذا الهجوم أيضا ولم يُترك شيء. لقد كان هذا أقوى هجوم لهذين الاثنين حرفيّا!

صرخ إدريس الحكيم بكلّ يملك: "الصميم عديم الغريم!"

صاح شيطان اليأس في نفس الوقت: "الدمار المدبَّر!"

تجاوز السلاحان الروحيّان قواعد هذا العالم بعدما سخّرا قوانينه لصالحهما، وكانا في هاته اللحظات ككيانين في حد ذاتهما. صاحبتهما العديد من الصور التي أرعبت الناس وأظلمت العالم تارة فأنارته في اللحظة التالية. بدا كما لو أنّ العالم يتشوّش من شدّة القوّة العظيمة لهذين السلاحين.

اخترقا الفضاء نفسه وعبرا المسافات كأنّها لم تكن أصلا، وشقّا السماء أعلاهما والأرض أسفلهما، وبَرَقا ما بينهما بألوان مختلفة ومتنوّعة. لم يعلم أحد ما الذي كان يحدث بالضبط؛ كان هذان السلاحان شيئان يفوقان فهم البشر بكثير.

كان باسل يتحرّك بعيدا بآلاف الأميال، وفي اللحظة التي انبثق فيها السلاحان الروحيّان المتحوّلان إلى الوجود ثقُل تنفّسه وصعُب عليه التحرّك، وغاب كلّ المحيطين به عن الوعي إلّا سحرة المستوى الخامس فما فوق استطاعوا الحفاظ على وعيهم بشقّ الأنفس.


لقد كان أوّل السلاحين بدون خصم، وكلّ ما جابهه كان مصيره العدم، وكان ثانيهما مدمّرا مدبِّرا؛ فلا شيء أضاءته حقيقته أمكنه الفرار منه، وانتظر دوره في التعرّض للإبادة فقط.

صنع سيف الأسد الذهبيّ ممرّات متعددّة وتنقّل عبرها حتّى لا يسمح بتوقّع حركاته، وراوغه رمح الببر الفضّيّ بسلاسة عبر الفنون القتاليّة الثلاثة التي سمحت له بالانتقال عبر الفضاء بسهولة.

كانت المعركة بين السلاحين شديدة وازدادت حدّةً مع مرور كلّ لحظة. لقد كان العالم الواهن ينهار أمام أعين الناس، وحدثت الكثير من الزلازل تلو الأخرى، وعصفت بهم الأعاصير، وجرفهم الطوفان. لقد قلب القتال العالم الواهن رأسا على عقب حرفيّا.

لم يكن ذلك قتالَ ساحرين روحيّين عاديّا، لقد كان في النهاية قتال الحكيم السياديّ ضدّ مدبّر الحروب الشيطانيّ. كانت معركتهما مترقّبة طيلة القرون الماضية، إلّا أنّها قُدِّر لها أن تكون في العالم الواهن الذي لم تُلقِ له العوالم الروحيّة بالا، على أساس ضعفه ووهنه الذي لم يسمح له بالتحوّل إلى عالم روحيّ حتّى.

كانت فنون إدريس الحكيم القتاليّة لوحدها كافية حتّى تخترق الفضاء، وبحكمته السياديّة حسب كلّ ذلك وحللّه ثم رأى عبره فاستخدم أفضل الوسائل ليهجم بأحسن الفعّاليّات.

كان الرمح الخشبيّ ينتقل من مكان إلى آخر عبر الفضاء، بينما تحرّك السيف الهلاليّ عبر ممرّاته الفضّيّة المتعدّدة التي كانت كشعب مرجان ملتصقة ببعضها في بحر عظيم.

ازدادت سرعة الاثنين لوقت طويل واستمرّ هذا الأمر لدقائق دون أن يتدخّل صاحباهما؛ لقد كان جلّ تركيزهما على سلاحيهما؛ لقد كان السلاحين الروحيّين أهمّ شيء في تلك اللحظات، والذي يتفوّق في المعركة بينهما يفُز.

حام الرمح الخشبيّ حتّى بلغ مراده واستطاع أخيرا التوغّل إلى الشعب المرجانيّة دون فشل. لقد كانت تلك ممرّات السيف الهلاليّ الخاصّة وكان بإمكانه التنقّل عبرها بأريحيّة، لكنّ لا شيء آخر لا علاقة له به تمكّن من استخدام هذه الممرّات، لذا كان رمح الببر الفضّيّ في الواقع يستخدم "قضاء الفضاء" كأساس وباقي القدرات الأخرى كدعم حتّى صنع فضاء داخل تلك الممرّات نفسها. لقد كان هذا مستحيلا لأيّ شخص آخر لا يملك ثلاثة فنون قتاليّة وحكمة سياديّة!

وجد إبلاس سلاحه الروحيّ قد أصبح مقيّد الحركة ولم يكن هناك مكان للتراجع غير المواجهة المباشرة. لقد كانت تلك ممرّاته الخاصّة وكان واثقا من تفوّق سلاحه الروحيّ الذي يتفوّق أصلا على سلاح غريمه الروحيّ.


طرأت فكرة في باله، ففجّر كلّ تلك الشعب المرجانيّة مرّة واحدة صانعا تموّجا هائلا في العالم الواهن. أصبحت السماء صافية وأشعّت الشمس بنورها العظيم، فأعمت الناس قبل أن يفتحوا أعينهم من جديد ليروا مشهدا مدهشا، وكلّ ذلك كان من أجل تشتيت انتباه إدريس الحكيم وإضعاف هجومه.

لقد كان السيف الهلاليّ يتّجه بممرّ وحيد تجاه الرمح الخشبيّ الذي كان ينطلق مباشرة نحوه أيضا مخترقا الفضاء.

باااااام

اصطدما أخيرا فتحرّكت أراضي العالم الواهن بأكمله دون استثناء، حتّى أن الناس شعروا بابتعاد السماء كما لو كانت فقاعة تنتفخ مع الوقت مشيرة بذلك إلى اقتراب انفجارها. لقد كان هذا القتال أكثر ممّا يمكن للعالم الواهن أن يتحمّله كعالم سحريّ في طريق النموّ.

تصارعت الشموس والنجوم، وتشاحنت الأعاصير والعواصف عند الالتقاء، فغُمِرت تلك المجرّات التي شوهِدت كصور وهميّة بالضوءين الفضّيّ والذهبيّ.

فُعِّلت قدرتيْ الوحشين الأصليتين فكانت قدرة الأسد الذهبيّ تمكنّه من كسر الفضاء نفسه، وكانت قدرة الببر الفضّيّ تخوّله أن يعدم كلّ شيء كما لو لم يوجد من قبل عبر جعل الفضاء المحيط بالشيء المراد إبادته يتبدّد ويختفي.

كان كلّ شيء مختلط، لكنّ شيطان اليأس علم أنّ قوّة الفنون الثلاثة كانت كبيرة للغاية ولاحظ خسارته أمام تلك القوّة الهائلة. لقد كان إدريس الحكيم مرعبا للغاية أكثر من أيّ مرّة قاتله فيها أو أيّ أخبار سمعها عنه من قبل. لقد كان هذا هو خبير الفنون السامي السياديّ الحقيقيّ.

كسر السيف الهلاليّ الفضاء مرارا وتكرارا حتّى يُخسِر الرمح الخشبيّ قدرته في التنقّل عبر الفضاء، لكنّ الرمح الخشبيّ كان يبدّد فضاء ويصنع واحدا آخرَ مرارا وتكرارا أيضا وفاقت سرعته سرعة السيف الهلاليّ في ذلك.


كان توقّع إبلاس صحيحا بعدما رأى من خلال ذلك بعينيْ حقيقته، لكنّه كان متأخرا خطوة على الحكمة السياديّة. لقد حسب إدريس الحكيم كلّ هذا لذا لم يكشف عن ورقته الرابحة هذه إلّا بعدما ترك شيطان اليأس يستخدم كسر الفضاء.

تأكّد إدريس الحكيم من عدم وجود أيّ شيء متبقٍّ في جعبة خصمه، لذا أخرج كلّ ما لديه وضاعف القوّة الروحيّة عبر قدرة الرمح الخشبيّ. لقد كان كلّ شيء مدمجا حتّى تكوّنت مثل هذه التقنية العظيمة. لقد كانت هذه هي تنقيّة رمح الببر الفضّيّ المتحوّلة.

"الصميم عديم الغريم!"

لقد كانت تجعل كلّ شيء يتبدّد عن طريق قدرات الفنون القتاليّة، وقدرة الوحش الروحيّ الأصليّة. كلّ في كلٍّ خَلَق مثل هذه التقنيّة التي مكنتّه من تبديد الفضاء وصنعه كما يشاء بسرعة كبيرة.

شارفت طاقة إدريس الحكيم الروحيّة على الانتهاء بعدما استخدم هذا الهجوم النهائيّ، لذا استخلص كلّ قطرة من أرض روحه ووظّفها.

وفي الجهة الأخرى، كانت طاقة إبلاس تفور وما زال يتمتّع بقدر كبير منها، إلّا أنّه مهما استخدم منها لم يمكنه مواجهة هذا الهجوم العظيم.

عضّ شفته السفلى ثم تغرغرت عيناه بالدموع وأصبحتا حمراوين فجأة، ثم نزلت دمعتان منهما شقّا طريقهما عبر وجنتيه الشاحبتين.

تكلّم بنبرة حزينة بينما تُرى انعكاسات تلك الأضواء التي صنعها السلاحان الروحيّان على الدموع المتجمّعة في عينيه حيث ظهرت صورة إدريس الحكيم بينها: "وداعا يا صديقي!" بدا كأنّه يودّع عزيزا على قلبه.

تعجّب إدريس الحكيم من كلام إبلاس، لكنّ تعجّبه هذا كان لا شيء بعدما أحسّ بالقشعريرة تتخلّل عظامه، وتمرّ عبر روحه، مستنزفةً آماله مستبدلةً إيّاها بيأس عظيم. لقد كان ذلك الشعور مألوفا لشخص مثل إدريس الحكيم، لكنّه كان نادرا للغاية، ولم يتوقّع قطّ أن يحسّ به في هذه المعركة، وخصوصا بعدما وصلا إلى هذه المرحلة فيها.

رفع إبلاس ذراعه، فعاد إليه السيف الهلالي، سامحا للرمح الخشبيّ بفعل ما شاء له. أخفى سلاحه الروحيّ بعد ذلك، فظهر في يده صحنا متصدّعا، بدا فخّارا فقط لا غير، لكنّه لم يكن مصنوعا من الطين في الحقيقة، ولا أحد علم ما أصله أو مصدره. لقد كان مجرّد صحن بمظهره، لكنّه كان الشيء الذي سبّب ذلك الشعور لإدريس الحكيم.

كان ذلك الصحن مملوءا بسائل أحمر قرمزيّ بدا كالدم، وتخلّلته قطرات زرقاء فاتحة للغاية كطاقة روحيّة أنقى من تلك الخاصّة بجوهر العالم. كان مصدر الصحن والمكوّنات التي به مجهولا بما أنّها لم تكن عادية بالرغم من مظهرها البسيط.

اختفت الدموع من عينيْ شيطان اليأس، فقال مرّة أخرى بكلّ برودة: "مت!"

أحسّ عندها إدريس الحكيم بالنيّة العظيمة التي حملتها كلمة إبلاس؛ لقد كانت شيئا مألوفا قليلا له، لكنّه لم يعلم ما مصدرها مَهما حاول التفكير، ولكن كلّ ذلك لم يعد مُهمّا بعدما وجد نفسه أمام شيء جعل روحه تتزعزع حتّى، ويرى نهاية مساره الروحيّ تقترب.

لقد كان ذلك شعوره بالموت القادم نحوه!


كان الرمح الخشبيّ يكاد يبيد روح إبلاس حتّى، لكنّه توقف فجأة أمام جدار قرمزيّ ظهر على حين غرّة. كان الصحن الفخّار الصغير بيد شيطان اليأس هادئا طوال الوقت كما لو لم يحدث شيء، لكن كان من الواضح أنّه مصدر ذلك الجدار الأحمر الذي بدا شلّال دماء يسقط من السماء.

كان شلّال الدماء ذاك يحمل كمّا غير معقول من الطاقة الروحيّة المركّزة إذْ فاقت بكثير كلّ ما ملكه شيطان اليأس نفسه. حتّى أن مستوى هذه الطاقة الروحيّة كان عاليا للغاية وفاق كلّ توقّعات إدريس الحكيم.

كان رمحه يستطيع اختراق وإبادة كلّ شيء، لكنّه كان عديم الفائدة أمام هذا الشلال الأحمر. لم يستطِع أن يمرّ عبره أو تبديد الفضاء أو صنعه. كل شيء صار غير قابل للتطبيق بعدما أصبحت كلّ قوانين العالم تحت سيطرة شلّال دماء السماء. لقد كان ذلك جنونيّا ولم يكن هناك كثير من الاحتمالات حتّى لا يعلم إدريس الحكيم ما كان يحدث بالضبط.

استرجع رمحه الخشبيّ بسرعة قبل أن يتحطّم في محاولته اختراق الشلّال الأحمر، ثم تنفّس بصعوبة بسبب استخدامه كمّا هائلا من طاقته الروحيّة، وتحسّر على الموقف الذي وجد نفسه فيه. لقد كان إبلاس لا يزال يملك قدرا لا بأس به من الطاقة الروحيّة، وعنده الآن كنز سامٍ في جعبته ليستخدمه كما يشاء على ما يبدو.

سأل إدريس الحكيم صارخا، متعجّبا: "كيف؟ كيف لك أن تملك كنزا كهذا تحت تحكّمك؟ يجب أن يكون كنزا من مستويات السلطنة على الأقلّ." ركّز إدريس الحكيم باستخدام حكمته السياديّة فحلّل كلّ ما بصره: "لا شكّ في هذا. إنّه من مستوى سلطان أصليّ."

ابتسم إبلاس ولم يقل شيئا تاركا إدريس الحكيم يحلّل وضعه كما يشاء. لقد كان ذلك كنز سلطان أصليّ حسب كلام إدريس الحكيم، ولم يكن أيّ كنز. لقد كان بصريح العبارة سلاحا روحيّا لشخص اعتاد أن يكون سلطانا روحيّا في وقت ما.

أكمل إدريس الحكيم كلمات ذهوله: "لقد رأيت وفطنت بالعديد من الأمور، لكنّ هذا فاق كلّ توقّعاتي يا إبلاس!"


رفع شيطان اليأس الصحن الفخّار الذي كان يحجم اليد إلى الأعلى ثم اختفى الشلّال القرمزيّ، فتكلّم بعد ذلك: "لقد أخبرتك أنّ هناك ألغاز عالميّة لطالما حيّرتني. سأخبرك عن سببها الأصليّ؛ إنّه هذا الصحن الذي أحمله. لقد كان الحصول عليه هو أفضل ثروة وحظّ ملكتهما يوما."

دار السائل الأحمر في الصحن ببطء فتجمّعت كلّ القطرات الزرقاء الفاتحة في مركز الدوامة التي صُنِعت، وازدادت سرعة الدوران بشكل مستمر حتّى أصبح الشخص يستطيع سماء أصوات صفير وأصوت تشبه احتكاك قطع حديد بأخرى. كان ذلك الصوت عامّة بعدما اختلط يشبه صرخات موت مخلوقات لا تعد ولا تحصى.

"ما زلت لم أجعله سلاحيّ الروحيّ الخاصّ بعد، لكنّني سأنجح في ذلك يوما ما، لكنّ هذا الاتصال بيني وبينه كافٍ حاليا لإنهاء أمرك يا حكيم بكلّ سلاسة. اليوم، ستُطوى صفحة من كتاب التاريخ، ولن يُذكر وجودك بعد الآن."

"فلأجعلنَّها سماءً تصبّها دماءً، وعصرا لا يحكم فيه بشرا."

أشعّ الصحن الفخّار من المركز، وارتفع منه بريق بنفس لون القطرات الزرقاء، ثم التقى بالسماء في الأعلى كما لو اتّصل بها، فامتدّ عبره السائل الأحمر حتّى التقى هو الآخر بالسماء. كان هذا السائل الأحمر يأتي من الصحن الصغير، لكنّ غوره بدا لا يسبر مهما طال الوقت، حتّى لطّخ السماء محوّلا إيّاها لبحر دماء.

أصبح العالم قرمزيّا للحظات، وفي هذه اللحظات قُمِع الجميع وسقطوا على الأرض فورا. كان ثقل سماء الدماء كبيرا للغاية ولم يكن هناك بشر في العالم الواهن قادر على تحمّله.

صعدت القشعريرة مع جسد إدريس الحكيم، إلّا أنّه لم يكن حتّى في هذه اللحظات يفكّر في نفسه، ولكن في تلميذيه. لقد كان إبلاس شيطان اليأس، لذا كان يعلم أنّه لن ينسى أمر باسل أبدا وسيظلّ يتذكّره حتّى يستعمله ضدّه ليسلب منه نور عينيه ويظلم مساره الروحيّ؛ كان ذلك هدف إبلاس الأكبر.

وكما توقّع إدريس الحكيم، وجد السماء الحمراء قد بلغت مدى بعيد وصولا إلى باسل، فاستجمع كلّ ما ملك من طاقة وانطلق بخفّة كبيرة إلى موقع تلميذه حتّى يوقف ما على وشك الحدوث.

لقد كان إبلاس قادرا في هذه اللحظات على قتل إدريس الحكيم، لكنّه لم يرد فعل ذلك بكل تلك البساطة، لقد أراد أن يفعلها بطريقته المفضّلة. أراد أن يرضي عطش الألفيّة السابقة. لم يكن هدفه استخدام باسل لهزيمة إدريس الحكيم قطّ، ولكن فقط لرؤية اليأس في عينيْ إدريس الحكيم.


ساحت السماء الحمراء كمعدن يذوب، وسقطت منها بعض القطرات التي تحوّلت إلى أنصال عظيمة بسرعة كبيرة، ثمّ اتّجهت مباشرة إلى هدفها.

كانت هذه الأنصال الحمراء قادرة على اختراق أيّ دفاع يوجد في هذا العالم، ولم يكن هناك ما يستطيع إيقافها، حتّى إدريس الحكيم بنفسه الذي قدم لاعتراضها وجد نفسه يمرّ بوقت عصيب جدا لتحقيق ذلك.

صرخ إدريس الحكيم بكلّ ما يملك ثم فعّل حكمته السياديّة: "أقدّم لك روحي، فاسلبي ما شئت وسخّري كلّ ما احتجت. زمني لك، ولكن روح ابني له وحده."

دارت كرات الحكمة السياديّة الثلاث فوق رأس إدريس الحكيم، واستجمعت قوانين عالميّة عظمى لا يعلم أحد عن معناها أو مصدرها، حتّى غدريس الحكيم بنفسه لم يكن قادرا على مواكبة كلّ تلك التغيّرات في المجرّات والنجوم التي حملتها حكمته السياديّة في الكرات الثلاث.

أحسّ بعد ذلك بروحه تُعصَر وتتقطّع إلى أشلاء، حتّى أنّ عظامه تكسّرت كلّها وذبل لحمه قليلا كما لو كان يشيخ.

صرخ: "لا شخصَ أزليّ أبديّ بل أمديّ، فلا فانٍ سرمديّ."

ابتعدت الكرات الثلاث عن بعضها حتّى صارت المسافة بينهما تقاس بآلاف الأمتار، ثم أطلقت بعد ذلك كل واحدة منها نورا أزرقا فاتحا، فالتقت الأضواء الثلاثة فوق رأس إدريس الحكيم، ثمّ اخترقت نقطة الاتقاء نقطة أصل جبهته.

لمع جسده بنفس اللون الأزرق، ثمّ رفع إصبعه فإذا بالكرات الثلاث تكوّن حاجزا لا يمكن اختراقه بسرعة كبيرة، فارتدّت عندئذ كلّ تلك الأنصال الحمراء وتبدّدت من شدّة ردّة فعل حاجز الكرات الثلاث.

تعجّب إبلاس ثم قال صارخا: "ستتمادى إلى حدّ التضحية بزمنك يا حكيم! كم فقدت الآن؟ خمسين سنة؟ أم هي مائة سنة؟ لكن كلّ ذلك بلا معنى يا صديق الألفيّة. حتّى لو ضحيّت بروحك نفسها لن تنجو من هذا؛ لن تسلم من يأسي. اغرق!"


ساحت السماء الحمراء كلّها مرّة واحدة فوق إدريس الحكيم، ثم تشكّلت لتصبح نصلا واحدا مركّزا. لقد كان هذا النصل يبدو حيّا نوعا ما، وظهرت به العديد من الصور. كلّ تلك الصور حملت معها مناظر الشؤم البؤس، من حروب وقتل وعصور كارثيّة على مرّ التاريخ.

كان هذا النصل الأحمر كنصل دماء العصور نفسها.

انطلق بسرعة جنونيّة حتّى التقى بحاجز الكرات الثلاث، فكانت الضجيج مرعبا لدرجة لا توصف. كان أيّ شخص يسمع هذا الضجيج يسمع صرخات الموت تتردّد مرارا وتكرارا في ذهنه حتّى تجعله يختبر شعور الموت نفسه، فما بالك بإدريس الحكيم الذي كان يختبر ذلك مباشرة؟

ابتعدت الكرات الثلاث عن بعضها أكثر فأكثر فأصبح الحاجز أقوى وشاخ إدريس الحكيم أكثر. أصبح حاليا يبدو كشخص في عمر الأربعين بعدما كان شابّا في العشرينات من عمره. لقد كان يستخدم زمنه نفسه حتّى يُخوّل له أن يستخدم الحكمة السياديّة لمقاومة هجوم إبلاس بعدما فرُغت طاقته الروحيّة.

كان هذا الحاجز عظيما وبإمكانه صدّ هجمات روحانيّ مبارك بكلّ سهولة، لكنّ هذه المرّة كان السلاح سلاح سلطان أصليّ للأسف، فكان أكثر ممّا يستطيع تحمّله.

اخترق النصل الأحمر الحاجز ومرّ عبر إدريس الحكيم، من خلال جسده وروحه نفسها. أحسّ عندئذ بروحه تتآكل شيئا فشيئا كما لو كان هناك حاصد أرواح يأكلها ببطء. لقد كان واضحا أنّ تلك هي قدرة النصل الأحمر، أو للدقّة، قدرة الصحن الفخّار.

وصل نصل سماء الدماء بعد ذلك إلى باسل الذي كان ساقطا على ركبته، عاجزا عن التحرّك.

كان إدريس الحكيم ممدّدا على الأرض غير قادر على تحريك إصبع واحد بعدما أصبح على شفا الموت، وصار يشاهد باسل يقترب من الموت أمام عينيه غير قادر على فعل أي شيء.

"توقّف يا إبلاس. لا تحتاج إلى ذلك."


"هاهاها" ضحك إبلاس من قلبه ثمّ تكلّم صارخا: "لا تقل لي مثل هذه الأشياء في هذه الأثناء. تعلم وأعلم، إنّي لست بمتوقّف."

كان النصل عند رأس باسل، وأبسط نيّة من إبلاس كانت كافية حتّى يخترقه به بكلّ سهولة ماحيا إيّاه من الوجود كأنّه لم يوجد أصلا.

شاهدت أنمار والآخرين ما كان يحدث أيضا دون القدرة على فعل شيء، وانتظروا حصول معجزة ما فقط. لقد كانوا في موقف يائس حقّا. لو لم يظهر شخص بمستوى عالٍ للغاية كافٍ لمجابهة إبلاس بسلاحه ذاك، فلن تكون هناك فرصة لباسل حتّى ينجو.

"اغرق يا حكيم!"

قالها إبلاس ثم ترك النصل يخترق باسل.

"كـــلّا!" صرخ إدريس الحكيم في نفس الوقت بينما يتقيّأ الدماء وتتآكل روحه في نفس الوقت. لقد كان الآن في حالة لا يُحسد عليها. فبعدما تعرّض لقدرة الصحن الفخّار، أصبح محكما عليه بالموت؛ أصبح وجبة لسلاح إبلاس حتّى يغدوَ أقوى.

ززززن

اخترق النصل جبهة باسل، ومرّ عبر نقطة أصله هناك محاولا بلوغ روحه نفسها، حتّى بلغها وبدأ يخترقها. كلّ هذا حدث في غمضة عين ولم يكن هناك وقت للملاحظة حتّى. فقط إدريس الحكيم وإبلاس من كانا يعلمان ما كان يحدث بالضبط.

صرخ باسل وشقّت أصواتُ ألمه السماءَ، وفطرت قلب إدريس الحكيم. لقد كان يرى تلميذه الذي يعدّه ابنا له يتعذّب أمامه قبل أن تُستنزف روحه نهائيّا. كانت نظراته تصير خافتة أكثر فأكثر ممّا زاد من تحمّس شيطان اليأس؛ لقد كانت تلك هي النظرات التي لطالما أراد رؤيتها.


انطلق بريق أبيض من باسل أعمى الجميع فجأة، وصاحبه صوت غريب لم يعلم أحد عن ماهيته أو من كان صاحبه. كان هذا الصوت يترك شعورا مريبا في الأنفس إذْ كان كأزيز بصدى عالٍ.

صرخ الصوت الغريب وسط أشعّة الضوء فأصمّ الناس أجمعين قبل أن يردّد بلهجة متكبّرة للغاية: "أنا السلطان ذو الطغيان، حاكم الأزمان المطوية في صفحات النسيان. فمن يمكن أن تكون حتّى تتجرّأ على استخدام ذلك الصحن ضدّي؟ من أنت حتّى تملكه أصلا دون رخصة منّي؟"

فتح إبلاس عينيه على مصراعيهما غير مصدِّق لما يحدث. ألم يكن ينهي أمر تلميذ حكيم قبل قليل؟ من هذا الشخص الذي ظهر فجأة بينما يعلن نفسه حاكما للأزمان؟ وقبل ذلك، كيف له أن يوقف شيئا كنصل سماء الدماء؟

تحدّث شيطان اليأس بسرعة سائلا: "مَن أنت؟ مِن أين أتيت؟"

تردّد صوت الأزيز مرّة أخرى حاملا نيّة عظيمة به: "لا تجعل السلطان يكرّر كلامه أيّها المنحطّ. لستَ من الأربعة عشر حتّى لكنّ ذلك الصحن في حوزتك، بل وتستخدمه أيضا، وهناك رابط بينكما. إنّك لا تعلم كم هذا مثير للغضب يا أيّها الشقيّ."

بَسَرَ إبلاس لمّا سمع ذلك الكلام وحدّق إلى الصحن الفخّار في يده، محاولا كشف ما يدور حاليا. ما علاقة هذا الصوت بالصحن الذي يملكه؟ هل يمكن أنّه إحدى الإجابات عن تلك الألغاز؟ كلّ شيء أصبح أكثر غموضا له وأراد أن يعلم ما يحدث بأسرع وقت.

عادت بعض الذكريات إلى ذهن شيطان اليأس، فامتلأ ذهنه بتلك اللحظات التي مرّت عليه صعبة للغاية. تردّدت بعض الأصوات التي آلمته كلّما سمعها في عقله فكانت تجعله دائما يجدّد قسمه على إتمام ذلك الأمر وإنهاء ما بدأَتْه وما خلَّفتْه وراءها له. لقد كانت تلك التي تملأ عقله في هذه اللحظات هي السبب الأصليّ في دخوله إلى عالم من الألغاز التي لم يكشف أحد عبر الأزمان الغطاء عنها.

وأخيرا بعد مدّة طويلة للغاية، لمح دليلا في مكان غير متوقّع. لقد أحسّ مباشرة بالنيّة العظيمة التي تتكلّم من خلال باسل، لذا فهم بعض الأشياء بعدما بصرها بعينيْ حقيقته بسرعة كبيرة، إلّا أنّ الأسئلة الهامّة ما زالت بلا أجوبة.

تكلّم بعدما هدّأ نفسه: "ليس جيّدا، ليس جيدا؛ مجرّد نيّة تتجرّأ على التكبّر أمامي؛ لربّما لو كانت إرادتك أو روحك على الأقلّ لكنت أعطيتهما بعض الاعتبار، لكنّ مجرّد نيّة، وليست حتّى كاملة بل مجرّد جزء منها يجرؤ على التعجرف."

"هاهاها!" ضحك الصوت الغريب قبل أن يجيب: "إنّك تثق في بصرك بشكل أعمى. هناك حقائق عدّة في هذا الكون الشاسع لا يمكن لأعين حقيقتك أن تبصرها."

عبس شيطان اليأس ولم يزد كلمة أخرى حتّى كان قد شحن الصحن الفخار من جديد، فلطّخ السماء بالأحمر واستعدّ لإلقاء هجمة أخرى.

انشقّت السماء فجأة، وظهر فضاء أسود لا يُرى قعره أبدا، ولم يكن بداخله شيء سوى أصوات تتردّد مرارا وتكرارا. كانت تلك الأصوات تصرخ وتنادي طالبة النجدة، لكنّ لا شيء استطاع الدخول إلى ذلك الفضاء أو الهروب منه بمحض إرادته. كان ذلك الفضاء كسجن أبديّ مفصول تماما عن أيّ فضاء وبُعد آخريْن، وبه عانت الأرواح الأمريّن لسنوات لا تُعدّ ولا تُحصى كحصى تُسحق بجبل أقسى.

قطب إبلاس بعدما حدّق إلى ذلك الفضاء ثم صرّح: "يبدو استخدام سلاح روحيّ من درجة سلطان أصليّ لمرّة ثانية قد شغّل اختبار العالم. يبدو أنّه لديّ هجمة واحدة قبل أن أُختبَر."

رمق باسل، أو للدقّة، رمق الشيء الذي يتحكّم في جسده حاليا ذلك الفضاء وصرّح: "سجن الظلام الأبديّ. يا له من شيء بغيض."


كان هناك شيء يمنع السلاطين في العوالم الروحيّة من الحكم إطلاقا كما يشاؤون؛ فلو شاء سلطان ما، لأباد أمما وإمبراطوريّات برمّتها بسهولة كبيرة مهما كان عدد السحرة الروحيّون الذين يجب عليه مواجهتهم، إلّا أنّه كان هناك قمع حرمهم من فعل ذلك.

كان على السلاطين خوض اختبارات عدّة من أجل الخروج إلى العالم في الواقع، فعندما يصل الساحر الروحيّ إلى مثل ذلك المستوى، يصبح هو بنفسه شيئا غريبا يخرق قوانين العالم بشكل كبير، فيُقمع بشكل أكبر، أو بالأصحّ، يُختبَر إن كان كفؤا للكينونة التي أصبح عليها.

عدد قليل للغاية من نجح في تلك الاختبارات، وأقلّ من تجاوز معظمها، ولا أحد تخطّاها كلّها، فبقيت تلك القمّة الخرافيّة غير مبلوغة على مرّ العصور.

اتّضحت صوره باسل بعدما انقشع كلّ الغبار واختفى الضوء المشع أخيرا، فكان شكله عاديا إلّا أنّ الضوء في عينيه كان باهتا، فكان واضحا أنّه غير واعٍ. لقد كان حاليا تحت سيطرة نيّة ما.

تكلّمت تلك النيّة بصوتها الغريب مرّة أخرى: "يا شقيّ، لديك خيارين. تُسلّم ذلك الصحن إليّ، تمُت بهناء؛ تجعلني آخذه عنوة، تمُت بشقاء."

"لا هذا ولا ذلك." أجاب إبلاس مباشرة بينما يستعدّ لإطلاق هجمته. كانت السماء دامية، وفي لحظات فقط ساحت كلّها ثم تشكّلت لتصبح رمحا عظيما. كان هذا الرمح شيطانيّا للغاية وحمل معه قوّة روحية هائلة لا يمكن تصوّرها. لقد كان ذلك أفضل هجوم يمكن لإبلاس القيام به بالصحن الفخّار.

سقط الرمح وفي لمحة عين كان قد بلغ باسل بالفعل. كان كلّ شيء عديم الفائدة أمامه، لم يهمّ إن كان إمبراطورا روحيّا أو حتّى روحانيّا مباركا، فكلاهما تحتّم عليه أن يموت وقُرٍّرَ مصيره لمّا واجه سلاحا روحيّا بمستوى سلطان أصليّ يتحكّم فيه روحانيّ مبارك.

ولكن على عكس المتوقّع، توقّف الرمح أمام أعين باسل التي لم تكن تبصر شيئا في الواقع. لقد كان باسل مجرّد ساحر في مستويات الربط في الأصل حتّى لو كان يختلف قليلا بسبب الميزة المدهشة التي يملكها، إلّا أنّ هذه النيّة كانت قادرة على إيقاف مثل ذلك الهجوم المرعب.

استغرب شيطان اليأس كثيرا وزادت تساؤلاته وشكوكه مع الوقت؛ فمهما نظر إلى الأمر وجده غير معقول، وليس هو فقط، بل حتّى إدريس الحكيم الذي كانت روحه تُستنزف بسبب الصحن الفخّار اتّسعت حدقتا عينيه ولم يرمش قطّ.


كان الصحن الفخّار سلاحا روحيّا بمستوى السلطان، وحتّى مع محاولات إدريس الحكيم المتتابعة إلّا أنّه لم ينجح في الهروب من القيد الذي وضع عليه فكانت روحه نفسها تصبح تغذية للصحن الفخّار ومالكه، إبلاس. لقد كان في وضع لا يُحسد عليه أبدا.

تكلّم الصوت عبر باسل مرّة أخرى: "لا تجرُأنَّ يا شقيّ. أنا سلطان الأزمان، لا أقع في نفس الخطأ لمرّة ثانية. في ذلك العصر، كنت صغيرا طموحا وهرعت وأسرعت إلى تلك القمّة، لكنّني أخطأت. أنا لن أعيد نفس الأخطاء هذه المرّة. فلأجعلنَّ من الأربعة عشر تعود إلى أربع عشرة؛ ولأبلغنَّ الأصل!"

لم يفهم أحد ما كان يتكلّم الصوت عنه، إلّا أنّه بدا عازما ومصمّما بشكل مخيف. لقد كان صوته عميقا وحمل معها تاريخا عتيقا. الألم والأمل والشجاعة واليأس والصبر وكلّ شيء آخر احتاجه الساحر الروحيّ حتّى يعبر مساره الروحيّ كان مضمونا في كلماته تلك.

"إنّه صحني، ولن يؤثّر عليّ يا شقيّ."

ظهرت ثلاث مخطوطات فوق رأس باسل وتحرّكت الحروف بها حتّى كوّنت أنماطا مختلفة تماما عن التي كانت عليه سابقا، فأصبحت غير مفهومة لأيّ شخص مهما كان. لقد كانت تلك الأنماط غريبة جدّا ولم يعلم عن حقيقتها سوى تلك النيّة.

تكوّنت عدّة قوانين فجعلت العالم بأكمله ينقلب رأسا على عقب، وكما لو أنّ الطبيعة نفسها أصبحت تستجيب للمخطوطات الثلاث.

نطق الصوت مرّة أخرى: "طغيان السلطان!" كانت لهجة النيّة طاغية بالرّغم من أن صوته كان هادئا.

وفجأة، ظهرت تشقّقات على الرمح الذي كان أمام عينيْ باسل، وفي اللحظة التالية انكسر ثمّ تحوّلت شظاياه إلى فتات ثم غبار حتّى اختفت مندمجةً بذلك مع الهواء الطلق.

ارتعب إبلاس من هذا المشهد، وقبل أن يستجمع أنفاسه، تزلزل العالم مرّة أخرى واتّجهت أنظار الجميع إلى السماء، إلى حيث وقع سجن الظلام الأبديّ.


أفرز ذلك الفضاء الأسود دخّانا أسودا كثيفا بدا، وبعد لحظات بدأ الدخّان الأسود يتّخذ أشكالا كلّ واحد منها شابه الآخر، أو يجب القول كانت متماثلة تماما. كانت هذه الأشكال السوداء كتجسيد للموت لِما خلّفته من هالة مشؤومة وشعور حانق يجعلان الأنفس تضيق صدورها وتُغمَر بظلام أبديّ.

هلع إبلاس، وإدريس الحكيم، وحتّى تلك النيّة. لقد كان ذلك اختبار من درجة كبيرة في الواقع ولا يمرّ به سوى سحرة روحيّون بلغوا درجة رفيعة كالروحانيّين السامين أو الأسطوريّين. كلّ هذا حدث بسبب ظهور سلاح روحيّ لسلطان أصليّ، ونيّة لا يعلم أحد عن مستوى صاحبها الحقيقيّ، إضافة لتلك المخطوطات التي كانت كنزا عتيقا حتّى عينيْ حقيقة إبلاس لم ترَ من خلالها.

بلغ عدد تلك الأشكال السوداء سبعة، وكانت تبعث دخّانا أسودا يبدو كسمّ فتّاك بحدّ ذاته، وعندما يدقّق المرء في أوجهها يرى جماجمَ سوداء تكاد لا ترى في ذلك المعطف الحالك الذي يغطّي بقيّة الجسد إن كان هناك جسد تحته أصلا.

لقد كانت تلك كائنات مجهولة المصدر ولم يعلم أحد عن مصدر طاقتها لأنّها لم تستخدم الطاقة السحريّة ولا الروحيّة ولا أيّة قوانين من الوجود. لقد كانت طاقتها تلك غامضة جدّا. كلّ ذلك جعل الناس تتساءل وتضع نظريّات واحتمالات.

كانت تلك كيانات مجهولة، إلّا أن حقيقة فتكها وكونها ما اتُّخذ كمشرف عن اختبارات الجدارة، جعل السحرة الروحيون يلقّبونها بهذا الاسم: "ممتحِنوا الظلام" وهناك من لقّبهم بحاصدي الأرواح لكونهم غالبا ما يحصدون أرواح السحرة الروحيّين عند اختبارهم.

"عديمو الروح الملاعين!" صرّحت النيّة وردّد بصوت غاضب.

"هذا سيّئ!" قالها إبلاس وحدّق إلى إدريس الحكيم مرّة أخيرة ثم إلى باسل. راودته بعض الأفكار فعضّ شفته السفلى وتحسّر.

"يا حكيم، إنّها نهايتك. أنا مضطرّ للمغادرة الآن لكنّ روحك ستكون دوما معي، يائسةً خائبةً. لقد كانت هذه أوّل مرّة أستخدم فيها هذا الصحن الفخّار، وكانت عليك. لقد رأيت النظرات التي أردتها في عينيك، لكنّني في الواقع ما زلت غير مقتنع، لكنّني لن أنغمس في الجشع؛ لقد وجدت لعبة جديدة!"

انتهى إبلاس من كلامه واختفى بسرعة البرق إلى توابعه، فشقّ الفضاء بكنز ما كما فعل عندما أتى إلى العالم الواهن، وفي اللحظة الأخيرة، رمق أنمار وباسل، ثم غادروا عبر ذلك الفضاء البنفسجيّ الذي انغلقت كلّ الممرّات إليه بعد ذلك.


رأت النيّة كلّ ما حدث ولم يسعها سوى أن تصرخ غاضبة: "أيّها الشقيّ اللعين، لم تهرب بصحني فقط، بل وتركت عليّ التعامل مع عديمي الروح البغضاء هؤلاء. لن أنسى هذا أبدا."

كان ممتحِنوا الظلام في طريقهم آنذاك إلى باسل، وكلّ ما استطاع الناس فعله في تلك الأثناء هو المشاهدة. مشاهدة اختبار الجدارة لأوّل مرّة يحدث في العالم الواهن.
**
مرّ الوقت، وكان هناك أناس غائبين عن الوعي في أرض قاحلة لا يمكن رؤية أيّ إشارة للحياة فيها غير أولئك الناس النائمين. من بينهم، كان هناك شخصان فقط مستيقظين، ولم يكن هذان سوى إدريس الحكيم الذي كان يزحف حتّى يصل إلى المستيقظ الآخر.

وفي الواقع، المستيقظ الآخر لم يكن واعيا أيضا، وإنّما كان هناك شيء يحرّكه فقط. لقد كان ذلك باسل الذي تحرّكه تلك النيّة. كان جسد باسل داميا، وأحسّ إدريس الحكيم بروحه الضعيفة التي تطغى عليها تلك النيّة بشكل كامل.

لقد كانت روح باسل في تلك الأثناء ككرة في يد تلك النيّة. لم يكن هناك ما يمكن فعله وخصوصا بالنسبة لإدريس الحكيم في حالته تلك. لقد كان حيّا بالكاد، وكانت روحه تتآكل بسبب الصحن حتّى الآن. لقد كان ذلك الصحن الفخّار كنزا مرعبا للغاية، وحافظ على تأثيره بالرغم من أنّه بعيد بعوالم.

اقترب إدريس الحكيم كفاية ثم تطلّع إلى باسل، حدّق إليه كما لو أنّه يحاول النظر إلى النيّة التي تقبع داخله. بقي على ذلك الحال لمدة كافية حتّى قال أخيرا: "أعِد لي ابني."

حدّقت إليه النيّة عبر عيني باسل ثم ابتسمت كما لو كانت تسخر منه، قبل أن تقول: "لقد مات هذا الصبيّ مرّتين بالفعل، وفي الأولى نجح في استرداد جسدي منّي لأنّني أرخيت دفاعي لأنّني وصلت إلى ما انتظرته لعصور، لكنّني لا أخطئ نفس الخطأ لمرّة ثانية. هذه المرّة لن ينجح أبدا. إنّه جسدي، كان كذلك وسيظلّ كذلك."

صمت إدريس الحكيم كما لو كان يفكّر في بعض الأشياء، وقال أخيرا: "وأنا، إنّه ابني، كان كذلك وسيظلّ كذلك."


سطع جسد إدريس الحكيم فجأة، إلّا أنّ ذلك لم يصاحبه دمار ولا أيّ شيء، فقط السكينة والطمأنينة غمرت جسد باسل الذي تعرّض لذلك الضوء. ارتعبت النيّة حتّى أنّها صرخت: "ما الذي تحاول فعله؟! ألا تدري ما أنت مقدم عليه؟!"

"هوهوهوهوهوهو!" ضحك إدريس الحكيم لمدّة طويلة جدّا، ثم سقطت دمعة من عينه اليمنى، فسقطت دمعة أخرى من العين الأخرى، فنزلت دموع من كلتا العينين بشكل متتابع حتّى صنعت مجرى من الماء المالح الذي سقط في فم إدريس الحكيم المفتوح من الضحك.

امتزجت مرارة الدموع بحلاوة الضحك، وجعلت من قلب إدريس الحكيم يتقلّب. لقد اختلطت مشاعره كثيرا في تلك اللحظات عندما قرّر إنهاء هذا الأمر كلّيّا.

"أعلم أنّه لا يمكنني إكمال مسيرتي في المسار الروحيّ حتّى لو تعافيت من هاته الجروح الجسديّة بمعجزة ما، ومتيقّن من فشلي في إنقاذ ابني لو حاولت وأنا على هذه الحال. أنا لا أستطيع السماح لنفسي وأفشل في كوني دائما الأفضل. إنّه يعدّني الأفضل، فما عليّ سوى أن أكون أكثر من ذلك لا أقلّ."

"لقد كانت ألف سنة مديدة مجيدة. لديّ العديد من الأشياء التي ما زلت أريد بلوغها وتحقيقها، لكنّها كلّها لا شيء مقارنة بابني. لقد راقبته لخمس عشرة سنة، فأحببته، وكسب احترامي وتقديري، ولطالما تخطّى توقّعاتي. لن أتركه يذهب هكذا وأنا أعلم أنّه في يوم من الأيّام سيبلغ ما أردته يوما، ويحكم العوالم الأربعة عشر كلّها، كما سيفكّ كلّ ألغازها وألغاز ما يقبع وراءها."

قالت النيّة بسرعة: "هل أنت في رشدك أم فقدت عقلك يا أيّها الشقيّ؟! قد تكون تلك أرض الوهب، لكن لا تنسى أنّها أيضا تبقى أرض السلب!"

"هوهوهوهو!" أكمل إدريس الحكيم ضحكه ثم قال أخيرا: "ابني أهمّ من روحي!" كانت جملته الأخيرة تلك نابعة من قلبه كلّيّا، ولم تحمل ذرّة شكّ أو تردّد، حتّى جعل تلك النيّة تهلع.

قالت النيّة بسرعة كبيرة: "حسنا، حسنا! ما رأيك في هذه الصفقة؟ لقد بلغتُ ما بلغتُ سابقا في خمس آلاف سنة، لكنّني واثق من فعلها في خمسين سنة هذه المرّة وأفوق ذلك حتّى. عندئذ سوف أتخلى له عن هذا الجسد وأمنحه ما يتمنّى حتّى."

كان الصوت متوتّرا كثيرا. ضحك إدريس الحكيم أكثر فأكثر ثم قال: "إنّي لست بتاركك تمكث هناك متحكّما في ابني ولو لدقيقة أخرى."

"اللـــــعنة!" صرخت النيّة وأرادت أن تهاجم إدريس الحكيم إلّا انّه لم يستطع اختراق ذلك الضوء قطّ. لقد كان جسد باسل حاليا ضعيفا للغاية وروحه قاست كثيرا بعدما واجه أولئك الممتحنين الظلاميّين. كان عاجزا عن فعل شيء أمام كلّ تلك القوّة الهائلة التي قدمت مع ذلك الضوء من إدريس الحكيم.

كان جسد إدريس الحكيم يتحلّل مع ذلك الضوء في نفس الوقت كورقة تحترق، إلّا أنّ رماده كان زاهيا مشعّا. كانت كينونته بنفسها تتبدّد، وشمل ذلك روحه وجسده وإرادته ونيّته حتّى. كلّ شيء كوّن إدريس الحكيم يوما كان يختفي. من كان ليتخيّل آلام تلك اللحظات؟ إلّا أنّ إدريس الحكيم ظلّ صامدا، مجاهدا، من أجل أن يكون ذلك الأفضل.

"لــك كــلّ مــلــكــت يــومــا يــا ابــنــي!"

اختفى جسد إدريس الحكيم تقريبا كلّه في هذا الوقت، تبدّدت روحه، ثم إرادته، وكلّ ما تبقّى هو قليل من نيّته.

"لقد وهبتِني لكنّني خنتكِ، فـــها أنا ذا اسلبيني!"

كان ذلك آخر ما قاله إدريس الحكيم قبل أن يختفي تماما من الوجود
مضحيا بنفسه من أجل ابنه وتلميذه باسل.................يتبع!!!!


(الجزء الثامن)

كلّ ما تبقّى من إدريس الحكيم، أو ما دلّ على وجوده على الأقلّ، كان ذلك الضوء الذي أحاط بباسل من جميع الجهات فغلّفه حتّى أصبح لا يُرى من الخارج. كان ذلك الضوء كشعلة حياة حملت معها خبرات لا تُعدّ ولا تُحصى، لقد كانت تمثّل حياة إدريس الحكيم نفسها في الواقع، بكلّ شيء مرّت به من عقبات وانعطافات، إلّا أنّه بدا أنّها حملت معها حيوات عديدة، وكلّ واحدة منها حملت معها خبراتها أيضا.

أصبح شكل الضوء كبيضة ضوء يقع باسل بداخلها كجنين يتغذى ببطء شديد على كلّ المغذّيات ويستفيد من جميع مزاياها، وأثناء ذلك كان ضوء البيضة يطلق أشعّة في جميع الاتجاهات. كانت تلك العمليّة التي قام بها إدريس الحكيم مستعصية للغاية كونها شيء يتحدّى إرادة أرض الوهب والسلب العتيقة؛ لقد كانت شيئا استحقّ أن يُمسح من الوجود من أجله.

كانت أرض الوهب والسلب العتيقة أرضا تمنح هبة ما لأولئك الذين ينجحون في الاختبار، لكنّها كانت تسلب أولئك الذين يفشلون فيه. قليل القليل من تجرّأ وتقدّم حتّى يمرّ بذلك الاختبار الذي كانت نسبة النجاح فيه أقلّ من نسبة النجاح في بلوغ مستويات السلطنة.

وحاليا، كان باسل يكسب شيئا لا يجب على المرء اكتسابه إلّا عن طريق واحد ألا وهو الاختبار الذي تضعه، فكان هذا أمرا فريدا في كلّ الأزمان بأيّ مكان. لم يحدث مثل هذا الشيء قطّ على مرّ العصور؛ فلا أحد تجرّأ على خيانة أرض الوهب والسلب العتيقة، أو واتته نفسه أن يعرّض روحه لشيء مجهول تماما.

بعد دقائق، تحرّك شخص من بين الغائبين عن الوعي وتقدّم إلى البيضة المشعّة فحاول لمسها، لكنّ جسمه ارتدّ لمئات الأمتار بشكل عنيف واصطدم بجبل فتقيّأ الدماء بكثرة. كان هذا الشخص هو أنمار التي ارتدّت بعض الصور في عقلها في الوقت الذي اصطدم فيه رأسها بالأرض.

رأت صورة إدريس الحكيم والكلمات التي قالها قبل أن يختفي تماما؛ كانت قد أصبحت واعية على ما يبدو في ذلك الوقت واستطاعت أن ترى وتسمع كلّ كلمات معلّمها الأخيرة. وقفت مرّة أخرى وقطعت خطوة تلو الأخرى بينما تُزامن كلّ واحدة منها دمعةٌ كانت تسقط من إحدى عينيها في كلّ مرّة.

كانت هناك وحيدة وسط تلك الأرض القاحلة بينما تقترب من البيضة المشعّة التي لم تصدر صوتا هي الأخرى. كان الهدوء قاتلا في هذه الأثناء بشكل يجعل المرء لا يصدّق أنّه كان هناك زلازل بعدد مرعب قد حدثت انطلاقا من هذا المكان الميّت.


حاولت أنمار مرارا وتكرارا لمس البيضة المشعّة من أجل أن تلمس باسل، إلّا أنّها أُرسِلت محلّقة مرّات أخريات فقط. كانت محاولاتها عقيمة، وحتّى بعد مرور وقت طويل كان الحال نفسه.

استيقظ الناس في المناطق المجاورة بعد مرور ساعات بينما يحاولون مجاراة ما حدث بعقولهم الصغيرة التي لم ولن تقدر أبدا على استيعاب ما وقع. لقد كان كلّ شيء يفوق أكثر تخيّلاتهم جموحا.

اقترب الحارس جون مع بعض الجنود من أنمار بعدما رأوها ما تزال تحاول الاقتراب من البيضة المشعّة التي سبّبت لها كلّ تلك الجروح البليغة والدماء التي غطّت كامل جسدها حتّى أصبح شعرها الذهبيّ أكثر حمرة وميولا للبرتقالي بعدما امتزج بالدم الأحمر.

كانت تريد لمس باسل ورؤيته في أقرب وقت ممكن، أرادت أن تشاركه المعاناة التي مرّ بها، أرادت أن تحزن معه على معلّمهما، أرادت أن تكون معه.

"سيدتي الصغيرة... أرجوك كفاك... إنّ سيّدنا باسل لم يكن ليريد أن يراك هكذا... هذا كثير."

وبالرغم من كلام الحارس جون، إلّا أنّها لم تهتمّ، أو كما بدا.. لم تسمعه، وظلّت رؤيتها مركّزة على بيضة الضوء تلك فقط.

"ساعدوني على إيقافها!"

صرخ الحارس جون آمرا الجنود خلفه ثمّ تقدّموا كلّهم مرّة واحدة ووقفوا في طريق أنمار، ولكنّها تقدّمت إلى الأمام كما لو لم يكن أمامها شيء، وعندما اصطدمت أخيرا بجسد الحارس جون، أدركت فقط أنّ هناك شيء يمنعها من التقدّم، لذا شحنت ما لديها من طاقة سحريّة وفعّلت فنّها القتاليّ ثم صرخت: "لا شيء يمنعني من مقابلة رجلي!"


وعندما كانت ستطلق هجوما كان سيقتل كلّ من أمامها، ظهرت لطيفة وسميرة فجأة وراءها وقبضتا يديها بينما تقولان: "سيكون بخير يا أنمار، ارتاحي فباسل لن يريدك هكذا."

هدأت أنمار بعدما سمعت ذينك الصوتين المألوفين وعادت إلى رشدها أخيرا. بصرت من كان أمامها ثمّ نظرت إلى أمّها وعمّتها لطيفة قبل أن تسقط في حضنهما بينما تبكي.

كانت حزينة للغاية على فقدان معلّمهما، ولم ترد شيئا آخر في هذه الأثناء سوى الكون مع باسل حتّى يتشاركا نفس المشاعر والأحاسيس التي لم يكن هناك شخص في هذا العالم يمكن أن يفهمها. لقد كان إدريس الحكيم أبا لهما أكثر من معلّم، علّمهما السحر وكلّ شيء متعلّق به، لكنّه أيضا ربّاهما وحماهما وراقبهما كوالدهما. لقد كانت معزّته لا توصف في قلبيهما.

حدّق الحارس جون إلى المشهد أمامه ثم وجّه نظره إلى البيضة المشعّة وتحسّر؛ أراد أن يقول شيئا لكنّه لم يعلم ماذا ينطق، وفي النهاية سأل فقط: "ما الذي يحدث لسيّدنا؟ هل سنراه مرّة أخرى؟"

حدّقت أنمار إلى بيضة الضوء ثم نظرت إلى الأرض وقالت: "لا أعلم، لكنّني أعلم أنّه شيء في مصلحته فقط. سيكون علينا أن نصبر إلى أن يحين موعد عودته."

كانت أنمار تعلم أنّ معلّمهما قد فعل شيئا لباسل في آخر اللحظات من أجل إنقاذه، لذا كانت واثقة من نجاحه. لقد ضحّى إدريس الحكيم بحياته من أجل تحقيق ذلك ولم يكن هناك مجال للفشل.

نظر الحارس جون إلى الأرجاء حوله ثمّ أمر الجنود: "ساعدوا الناس وعالجوا كلّ مصاب وخفّفوا عنهم بأيّ طريقة."

"حاضر!"

التفت بعد ذلك إلى أنمار ثم قال: "يا سيّدتي الصغيرة، بعدما رأيناك سابقا، لا أظنّه بوسعنا نقل سيّدنا باسل في وضعه الحالي من ذلك المكان، لذا سنخيّم هنا حتّى يعود إلينا. أين تريدين أن نضع خيمتكن؟"


حدّقت أنمار إلى أمّها ولطيفة ثم أجابت مباشرة: "خيمتنا ستكون هي نفسها خيمة باسل."

"سمعا وطاعة!" أجابها الحارس جون مبتسما ثم غادر ليبدأ عمله.

شربت أنمار إكسير العلاج وتكلّمت مع الكبير أكاغي عبر خاتم التخاطر عن كلّ ما حدث، وأعلمته بحالة باسل الحالية فأخبرها بقدومه العاجل، وليس هو فقط، بل جميع رؤساء العائلات الكبرى من الإمبراطوريّات الثلاث وكلّ شخصيّة مهمّة قد أتوا. لقد كان الأمر متعلّقا ببطل البحر القرمزيّ، لذا كان كلّ شخص مهمّ بهذا العالم مهتمّا.

مرّ اليوم الأوّل، وكان باسل على نفس الحال بداخل البيضة المشعّة.

ثمّ اليوم الثاني، الثالث... أسبوع... أسبوعين... لا شيء تغيّر.

حضر الأباطرة الثلاث وعلموا عن الوضع جيّدا، وتعجبّوا لحال باسل لمّا رأوه فلم يفقهوا شيئا. حاول العديد منهم حلّ لغز تلك البيضة المشعّة إلّا أنّهم تعرّضوا للرّفض التام منها وظلّ غموضها مبهما كما كان.

كان جميع الأشخاص الذين التقوا بباسل حزينين على وضعه ذاك، مرتقبين لحظة عودته فقط، عاجزين عن فعل شيء آخر.

مرّ شهر، فتبعه الثاني والثالث... ولا شيء تغيّر.

رُمِّمت الأرض القاحلة حتّى بدأت الروح تعود إليها، وشُيِّدت المباني فيها من جديد، وبدأت مدينة العصر الجديد تعود شيئا فشيئا إلى سابق عهدها. كانت تلك فكرة التشكيل، إذ ظنّوا أنّه سيكون من الجيّد رؤية المدينة مزدهرة كما يجب أن تكون بعد الاستيقاظ من نوم عميق.


كانت أنمار في مبنى بُنِي على تلك البيضة المشعّة، منتظرة باسل على نفس الحال. لم تأكل ولم تشرب قطّ طيلة المدّة الماضية واعتمدت على طاقة العالم في تغذية نفسها فقط. اختلط حزنها على معلّمها مع فقدانها لباسل كلّ هذه المدّة فجعلها تصوم الأكل والشرب، والكلام أيضا، إذ كان طلبها من الحارس جون قبل ثلاثة أشهر الشيءَ الأخير الذي قالته حتّى الآن.

مرّ نصف عامٍ، وهدأت قلوب الناس أخيرا بعد اختبار تلك الزلازل التي زعزعت أرواحهم وزرعت الرعب فيها.

كان حال باسل هو نفسه، كما كان حال أنمار التي تنتظره. حاولت أمّها وأمّ باسل التخفيف عنها، ولكن لم يكن هناك شيء يستطيع تحقيق ذلك غير لقائها بباسل.

كانت بعض الشخصيات المهمّة تزور باسل من حين إلى آخر، ولكن بعد مدّة نقُصت تلك الزيارات وكانت لطيفة وسميرة وأتباع باسل القريبين هم الوحيدين الذين داوموا على زيارته يوميّا، أمّا أنمار فكانت معه في كلّ لحظة.

كانت ستّة أشهر طويلة للغاية، ولم يسبق لأنمار أن عانت نفسيّا لهذه الدرجة لكلّ هذه المدّة. بدأت الشكوك تراود قلبها القلِق، لكنّها دائما ما تخمدها بثقتها في معلّمهما؛ مهما تأخّر الأمر فسيعود لا محالة؛ إنّه صنع معلّمنا؛ الأفضل؛ كلّ تلك الأفكار جعلتها تصبر وتصبر ثم تصبر مرارا وتكرارا حتّى تجتاز هذه الفترة العصيبة.

وفي يوم من أحد تلك الأيّام، وبعدما سكن العالم الواهن أخيرا، حدث شيء جعل النيام يستيقظون والواعين يهلعون والشجعان يخضعون. أمام أعين كلّ شخص انشقّت السماء لنصفين على مداها كلّه، ثم انشقّت إلى أربع بعد ذلك، وبعد لحظات أصبحت الشقوق لا تُحصى وامتدّت عبر السماء كلّها.

أصبحت السماء كزجاجة متصدّعة بشكل كبير، وأيّ لمسة من أيّ شخص كانت لتسقطها شتاتا. وفي الوقت الذي كان فيه كلّ شخص مرتعد من حدوث ذلك الأمر، تزلزل العالم عدّة زلازل مرّة واحدة كما لو كان ينقلب رأسا على عقب حرفيّا، فانكسرت السماء بصوت جعل العالم الواهن بأكمله يهتزّ وتصدى فيه كلمة واحدة رسخت في قلب السامع والأصمّ على حدّ سواء.

"ختم!"


بعدما حدث هذا الأمر، لم تسقط السماء ولا شيء، فقط استمرّت الزلازل حتّى هدأت بعد يوم كامل من الاهتزازات المتواصلة. كان ذلك الحدث غريبا للغاية ولم يعلم أحد ما حدث بالضبط، إلّا أنّه بعد سماع تلك الكلمة، أحسّ كلّ شخص بالرغبة في الخضوع إلى صاحبها والمثول أمامه من أجل تلبية كلّ طلباته. كانت تلك كلمة أتت من سلطان أمكنه حكم أيّ مكان في أيّ زمان.

تساءل الناس عمّا حدث في الأيّام القادمة لمدّة طويلة، وكثُرت الإشاعات والتخمينات عن مصدره. كان هناك من قال أنّه مخلوق سامٍ قد صبّ غضبه على العالم الواهن، وهناك من قال أنّه تحذير من الشياطين، وهناك من قال أنّها عقاب من الخالق، وهناك من قال أنّها حادثة طبيعيّة لسبب ما.

اختلفت الآراء ولكن ولا واحد استطاع نسيان تلك الكلمة التي انتقلت عبر نيّة سامية، ولم يستطيعوا فهم المعنى وراءها.

وبين كلّ هذا، كانت البيضة المشعّة على نفس حالها. كان باسل لا يزال بداخلها بينما يمرّ بعمليّات مختلفة لا يعلم أحد عن ماهيّتها سوى الخالق.

مرّ وقت طويل حقّا، حتّى كان عاما، إلّا أنّ باسل ما زال لم يظهر بعد.

كان حال أنمار سيّئا نفسيّا للغاية، إذ لم تنطق حرفا لمدّة سنة كاملة، وصامت كلّ شيء إلّا ما يكفي من طاقة العالم حتّى تبقى على قيد الحياة. لقد كانت ظاهرة باسل فريدة للغاية ولم يعلم أحد كم ستدوم، فعام أصلا كان أكثر من كافٍ للعديد حتّى يبدؤون يؤمنون بحقيقة أنّه قد لا يعود أبدا، ولكن أنمار ظلّت ليلا نهارا تراقبه دون راحة.

حتّى بالنسبة لساحر في مستواها كان عدم النوم لكلّ هذه المدّة شيئا مذهلا للغاية ويتطلّب إصرارا عظيما، فالنوم بالأصل غريزة لا يمكن مقاومتها إلّا عن طريق قوّة إرادة كبيرة، فما بالك بصومه أيضا لمدّة سنة كاملة.

تعجّب الناس من حال باسل، لكنّهم كانوا مذهولين من حالها بنفس الدرجة أيضا. كان هناك العديد من الأشخاص الذين قدّروا ولاءها الذي لن تجده إلّا بعد بحث قد لا يكفي عمر واحد له، وتمنّى الكثير لو كانت هناك ملاك حارس مثلها يراقبهم دائما ويهتمّ بهم أكثر من نفسه.

لو أثبت هذا شيئا ما، فهو تخمين إدريس الحكيم حينما قرّر تعليمها بجانب باسل كونها ستكون رفيقة مساره الروحيّ الدائمة، إذ كان حبّها له حقّا يستطيع تجاوز آلاف السنين واختراق العوالم بالرغم من أنّها صغيرة. فمهما يمرّ من الزمن، له تكن خير العون، ومهما يفرقهما المكان، تبلغه قبل فوات الأوان.

لقد فعلت الكثير من أجله، ومعزّتها له كانت كبيرة للغاية، فلم يجد باسل خيارا آخر سوى تناسي كلّ شيء يمكن أن يخرّب ذلك الانجذاب الذي بينهما. لقد كانت أنمار تستحقّ بكلّ جدارة وبالرغم من أنّه تجاهلها لحوالي خمس سنوات، إلّا أنها لم تيأس قطّ وواظبت على ملاحقتها له حتّى كسبته من جديد.

كلّ شخص كان ليرجو وجود مثل هذا الشخص في حياتهم، لذا كلّ من رآها على تلك الحال احترمها بشدّة وقدّرها لدرجة كبيرة في قلبه وتمنوّا من قلوبهم أن يعود باسل لها.

في أحد الأيّام، ظهر ضيف مألوف نوعا ما لأخوي القطع، وبمجرّد ما أن رياه حتّى رميا بنفسيهما عليه كما لو أنّهما نمران جائعان قد وجدا فريسة أخيرا. كانت عيناهما حمراوين للغاية وحتّى أنّهما فعّلا طاقتهما السحريّة إلى أن بلغت أوجها من أجل قمع ذلك الشخص.


دفعاه على الأرض ولم يتركاه يهرب قطّ، لكنّ ذلك الشخص لم يقاوم وربّت على ظهرهما بينما يبتسم بلطف بوجهه الطفوليّ ذاك، ثم قال بصوت مختنق: "هيّا ابتعدا عنّي، كفّا عن هذا، لن أهرب إلى أيّ مكان، لم أكن سآتي إلى هنا على أيّ حال إن كنت سأهرب."

حدّقا إليه كما لو كانا لا يثقان به، لكنّه حافظ على ابتسامته اللطيفة تلك حتّى اقتنعا أخيرا فنهضا وتركاه يقف أخيرا. نفض الغبار من على جسده بينما يتمتم: "حقّا يا له من إزعاج هذا الذي ورّطت فيه نفسي، حقّا يجب ان أصلح من عادتي الغبيّة تلك."

كان هذا الشخص هو أوبنهايمر فرانكنشتاين، العالم المجنون.

لقد كان يقصد بكلامه الأخير ذلك الاتّفاق الذي عقده مع إدريس الحكيم، وعندما اختفى هذا الأخير من الوجود، أحسّ هو أيضا بذلك، إلّا أنّه ما جعله يستغرب لم يكن ذلك، فهو لم يكن يهتمّ في الواقع إذا مات إدريس الحكيم أم عاش، لقد كان استمراريّة ذلك الاتفاق الذي يقيّد روحه ما جعله يتعجّب.

"في ذلك الوقت، كنت متحمّسا لكلّ تلك المعرفة التي ملكها ذلك العجوز، ولم أهتمّ بالثمن الذي يجب عليّ دفعه، ولكن بالتفكير في الأمر ثانية... آآه حقّا هذا ألم في المؤخّرة."

كان يشتم ويتذمّر دون توقّف لسبب ما فترك الاثنين مستغربين. قبضاه من يديه ثم جرّاه دون نطق أيّ كلمة، فأوقفهما وقال: "لقد قلت لكما لا حاجة لكلّ هذا. أنا أعلم ما حاجتكما بي، وهذا أنا ذا أعْلِمْكما أنّها الغرض من مجيئي أصلا. هيّا أزيحا يديكما قبل أن أبترهما." ابتسم في نهاية كلامه كما لو أنّه يمازحهما، إلّا أنّ كلامه حمل نيّة شرسة يمكنها زرع الفزع في القلوب بسهولة.

لم يشعر أخوا القطع حتّى وجدا نفسيهما قد ابتعدا عنه عدّة أمتار، فتنهّد بعد رؤيتهما كذلك وقال: "أخيرا بعض المساحة. حافظا على هذه المسافة وتقدّما أمامي، فأنا لا أحبّ البشر كما يبدو عليّ."

صعدت القشعريرة مع جسديهما فحمدا ربّهما على بقائهما على قيد الحياة حتّى الآن بعدما اقتربا منه بتلك الطريقة وإلى تلك الدرجة. لقد كان سبب تلك القشعريرة هذه المرّة مختلفا عن السابق، لم تكن هذه المرّة نيّته ولا هالته أو شيء من هذا القبيل، لقد كان فقط تعبير وجهه. بدا لوهلة كما لو أنّ شيطانا ما قد استحوذ على *** ما فصنع من خلال وجهه الطفوليّ تعبيرات شيطانيّة لم يكن أحد ليتوقّعها.


تحرّك الاثنان وحاولا مجاراة ما يقوله للآن فقاداه إلى حيث تقع البيضة المشعّة، حيث يوجد باسل. وفي طريقهما التفت كاي ثم تساءل: "كيف لا تحبّ البشر وأنت منهم؟ أتكره نفسك أيضا؟"

"كوكوكو." ضحك الشابّ بوجهه الطفوليّ ضحكة ساخرة ثمّ قال: "أكره نفسي؟ هذا محال. أنا أحب نفسي أكثر من أيّ شيء آخر في هذا الوجود. أنا فقط لا أعدّ نفسي بشريّا."

"ها؟" تفاجأ الاثنان من هذا الردّ ولم يريدا أن يتحدّثا مع هذا المجنون أكثر من ذلك فأكملا بقيّة الطريق بصمت.

استأذنا قبل أن يدخلا، فوجدا أنمار جالسة في غرفة أمام البيضة المشعّة كالعادة، فتكلّم الأخ الأكبر غايرو: "يا سيدتي الصغيرة، لقد أحضرنا شخصا قد يقدّم مساعدة ما."

حدّقت إليه أنمار ثمّ أرجعت نظرها إلى بيضة الضوء من جديد كما لو كانت لا تهتمّ. لقد حاول العديد من الأشخاص فعل شيء ما لكن لا أحد نجح في تغيير شيء.

دخل أوبنهايمر فرانكنشتاين فرمق أنمار لقليل من الوقت قبل أن يتقدّم إلى البيضة المشعّة، ثمّ حدّق إليها لوقت طويل دون أن يرمش قطّ بالرغم من تلك الأضواء التي تجعل الشخص يغمض عينيه رغما عنه.

"هذا...!" تفاجأ الشابّ ثمّ جنّ جنونه فجأة ورمى بنفسه على البيضة المشعّة: "يا له من عجب!"

بااام

ارتدّ جسده فحلّق آلاف الأمتار بعيدا واصطدم بعدّة مباني حتّى ارتطم بصخرة ضخمة فشتّتها، فكان جسده محترقا ومليئا بالجروح العميقة.


شاهد أخوا القطع ما حدث وفهما لمَ مُنِع على الشخص لمس تلك البيضة المشعّة. لقد سمعوا بما حدث لأنمار، لكنّه لم يكن بهذه الشدّة. وبالطبع كان ذلك شيئا طبيعيّا لأنّ أنمار كانت تحاول لمس تلك البيضة فقط وذلك ما حدث لها، أمّا أوبنهايمر فرانكنشتاين فقد رمى بنفسه عليها.

نهض بينما لا يزال يحمل نظراته المتحمّسة تلك، ثمّ حدّق إلى البيضة المشعّة واختفى في لمح البصر قبل أن يظهر من جديد أمامها، فصرّح: "هكذا هو الأمر، إنّه حقّا لجنين ينمو داخل بيضة محميّة."

انذهل الاثنان من سرعته المرعبة وهدوئه رغم تلك الجراح التي تغطّي جسمه، وجعل أنمار تُظهر تعبيرا آخر أخيرا بعد سنة كاملة من الجمود، إذ عبست وأبدت اهتماما. لقد كان ذلك التصريح شيئا جديدا عليها ولم تفهم ما الذي يقصده بذلك، فحملقت إليه وانتظرته يكمل كلامه.

أحسّ أوبنهايمر فرانكنشتاين بنظراتها الشرسة ثم أكمل: "لا أعلم الكيفيّة التي يحدث بها ذلك، ولا المدّة التي سيأخذها مثل هذا العجب، ولكن ما أعلمه أنّ ذلك المز... السيّد باسل ينمو بطريقة ما داخل هذه البيضة. باختصار، يمكنكم القول أنّه عندما يظهر، فستكون تلك ولادة جديدة له."

نظر أخوا القطع إليه بوجه مستاء وفكّرا في نفس الشيء: "ألم يكن سيقول 'ذلك المزعج' للتوّ؟ هذا الشخص..."

وبالنسبة لأنمار، لم يكن ذلك مهمّا إطلاقا وركّزت فقط على كلامه، إلّا أنّها لا تزال غير مقتنعة بما قاله ونظرت إليه بحدّة أكبر جاعلة إيّاه يتنهّد.

أكمل بعد ذلك: "حسنا، حسنا. لك السبب في تفكيري بذلك. أنا أعلم أنّني تحمّست لدرجة كبيرة ورميت بنفسي على هذه البيضة، لكنّ ذلك كان لسبب في الواقع وليس مجرّد غباوة منّي."

نظر إليه الأخوان بوجه خال من التعابير وفكّرا مرّة أخرى في نفس الشيء: "لا، لقد فقدت رشدك قبل قليل يا هذا."


واصل شرحه: "لقد رميت بنفسي كذلك حتّى أتأكّد من شيء توجّب عليّ تحسّسه جيّدا. طيلة هذا الوقت، تعاملت مع الروح بطرق عدّة حتّى صرت أفهمها لدرجة كبيرة، وخصوصا بعد التقائي بذلك العجوز، ولهذا يمكنني الجزم، هذه البيضة عبارة عن شيء مشابه للروح لكنّها ليست روحا، ويحمل معه أشياء كثيرة لا أعلم ماهيتها. لكنّني أعلم أنّها كلّها تعمل كتغذية لذلك الـ... للسيّد باسل."

فكّر بعد ذلك في شيء ما لم يخبرهم به: "حسن، هناك سبب آخر وهو الاتفاق الذي عقدته مع ذلك العجوز. أنا أفهم الآن لمَ ما يزال قائما بالرغم من أنّني علمت أنّه مات. يا له من عجب."

أكمل كلامه مع نفسه: "والآن بعدما تأكّدت ممّا جعل الاتفاق يسري حتّى بعد اختفاء روح العجوز، لا أظنّ أنّه تبقّى لي ما أفعله هنا، ومن الأفضل المغادرة قبل أن يستيقظ ذلك المزعج" التفت ونظر إلى أنمار فوجدها قد اقتنعت بكلامه وتفسيره، لذا استدار وهمّ بالمغادرة.

"انتظر..." تكلّم غايرو فجأة بينما يصنع تعبيرا مصدوما من شيء ما.

عبس أوبنهايمر فرانكنشتاين بسبب ذلك والتفت إليه: "أوّل شيء، لا تتحدّث معي بصيغة الأمر تلك وحاول إضافة صيغة الطلب إليها، وثانيا، كن متأكّدا من أنّ انتظاري لك يستحقّ، وثالثا، اعلم أنّك إذا لم تطبّق هذين الشيئين الاثنين مرّة أخرى فلن تجد رأسك مكانه."

ابتسم أوبنهايمر فرانكنشتاين في نهاية كلامه تلك الابتسامة الطفوليّة البريئة بينما يحدّق إليه بعينيه اللتين لا تجاريان تلك الابتسامة إطلاقا إذْ ظلّتا جامدتين حتّى شوّش عقل غايرو بتعبيراته غير المتناسقة تلك.

بلع غايرو ريقه ثمّ ندم على فعله هذا، لكنّه تشجّع وسأل: "كيف؟ أين كلّ تلك الحروق والجروح العميقة التي كانت تغطّي جسدك؟"

فتح كاي عينيه على مصراعيهما من الدهشة أخيرا بينما ظلّت أنمار هادئة كونها قد لاحظت ذلك بالفعل. لقد كان جسد أوبنهايمر فرانكنشتاين مغطّى بالدماء، لكنّها كانت دماء فقط وكلّ الجروح قد سبق والتأمت كما لو أنّها لم تحدث أصلا، وجميع الحروق شُفِيت فأصبحت بشرته بيضاء ناصعة ورطبة كالتي لدى الأطفال. كان ذلك شيئا مرعبا للغاية بالتفكير فيه؛ فهو لم يستخدم إكسير علاج أو أيّ شيء له نفس الفعّاليّة. لقد كانت تلك قدرة جسده الشفائيّة البحتة.

عبس أوبنهايمر فرانكنشتاين ثمّ استدار مغادرا، أثناء ذلك رفع ذراعه وصرّح: "لا تجعلني أكرّر كلامي، فأنا أكره الأغبياء بقدر ما أكره البشر أنفسهم."


استغرب الأخوان وفكّرا في معنى كلامه، حتّى أدركا شيئا ما أخيرا عندما تذكّرا كلامه سابقا: " أنا فقط لا أعدّ نفسي بشريّا!" صدت تلك الجملة في عقليهما وزعزعتهما فارتعبا. هل كان يقصد ذلك حرفيّا؟ يجب أن يكون الأمر صحيحا لأنّ لا بشر لديه تلك القدرة الشفائيّة المذهلة.

أنزل ذراعه التي رفعها سابقا وتنهّد: "حقّا هؤلاء البشر، لماذا ليس هناك ولو شخص واحد ذكيّ بينهم؟" كان الشابّ يتذمّر بوجهه الطفوليّ. من كان ليعلم أنّ السبب الحقيقيّ وراء كرهه للبشر هو غباؤهم الذي يراه في كلّ واحد منهم؟

"انتظر!" رنّت الكلمة في عقله فجعلته يتوقّف عن تذمّره فجأة وتحوّل تعبيره المنزعج إلى تعبير بارد بعث معه نيّة قاتلة كوحش التهم مئات آلاف الوحوش حتّى كوّن تلك الهالة الشرسة التي انطلقت من جسده دون أن يحتاج إلى استخدام أيّ طاقة سحريّة أو أيّ شيء مشابه.

سقط غايرو وكاي على الأرض والتصق جسداهما معها من شدّة الضغط وكادا لا يصدّقان أنّ ساحران في المستوى التاسع مثلهما قد حدث لهما مثل هذا الشيء هكذا. لقد كانا ساحرين بمستوى مرتفع بالنسبة للعالم الواهن، إلّا أنّهما كانا مجرّد فرخين صغيرين أمام ذلك الوحش المرعب.

"لقد عفوت عنك في الوهلة الأولى لمعرفتنا بالرغم من أنّك جعلت من انتظاري دون فائدة، لكنّك تجرّأت وحاولت فعل نفس الشيء لمرّة ثانية."

"مـ-ما الذي تتحدّث عنه يا هذا؟ نحن لم نفعل شيئا كذاك!" تكلّم غايرو بصعوبة بالغة بينما يحاول النهوض لكن بلا فائدة.

"همم؟" استغرب أوبنهايمر فرانكنشتاين ثمّ تذكّر أخيرا ذلك الشعور الذي أحسّ به؛ ففي الواقع، لم يكن ذلك كلاما موجّها له وإنّما كانت نيّة مباشرة رنّت في عقله.

توقّف مباشرة عند ذلك وحدّق إلى البيضة المشعّة أمامه وفكّه السفليّ مفترق عن العلويّ بفارق كبير، غير مصدّق لما حدث للتوّ. فكرّ مستغربا: "هل يمكن أنّني تخيّلت ذلك فقط؟"

انتظر أوبنهايمر فرانكنشتاين دون أن يشعر لمدّة لا بأس بها قبل أن يستدير مرّة أخرى محاولا المغادرة من جديد.

"لا تجعلني أكرّر كلامي أيّها العالم المجنون، فإيّاي انتظرنّ!"

أدار أوبنهايمر فرانكنشتاين رأسه بسرعة فائقة وحملق إلى بيضة الضوء تلك. فبالرغم من أنّ اللهجة التي استُخدِمت في مناداته كانت مستبدّة، إلّا أنّه تأكّدا أخيرا عندما سمع 'العالم المجنون'. لم يكن هناك سوى شخص واحد في هذا الوجود يناديه بذلك اللقب.

"المزعج..."

***

رنّ الصوت في عقل أوبنهايمر فرانكنشتاين من جديد بنفس اللهجة: "انتظر هنا حتّى أخرج، فهناك ما أريدك أن تقوم به."

كان ذلك الصوت متسلّطا، ولم يعطِ اعتبارا للطرف الآخر، كما لو كان واثقا لدرجة لا يمكن زحزحة معتقداته ومبادئه تلك التي تبني قانونه السامي. كان شيئا طبيعيّا بالنسبة له أن يتكلّم مع الآخرين بتلك الطريقة، ولم يكن على المرء في الواقع أن يعتبره تكبّرا، لأنّه لن يكون تكبّرا إن كان هو نفسه كبيرا كفاية ليكون أهلا لكلامه ذاك.

عبس أوبنهايمر فرانكنشتاين ثم فكّر في بعض الأسباب التي جعلت باسل قادرا على التحدّث معه عبر نيّته فقط بالرغم من أنّه في تلك الحالة، ووجد أنّ الاتفاق بينهما هو الوسيط الوحيد الذي يمكن أن يخوّل له الإمكانيّة لفعل ذلك.

ولكن مع ذلك، لم يكن الاتفاق أصلا مع باسل، فكيف له أن يكون قادرا على القيام بشيء لا يقدر عليه سوى خبراء حقيقيّين؟ فهو لم يسمح له بأن يتكلّم معه عبر عقله لذا يجب أن يكون في مستوى مرتفع أو يملك شيئا خاصّا يسمح له بذلك. كان متعجّبا من ذلك الأمر لوقت طويل.

حدّق إلى البيضة المشعّة بنظرات عبوسة: "سأنتظر عندما أريد، وليس عندما تأمرني بذلك."

رنّ الصوت في عقله من جديد: "سوف تنتظر كما أخبرتك، لأنّه أصلا مهما ابتعدت فسأجدك بكلّ سهولة. لا تصعّب الأمور على نفسك لأنّها في كلّ الحالات سهلة عليّ."

قطب أوبنهايمر فرانكنشتاين مرّة أخرى وبدأ يخمّن في ما قاله باسل. كان يشكّ في ما إذا كان ذلك الاتّفاق هو ما سيسمح له بإيجاده بتلك السهولة.

سرح بأفكاره لقليل من الوقت ثم تنهّد وتمتم: "حقا يا من له إزعاج!" ندم على قدومه إلى هنا أصلا، وندم أكثر على عادته السيّئة التي تجعله يتبع اهتماماته بدون تفكير دائما.

ردّ بعد تفكيره أخيرا: "حسنا سأنتظر لكن لأنّني أريد ذلك وليس لأنّك أخبرتني بذلك، لذا أخبرني عن السبب، وشيء آخر، لا تنادني بالعالم المجنون."


عمّ الصمت قليلا بعد طلب أوبنهايمر فرانكنشتاين الأخير قبل أن يرنّ في عقله الصوت: "أنا أريدك من أجل أختهما، أظنّه حان الوقت لجعلها تستيقظ أخيرا، فحتّى لو كانت في حالة توازن حاليا لا يجب تركها على ذلك الحال."

قطب أوبنهايمر فرانكنشتاين، والسبب كان تجاهل باسل لطلبه، لكنّه هدّأ نفسه ثم قال: "ألا يجب أن تكون قادرا على التكفّل بذلك بنفسك؟ لم الحاجة إليّ؟ لقد فقدت اهتمامي فيها بالفعل، أنا لا أريد."

"لا..." تكلّم باسل حالا: "لا تحاول ملاعبتي فأنت ما زال لديك اهتمام بها، وسأقول لك شيئا، لربّما أخبرك معلّمي ببعض الأشياء لكنّه ترك أشياء مخفية عنك، ما الذي تظنّه تلك الفتاة ستصير يوما؟"

تشوّش أوبنهايمر فرانكنشتاين قليلا وعبّر عن رأيه بصراحة وبثقة كونه كان خبيرا في هذا المجال: "إن نجحت حقّا في إنقاذها، فلربّما تصير مثلي عندها."

"هوهوهو..." ضحك باسل ضحكة لم يكن يضحك مثلها قبلا، وقال ساخرا: "يا أيها العالم المجنون، لربّما أنت عبقريّ بين العباقرة، وبصراحة، لم أكن لأجاريك في هذا المجال قطّ سابقا، لكنّ العديد من الأمور تغيّرتْ. على كلّ، عندما ننقذ تلك الفتاة وتولد من جديد، فستكون مخلوقا أسمى من الذي أنت عليه حاليا."

"كوكوكو..." ضحك الشاب ساخرا هو الآخر قبل أن يكمل سخريته كلاما: "تغيّرت؟ أتساءل ما الذي تغيّر بك؟ لربّما إن أخبرتني فـلك مساعدتي عندئذ، وشيء ثانٍ، لا تنادني بالعالم المجنون."

"هوهوهو..." بادله باسل نفس أسلوب الضحك قبل أن يردّ: "لا تفرغ مياهك الثمينة في سطل رمل، فلن ينبت شيء ولا أنت بحاصد. لربّما يوما ما، إذا كنت بالمزاج المناسب، سأجعل جهودك تثمر، لكنّ ذلك سيحدث فقط إن بدأت بالاستماع إليّ."

"دعنا نركّز على المهمّ، أتريد أن تعلم ما الذي ستصير عليه تلك الفتاة أم لا؟"

حافظ أوبنهايمر فرانكنشتاين على نظراته العبوسة كونه لم يحبّ طريقة باسل في التكلّم معه، لكنّ اهتمامه بتلك الفتاة كان دائما، والآن بعد كلام باسل قد زاد اهتمامه بها أكثر. تنهّد ثمّ أجاب: "كوكوكو، لا تقلق، عملي هو جعل الرمل ينبت، فلم يسبق لجهد منّي أن ضاعَ، ولا شيء في يدي ساعَ."

كان أخوا وأنمار في تلك اللحظات الطويلة مستغربين من تصّرفات الشابّ أمامهم، فبعدما كان مغادرا غيّر رأيه وظلّ هناك جامدا بينما تتغّير تعبيراته في كلّ مرّة. كان ذلك نوعا ما مريبا وحقّا قرّر ذانك الأخوان ألّا يتعاملا معه من حينئذ فصاعدا، أمّا أنمار فكانت تفكّر في آخر كلمة قالها، المزعج. لقد كانت تعلم تماما ما الي قصده بها، لذا كانت مترقّبة ما يحدث.

لوّح أوبنهايمر فرانكنشتاين يده وقال: "سأنتظر هنا، لكنّ ذلك فقط لأنّه انتظاري لك سيستحقّ."


لم يجبه باسل بعد ذلك وترك الأمر كما هو عليه. كلّ ما أراد ان يسمعه هو جواب فقط لذا لم يتكلّم بعد ذلك، فبالتفكير بالأمر، كيف يمكن أن يكون مزاج باسل الحالي بعد فقدانه لمعلّمه الذي ضحّى من أجله؟

حدّقت أنمار إلى الشابّ أمامها واقتربت منه بعد وقت قليل ثم أشارت إلى البيضة المشعّة ونطقت أخيرا: "ما الذي أخبرك به؟"

تعجّب أخوا القطع من سؤالها وفكّرا في ما تقصده. لقد حدثت بعض الأشياء الغريبة للتوّ وخصوصا مع الشاب العجيب أمامهما، لكنّهما لم يفهما سببها مهما خمّنا.

نظر أوبنهايمر فرانكنشتاين إلى الفتاة الهادئة أمامه، وتفاجأ نوعا ما من فهمها للأمور بسرعة دون الحاجة إلى شرح شيء، فاستدار مغادرا بينما يقول: "طلب منّي انتظاره فقط."

أحسّت أنمار بالراحة لدرجة كبيرة فجأة كما لو أن جبلا قد أزيح عن صدرها، وبرقت عيناها ثم التفت إلى أخوي القطع وقالت بابتسامة هنيئة: "هل يمكن لأحدكما أن يأتي بطعام إليّ، وأرجوا أن يكون بالجزر."

ابتسم أخوا القطع وفرحا كثيرا لرؤية ذلك الوجه المشرق أخيرا بعد مدّة طويلة؛ لقد فهما ما الذي قصدته مباشرة بعدما ريا ذلك التعبير الذي اعتلى وجهها. انحنيا قليلا بعد ذلك وأجابا في نفس الوقت: "سمعا وطاعة يا سيّدتي الصغيرة."

لقد كانت تلك لحظة مفرحة، ولم يريدا أن يحتكراها وحدهما فنشرا الخبر بين القريبين إلى أنمار وباسل، فعمّ الفرح والسرور بسماع ذلك الخبر وعاد الأمل ليسطع بشدة في قلوبهم التي كادت تظلم وتستسلم تماما.

شاركت لطيفة وسميرة أنمار الفرحة بعدما سمعتا هذا الخبر، وصارتا أكثر تفاؤلا عمّا كانتا عليه من قبل وخصوصا بعد مشاركة أنمار الطعام معهما من جديد كما عهدتا.

مرّت بعض الأياّم حتّى مضى شهر آخر، وعندها حدث تغيّر في البيضة المشعّة أخيرا جعل قادة التشكيل وكلّ أتباع باسل القريبين إضافة إلى الأباطرة الثلاثة وكلّ رئيس عائلة مرموقة يحضرون.

استقّرت كلّ تلك الأشعّة التي كانت تنبعث منها، وبدأ صوت ما بداخلها يدقّ كما لو كان ضربات قلب، وبعدما ركّز المحيطون سمعهم جيّدا، وجدوا أنّها كانت صوتا لدقاّت قلب حقّا، إلّا أنّها كانت قوّية للغاية حتّى جعلتهم يشكّون في صحّة ذلك.

هزّت تلك الدقّات البيضة المشعّة في كل مرّة تدقّ بها، وتسارعت مع الوقت فاهتزّت البيضة المضيئة أكثر أيضا، حتّى أصبحت الدقّات طنينا متواصلا وجعلت البيضة تهتزّ بشكل متواصل، وفي الأخير أطلقت صوت صفير جعلهم كلّهم يسدّون آذانهم لقوّته.


صفيـــــر

تكسّر


تكسّرت البيضة المضيئة فجأة وتهشّمت إلى شظايا ضئيلة، وكلّ شظيّة بعد ذلك اختفت في الهواء كالرماد.

وبالطبع، لم تكن أنظار الحاضرين مركّزة على مثل هذه الأشياء، بل على الشخص الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر لكلّ تلك المدّة، والذي فعلا ظهر من تلك البيضة كما أُخبِروا.

كانت نظرات الجميع متعجّبة ومستغربة، وأحسّوا جميعا بنفس الشعور الذي تملّك قلوبهم فجعلهم كلّهم يفكّرون في نفس الشيء: "أهذا بشر؟"

كان الشعور الذي تملّكهم مختلطا بمشاعر مختلفة، إذ أحسوّا بالاحترام والتقدير الفطريّ تجاه الشخص الذي ظهر أمامهم، وشعروا بالسكينة نوعا ما عندما تحسّسوا هالته التي كانت تنبعث منه، والرغبة في الخضوع له عندما حدّقوا إلى عينيه اللتين كانتا تريان عبرهم بسهولة.

عادوا إلى رشدهم بعد قليل من الوقت، ففكروا مرّة أخرى: "ماذا كان هذا قبل قليل؟"

لقد شعروا بإحساس غريب ولكنّه اختفى بعد مدّة لحظات جاعلا إيّاهم يظنّون أنّهم كانوا يتوهّمون لا غير، إلّا أنّ ذلك الشعور ظلّ محفورا في أعماق أرواحهم جاعلا إيّاهم لا ينسون ذلك الإحساس.

تطلّعوا إلى باسل الذي ظهر أمامهم، فوجدوا شعره الأحمر قد طال حتّى بلغ كتفيه، وطوله زاد فبلغ ستّة أقدام، وكانت عضلاته مصقولة بالرغم من أنّها لم تكن ضخمة إلّا أنّها كانت تبدو قاسية كالفولاذ إذْ برزت عبر ثيابه التي كانت ضيّقة عليه لصغرها.

كان نموّه ذاك سريعا نوعا ما مقارنة بالوقت الذي مضى، وتركهم ذلك مندهشين لقليل من الوقت، حتّى كُسِر الهدوء أخيرا بخطوة صنعتها أنمار ولا أحد آخر عندما تقدّمت إلى باسل.

نظر باسل إليها ثم رقّ قلبه فجأة، فشعر الجميع أخيرا بأنّ عينيه لم تعودا تريان من خلالهم. رمت انمار بنفسها عليها فعانقها هو الآخر قبل أن ينطق أخيرا: "لقد عدت."


سقطت دمعتان من عينيْ أنمار وأجابت: "افتقدتك بشدة!"

"وااااه"

صاح الحاضرون من الفرحة وتقدّم واحد بعد الآخر ثمّ أحاطوا بالاثنين عن قرب. رحّب كلّ واحد منهم بعودته على طريقته ودمعت أعين أمّه وعمّته سميرة إضافة إلى أعين توابعه القريبين منه، واكتملت فرحتهم أخيرا.

ابتسم باسل في وجوههم ثم قال: "يبدو أنّني أقلقتكم."

ظهرت جدّته من بين الحشد وعانقته كما فعلت أمّه وعمّته سميرة بالفعل ثم قلن: "لقد ظننّا أنّ اللعنة قد تمكّنت منك."

بادلهنّ باسل العناق وأجاب: "اللعنة؟ شيء كهذا لن يتمكّن منّي أبدا فلا داعٍ للقلق."

لقد كانت تلك هي اللحظة التي طال انتظارها، فسعد الكبير والصغير بمجيئها، وبسرعة أقيمت وليمة للاحتفال بعودة باسل السليمة من المجهول. لم يعلم أحد عن الذي حدث معه، ولا أحد لاحظ أيّ تغيّر به سوى نموّه الجسديّ، لذا كانوا مسرورين كثيرا لأنّهم لاقوه من جديد.

فقط، كان هناك شخص واحد ظلّ يحدّق إليه من بعيد بعينين عبوستين. كان ذلك أوبنهايمر فرانكنشتاين الذي تنهّد وتمتم: "لأجعلنّ الرمل ينبت يا أيّها المزعج."

كان هناك معقل جديد بني في مدينة العصر الجديد في الأشهر الماضية من أجل التشكيل، إذ أرادوا البقاء إلى جانب سيّدهم قدر المستطاع فمُنِحوا رغبتهم تلك من الكبير أكاغي، وكان موقعه في مركز المدينة في الواقع من أجل أن يكونوا دائما قريبين من أيّ خطر يحلّ عليها.

بني المعقل والمدينة نفسها من جديد كما حدث لأكاديميّة الاتّحاد العظمى؛ فكلاهما بني على أساس قويّ للغاية ولا يجب أن يدمّرا إلّا إن حدث شيء مهيب جدّا كما حصل قبل سنة.

وليس هذا فقط، حتّى العديد من المدن في العالم الواهن رمِّمت وزادت من شدّة حراستها وأمنها، ومتانتها عبر تدعيمها بكلّ الوسائل الموجودة من نقوش أثريّة وسحريّة وطاقة سحريّة. كلّ ذلك من أجل زيادة فرص النجاة إلى أقصى قدر ممكن، حتّى أنّه زِيدَ بذلك أكثر في أكاديميّة الاتّحاد العظمى أيضا.

بدأت التدريبات في أكاديميّة الاتحاد العظمى بالفعل كما كان مخطّطا بعد أسابيع منذ تلك الفاجعة قبل سنة واستُقطِب العديد من الطلبة العباقرة من كلّ أنحاء العالم مع حفاظهم على انتماءاتهم بالطبع؛ فتلك الأكاديميّة لم يكن هدفها سوى تنمية أولئك الذين يُعتبرون ذوي فائدة للعالم الواهن بمواهبهم.

كانت الفائدة الوحيدة التي كانت تتلقّاها في المقابل هي الحصول على عهد من كلّ طالب يقسم فيه على أن يستجيب ثلاث مرّات إلى الأكاديميّة في أيّ زمان ومكان من أجل الوقوف في صفّها وحمايتها شرط ألّا يضطرّ إلى معارضة وطنه الأصليّ، وإن حدث ووجد نفسه في موقف حيث يجب عليه مساعدة وطنه على إيذاء الأكاديميّة، فلن يستطيع لأنّه محرَّم عليه مدى حياته في العهد الذي عقده.

كانت الأكاديميّة أصلا في صفّ كلّ الأوطان في العالم الواهن، لذا لم يكن هناك خوف على وقوفها يوما ما في وجه أيّ إمبراطوريّة في العالم الواهن بدءا منها، فالأكاديميّة حاليا يترأّسها ممثّلين للأباطرة الثلاث بعدما كانوا هم أنفسهم في الأوّل ولكن استقالوا من أجل التركيز على أدوارهم الأساسيّة.


كان هؤلاء الممثّلين أشخاص ذوِي مكانة مرموقة أصلا في إمبراطورياتهم، ووجب أن يكون بهم ثقة عالية اكتسبوها بعد العديد من الأعمال المشرّفة التي كانت كلّها تهدف إلى تحسين عالمهم ككلّ وخدمة الجنس البشريّ دون تمييز. كان هذا الاختيار صعبا جدّا لكنّ الكبير أكاغي كان يضع في حسبانه شخصا مسبقا، ولم يكن هذا الشخص سوى الجنرال "كاميناري رعد"

لقد ساهم الجنرال رعد في زيادة أمن إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة كثيرا عبر نشر فرقه في جميع أنحائها وخصوصا فرقة السنبلة الخضراء التي كان مركزها العاصمة وقادها هو بنفسه. قيل أن تلك الفرقة جعلت من العاصمة أأمن مكان في العالم الواهن يمكن للشخص أن يعيش به نظرا إلى عدم وجود أيّ جريمة من أيّ نوع فيها خلال السنة الفارطة.

أمّا عن الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس، فقد اختار الجنرال كروز الذي كان عونا له في كلّ الأوقات واشتهر بمساندته لجميع المواطنين دون تفرقة، حتّى أنّه كان معروفا بتحرير العبيد، وأكثر من ذلك، لقد كان قائد الجنرالات الأربع الذين لم يصوّتوا لشهاب جرم سابقا ولم يخونوا وطنهم.

وعن الإمبراطور أزهر هاكوتشو فقد اختار أخاه الثالث "أزهر زهير" الذي سيكون عونا له دائما بأخذه لهذا المنصب.

تحرّكت أوضاع العالم الواهن بكثرة وانعدمت العبوديّة في الظاهر على الأقلّ حتّى أصبح هناك عدد أكبر من الناس لديهم فرصة في الغدو سحرة، وبذلك ستزداد قوّة العالم أجمع بسرعة كبرى. أصبح الآن أيّ شخص قادر على دخول اختبارات أكاديميّات السحر من أجل تعلّمه، ولم يعد هناك تمييز في ذلك قطعا، بالرغم من بقاء التمييز بين الناس، فالعنصريّة لا تختفي بتلك البساطة.

كان هذا أحد أهداف باسل؛ فحتّى لو لم يكن قادرا على توحيد العالم أجمع، على الأقلّ سيكون قادرا على تحقيق مثل هذه الأمور التي ستجعل من العالم الواهن ينمو بشكل كبير وواضح، وكلّ ذلك من أجل حماية أمّه، بالرغم من أنّ الأمر لم يعد يقتصر على أمّه فقط بعد الآن.

واليوم، اجتمعت العديد من الشخصيّات المؤثّرة في العالم الواهن لرؤية هذا الشخص الذي كان له الأثر الأكبر في تغيير أوضاعهم، وقلب عالمهم رأسا على عقب. أرادوا أن يشاهدوا هذا الشخص العظيم الذي سيكون له مستقبلا أعظم لا محالة، وبالطبع الكثير منهم أرادوا فقط أن يتقرّبوا منه بأيّ طريقة لضمان جزء ولو صغير من ذلك المستقبل القادم.

جلس الأباطرة الثلاثة على طاولة واحدة، وبالطبع أخذ جانبهم باسل، إضافة إلى أنمار التي لم تفارقه منذ استفاق، حتّى أنّها كانت تقبض يده ولم تفارقها كلّ ذلك الوقت. كانت كلّ الأعين هذه المرّة عليه وعلى أميرة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة التي شاع عنها الكثير بخصوص قوّتها ودهائها الكبير وجرأتها المدهشة التي تجلّت في مواجهة الأعداء وترك نفسها تسجن حتّى تتلاعب بالعدوّ كما تشاء.

كانت الأنظار مركّزة طوال الوقت عليهما وارتعب الناس أكثر عندما أطالوا التحديق إليهما كونهم يدركون عندها أنّ ذانك مجرّد شابّين بالسادس عشرة سنة فقط، إلّا أنّهما بلغا ما لم يقدر أيّ شخص على بلوغه أو حتّى فكّر في فعل ذلك من قبل. لقد كان ذانك الشابّان هما المثال الحيّ لمستقبل هذا العالم.

كانت النقاشات مستعمرة القاعة الكبيرة، وكلّ مجموعة تخلّل حديثها بطل البحر القرمزيّ وحادثة تخصّه، وفجأة أصبحت الأحاديث كلّها عن نفس الشيء، وخصوصا بعدما كانت أنمار تقبض يد باسل كما لو أنّها تخبر العالم الواهن أنّها هي امرأة باسل وهو رجلها.

كانت الأحاديث تدور حول ما إذا كانت هناك فرصة ليتّخذ بطل البحر القرمزيّ خطيبة ثانية، نظرا إلى ما قد شاع عن كون أميرة الشعلة القرمزية خطيبته مسبقا. كانوا قد فقدوا الفرصة في الحصول على المرتبة الأولى، ولكن إن كان شخصا كباسل بمثل هذه المرتبة في العالم الواهن إذ لا يحدّد مكانته لا نبالة ولا أيّ طبقة اجتماعية بل جعل لنفسه مكانة مرموقة خاصّة، فسيكونون سعداء حتّى بالحصول على المرتبة الرابعة.

اقترب شخص ما من الأباطرة الثلاثة فانحنى وقدّم نفسه: "أرجوكم اسمحوا لي أنا نورثرولر كافل أن أقدّم نفسي لكم."

أماء الإمبراطوران هاكوتشو وغلاديوس رأسيهما له فقط، أمّا الكبير أكاغي فبدا يعرفه، فأجاب: "أوه، خليفة عائلة نورثرولر، لقد قدّمت خدمة جيّدة لتشكيل بطل البحر القرمزيّ عندما أرادوا الذهاب إلى الرياح العاتية، لقد وعدتك بمقابلة مع سيّد التشكيل كمكافأة، لذا ها هو ذا مستعدّ لذلك."

كان الكبير أكاغي قد أحكى لباسل طبعا عن هذا الأمر سابقا، ولم يمانع مقابلة الأشخاص في هذه الوليمة التي أقيمت من أجله بعد عودته المنتظرة.

اقترب نورثرولر كافل من باسل وأنمار، ثم انحنى قليلا ورفع رأسه قائلا: "حقّا جمال الأميرة الذهبيّة لا يقارعه جمال في عالمنا الواسع، ولا رجل يستحقّه غير بطل البحر القرمزيّ العظيم. إنّكما لزوج متكامل!"

حدّق إليه باسل وأنمار دون أيّ تغيّر في ملامحهما، فجعله ذلك يتململ في مكانه مبتسما بتصنّع ولا يعلم ماذا يفعل كونه لم يتوقّع تلك الاستجابة. وبالطبع كانت هذه الاستجابة طبيعيّة من باسل وأنمار؛ فباسل لم يكن يهتمّ لآراء الآخرين بشأن هذه الأمور، ولا أنمار كونها كانت تعتقد ذلك من زمن طويل ولا حاجة لشخص آخر أن يقول ذلك حتّى تقتنع أو يكون حقيقة.


كان تعبير باسل جامدا، بينما يحدّق إلى كافل الذي توقّف أخيرا عن صنع تلك الابتسامة وفهم مقصده؛ "لو كان هناك شيء بعقلك يجب عليك قوله، فتقيّأه بسرعة ولا تضع وقتي." فكّر كافل بذلك بعدما فهم أنّ نظرات باسل تقول ذلك.

انحنى من جديد وتكلّم: "اليوم، جئت ألتمس قلبك الواسع أن يقبل أختي الصغرى." حدّق إلى ركن ما فأماء لأخته التي ظهرت بين الناس، وتركّزت عليها الأنظار فجأة.

غرمت الهمساتُ المكان، وحتّى لو اختلفت أساليبها فـفحواها كان واحدا: "ذلك الشقيّ، لقد سبقنا." لقد أرادوا أن يستغلّوا هذه الفرصة النادرة للتكلّم مع باسل، لكنّ ذلك الشابّ قد سبقهم إلى ذلك ممّا جعل نسبة نجاحهم تقلّ.

كانت النظرات تقيّم فتاة النورثرولر وظهرت العديد من التعبيرات الحسودة نظرا إلى جمالها الخلّاب والشرس، وأسلوبها النبيل في التحرّك، فكانت بارزة وسط الناس كلبؤة بين القطط، وكانت نظراتها الحادّة من عينيها الذهبيتين ملكيّتين بالفطرة، وكان لون بشرتها قريبا للسمرة أكثر من البياض، فكان جمالها متميّزا كما كان أسلوبها الراقي ولم يكن ليلائمها شخص غير أسد يحكم بهيمنة كبيرة.

انتشرت الهمسات من جديد: "فلنرَ إن كانت اللبؤة الذهبيّة ستكون قادرة على الوقوف في وجه الجنيّة الذهبيّة ومقارعتها."

كانت أنمار كمثال عن المستوى الذي يجب أن تكون عليه المرأة قبل أن تعرض نفسها على باسل، لذا وجب على أيّ واحدة العبور من ذلك الاختبار أوّلا قبل أن تصل إلى باسل.

انحنت اللبؤة الذهبيّة قليلا كتحيّة ثمّ رفعت رأسها وقدّمت نفسها ولم تخشَ شيئا، كانت فخورة ولم يكن ليخرج كلامها من فمها لشخص ما إلّا وهي تنظر إليه بعينيها المتألّقتين: "أنا نورثرولر زهاء، أعرض نفسي عليك يا السيد باسل."

حدّقت بعد كلامها إلى أنمار كما لو أنّها تخبرها أنّها أتت، وستأخذ هذه المكانة لا محالة.


ابتسم باسل بعدما رأى هذا الأمر يحدث، جاعلا شابّيْ النورثرولر يظنّان أنّهما أحسنا الفعل، إلّا أنّهما لم يعلما أنّ باسل ابتسم في الواقع بسبب ما سيحدث، ولهذا لم يزد عن تلك الابتسامة شيئا.

وقفت أنمار في مكانها ثم حدّقت إلى نورثرولر زهاء التي كانت تبادلها تلك النظرات، فأطالت إحداهما النظر إلى الأخرى حتّى بدأت فتاة النورثرولر فجأة تُغمر بزرقة عينيْ أنمار إلى أن وجدت نفسها مغمورة بعالم أزرق، وعندما حاولت التنفّس لم تستطع.

بقيت تختنق في ذلك العالم حتّى فقدت جميع أنفاسها وفقدت وعيها، وعندئذ وجدت نفسها على الأرض بشكل خاضع، بينما تقطر عرقا وتتنفّس بصعوبة بالغة غير قادرة على رفع رأسها لتنظر إلى أنمار بشكل مباشر.

تفاجأ الناس جميعا ولم يعلموا ما حدث حقّا. لم يكن هناك استخدام للسحر أو أيّ مواجهة بالهالات أو ما شابه على الإطلاق، ومع ذلك أصبحت اللبؤة الذهبيّة في ذلك الوضع المزري حيث لا تستطيع استجماع أنفاسها حتّى.

نظر كافل إلى أخته التي سقطت بعدما كان حالها يتغيّر دون أن يعلم السبب؛ فكانت ترتجف وتسارع تنفّسها حتّى اختنقت وبسبب ذلك زاد ضغط دمها وارتفعت ضربات قلبها حتّى هلعت وسقطت على الأرض مصدومة. كل ذلك حدث بعدما رأت نظرات أنمار فقط.

ارتعب الناس ممّا حدث ونظروا إلى أنمار بأعين يتملّكها الخوف، ومن كان لديه بعض الأفكار الجرّيئة خبّأها في أعماق قلبه حتّى دفنها وجعلها تختفي بلا ظهور لها لمرّة ثانية؛ كلّهم تخلّوا عن محاولاتهم التي كان مصيرها واضحا.

اندهش كافل كثيرا وساعد أخته على الوقوف، حتّى نجحت بعد عدّة محاولات، وعادت لرشدها أخيرا، وعندئذ سألها: "ما بك؟ ما الذي حدث لك؟"

لم ترفع نورثرولر رأسها هذه المرّة إطلاقا وتحدّثت: "لقد رأيت... رأيت العالم الذي أحاول دخوله عبر عينيها. لا... بل جزء منه فقط، فأنا لم أشهد بذلك العالم شيئا حتّى."


لم تفعل أنمار شيئا سوى التحديق إليها بعزيمتها، ونيّتها، وإرادتها، فجعلتها ترى العالم الذي تعيش فيه مع باسل؛ جعلتها تدرك اختلاف عالميهما الكبير.

تمتمت زهاء لأخيها كافل: "لنعد يا أخي، فذلك العالم أبعد ممّا نستطيع بلوغه."

فهم نورثرولر كافل لمَ ابتسم باسل أخيرا، وعلم أنّ جرأتهما تلك لم تكن سوى شيء مسلّ له إذْ كان يعلم مآلها بالفعل، وعلم أيضا أنّه لم يستهزئ بابتسامته تلك، وإنّما ابتسم كوْن بعض الأشخاص في هذا العالم لا يعلمون أنّ تكبّرهم ذاك أكبر منهم بكثير ولا يستحقّونه، وبسبب ذلك لا يرون حقيقة كونهم غير جديرين بالوقوف بجانب الكبار الحقيقيّين.

جلست أنمار بعد ذلك وقبضت يد باسل من جديد، ثمّ حدّقت إلى الجمع الذي نظر إليها باحترام لهيبتها، وخيبة أمل تقبّلوها بسرعة. لقد كانت حقّا امرأة تستحقّ الكون بجانب بطل البحر القرمزيّ، ولا واحدة يمكنها التدخّل بينهما بتلك السهولة.

قالت بعد ذلك بكلّ برودة: "أجر الإقامة في عالمنا غالٍ."

لقد كان ذلك شيئا طبيعيّا بالنسبة لها فكانت هادئة في قولها ذلك.

نظر كافل إليها وإلى باسل، فبدا كما لو أنّه ينتظر منه شيئا، إلّا أنّ باسل لم يفعل شيئا سوى رفع حاجبه كما لو كان يقول له: "لقد سمعت ما قيل وكفى."

تقبّل كافل ذلك وتراجع مع أخته خائبيْ الأمل، وحمد العديد من الأشخاص ربّهم لأنّهم لم يجرّبوا حظّهم بعد رؤيتهم الأخوين على ذلك الحال.

استكملت الوليمة كما كان مقرّرا، وغادر باسل وأنمار بعدما قابلا الكثير من الأشخاص للعديد من الأسباب إلّا أنّ غالبها كانت محاولات للتقرّب منهما كمحاولة ضيافتهما مثلا وعرض الخدمات عليهما أيضا وما إلى ذلك...

جلس باسل وأنمار بغرفة لوحدهما، بنفس الغرفة التي ظلّت فيها تنتظره لمدّة سنة كاملة، فابتسم عندما فكرّ في ذلك ونظر إليها، ثمّ ومض في عقله صورة معلّمه يقول: "حبّها له حقّا يستطيع تجاوز آلاف السنين واختراق العوالم بالرغم من أنّها صغيرة."

تمتم باسل لنفسه بعد ذلك: "شكرا لك أيّها المعلّم"

كان يشكره عن جعل أنمار بجانبه عندما لم يكن يريد.

حدّق إلى عينيْ أنمار بعدما اقترب منها، ووضع يده على وجنتها فتحسّسها وقبّلها بعد ذلك على شفتيها مباشرة. كانت تلك القبلة مليئة بالشغف تجاهها، فأحسّت أنمار بالدفء كثيرا، ووصلها شغفه ذاك فنزلت دمعة من عينها، ولامست يده التي تحمل وجهها، فـبادلته القبلة.

بقيا على ذلك الحال لثوان قبل أن يتوقّف باسل جاعلا الزمن يتحرّك أخيرا بعدما بدا كما لو توقّف لعصور، فنظر إليها بعينين جدّيّتين وقال: "لقد حزنت على معلّمنا لسنة كاملة، والسبب الذي جعلني أتأخّر كثيرا هو عدم تقبّلي ذلك حتّى أنّني لم أرد قبول ما أراد وهبي، لكنّني تجاوزت كلّ ذلك الآن."

"أنا أعلم حزنك، لذا دعينا نحزن هذه الليلة، وننهي هذا مرّة واحدة."

أومأت رأسها له، فأكمل: "يا أنمار، لقد علِمتُ الكثير، أصبحت أعرف الكثير، بقدر ما لا يمكنني تجاهله إطلاقا. هناك العديد من الأشياء التي يجب عليّ إنجازها أثناء عبوري المسار الروحيّ، هناك عدّة أهداف لابدّ لي من تحقيقها، وهناك ستائر يجب إماطتها."

"لقد قطع معلّمنا طريقا، وأراني إيّاه جيّدا، وهذه المرّة على طريقتي، سأصنع طريقي، وأبلغ ما ناشده يوما، وما لم يكن يضع له حسبانا."

"أعلم أنّني اختِرت، لكن يبدو أنّ ذلك طريقة لبقة لوصفها فقط، فهناك العديد من الأمور الخفيّة والتي علمت عن الكثير منها، لكن الشيء الأساسيّ ما زال مفقودا، ولهذا سأجده يوما ما."

صنع باسل بسمة مغمضة العينين: "لقد تغيّرت نظرتي إلى العالم كثيرا، وقليل ما بقي على حاله، لكن أنت يا أنمار ما زلت أنت."

عانق أنمار عندها وقال: "هل ترافقينني في مساري الروحيّ يا أنمار؟"

ابتسمت أنمار وبادلته العناق مجيبة بعد ذلك: "حتّى يفرقنا الموت."

***

مضت تلك الليلة الهانئة، وبعدما واسى الاثنان بعضهما قرّرا ما سيفعلانه وحدّدا أهدافهما القريبة. كان باسل يستفسر عن بعض الأمور من أنمار في الصباح بعد الفطور، وعندئذ سمع بالحادثة قبل ستّة أشهر، والتي لم يعلم أحد حتّى الآن عن ماهيتها، إلّا أنّ باسل شكّ في بعض الأشياء التي جعلته يعبس ويضيق عينيه، وخصوصا عندما فكّر في كلمة "ختم" تلك.

مرّ باسل على أمّه والعمة سميرة، ثم رأى أحوال تشكيله فأعطاهم بعض النصائح لتحسين مهاراتهم كالعادة، ثمّ ودّع الأباطرة الثلاثة الذين شدّوا رحالهم، وأمضى بقيّة اليوم مع جدّته التي انتقلت للعيش مع عائلته. وهكذا ولّت أيّام أخرى دون حصول أيّ تغيّر، وتمتّع باسل بتلك الأوقات لحظة بلحظة وقدّرها كثيرا.

كان يعلم الآن أنّ هناك طريقا طويلا وشاقّا ينتظره، وقليل من الأشخاص سيكونون في جانبه بحلول ذلك الوقت. كان يعلم أنّه سيأتي وقت يودّع فيه عائلته الصغيرة التي لن تعيش طويلا. كان عمر البشر والسحرة الروحيّون مختلف للغاية، وقُدِّر عليهم الافتراق في نهاية المطاف لا محالة، لكنّ باسل لم يكن جشعا، وفقط رضي بما يملك حاليا وأراد أن يعيش مع تلك العائلة الصغيرة ما تبقّى من سنوات.

كانت حياة البشر مختلفة كثيرا عن حياة السحرة الروحيّين، ولهذا كان حامدا ربّه على وجود فرصة له على الأقلّ حتّى يعيش مع عائلته. كان السحرة الروحيّون يعيشون لآلاف السنين، بينما كان أكبر معمّري البشر يتراوح عمره بالمائة، ولهذا كان هناك اختلاف بينهما كالذي بين السماء والأرض ولم يكن هناك طريقة لجمعهما قطعا.

كانت كلّ لحظة يمضيها باسل حاليا ثمينة للغاية، وحاول تثمينها أكثر فأكثر بدل محاولة تمديدها دون الحصول على فائدة، وأكثر من ذلك، لم يرد أن يجرّ معه عائلته الصغيرة إلى هذا المسار المديد وجعلها تعاني على حساب توفير حياة طبيعيّة كما ناشدت أصلا.

كان باسل سابقا ليحاول تمديد عمر أمّه والأقربين منه، إلّا أنّ ذلك له عواقب وخيمة فهو خرق لقوانين العالم الطبيعيّة، فلكلّ شيء ثمن، ومثل هذه الأشياء ثمنها باهظ. أمّا الآن، فكان الأمر مختلفا كثيرا، وبنظرته الحالية إلى العالم، كان يعلم أنّه يجب عليه ترك عائلته الصغيرة تعيش بهناء كما شاءت في المقام الأوّل.

تجوّل باسل هنا وهنالك طيلة تلك الأيّام، وذات يوم، كان مستلقيا على تلّ أخضر يتحسّس الهواء العليل الذي يداعب بشرته، كان يتأمّل ويستشعر ما حوله، وبدا كما لو أنّه يبحث عن شيء ما في الواقع عبر استشعاره، وبالرغم من أنّ بعض الناس مرّوا بجانبه من حين إلى آخر، إلّا أنّهم لم يدركوا ما كان يفعل، وخمّنوا أنّه يسترخي فقط، فلم يزعجه أحد.


فتح عينيه بعد مدّة لا يعلم أحد كم استغرقت، ثمّ نظر إلى الأرض وتمتم: "لقد تضرّرت هذه الأرض كثيرا وحتّى بهذا الأساس الجديد فستكون رمادا عندما يصبح العالم روحيّا، ولكن سيكون صعبا ترميمها من جديد قبل أن يصبح هذا العالم روحيّا." فكّر لقليل من الوقت ثمّ أكمل التحدّث مع نفسه: "كما توقّعت، يجب عليّ تتبّع خطى المعلّم في هذا والاستعداد جيّدا قبل الترحال. يجب أن نبدأ في القريب العاجل."

التفت باسل فجأة وحدّق إلى مكان محدّد لم يكن به شيء في الواقع، لقد كان مجرّد امتداد للتلّ إلّا أنّه كان هناك صخرة بحجم الإنسان فقط. فتكلّم وبدا كما لو كان يخاطب الهواء الطلق: "لقد سمعتني. سنبدأ بعد أسبوع."

تموّج الهواء الطلق فوق الصخرة فجأة وتشوّهت صورته قليلا فظهر بعد ذلك شخص ما، كانت عينا هذا الشخص كبيرتين في وجهه الصغير، وعندما عبس بدا كطفل مستاء، وحتّى عندما تكلّم لم يكن صوته عميقا كثيرا حتّى لو كانت فيه رنّة صوت الرجال: "حسنا، حسنا. لقد كنت ابنا جيّدا طوال هذه الأيّام لكنّك تصبح متسلّطا هكذا عندما تخاطبني، أتظنّ محتوى الاتفاق كان أصير عبدا لك؟"

ابتسم باسل وقال ساخرا: "لا تقلق فأنا لا أستعبد الناس، ذلك شيء عفى عليه الزمن في نظري، ولكن نظرا إلى الاتفاق، أليس هذا أيضا أحد واجباتك طبقا لدورك أيّها العالم المجنون؟"

"أنت... حقّا...!" لم يعلم أوبنهايمر ماذا يقول، وخصوصا بعد استمرار باسل في مناداته بالعالم المجنون رغم كلّ محاولاته في تصحيح ذلك.

لوّح بيده والتفت بتطاير معطفه الأسود بالريّاح، وقال: "ألاقيك هنا بعد أسبوع إذا."

ابتسم باسل بعدما أغاظ ذلك العالم المجنون؛ كان يستمتع في الواقع بردّات فعله هذه.

تمتم لنفسه بعد مغادرة أوبنهايمر فرانكنشتاين بوجه جدّي: "والآن فلنجرّبها، أظنّها ستكون صعبة كونها المرّة الأولى."

جلس متربّعا وفجأة ارتفع إلى السماء على ذلك الحال، وبالطبع كانت هناك رياح طفيفة لكنّها كانت كفيلة بحمله ورفعه إلى السماء عاليا جدّا، حتّى فاق السحاب وزاد ارتفاعه أكثر فأكثر، إلّا أنّ تلك الأجواء لم تؤثّر عليه نهائيّا بسبب مستواه السحريّ والطاقة الهائلة التي غطّت جسده، كانت تلك الطاقة كبيرة لدرجة لا تُخيّل ولم يسبق لباسل أن سمح لطاقة العالم أن تنجذب إليه بتلك الكمّيّات الضخمة.

لقد كان جسده، وروحه، وتحكّمه وكلّ شيء كان يساعده على ترك طاقة سحريّة كبرى تنجذب إليه في مستوى آخر تماما عمّا كان عليه قبلا، وخصوصا جسده وتحكّمه اللذين كانا حقّا مرعبين لدرجة لا توصف، لم يكن حتّى أباطرة الروح قادرين على التحكّم بتلك السلاسة والبساطة.

ارتفع في السماء كثيرا ولمدّة طويلة جدّا حتّى بلغ الفضاء الخارجيّ كلّيّا، فإذا به يرى اتسّاع الكوكب الذي يعيش عليه ولم يرَ نهايته لكبره. كان ذلك كوكبا ضخما للغاية وامتدّ قطره لعشرات آلاف الأميال.

كانت الطاقة السحريّة تحمي جسد باسل تماما وتنفّس بشكل طبيعيّ حتّى بذلك المكان، وفجأة أبطل الريّاح تحته وترك نفسه يطوف على مدار العالم الواهن ببطء وفجأة أحاطه ضوء فضّيّ وغطّاه بالكامل ولم يعلم أحد عن الذي كان يحدث سواه والخالق.

مرّ وقت طويل حتّى حلّ الظلام في مدينة العصر الجديد، وتساءلت أنمار عن مكان باسل، كونها أردتها أن يأتي ليتعشّى معهنّ.

كان ذلك الليل هادئا، وفجأة، ظهر من سمائه المظلمة شعاع اعتقد الناس في البادية أنّه شهاب مارّ، ولكن بعد مرور قليل من الوقت لاحظوا اقترابه منهم فاندهشوا وصاح أحدهم: "إنّه نيزك!"

هرب الناس من اتّجاهه وبعد اقترب الشيء أكثر، صرخ أحدهم كان ساحرا، ولاحظ ما كان ذلك: "لا، إنّه بشر."

بااام

سقط ذلك الشخص على الأرض فخلّف حفرة كبيرة للغاية، وعندما اقترب منه الناس وجدوا جسده محترقا من عدّة جهات بينما كان مستلقيا على بركة من دمائه الخاصّة.

جاء التشكيل بسرعة مع الحارس جون ونادوا أنمار أيضا، وعندما حضروا أخيرا تعرفّوا على ذلك الشخص؛ وبالطبع لم يكن سوى باسل الذي سقط من السماء لسبب ما.


هلعت أنمار ولم تعلم ما حدث فسارعت ومددته بإكسير العلاج ثمّ أخبرت شي يو وبعض سحرة العلاج في التشكيل أن يسارعوا في علاجه وخصوصا روحه، فبالرغم من أنّ جسده كان متضرّرا بشكل كبير، إلّا أنّ روحه كان متضرّرة أكثر من ذلك.

فتح باسل عينيه بصعوبة بالغة بعدما قدِّم له العلاج لبعض الوقت، وبينما لا يزال يعالج، حاول التكلّم لكنّه تقيّأ قدرا كبيرا من الدماء مرّة واحدة، فجعل أنمار تهلع أكثر، لكنّه حاول مرّة أخرى وتمتم: "لا قـ-قلق."

هدأت أنمار عندما سمعت كلامه قليلا وارتاح بالها فأمرت بحمله إلى الغرفة التي أمضى فيها سنة كاملة من أجل إكمال علاجه هناك. لقد كان هذا الأمر عجيبا وحتّى بعد سؤاله لم يتلقّوا إجابة مرضية أو واضحة إطلاقا، إلّا أنمار التي شكّت في بعض الأمور وسألته مباشرة: "هل جرّبتها؟"

حدّق باسل إليها ثمّ استجاب ببطء كونه مازال مريضا حتّى بعد مرور ثلاثة أيّام في الواقع: "ذلك صحيح، لكنّني ضعيف للغاية على مستواها، وأكثر من ذلك، أنا لست مالكها الأصليّ، لذا لا أعتقد أنّه سيحدث وأرتاح باستخدامها قبل أن أبلغ مرحلة معيّنة."

فهمت أنمار ما عناه، فلمحت عبوسا منه جعلها تفهم شيئا آخر فسألت مباشرة: "ماذا اكتشفت؟ فانت لم تكن لتجرّبها دون استخلاص فائدة ما."

اختفى عبوس باسل وتفاجأ بسؤال أنمار؛ حقّا تفهمه في كلّ الأوقات. ابتسم قبل أن يجيب: "ما يكفي."

سعل قليلا ففكّر لقليل من الوقت قبل أن يكمل إجابته التي انتظرتها أنمار بصبر: "في ذلك اليوم، خُتِم عالمنا تماما عن باقي العوالم الأساسيّة والثانويّة دون استثناء."

وقفت أنمار فجأة من مكانها متفاجئة كثيرا بسبب ما قاله باسل وعلمت أخيرا ما المعنى وراء تلك النيّة العظيمة وكلمة "ختم". لقد كان ذلك غامضا جدّا، لكنّ باسل كشف ذلك الغموض عبر طريقة أكثر غموضا، وبالطبع كانت أنمار تعلم عن كيفيّة تحقيقه ذلك.

ومع ذلك، ومضت فكرة في بال باسل جعلته يعبس من جديد ماحيا تلك الابتسامة من على محياه، فأكمل: "لديّ شكّ بأنّ عالمنا ليس العالم الوحيد الذي حدث له هذا الشيء، وهذا يؤرقني ويجعلني أتساءل أكثر عن سبب حدوث ذلك، وعن ما قد يكون حدث بالضبط بين العوالم الروحيّة!"


عمّ الصمت لقليل من الوقت، وعندما فكّر باسل جيّدا قرّر ما يجب فعله لمرّة أخيرة فقال: "على كلّ، ختم عالمنا في صالحنا كثيرا، ويجب أن نستغلّ هذا الوقت جيّدا، فهذا الختم سيدوم لمدّة لا بأس بها على ما أظنّ، وبحلول ذلك الوقت يجب أن نكون مستعدّين لأسوء السيناريوهات."

كان في الواقع تحقيق مثل هذا الأمر شيئا في غاية الصعوبة، إذ تحتّم عليهما منذ الآن حتّى موعد انكسار الختم جعل العالم الواهن في نفس مستوى العوالم الروحيّة كي تكون لديهم فرصة ولو ضئيلة في مواجهة الأعداء على الأقلّ.

فكّرت أنمار أيضا وسألت: "ما هو أسوء السيناريوهات؟"

تنهّد باسل عندما فكّر بذلك، ولم يسعه سوى تمنّي عدم حدوث ذلك، لكنّه أخبر أنمار رغما عن ذلك.

لقد كان وجهها شاحبا عندما سمعت بما هو محتمل حدوثه في يوم ما من المستقبل، فشدّت قبضتيها أكثر كما اشتدّت عزيمتها.

تنهّد باسل ثمّ فكّر في شيء ما مرّة أخرى، وهذه المرّة لم يشارك تلك الأفكار مع أنمار. شغل باله صاحب تلك النيّة فإذا به يفكّر في الشخص القادر على ختم العوالم كلّها عن بعضها. وإن كان هناك شيء واحد كان متأكّدا منه، فهو التضحيّة التي تطلّبها ذلك الأمر، لأنّه حتّى بمستويات السلطنة، كانت التضحية غالية الثمن كثيرا!

راودته شكوك بأحوال العوالم حاليا، وحيّرته، وخصوصا عندما فكّر في الشخص الذي قد يكون ضحّى حتّى يضع الختم، وفكّر في ما جعل أصلا ذلك الشخص يضحّي. والآن بجمع كلّ على كلّ، صارت حتّى أسوء السيناريوهات التي أخبر أنمار عنها تبدو طفيفة.

قد يكون لديه بعض الأهداف الجديدة، لكن يبدو أنّ هدفه الأوّل لم يتغيّر وما زال قائما، وهو جعل العالم الواهن عالما روحيّا يستطيع حماية نفسه من أيّ شيء، ولكن بعدما علم عن الكثير من الأشياء، صار ذلك الهدف يبدو صعبا للغاية وتحقيقه قريب للمستحيل.


خاطب أنمار قائلا: "يا أنمار، سأذهب في رحلة عبر العالم الواهن من أجل الاستعداد لتحوّل عالمنا إلى عالم روحيّ، وبعد ذلك سأغادر إلى قارّة الأصل والنهاية مباشرة."

عبست أنمار ثم فهمت المغزى من كلامه، فسألت بالرغم من معرفتها الإجابة: "ألا يمكنني مرافقتك؟"

رفع باسل يده بصعوبة ثم وضعها على وجنتها: "أنت تعرفين أنّه ليس قضيّة يمكن أم لا، إنّما فقط أحتاج شخصا ما ليبقى هنا أثناء عدم وجودي. أحتاجك أن تبقي حتّى تعلّمي التشكيل الفنون القتاليّة التي سأمنحك إيّاها، وإرشادهم حتّى يخترقوا كلّهم إلى قسم مستويات الربط الثاني بأسرع وقت ويتقدّموا فيه بشكل أسرع."

تنهّدت أنمار، ثمّ قبضت يده وردّت: "حقّا... لا أحبّ بعض المرّات مهارتك في الإقناع."

ابتسم باسل ثم قَبّل رأسها ثم نام مباشرة بعد ذلك، لقد كان مصابا بشدّة وكان عليه أن يرتاح من أجل الرحلة الطويلة التي تنتظره.

***

مرّ يومان وشُفِي باسل روحا وجسدا، إلّا أنّ عقله بقي مشغولا طيلة الوقت فتدبّر باليومين الباقيين حتّى صفّى كلّ الشوائب التي غمرت بحر روحه، وذهنه الذي كان مشوّشا، وأعاد تدوير طاقته السحريّة بتفريغها وتركها تُملأ طبيعيّا من جديد.

كانت مثل هذه العمليّة بسيطة للغاية بالنسبة له حاليا، ولم يكن يحتاج للتركيز إلّا قليلا أثناء عملها، كما لو اعتاد على فعلها مرات لا تحصى.

فتح عينيه بعد مدّة قصيرة من انتهائه وحدّق إلى الغرفة التي تحيط به، ثمّ برق بؤبؤاه فجأة بضوء خافت وعندما نظر إلى العالم بهما، استطاع رؤية عالم آخر لم يسبق له أن شاهده.

كانت هناك أسماك ذهبيّة كلّ واحدة منها بحجم اليد تطفو في الغرفة، وبدا كما لو كانت تسبح في نهر ملتوٍ كان يتموّج بطريقة غريبة وغير متّزنة، فكان يلتفّ على نفسه ويلتوي بطرق مختلفة مشكّلا عدّة مسارات افترقت فيها الأسماك الذهبيّة؛ كلّ مجموعة منها أخذت اتّجاها.

نظر باسل إلى ما يحدث أمامه بحماس، فحتّى لو كان يعلم عن هذه الأشياء، إلّا أنّ النظر إليها بعينيه وتجربة هذا الأمر بشكل حيّ لمختلف تماما. أراد أن يرى ما يعلم، فخرج من الغرفة إلى المدينة وتتبّع مسار النهر الملتوي حتّى وجده مجرّد جزء بسيط من بحر لا نهاية له.

كانت مدينة العصر الجديد تفور بطاقة العالم التي تشكّلت على صور تمثّل الحياة نفسها؛ تقلّبت أمواج ذلك البحر وغاصت فيه أنواع مختلفة من المخلوقات المائيّة، وكان بعضها مجرّد أسماك صغيرة كتلك الذهبيّة، وكان الآخر يمكنه الارتفاع وبلوغ السماء كتنين عتيق كما في الأساطير.

كانت أرضُ مدينةِ العصر الجديد متوهّجةً في نظر باسل، ومنها انبعثت رائحة زكيّة تهدّئ الروح وتغذّي الجسد، وعندما تتبّع مسار الرائحة أحسّ بوريد يخترق أعماق الأرض أسفله حيث كان مليئا بطاقة العالم بشكل وفير للغاية؛ كان هذا هو سبب نصح إدريس الحكيم له سابقا ببناء المدينة فوق هذه الأرض؛ فعندما يصبح هذا العالم روحيّا، لا شكّ أنّ ذلك الوريد سيكون أساسا مذهلا كثيرا.


تمتم باسل لنفسه بينما يومئ برأسه: "لا عجب في بقاء هذه الأرض حيّة حتّى بعد تلك الفاجعة!"

***

ذهب بعد ذلك إلى معقل التشكيل ورأى أحواله وصرف وقتا هناك، فودّع أتباعه القريبين وذهب مباشرة إلى أنمار التي كانت في بيت أمّه والعمّة سميرة وجدّته، ثمّ قضى بعض الوقت معهنّ قبل أن يستعدّ للمغادرة في النهاية.

" " "رافقتك السلامة يا باسل" " "

قلنها معا في نفس الوقت بعدما ودعّنه بعناق جماعيّ فقط دون بكاء، فلقد استعدن لهذا جيّدا عندما علمن بالأمر، أمّا هو فلم يسعه عندئذ سوى الشعور بالدفء والاعتزاز بهذه اللحظات كما اعتاد أن يفعل.

***

كان باسل حاليا يقف على نفس التلّ الذي التقى فيه بـأوبنهايمر فرانكنشتاين سابقا، ودون أن يحتاج للكلام ظهر ذلك الأخير من العدم مرّة أخرى وتحدّث: "إذن، ما وجهتنا؟"

حدّق باسل بعينين تبرقان إلى العالم من جديد، واستشعر ذلك الوريد مرّة أخرى وأجاب: "ليس صعبا، سنبحث عن أشياء، ونضع أشياء، ثمّ ننتظر، وبذلك سنصنع أشياء."

"أووه، يا لك من شارح ماهر!" قال أوبنهايمر فرانكنشتاين ساخرا: "لو كنت لن تقول لي فأخبرني أنك لن تقول فقط."


ابتسم عندما غضب الشابّ أمامه، وأجاب: "أنت فقط لا تحتاج لشغل بالك بهذا، ستفهم في وقت لاحق، لكن ليس الآن." أجاب بهذا وهمّ مغادرا.

"أمم؟" عبس الشابّ فلحقه بسرعة بينما يصيح: "أنت... هل تخبرني بأنّني غبيّ؟ أنت... لقد تجاوزت حدودك حقّا."

تمشّى باسل بينما يتحسّس العالم غير مهتمّ بكلام الشابّ خلفه، لكنّ هذا الأخير استمر: "من ينادي الآخر بالغبي هو الغبيّ، ألا تعلم؟ أنت... صحّح كلامك الآن."

تجاهل باسل كلامه هذا وبدأ يسرع في تحرّكه بعدما وجد إشارة قويّة كان يبحث عنها، فازدادت سرعته مع الوقت بشكل كبير؛ لقد كان يبحث عن مصدر ذلك الوريد من السابق.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يتبعه دون تأخير وبدا كما لو أنّه يلاحقه لإقناعه أنّه ليس غبيّا فقط لا غير، ولم يتعب من ذلك إطلاقا مهما مرّ من الوقت.

تتبّع باسل الوريد لمدّة طويلة، فكان الاثنان قد غادرا مدينة العصر الجديد وابتعدا عنها بمئات الأميال، ومع ذلك كان الوريد لا يزال ممتدّا، حتّى أنّه بلغ أمكنة لاحظ فيها باسل تفرّعه في جميع الاتّجاهات، وعندها فهم لم كان ذلك يحدث.

ففي الواقع، كان هذا الوريد يتفرّع فيمرّ بجميع المناطق المحظورة المجاورة، ويتغذّى منها بشكل متواصل، كما لو كان تنّينا يتغذّى على الوحوش من أجل نموّه، وعندما قطعا مسافة طويلة، وجد باسل الوريد متفرّعا في عدّة جهات لدرجة أكبر ممّا تصوّر فكان كشجرة عملاقة تحت الأرض لها جذور في العالم الواهن.

قطعا طريقا طويلا حتّى بلغا مكانا كان الوريد يغلي فيه من طاقة العالم ويكاد ينفجر بغناها، وكان ذلك المكان هو السلاسل الجبلّية الحلزونيّة، وبالخصوص بـنهر ددمم التنين. لقد كان الوريد متّصلا بأعماقه، أو للدّقّة، لقد كان هذا هو أصل ومنبع الوريد الحقيقيّ.

ابتسم باسل وفكرّ في الوحش النائم بالأسفل، ثمّ فهم لمَ كان مثل ذلك الوحش يملك كلّ تلك القوّة ومثل تلك الخواصّ المرعبة.

تمتم لنفسه: "لا أعلم إن كان ذلك تنّينا أسطوريّا حقيقيّا أم لا، لكنّه مهما كان فقد خلّف وراءه هديّة رائعة جدّا لعالمنا."

سمعه أوبنهايمر فرانكنشتاين يقول شيئا فسارع وتكلّم: "أنت... أنا هنا أتحدّث طوال الوقت لكنّك لا تعدّني موجودا حتّى. أحقّا تريد منّي مرافقتك؟" لقد كان فعلا يخاطبه طيلة تلك المدّة دون توقّف!

التفت باسل وحدّق إليه كما لو كان سيقول شيئا، لكنّه لم ينبس ببنت شفة فاستدار غير مهتمّ، وبسبب ذلك انزعج الشابّ أكثر وقال: "هوه... فهمت، لقد فهمت جيّدا. يبدو أنّ السيّد باسل يحسب نفسه ذكيّا للغاية ولا يريد إضاعة وقته في شرح مثل هذه الأشياء. حسنا، حسنا، لك هذا. لا أعلم كم سيأخذ هذا الأمر الذي تقوم به، لكنّني سأكشف ما تنوي فعله في غضون أسبوعين."

التفت باسل ثم ابتسم جاعلا الشاب يفقد أعصابه من جديد حتّى صرخ: "أنت... ما بال تلك الابتسامة المتعجرفة؟ حسنا، حسنا، في أسبوع، سأعلم ما تنوي فعله في أسبوع."

ابتسم باسل أكثر فجعل الشابّ يرتبك أكثر فأكثر بذلك، وظلّ أوبنهايمر فرانكنشتاين يتذمّر طوال الوقت.

كان باسل في الواقع يبتسم لسبب آخر تماما؛ فهو أصلا تعمّد إثارة غضب الشابّ ذو الوجه الطفوليّ وتلاعب به حتّى قال بنفسه أنّه سيكتشف ما يحاول القيام به، وكان ذلك هدف باسل الحقيقي؛ فلو لم يعلم أوبنهايمر فرانكنشتاين عمّا ينوي فعله حتّى، لن يكون هناك فائدة من جلبه كمرافق.

نظر باسل بعد ذلك إلى الجهة الأخرى من مسار الوريد، فهذا المنبع قطع طريقا على ثلاث جهات، وإحداها هي التي أتى منها باسل، والثانية كانت تلك التي تؤدّي إلى أكاديميّة الاتحاد العظمى، حيث وقعت بحيرة العالم المباركة المحاصَرة، أمّا الثالثة، فقد كانت في الواقع قريبة كثيرا من المنبع. كان المنبع في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة، وما كان شهيرا بقربه من هذه السلاسل الجبليّة لم يكن سوى وكر الوحش النائم.

ابتسم باسل مرّة أخرى فاتّبع الاتجاه الأخير حتّى بلغ حدود الوكر، وهذه المرّة لم يعترضه أحد من القبائل، بل على العكس، وجد الحدود مفتوحة ولم يعد هناك وجود لخط الجون كالسابق، فصار الوكر مفتوحا على بقيّة العالم كما عهد قبل ستٍّ وخمسين سنة؛ فكان التجّار يدخلون ويخرجون عبره بوفرة، كما كان السوق الرئيسيّ مشغولا كثيرا.


كان هناك بعض الناس من العالم الخارجيّ يمازحون أعضاءً من القبائل، وآخرون يتحدّثون عن مواضيع جديّة، وآخرون يتبادلون الأفكار والمعلومات؛ تغيّر الوكر حقّا في السنة الفارطة عمّا كان عليه.

بالطبع كان ما يزال يحافظ على تقاليده ولم يغيّر شيئا منها، لا من حيث شكل المنازل التي كانت سقوفها وأسوارها تحمل علامات لوحوش، ومُشكَّلة على شكل بعض الطيور الجارحة أو الوحوش الأسطوريّة كـالعنقاوات والتنانين وطيور الرخّ السامية.

كان الوكر ينقسم لعدّة مناطق، وكلّ منطقة كانت تحكمها قبيلة ما ترأّست ثلاثة عشائر أو أكثر، وحاليا كانت هناك أربع قبائل ذاع صيتها في العالم كلّه بعد الحرب الشاملة، حيث قدّمن أداء مدهشا للغاية وكنّ خير التعزيزات. لقد كنّ قبيلة حاكم الأرض، وقبيلة حاكم الجوّ، وقبيلة حاكم الريّاح، وقبيلة حاكم المياه.

كانت زعيمة قبيلة حاكم الأرض لمياء هي التي تترأّس قبائل الوكر حاليا ولم يكن هناك معترض، فهي جعلت من علاقاتهم بالعالم الخارجيّ أفضل حالا ممّا كانت عليه في أيّ وقت مضى، وبفضلها اكتشفوا أنّ قبيلة حاكم النيران كانت خائنة وتعاونت مع عائلة غرين قبل ستٍّ وخمسين سنة من أجل الحصول على النفوذ، فـأنجتهم من شوكة في حلوقهم لم يعلموا عن وجودها.

في ذلك الوقت عندما أتى باسل إلى هنا، أخبر أبهم بأن يتسلّل إلى قبيلة حاكم النيران ويخبرهم أنّه من عائلة غرين حتّى يغريهم ليكشفوا عن حقيقتهم ببساطة.

استغلّت عائلة غرين قبيلة حاكم النيران في جعل قبائل الوكر تهاجم إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة آنذاك، وعندما انتهى غرضها منها خانتها ولم توفِ بوعدها في معاونتها على حكم القبائل بعد أن تصبح العائلة الحاكمة، وبذلك أصبحت قبيلة النيران تحتقر عائلة غرين كونها تمسك دليلا عليها يمكنه التسبّب في سقوطها، ألا وهو معرفتها بخيانتها للقبائل الأخرى.

لذا بكلّ بساطة، تنكّر أبهم بهويّة ابن عائلة غرين، وبالطبع منحه باسل شارة عائلة غرين حتّى يُتأكّد من هويّته، فظهر كأنّه يطلب المساعدة بعد فقدان عائلة غرين مركزها في الحكم، وبذلك جعل عائلة حاكم النيران تقع في فخّ كشف نفسها بنفسها.

وفي اليوم الحاضر، كان أبهم حاليا يقيم في هذا الوكر لسبب ما، وبعدما تعرّف بعض الأشخاص من قبيلة حاكم الأرض على باسل، نادوا أبهم الذي كان في السوق بسرعة ليرحّب به.

تجوّل باسل وأوبنهايمر فرانكنشتاين في السوق لقليل من الوقت، وكان باسل يتمتّع بما يحدث حوله، وبعد مدّة لا بأس بها ظهر أبهم أمامه مع بعض أعضاء قبيلة حاكم الأرض، وبالضبط من عشيرة الغبراء المظلمة، عشيرة لمياء.

كان أبهم متغيّرا نوعا ما، وكثيرا في الحقيقة؛ فطوله ازداد بشكل ملاحظ وكان أطول من باسل بحوالي شبرين حاليا، ونمت عضلاته بضعفين عن قبل عندما كان جسده مصقولا ومعتدل الحجم؛ لقد كانت الإقامة هنا لها تأثير كبير عليه على ما يبدو.

انحنى أبهم ومن خلفَه لباسل، وشبكوا قبضاتهم فقال أبهم: "مرحبا بك يا سيّدي، لم أكن أعلم بقدومك وإلّا كنت جهزت له بشكل أفضل."

ابتسم باسل ثمّ أجابه: "لا داعٍ، فأنا أيضا لم أكن أخطّط المجيء إلى هنا بشكل خاصّ. على كلّ، يبدو أنّك تتمتّع بوقتك هنا، هل وصلت إلى نتيجة ما مع لمياء؟"

احمرّت وجنتا أبهم فأجاب مسرعا: "م-ما الذي تقوله يا سيّدي؟ هاهاها، حقّا!" كان يحاول التغابي.

حدّق باسل إليه فقط دون قول أيّ شيء، وفجأة تكلّم أحد أعضاء القبيلة من خلف أبهم: "يا أيّها السيّد الشابّ أبهم، في الوقع، الكلّ يعلم ما تشعر به تجاه الزعيمة لمياء، فقط هي من لا تعلم."

"إيـــــه؟!"

كان أبهم متفاجئا حقّا، بالرغم من أنّه بقي هنا لأكثر من عام بينما يحاول التقرّب من لمياء ولاحظ الجميع ذلك. يبدو أنّه بليد في مثل هذه الأشياء، إلّا أنّ لمياء التي لم تلاحظ ذلك أيضا بسبب تركيزها على وظيفتها بليدة أيضا؛ كان ذلك ما فكّر فيه كلّ أعضاء عشيرة الغبراء المظلمة.

سارع وغيّر الموضوع: "على كلّ، ما الذي جاء بك إلى هنا يا سيّدي؟ إن كان هناك ما يمكنني فعله فرجاء أخبرني."

أومأ باسل رأسه فقال: "إذن... أخبر لمياء أنّني أريد تسلّق شجرة الوحش النائم."

(لمن يريد خلفيّة عن 'شجرة الوحش النائم' فقد ذُكِرت ووُصِفت بالفصل 121 أوّل مرّة)

"هااا؟" رفع أبهم ومن خلفَه أصواتهم دون أن يشعروا عندما سمعوا هذا الكلام.

لقد أمضى أبهم مدّة لا بأس بها هنا وصار يعلم تمام العلم ماهية شجرة الوحش النائم المهيبة، ومعنى الاقتراب منها، وتسلّقها؛ فكلّ ذلك على حدّ سواء كان شيئا لا يحقّ سوى لكبار القبائل القياديّة فعله، وهذا إن كانوا حقّا يقدرون عليه أصلا.

قيل أنّ هناك فائدة عظيمة تُستمد بالاقتراب من تلك الشجرة العظيمة، وحتّى أنّ هناك من استطاع فهم بعض النقوش الغريبة وتوظيفها من أجل القبائل، وهذا كان سبب وجود بعض النقوش الأثريّة في الزنزانة التي سبق وسجن باسل فيها هنا. ففي ذلك الوقت لم يعلم عن مصدرها، وفي الواقع قليل من علم عن هذه الحقيقة، لكنّه الآن كان يعلم عن ذلك أكثر من أيّ شخص في هذا العالم، حتّى أكثر من قبائل وكر الوحش النائم نفسها.

ابتسم باسل تاركا أبهم والآخرين حائرين، أمّا أوبنهايمر فرانكنشتاين فكان صامتا على غير عادته، وبدا سارحا في تفكيره. نظر إليه باسل وأومأ مرّة أخرى، راضيا.

كانت شجرة الوحش النائم تُعرَف بكونها أكبر شجرة في العالم الواهن، وكان أصلها غامضا جدّا، حتّى أنّها كانت فريدة من نوعها ولم يكن هناك ما يشبهها في العالم بأكمله. كانت الجاذبيّة حولها قويّة أكثر من جاذبيّة العالم العادية بأضعاف، وأضفت بهاءً لا مثيل على المكان فقط بكونها هناك، وعطاءً جعل الحياة في تلك النواحي غنيّة ووفيرة.

تبع باسل أبهم الذي كان يقوده من السوق الرئيسيّ إلى مقرّ عشيرة الغبراء المظلمة، وفي طريقهم إليها مرّوا بأرض خلّابة وغنيّة حيث كانت خضراء ووفيرة بالفواكه والثمار والطيّبات، لكنّهم بعدما مرّوا بها لمدّة لا بأس بها ظهرت أرض قاحلة، وكانت كصحراء مصغّرة محاطة بالأراضي الحيّة المثمرة. فكان هناك نخل في بعض الأماكن وبعض النباتات الصحراويّة كالصبّار، ونادرا ما كان يصادف الشخص ورودا بنفسجيّةً متوهّجةً بضوء مظلم كما لو كانت تبعث دخّانا أسوداً.

كان مثل هذا الأمر غريبا جدّا وخصوصا للغرباء، فحتّى أوبنهايمر فرانكنشتاين كان مذهولا ومتعجّبا من هذا الشيء؛ كيف لباقي الأراضي أن تكون بتلك الوفرة وهذه الأرض بينها لا تمتّ بصلة لها؟ كما لو أنّها قُطِعت وحمِلت فوُضعت هنا وبُتِرت علاقتها مع يحيط بها؛ كانت كأرض لُعِنَت فحُكِم عليها بالجفاف الأبديّ.

لاحظ أبهم هدوء باسل ثم ابتسم وتذكّر ما تحدّثا عنه عندما كانا آتيين إلى هنا أوّل مرّة، واقتنع مّرة أخرى بمعرفة باسل الواسعة، وبالطبع لم يكن باسل يعلم عن مثل هذه الأشياء في الواقع حتّى وقت قريب.

بدأ أبهم يتكلّم شارحا للشابّ ذو الوجه الطفوليّ المذهول والعينين البرّاقتين من الحماس: "قيل أنّ هذه الأرض بورِكت بسبب أعمال سلف القبيلة الأوّل وباقي أسلاف القبائل، فأنعِم عليها بعيش الرغد مهما مرّ من الزمن."

"بورِكت؟" تفاجأ الشابّ من طريقة الوصف المعاكسة لما يرى فتساءل: "كيف بورِكت وحالها هكذا؟"

أومأ أبهم رأسه كما لو كان يوافقه على كلامه، فحتّى هو تساءل عن نفس الشيء عندما جاء أوّل مرّة إلى هنا، وأكمل شرحه كما لو كان يكرّر ما قيل له من قبل: "في الواقع قد يبدو حالها سيّئا، إلّا أنّها أكثر من مثاليّة لقبيلة حاكم الأرض؛ فهذه القبيلة تنجب فقط أطفالا بسحر التحوّل المتخصّص في عنصر الأرض، وهذه تُعدّ بيئة مثاليّة لهم. قد تبدو غير مريحة، لكنّهم يستخرجون منها كنوزا تساعدهم على النموّ وتدريب أجسادهم حتّى يتطوّروا في تحوّلهم السحريّ. إنّ هذه الأرض ساحة مثاليّة لأولاد الأرض هنا."

فهم الشاب من شرح أبهم، وما كان غامضا له صار واضحا نوعا ما، لكنّ اهتمامه بأصل هذه الأرض كان قائما.


تمشّوا في تلك الصحراء القاحلة لوقت طويل، وأحسّ العالم المجنون بحرارة تلك الأرض التي لم يكن ليقدر بشر طبيعيّ على تحمّلها، كما لو كانت الشمس التي تشرق على هذه الأرض مختلفة وقريبة، إلّا أنّه علم أنّ تلك الحرارة كان سببها الأرض نفسها التي ولّدت أحيانا سرابا هنا وهناك فظهرت بعض الأبراج من القصص الخياليّة، ولكن عند الاقتراب تكون مجرّد صخور.

لم يكن ليظنّ أحد أنّه كان قبل مدّة لا بأس بها في أرض خضراء عندما يجد نفسه هنا. لقد كان أمر هذه الأرض غريبا للغاية.

قطعوا شوطا طويلا ومرّوا ببعض المنازل الحمراء التي كان تصميمها بشبه نبات الصبّار شكلا، وبدت كما لو كانت متّحدة مع الأرض التي بنيت عليها نظرا إلى كون أساسها عميق لدرجة كبيرة ومرتبط بتلك الأرض بشكل غريب، كما لو أنّه نبت منها ولم يبنى عليها. كانت تلك منازل بعض العشائر الأخرى، وكلّ عشيرة كانت قريبة من الأخرى مكوّنين بذلك غابات من تلك المنازل.

كانوا مرّة يمرّون بأرض وضعت ثقلا زائدا على الناس فقط بوقوفهم عليها، وتارة كانوا يخطون على أرض رمليّة حارقة، وكانت هناك أراضي كان هواؤها يحمل غبارا جعل التنفّس صعبا والتحرّك مقيّدا، فكلّما تساقط ذلك الغبار والتصق بجسد الشخص جعله يتخدّر، ولكن عند التركيز يجد الشخص أنّه لم يُخدَّر وإنما أصبح يزن أكثر فقط، فيكشف عندها أنّ ذلك الغبار الذي التصق به لوحده كان يزن كثيرا.

تمتم أوبنهايمر فرانكنشتاين لنفسه عندئذ: "أوه، لا عجب في امتلاكهم بنيات قويّة جدّا، فلو عشتَ في بيئة كهذه منذ صغرك سيكون من الطبيعيّ أن ينمو جسدك بشكل مرعب."

وبالطبع كان هذا سببا إضافيّا فقط، فأصلا كان أبناء هاته القبائل يولدون بأجساد قويّة، وإلّا ما كانوا ليتحمّلون العيش هنا في صغرهم منذ ولادتهم. لقد كانوا مباركين بهذه الهبة، فكانت هذه الأرض التي جعلت هبتهم تلك تُصقَل أكثر فأكثر مع الوقت مباركة بحدّ ذاتها. أثار تاريخ هذه القبائل اهتمام العالم المجنون كثيرا، وخصوصا أجسادهم تلك.

نظر باسل إليه فوجده يصنع نظرات غريبة ووجه ملتوٍ من الحماس، حيث كانت عيناه متّسعتين وفمه كذلك بسبب ابتسامته الغريبة تلك، كوحش مستعدّ لالتهام كلّ ما يمكن أن يلبّي شهواته. كان وجهه الطفولي في تلك الأثناء يبدو مجرّد جلدة لا علاقة لها بما يختبئ تحتها.

تنهّد باسل ثم قال: "لا تأتِك أفكارا غبيّةً!"

التفت العالم المجنون بسرعة وأجاب: "ها؟ ما الذي تتحدّث عنه؟ انتظر... أما زلت لم تغيّر رأيك بعد كلّ ما قلته طول الطريق إلى هنا؟ لقد أخبرتك مرارا وتكرارا أنا..."


عاد مرّة أخرى لتذمّره من باسل؛ لقد كان حقّا ينزعج كثيرا عندما يشعر أنّه وُصِف بالغبيّ، وخصوصا من باسل؛ فلربّما لو قالها له شخص آخر لم يكن ليعتبره أصلا نظرا لكونه يعدّ الناس عامّة أغبياء ولا يهتمّ بآرائهم، لكن باسل كان مختلفا.

تجاوزوا منطقة الغبار الوازن تلك، ودخلوا إلى أخرى كانت تحمل غبارا، إلّا أنّه كان أسودا وكلّ جسيّم منه بعث هالة مظلمة ضئيلة، وعندما اجتمع في بعض الأماكن بكثرة بدا كهالة سوداء مشؤومة.

التصق قليل من ذلك الغبار بجسد العالم المجنون، فلاحظ ذلك أبهم وحذّره: "احترس، فإذا لم تملك جسدا مضادّا لذلك الغبار بشكل طبيعيّ كالناس هنا، سيكون عليك التدرّب من أجل ذلك لمدّة طويلة حتّى لا تتأثّر بطبيعته الأكولة والمسمّمة، وغير ذلك ما عليك سوى مجابهته بدفاعك السحريّ."

"همم؟" ابتسم أوبنهايمر فرانكنشتاين بسبب كلام أبهم جاعلا إيّاه يتساءل عن سبب ذلك، فأخبره العالم المجنون: "سأريك شيئا مثيرا للاهتمام."

فتح فمه وبدأ يستنشق الهواء حوله حتّى أصبح استنشاقه قوّيا جدّا كزوبعة وشفط ذاك الغبار حوله بسرعة تزايدت في كلّ ثانية، وفجأة بدا فمه ذاك كـقعر دوّامة يمكنها التهام أيّ شيء بسرعة كبيرة، وبعد مدّة قصيرة كان قد التهم كميّات هائلة من الغبار حتّى صارت المنطقة حولهم خالية وواضحة.

اتّسع فم أبهم والآخرين معه وأعينهم دهشةً وكادت فكوكهم تصل إلى صدورهم؛ لم يصدّقوا ما حدث للتوّ إطلاقا، وخصوصا بعد انتهاء العالم المجنون من فعله ولعْقه شفته السفلى كما لو أخذ وجبة خفيفة.

"أوه، أنا أفهم الآن تركيبها جيّدا، ستكون مفيدة حسب طريقة استخدامها."

قال هذه الجملة فجعلهم أكثر اضطرابا من قبل. لقد كانت تسمّى تلك بالغبراء المظلمة، إذ التهمت وسمّمت ما لمسته، وأعمت ما بصرها، وخصوصا أجساد البشر؛ فإن لم يكن للشخص مقاومة لها من نوع ما فسيكون مآله التحوّل إلى غبار مظلم في النهاية. والآن، عندما يأتي شخص من الخارج ويشفط تلك الكمّيّات الهائلة، فلن تكون ردّة فعلهم سوى الاندهاش من قمّة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.

أومأ باسل رأسه فقال: "مثير للإعجاب حقّا يا أيها العالم المجنون."


حدّق إليه أوبنهايمر فرانكنشتاين بعبوس ولم يقل شيئا، أمّا أبهم ومجموعته فاتّفقوا مع باسل تماما، وخصوصا بجزء الجنون.

تكلّم باسل مع أبهم: "يبدو أنّك صرت تملك تلك المقاومة الآن؛ يمكنني رؤية المشاقّ التي مررت بها في المدّة الماضية لتحقّق ذلك."

ابتسم أبهم وحكّ مؤخّرة رأسه قبل أن يقول: "لك فضل كبير في ذلك يا سيّدي، فلولا تدريباتك آنذاك لما تحمّل جسدي التدريب هنا، ومع ذلك ما زال يجب عليّ صقله أكثر."

أومأ باسل رأسه فأكملوا تحرّكهم بعد ذلك، وبعد مدّة قصيرة ظهرت منازل الصبّار من جديد بعدما كانوا في أرض خالية من الحياة، وكان ينتظرهم هناك العديد من الأشخاص أمام مدخل منطقة العشيرة، ومن بينهم كانت لمياء حاضرة.

كانت هناك الكثير من الهمسات عندما وصل باسل، وكلّها كانت تتكلّم عنه وعن الإشاعات المتعلّقة به. لقد كان ذائع الصيت حتّى بين القبائل، وخصوصا بعد تلك الحادثة ضدّ فضيلة كرم وما شهدوه في الحرب الشاملة.

اقترب من باسل بعض الأطفال بينما يتململون في أماكنهم، فربّت على رؤوسهم مبتسما وقال: "أسألوني عمّا شئتم."

فرح الأطفال وسارعوا في أسئلتهم واحدا تلو الآخر: "هل حقّا أنت ابن عملاق؟"

"هل أمكنك هزيمة عشرات آلاف الأعداء دون استخدام السحر حقّا؟"

"هل حقّا جسدك قويّ مثل كبارنا بالرغم من أنّك لست واحدا منّا؟"

"هل يمكنك نفث النار كسلفك التنين؟"

يبدو أنّه كانت له شعبيّة كبيرة بين الأطفال هنا وأسئلتهم حوله لم تنقص مع الوقت قطّ، فأجاب بعضها وما كان خاطئا بشأنه لم يجب عنه كي لا يحطّم أحلام هؤلاء *******، وعندئذ اقتربت لمياء وتدخّلت: "يا ***** الأرض، لم لا تذهبوا للعب قليلا مع أخوكم أبهم الأكبر ريثما أنتهي بأعمالي مع السيد باسل؟"


عبس الأطفال ثمّ قالوا مجتمعين: "حـــاضر." كانوا مستائين من عدم الإجابة عن كلّ تساؤلاتهم.

ابتسم باسل عندما رأى فضولهم ذاك وذكّروه بصغره، فربت على فتاة وفتى بينهم بينما يقول: "سأذهب لقضاء غرض ما، وأعود بعدئذ للعب معكم." ابتسم في نهاية كلامه فابتهج الأطفال.

تكلّمت لمياء بينما تشير بيدها لجهة ما: "من هنا من فضلك."

قادت الطريق إلى بيت الزعامة حيث أضيف هناك جيّدا؛ ذُبِحت بعض الخراف وأتى بعضهم بلحوم الوحوش السحريّة، وقدّموا له التمر والسمن والعسل، ثمّ قهوتهم التي كانت من عالم آخر. قدّموا له ضيافة كبيرة، فأصلا كانت القبائل هنا معروفة بسخائها تجاه ضيوفها.

ارتاح باسل وأوبنهايمر فرانكنشتاين، وبعد وقت انفرد باسل بلمياء في غرفة ليناقشا ما جاء من أجله في المقام الأولّ، وكانت لمياء من بدأت الكلام: "حسنا، بشأن طلبك، سأقولها مباشرة وصراحة، أخشى أنّه لا يمكننا السماح لك بالاقتراب من الشجرة."

أخرج باسل جزرة فعضّها ومضغ اللقمة ثم بلعها قبل أن يجيب: "حسنا، هذا ما كنت أتوقّعه أصلا. أنتم الشرفاء والفُخُر ما كنتم لتخالفون تعليمات أجدادكم وأسلافكم."

أخذت لمياء رشفة من قهوتها وأجابت: "لا يمكنك لومنا، فذلك ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؛ لقد كانت تعليمات أسلافنا التي مرّت عبر الأجيال هي ما نمّى قبائلنا لهذه الدرجة، وأكثر من ذلك، هي تبقى قوانيننا السامية التي وضعت." رفعت بعد ذلك الكوب لتأخذ رشفة أخرى.

أكمل باسل أكل الجزرة، واستمتع بمذاقها جيّدا، فقال بعد ذلك: "التي وُضِعت بسبب وحشكم النائم، أكمليها حتّى هنا. أو يجب أن أقول أبوكم الروحيّ بدل وحشكم النائم؟ فذلك سيكون أدقّ."

توقّفت يد لمياء بعد ذلك في منتصف أخذها تلك الرشفة، ونظرت إلى باسل بتعجّب قبل أن تقول: "ك-كيف تعلم عن ذلك؟"


"كيف أعلم لا يهمّ،" أجاب باسل مباشرة: "المهمّ أنّني أعلم. سأقول لك شيئا واحدا يا لمياء، ولا أظنّ أنّه يجب أن تفوّتوا مثل هذه الفرصة. عرضي هو أن أتسلّق الشجرة متى شئت، وفي المقابل أمنحكم الوصفة والتدريب والتقنيات السرّية من أجل إيقاظ الوحش النائم."

سقط الكوب من يدها فوقفت بسرعة من مكانها وتراجعت ثلاث خطوات غير مصدّقة لما سمعت لتوّها، ولم يسعها سوى أن تقف هناك متجمّدة بينما تفكّر في جميع الاحتمالات التي يمكن من خلالها أن يكتشف هذه الأمور، فطرأت فكرة في بالها.

"أ-أبهم...!"

قالت ذلك الاسم وشدّت قبضتها غاضبة وحاملةً نظرات ساخطة.

رمى باسل لقمة الجزرة الأخيرة في فمه ثمّ أجاب بعدما انتهى من أكلها: "أنتِ هناك، لا تتسرّعي في الحكم. اهدئي وفكّري جيّدا، فلم يكن أبهم ليكتشف هذه الأمور ولو تجسّس عليكم هنا حياته كاملة؛ فحتّى أعضائكم كلّهم، سوى زعماء القبائل الأربع القياديّة، لا يعلمون على أيّ حال، فكيف لأجنبيّ أن يعلم؟"

ارتخت يد لمياء بعد كلام باسل وهدأت قليلا، ثمّ جلست في مكانها مرّة أخرى وحملت الكوب الذي سقط ثمّ شربت الرشفة الأخيرة التي بقيت فيه وبلعتها بصعوبة. قالت بعد ذلك بلهجة محترمة: "أعتذر عمّا بدر منّي."

أومأ باسل ثم قال: "بالأحرى، اعتذري لأبهم، أنا أشفق عليه." حرّك رأسه يمينا وشمالا؛ لقد كان الشابّ مغرما بالمرأة، إلّا أنّ ثقتها به لم تكن عميقة على ما يبدو.

احمرّت وجنتاها فجأة ونظرت إلى الأسفل بخجل؛ لقد تصرّفتْ بشكل غير لائق كزعيمة قبيلتها ورأس القبائل كلّها.

لقد كانت طبيعتها المشكّكة جيّدة، فذلك ما ساعد قبائلها على الانفتاح على العالم من جديد، لكن بسبب ذلك أيضا قد يمكنها أذيّة مشاعر القريبين منها، وكانت تعلم ذلك جيّدا لذا كانت محرجة من نفسها.

استأنف باسل كلامه: "على كلّ، كما قلت سابقا، أنت لا يهمّك كيف أعلم، ولكن ما يجب أن يشغل بالك حاليا هو ما أعرضه عليكم. سأنتظر ثلاثة أيّام، لذا جهّزوا إجابتكم بذلك الحين."

وقف باسل وهمّ مغادرا الغرفة.

"انتظر..." وقفت لمياء ونظرت إليه لمدّة طويلة، إلى عينيه اللتين حدّقتا دون أيّة تردّد إلى عينيها، حتّى غمرتها ثقته التي كانت متجلّية بتصرّفاته، ولم يسعها سوى أن تسأل مرّة ثانية: "فقط... أخبرني فقط كيف علمت؟"

تنهّد باسل، ولا عجب من إصرارها، لقد كان ذلك أحد أكبر أسرار قبائل وكر الوحش النائم ولم يعلمه سوى خمسة في كلّ جيل، وكانوا قد أقسموا على حماية هذا السرّ إلى أن يأتي اليوم الذي يجدون فيه طريقة على تحقيقه.

استدار باسل ثمّ أجاب مرّة أخيرة: "لقد تعلّمت من الأفضل!"

***

كانت لمياء مشوّشة الذهن للأيّام الثلاثة القادمة ولم تنم مطلقا من شدّة تفكيرها المستّمر، فكلام باسل ظلّ يجول بعقلها جاعلا إيّاها تحاول تخمين معرفة كيف علم عن تلك الأشياء، وكانت تفكّر في اقتراحه لمدّة طويلة قبل أن تقرّر أخيرا مناقشة الأمر الكبار الثلاث الآخرين.

لقد كان سرّهم ذاك عظيما ولم يعلم عنه أحد في التاريخ سوى أقليّة مختارة بعناية كبرى، لكنّ هذا الفتى ظهر وتحدّث عن أشياء ليس له وسيلة ليعلم بها عنها، وذلك سيسبّب رعبا ورفضا شديدا من الكبار الآخرين فيحاولون بعد ذلك استخراج المعلومات منه بأيّة طريقة؛ لقد كان قانونهم هو إزالة أيّ طرف ثالث غيرهم يعلم عن ذلك الشيء؛ ولهذا تردّدت لمياء كثيرا قبل أن تذهب إليهم في اليوم الثالث.

انعقد الاجتماع بعجلة بعد رسالة لمياء، فأتى الزعماء الثلاثة وجلسوا على الطاولة في غرفة لم يعلم أحد عن مكانها. كانت تلك الغرفة مظلمة وما أضاء جزءا منها كانت عصا لمياء التي تحمل الحجر المضيء، وبسببه ظهرت بعض النقوش باختلاف أنماطها، وبعض أشكال الوحوش السحريّة وأخرى غير معلومة حتّى لهم، وكلّها كانت راكعة خاضعة لشيء ما لم يظهر نظرا لكونه بقي في الجزء المظلم.

كانت الطاولة مضاءة وكذلك الزعماء الثلاثة، فكان أوّسطهم نحيف البنية طويل الوجه، وأسمر قليلا لكنّه بدا ناضرا بإضاءة لمياء، وكانت عيناه كتينك اللتين لدى الصقر، فبدا وجهه بسبب ذلك حادّ التعابير طبيعيّا.

تكلّم هذا الشخص أوّلا بصوت أخنٍّ لكنّه كان حادّا في نفس الوقت: "أيْ لمياء، ما جلبنا؟ لقد قوطِع تدبّري وقيل لي أنّه أمر عاجل، من الأفضل أن يكون كذلك." كانت لهجته حادّة كذلك لكنّه لم يتجاوز حدوده.

أومأ الشخص الذي بجانبه على اليمين برأسه العريض مثله مثل جسده الكبير، وبدا حضوره ثقيلا ويجعل التنفس صعبا على الناس، فأكمل كلام سابقه: "لابدّ وأن يكون كذلك يا خليفة حاكم الجوّ، وإلّا لما كان خروجي من تدبّري في أعماق نهر ددمم التنين ذا فائدة؛ أنت تعلمين جيّدا أنّني أجعل لكلّ خطوة منّي فائدة."

ابتسم الشخص الثالث والذي كان معتدل الجسد لكنّه كان طويلا، وأطول من أبهم بحوالي شبر، وكلّ عضلة فيه بدت مصقولة بالرغم من أنّها لم تكن ضخمة، فكانت القوّة التي تكمن بجسمه ذاك بارزة. قال تابعا الشخص الثاني: "هيّا، هيّا، دعنا لا نكن قاسيين على خليفة حاكم الأرض يا خليفة حاكم المياه؛ لقد أثبتت أنّها حقّا تستحقّ مكانتها هذه في العديد من المناسبات، وأكثر من ذلك لقد وافقنا بأنفسنا على هذا الأمر، فلا يجب أن ننسى ذلك."


انحنت لمياء قليلا ثمّ قالت: "تُشكَر على حسن نيّتك يا خليفة حاكم الريّاح!" رفعت بعدئذ رأسها وقالت: "لكن لا داعٍ للقلق، أنا متأكّدة من أنّ كلامي اليوم سيجعلكم تنسون أمر التدرّب والتدبّر لمدّة."

عبس الثلاثة معا فوضع خليفة حاكم الريّاح يديه تحت ذقنه وقال: "أوه، مثير للاهتمام، ماذا لديك؟"

***

بالعودة بالزمن قليلا إلى اللحظة التي غادر فيها باسل غرفة خليفة حاكم الأرض، كانت الشمس ساطعة في الخارج كعادتها بعد العصر، جاعلة العالم أحمر اللون، فصار شعر باسل، المتطاير بذلك الهواء العليل منعش الروح، يبدو برتقاليّا نوعا ما بلمعان باهر.

وفي هذه الأثناء كان باسل يلعب مع ***** الأرض الذين التقى بهم عند مجيئه، لكنّ لعبه ذاك كان غريبا نوعا ما؛ بدا كما لو أنّهم يلعبون الغمّيضة، إلّا أنّ الأطفال جعلوا من الأرض نفسها مخبأ لهم.

كان باسل يتحرّك ببطء دون أن يزعج نفسه بالتسرّع، ويقف عند مكان محدّد ويغرس ذراعه فجأة في باطن الأرض ثمّ يخرجها حاملا بها أحد الأطفال، وتارة اخرى كان يغطس عميقا تحت الأرض فيعود إلى سطحها حاملا معه عددا من الأطفال مرّة واحدة، كما لو كان يصيد بعض المناجذ.

تجمّع كلّ الأطفال حول باسل بأعين متألّقة وقالوا بحماس شديد: "أوه، إنّ الأخ الأكبر باسل ماهر للغاية، في العادة حتّى الراشدون هنا لا يستطيعون إلقاء القبض علينا بهذه السرعة. إنّك ماهر."

كانوا يمدحونه كثيرا متعجّبين في نفس الوقت من أمره. نطق أحدهم بعينين جرّيئتين مليئتين بروح التحدّي: "الآن دورك أيّها الاخ الأكبر باسل، لن أرضى بالخسارة هكذا." كان هذا هو أخ لمياء الأصغر في الواقع.

ابتسم باسل ثُمّ ربّت على رأس الطفل وقال: "هذه هي الروح يا آدم. حسن، سأغوص هنا وحاولوا إيجادي كما فعلت. لا يهم متى تبدؤون ملاحقتي ما أن أنزل تحت الأرض."


أومأ الأطفال واستعدّوا جيّدا، وفي اللحظة التالية كان باسل قد اختفى بالفعل تحت الأرض، فسارع بعض الأطفال في ملاحقته مباشرة إلّا أنّهم لم يجدوا أثرا له قطّ، كما لو تبخّر تماما.

كان الأطفال متعجّبين أكثر من هذا الأمر، فبذلوا جهدا أكبر ليجدوا باسل لكنّهم لم ينجحوا مهما طال الأمر، فإذا بواحد منهم أسرع وأخبر أحد الراشدين: "إنّه مذهل حقّا، لقد مرّت أكثر من ثلاث ساعات لكنّنا ما زلنا لم نجده طريقة لتتبّعه حتّى."

استغرب الراشدون من هذا الأمر وتفاجؤوا؛ لقد كان ذلك أجنبيّ، وحتّى لو كان ضدّ ***** فقط، لقد كانوا ***** الأرض ولم يكن من السهل هزيمتهم تحت الأرض، فما بالك بالاختفاء من بصيرتهم وقدراتهم تحت الأرض كلّيّا. لقد كان ذلك غريبا، وجعل الراشدين مهتمّين أيضا، فدخل العديد منهم في اللعبة.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يقف بعيدا يرى ما يحدث، ثمّ تكلّف الابتسام وقال ساخرا: "وأنا الذي كنت أظنّه يلعب فقط، من كان يعلم أنّه جعل من اللعبة عذرا فقط حتّى يختفي تحت الأرض. حقّا..."

كان العالم المجنون هو الشخص الوحيد الذي فهم المغزى من تحرّكات باسل، والذي كان في هذه الأثناء في مكان مضيء بالرغم من أنّه يُفتَرض أن يكون في ظلام دامس تحت الأرض. كانت تلك الإضاءة نابعة من شيء بدا كثعبان كبير ضخم للغاية، ولكن عند تدقيق النظر فيه تكون ماهيته واضحة أخيرا.

ابتسم باسل ثمّ قال: "يا له من أمر مثير. لو كان للمعلّم نفس المعلومات التي أملكها لكان قد وقف في هذا المكان بالفعل."

كان الثعبان الضخم في الحقيقة عبارة عن جذر سميك، وبدا لونه أخضر بسبب الطاقة الزرقاء التي مرّت عبره. كان الجذر نفسه كشريان تمرّ عبره دماء تجعل صاحب الشريان ينبض بالحياة.

وضع باسل يده على الجذر فغُمِر مباشرة بهالة هادئة إلّا أنّها كانت كالبحر الهادئ، فحتى لو لم تجعله يتقلّب فقد جعلته يغرق في سكينتها التي مثّلت سنينا لا تُحصى من الاستقرار في هذه الأرض. لقد كان ذلك مجرّد جزء بسيط من سكينة تلك الشجرة العظيمة.

تمتم باسل لنفسه عندئذ: "لقد جعل هذه الشجرة وكرا له حتّى أصبحت هكذا، هل يا ترى كان ذلك تنّينا أسطوريّا حقيقيّا؟ على كلّ، يجب أن أكسب ذلك الشيء مهما حصل حتّى أنجح في الباقي."


كان باسل يغرق شيئا فشيئا في ذلك البحر العميق، لكنّه كان هادئا تماما كما كان حال ذلك البحر؛ كما لو كان يعلم أنّ القاعدة لتجاوز هذا الاختبار هو ضبط النفس والعقل، وتهدئة الروح كي يتسنّى له السباحة كما يشاء في ذلك البحر؛ لقد كان يحسّ أنّ مساره الروحيّ يُختَبَر ما إذا كان مؤهّلا أم لا.

كانت الشجرة العملاقة تبعث شعورا بالخمول وكلّ من وقف أمامها وهُنَت قواه ولم يستطِع مجاراة تلك الرغبة في الدخول في سبات عميق، فيحسّ بروحه تُستَنزف بدءا من طاقته السحريّة، وكانت هناك خواصّ أخرى لدى الشجرة العظيمة غير هذه التي كانت أبسطها في الواقع.

مرّت مدّة طويلة وكان باسل لم يظهر بعد، فاستغرب الناس وزاد عدد الباحثين عنه، ولم يستطيعوا تحمّل فكرة هزيمتهم ضدّ أجنبيّ؛ فقد كان ذلك مخزيا لهم وضارّا لشرفهم أجمعين.

وصلت الأخبار لمسامع لمياء في ذلك الوقت، لكنّها كانت مشغولة كثيرا أثناء ذلك بالتفكير في الأمور التي شغل باسل بالها بها، ولم تشأ أن تضيع وقتها في المشاركة في تلك اللعبة.

مرّ وقت طويل حتّى فتح باسل عينيه فجأة وحدّق إلى نور يبدو كنقطة في مكان ما بالظلام المطموس في ذلك البحر، ثم ابتسم وتكلّم: "شكرا لاستجابتك دعوتي، لقد كنت أشكّ في حدوث هذا في الواقع، لكنّه حدث حقّا!"

"هوه!" رنّ الصوت مباشرة في ذهن باسل، فأحس كما لو أنّ النور يرسل أفكاره إليه عبر البحر، معطيا شعورا غامرا بالهيبة لباسل. لقد كان ذلك يوحي إلى مدى عظمة صاحب الصوت.

"يا فتى، يمكنني تخمين سبب مجيئك إلى هنا نظرا إلى ما تحمله من شؤم في أعماق روحك، فلذلك استجبت لك أصلا، لذا سأجيبك مباشرة، لن تحصل عليها منّي أبدا."

حافظ باسل على هدوئه، مبتسما، وشبك قبضته تجاه نقطة النور قبل أن يصرّح: "لا، اعذرني يا أيّها الموقّر، لكنّك مخطئ في هذا الأمر تماما بطريقتين؛ أمّا عن أولاهما، فأنت ستوافق تأكيدا على طلبي بأخذها، أمّا عن ثانيتهما، فهي أنّني سآخذها ولو كنتُ مخطئا في أولاهما."

عمّ السكون للحظات مرّت طويلة، فتكلّم الصوت من جديد بهدوء بالرغم من طريقة باسل المستفزّة في الكلام: "يا فتى، تبدو واثقا أكثر ممّا يجب، ولكن نظرا إلى كونك هنا، يجب أن تكون على علم على الأقلّ أنّني لن أقدّم مساعدة لأيّ من الأربعة عشر."


كانت ابتسامة باسل ملازمةً وجهه، فصرّح مرّة أخرى: "أنت مخطئ ثانية يا أيّها الموقّر؛ قد أكون من الأربعة عشر، لكنّك يجب أن تساعدني بسبب ذلك في الواقع لا الوقوف في طريقي."

"ها؟" استغرب الصوت من هذا التصريح فجأة وقال: "لا تقل شيئا غبّيا يعكّر مزاجي الجيّد يا فتى، كيف لي أنا أن أدنوَ إلى مستوى مساعدة أحد الورثة الملاعين؟"

"هوهوهو!" ضحك باسل وقال: "ملاعين إذا؟ معك حقّ، إنّني ملعون، لكنّني لا أُرضَخ لمثل هذه الأشياء إطلاقا، فلا تظنّني كباقي الورثة؛ لم ولن أهرب من هذه اللعنة مثل بعضهم، ولن أخسر ضدّها أبدا. أنا فقط أريد إخبارك أنّ فرصة ظهورك في الوجود مرّة أخرى ورجوعك إلى سابق عهدك سيكونان أسرع وأضمن بشكل خاصّ لو تعاونت معي."

لم يجب الصوت مباشرة وعمّ الصمت لوقت طويل، حتّى ظنّ باسل أنّ محادثته معه قد انتهت هناك، إلّا أنّ الصوت ردّ أخيرا: "مثير للاهتمام، أخبرني لم تعتقد كلّ ذلك، وعندئذ سأقرّر."

***

مرّت ثلاثة أيّام فظهر باسل أخيرا أمام الجميع فجأة، وفي ذلك الوقت، كان قد استسلم كلّ شخص بالفعل عن البحث عنه وبقوا ينتظرون عودته فقط.

اقترب أوبنهايمر فرانكنشتاين من باسل وأخذ يحوم حوله بينما يضع يده على ذقنه ويومئ رأسه بين الفينة والأخرى، كما لو كان يفهم شيئا ما. عبس أخيرا بعدما لاحظ شيئا وقال: "هذا... أنت... لِمَ أشعر بجريان طاقة تشبه طاقة تلك الشجرة بعروقك؟"

ابتسم باسل فقط ردّا عليه ثمّ التفت إلى جهة الناس الذين ينظرون إليه بتعجّب، فأشار إلى أبهم من بينهم وقال بعدما أتى مستجيبا له: "يا أبهم، أخبر لمياء أنّني سأكون في انتظارها عند حاجز الشجرة العظيمة الخارجيّ."


صنع أبهم وجها قلقا وتردّد: "ولكن يا سيّدي..."

لوّح باسل يده وقال: "لا تقلق، أنا لا أنوي خلق صراع بيني وبين القبائل بفعل شيء غير لائق، لكن لا تقلق، اقترابي أنا من الحاجز لن يُعدّ وقاحة بعدما أبرهن ذلك."

تنهّد أبهم كونه لم يعلم ما يتحدّث عنه باسل، فاستدار وهمّ مغادرا ليترك رسالة لـلمياء التي كانت في اجتماع في الوقت الحالي؛ لقد توجّب عليه إيصال الرسالة بشكل مباشر حتّى يلطّف الأجواء ولا يخرج الأمر عن السيطرة.

حدّق أوبنهايمر فرانكنشتاين بعد ذلك إلى باسل ثمّ قال: "لديّ فكرة نوعا ما عن سبب ذلك، لذا لا تحتاج إلى إجابة سؤالي، همف!"

ابتسم باسل مرّة أخرى من ردّة فعل العالم المجنون، وتمشّى بعد ذلك متبّعا مسارا غير مرئيّ لأحد. كان ذلك المسار خفيّا في الأرض وبدا كشجرة لكثرة تفرّعه بعدّة انعطافات، لكنّ واحدا منها فقط كان الطريق الصحيح، لذا كان مستحيلا قطع ذلك المسار بشكل سليم إلّا عن طريق بصيرة حكيم، وترخيص خاصّ.

***

في هذه الأثناء، كان كبار القبائل مجتمعين داخل ذلك المكان المظلم، وبعدما أخبرت لمياء الثلاثة الآخرين بما حدّثها به باسل، انتفضوا مرّة واحدة وعبسوا حاملين نظرات ساخطة، فقال خليفة حاكم الريّاح الذي كان هادئا طوال الوقت حتّى سمع ما سمع: "يا خليفة حاكم الأرض، سأتجاوز فكرة السماح لمثل هذا السمّ بدخول وكرنا والمكوث فيه لكلّ هذه المدّة، وأنتقل مباشرة إلى الاتفاق هنا والآن على استئصاله وإبادته للأبد."

ضرب خليفة حاكم المياه بيده على الطاولة فكسرها قبل أن يصرّح: "حالا! أنت تعلمين أن تأخّرنا كلّ هذه المدّة ***** لتعليمات أجدادنا وأسلافنا، وخرق لقانوننا الأسمى. يجب علينا حماية الشجرة العظيمة من كلّ تهديد حتّى يأتيَ الوقت الذي يظهر فيه الوريث الشرعيّ. عندئذ سنسمو ونسود."

أكمل خليفة حاكم الجوّ أخيرا: "لقد مرّت سنينا لا تعدّ ولا تحصى من الانتظار، وبسبب هذا الفتى الذي أعطى للعالم الواهن أشياء عظيمة جعلت منه يتطوّر بشكل مذهل، زادت فرصة ظهور وريثنا الشرعيّ بشكل كبير، لكن وا أسفاه. أيْ لمياء، قد يكون هذا السم ينجينا من سمّ آخر، لكنّه في النهاية يبقى سمّ آخر يستحسن إزالته أيضا."

كانت ردود أفعال هؤلاء الثلاثة منطقيّة كلّيّا في الواقع ولم تخرج عن توقّعات لمياء، لأنّه مهما حصل لا يجب على سرّهم ذاك أن يُكشَف وإلّا ستحلّ عليهم لعنة ودمار يُذهب كلّ ما بناه أسلافهم. توجّب عليهم إزالة أيّ خطر كهذا بأسرع وقت.

أحكمت لمياء قبضتها على عصاها واستجمعت أنفاسها فشدّت عزيمتها قبل أن تنطق أخيرا: "لقد أتيت اليوم لأخبركم أن تقبلوا شروطه، وفي المقابل أعدكم أنّنا سنتحصّل على ما وعدنا به."

صرخ خليفة حاكم المياه فجأة: "أجُننتِ يا هذه أم غزا ذلك السم عقلك؟ تجرّئي مرّة ثانية على الطلب منّا خرق قانوننا الأسمى ولن تري منّي شيئا سوى الغيظ والكره؛ فإنّي لأحتقر وحشا نائما أنْ أراه مُغرًى بأحلام أحد آخر."


أومأ خليفة حاكم الجوّ رأسه وقال: "لا كلام بعد هذا، فلنذهب الآن لتولّي هذه المصيبة."

زاد خليفة حاكم الريّاح على ذلك بوجه صارم: "قد تكونين رأس قبائلنا حاليا، لكنّك لا تعلوين قانوننا الأسمى. لا قلق، بعدما نحلّ هذه المعضلة ستظلّين الرأس، لكن بعدما نتأكّد من أن السم قد استُؤصل من عقلك تماما؛ فالجسد السليم في العقل السليم."

استعدّ الثلاثة للخروج، فوقفت لمياء في طريقهم وصرّحت: "أنا وحش نائم ولا أهزّ ذيلي لأحد آخر، لديّ فخري بذلك فلا داعٍ للتشكيك في ذلك."

حملق إليها خليفة حاكم المياه: "إذن..."

"ومع ذلك..." أكملت لمياء: "أنا ألتمس موافقتكم والمباركة من وحشنا النائم أن يكون هناك استثناء لمرّة واحدة فقط. أنا متأكّدة أنّ هذه الفرصة لا تُعوّض إطلاقا ولن نجد مثلها مهما حدث. فبامتلاكنا كيفيّة إيقاظ وحوشنا النائمة ستكون فرصة ظهور الوريث الشرعيّ أكبر بكثير، وعلى الأغلب لن يحدث ذلك في وقت بعيد."

وضع خليفة حاكم الريّاح يده على كتفها فصرّح: "كفانا يا خليفة حاكم الأرض، أنت تخزين نفسك لا غير."

تنهّد خليفة حاكم الجوّ وقال: "لننطلق، عمليّة الاستئصال بدأت."

خرج الأربعة من الغرفة الغامضة، وفي قاعة كانت بنفس الظلمة، توجّهوا جميعا نحو الباب الذي كان الجزء المضيء خلفه، وفي نفس الوقت ظهر شخص أمامهم بنفس طول قامة خليفة حاكم الريّاح تقريبا، ولمّا رأته لمياء المحبَطة فتحت عينيها على مصراعيهما وهلعت: "أبهم...!"


اقترب أبهم من الأربعة وانحنى قبل ينقل التقرير الذي يفترض أن يبلغه:" يا أيّها الزعماء الشرفاء، أتيت لأخبركم أنّ سيّدي باسل ينتظركم بحاجز الشجرة العظيمة الخارجيّ."

أصبحت تعبيرات الأربعة قبيحة فاقترب خليفة حاكم المياه من أبهم وحمله من عنقه بيده الضخمة تلك، فشدّ عليه حتّى جعل تنفّسه ضيّقا وآلمه كثيرا كونه كاد يكسر رقبته، فقال في تلك الوضعيّة: "أتمزح معي يا هذا؟ لا حدود لوقاحة هذا الشقيّ."

"انتظر من فضلك..." تدخّلت لمياء: "لا بدّ وأنّ له سببا وجيها لذلك، لم لا نستمع لأبهم أوّلا..."

صرخ خليفة حاكم المياه: "يكفي. لا تخبريني بمثل هذه الأمور الآن، فأنا لا آبه. ستتبعيننا الآن لتنفيذ حكمنا، أم تبقين في الخلف؟ هذا ما يهمّ." قالها فرمى أبهم بعد ذلك إلى الجانب كقطعة قمامة.

هرعت لمياء إلى أبهم فمدّت يدها نحوه محاولة مساعدته على الوقوف، لكنّها تراجعت عن ذلك في النهاية واستقامت متمتمة له: "متأسّفة يا أبهم!"

كان الثلاثة الآخرين قد تحرّكوا مسبقا، فلحقتهم لمياء بسرعة. لقد قرّرت ولم يعد هناك مجال للتراجع.

***

كان باسل في ذلك الوقت يجلس متربّعا أمام بحيرة شاسعة تخلّلتها غصون هائلة الحجم، ولمّا فتح عينيه ورفع رأسه ليلمح الشجرة العظيمة أمامه وجد علوّها شاهقا وقمّتها لا ترى.

كان جذعها عريضا كعرض بلدة صغيرة، وبالرغم من أنّها بدت عتيقة للغاية إلّا أنّ حيويّتها الوفيرة جعلت الحياة حولها غنيّة، فكانت تلك البحيرة تشعّ زرقة وتتلألأ، كما زخرت كلّ الأرض المحيطة بها على مدى عشرات أميال بخضرة مزيّنة بألوان زاهية تمثّلت في شكل أزهار وورود سحريّة.


لقد كانت الشجرة العظيمة والمنطقة المحيطة بها كنزا مثلها مثل بحيرة العالم المباركة المحاصرة بلا شكّ، حتّى أنّها شابهتها نوعا ما كونها محاطة بالجبال من جميع الجهات، وكلّ ما كان وراء تلك الجبال كان مناطق محظورة بأميال عدّة قبل أن يصل المرء إلى المناطق السكنيّة.

كان موقع هذه الشجرة يتمركز وكر القبائل في الواقع، أو بالأحرى، لقد كانت هذه الشجرة العظيمة هي نفسها الوكر الحقيقيّ الذي سُمِّي عليه هذا المكان. قيل أنّ وحشا أسطوريّا قد جعلها وكرا له لسنين عديدة حتّى ورثت الكثير من خواصّه وقوّته العظيمة، لكن لا أحد شهد ذلك في الواقع، واقتصر الأمر فقط على بعض قدرات أظهرتها طوال الوقت كتخدير من يقترب منها بسكينتها، وابتعاد قمّتها أكثر فأكثر عن كلّ من يحاول الاقتراب منها، إضافة إلى المظاهر الخياليّة التي تجعل المتسلّق يخال نفسه في عالم آخر.

كانت هناك قدرة أخرى أيضا، والتي جعلتها تحمي نفسها بدرع سحريّ لا يعلم أحد عن ماهيته، لكنّه كان يشبه نوعا ما حاجز الحماية السماويّة الخاصّ بالمناطق المحظورة، لكنّه كان مختلفا في نفس الوقت بكون عدم سماحه للأشخاص أقلّ من المستوى السابع بدخوله، وأبعد الوحوش السحريّة تماما، وفوق ذلك ميّز الوحوش النائمة عن الأجانب فلم يسمح لأحد بالمرور إلّا وكان وحشا نائما في الواقع.

وبالرغم من هذا كلّه، إلّا أنّه كان محرّما على الأجانب الاقتراب منه او محاولة عبوره، فقلّة مختارة فقط من أعضاء القبائل من يسمح لهم بمحاولة عبوره والانتفاع ممّا يقع بعده.

كان فعل باسل هذا وقحا تجاه القبائل وتحدٍّ لأسسهم وقوانينهم، وبالطبع لم يكن هناك ردّ فعل طبيعيّ منهم سوى أن يغضبوا منه لدرجة كبيرة.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يحوم حول ذلك الحاجز، لكنّه عجز عن عبوره مهما حاول، فانزعج بسبب ذلك كثيرا كونه يرى أمامه تلك الأرض المثيرة للاهتمام، وتلك الشجرة العظيمة التي تحمل أسرارا عالمية حتّى. لقد كان مغتاظا في هذه اللحظات وقال بعبوس لباسل: "أنت، أفهم أنّه لابدّ من وجود مثل تلك الطاقة التي تسري في عروقك، ولكن ألا توجد طريقة أخرى للدخول؟"

ظلّ باسل محدّقا إلى الشجرة العظيمة باهتمام، وأجاب: "بلى هناك، لكنّك لا تقدر عليها في مستواك هذا."

وفي الواقع، كان باسل سيحاول تجريب تلك الطريقة لو لم يخرج بنتيجة مع الموقّر باالأعماق، فلابدّ له من الحصول على ذلك الشيء من الأساطير حتّى يستطيع الاستعداد جيّدا لتحوّل العالم الواهن إلى عالم روحيّ. ارتاح نوعا ما كونه لن يتجرّأ على مقاتلة القبائل بشكل مباشر من أجل حماية عالمه أجمع.


عبس العالم المجنون بينما يحاول اكتشاف طريقة حصول باسل على مثل الميزة، لكنّه لم يعلم فاضطرّ إلى السؤال: "أخبرني كيف حصلت على هذه الميزة؟" كان يريد الحصول عليها أيضا.

ابتسم باسل متكلّفا ورفع يديه فأجاب: "أوه، هل تخبرني أنّ السيّد نابغة لا يعرف هذا الشيء حتّى؟ لا بأس، إن أردتني أن أنيرك لهذه الدرجة فلا خيار آخر."

"لا..." صرخ العالم المجنون فجأة: "لا حاجة لذلك."

كان باسل يعلم كيف يتعامل مع شخص كالعالم المجنون. فلو رفض إجابته ببساطة لم يكن العالم المجنون ليستسلم بسهولة، فيكون مزعجا اكثر فقط، وبدل ذلك استفزّه وشكّك في عبقريّته، فجعله بذلك يقبل تحدّيّا رغما عنه بكشف ذلك الأمر بنفسه، فوفّر باسل عن نفسه العناء؛ لم يكن هناك طريقة ليشرح بها باسل مثل هذا الأمر لشخص آخر؛ لقد كان شيئا لا يجب على أيّ أحد أن يعلمه.

جلس باسل يتأمّل في عظمة الشجرة لوقت، وفجأة أتاه اتّصال جعله يعبس غير راضٍ بما سمع، فأجاب: (بوركت يا أبهم، يمكنك الاطمئنان فقط.)

ولم تمرّ مدّة طويلة حتّى سمع ضوضاء عالية الصوت آتية من خلف الجبال، فوقف وحدّق إلى الاتّجاه التي كانت آتية منه، إلّا انّ الضوضاء بدت تأتي من جميع الجهات كلّما اقتربت أكثر، وعندما توقّفت أخيرا فُهِم سبب ذلك.

نظر العالم المجنون إلى الجبال حوله فكانت مليئة بأعداد هائلة من الوحوش النائمة، فبلغ عددهم حوالي المائة ألف، وكلّهم كانوا سحرة فوق المستوى السادس على الأقلّ. كان ذلك منظرا مهولا ومهما كانت النفس شجاعة سترضخ للموقف وتجبن.

حملق كلّ واحد من تلك الوحوش النائمة إلى باسل بعيون مملوءة بالغيظ والاشمئزاز كما لو كانوا يرون عدوّهم الطبيعيّ، كما لو كان باسل هو الجزّار الذي ذبح أفراد عائلاتهم ومزّق بيوتهم واغتصب أراضيهم وحقوقهم. لقد كانت نظراتهم تلك مليئة بالعزيمة الكافية لقتل أيّ احد يعترض طريقهم في استئصال هذا السم الذي يغزوهم.

تنهّد باسل في هذه الأثناء ورفع يديه ثمّ قال: "يا لمياء، ظننتك جدرى من ذلك، لكن أظنّني طلبت ما يفوق قدراتك. لا قلق، أنا ماهر في الإقناع." ابتسم عندئذ وحدّق إلى خلفاء حكّام الطبيعة كما لو كان يقصدهم بجملته الأخيرة.

اسودّ وجه خليفة حاكم المياه واستشاط غضبا قبل أن يشير إلى باسل صارخا: [أنت وباء يحاول غزو وكرنا، أنت علّة تحاول الاستيلاء على كنزنا، أنت عدوّ لوحشنا النائم. لن نسمح لك بالبقاء على قيد الحياة أبدا، وطبقا لقانوننا الأسمى نقسم ألّا تحيا يوما آخر!]

[وااااه]

تابعت الحشود ذلك بصياح عظيم رعَد المكان.

هزّ باسل رأسه غير راضٍ ثمّ قال بعبوس: "أتظنّونكم تكسبون حسن وحشكم النائم بفعلكم هذا؟ لقد كنتُ أحفظ ماء وجوهكم بعدم قضاء غرضي دون إخباركم، لكنّكم واجهتم حسن نيّتي بسوء، فـبِئس فخركم هذا الذي يحرمكم من مبادلة حسن النيّة. تعالوا، سأدقّ رؤوسكم الخرِفة اليوم فتدركون عندئذ مدى قساوتها، وكم هي في حاجة ماسّة إلى بعض من الليونة."

"حسن النيّة؟" قال خليفة حاكم المياه ساخرا: "أتعدّ تهديد سلامة شجرتنا العظيمة حسن نيّة؟ هذا فقط كافٍ لقتلك، فما بالك بادّعائك حسن النيّة في وجوهنا؟ أتظنّك تستطيع خداعنا بهذه الكلمات اللّيّنة؟ قل ما شئت، فموتك غاد مقرّرا في اللحظة التي اقتربت منها من حاجز شجرتنا الأمّ؛ ذلك خير برهان!"

"برهان؟" هزّ باسل رأسه مرّة أخرى مستاءً: "أنتم فقط لا تستطيعون ترك السرّ ينكشف وتريدون حجّة ما لتجعلوا هؤلاء الناس كلّهم مقتنعين تماما بقتلي، فيمنحون كامل جهدهم في محاولتهم تحقيق ذلك، ومن خلال ما يبدو لي، يبدو أنّكم نجحتم حقّا."

حملق باسل إلى لمياء وقال بجدّيّة: "ستعذرينني يا لمياء، لكنّني حقّا أحتاج إلى طقطقة رؤوسهم حتّى يفهموا؛ فكما يوجد من يستوعب الشيء بالكلام فقط، هناك أيضا من يحتاج للضرب قبل أن يعقل، أمّا بالنسبة لأولئك من لا ينفع معهم هذا ولا ذاك، فمصيرهم واضح."

امتدّت نيّة قتل باسل بعد ذلك، متخلّلةً المحيط بأكمله غامرةً بذلك الحشد كلّه، فشعر عندئذ كلّ واحد منهم مرّة واحدة بالقهر من هيبة تلك النيّة فقط، ولمّا أطلق باسل هالته نحوهم زاد الطين بلّة فارتعدوا وهابوه أكثر فأكثر في كلّ ثانية تمرّ. لقد كانت نيّته وهالته في مستوى آخر عمّا توقّعوا.

شحبت لمياء من تينك النيّة والهالة: "ما الذي يحصل هنا؟ هل هذه نيّة قتل آتية من شابّ في مثل عمره؟ هل هذه هالة شخص في مستويات الرّبط؟ ما الذي يحدث بهذا العالم بالضبط؟"

شارك الباقون أفكار لمياء كما شاركوها نفس الشعور، ومع ذلك كان يحتاج الأمر أكثر من هذا حتّى تتزعزع ثقة الوحوش النائمة؛ فبالرغم من هذا الضغط المهول إلّا أنّ كلّ واحد منهم كان واثقا، كان واثقا في الشخص الذي بجانبه والذي بجانب من بجانبه. كانت تلك الثقة صامدة في كلّ المواقف، وبتجمّعهم معا لم يصمد أمامهم أيّ جبل فما بالك بمجرّد باسل؟

رفع خليفة حاكم الجوّ صوته الحادّ الأخنّ: "يا تشكيل هيبة السماء، تحرُّك!"


تابعه خليفة حاكم الريّاح: "يا تشكيل دوّامة الهلاك، تحرُّك!"

واصل خليفة حاكم المياه بغضب: "يا تشكيل طغيان الطوفان، تحرُّك!"

أكملت لمياء بعدما تردّدت للحظة: "يا تشكيل أولاد الأرض، تحرّك!"

كانت هذه هي التشكيلات الأربع الأساسيّة التي كانت في الأصل خمسة بوجود قبيلة حاكم النيران، وعندما تحرّكت هذه التشكيلات تبعتها جميع التشكيلات الأخرى التي لديها نفس خواصّ سحرها وكوّنوا بذلك أربع تشكيلات عظيمة.

امتلأت السماء بعدد كبير من الوحوش النائمة الطائرة، وكلّ واحد منهم تحوّل عبر سحر التحوّل إلى طائر من نوع ما، فهناك من صار يملك خواصّ تشبه تلك الخاصّة بالنسر إلّا أنّها كانت أكثر وحشيّة، وهناك من ملك خواصّ طير أبابيل، وهناك من اختلطت خواصّه بتلك الخاصّة بالحيوانات البرّيّة.

أمّا عن قائدهم خليفة حاكم الجوّ، فقد كان تحوّله بارزا بينهم كلّهم إذا صار نصفه السفليّ كالخاصّ بالأسد، وأصبحت ذراعاه كتينك اللتين يملكهما الصقر، وكانت ملامح وجهه هي نفسها تقريبا إلّا أنّ حدّتها زادت فغدت عيناه اللتان تشبهان عينيْ الصقرِ عينيْ صقرٍ فعليّا. حلّق في السماء بجناحيه الواسعين، فبدا كحاكم جوّ لا يمكن مقارعته.

لقد كان ذلك تحوّلا بخواصّ الفتخاء الذي كان وحشا مشهورا في العالم الواهن كونه يُعَدّ وحشا خارقا، وكان ذلك خير دليل على قوّة نسل حاكم الجوّ. ابتسم باسل من هذا الأمر وفكّر في بعض الأمور قبل أن يتمتم: "أريد حقّا أن أرى إلى أين سيصل بعدما يستحوذ على روح وحش الفتخاء، لكنّ مدى تطوّره سيكون معتمدا على كم من مرّة يتأصّل فيها."

كان الوحوش السحريّة تخترق إلى المستويات الروحيّة بطريقتها الخاصّة؛ فعندما تبلغ المستوى الرابع عشر تستهلك طاقة الوحوش السحريّة الأخرى عن طريق قتلها أو إخضاعها، وتأكل أحجارها الأصليّة حتّى تقوّي من خاصتها.

يقال أنّه في المستوى الرابع عشر يصبح للوحوش السحريّة نوعا من الحكمة التي تجعلها تريد مزيدا منها، وكلّما استهلكت وحوشا سحريّة أخرى كلّما زادت تلك الحكمة، كما لو أنّها تأخذ حكمة تلك الوحوش السحريّة.

ما أن تصل هذه الوحوش السحريّة إلى مستوى معيّن من الحكمة، تفهم وتدرك جذورها فتتأصّل، وعندئذ تدخل إلى المستويات الروحيّة. وبالطبع كانت هناك اختلافات كثيرة في عمليّة التأصّل تلك، فهناك وحوش سحريّة تنجح وأخرى تُلتَهم من أصلها، كما كانت بعض الوحوش السحريّة التي اكتسبت حكمة عظيمة قادرة على التأصّل لعدّة مرّات في عمليّة اختراقها. كانت تلك الوحوش مرعبة كثيرا وقليل من تجرّأ على الاقتراب منها.


وفي العوالم الروحيّة كان وحش الفتخاء مخلوقا نادرا مثلما كان في العالم الواهن، ومع ذلك قليل من تجرّأ على الاستحواذ على روحه، لكن السبب هذه المرّة لم يكن فقط لصعوبة ذلك، وإنّما لصعوبة تأصيل روح الساحر الروحيّ بعدما يندمج معها.

كان الساحر الروحيّ يؤصّل روحه أيضا بعدما يندمج مع روح الوحش المستحوذ عليها، وكانت هناك درجات واختلافات بذلك أيضا، وأيّ ساحر روحيّ مستحوذ على روح الفتخاء كان عبقريّا لا محالة ورُغِب به من العديد من الممالك والإمبراطوريّات.

كان هذا هو السبب في قول باسل قوله ذاك سابقا.

أمّا عن تشكيل دوّامة الهلاك، فقد شكّلوا نجمة خماسيّة كان مركزها قائدهم، خليفة حاكم الريّاح، والذي تحوّل إلى مخلوق يشبه السحليّة إلّا أنّه كان يقف على رجلين مثل الشخص، وكانت بشرته الخضراء تعكس الضوء كونها قشرة صلبة كتلك الخاصة بالياقوت، وحافظ وجهه على القليل من ملامحه بينما تغيّر لون عينيه للأصفر المتوهّج بينما أمسى شكل رأسه حادّا.

هزّ باسل رأسه وصرّح: "مثير للاهتمام امتلاكك تحوّلٍ كذاك بالرغم من أنّ السحليّة التنّينيّة غير موجودة في عالمنا الواهن. إنّ أباكم الروحيّ قد أوجد عرقا جديدا حقّا."

كان ما أرعب الناس بشأن الوحوش النائمة هو كونهم يولدون بإمكانيّة تحوّلهم بدل أن يحصلوا عليها في قتال ضدّ وحش ما، وتوجّب فقط أن يصيروا سحرة قبل أن يستطيعوا التحوّل، وبالطبع لم يكن ذلك صعبا على القبائل التي عُرِف أعضاؤها كلّهم كسحرة تحوّل.

أتى دور حاكم المياه، فانشقّت الأرض أسفله، فانطلق عامود مائيّ حاملا إيّاه بالسماء، مظهرا هيبته التي تمثّلت في شكل مختلف كلّيّا عن أيّ وحش سحريّ بحريّ في العالم الواهن أو يملك سحر الماء على الأقلّ. لقد كان ذلك تحوّلا إلى وحش يبدو من خلال شكله ذي أصل عتيق وإمكانيّات غير محدودة.

ظهرت زعنفة على ظهره وامتدّت على طوله حتّى اتّصلت بذيله، أمّا رِجلاه فقد أصبحتا ضخمتين كما حدث لباقي جسده، وصار وجهه أسودا ومرّت عبره أشرطة بيضاء كانت فيها نقوش ما مشكّلةً بذلك نمطا معيّنا بدا ككتابة عتيقة لا أحد يعلم عن مصدرها.


فكّر باسل: "يا أيّها الموقّر، أنت حقّا كنت تزعم أن تجعل هذه القبائل أساسك المستقبليّ؛ حتّى أنّك وهبت حاكم المياه مثل هذا الوحش المرعب. فحتّى لو كان مجرّد نسخة لا يمكن مقارنتها مع الأصل، إلّا أنّه في يوم من الأيّام سيقترب كثيرا من الأصل."

أكمل تفكيره أكثر: "لكن ما يثير الاهتمام أكثر هو حصولك على كلّ هذه الخواصّ من تلك الوحوش الأسطوريّة، فما لم تكن ملمّا تماما بتشكيل أرواحها وجيناتها لما استطعت تحقيق هذا."

ابتسم باسل بعد ذلك وصرّح بينما يحملق إلى حاكم المياه: "يبدو أنّك تملك موهبة جيّدة حتّى لو كان رأسك حجرة، نظرا لكونك ورثت تحوّلَ نسخة من اللوياثان* حتّى ووضعت عليه سيطرتك."

(لوياثان 'أو ليفاياتان' هو وحش بحريّ أسطوريّ. ابحثوا عنه في غوغل لمزيد من المعلومات.)

كانت نظرات حاكم المياه تغدو أكثر جدّيّة في كلّ مرّة يصرّح فيها باسل بشيء عن تحوّلاتهم وأسرارهم التي قليل من يعلمها، فزادت رغبته في إبادة هذا الفتى الخطر عليهم أكثر فأكثر مع مرور كلّ لحظة.

وأخيرا، عضّت لمياء شفتها السفلى وحدّقت إلى الأرض أسفلها غير قادرة على مواجهة نظرات باسل التي بدت كأنّها تنتظر قرارها، وتأسّفت في قلبها لما آلت إليه الأمور، ولكن لم يعد هناك رجعة في هذا، فكلّ شخص يجب أن يتّخذ قرارات صعبة في حياته، لذا شحنت وشحذت طاقتها السحريّة فصارت التربة أسفل قدميها سوداء مظلمة فجأة.

تحوّلت عيناها أوّلا فصارتا أكثر ظلمة وسوادا بعدما كانتا حمراوين، وظلّت حمرتهما السابقة في حدقتيْ العينين فقط كنجمين أحمرين يقبعان بفضاء حالك. اهتزّ حولها الهواء وانبعث من جسدها دخّانا أسود، وملأت قشور بنيّة أطرافها الأربع، وعندما لمعت هذه القشور بأشعّة الشمس كانت تبدو كأحجار كريمة تزيّن جسدها ذا القوام المثاليّ.

طال شعرها الأسود أكثر وبلغ قدميها، وعندما ركّز الناس أنظارهم عليه وجدوه يهتزّ وكلّ شيء يلمسه يصبح غبارا أسود.

ابتسم باسل وحدّق إلى وجهها الحادّ، والذي صار أكثر جاذبيّة عن قبل نظرا إلى اللمعان الذي غطّى بشرتها السمراء فزوّدها بجمال أخّاذ. لم يسعه سوى أن يمدح: "جميل! حتّى لو كان مجرّد نسخة، يبقى تحوّلَ تنين أرضيّ."


بسط باسل ذراعيه وتحسّس كلّ ذرّة حوله كما لو كان يستشعر الحياة الموجودة هنا ويستمتع بها، وفجأة انبعث منه ضوء انطلق في جميع النواحي وأنار محيطا شاسعا فمرّت هالة ذلك الضوء عبر جسد كلّ واحد من الوحوش النائمة.

كان إحساسهم هذه المرّة مختلفا تماما عن المرّة التي ألقى فيها نيّة قتله، فشعروا بالحنين ودقّت قلوبهم بسرعة كأطفال يحنّون إلى أبيهم الغائب، ويتشوّقون إلى حضنه الواسع وصدره الرحب. كان ذلك شعورا غريبا جدّا ولم يعلموا ما الذي يحدث معهم.

فزع الحكّام الأربعة: "هذا...!"

لم يفهم أحدهم ما يحدث حقّا، لكنّ الشيء الوحيد الأكيد كانوا هم الوحيدون المتيقّنون منه. لقد كانوا الحكّام لذا كانت صلتهم بشجرتهم العظيمة كبيرة، وسبق لهم أن انتعشوا بظلالها وناموا بأغصانها وجابوا عالمها الخياليّ، فعلموا تماما أنّ هذا الضوء وتلك الهالة اللذين ينبعثان من جسد باسل يُشعِرانهم بنفس تلك الأحاسيس.

فقد حاكم المياه رشده فصرخ: "يا لعين، ما الذي فعلته حقّا بشجرتنا العظيمة؟ كيف لك... أنت، أجنبي، أن تملك مثل هذه الهالة وهذه الطاقة. هذا مستحيل... إنّك عفريت."

حملق إليه الثلاثة الآخرين فقط دون أن ينبسوا ببنت شفة، فما يحدث للتّوّ أمامهم يكسر جميع معتقداتهم وقوانينهم التي بنوا عليها أساسهم طيلة السنوات المديدة التي مرّة.

"لعين؟ عفريت؟" تساءل باسل ساخرا ثم أكمل: "هوهوهو، لربّما معك حقّ في ذلك، وخصوصا في أولاهما، ولكن مع ذلك، فإنّ الحقيقة التي تشهدونها بأعينكم تلك فعلا حقيقة لا يمكن نكرانها، ولو فعلتم ذلك سيكون الأمر بالنسبة إليكم كنكران أصلكم، وعصيان رغبة أبيكم الروحي، رغبة وحشكم النائم."

استشاط حاكم المياه غضبا من فلسفة باسل، ولم يعد قادرا على الصبر أكثر، فتجاهل كلّ ما يقوله باسل وأمر تشكيله بالاستعداد. وبالطبع فهم الحكّام الثلاثة سبب فعله مثل هذا الأمر؛ فلو لم يسرعوا في إنهاء هذا الفتى، من يعلم ما إذا كان قادرا على التأثير بوحوشهم النائمة.


تحدّث حاكم الجوّ من السماء بصوته الحادّ: "سنشرّح جسدك ونتعمّق في بحر روحك حتّى نعلم عمّا تخفيه، أمّا الآن، فيجب رضخك مهما يكن."

لم يقل حاكم الريّاح وحاكمة الأرض شيئا، وكلّ ما فعلاه هو الإشارة إلى تشكيليهما بالاستعداد بشكل أفضل للهجوم في أيّ لحظة.

[دوّامة الهلاك!] [هيبة السماء!] [طغيان الطوفان!] [أولاد الأرض!]

صرخ الحكّام الأربعة بصياح لبدء المعركة: "يا تشكيل الطبيعة الأمّ، اعصف بأجوائك، غلّف بجوّك، أغرق ببحرك، اسحق ببرّك، احرق بألهبتك."

انطلقت القوّات جميعها في آن واحد بعدما صرخ الحكّام بصياح بداية المعركة، فكان المشهد أمام باسل مروعا للقلب، ولم يكن هناك أيّ باسلٍ قادر على الصمود أمام نيّات القتل المتوحّدة تلك فما بالك بمواجهة أصحابها جميعا مرّة واحدة.

ابتسم العالم المجنون نصف ابتسامة من بعيد ثمّ حدّق إلى باسل: "اتركني خارج هذا الأمر من فضلك، لكنّني سأحرص على رؤية ما الذي ستفعله بتلك الطاقة الغريبة التي تجري في عروقك. نعم، شيء ما تغيّر بك أو أضيف إليك على الأقلّ بعدما عدت بعد ثلاثة أيّام، وله علاقة بذلك الضوء سابقا. يجب أن أعلم عن هاته الأشياء مهما حصل، بما أنّ هذه أعضاء القبائل يشبهونني نوعا ما."

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين قد استغلّ الفرصة عندما بعث باسل ذلك الضوء وابتعد عن ساحة المعركة، وبالطبع لاحظ باسل ذلك لكنّه لم يهتمّ، فهو يعلم تماما أنّ العالم المجنون لا يحبّ القتال، ولا يطمح للقوّة وإنّما المعرفة.

فكّر باسل لنفسه في شيء ما وابتسم متكلّفا قبل أن يصرّح: "حسنا، فلنطرق بعض الرؤوس العنيدة، فمن اليوم فصاعدا، أنا وليّ أمركم!"

***
اهتزّت الأرض بتحرّك مائة وحش نائم، فزُعزعت الجبال وفزعت جميع المخلوقات المجاورة، حتّى أنّ العديد من الوحوش السحريّة في المناطق المحظورة المجاورة هرعت إلى وكورها خوفا من نيّات القتل والهالات المرعبة اللّتين أثبطتا أيّ عزيمة.

تحرّكت الريّاح العاصفة، وثقُل التنفّس، وانقلبت الأرض، ثمّ هاجت المياه من أعماقها، فبدا الأمر كما لو أنّ الطبيعة الأمّ قد ثارت وجلبت معها كوارثها لتسقط على داء يقتلها.

تساقطت نجوم بألوان متنوّعة من السماء، وكانت حقيقتها هجمات سحريّة من تلك الوحوش النائمة المجنّحة التي تحكم السماء وتتلاعب بالجوّ، فصاحب النجوم برقا ورعدا جعل المناطق المجاورة تحترق وتتصدّع أراضيها.

هبّت في الآن ذاته أعاصير وعواصف مزّقت كلّ مخلوق ولم تترك شيئا سوى الغبار، حتّى أنّ الجبل أمامها صار رملا متناثرا في الجوّ بسرعة خياليّة.

انشقّت الأرض فسقط باسل في قاعها، فتساقطت تلك النجوم كلّها عليه مرّة واحدة بعدما ركبت تلك الأعاصير والعواصف، فأُغلِقت عليه الأرض بباطنها وسحقته بوزنها العظيم، والذي كان بإمكانه جعل حتّى ساحر بالمستوى الرابع عشر يتذوّق ألما مروعا، فما بالك لمّا أضِيف لها تلك النجوم راكبة الريّاح القاتلة؟

اهتزّت تلك الأرض وانفجرت بأعماقها، فتزلزلت المناطق المحيطة لوقت طويل، وفجأة............ يتبع!!!!!!!!


(الجزء التاسع)

وفجأة ظهرت فجوة في باطن الأرض. كانت هذه الفجوة شاسعة ولم يبدُ كأنّها انفجرت نتيجة لنيران، فلم يكن هناك دليل على حدوث احتراق حتّى.

ولكن باسل كان يعلم تماما، ما حدث له؛ لقد كانت تلك قوّة مائيّة مركّزة آلاف المرّات استُخدِمت من طرف سحرة التحوّل المختصّين في المياه فجعلوها تولّد قوّة الانفجار الساحق ذاك، وطبعا كانت قوّتها مضافة إلى النجوم راكبة الريّاح.

كلّ ذلك كان قاتلا ولم يكن هناك ساحر طبيعيّ يمكنه الوقوف بعد تلقّيه تلك الهجمات. ولكن الأمر لم يتوقّف عند ذلك الحدّ، فبعدما تساقط السطح ذابت الأرض فجأة بحرارة غير طبيعيّة، وبضعها تحوّل لغبار أسود يحوّل أيّ شيء يلامسه إلى ذرّات، وبعض آخر صار وحْلا يمكنه التهام أيّ شيء ما أن يمسّه.

كان ذلك هجوما شنيعا للغاية من الوحوش النائمة ولم يدخّروا شيئا من قوّتهم المتّحدة، فدمّروا المنطقة التي تحيطها الجبال من كلّ جهة كلّيّا، إلّا شيء واحد لم يكونوا ليدمّروه حتّى لو رغبوا في ذلك، ألا وهو الحاجز وما يقبع بعده.


لقد كان ذلك الحاجز غير متضرّر إطلاقا كما لو أنّ شيئا لم يحدث بالرغم من أنّ كلّ تلك الهجمات حدثت بمحاذاته، فعلّق العالم المجنون على ذلك: "فقط ما الأساس والمصفوفة التي بُني عليهما ذلك الحاجز؟ حتّى أنا لا يمكنني الرؤية عبر أسراره."

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين مهتمّا بذلك الحاجز أكثر ممّا يحدث مع باسل، بالأحرى، بدا يعلم ما نتيجة تلك الهجمات بالفعل لذا لم يكن مهتمّا.

ابتسم حاكم المياه نصف ابتسامة راضيا عن هجوم تشكيل الطبيعة الامّ الذي أجروه قبل قليل، وتنهّد براحة لمّا رأى مدى الضرر الذي أحدثوه حتّى بدون تشكيل لهب العذاب الذي قاده حاكم النيران.

شعر حاكم الجوّ وحاكم الريّاح بنفس الإحساس، لكنّ لمياء كانت تحسّ بمرارة في حلقها ولم تقدر على بلع لعابها بسهولة، وأحسّت بثقل على صدرها؛ كان ذلك الإحساس هو الندم؛ ندمها على عجزها الذي أدّى إلى هذا الحدث.

انقشع الغبار الأسود مع الغبار الطبيعيّ أخيرا، وتحجّر الوحل من جديد فعاد إلى أصله مع الأرض، وهدأت الأمور فعمّ سكون موحش. بالرغم من كلّ هجماتهم إلّا أنّ كلّ واحد منهم لم يستطع الشعور بانتهاء هذه المعركة ضدّ ذلك الشابّ.

وكما لو أنّه استجاب إلى حدسهم ذاك، ظهر باسل واقفا في المكان الذي يُفترض أن يكون ساقطا فيه على الأقل إن لم يمت، فاتّسعت حدقات أعين الوحوش النائمة في آن واحد كما لو أنّهم رأوا الموت، ومرّة أخرى دون أيّ اتّفاق مسبق، تراجعوا عدّة خطوات إلى الوراء لمّا تأكّدوا من عافيته الكلّيّة كما لو أنّه لم يتعرّض لأيٍّ من هجماتهم تلك.

كم كان ذلك مرعبا يا ترى؟ لقد كان ذلك هجوم تشكيل الطبيعة الامّ الذي افتخروا به لأجيال وعندما نفّذوا هجماته على أهدافهم تحتّم عليها الموت، لكنّ هذا الشابّ لم يتأذّى حتّى فما بالك بالموت؟ لقد كان ذلك صادما وقاتلا لفخرهم لا جارحا له فقط.

شحُب وجه حاكم المياه، فقد كان يعلم خطورة الأمر تماما، فتمتم: "كـ-كيف لك...؟"

ابتسم باسل ولم يرد عليه تاركا إيّاه مشوّشا، فبدأ الخوف يتخلّل قلوب الوحوش النائمة هذه المرّة بلا شكّ، بالرغم من أنّ باسل لم يستخدم هالته الشرسة ولا نيّة قتله المفزعة، والتي قد أصبحت في الواقع في مستوى آخر بعدما ورث إرادة معلّمه وخبراته وحكمته السياديّة.

حملق حاكم الجوّ إلى باسل من بعيد غير واثق ممّا يرى، لكنّه استعاد رباط جأشه بسرعة كبيرة وصرخ: "يا حاكم المياه، أنّى له النجاة شيء لا يهمّ حاليا، ولكن ما يهمّ حقّا هو أنّه لن يستطيع أن ينجو بحياته لو تساقطت عليه تلك الهجمات واحدة تلو الأخرى، فلا بشر يملك قدرا غير محدود من الطاقة السحريّة أو طاقة التحمّل.

ابتسم باسل كما لو أنّه يخبره أنّه مخطئ في كلامه، أو على الأقلّ في جزء الطاقة السحريّة، أمّا في جزء طاقة التحمّل الجسديّة فربّما معه حقّ.


كانت ابتسامة باسل الواثقة تلك تجعلهم لا يدركون ما يخبِّئه، وتجبرهم على التفكير في أكثر شيء لا يريدون حتّى تخيّله، وهو كم عدد المرّات التي يمكنه الصمود فيها، وهل شخص يمكنه الصمود ضدّ هجماتهم تلك سيقف بلا تحرّك حقّا؟ أليس من الطبيعيّ أن يباشر عمله في إنقاص عدد خصومه؟ كلّ تلك الأفكار جعلتهم يخافون من إمكانيّة موتهم.

تحرّك تشكيل الطبيعة الأمّ مرّة ثانية وكرّر نفس الهجوم الشامل بقوّة أكبر، فهابت الوحوش السحريّة المجاورة هالاتهم وطاقاتهم فارتجفت أجسادها ولبثت في أوكارها لمدّة طويلة، مقرِّرَة عدم الخروج منها حتّى يعلموا أنّه ما ينتظرهم خارجها ليس الموت.

أصبحت المنطقة المحاطة بالجبال مدمّرة كلّيّا؛ فبعد الهجوم الشامل الثاني، أتى الثالث والرابع... حتّى وصلوا إلى الهجوم السابع بتتابع دون ترك أيّ فرصة لباسل للتحرّك؛ كما لو كانوا يخافون من تحرّكه ذاك.

"همف، لا يمكن أن يكون حيّا بعد كلّ هذا" قالها حاكم الجوّ كما لو كان يحاول إقناع نفسه بذلك.

ولكن، كما لو صُفِع وجهُه، ظهر باسل بين الركام بخير، بصحّة وعافية.

لم يستطِع أغلبهم تحمّل هذا الأمر وتوقّفت عقولهم عن العمل للحظات، وأصابهم الجنون، فحقّا ما رأوا بأعينهم سابقا كان حقيقة ولم يكن وهما كما أوهموا أنفسهم.

"هاهاهيهيهيهاهاها!" ضحك أحدهم بشكل هيستيريّ بينما يحدّق إلى السماء وقال: "نعم، إنّه لا يُهزَم، لا يُقهر. بالطبع هو كذلك، ما الذي كنّا نفكّر فيه أصلا بمواجهتنا لبطل البحر القرمزيّ؟ ما الذي جعلنا نعتقد أنّنا مخوّلون لقتل أقوى رجل في عالمنا؟"

"هه..هاها..هاهاها" تبعه شخص آخر، ثم الثالث حتّى صُنِعت ضوضاء كبيرة بضحك غريب وغير متناسق، ولو رآهم شخص لَـاعتقدهم أناس مجنونين يجب الابتعاد عنهم.

صرخ حاكم الريّاح فجأة: "اخرسوا!"

تردّد صوته في جميع الأنحاء فأعاد لأغلبهم عقولهم التي فرّت للحظات، ثمّ تكلّم صائحا: "ليس هناك فانٍ لا يُقهر، ليس هناك خالد بيننا نحن الزائلون، وكلّ شخص لابدّ له من الموت في وقت معيّن من الزمن."


تردّد صوت تصفيق فجأة في الهدوء الذي تبع كلام حاكم الريّاح، ولمّا تتبّعوا مصدره وجدوه آتيا من يديّ باسل، والذي قال بعد ذلك: "قولا سليما، لا خلود لنا في هذه الحياة على الأقلّ، ولا فانٍ يسود كلّ زمنٍ."

فتح باسل ذراعيه على مصراعيهما ثمّ أكمل: "ولكن، هنا والآن، ضدّكم أنتم، أنا فعلا لا أقهر. يمكنكم المحاولة ليلا نهارا بشتى الطرق، لكنّكم لن تنجحوا في جرحي أبسط جرح حتّى."

"مـ-ما الذي يجعلك واثقا هكذا؟" صرخ حاكم المياه: "لست سوى واحدا ضدّ مائة ألف."

"لم تكونوا لتنجحوا ولو كان هناك مليون منكم." أجاب باسل: "أو لم أخبركم آنفا؟ أنا وليّ أمركم من الآن فصاعدا."

استشاط حاكم المياه غضبا حينما سمع هذا التصريح ووثب تجاه باسل بسرعة كبيرة، بينما يحمل في يده رمحا ثلاثيّ الشعب، ناويا بذل كلّ ما يملك ولو كلّفه الأمر روحه حتّى يتخلّص من العدوّ نهائّيا.

"أيّ وليّ أمر يا لعين؟ تأتي إلى وكرنا العظيم وتكيّد مصائبك الخبيثة، ثمّ تتلاعب بأرضنا وبشجرتنا العظيمة، وتخبرني فوق كلّ ذلك أنّك وليّ أمرنا؟ أيّ هراء هذا أيّها العفريت؟ اليوم سأوقف أفعالك الشريرة هذه حتّى لو وجب عليّ التضحيّة بروحي."

تنهّد باسل وزعزع رأسه قبل أن يقول: "لقد كانت هجمات تشكيلكم غير نافعة ضدّي، ما الذي تعتقد انّه يمكنك فعله لوحدك؟"

لم يجبه حاكم المياه وتقدّم نحوه بسرعة هائلة.

عبس باسل ثمّ لوحّ يده: "حسنا، لا يهمّ، لقد مللت أصلا من محاولة مناقشتك وأنت على هذا الحال. تقدّم، سأبدأ عملي كوليّ أمركم بك."

كان حاكم المياه يتّجه بسرعة كبيرة للغاية، لكنّه كان مرئّيا لباسل بسهولة، وعندما أصبح بينهما عشرة أمتار فقط، اصطدم جسد حاكم المياه بشيء ما وفي نفس الوقت أحس بشيء يقترب من رأسه، وفي اللحظة التاليّة وجد نفسه مغروسا في الأرض وبقي رأسه ظاهرا على سطحها فقط.

طنن


لم يعلم ما حدث حقّا حتّى وجد نفسه قد طُرِق على رأسه كالمسمار، وعندما حاول التفكير لم يستطع بما أنّ رأسه كان متورّما من شدّة الضربة التي تعرّض لها.

كلّ شخص دون استثناء حدّق إلى حاكم المياه بتعجّب عاجزين عن فهم ما يجري. لقد حصل كلّ شيء بسرعة كبيرة وبطريقة غير مفهومة.

حاول حاكم المياه الخروج من الأرض لكنّه عجز عن تحريك إصبع واحد حتّى، وأحسّ كما لو أنّ هناك شيئا ملفوف على جسده يمنعه من الحركة كلّيّا.

صرخ برعب: "يا عفريت، ما هذا الذي فعلته؟ أيّ فنّ شرّير هذا؟"

ضحك باسل: "هوهوهو، فنّ شرّير؟ إنّك حقّا لغبيّ يا رأس الحجرة. ألا يمكنك أن تركّز قليلا وتنسى غضبك لوهلة حتّى تدرك ذلك؟"

"أنت...!" غضب حاكم المياه كثيرا.

كانت الوحوش النائمة متفاجئة، لكنّ الحكّام الثلاثة الآخرين كانوا أكثر اندهاشا، فكيفما شاهدوا ما يجري أمامهم وجدوه غير قابل للتصديق؛ لقد خالف ذلك كلّ شيء بنوا عليه حياتهم.

تنهّد باسل من جديد ثمّ قال: "حسنا، اقتربوا أنتم الثلاثة الباقين، لو فعلتم ذلك فسأعفو عن بقيّة أتباعكم."

حدّق الثلاثة إلى بعضهم بعضا ثمّ التفتوا إلى أتباعهم، فوجدوا كلّ واحد منهم يصنع تعبيرات حاسمة، فتأكّدوا من أنّ توابعهم لم يفكّروا للحظة واحدة في الاتفاق مع طلب باسل، فابتسم ثلاثتهم وقرّروا ما سيفعلونه.

لاحظ حاكم الميّاه تعبيراتهم تلك وصاح: "أنتم الثلاثة، لا تستجيبوا لطلبه غير المعقول هذا وأعدّوا تشكيل الطبيعة الأمّ من جديد."


طنن

دُقَّ رأس حاكم المياه مرّة أخرى فانتفخ التورّم في قمّة رأسه، ثم قال باسل: "أنت اسكت، هذا ليس وقت الأغبياء حتّى يحشروا أنوفهم في ما لا يعنيهم. أنت خارج اللعبة بالفعل، فلا تجعل عقابك أكثر شدّة."

"أيّها..." صرخ حاكم الميّاه بينما تسيل الدماء من رأسه وفمه: "لا تكن مغرورا فقط لأنّـ..."

طننن

قال باسل بعبوس: "لقد قلت اخرس."

حملق حاكم الميّاه إلى الثلاثة هذه المرّة بدل الكلام، فحتّى غبيّ مثله يعلم ما ينتظره إذا تكلّم. ولكن الثلاثة لم يستجيبوا لرغبته وتقدّموا نحو باسل ببطء، حتّى بقي بينهم حوالي مائة متر، وعندئذ تكلّمت لمياء: "لا أعلم كيف لك أن تتحكّم بذلك الشيء، ولكن أرجو ألّا يكون عملا شرّيرا."

لوحّ باسل يده ثم قال: "كفاية، تقدّموا، لقد مللت الانتظار."

تكلّمت لمياء: "هنا شيء واحد فقط، عدنا أنّك لن تؤذي وحوشنا النائمة بأيّ طريقة كما وعدت."

أغمض باسل عينيه من شدّة الملل ثم أجاب: "حسنا، حسنا، هيّا فلنسرع وننهي هذا الأمر."

تحرّك الثلاثة في تناسق، فطار حاكم الجوّ بالسماء واختفت لمياء تحت الأرض، وثقب حاكم الريّاح الهواء متّجها نحو باسل مباشرة. كانوا عازمين على القتال حتّى آخر رمق لهم مهما حصل.

كانت سرعاتهم متساوية، فشقّت لمياء طريقها عبر جعل كلّ شيء أمامها يصير غبارا أسودا. كانت تستخدم إمكانيّةً لعنصر الأرض، وهي التحكّم في خواصّ الأرض كما تشاء؛ بمعنى آخر، تجعل الرمل صخرا، والصخر غبارا، والوحل حصى حتّى.

لكنّها كانت تضيف إلى ذلك ميزة تحوّلها، ميزة التنين الأرضيّ، والذي سمح لها بتغيير جسدها إلى إحدى أشكال الأرض، فتمكّنت من جعل التحرّك عبر الأرض بالاندماج معها، وهكذا كان تتبّعها شبه مستحيل.

أمّا حاكم الجو، فقد استخدم ميزة وحش الفتخاء وتنقّل عبر الجوّ كما يحلو له، بينما يصنع عدّة حواجز مجهّزا شيئا ما.

أمّا حاكم الريّاح فقد اعتمد على قوّته الخالصة والسرعة التي منحتها إمكانيّة الرياح له، وميزة تحوّله التي جعلت من جسده صلبا كالياقوت فعليّا، لكنّه كان أكثر صلابة في الواقع بعدما عُزِّزَ بالطاقة السحريّة.

سقط حاكم الجوّ كشهاب من السماء، بينما يحمل في يده رمحا غير مرئيّ مصنوع من حواجز عديدة، ودعّم نفسه بسحر الرياح، وأتى من الأمام حاكم الرياح مستعملا جسده كرصاصة حيّة، أمّا لمياء فقد ظهرت من الأسفل فجأة بينما تجرّ معها الأرض نفسها وتغيّر منطقة بها بمحض إرادتها حتّى تسجن باسل.

مال سطح الأرض وذاب فبدأ باسل يغرق، فطارت عليه حجارة من أعماق الأرض كانت حمراء، لقد كانت هذه الحجارة في الواقع عبارة عن صخور حرارتها كبيرة للغاية، وكلّ ما جعلها تحافظ على شكلها الحالي كان قدرة لمياء على التحكّم في شكلها.

وجد باسل نفسه محاصرا من جميع الجهات، لكن كلّ ما فعله هو رفع يده وتلويحها.

طنن طنن طنن

سُمِعت ثلاثة دقّات، وكان موقعها هو رؤوس الحكّام الثلاثة، فغُرِسوا في الأرض رغما عنهم وقُيِّدوا تماما كما حدث لحاكم المياه. لم يفهم أحد كيف حدث ذلك، لكنّ الحكّام الثلاثة علموا ما حدث، بقي حاكم المياه الذي فقد عقله بسبب الغضب هو الوحيد العاجز عن فهم سبب تسميره.

"هذا..." تمتم حاكم الجوّ بتعبير مرتعب.

صرّح حاكم الريّاح: "حقّا إنّه هو، إنّه فعلا حاجز شجرتنا العظيمة."

سألت لمياء: "ولكن كيف؟!"

تنهّد باسل قبل أن يجيب: "لا تجعلوني أكرّر كلامي أكثر من مرّة، أنا وليّ أمركم وهذا طبيعيّ أن يحدث."

صرخ حاكم المياه: "مـ-ما الذي تقصده بهذا؟"

"هل يجب عليّ الشرح حقّا؟" زعزع باسل رأسه: "فكِّر في ذلك بنفسك، لربّما تصبح أذكى قليلا."

فكّرت لمياء قبل أن تدرك شيئا: "هـ-هل يمكن... ولكن هذا مستحيل، إنّك أجنبيّ."

"لا مستحيل بهذا العالم، إن لم تستطِع أن تحقّق شيئا فذلك يعني بأنّك أنت فقط لم تستطِع، ولا يعني أنّه مستحيل." أكمل باسل: "نعم، ما فكرتِ به يا لمياء صحيح. يبدو أنّك تستحقّين أن تقودي القبائل."

لم يفهم الثلاثة الآخرون، فالتفتوا إلى لمياء حتّى يتحصّلوا على إجابة، فبلعَتْ ريقها وصرّحت: "إنّك الوريث الشرعيّ، هذا هو التفسير الوحيد."

***

حملق الحكّام الثلاثة في نفس الوقت إلى لمياء بعد تصريحها الغريب بأعين متّسعة، فصرخ حاكم المياه: "ما الذي تقولينه يا حمقاء؟ أيّ وريث شرعيّ؟ هل تقولين أنّ هذا العفريت هو وريثنا الشرعيّ الذي انتظرناه كلّ هذه السنين المديدة؟ كيف لذلك أن يكون ممكنا وهو أجنبيّ في المقام الأوّل؟"

كان حاكم الجوّ وحاكم الريّاح يعلمان عن نوع القدرات التي استخدمها باسل حتّى نجا من هجماتهم تلك بالكامل، ولكنّهما لم يعلما كيف نجح في استخدام تلك القدرات وظنّا أنّه استعمل فنّا شرّيرا ما، لذا عندما قالت لمياء الشيء الوحيد الذي لم يريدا حتّى أن يفكّرا فيه، صدمتهم كلّهم، فازداد غضب حاكم المياه، واستفاق حاكم الجوّ وحاكم الريّاح، فظلّا ساكتين عاجزين عن تقرير الاتّفاق مع لمياء أو مخالفتها الرأي.

لم تجب لمياء حاكم المياه فصرخ في وجهها: "لقد سألتك سؤالا يا هذه، ردّي عليّ!"

طننن

دُقَّ رأس حاكم المياه من جديد وهذه المرّة كانت الضربة قويّة بشكل لا يوصف، وبما أنّه كان مقيّدا تماما وسحره قد خُتِم بسبب القيد على ما يبدو، فلم يكن هناك طريقة حتّى يدافع بها عن نفسه وضُرِب على رأسه حتّى فقد الوعي أخيرا.

تنهّد باسل ثمّ قال: "حسنا، يمكننا التحدّث بهدوء الآن."

حدّق الحكّام الثلاثة المستيقظون إلى باسل، منتظرين إجابته عن تصريح لمياء بفارغ الصبر. كانت لمياء في الواقع تأمل أن يكون كلامها حقيقة، كما لو أنّها قالت ذلك التصريح فقط كأمنية نابعة من قلبها.

ابتسم باسل لمّا رأى تعبيراتها تلك، ثم أجابها باسترخاء: "معك حقّ، أنا وريثكم الشرعيّ!"


بالرغم من أنّهم كانوا مقتنعين في قلوبهم من كونه الوريث الشرعيّ، إلّا أن سماع التأكيد من فمه قد زعزع أرواحهم وأدهش عقولهم.

سارعت لمياء وسألت: "ولكن كيف؟ أنّى لك وأنت أجنبيّ أن تكون وريثنا الشرعيّ؟"

نظر إليها باسل ولم يجب عن السؤال، كما لو كان ينتظر أحدهم أن يكتشف الإجابة بنفسه. وفعلا، صُعِق حاكم الريّاح ثمّ نظر إلى باسل باندهاش، فبلع ريقه بصعوبة وقال: "صحيح أنّه طُلِب منّا الحفاظ على قوانيننا وحماية شجرتنا العظيمة حتّى يأتي موعد ظهور الوريث الشرعيّ، لكنّ الوصايا المأثورة لم تقل شيئا قطّ عن وجوب كون الوريث الشرعيّ واحدا منّا."

حافظ باسل على ابتسامته تلك، وترك النهر يجري لوحده، فمهما المجرى الذي تتّخذه الأمور بعد الآن سيكون غير مهمّ له طالما تقتنع الوحوش النائمة بوراثته الشرعيّة اقتناعا كاملا.

اندهش الحاكمان الآخران، وفكّرا في منطقيّة كلام حاكم الريّاح، فسأل حاكم الجوّ مباشرة: "ولكن كيف؟"

لم يجب باسل، وظلّ مبتسما بهدوء فقط، فوردت فكرة في بال لمياء وأجابت بدلا عنه: "هناك طريقة واحدة ليكون بها الشخص وريثنا الشرعيّ، وهي ضرورة اختياره من طرف أبانا الروحيّ، وحشنا النائم!"

"غير معقول!" صُدِم حاكم الجوّ مثل حاكم الريّاح، ونظر ثلاثتهم إلى باسل بذهول يعتلي وجوههم لمدّة طويلة، فأومأ باسل رأسه ثمّ قال: "يبدو أنّكم تحتاجون لرؤية ذلك بأمّ أعينكم. لكم ذلك."

رفع ذراعيه وفتحهما على مصراعيهما ثمّ تكلّم: "اسمي باسل، وريثُ الحكيمِ السياديِّ، وريثُ الوحشِ النائمِ الشرعيُّ."

ارتفع باسل إلى السماء شيئا فشيئا، ببطء، حتّى بلغ علوّا يصل إلى حوالي مائة متر لتكون له رؤية جيّدة، ثمّ أكمل كلامه: "بالرخصة التي تجري في دمائي، والسلطة التي تقبع في روحي، أنا أفرج عن اسمك الحقيقيّ، فـلي كوني سنْدًا، ولراحتي مهْدًا، أبدًا، أبدًا، يا حياة!"

تزلزلت الأرض، وتحرّك فجأة الحاجز الذي كان يحيط بمنطقة واسعة، فتقلّص وصغر حتّى التصق بالشجرة العظيمة، فلمعت هذه الأخيرة بألوان قوس قزح وظهرت بتلك الأشعّة التي تطلقها كائنات تشبه التنانين والعنقاوات من الأساطير يحلّقان من سماء إلى أخرى، من عالم إلى آخر، بحرّيّة كبيرة.


كان في تلك العوالم مخلوقات سحريّة وأخرى أسطوريّة لم يعلم أحد عن أصولها، عاشت في تناغم وسلام، فلا قطرة دماء سالت هناك، أو حتّى دمعة من الحزن. كانت السعادة تشرق في تلك العوالم التي سادتها مخلوقات سامية.

تفاجأ المشاهدون من تلك المناظر الخياليّة التي ظهرت أمام أعينهم على حين غرّة، فانبهروا لمدّة طويلة قبل أن يقول شخص منهم: "هل يا ترى تلك عوالم حقيقيّة؟ هل تلك التنانين والعنقاوات حقيقيّيْن؟ هل تلك الأراضي السامية موجودة حقّا؟ هل يمكن أنّ أصْل شجرتنا العظيمة من هناك؟"

نظر باسل إلى التغيّرات التي تطرأ على الشجرة العظيمة أمامه، ثم صرّح: "لا أحد يعلم ما إذا كانت تلك مناظر حقيقيّة أم لا، لكنّ الشيء الوحيد الأكيد هو أنّ تلك المشاهد الخياليّة التي نراها هي نظرة حياة للحياة."

"نظرة حياة للحياة؟" تعجّبت لمياء والآخرون أكثر، وانذهلوا تماما كونهم لا يعلمون ما الذي يجري في هذا العالم بالضبط. من كان يعلم أنّه شجرتهم العظيمة لها اسم في الحقيقة، وأنّ ذلك الاسم هو "حياة"؟

"يا أيّها الوحش النائم،" تمتم باسل لنفسه: "لن أجعل مجهوداتك العظيمة هذه تضيع هباء أبدا، لذا انتظر قليلا فقط وسأوقظك!"

كان باسل في هاته اللحظات يفكّر في ما تحدّث عنه مع الموقّر بالأعماق، ولم يسعه سوى أن يقول ذلك.

***

بالعودة إلى الوقت الذي كان فيه باسل يحادث الموقّر بالأعماق، تساءل هذا الأخير عن السبب الذي جعل باسل واثقا من تحقيق ما جاء لأجله، فشرح هذا الأخير: "قد تكون تعلم هذا بالفعل، لكنّ عالمنا الواهن وباقي العوالم الأساسيّة قد قُطِع بينها الاتّصال تماما."

"صحيح." علّق الصوت من الأعماق على ذلك: "أعلم ذلك بالفعل، ويمكنني إخبارك انّ ذلك الختم لن يصمد لتلك المدّة الطويلة."

"بالفعل،" أومأ باسل رأسه: "ولكن ما لا تعلمه يا أيّها الموقّر هو هويّة الشخص الذي ألقى ذلك الختم مضحّيا بروحه."


"همم!" استغرب الصوت وسأل: "أذاك مهم أصلا؟ لابدّ وأنّه سلطان أصليّ على الأقلّ حتّى يتمكنّ من فعل هذا الشيء، وليس أيّ سلطان أصليّ، بل واحد استثنائي بمواهب عظيمة، وفوق كلّ هذا، أذاك يهم؟"

ابتسم باسل متكلّفا وصرّح: "له كلّ الأهمّيّة. معك حق، فذلك لم يكن مجرّد سلطان أصليّ، لقد كان أحد الأربعة عشر، ولأكون أكثر دقّة، لقد كان السابع."

"هوه، مثير للاهتمام." قالها الصوت بنبرة متشوّقة فسأل: "إذن، ما علاقة هذا بذاك؟"

غدت نظرات باسل جدّيّة فحدّق إلى الأفق غير الموجود هناك وأجاب: "لقد كان السابع يحاول الحفاظ على الميزان طيلة حياته، لكنّني واثق أنّه كان يعلم، سواء في حياته أو عند لحظاته الأخيرة، أنّ كلّ ذلك مجرّد كسب للوقت إن لم يكن مضيعة له، لكنّني لا ألومه، فبسبب أفعاله لم تحلّ نهاية عوالمنا عن طريق كارثة عظيمة، ولديّ فرصة الآن لأنجح."

تنهّد باسل وفكّر لقليل من الوقت، وخصوصا في معلّمه، ثم أكمل: "لكنّ وقته انتهى وآثاره التاريخيّة ستختفي عاجلا أم آجلا، لذا يجب إتمام ما لم يستطع بدأه حتّى."

"أتعلم ماذا يا أيّها الموقّر؟" أغمض باسل عينيه وصرّح: "أنا أحبّ هذا العالم الذي ولدت فيه، وورثت حبّا خالصا لبقيّة العوالم الأخرى من شخص عددته أبا لي، فلا يمكنني أن أرى كلّ تلك الأشياء تختفي بتلك السهولة فقط في سبيل جشع أحدهم."

"وكما يقال، الذكيّ يتعلم من أخطائه، والحكيم يتعلم من أخطاء غيره. لن أعيد نفس الأخطاء سواء كانت لي أو لغيري، وبدل الهروب من تلك النهاية، لمَ لا نحاول هذه المرّة جعلها بداية جديدة؟ فما كانت النهاية سوى بداية البداية."

ردّ الصوت عليه: "أتخبرني أنّك تنوي مواجهة السلطان ذو الطغيان؟!"

فتح باسل عينيه وحدّق مرّة أخرى إلى الظلام: "أنوي مواجهته؟ أنا لا أنوي مواجهته، بل قد بدأت أواجهه فعلا. يمكنك أن تعلم ذلك من خلال الشيء الذي وصفته بالشؤم في روحي."

عمّ الصمت لمدّة طويلة، فعلم باسل أن صاحب الصوت يفكّر، فمرّ من الزمن ما يُعدّ يوما كاملا قبل أن يرنّ الصوت مرّة أخرى في عقل باسل: "يا فتى، قلت اسمك باسل، يبدو أنّ الشؤم في أعماق روحك قد قُمِع، لا، لأكون أكثر دقّة، لقد سُيطِرَ عليه. وممّا استنبطت، لقد استُخدِمت عليه الحكمة السياديّة حتّى تكبحه بتضحية عظيمة، لذا ما يثير اهتمامي هو طريقة اكتسابك لتلك الحكمة السياديّة."


عبس باسل الذي كان يتأمّل عندما سمع كلام تلك النيّة: "لربّما كانت تضحيّة السابع من أجل العوالم عامّة، وسيتذكّره التاريخ بذلك لمدّة طويلة قبل أن يتبدّد اسمه وذِكراه مع نهر الزمن القاسي، لكنّ هذه التضحيّة كانت من أجلي خاصّة ولن يعلمها إلّا القليل، ومع ذلك، ما زلت أراها السبب الرئيسيّ الذي سيجعل العوالم كلّها يومئذ تحمد ربّها على حدوثه، ففي اليوم الذي ورثت به هذه الحكمة السياديّة ورثت معها إرادة معلّمي ورغباته وأمانيه، فماذا أكون عندئذ لو لم أجعلها حقيقة؟"

سأل الصوت: "أتقول أنّك تريد فعل هذا من أجل معلّمك؟"

أجاب باسل بعدما فكّر قليلا: "لربّما من أجل معلّمي، لكنّ هذا كان مجرّد محفّز بصراحة، فتلك الرغبات والمتمنّيات ملكي الآن، كما أنّ قناعاتي وأهدافي تغيّرت بعدما علمت كلّ تلك الأشياء."

"أنا أفهم." غمر الصوت عقل باسل مرّة أخرى: "لقد درست روحك وما بها في اليوم السابق بعدما فتحتَ أقفالها بإيصالها بهذه الشجرة حتّى أكون قادرا على فعل ذلك. لقد شهدت عزيمتك وثقتك التي وضعتها بي بفعلك هذا، فلك ثنائي ومدحي على روحك الحكيمة والباسلة هذه يا باسل."

ابتسم باسل بشكل طفيف وصادق ثمّ شبك قبضته بيده الأخرى قبل أن ينحني قليلا معبّرا عن احترامه وتقديره، فرنّ الصوت من جديد: "ارفع رأسك يا باسل، لديّ سؤال أخير لك. ما الذي جعلك تمرّ عبري؟ بعدما درستُ روحك، أصبحت متيقّنا من قدرتك على الحصول على ما جئت من أجله حتّى دون موافقتي عاجلا أم آجلا، لكنّك اخترت إقناعي بالانضمام إليك."

اتّسعت ابتسامة باسل فظهر بإحدى عينيه نجم، وبالأخرى نجمين، فرأى عبر ذلك الظّلام وخاطب تلك النيّة كما لو كان يعلم عن مكانها: "أنت واحد من الأشخاص القلائل الذين لم يهربوا من مواجهته، فكيف لي أن أضيع فرصة التحالف مع شخص مثلك؟"

"كاكاكا!" ضحكت النيّة بصوت مرتفع لوقت طويل، فصمتت أخيرا كما لو أنّها تفكّر في ماضٍ عتيق، حتّى قرّرت أخيرا: "من اليوم فصاعدا يا باسل أنا بجانبك مقاتل، معك أحمل هذا الثقل، في الذلّ والجلال، فدعنا ننجي هذه العوالم من تلك الأهوال."

أكمل الصوت الرنين في عقل باسل بعد نفس واحد: "أنا الوحش النائم، سعيت لمدّة طويلة، ورقدت لفترة طولى، ويبدو أنّ وقت استيقاظي قد اقترب أخيرا."

"يا باسل، أنا أعهد رَمَادِي لك حتّى يأتي اليوم الذي أنهض فيه من جديد، بولادة جديدة."


أشرق الظلام فصار كلّه ضوءًا على حين غرّة، فتقلّص الضوء شيئا فشيئا مع الوقت أو بالأحرى تجمّع في مكان واحد، ولكن للدّقة أكثر لم يكن الضوء يتقلّص ولا حتّى يتجمّع، بل كان يدخل إلى بحر روح باسل وعقله.

تكلّمت النيّة مرّة أخيرة: "يا باسل، أنت وريثي الشرعيّ من الآن فصاعدا، فلك الرخصة، والسلطة على صغاري، فأنا متأكّد من أنّهم هكذا سينضجون أكثر."

"حتّى نلتقي ثانية!"

قبل باسل كلّ شيء من النيّة، أو بالأحرى، كان الأمر كما لو قبل النيّة نفسها بداخل بحر روحه فدمجها معه، وصاحب ذلك عهدا ذهنيّا روحيّا منه لتلك النيّة على الإيفاء بالوعد المقطوع بينهما.

سيرث باسل الوحش النائم ويساعده على النهوض من جديد، فيتعاونان على مواجهة العدوّ المشترك. كان الأمر بسيطا للغاية بينهما، لكنّ الثقة التي تشكّلت بينهما كان تفوق التصوّر؛ فباسل قد كشف كلّ ما يخبّئ في روحه وقلبه لهذه النيّة، وهذه النيّة مرّرت له نفسها بكلّ ما تملك.

مرّ يومان حتّى استطاع باسل استخلاص كلّ ما مُنِح له، فقُطع اتّصاله بالشجرة العظيمة وصعد إلى الأرض. كان بإمكانه إنهاء الاستخلاص دون الحاجة إلى البقاء متّصلا مع الشجرة، إلّا أنّ بذلك كانت تلك العمليّة تمرّ بشكل أسرع، فاستغلّ ذلك ريثما يحين وقت ردّ لمياء عليه.

***

التفت باسل إلى لمياء وباقي الحكّام ثمّ أخبرهم: "إن كنتم تعلّمتم الدرس فلن أصعّب الأمور عليكم، لكن إن كانت هناك بعض الرؤوس التي تحتاج إلى الطرق أكثر حتّى تستيقظ فلكم ذلك."

كان حاكم المياه قد فتح عينيه أخيرا، واستمع إلى ما قاله باسل، فرأى ما حدث لكنّ غضبه كان كبيرا فصرخ: "يا لـ..."

توقّف فجأة عن التكلّم لمّا رأى باسل يحرّك يده ويحملق إليه بعينين صارمتين، وأصبح وجهه شاحبا فأجبر تعبيره القاسي على أن يلين ويتشكّل كابتسامة، قبل أن يكمل كلامه السابق بصوت أهدأ: "يا لطيف، يا محترَم، نعم فهمنا الدرس ولا حاجة للطرق على الرأس."

"همف!" تنهّد باسل بخيبة أمل وقال: "أظنّ أنّه لن يمكنني طرق بعض الرؤوس أكثر، أليس كذلك يا جماعة؟" حدّق هذه المرّة إلى لمياء والحاكمين الآخريْن.

هزّ ثلاثتهم رؤوسهم وانضمّ إليهم حاكم المياه أيضا في فعل ذلك، ثمّ تساءلت لمياء: "يا سيّدي باسل،" كانت لهجتها معه في قمّة الاحترام: "هل هذا كلّ شيء؟ ألن يكون هناك عقاب لنا على خيانتنا ثقتك؟"

"همم؟" استغرب باسل ثمّ أجاب: "ألم أنجز العقاب الذي صرّحتُ به بالفعل؟"

كان باسل قد أخبرهم أنّ سيطرق رؤوسهم الصلبة قبل المعركة، لكنّهم فهموها كتعبير مجازيّ فقط، فهُم كانوا يحاولون قتله بكلّ ما لديهم، لذا كان غريبا ألّا يتلقّوا أيّ عقوبة قاسية.

ألحّت لمياء: "ولكن يا سيّدي، يبقى الأمر..."


"هيّا، هيّا." لوّح باسل يده وقال: "لم يكن لديّ علم أنّكِ تهتمّين بهذا النوع من الألعاب؟"

احمرّ وجه لمياء من الإحراج فسكتت ونظرت إلى الأرضيّة عاجزةً على النظر إلى عينيْ باسل، والذي حدّق إليها مبتسما وقال: "على كلّ، أنا لست مهتمّا بذلك النوع من الألعاب مع امرأة أحدهم." تفقَّد بعد ذلك الأرجاء فلمح أبهم يقف فوق أحد الجبال يراقب سرّا، فأشار له بيده حتّى يأتي إلى مكانهم.

نظر لمدّة طويلة بعد ذلك إلى الشجرة العظيمة التي يلتصق بها ذلك الحاجز، ثمّ أخبرهم بعدما قدم أبهم: "حسنا، سأتوجّه إلى قمّة حياة كما أخبرتكم آنفا. عودوا أدراجكم وانتظروا عودتي."

نظر إليه الحكّام الأربعة يحلّق نحو الشجرة العظيمة 'حياة' بتعجّب، ووصلتهم نيّة باسل الحسنة أخيرا. لقد كان يمكنه الذهاب وتسلّق الشجرة كما يريد ولن يقدر أحد على إيقافه، لكنّه مرّ من خلالهم واستأذنهم قبل ذلك، فإن لم تكن تلك حسن نيّة فماذا تكون عندها؟ لقد كانوا هم الأشخاص الذين أساؤوا الظنّ به واتّهموه بالشيطنة، فماذا يكونون عندها؟ ندموا على أفعالهم تلك وخصوصا حاكم الميّاه، فأحنوا رؤوسهم الظاهرة على الأرضيّة قليلا باحترام وتقدير.

لقد كان ذلك الوريث الشرعيّ الذي انتظروه لسنين عديدة، ويجب أن يكون هذا خبرا مفرحا لهم، فأخيرا، سيستطيعون تحقيق رغبتهم الموروثة جيلا عن جيل، ألا وهي إيقاظ الوحش النائم.

كان هناك معانٍ عدّة وراء لقب "الوحش النائم" هذا، فعندما مثلا وعد باسل لمياء سابقا بمساعدتهم على إيقاظ وحشهم النائم لقاء تركه يتسلّق الشجرة العظيمة، كان يقصد الوحش النائم الذي يقبع بداخلهم لا أباهم الروحيّ.

كانت هناك ثلاث أشياء يشار إليها بالوحش النائم، فكان أوّلها الأب الروحيّ للوحوش النائمة، وكان ثانيها الوحوش النائمة أنفسها إذْ نودِي كلّ عضو من هذه القبائل بالوحش النائم، وأخيرا استُعمِل هذا اللقب كوسيلة لتسمية الإمكانيّة التي يخبِّئها كلّ واحد من الوحوش النائمة.

كانت لمياء آنذاك متفاجئة للغاية كون باسل فهم كلّ هذه الأشياء السرّيّة وحتّى أنّه أخبرها أنّه يستطيع مساعدتهم على إخراج تلك الإمكانية، أو بصيغة أخرى، إيقاظ وحشهم النائم.

قيل أنّ أباهم الروحيَّ وحشٌ نائمٌ حقّا، وهم وحوش نائمة لأنّ إمكانيتهم الحقيقيّة لم تستيقظ بعد.


أتى أبهم بعد وهلة وساعد لمياء على النهوض بعدما فُكّ قيدها وقيود الحكّام الآخرين، فحدّقت لمياء إلى أبهم لمدّة طويلة بينما كان هو يحدّق إلى باسل، لذا عندما لاحظ نظراتها المركّزة عليه خجل وأزال يده عن يدها بسرعة.

ابتسمت لمياء ثمّ قالت له: "إنّك تنظر إليه بتطلّع حقّا، أستطيع رؤية درجة احترامك له، وبالطبع أتفهّم ذلك كلّيّا وخصوصا بعد ما حدث."

أجاب أبهم بشكل جدّيّ: "بالتأكيد، لطالما كنت أتجنّب المشاكل وأتصنّع الجبن حتّى لا أولّد الأحقاد تجاهي، لكنّ تفكيري تغيّر عندما قابلت سيّدي باسل. لقد كان الأمر صعبا في البداية، لكنّني شعرت كما لو أنّني تحرّرت من شيء ما كان يقيّدني طوال حياتي." ابتسم وأكمل: "لديه جاذبيّة تجعل الناس يرغبون في اتّباعه تلقائيّا."

حدّقت لمياء إلى باسل البعيد وصرّحت: "معك حقّ، حتّى عندما فعلنا كلّ ذلك تجاهه لم يرد علينا بالمثل، رجل عظيم ورحيم."

أومأ أبهم قبل أن يقول: "ولكن يا لمياء، عليك أن تتذكّري أنّ سيّدي باسل فعل ذلك فقط من أجلكم؛ لقد ساعدتم في الحرب الشاملة وتعزيزاتكم كانت كافية لقلب المعركة رأسا على عقب آنذاك، لذا هو يقدّر ذلك كثيرا."

نظرت لمياء إلى أبهم وقالت باهتمام: "يبدو أنّك تفهمه جيّدا."

"أفهمه؟" ضحك أبهم وأجاب: "أنا بعيد كلّ البعد عن فهمه صراحةً. أنا فقط أعلم أنّه يقابل الخير بالخير، والشرّ بالشرّ. إنّه يعلم تماما أنّه ليس في عالم لطيف حيث يواجه كلّا من الخير والشرّ بالخير، ولفعل ذلك يحتاج الشخص لعزم وحسم كافييْن لحمل أيّ ثقل."

نظرا إلى باسل مرّة أخيرة وانحنيا قليلا احتراما.

عمّ الصمت بينهما بعد ذلك، فأراد أبهم أن يفتح موضوعا ما، ولشدّة توتّره لم يسعه سوى أن يسأل عن أوّل شيء أتى إلى عقله، بما أنّ ذلك الشيء كان يثير اهتمامه في الواقع: "أأنت مهتمّة بذلك النوع من الألعاب؟"


حملقت إليه لمياء متفاجئة: "هاا؟"

***

كلّما اقترب باسل إلى الشجرة العظيمة خمدت حواسّه الخمس وثُبِّطت حاسّته السادسة، زاد وزنه كثيرا وعجز التحرّك بأريحيّة، قُيِّد جريان طاقته السحريّة وقُمِع بحر روحه، وكلّ ذلك جعل يشعر بالراحة كما لو أنّه يختبر سكينةَ حياةٍ أبديّةٍ، إذْ لم يعد يشعر بمرور الوقت أو الإحساس بالوجود نفسه، فقط أصل الحياة جعله ينغمس في سلام.

لو لم يكن للشخص قلب اختبر عقبات المسار الروحيّ غير المحدودة وروح يمكنها أن تتغلّب على كلّ الرغبات التي تطلبها النفس، مكتسبًا بذلك سلاما داخليّا، فمصيره سيكون الخضوع لسلام هذه الشجرة العظيمة والغدوّ جزءا من حياتها المديدة.

هدّأ باسل نفسه، وركّز على مساره الروحيّ، والمسار الروحيّ الذي اتّبعه معلّمه وأورثه إيّاه، وحاول مقاومة إرادة ونيّة الشجرة العظيمة أوّلا ثمّ مجابهة قوّتها الهائلة، إلّا أنّه لم ينجح في ذلك مهما حاول؛ فبالرغم من أنّه يملك إرادة حديديّة موروثة عن معلّمه وقلبا صافيا من الشوائب التي يمكنها أنّ تُضعِفه أمام سلام 'حياة'، إلّا أنّ كلّ ذلك لم يكن كافيا.

في الواقع، لم يكن حتّى إدريس الحكيم نفسه لينجح لو قدم إلى هنا. لقد كانت هذه الشجرة غامضة كثيرا ودُعِّمت من الوحش النائم الأكثر غموضا. من يعلم ما كان المستوى المطلوب حتّى يتغلّب الشخص على نيّتها وإرادتها وقوّتها؟

حام باسل في السماء بينما يفكّر: "حسب تقديراتي، حتّى بمستوى الإمبراطور لا يمكن مقارعة هذه الشجرة، وربّما حتّى مستويات عليا ولا جدوى. على كلّ، يختلف كلّ هذا بالنسبة للوريث الشرعيّ."

كان باسل يقمع الرخصة في دمه والسلطة في بحر روحه اللتين منحتهما تلك النيّة له، لكنّه أطلق عنانهما الآن، فإذا بكلّ شيء كان يقيّده بسبب حياة يختفي، فأكمل مساره كما كان.

كان لدى الوحوش النائمة الرخصة والسلطة الكافيتين اللتين تخوّلاهما أن يقتربا كفاية من الشجرة العظيمة والانتفاع من خيراتها، لكنّ الوريث الشرعيّ هو الشخص الوحيد الذي أمكنه تسلّق الشجرة وبلوغ قمّتها حسب الأقاويل.


لمس باسل جذع حياة فغمرته طاقة سحريّة هائلة لكنّها لم تجعله يمرّ بوقت عصيب مثل طاقة العالم، بل حامت وتركته يستخلصها بلطف حتّى ينتفع منها جيّدا ولا يحتاج إلى تنقيتها من الشوائب، مع العلم أنّ طاقة هذه الشجرة السحريّة كانت نقيّة للغاية.

حدّق إلى أعلاها لكنّه لم يلمح نهايتها أبدا، فعزم على البدء في تسلّقها. لقد وجب على الشخص أن يصعد إلى الأعلى بينما يربط بحر روحه بهذه الشجرة العظيمة وإلّا لن يصل مهما حاول بشتّى الطرق، بالطبع ما لم يكن مخلوقا خارقا.

كلّ وثبة على هذه الشجرة العظيمة جعلت باسل يحسّ بثقل السنين التي اختبرتها طوال فترة حياتها، وفي كلّ مرّة احتاج إلى أن يصعد فيها أكثر صرف كلّ ما يملك من قوّة حتّى ينجح في ذلك؛ فحتّى لو كان الوريث الشرعي، ذلك يعني أنّ القيود الصارمة تختفي فقط ولا يعني أن نيّة وإرادة وقوّة 'حياة' تختفي هي الأخرى، بل تبقى ممّا يجعل الشخص مُجهدا كلّيّا قبل أن يفوت المائة متر حتّى.

كان يعلم باسل جيّدا أنّ الحلّ هنا ليس هو استخدام السحر أو القوّة الجسديّة لبلوغ تلك القمّة، وإنّما ربط القلب والروح مع الشجرة حتّى يصبح جزءا منها، فما أن يفعل ذلك حتّى يكون قد بلغ مراده قبل أن يدري.

وبالنسبة لباسل، كان ذلك كأكل قطعة من الكعك، كونه قد فعل نفس الشيء قبل ثلاثة أيّام بالفعل، وحتّى أنّه أمضى الأيّام الثلاثة التالية كلّها مرتبطا بهذه الشجرة العظيمة، وبالإضافة إلى رخصة وسلطة الوريث الشرعيّ، صارت مسألة وقت لا غير.

أحس باسل بعد وقت طويل أنّه يغرق في بحر لا قعر له، لذا كلّ ما احتاج إلى فعله هو السباحة في هذا البحر صعودا من أعماقه إلى نور الشمس الذي يشعّ على السطح. كان ذلك البحر عالما مظلما بحد ذاته، لكنّه نور تلك الشمس كان يصنع طريقا للسبّاح بحيث لا يضيع طريقه أبدا، والشرط كان أن يكون السبّاح ماهر، أو بمعنى آخر، أن يكون الشخص مرتبطا بالشجرة العظيمة بشكل عظيم حتّى يتمكّن من تتبّع طريق الضوء ذاك.

ظهر في طريقه نحو الأعلى مظاهر خرافيّة، من جبال علت واخترقت السماء، وأشجار اخترقت جذورها العوالم وربطتها ببعضها، ومخلوقات مدهشة تطير وتجري وتسبح بين تلك العوالم. كانت نظرة حياة للحياة مذهلة وجعلت النفس تأنس.

افترق باسل عن العالم الواهن ولم يعلم أين هو آنذاك، وبعد مرور مدّة لا يعلم أحد عن طولها، بلغ باسل القمّة أخيرا فوجد نفسه في مكان غير متوقّع تماما. لقد كان يعلم أنّ قمّة الشجرة اتخذت شكلا دائريا، و من محيطها امتدت أغصان شرسة و أصيلة نحو الأعلى بمئات الأمتار ثم التقت بالمركز في السماء مكونة بذلك غطاءً طبيعيا هائلا، إلّا أنّه ما كان أمامه مختلف عن ذلك.

كان هناك فقط سماء زرقاء، وامتدّا مساحة ما رآه أمامه لمسافة لا تُحصى، وكلّها كانت أرضا صحراويّة. ولم يكن هناك شيء غير ذلك الشيء الطويل الأسود الغريب، إذ ارتفع إلى أعالي السماء واخترقها. وعندما اقترب منه أكثر وجد أنّه شيئين في الواقع.


لقد كانت حقيقة الشيء الطويل الأسود هي نخلة عتيقة حتّى أن جذعها يبدو هشّا كثيرا، فبدت كأنّها ستسقط في أيّ لحظة، لكنّ التاريخ الطويل الذي حملته على عاتقها كان يُشعر الشخص بعظمتها.

أمّا عن الشيء الثاني، فقد كان صحنا بجانب قاعدة النخلة. كان هذا الصحن عاديا إذْ كان خشبيّا وعاديا لدرجة كبيرة. لم يبدُ كأنّه كنز ما أو سلاحا روحيّا أسطوريّا. كان مجرّد صحن خشبيّ فقط.

كان هناك شيء بداخله، لكنّه كان مغطًّى بخرقة بيضاء لكنّها كانت متّسخة بغبار هذه الصحراء الشاسعة. وبالرغم من مرور كلّ تلك العصور على هذا الصحن الخشبيّ وتلك الخرقة، إلّا أنّهما ظلّا في مكانهما بجانب قاعدة النخلة الشاهقة.

كان باسل يعلم ما يجب فعله بسبب نيّة الوحش النائم، لذا اقترب من ذلك الصحن وكشف غطاءه، فإذا بسبع أشياء سوداء بطول أصبع الخنصر تظهر. كانت هذه الأشياء غير نادرة بالنسبة للعالم الواهن كونها وُجدت في العديد من المناطق وخصوصا في أرض إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة الشماليّة، والتي لُقِّبت بالأرض الحمراء.

ولكن، كان باسل يعلم تماما ما هي القيمة العظيمة لهاته الأشياء السبع، ومدى اختلافها عن باقيها، وكم هي متميّزة وفريدة في العوالم كلّها. لم يسعه سوى أن يبتسم ويصرّح: "تمر الحياة الجديدة! يا له من شيء لا تسمع عنه سوى في الأساطير! والآن يمكنني فعلها قبل فوات الأوان."

***

من كان ليظنّ أنّ الشيء الذي تخبّئه هذه الشجرة العظيمة في قمّتها العجيبة هو تمر الحياة الجديدة؟ لقد كان هذا العالم الواهن فقط ولم يكن ليعتقد أحد أنّ تمر الحياة الجديدة سيكون هنا، وحتّى لو صادف فحدث أن قدم أحد ما وحاول تسلّق هذه الشجرة العظيمة، لم يكن لينجح؛ لقد كانت نيّة الوحش النائم تحرس هذا المكان لعصور بالفعل وعدم حدوث أيّ شيء لهذه الشجرة أو ما تحمله لخير دليل على ذلك.

ففي الواقع، هناك بعض الأشخاص من يمكنهم معرفة هذه الأسرار مثل باسل بطريقة أو بأخرى، لكنّهم ما كانوا ليتجرّؤوا على القدوم إلى هنا ومحاولة سرقة أو خداع الوحش النائم. كان باسل ناجحا فقط لأنّه كان صادقا وحتّى أنّه وضع روحه بين يديّ الوحش النائم، والذي كان شيئا لا يستطيع أيّ أحد فعله؛ لقد تطلّب ذلك بسالة لا يمكن مضاهاتها. كان الوقت الذي التقيا وتعرّف فيه أحدهما على الآخر قصيرا لكنّه كان كافيا نظرا إلى الثقة التي نمّياها بينهما.

حمل باسل الصحن الخشبي، فشمّ عبيرا جعل روحه تهدأ وتتغنّى فورا بكمّيّات مركّزة من الطاقة الروحيّة. لقد كان حاليا في مستوى ينتفع فيه من الطاقة الروحيّة مباشرة.

كان باسل قد أمضى شهورا تدرّب فيها مع معلّمه في قارّة الأصل والنهاية بعد الحرب الشاملة، إضافة إلى العام الذي أمضاه في بيضة الضوء الغريبة، وكلّ جعل من مستواه ينمو بشكل مرعب، وخصوصا في ذلك العام الذي كان استثنائيّا كونه كسب الكثير من الأشياء.

في نهاية قتاله ضدّ هدّام الضروس كان قد صار شبه صاعد، لذا بدأ يرى حقيقة العالم شيئا فشيئا، لكنّه الآن يرى صورة العالم الأصليّة جيّدا، وأوّل مرّة نجح في ذلك كانت في اليوم الذي غادر فيه مدينة العصر الجديد. بسبب ذلك استطاع تتبّع الوريد والتأكّد من صحّة بعض الشكوك التي تعلّقت بالشجرة العظيمة.

والآن نجح أخيرا في الحصول على ما جاء من أجله، وقد كان سعيدا للغاية بهذه النتيجة كونه سيقدر على حماية هذا العالم من تحوّله إلى عالم روحيّ، فلو كان معلّمه موجودا لما احتاج للقدوم إلى هنا، لكنّه ورث حكمة معلّمه السياديّة وهي الوسيلة الوحيدة له حتّى ينجح في صنع ما يريد صنعه.


حدّق باسل إلى النخلة أمامه ثمّ صرّح: "فقط بكونها إلى جانب هذه التمور السبع لعصور كانت قادرة على التحوّل إلى هذه الشجرة المدهشة، فما بالك بالتأثير الحقيقيّ لهذه التمور؟"

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه باسل ثمّ فكّر في أسطورة معيّنة كان معلّمه قد درسها كـسِرّ من أسرار العوالم، ومضمونها كان عن ذلك المخلوق السامي، وعن وكره الغامض، إضافة إلى السبب الذي جعل مثل ذلك المكان هو الوكر المفضّل لدى ذلك المخلوق السامي.

طيلة عصور، تناقلت الأساطير عن المخلوقات السامية، ومن أشهرها تلك التي كانت عن ذلك الطائر الخرافيّ، والذي اشتهر بلهبه الذي لا ينطفئ مثله مثل شعلة روحه التي تبرز مرارا وتكرارا في براثن ظلام الموت، ولكن هذا كلّ ما علمه معظم المخلوقات في هذا الوجود.

أمّا ما علمه قلّة فقط، ومن بينهم إدريس الحكيم، فكان عن كون ذلك الطائر الخرافيّ يحبّ قمّة أحد أنواع الأشجار خصّيصا، إذ جعلها وكرا له حسب نسبة جاذبيّتها بالنسبة له، أمّا عن سبب اختياره لذلك النوع من الأشجار فكان غامضا، لكن قيل أنّه أحبّ المكان الذي غالبا ما ووجِدت فيه تلك الأشجار، وقيل أنّه أحبّ علوَّها، أو أنّ خصائصها كانت ملائمة تماما له.

كانت هناك العديد من التوقّعات، وما كان أكثرها مصداقيّة، بشكل مفاجئ، كان فرضيّة أنّ ثمار هذه الشجرة كانت أفضل أكلة له، لذا كان يختار هذه الشجرة حتّى يتغذّى على ثمارها تلك، واختار الشجرة حسب جودة ثمارها.

بالطبع كانت هذه مجرّد أسطورة خرافيّة، فأصلا لم يسبق أن كان هناك دليل حيّ على وجود مثل هذا المخلوق السامي أصلا، فما بالك بتلك الشجرة أو ثمارها؟

كان باسل مبتسما في الواقع بسبب تفكيره في هذه الأسطورة، حيث علم مصدرها. بالطبع لم تكن دقيقة كلّيّا لكنّها حملت جزءا من الحقيقة.

بعدما فكّر باسل في ذلك، فكّر هذه المرّة في المعلومات التي خلّفتها النيّة له: "فعلا أَحبَّ الطائر الخرافيّ تلك الشجرة، لكنّها لم تكن الشجرة التي اعتقدها الناس، وإنّما واحدة أخرى كانت خرافيّة بقدر ما كان الطائر أسطوريّ."


"اتّخذت تلك الشجرة الخرافيّة هيئة ذلك النوع من الأشجار، ولهذا بسبب تطلُّع الطائر الخرافيّ لها صار يحبّ ذلك النوع من الأشجار أيضا. كانت الشجرة تثمر أثمارا تجعل شعلة الطائر الخرافيّ تشرق أكثر في براثن ظلام الموت، فصارت إحدى رغبات حياته."

تنهّد باسل ثمّ قال: "ما عساي أقول، إنّني منبهر لدرجة لا توصف حقّا، منبهر ممّا أحمله في يديّ، ومن حقيقة كون الوحش النائم استطاع حقّا أن يحصل على هذه الثمار. أيّ أحد سيفقد عقله عندما يعلم عن هذه الثمار، ويبدو أنّ السلطان ذو الطغيان غير مستثنى من هذا، لاسيما ومالكها هو ذلك الطائر الخرافيّ الذي يجعل الروح تلهف من أجله."

نظر باسل مرّة أخرى إلى النخلة أمامه، ثمّ صرّح: "قد أكون الوحيد الذي يعلم موقع وكر الوحش النائم الحقيقيّ." خبّأ تمر الحياة الجديدة في مكعّب التخزين حتّى ينتفع في نفس الوقت من فوائده العظيمة، وقرّر في أعماق قلبه: "لا أحد يجب أن يعلم عن هذا التمر، ولو كان أقرب الأقربين لي. كما يقال، الجهلُ نعمةٌ أحيانًا."

لقد كان ذلك كنزا يمكنه هزّ العوالم وإخراج الهرمى المقموعين من انعزالهم عن الحياة الدنيويّة دون التفكير في عواقب أفعالهم. لقد كان ذلك كنزا ساميا تحدّث عنه الناس في الأساطير فقط.

اقترب باسل من النخلة العتيقة وتشبّث بها، فأخذ يتسلّقها. وهذه المرّة، شعر فقط بطاقة روحيّة غير محدودة تتوغّل في روحه، وكانت غنية ونقيّة بشكل لا يوصف، إذ كانت خالية تقريبا من الشوائب، حتّى أنّها جعلت باسل يحسّ بكيانه يعاد صياغته كي يولد من جديد. شعر بالكيان الهائل في قمّة هذه النخلة العتيقة، وبالحياة التي جرت في روح هذه النخلة بسبب ذلك الكيان.

كان متحمّسا كثيرا حتّى أنّه لم يشعر بالوقت الذي مضى منذ بدء تسلّقه، وبسبب النيّة التي اندمجت مع بحر روحه وعقله كان يعلم تماما كيف يتسلّق هذه الشجرة التي وجب على الشخص أن يملك تقنيات خاصّة حتّى يعرف أيّ مسار يسلك وطريقة عبوره.

وفي الواقع، كان ليبدو للشخص أنّ باسل يتسلّق بشكل عادي وطبيعيّ، ولن يُلاحَظ أيّ فرق في تحرّكاته. وبالطبع لو حاول أحدهم التسلّق بشكل عشوائيّ ما كان لينجح ولو فنى حياته في فعل ذلك ما لم يكتشف الطريق وكيفيّة عبوره.


فسواء عندما كان يتسلّق حياة أم هذه النخلة، كان في الواقع يتجاوز عدّة مصفوفات روحيّة تمتّعت بأنماط لا يمكن لأيّ شخص ذو معرفة وقوّة محدودتين أن ينجح في فكّ شفرتها. لقد كان باسل ناجحا بسبب أنّ المالك الأصليّ لهذه المصفوفات قد أعطاه تشكيلها وطريقة فكّها، ومع ذلك كان على باسل أخذ وقت طويل حتّى ينجح.

كانت تلك المصفوفات الروحيّة مندمجة مع الشجرتين كما لو أنّها وُلدت معهما، ولم يكن هناك مجال للشخص العادي أن يلاحظ وجودها حتّى فما بالك بتجاوزها؟

لقد كانت كلّ هذه الاستعدادت والدفاعات موجودتيْن فقط لسبب واحد، وهو من أجل حماية تمر الحياة الجديدة وما يقبع في وكر الوحش النائم الحقيقيّ، وبالخصوص حماية الشيء الثاني، كونه كان أهمّ بكثير بالنسبة للوحش النائم. يمكن القول أنّه بلا الشيء الثاني يصبح الشيءُ الأوّلُ بلا معنى بالنسبة للوحش النائم.

فلو كان تمر الحياة الجديدة يجعل شعلة الطائر الخرافيّ تشرق في ظلام الموت أكثر، فإنّ ذلك الشيء الآخر هو الذي يولّد تلك الشعلة أصلا.

ارتفع باسل كثيرا حتّى فقد الشعور بالوقت وأخيرا بدأ يرى جريد النخلة المتدلّي من رأسها، والذي بدا كذيل عنقاء لوهلة، وحتّى عندما وصل أخيرا إلى القمّة لم يجد ثمارها المتوقّع وجودها. لقد كانت النخلة غنيّة بالحياة لدرجة لا توصف لكنّها لم تُثمِر ممّا جعلها غامضة أكثر.

وبالطبع كان باسل يعلم عن السبب؛ لذا عندما بلغ قمّتها أخيرا لم يسعه سوى أن يسارع حتّى ما يقبع فيها.

جلس عليها فإذا به يجد صندوقا صغيرا مصنوع من الفخّار، وكان مُقفلا بقفل خشبيّ، وبالرغم من ذلك علم باسل أن المرء يحتاج لأكثر من مجرّد قوّة روحيّة مهما كان مستواها.

حمل باسل الصندوق وحدّق القفل الخشبيّ باهتمام، وللدقّة كانت نظراته مركّزة على الرمز الذي تشكّل عليه. كان ذلك الرمز يتكوّن من عدّة نقط متجمّعة مشكّلة بذلك كومة صغيرة من حبوب ما. لربّما كانت رمالا أم شيئا آخر، لأنّه لم يكن ممكنا المعرفة بسبب كون الرمز منقوشا فقط. وفوق كومة الحبوب الضئيلة تلك كانت هناك رسمة لشعلة مكتوب بينها وبين الحبوب بحروف عتيقة لا أحد علم بأيّ لغة كانت.


لم يسع باسل سوى السراح بخياله بينما ينظر إلى الصندوق في يده، والتفكير في ذلك الماضي البعيد. ليس كأنّه يعلم ما حدث في ذلك الماضي، ولكن بالمعلومات التي يملك حاليا كان يتخيّل متا حدث آنذاك.

ومع ذلك، كلّ هاته الأشياء قد اختفت من التاريخ كلّيّا، وبقيت بعض الأساطير فقط.

تمتم لنفسه دون أن يشعر: "أتساءل كم بقي من الأربعة عشر على مرّ السنين. على الأقلّ أنا متأكّد من حالة السابع، أمّا الباقين فلا علم لديّ عنهم. إن أردت أن أضمن نجاحي فيجب عليّ كشف هويّاتهم ومن ثمّ تقرير طريقة التعامل معهم حسب الحالة. من يعلم، قد يجب عليّ مواجهتهم جميعا، بالطبع هذا إن كانوا كلّهم أحياء."

أكمل باسل تفكيره: "هذا هو مخبأ الوحش النائم الأخير، لذا هو استعدّ بما يكفي لمواجهة مخاطر الأربعة عشر، أما عن باقي المخابئ التي توجد فيها الأجزاء الأخرى فلا أعلم عن حالتها. قد تكون قد احتُلّت وأخِذ منها ما فيها بالفعل."

تنهدّ ثمّ وقف وقرّر: "حسنا، لقد كان الوحش النائم يعلم عن هذه الاحتماليّة بالفعل، لذا قد وضع كلّ آماله على هذا المخبأ. لا عجب في انتظاره لكلّ هذه المدّة أن يظهر الشخص المناسب الذي يمكنه أن يضع فيه ثقته. لن أجعل انتظارك كلّ هذه السنين التي لا تحصى يذهب هباء يا أيّها الوحش النائم."

وضع باسل الصندوق في مكانه قبل أن يتمتم: "حسنا، سأعود لك في الوقت الذي أنوي المغادرة فيه. فلو وجب عليّ البحث عن الأجزاء الأخرى سيكون عليّ حملك معي على أيّ حال."

تنهّد باسل مرّة أخرى، ثمّ نظر إلى الأفق الذي لا ينتهي في هذا العالم الصحراويّ، قبل يصرّح: "ألف ألفيّة وألف، لحقّا مدّة طويلة."


***

في الوقت الذي كان فيه باسل غائبا عن العالم الخارجي، كان الأباطرة الثلاث يناقشون موضوعا مهما جدا بحضور جميع الجنرالات في قاعة كبيرة. كانت نظرات كل واحد منهم جدّيّة كثيرا ممّا جعل أهمّيّة الموضوع واضحة؛ فـفقط اجتماع أقوياء العالم بقاعة واحدة للتكلم عن شيء ما كان كافيا لإثبات ذلك.

تحدث الكبير أكاغي بصوت عميق: "يا حضرتكم، نحن اليوم مجتمعين لنقرر موعد الذهاب إلى قارة الأصل والنهاية والفُرق المؤهلة لذلك. فكما نعلم من استطلاعاتنا، إن الوحوش السحريّة قد نمت بشكل خياليّ في السنة الماضية، ورُصِد وجود الكثير منها في المستوى الرابع عشر في قارّة الأصل والنهاية."

"كل هذا يُفسَّر حسب القائد الأعلى لجيوش إمبراطوريتنا، الشعلة القرمزية، على أنه يحدث بسبب نموّ العالم الواهن بنموّ سحرته، وبالتالي نموّ الوحوش السحريّة كذلك. فكلّما نما الساحر ازدادت الكمّيّة التي يستنزفها من طاقة العالم، وكاستجابة لذلك يتطور العالم السحريّ أكثر عندما يعوض الطاقة المفقودة. وللدقة، يحرر طاقته الكامنة أكثر من أجل تحمل وجود السحرة ومواكبة نموّهم. وبسبب هذا، تصبح الوحوش السحريّة قادرة على التطور أكثر كذلك."

"ما يهمنا في هذه الرحلة هو القضاء على أكبر عدد من الوحوش السحريّة ذات المستوى المرتفع وبالخصوص التي في المستوى الرابع عشر. هناك مناطق محظورة عديدة سنستهدفها بفرق أخرى وخصوصا مناطق محظورة مثل أرخبيل البحر العميق، والسلاسل الجبليّة الحلزونيّة. قد اتّفقنا على أن تهتمّ قبائل وكر الوحش النائم بالسلاسل الجبليّة."

رفع جنرال من أحد الجنرالات الجالسين حول بعض الطاولات وسأل بعدما أُذِن له، لقد كان جنرالا من الأمواج الهائجة: "أتفهّم خطورة الوحوش السحريّة بالمستوى المرتفع، لكن خطورتها تبقى داخل المناطق المحظورة فقط، لذا لمَ يجب المخاطرة ومحاولة القضاء على مثل هذه الوحوش هكذا؟ أليس التركيز على جهة واحدة من أجل الاستفادة قدر المستطاع من كلّ الأيادي المتاحة أكثر فعّاليّة؟"

انتظر الجميع الإجابة، ففي الواقع قليل من علم عن السبب واقتصر الأمر على الأباطرة والجنرال رعد الذي سمع عن الأمر من باسل في وقت ما.

عصَر الكبير أكاغي الكرسي الفاخر بيديه وأجاب بحسرة: "ذلك لأن الوحوش السحريّة بالمستوى الرابع عشر هي الأقرب إلى المستويات الروحيّة."


"حسب ما شرحناه في الوقت السابق، في اللحظة التي يبلغ فيها أحدهم المستويات الروحيّة، سيصير العالم الواهن عالما روحيّا أيضا، وبذلك سيتحقق الشرط الأخير لبعض وحوش المستوى الرابع عشر، فتضْحَى وحوشا روحيّة."

أغمض الكبير أكاغي عينيه لبعض الوقت، لأن قوله التالي سيولد بعض المعارضين دون شكّ. ولكن مهما حدث يجب عليهم القيام بهذا، فكما يقال في العوالم الأساسيّة، 'لا اكتساب بدون عذاب'.

حسم أمره وأعلن عن الحقيقة المرّة التي جعلت من حلقه جافا بينما ينطقها: "في الوقت الذي يصير فيه العالم روحيّا، وتظهر الوحوش الروحيّة، سيصير العالم كله أشبه بمنطقة محظورة بالكامل!"

"العالم كلّه يصير منطقة محظورة؟" كانت ردود أفعالهم متشابهة كونهم سمعوا عن شيء كهذا لأوّل مرّة في حياتهم. فقط ما الذي أمكن ذلك أن يعني أصلا؟ هل يمكن أنّ حواجز الحماية السماوية ستختفي أم ماذا؟ كلّ التساؤلات بعدّة أنواع طرأت في عقولهم جاعلةً إيّاهم يرتعدون من بعض الأفكار التي استنتجوها.

أكمل الكبير أكاغي بعبوس: "بمعنى أوضح، الوحوش الروحيّة يمكنها عبور حاجز الحماية السماوية كما لو أنها كسبت رخصة ما بعدما نجحت بجدارة، ولن يتوقف الأمر عند ذلك، بل وستكون قادرة أيضا على جلب ما يمكنها من الوحوش السحريّة للعالم الخارجي كأتباع لها!"

نظر الإمبراطوران الآخران إلى الأرض من شدّة الحسرة ولم يسعهما سوى التصنّت إلى ما صدمهما أيضا بعدما علما عنه قبلا. لم يكن العالم سهلا، ووجب عليهم بذل جهد عظيم من أجل من تجاوز خطر رجيم.

"ما الذي تقصده يا جلالتك؟" سأل الجنرال تشارلي بعدما حاول الحفاظ على هدوئه حتّى يعلم ما يقول ويفعل. لقد كان رجلا حكيما وعلم ما يجب فعله في هذه الحالات. يجب أن يُحلّل الوضع جيّدا من أجل الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. أضاف سؤاله الثاني قبل أن يجاب عن الأوّل: "أتعني أنّه لا يمكننا أن نعلم من أين ومتى يمكن أن تهجم هذه الوحوش الروحيّة؟"

حدّق إليه الكبير أكاغي قبل أن يومئ رأسه موافقا، ثمّ أكمل إجابته تكلُّما: "ولهذا يجب علينا هزيمة أكبر قدر ممكن من وحوش المستوى الرابع عشر."

اسودّت وجوه الجميع وخفقت قلوبهم بسرعة كبيرة للغاية بينما يفكّرون في الدمار الذي يمكن أن يحصل وعدد الموتى كنتيجة لذلك. لقد كان السحرة يستطيعون التعامل مع الوحوش السحريّة حسب مستواها، لكنّ السكّان العامّة لا فرصة لهم أمام وحش سحريّ مهما فعلوا.

لربّما قد ينجحون في هزيمة وحش غير سحريّ من المنطقة المحظورة لو تجمّعوا عليه، لكن على ما يبدو، فكلّ تلك الوحوش قد اكتسبت عناصرها السحريّة ويُقدَّر أنّه لم يعد هناك وحش غير سحريّ في المناطق السحريّة. حتّى وحش سحريّ من المستوى الأوّل سيكون قادرا على ذبح العشرات من الناس.

ما يرعب كثيرا هو أنّ المناطق المحظورة توجد في العالم الواهن بكثرة ويصل عددها إلى مئات الآلاف، ويبدأ عدد الوحوش السحريّة في منطقة محظورة من مائة وحش سحريّ إلى من يعلم كم. فقط كم يمكن أن يبلغ عدد الضحايا؟

كانت هذه التساؤلات تجتاح عقولهم، وكلّهم فكرّوا في عائلاتهم والأقربين منهم. ضدّ حشود هائلة من الوحوش السحريّة تقودها وحوش روحيّة، كم من الوقت يمكنهم أن يصبروا؟ كم من الوقت سيقدرون على حماية أحبابهم؟

لقد شمّوا رائحة عظمة السحرة الروحيّون فقط في المعركة التي هزّت العالم قبل سنة، وقد جعلت كلّ واحد منهم يختبئ كالجرذ في المجاري ولا خجل، فما الذي يمكنهم فعله ضدّ وحوش روحيّة تقود حشودَ وحوشٍ سحريّةٍ؟

لقد كان الأمر يتجاوز قدرة التخيّل، لذا بالطبع سيكون هناك من سيحاول الهرب من هذه المشكلة ومحاولة البحث عن طريقة لجعلها لا تبدأ حتّى. وبعدما عمّ الصمت لمدّة طويلة نطق ذلك الجنرال من إمبراطوريّة الامواج الهائجة: "لقد أخبرتنا يا سيّدي أنّ العالم سيصير روحيّا عندما يصبح ساحر من نفس العالم ساحرا روحيّا، أليس كذلك؟"

قطب الكبير أكاغي كما لو أنّه كان يعلم أنّ هذا السؤال وما بعده من نقاش قادميْن لا محالة. لقد كان هذا أحد المعارضين الذين انتظرهم. أومأ وأجاب: "معك حقّ!" كان يعلم بالفعل ما سيقوله الجنرال بعد إجابته.

انتشرت الهمسات بين الحاضرين فأحسّ بعضهم بالغرابة من هذه المسألة، فآل الأمر إلى أن أصبحت الهمسات نقاشات بينهم، وعلى ما يبدو، فكلّها تضمّنت فكرة واحدة سيطرت على عقول أصحابها، وكانت نفس الفكرة التي جعلت ذلك الجنرال ينطق ذلك السؤال المنتظر: "ألا يعني هذا أنّه ما لم يصبح أحد ساحرا روحيّا فسنبقى في أمان؟"

لقد كان هذا تفكيرا سليما من ناحية. بالتفكير في الخطر الذي سيحلّ عليهم فهذه أفضل طريقة لمنعه من الحلول أصلا. ومع ذلك كان الكبير أكاغي وبعض الآخرين يعلمون تماما أنّه لا بدّ من تحوّل العالم الواهن إلى عالم روحيّ، وإلّا كيف لهم أن يواجهوا تلك المخلوقات المرعبة؟ كانت التضحيّة ملزومة وكلّ ما بوسعهم فعله هو إخفاض درجتها قدر الإمكان.

"ذلك صحيح،" أجاب الكبير أكاغي بعد فترة من الهدوء: "لكنّ ذلك الأمان لن يكون دائما، فطال الزمن أم قصُر سيضحى عالمنا الواهن عالما روحيّا."


ابتسم الجنرال ابتسامة خفيفة قبل أن يردّ: "قد يكون معك حق، ولكن الفعل الصائب هو منع حدوث ذلك إلى أن نجد وسيلة ما لحماية عالمنا. ما الذي يمكننا فعله على هذه الحال؟ لا يهمّ أصلا كم مرة نقتل فيها وحوش المستوى الرابع عشر لأنّها ستُبعث مرّة أخرى. أليس الخيار الحكيم هو منع أيّ ساحر من الولوج إلى المستويات الروحيّة؟"

حدّق الأباطرة الثلاث وباقي الحاضرين إلى هذا الجنرال الجرّيء؛ لقد كانت لديه بعض الأفكار المعقولة صراحةً وأرادوا الاستماع له، فأصلا هذا هو الغرض من هذا الاجتماع. أكمل الجنرال: "أشكّ في أننّا لا نعرف الأشخاص القريبين من المستويات الروحيّة، فعددهم قليل على أيّ حال، ويمكننا فقط قياس طاقة سحرة المستويات المرتفعة كلّ حين وآخر من أجل التأكّد ممّن بلغ المستوى الرابع عشر أوّلا."

"ألا يمكننا فقط النجاة بهذه الطريقة بينما ننمّي قوّاتنا إلى أن يحين الوقت المناسب حيث يكون لدينا عدّة سحرة بالمستوى الرابع عشر قادرين على حماية هذا العالم بعدما يصبحون سحرة روحيّون؟"

"أرى أنّ هذه الطريقة ستكلّفنا أقلّ خسارة."

كان الجنرال مقنِعا بكلامه كثيرا.

تنهّد الكبير أكاغي وقال: "قد يمكننا النجاة لبعض الوقت، لكنّنا لا نعلم متى يحلّ علينا خطر أعظم. أليس علينا الإسراع في الاستعداد للخطر الأكبر بمواجهة الخطر الأصغر؟"

"خطر أعظم؟" تساءل الجنرال ثمّ فكّر قليلا ففهم عمّا يتكلّم الإمبراطور أمامه: "ما نعلمه حقّا هو ظهور ذلك الخطر قبل سنة وعدم حدوث أيّ شيء خطير لعالمنا. كلّنا نعلم عن تلك الكائنات المرعبة التي ظهرت قبل ستّة عشر سنة وقبل عام، لكن على عكس المرّة الأولى فالمرّة الثانيّة مرّت بسلام."

"ولهذا، إن كنت سأراهن فسأختار عدم مواجهة الخطر الأكيد بدل جلبه لأنفسنا على حساب الاستعداد لخطر غير أكيد."

كاد الكبير أكاغي يحنق على الرجل أمامه، لكنّه ذكّر نفسه بأنّ كلّ واحد هنا يحاول إيجاد الطريقة الأفضل لنجاة عالمهم وذلك الجنرال ليس باستثناء. عاد إلى رشده بسرعة وقال: "الخطر الأعظم أكيد لا محالة، ما ليس أكيدا هو وقت مجيئه، ولهذا علينا الاستعداد له جيّدا، فمن يعلم، قد يكون حتّى غدا."


"وأيضا، هناك بعض الوسائل التي سنستخدمها لحماية الناس، لذا يجب عليكم وضع هذا في الحسبان."

تكلّم الجنرال بحسم: "بصراحة، لو أتى مثل ذلك الخطر الأعظم عمّا قريب فلا فرصة لنا أمامه حتّى، لذا يجب علينا ألّا نعمل بـ'الغاية تبرّر الوسيلة'. يجب علينا حماية ما هو أمام أعيننا وترك المستقبل للمستقبل."

"وهل يمكن لسيادتك إعلامنا بهذه الوسيلة التي ستحمي ناسنا؟"

وقف الكبير أكاغي فوقف الإمبراطوران الآخران أيضا، وقال: "في الواقع، يتكلّف قائد جيوشنا الأعلى بهذا الأمر ولا علم لي عنه. أمّا عن كلامك الأسبق فـلك رأي يا أيّها الجنرال لورنس، وأظنّ أنّه يوجد من مثلك. من له رأي آخر فليبده، غير ذلك، من يوافقْني يرفعْ يده اليمنى، من يوافقْ الجنرال لورنس يرفعْ يده اليسرى. لا يمكنني أن أفكّر في طريقة أعدل من هذه. أأنت راض؟"

أومأ الجنرال لورنس رأسه وانحنى قليلا: "لك خالص شكري يا سيّدي."

رفع الحاضرون أيديهم، فنظر بعضهم إلى بعض ليروا النتيجة، فكانت الغلبة بكلّ وضوح لجانب الكبير أكاغي. من بين أكثر من ثلاثين شخص، فقط ستّة أشخاص رفعوا أيديهم اليسرى.

كان الجنرال لورنس متفاجئا للغاية، لكنّ ما صدمه أكثر كانت يد الإمبراطور أزهر هاكوتشو اليمنى المرفوعة. لم يستطع أن يتحمّل الأمر وصرّح مع احتفاظه بنبرة الاحترام: "كان الإمبراطور المبجّل الراحل ليرفع يده اليسرى."

كان أزهر زهير أخو إمبراطور الأمواج الهائجة حاضرا، لذا غضب لمّا سمع هذا الكلام وهاج: "كيف لوقاحتك ان تبلغ هذ..."

رفع الإمبراطور أزهر هاكوتشو يده اليسرى، لكنّها كانت لإيقاف أخيه. نظر بعد ذلك إلى الجنرال لورنس وقال بعزم: "لك الحقّ يا أيّها الجنرال. لربّما كان والدي المبجّل ليرفع يده اليسرى، لكنّه سيكون والدي قبل الالتقاء بشخص عظيم يسمّى باسل، أمّا عن والدي الذي التقى بهذا الشخص، فأنا أؤكّد لك أنّه كان ليرفع يده اليمنى."


عبس الجنرال لورنس لمّا سمع اسم باسل. حسب ما استنتج، فلابدّ من أنّ كلّ هذا يحدث بسبب تأثير ذلك الشخص. حتّى أنّ الإمبراطور كريمزون أكاغي بنفسه لا يعلم عن تلك الطريقة التي ستحمي أناسهم ولكن ذلك الشخص باسل يعلمها. لقد كان هو مصدر كلّ هذه الفوضى.

صرّح الكبير أكاغي: "وبهذا ينتهي اجتماعنا اليوم، غدا سنبدأ استعداداتنا من أجل هذه الرحلات المتفرّقة."

شدّ الجنرال لورنس قبضته من الحسرة وعض شفته بينما يفكّر: "نعم، هذا كلّه خطؤه. منذ ظهوره في عالمنا والحال يسوء. منذ أن ظهر والعالم في فوضى. لقد انقلب العالم رأسا على عقب بسبب باسل ذاك."

***

حلّ ليل يوم الاجتماع، لكنّه لم يكن الاجتماع الوحيد لبعض الأشخاص، فمنهم من التقوا سرّا حتّى يخطّطوا لبعض الأشياء. كان الشخص الذي يقود هذا الاجتماع السرّيّ هو الجنرال لورنس، أمّا الباقين فقد كانوا على ما يبدو الجنرالات الذين اختاروا جانبه وأيّدوا رأيه.

تحدّث الجنرال لورنس: "كلّكم تشاركونني الرأي وتتفهّمونني. لقد غدوت جنرالا في المدّة الأخيرة، لكنّني شاركت في الحرب الشاملة وأعلم مدى قوّة باسل ذاك. لقد كان مرعبا حقّا في تلك الحرب، لكن مضى وقت طويل ولم نعد كالسابق."

"ولكن على عكسنا فقد قضى هو وقتا طويلا في سبات ما ولا يجب أن يكون قد ازداد قوّة كثيرا، ولهذا لنا الأفضليّة هنا. أصلا حتّى لو لم يكن منّا أحد في مثل قوّته، فنحن معا يمكننا ردع أيّ ساحر حتّى لو كان بالمستوى الرابع عشر."

"لا نعلم مستواه بالضبط، ولكن كما قلت، ذلك لا يهمّ طالما نحن مجتمعين."

تكلّم أحد الجنرالات: "حسنا، لقد صرت جنرالا في الرياح العاتية في الآونة الأخيرة أيضا، لكنّني عاصرت حكم إمبراطورنا غلاديوس الموقّر واحترمته وتطلّعت إليه كثيرا، لكنّني لا أحبّ فكرة حكمنا من طرف شخص آخر. يجب أن نفيق سيّدنا بهذه العمليّة."

أكمل جنرال آخر: "معك حقّ، يجب أن نثبت لهم أنّنا على حقّ. لقد كان باسل ذاك على حقّ في الأوقات السابقة، لذا يثق به الأباطرة ثقة كبيرة ويتبعون كلامه، لكن هذا لا يعني أنّه محقّ هذه المرّة أيضا. يجب أن نثبت أنّ فتى بالسادسة عشر ليس كافيا حتّى يقرّر مصير عالمنا بأكمله. هذا لا يُعقل."

كانت لدى هؤلاء الجنرالات نفس الأفكار، لذا حتّى بعدما رُفِض رأيهم بقوا عازمين على تحقيق مرادهم. لم يكونوا يفكّرون في شيء آخر غير حماية عالمهم، واتّبعوا قناعاتهم فقط. لم يكن هناك في قلوبهم حقد شخصيّ أو رغبات مخفية. أرادوا أن يثبتوا منطقهم الذي يرونه سليم، ولو عنى ذلك اختيار طريق غير حكيم.

تساءل جنرال آخر: "إذن، ما نحن فاعلون؟"


كانت الكلمة النّهائيّة للجنرال لورنس، لذا بعد نقاش فيما بينهم أعلن عن هدف عمليّتهم: "التفاوض مع باسل لن يوصلنا لنتيجة، لذا هذه يجب أن تكون عمليّة اغتيال. فقط عندما يختفي ذلك الشخص من هذا العالم سنقدر عندئذ أن نقنع الباقين."

وضع مرفقيه على الطاولة ويديه تحت ذقنه ثمّ صرّح: "فعل هذا الأمر قد ينتج عنه بعض الضحايا منّا، وأكثر من ذلك سنُعَدُّ مجرمين من الدرجة الأولى، وعلى الأغلب سيبدأ البحث عنّا ما أن نختفي، لذا سأسألكم لمرّة أخيرة، هل أنتم عازمون؟"

أجاب الخمسة في نفس الوقت: "كلّ العزم."

كان هناك جنرالان من الأمواج الهائجة، وأربعة من الريّاح العاتية. هؤلاء كلّهم أصبحوا جنرالات بعد مرور وقت منذ الحرب الشاملة، لكنّهم فنوا أعمارهم من أجل مصلحة بلدانهم، لذا فكّروا في أفضل وسيلة لنجاتها.

وقف الجنرال لورنس وقال: "إنّ باسل يفكّر في كسب القوّة كثيرا حتّى أنّه لم يعد يفكّر في المخاطر، وشخص مثل هذا لا يقتل نفسه فقط بل ويجلب الهلاك لأشخاص لا علاقة له بهم. إنّه لأمر مؤسف أن يخسر عالمنا بطلا ذو إمكانيّات هائلة، لكن على هذا الحال سيغرق في إمكانيّاته تلك ويُسقط العالم معه في الهاوية."

عبس ثمّ أكمل: "أسوء نوع من الأقوياء هو ذاك الذي ينسى معنى الضعف عندما يغدو قويّا، فلا يرى أنّ المخاطر التي يمكن له أن يتجاوزها لا يمكن لآخرين أن يواجهوها حتّى."

"سنتحرّك اللّيلة، فلتبدأ عمليّة اغتيال مهدّد العالم."

"حاضرون!"

وافق الجميع على أن يكون الجنرال لورنس هو قائد هذه المهمّة، فهو الشخص الذي كان له العزيمة الكافية حتّى يشعل نيران عزيمتهم. لقد كان باسل في نظرهم تهديد على العالم ووجب إزالته مهما كان.

***


مرّت مدّة مذ اختفى باسل في الشجرة العظيمة، وبدأ بعض الأشخاص يتساءلون عمّا يفعله بالضبط، ولكن ولا واحد منهم تجرّأ على التدخّل في هذا الأمر بعدما أمر الزعماء الخمسة بذلك، وخصوصا بعد مشاهدتهم لما فعله باسل.

انتشرت الأقوال بسرعة كبيرة وكُشِف الغطاء عن بعض الأسرار لقبائل الوحش النائم، مثل ظهور الوريث الشرعيّ، لكن اقتصرت معرفة الأسرار المهمّة على زعماء القبائل فقط، مثل ما يأتي مع ظهور الوريث الشرعيّ، فكان هناك من فرح بهذا الشأن ومن نفر منه نظرا إلى كون الوريث الشرعيّ شخص أجنبيّ.

ومع ذلك كلّهم اتّبعوا أوامر الزعماء وظلّوا بعيدين عن الشجرة العظيمة. لقد كانت الأجواء المحيطة بـ'حياة' غريبة على القبائل بما أنّهنّ يرونها في هذه الحالة لأوّل مرّة، ولكن أكثر شيء جعل قلوبهم ترفرف كانت نظرة حياة للحياة، ففهموا السبب وراء تسميتها بذلك الاسم. كان هناك من أُلهِم واستطاع تطوير سحر تحوّله أكثر فقط بالتأمّل في تلك النظرة للحياة.

كانوا متشوّقين كثيرا لعودة باسل بغضّ النظر عن كونهم سعداء بكونه الوريث الشرعيّ أم لا، وخصوصا الزعماء بما أنّهم أخبِروا أنّ الوريث الشرعيّ سيأتي بالوصفة والتدريب والتقنيات السرّية من أجل إيقاظ الوحش النائم. لقد أتى الوقت الموعود وحان الأوان لتبلغ قبائلهم السموّ الموعود بعد انتظار دام لسنوات لا تُحصى.

مرّت بضعة أيّام على غياب باسل، وفي هدوء تامّ بليلة حالكة اهتزّت الشجرة العظيمة للحظة واحدة فقط صانعة بذلك زلزالا مهيبا، وتحرّك الحاجز الذي بدا في تلك الأيّام كغطاء لحياة، فافترق عنها حتّى عاد إلى مكانه السابق. هدأ الزلزال بعد لحظات من حدوث ذلك، وبعدئذ ظهر باسل يخرج من الحاجز الغامض.

نظر إلى الأرجاء فلاحظ شخصا ما يحملق إليه بعينين تكادان تخترقان روحه فتكشف ما بها، ومع ذلك ما كانتا سوى عينين فضوليّتين، فضوليّتين بشأنه هو الذي ظهر من الحاجز.

ابتسم باسل لمّا رأى صاحب تينك العينين وأشار بيده: "يا، لقد عدت، وأظنّ أنّ الوقت المتّفق عليه قد انتهى، فهل اكتشف السيّد نابغة شيئا؟" لم يعلم باسل كم من الوقت قد مرّ بالضبط في ذلك العالم لكنّه قدّر أنّه أكثر من أسبوع بوقت العالم العادي على الأقلّ.

وقف ذلك الشخص، والذي لم يكن أحدا آخر غير العالم المجنون، ثم خطى مقتربا من باسل شيئا فشيئا بوجه منزعج. لقد كره أسلوب باسل المتذاكي في الكلام معه حقّا وكَره الخسارة ضدّه ولو في أتفه الأمور، وبالطبع كان يعلم علم اليقين أنّ سبب ذلك هو إقراره في قلبه أنّ باسل ليس كباقي البشر الذين يعدّهم أغبياء عامّة.

لقد تخلّى عن بشريّته لأنّه يحتقر البشر ويكرههم، ولكن وجود شخص مثل باسل يُعَدّ كنفي لكلّ مُثُله وقناعاته. ومن دون وعي، كان يتمنّى لو كان باسل ليس ببشريّ، فلربّما عندها يرتاح باله.

تنهّد وشعر بسخافة الأمر حينما فكّر فيه كثيرا، ثمّ قرّر نسيان كلّ شيء حاليا.


توقّف أمام باسل ثمّ صرّح: "لقد فهمت من مراقبتك لكلّ هذه المدّة أنّك تتبّعت شيئا ما، وبالرغم من انّني لم أستطع فهمه جيّدا لكنّه شيء بطاقة هائلة. قلت أنّك ستبحث عن أشياء وأظنّك قد وجدتها هنا. أخبرتني أنّك ستصنع أشياء وأعتقد أنّك تنوي فعل ذلك ومساعدتي مطلوبة، فلهذا أصلا تركتني أكتشف هذا لوحدي؛ لن يكون هناك معنى من مساعدتي إلّم أفهم ما تنوي فعله حتّى."

تنهّد وأكمل: "لا أعلم بالضبط ما تنوي صنعه، لكنّني أشكّ في أنّه يتطلّب ذلك الشيء ذو الطاقة الهائلة الذي تتبّعته كأساس."

حكّ باسل ذقنه ثم أومأ رأسه قبل أن يصفقّ مرّتين ويقول: "جيّد، يمكنني فهم سبب عقد معلّمي تلك الصفقة معك. كلّ ما يمكنني قوله هو لا تجعل من ذلك بلا فائدة. أنا لا أقول هذا بسبب الوعد الذي قطعته حتّى تبرم الصفقة، وإنّما فقط احتراما وتقديرا له."

"ما كسبتَه في ذلك اليوم لا يمكنك أن تحصل عليه من أيّ مكان. حتّى لو كان المرء قويّا كفاية لهزّ العوالم الروحيّة فلا يعني بالضرورة أنْ يملك معرفة ومهارة بتلك الأشياء. ضع هذا في بالك، تلك هي معرفة الخيمياء التي سال لعاب الهرمى المقموعين عليها حتّى."

"الهرمى المقموعين؟" كان أوبنهايمر منجذبا لهذا اللقب. لقد علم تماما ما عناه باسل بكلامه السابق ولم يحتج له في الواقع ليذكّره بذلك، لذا كلّ ما أثار اهتمامه كان اللقب الغامض.

أجابه باسل مغمض العينين: "هم أشخاص مقموعين من العوالم الروحيّة بسبب قوّتهم الكبيرة. نحن في عالم لا ينجح فيه إلّا الأجدر، فلا تعتقد أنّك ستتلاعب بقوانينه وتغيّرها كما تشاء دون أن تكون جديرا بذلك."

فكّر العالم المجنون لقليل من الوقت ثمّ صرّح: "أنا أفهم. كلّما ارتفع الشخص في المستوى قُمِع من العالم أكثر، لأنّه يُعدّ شيئا خارجا عن العادة أصلا." اتّسعت عيناه بعد كلامه هذا وظهرت عروق في ذراعيه من شدّة إحكامه لقبضتيه.

"يمكنك قول ذلك." تحرّك باسل خطوة واحدة للأمام وتمتم بالقرب من أذن الشابّ: "ألا يجعلك ذلك تقشعرّ؟"

بدأ يتّسع فم العالم المجنون ببطء حتّى شكّل ابتسامة، لكنّه استعاد رشده وعبس مباشرة ثمّ حملق إلى باسل: "لا تعبث معي.. همف!"

"هوهوهو" ضحك باسل من ردّة فعل العالم المجنون الطفوليّة. لقد كان حقّا يحبّ العبث معه ومعاملته كطفل، ممّا يجعل الشابّ ينزعج ويتصرّف بطريقة مضحكة.


رفع يده وقال بعد ضحكه: "حسنا، كفانا مزاحا. يجب عليّ الآن الاهتمام ببعض الفئران."

"هوه، طبعا قد لاحظتَهم أيضا." لمعت عينا العالم المجنون وأطلقتا شعاعا عندما التفت إلى زاوية بعيدة. كان ليجعل أمهر السحرة في هذا العالم يرتعدون من نيّة القتل التي صاحبت نظراته المتعطّشة للدماء تلك. لعق شفته السفلى قبل أن يقول: "لربّما يكونون فئران تجاربي."

حدّق باسل إلى الشابّ ذو الوجه الطفوليّ، والمتوحّش، فتنهّد قبل أن يقول: "لا أهتمّ بهواياتك طالما لا تقف في أعمالي." كان يعلم باسل حدود العالم المجنون، ولم يكن ليجرّب هذا الأخير شيئا على أشخاص أبرياء، ولكن من يريدون قتله كانوا مسألة أخرى. "أصلا، أشكّ في أنّ أحدا سيأتي من أجلك وهو لا يعرف حتّى وجهك."

كان العالم المجنون يتخفّى غالب الوقت عبر تغيير شكله، فلم يعرف الكثير هويّته الحقيقيّة، لذا كان من المنطقيّ التفكير في أن هؤلاء كانوا هنا من أجل باسل المشهور.

"ها؟" التفت أوبنهايمر فرانكنشتاين إلى باسل وقال بنبرة شرسة: "أتخبرني أنّهم هنا من أجلك، وأنّني لا يجب أن أتدخّل في أعمالك؟"

ابتسم باسل واجاب: "صدقت. هذا إن لم تكن تريد عرض خدمتك عليّ وكـكرم منّي أوافق على عرضك هذا وأسمح لك بالاعتناء بهم."

"همف..." شزر العالم المجنون إليه شزرا قبل أن يختفي من مكانه. كان قد ابتعد مسافة كافية، وقرّر مراقبة ما سيحصل بهدوء.

اختفت ابتسامة باسل، وأصبح تعبيره عاديا. كانت لديه فكرة عامّة عن قوّة تلك الفئران المختبئة، ولم يبدُ عليه أيّ قلق بشأن ذلك. كلّ ما احتاج لفعله هو إطلاق العنان لمقدار قليل من نيّة قتله في اتّجاه المتربّصين به، حتّى جعلهم يظهرون من أماكنهم.

لقد كانوا بعيدين بمئات الامتار في الواقع، خلف الجبال التي تحيط بالشجرة العظيمة، إلّا أنّ باسل قد كشفهم بسهولة. لم يُرخِ دفاعه للحظة، فلم يكن هناك مجال لهم حتّى يباغتوه أو يغتالوه.

***


بالعودة للماضي قليلا، في اليوم الذي يلي يوم اجتماع الأباطرة والجنرالات، اكتُشِف اختفاء عدد من الجنرالات وبدأ البحث عنهم فورا. لقد كانوا جنرالات ولم يكن اختفاؤهم مسألة طبيعيّة.

مرّت حوالي ثلاثة أيّام قبل أن يحدّدوا وجهة الجنرالات الذين يقودهم الجنرال لورنس، وعلموا أنّها وكر قبائل الوحش النائم.

كان الأباطرة وباقي الجنرالات مجتمعين في نفس الغرفة السابقة مرّة أخرى، وعندما وصلهم هذا الخبر تعجّبوا من الأمر ولم يسعهم سوى التساؤل عن سبب ذلك.

سأل الكبير أكاغي صاحب التقرير: "أهناك شيء ما يحصل في الوكر أم ماذا؟"

"لا نعلم يا سيّدي، ولكن، سمعنا أنّ قائد جيوشنا الأعلى قد زار الوكر أيضا ولا يزال يمضي أيّامه هناك في الوقت الحالي."

عبس الكبير أكاغي وفكّر لقليل من الوقت. فقط ما الذي يمكن أن يجذب باسل وهؤلاء الجنرالات في الوكر؟ لابدّ وأنّ هناك شيء ما ناقص.

سأل صاحبَ التقرير بسرعة: "ألم تعلموا غايتهم؟"

"هذا... في الواقع، نحن نعلم أن قائد جيوشنا الأعلى في الوكر فقط ولا نعلم أيّ شيء عن هدفه حتّى الآن، هناك حراسة مشدّدة على الوكر حاليا لسبب ما ولا يمكننا جمع المعلومات بأريحيّة، وخصوصا حول السيّد باسل."

"ولكن علمنا أنّ الجنرالات بقيادة السيّد لورنس يجمعون المعلومات عن السيّد باسل أيضا. يبدو أنّ اتّباع مساره هو ما جعلهم يصلون إلى الوكر."

"ماذا؟" استغرب الكبير أكاغي والجميع.

بهذا يكون مفهوما أنّ غاية الجنرال لورنس ومن معه هو إيجاد باسل، ولكن ما الغرض من ذلك؟ ليس وكأنّ هناك علاقة بينهم أصلا.

فكّر الكبير أكاغي لوقت طويل لكنّه لم يستطع استنتاج شيء، وبالطبع كان الجميع يفكّروا معه في نفس الوقت، والشخص الأوّل الذي طرأت في باله فكرة كان الكبير تشارلي، فقالها مباشرة نظرا لأهمّيّتها: "لقد قال الجنرال لورنس شيئا ما عن منع سحرة المستوى الرابع عشر من الاختراق إلى المستويات الروحيّة، وعلم أيضا أنّ السيّد باسل هو المتكلّف بحماية السكان أثناء تحوّل العالم الروحيّ، فهل يمكن أنّه ذهب للتفاوض معه بعدما فشل في إقناعنا؟"

تدخّل الجنرال رعد: "التفاوض؟ أيّ تفاوض هناك بعد تقرير الأباطرة والجنرالات أجمعين؟ لقد تأخّرنا عن موعد رحلاتنا بثلاثة أيّام بالفعل بسببهم، وهذا لوحده شيء لا يُغتفر."

تنهّد الإمبراطور أزهر هاكوتشو وقال بأسف: "أعتذر عن ذلك، إنّها غلطتي أنّي لم أحرص على رجال إمبراطوريّتي أكثر."

أكمل الإمبراطور غلاديوس: "إن كنتَ كذلك فالحال سيان معي وأكثر. لم أتوقّع أن يتجمّع أولئك الأربعة كلّهم على رأي كهذا. لقد خانني الأربعة الذين سبقوهم وما كنت لأفعل نفس الخطأ مرّة أخرى، ولكن حصل ما حصل."

وقف الكبير أكاغي وقال: "لا داعٍ للوم النفس الآن. يجب أن نسرع ونجعلهم يعودون؛ فقد لا يتوقّف الأمر عند مجرّد نقاش وتفاوض، وإلّا ما كان الجنرال لورنس ليصطحب معه خمسة جنرالات."

ارتعب الجميع من الفكرة التي لمّح لها الكبير أكاغي، فقال الإمبراطور أزهر هاكوتشو: "هل تخبرني أنّهم يخطّطون لقتل السيّد باسل ما لم تسر الأمور كما يريدون؟"

تنهّد الكبير أكاغي وردّ: "نحن لا نعلم إذا كانت تلك هي نيّتهم، ولكن يجب أن نضعها في الحسبان، وإلّا ستكون هناك خسارة لنا كلّنا."

أومأ الإمبراطور أزهر هاكوتشو رأسه ووافق كلامه: "معك حقّ. لا يمكننا خسارة بطل كالسيّد باسل، فهو نجم أملنا. يجب أن نسرع كما قلت."

"لا،" أحكم الكبير أكاغي قبضتيه وأجاب بحسرة: "أنا لست خائفا على بطلنا باسل، وإنّما على الجنرال لورنس ومن معه."

"هاه؟"

"إن قائد جيوشنا الأعلى ليس رحيما كفاية ليعفوَ عن أشخاص حاولوا قتله."

***

بالعودة إلى الحاضر، كان باسل ينتظر اتّضاح صورة أولئك الستّة حتّى يرى ما إذا كان قادرا على التعرّف على وجوههم، لكنّه لم يميّزهم عندما لاحوا واحدا تلو الآخر. استشعر قوّتهم وطاقاتهم السحريّة فعلم بسهولة مستوياتهم، بالرغم من أنّهم كانوا يحاولون إخفاء قدراتهم عنه.

حدّق باسل إلى الجنرال لورنس ثمّ الخمسة الآخرين وانتظر ردّة فعلهم فقط. لقد كان يريد أنت يعرف من يتربّص به فقط ولم يكن مهتمّا بما يخطّطون له.

اقترب الستّة بحذر شديد من باسل حتّى صارت المسافة بينهما حوالي العشرين متر فقط. لقد كان ذلك المدى كافيا لينفّذ أيّ واحد فيهم تقنياته الهجوميّة بفرصة كبيرة في إصابة العدوّ.

طالت مدّة التحديق إلى بعضهما بعضا، ولم يتحرّك منهم أحد. لقد كان الستّة يقيسون قوّة باسل على مهل كونهم أرادوا أن ينهوا الأمر مرّة واحدة ولا يتركوا له فرصة للهرب ما أن يرى موته يقترب. لقد كانوا عازمين على قتله دون شكّ، وما كانوا يفكّرون في التفاوض قطّ؛ لقد علموا أنّ ذلك لن ينجح أصلا.

ومع ذلك، كانوا جنرالات ومن عائلات نبيلة أصيلة، فتكلّم الجنرال لورنس: "أنا واحد من جنرالات إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، 'فاستريم لورنس'. ما أتيت اليوم إلّا لسبب واحد، ألا وهو إخبارك بالعدول عن جعل عالمنا منطقة محظورة والانتظار ريثما ينمو سحرته أكثر."

"أمم.." فكّر باسل للحظة وفهم ما يحدث بسرعة، فردّ: "فهمت. يبدو أنّ الكبير أكاغي بدأ التحرّك، جيّد." أومأ فأكمل: "ويبدو أنّكم هنا بسبب ذلك. بما أنّه ستّتكم فقط من أتى فلابدّ من أنّ هذا تصرّف مستقلّ، أليس كذلك؟ أو بما أنّك قدّمت نفسك كجنرال من الأمواج الهائجة يجب أنّ أعدّ الإمبراطوريّة ذات علاقة بالأمر؟"

حملق الجنرال لورنس إلى الشابّ أمامه وعبس؛ لقد كان سؤالا وجيها في الواقع. إنّهم مجرمون حاليا ولا يجب على أيٍّ منهم نعت نفسه بالجنرال حتّى، فما بالك بذكر الانتساب إلى إحدى الإمبراطوريّات العظمى؟

أغمض عينيه واستنشق فزفر. لقد حسم أمره تماما مسبقا: "أنت محقّ، لقد أتيت إلى هنا عازما، فاعذرني عن خطئي اللفظيّ، أنا لورنس ورفقائي الخمسة هؤلاء جئنا حتّى نثبت خطأك للعالم."


"هوه،" ابتسم باسل قبل أن يسأل بمرح: "أنّى لك ذلك؟"

أغمض لورنس عينيه مرّة أخرى وأجاب: "لو أوقفت العمليّة، فسنكون ممتنّين؛ حتّى نحن لا نريد لأحد أن يموت. غير ذلك، يجب علينا إجبارك فقط. وإذا لم ينفع ذلك أيضا، فإزالة السبب الرئيسيّ هو الحلّ المتبقّي."

كان يؤمن الجنرال لورنس والخمسة الآخرين أنّه إذا ما اختفى باسل -السبب الرئيسيّ- عن الوجود، فسيرى الآخرون جانبهم من القصّة بشكل أوضح ويقتنعون.

"فهمت." ردّ باسل بهدوء: "لكن، العمليّة لن تتوقّف."

"وا أسفاه!" تنهّد لورنس جدّيّا. لقد أراد حقّا لو قبل باسل طلبهم. برقت عيناه بوهيج مغمور بنيّة القتل، واتّخذ وضعيّة القتال مستعدّا، ثمّ قال: "فلتهلك إذا."

اتّخذ الخمسة الآخرون وضعيّات استعدادهم للقتال، فجعلوا التنفّس في الجوّ المحيط صعبا. كان ليشعر أيّ شخص بالمستوى العاشر فما أقلّ بالوهن فقط بالوقوف بجوارهم. ومع ذلك، كان باسل يقف بأريحيّة بينما ينتظر حركتهم.

استغرب الستّة كثيرا، فقد علموا أنّه ما كان متهاونا وإنّما واثقا، لكنّهم لم يعلموا مصدر ثقته تلك. فعلى أقصى تقدير هو في المستوى الثاني عشر، وذلك ليس كافيا حتّى يجابههم مجتمعين.

ومع ذلك، ما جعلهم يتعجّبون من تصرّف باسل الخالي من الهموم كان ملاحظتهم أنّه في المستوى التاسع فقط بعدما استغرقوا وقتهم في قياس قوّته، وبالطبع كانوا يعلمون عن امتلاكه ثلاثة عناصر، وأنّ إحدى تلك العناصر بمستوى آخر تماما.

ومع ذلك، كانوا متيقنين من أنّ الأفضليّة عندهم، وفوزهم مؤكّد مع الاستعداد لبعض الخسائر. لقد رأوا قوّة باسل في الحرب الشاملة ولديهم فكرة عامّة عن تقنياته وفنّه القتاليّ، ولكن حتّى هم تدرّبوا على فنون قتاليّة أثريّة ورفعوا من مستوياتهم كثيرا.

لم يجد الجنرال لورنس تفسيرا لذلك، ففكّر: "للأسف، بلغ مستوى عال في عمر صغير وأقنع نفسه بأنّه لا يقهر، ولا يمكنه رؤية حتّى اختلاف المستوى بيننا. وا حسرتاه، يجب علينا خسارة هذه الموهبة العظيمة."


كانت تلك لحظات قصيرة مرّت على اللحظة التي أعلن فيها لورنس عن نيّته بقتل باسل، ومع ذلك مرّت طويلة بسبب الأجواء المهيبة.

أكمل الستّة شحن طاقاتهم السحريّة وشحذوها في سيوفهم الأثريّة ذات الدرجة الخامسة والسادسة، والتي تغيّرت أشكالها قليلا بعدما اتّصلت مع عناصرهم السحريّة بشكل وثيق. لم يكن لديهم تحكّما مثاليا لذا لم يستطيعوا دمجها كلّيّا مع العناصر السحريّة، لكنّها كانت في مستوى مقبول بالنسبة لجنرالات.

اهتزّت الأرض وتشكّلت تنانين مائية، وحلّقت طيور لهبيّة فوق رؤوسهم، وتشوّه الفضاء حولهم بشكل مستمرّ جاعلا إيّاهم يختفون ويظهرون في أماكن أخرى في نفس الوقت.

كان للستّة ساحران بعنصر الماء أحدهما لورنس، وعناصر الجليد والنار والأرض والوهم، وكلّهم جعلوا من خبرات حياتهم مسَخَّرة هاهنا، فنسّقوا تقنياتهم فيما بينهم حتّى أطلقوا هالة متكاثفة أوهمت الآخرين بكونها هالة لساحر في قمّة المستوى الرابع عشر، ولربّما شابهت هالة صاعد يحاول الاختراق إلى المستويات الروحيّة.

جعلهم تعاونهم الذي خلق هذه القوّة المدهشة واثقين، واقتنعوا بمقدرتهم على ردع باسل لا محالة. لقد كان ذلك الفتى مرعبا حقّا لكنّه لا شيء في مواجهتهم بتجمّعهم هكذا.

تفرقع الهواء في عدّة أماكن من شدّة الضغط وولّد قنابل صوتيّة جعلت الآذان تصمّ. كلّ ذلك كان بسبب الاحتكاك العنيف بين طاقات الجنرالات التي ترتبط فيما بينها وتجعل الطبيعة والقوانين العالميّة ترتعد.

كان باسل محاطا من كل جهة من المنظور السطحيّ، لكنّ الهجوم كان سيأتي من جهة واحدة بكلّ تأكيد بعدما دمجوا قوّاتهم هكذا، ولكن ذلك لم يكن مهمّا حتّى لو علمه، فسحر الوهم ذاك كان بمستوى مرتفع كفاية ليجعل الشخص يختبر ذلك الهجوم نفسه من جميع الجهات.

كان صعبا كثيرا على الشخص معرفة المكان الذي سيأتي منه الهجوم الحقيقيّ، إضافة إلى أنّ تلك الهجمات الوهميّة تشبه الحقيقيّة ليس في شكلها فقط وإنّما حتّى في الآثار التي يمكنها تركها على روح وعقل العدوّ؛ حتّى لو لم تخلّف جروحا فعليّة على جسد العدوّ، فسوف يمرّ بآلام وعذاب يماثل ذلك الذي يمكن أن يسبّبه له الهجوم الحقيقيّ.

قيل ذات مرّة أنّه يمكن لساحر وهم عبقريّ في المستويات الروحيّة أن يقتل عدوّه دون جرحه حتّى. وفي الأساطير، قيل أنّ بعض الأشخاص يستطيعون جعل الوهم حقيقة، ولم يكن هناك تفاصيل أكثر بخصوص هذه المسألة.

من السماء ومن تحت الأرض، من جميع الزوايا، استهدف باسلَ تنّينٌ برأسين، أو للدّقة، كان عبارة عن تنّينيْن لّف أحدهما جسده على جسد الآخر حتّى التقى رأسيهما.


كان أحدهما تنّينا جليديّا مشبّعا بعنصر الماء الذي شكلّ تموّجات على جسده أمكنها محق أيّ شيء تحتكّ به، واتّخذ الآخر شكل تنّين حمم تكوّن بعدما اندمج عنصر النار مع عنصر الأرض، فبدوَا بعدما التفّا حول بعضهما كتوازن بين عناصر متناقضة في طبيعتها، ممّا جعلهما يكسبان قوّة مدمّرة بعد النجاح في خلق ذلك التوازن.

محق التنين الجليديّ الأعداء وأسكنهم الجمود الأبديّ، وأذاب تنّين الحمم كلّ من فرّ من التنين الجليديّ بدون رحمة. كان التنّينان مشبّعان بعنصر الوهم فكانا يبدوان أكثر وحشيّة ممّا هما عليه بكثير.

حدّق أوبنهايمر فرانكنشتاين بتركيز شديد إلى ما يحصل أمام عينيه وتطلّب الأمر منه جهدا حتّى يميّز الواقع من الوهم بعينيه المميّزتيْن، لكنّه كان مهتمّا في باسل الذي بدا كما لو أنّه لا يواجه أيّ مشكلة في تحديد ذلك ببساطة.

ومع ذلك، كان على المرء مواجهة تلك الهجمات الوهميّة التي تحمل عذابا قاسيا ولم يمكنه مراوغتها، فإمّا ينجح الشخص في ردعها بقوّته الشخصيّة وإمّا يتعرّض لعذابها.

ما كان يثير اهتمام العالم المجنون هو عدم محاولة باسل ردع تلك الهجمات الوهميّة، حتّى أنّه بدا مستعدّا للتعرّض لها عن صدر رحب، كما لو أنّ تلك هي غايته أصلا.

هدير

كلّ تلك التنانين من جميع الجهات اخترقت جسد باسل وجعلته في نفس اللحظة يمرّ بآلام لا يمكن للساحر الطبيعيّ أن ينجو بعقله سالما منها. أحسّ بروحه تحترق وعقله يتجمّد وجسده يتبدّد. شعر بكينونته تباد من الوجود شيئا فشيئا.

ومن بين تلك الهجمات كان الهجوم الحقيقيّ قابعا، والتنّينان الشرسان يفترسان، بتحكّم حسن من أولئك الفرسان.

أصابه الهجوم الحقيقيّ أيضا تأكيدا، وبسبب ذلك ترك لورنس والآخرين والعالم المجنون مندهشين من عدم محاولته حتّى الدفاع عن نفسه.

تمتم فاستريم لورنس لنفسه: "هل يمكن أنّه تخلّى عن المعركة عندما علم أنّه ليس هناك فرصة لفوزه؟!"


كان يعلم علم اليقين أنّ باسل ليس ذلك النوع من الأشخاص، ولهذا تصرّفاته تلك كانت محيّرة كثيرا. لقد تلقّى لتوّه هجوما يعذّب الروح والعقل والجسد مرّة واحدة، فما باله يا ترى؟

انجلى الغبار فنطق صوت جعل قلوبهم تتسارع ضرباتها: "نعم، هذا جيّد لكن ليس كافٍ، أهذا كلّ ما لديكم؟ هيّا فلتكونوا تحدّيّا مناسبا على الأقلّ."

كان باسل يقف هناك كما لو أنّه لم يحصل شيء على الإطلاق، بجسده السليم والمعافى. لقد كان ذلك منافيا للعقل والحس السليم، ومبهما وصادما. كيف للشخص أن يخرج من كلّ ذلك بدون أيّ جرح حتّى؟

كان أكثر الأشخاص صدمة، على غير المتوقّع، هو أوبنهايمر فرانكنشتاين، حتّى أنّه وقف في مكانه وأحكم قبضتيه بينما يحاول اختراق باسل بعينيه كي يرى ويعرف ما الذي فعله.

لقد صُعِق تماما لأنّه علم أنّ باسل لم يستخدم قدرة تلك الحاجز كما فعل سابقا مع زعماء القبائل، وحتّى أنّه لم يُفعِّل طاقته السحريّة أو ما شابه. لقد جابه كلّ ذلك بشكل مباشر.

"مباشرة؟" تعجّب العالم المجنون من هذه الفكرة التي طرأت في باله وحاول دحضها بكلّ الوسائل، إلّا أنّها تبدو الوسيلة الوحيدة لتفسير ما حدث؛ التفسير الوحيد لما حدث هو أنّ باسل كان قادرا على الصمود أمام كلّ تلك الآلام والعذاب بروحه وعقله وجسده وتجاوزها دون التعرّض لأيّ إصابة.

"مستحيل!" كان العالم المجنون مرعوبا من مقدرة باسل على تجاوز كلّ ذلك بهاته السهولة. فكّر لو كان في مكانه فكيف كانت لتكون النتيجة؟ على الأقلّ سيضطر لردع الأوهام واستخدام قدراته حتّى يخرج من الهجوم الحقيقيّ سليما.

فكّر بشكل أعمق: "هل جسده قويّ؟ أم لديه سرعة شفاء ذاتيّ فائقة؟ أم هما معا؟ وما العقل الرزين والرصين الذي يملكه؟"

كانت الاحتمالات تشغل باله كثيرا لكنّه لم يعلم أيّها صحيح، وفقط ظلّ منتظرا فرصة أخرى ليحلّل الموقف.

وفي الجهة الأخرى، كانت أفواه فاستريم لورنس والآخرين متّسعة من الدهشة ولم يستطيعوا تحليل ما حصل حتّى؛ لقد كان ذلك شيئا يفوق فهمهم ولم يشهدوا مثيلا له في حياتهم.


كان باسل ينتظر خطوة الستّة القادمة ولم يتحرّك من مكانه قطّ، فكما قال، هو أراد تحدّيّا مناسبا لاختبار جسده وكانت هذه فرصة مناسبة. وكما استنتج العالم المجنون، قد كانت نجاة باسل بسبب جسده وسرعة تعافيه معا، لكنّه لم يعلم كيف حصل باسل على مثل هذا الجسد.

كان باسل قد وُلِد من جديد بعد إمضاء عام كامل في بيضة طاقة غامضة، وأخذ بعد ذلك رخصة وسلطة الوريث الشرعيّ التي غيّرت فيه أشياء، إضافة إلى حصوله على فرصة بإمضاء الوقت في عالم 'حياة'، بدون الإشارة إلى تمر الحياة الجديدة الذي لا يُمكن تصوّر قيمته الحقيقيّة.

لقد كان جسده في مستوى آخر تماما عن مستواه السحريّ، وكانت قدرات تشافيه مميّزة حتّى أنّها جعلت أوبنهايمر فرانكنشتاين ذا الجسد الغريب يستغرب.

لم يسع فاستريم لورنس ومن معه سوى أن يبلعوا أرياقهم مرتعبين، محاولين تجاوز هذه الصدمة بأيّ طريقة ولو عنى ذلك خداع أنفسهم بمقدرتهم على هزيمة باسل؛ وإلّا ثُبِّطت عزيمتهم وكانت تلك نهايتهم.

***

لقد استخدموا أحد أفضل هجماتهم من البداية فتحطّمت ثقتهم الكبيرة بسرعة، ومع ذلك كان فاستريم لورنس لا يزال محافظا على رباطة جأشه فاستخدمها ليرفع معنويات رفقائه.

"لا داعٍ للقلق؛ لابدّ وأنّ هناك حيلة ما استخدمها، ومن المفترض أن يكون هناك حدود لها. يجب علينا التفكير بمنطقيّة أكبر. إنّه في المستوى التاسع فقط ولا يجب أن يظهر سليما معافا بعد هجومنا المشترك."

كانت كلماته منطقيّة وأعادت الخمسة الآخرين إلى رشدهم بسرعة. لقد كان المشهد صاعقا فجمّدهم في أماكنهم لكنّهم اتّفقوا مع فاستريم لورنس واستعدّوا مرّة أخرى لشنّ هجومهم.

لاحظ باسل أنّهم يريدون تنفيذ نفس الهجمة السابقة، فلوّح يده وقال باسترخاء: "هذا مملّ. لقد أخبرتكم أن تخرجوا كلّ ما لديكم."

توتّر الستّة وغضبوا بعد استفزاز باسل، فسخّروا غضبهم ذاك لزيادة قوّة هجمتهم حتّى أخرجوا كلّ ما لديهم حقّا هذه المرّة، فإذا بتنّين متكوّن من كلّ عناصرهم يرفرف بأجنحته في السماء ويجعل الطبيعة تصرخ من التناقض المخلوق منه.

ساح ظلّه فانقسم إلى العشرات، فكان هناك عشرات التنانين تطوف وتحلّق ذهابا وإيابا مخادعةً العالم نفسه بكونها حقيقيّة فما بالك بأعين البشر. كانت تلك التنانين مثالا حيّا لمخلوقات تسيطر على البرّ والبحر والسماء تحت القمر.

ابتسم باسل متحمّسا أخيرا وتمتم لنفسه: "والآن لنجرّب إلى أيّ مدى يمكن لمثل هذا الهجوم أن يحدثه من ضرر عليّ."

كان من الواضح أنّ غاية باسل في هذا القتال هي اختبار قدرات جسده وعقله وروحه، ولم يضع في الحسبان أولئك الستّة، ولو عنى ذلك شيئا، فسيكون مقدرته على طرحهم أرضا في أيّ وقت شاء.

قطّروا طاقاتهم السحريّة وعصروا خبراتهم كلّها حتّى أنشؤوا هذا الهجوم المرعب. كانوا واثقين من قتل حتّى ساحر بالمستوى الرابع عشر بهذا الهجوم إذا ما حدث وتلقّاه بشكل مباشر؛ فلم يكن هناك مجال ليسلم باسل منه مثل المرّة الماضية.

تزلزلت الأرض تحت باسل وتحوّلت إلى أرض حمم بينما تقترب التنانين، وثقل الهواء فتجمّد وصار قاتلا، وكلّما تقلّصت المسافة بين الطرفين صاحت الطبيعة على شكل موجات صوتيّة قاتلة.


بووم

كان الاصطدام شرسا للغاية ومحق قطر ستين متر من المنطقة المحيطة وعمّق المكان الذي اعتاد أن يكون فيه باسل بعشرات الأمتار إلى الأسفل. لقد كان هجوما ساحقا حقّا.

لهث الستّة بصعوبة بعدما نفّذوا هجومهم الأخير، حتّى أنّ بعضهم سقط أرضا على ركبتيه من شدّة التعب بعدما استفرغوا كلّ طاقتهم السحريّة. اتّكأ فاستريم لورنس على سيفه المغروس في الأرض وحدّق إلى تلك الحفرة العميقة منتظرا حتّى يتأكّد من عدم عودة باسل، لكنّ ذلك الوسواس في عقله كاد يصيبه بالجنون؛ علم في قرارة نفسه أنّه كان ينتظر في الواقع عودة باسل.

وكما لو أنّه استجاب له، طفا باسل خارجا من الحفرة بملابس رثّة ومتّسخة بعدما كانت قبل بداية المعركة بيضاء ناصعة، حتّى أنّها كانت متلطّخة بالدماء ممّا جعل نظرة فاستريم لورنس تشرق قليلا قبل أن يسودّ وجهه مدركا الوضع الحالي.

كان باسل كما السابق سليما معافا بالرغم من أنّه تعرّض لأفضل هجوم يملكون.

"مستحيل!"

لم يريدوا أن يصدّقوا ما رأوه وأرادوا لو كانوا يحلمون، حتّى أن أحدهم صدّق أن هذا مجرّد حلم حقّا وبدأ يتمتم لنفسه بذلك.

"مستحيل؟" كرّر باسل الكلمة وراء فاستريم لورنس، ثمّ قال بهدوء: "وما المستحيل إلّا تعريف لما لا يمكنك فعله في وضعك الحالي. المستحيل عندي مؤقّت وليس مطلقا."

تقدّم باسل بثبات وكلّ خطوة منه أثقلت على قلب الستّة، فاحسّوا كما لو أنّ وحشا لا يُقهر يستهدف حياتهم لا شابّا، وندم بعضهم على اليوم الذي عزم فيه على شيء كهذا.

صرخ أحدهم: "لقد كنّا جهلة، ووجب علينا السمع والطاعة عندما استطعنا."

انكسرت عزيمتهم وعلموا أن موتهم قادم لا محالة. حتّى لو لم يطلق الشابّ نيّة قتله تجاههم كانت عيناه عازمتين على ذلك. شعروا بملك الموت يطوف حول أرواحهم وقيّد سبل هربهم.

وصل باسل أخيرا إلى فاستريم لورنس، فاستجمع هذا الأخير ما لديه من قوّة وانقضّ على عدوّه، لكنّ سيفه طار بعيدا ووجد نفسه معلّقا في الهواء تحت رحمة قبضة باسل وقوّته التي ختمت تحرّكه بأيّ وسيلة.


حملق إلى عينيْ الرجل وأومأ قبل أن يصرّح: "عينان جيّدتان. تحت هذا الضغط وما زلت متشبثا بمبادئك وفخرك كمحارب. لك مدحي واحترامي."

ابتسم فاستريم لورنس وأجاب ساخرا: "لا مفرّ، فإنّه حقّ الفائز أن يثرثر بالكلمات المتفاخرة."

"هاهاها." ضحك باسل بصدق وأجاب: "قسما، صدقت. والآن، يمكنني عدّك مستعدّا."

أغمض فاستريم لورنس عينيه وردّ: "ما كنت لأكون هاهنا لو لم آتي مستعدّا منذ البداية. افعلها!"

ضغط باسل بقبضته، وفي اللحظة التي شعر فيها فاستريم لورنس بروحه تزهق منه، تردّد صدى صوت من بعيد: "توقّف أرجوك."

كان الصوت مألوفا فعلم باسل صاحبه، لذا حدّق بعيدا وبالضبط إلى صاحب الصوت الآنف. أجاب تاركا قبضته مشدودة على عنق فاستريم لورنس بنفس القوّة التي بلغتها قبل أن يصدر ذلك الصوت: "يا أيّها الكبير أكاغي، أقطعت طريقا طويلا إلى هنا حتّى تنقذ حياة هؤلاء؟ لا أحتاج أن أشرح ما فعلوه، أليس كذلك؟"

ظهرت صورة الكبير أكاغي من فوق إحدى الجبال المحيطة، فردّ مستخدما مكبّر الصوت كما فعل سابقا: "لقد خانوا إمبراطوريْهم وإمبراطوريتيْهم، لقد خانوا عالمهم، وأكثر من ذلك، تجرّؤوا وأقدموا على محاولة إطفاء شعلة أملنا الوحيدة. أعلم تمام العلم عن جريمتهم، ومع ذلك أناشدك أن تغفر لهم."

ظهر الإمبراطوران الآخران وكانت مشاعرهما واضحة على وجوههما. ومع ذلك، سأل باسل مرّة أخرى: "ما الفائدة من تركهم أحياء؟ لقد تحدّثت بنفسك عن جرائهم، فماذا يمكن لهؤلاء أن ينفعوا هذا العالم به؟"

تحسّر الأباطرة لما آلت إليه الأمور، لكنّهم أتوا عالمين أنّ هذا سيحدث، وأنّ عليهم إقناع باسل بأيّ طريقة لتجنّب إعدام هؤلاء على يده؛ فلو حدث وأجهز عليهم، سيكون هناك ردود فعل قاسية من ناس هذا العالم وقد يبدؤون في الخوف منه عوض تعليق آمالهم عليه، ولذلك عواقب وخيمة على تطوّر هذا العالم.

يتقدّم العالم الواهن حاليا بسلاسة لأنّ ناسه مؤمنين بمقدرة باسل على إنقاذهم، ولكن إن بدأ يعدم في الجنرالات مهما كان السبب، فستولد بعض المخاوف ويتراجع نموّ العالم؛ سيظهر العديد من الأشخاص الذين لا يريدون اتّباع الطريق الذي سيمهّده لهم.

ردّ الكبير أكاغي بعدما قرّر: "يمكنهم أن يصبحوا عبيدا لعالمنا ويفنوا حياتهم من أجله."

"أمم... مثير للاهتمام." أومأ باسل وقال: "أكمل من فضلك يا أيّها الكبير."


بادله الكبير أكاغي الإيماء وقال: "في رأيي، أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي جعلهم عبيدا لأكاديميّة الاتّحاد العظمى؛ يدرّبون ويتدرّبون فيها؛ يجمعون الموارد اللازمة لها؛ يقاتلون أعداءها؛ يكونون في الجبهة الأماميّة بمواجهة أخطارها."

ابتسم باسل وحدّق إلى فاستريم لورنس قبل أن يفكّ القيد عنه وتركه يسقط على الأرض. كان ذلك موافقته على اقتراح الكبير أكاغي، لكنّه لم يكتف بالشرط المطروح فقط وأضاف شيئا آخر له: "اليوم نجوتم، والفضل يعزو إلى أباطرتكم، فلهم كونوا ممتنّين، وللعالم خادمين. ولكن بما أنّكم أشخاص تحبّون الاجتهاد كما سلف ورأينا، فلكم مكافأة أخرى؛ ستكونون في الجبهة في الرحلة إلى قارّة الأصل والنهاية وتمهّدون الطريق. أو لستم راضين؟"

حملق فاستريم لورنس إلى باسل وقال متجهّما: "لماذا لم تجهز علينا؟"

استدار باسل ووضع يديه خلف ظهره مغادرا، ثم أجاب: "بدل سؤالك هذا، يمكنك تقديم امتنانك الخالص لأولئك الأباطرة الذين ظننتهم لعبة في يدي، فلربّما كنتم لتكونوا في عداد الموتى لولاهم."

شدّ فاستريم لورنس قبضتيه حتّى سال الدم من راحتيْ يديه، وضرب على الأرض من الحسرة. هل حقّا ما يقوله هذا الشابّ هو الأفضل لعالمهم؟ أيجب فعلا أن يعلّقوا عليه كلّ آمالهم؟

تنهّد ثمّ تمتم لنفسه: "لربّما كنت خائفا فقط منه ومن فكرة اعتمادنا الكلّيّ عليه؟"

اتّجه باسل إلى أوبنهايمر فرانكنشتاين وصرّح: "لقد حصلت على ما أردت ولم يعد هناك حاجة للبقاء هنا؛ سوف نغادر غدا بعدما أنهي بعض الأعمال مع القبائل."

كان العالم المجنون عابسا طوال الوقت ولم يشأ أن يفكّر في شيء آخر غير قدرات باسل الجسديّة والعقليّة والروحيّة المبهرة، فأراد أن يعلم سرّها مهما حدث، حتّى أن بعض الأفكار الخطيرة تملّكته وظهرت على تعبيراته، فاتّسع فمه كثيرا وبرُزت عيناه واسودّ وجهه، قبل أن يسترجع ملامح وجهه الطفولي بسرعة.

نظر باسل إليه شزرا فامتدّ وهج من عينه تجاه أوبنهايمر فرانكنشتاين، جاعلا قلبه يضطرب. لقد كان ذلك تحذيرا جليّا من باسل، فعلم العالم المجنون أنّ الشابّ القرمزيّ قد لاحظ وقرأ أفكاره الخطيرة تلك.

"همم..." استهجن ثمّ سأل: "إذن، ما وجهتنا هذه المرّة؟"

ردّ باسل بهدوء: "سنذهب لنحرّر الفتاة من سجنها أوّلا، وبعد ذلك نجوب العالم و'نصنع أشياء'."

"هوه!" اهتمّ العالم المجنون بموضوع الفتاة فقال: "إذن، لقد حصلت على الأداة المتطلَّبة."


"صدقتَ."

تحرّك الاثنان في اتّجاه الأباطرة وألقيا التحيّة عليهم ثمّ تشاركوا بعض الكلمات قبل أن يتّجها إلى عشيرة الغبراء المظلمة.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يحملق إلى باسل طوال الوقت، لكنّه لم يكن بسبب اهتمامه بقدرات باسل الخاصّة حاليا، وإنّما بسبب تفكيره في أمر معيّن جعله يتساءل: "أنت، تعلم أنّني لم أتفق على أن أكون تابعا لك، صحيح؟"

ابتسم باسل بعدما التفت إليه وأجاب: "طبعا، طبعا. هل ربّما جعلتك تحسّ بالنقص؟ أعتذر عن ذلك فلم أقصد التأمّر عليك، وإنّما هي عادة عندي الآن بما أنّني صرت قائدا وكذا... أنت تعلم. هوهوهو."

انزعج الشابّ كثيرا من تصرف باسل المستفزّ، بالرغم من أنّه يعلم أنّه يفعل ذلك عمدا، إلّا أنّه حقّا لا يستطيع طوقه.

"آه، لقد علمت عندها أنّ حياتي ستكون مزعجة من آنئذ فصاعدا."

"هوهو، لا قلق. لن أسمّيه دينا، فهذا لا يوجد في علاقتنا، لكن تذكّر أنّني لا أنسى الجميل، خاصّة."

تجاهله العالم المجنون وأكملا الطريق. كانت علاقتهما معقّدة نوعا ما، ولم يعلم عن ماهيتها في هذا العالم سواهما. أمكن الغريب تفسيرها بعدّة طرق، لكنّه لم يكن ليعلم أيّها أقرب للصواب.

***


تساقطت الشهب بالسماء المظلمة والمرصّعة بالنجوم التي نابت عن القمر شبه الغائب، فتملّك باسل شعور شجيّ؛ اعتاد الاستمتاع سابقا بالبدر، لكنّه حاليا كلّما رآه عادت صورة معلّمه إلى ذهنه، وكلّما حدّق إلى سماء ليلة دلماء ذُكِّر بغياب قدوته.

اتّكأ على شجرة بينما يستشعر الحياة حوله بعدما قرّر الاسترخاء ريثما يحلّ الصباح ويذهب للتكلّم مع الزعماء. كان يرى العالم على شكله الحقيقيّ منذ أن استفاق من نومه الطويل، فعندما تدرّب سابقا في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة، كان قد بدأ يشاهد أشياء غريبة، لكنّ الصورة الآن صارت واضحة تماما له.

أغمض عينيه ورفع سبابته لسبب لم يعلمه إلّا هو، فعندما فتح عينيه رأى تلك اليراعة العجيبة تقف على إصبعه، وبدل أن تكون مضيئة بشكل عادي، كانت مضيئة بسبب طاقة العالم. لقد كانت تلك مجرّد شكل للحياة التي يبعثها هذا العالم الواهن الذي يقف عند عتبة التحوّل إلى عالم روحيّ.

تمتم باسل إلى نفسه: "يجب أن أفكّر مليّا في طريقة خاصّة تجاوز هذا الختم الموضوع على العوالم وإلّا لن أستطيع العبور بمستواي إلّا بعد سنين عديدة، وطبعا لن ينتظرني بعض الهرمى المقموعين ولا ملك الشياطين. بمجرّد ما أن يضعف قليلا فسيكونون أوّل من يسعى إلى اختراقه بالقوّة."

ارتفعت يراعات لا تحصى حوله وطارت نحو السماء، بينما ترقص أسماك زاهية ألوانها في أنهار غير مرئية للعامّة ولا للساحر العادي. لقد كانت تلك أمورا يمكن رؤيتها فقط عند بلوغ مستوى سحريّ معيّن.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يجلس بعيدا عنه مراقبا إيّاه بحرص، لكنّه لم يعلم ما الذي يفعله باسل حاليا، فكلّ ما تجلّى له كان استمتاع باسل بالأجواء المحيطة به ببساطة. تذكّر ذلك العجوز من آنذاك وعبس، متمتما: "لقد تملّك منّي حقّا."

***

مرّت الليلة بهدوء وحلّ الفجر، فراح شجا ذكريات البدر، وما كان للمرء سوى القبول بالقدر.

عُقِد الاجتماع في الغرفة السرّيّة، ومنحهم باسل الوصفة وطرق التدريب والتقنيات الخفيّة حتّى تتمكّن الوحوش النائمة من إيقاظ وحوشها النائمة، وطبعا كانت هناك بعض الشروط التي وضعها باسل لتحديد الأشخاص المرخّص لهم الحصول على هذه الفرصة.


كان أوّلها هو العهد الذهنيّ الروحيّ بعدم إفشاء أيّ أمر بخصوص هذه المسألة لأيٍّ كان ولو لأبناء الدم، وثانيها كان وجوب بلوغ الشخص المستويات الروحيّة قبل تنفيذ إيقاظ الوحش النائم، وثالثها كان أن يُختار فقط من يتجاوز اختبار 'حياة'.

سُئل عن هذا الاختبار الذي ستقدّمه حياة، فقال أنّ ماهية الاختبار ستعتمد على الشخص نفسه، وستتغيّر من أحد لآخر.

كان يجب العمل بحرص شديد بشأن هذه المسألة من أجل تحقيق الغاية المنشودة في المستقبل البعيد؛ كلّ هذا من أجل ذلك اليوم المنتظر.

انتهى باسل أخيرا من هذا العمل، فبدأ الارتحال من جديد بمرافقة العالم المجنون نحو مكان محدّد في 'الشعلة القرمزيّة'. لقد أراد أن يريح ذينك الأخوين بعد معاناتهما الطويلة في انتظار أختهما الصغيرة، والتي بدورها كافحت بمرارة.

عندما وصل باسل إلى منزلهم، أصبح وجها أخويْ القطع مشرقيْن كونهما علما السبب الوحيد الذي سيجعل باسل يأتي إلى هذا المنزل بالتحديد وعدم الإرسال في طلبهما فقط. لم يسعهما سوى أن ينحنيا والدموع تتساقط من أعينهما بغزارة، قبل أن يسألا بتحسّر شديد: "أحان الأوان؟ أيمكن لصغيرتنا 'صفاء' أن تحيا من جديد؟"

أومأ باسل رأسه وأجاب: "سأفعل ما بوسعي."

ردّ الشابّان بحسرة: "عليك نعلّق أملَنا فـإليك قد سلف وسلّمنا أمرَنا وحالَنا."

ظهر العالم المجنون أمامهما فحملقا إليه كما لو أرادا قتله، لكنّهما سبق وعلما أنّه في الحقيقة أنقذ أختهما مهما كانت غايته، لذا انحنيا له وقبلا بمساعدته؛ ما يهمّ حاليا هو عودتها.

أخليا الغرفة وتركا الاثنين لوحدهما بناء على طلب باسل، فتكلّم هذا الأخير: "سنبدأ في صنع المركّب، لذا تعلم ما عليك فعله."

تنهّد أوبنهايمر فرانكنشتاين وأومأ؛ لقد اكتسب معرفة بالخيمياء من إدريس الحكيم الذي كان العديد من العباقرة من الأعراق في العوالم الأساسيّة ليريدوا أن يحظوا ولو بقدر قليل من إرشاداته، وفوق ذلك كانت هناك قدراته الروحيّة والجسديّة الغريبة، إضافة إلى عبقريّته الفريدة في هذه الأمور.


قال باسل: "سأجهّر المكوّنات، وأساعدك بينما تأخذ القيادة في عمليّات الخلط والتدوير والتنقيح والصقل. ببحر روحك العجيب، يمكنك إنجاز الأمر بفعّاليّة أكثر منّي مثل أيّ كيميائيّ ماهر."

"أعلم، أعلم." لوّح بيده وأكمل: "بما أنّك لم تحوّل طاقة عناصرك إلى طاقة خالصة فلن تتمكّن من إنجاز كلّ تلك العمليّات بسلاسة كبيرة كالكيميائيّين الحقيقيّين، ولكن الأمر مختلف معي. فلتسرع ونبدأ حتّى تشهد عظمتي."

لقد كانت هذه فرصته في إثبات تفوّقه ولم يرد إضاعتها، وأكثر من ذلك، لقد كان فقط يريد أن يعلم بسرعة الأداة التي أتى بها باسل. لقد علم أنّ النقاوة التي أحدثتها وردة 'ياسمين الثلج النقيّ' قويّة للغاية، وهي تصارع حاليا التلوّث الذي سبّبه ددمم وطاقة حجر أصل وحش بالمستوى الرابع عشر، لذا لابدّ من أنّ الأداة المقصودة تفوقهما.

قال باسل مرّة أخرى: "تذكّر، ما أن ننتهي سنبادر مباشرة في إيقاظ صفاء. هي في حالة توازن تجعلها غائبة عن الوعي لكن سليمة في الآن ذاته، لذا لم يكن من المستحسن إيقاظها."

"التلوّث مندمج تماما معها، لذا لن تنجح النقاوة في التفوّق على هذا التلوّث إلّا بعدما تبدأ صفاء في استخلاصها، لكن إن لم تبلغ المستويات الروحيّة في الوقت المناسب ستحرق تلك النقاوة بحر روحها الضعيف؛ فتلك النقاوة قويّة كفاية لتصفّي تلوّث وحش بالمستوى الرابع عشر ولن يكون بإمكان ساحرة مبتدئة مهما كانت قدراتها الفريدة أن تتحمّلها لفترة طويلة."

"المركّب الذي سنصنعه اليوم سيمنحها وقتا إضافيّا، والقدرة على الاختراق إلى المستويات الروحيّة بسلاسة دون السقوط للجانب الوحشيّ منها."

"لقد أخبرتك،" استهجن العالم المجنون: "إنّي أعلم كلّ هذه الأمور وقبل أن تعلم حتّى."

حدّق إليه باسل وتذكّر معلّمه. لقد أراد إدريس الحكيم أن يترك الفتاة الصغيرة غائبة عن الوعي ريثما يجدون أداة كفيلة بتوفير بعض الوقت لها ومساعدتها في الاختراق إلى المستويات الروحيّة، لكنّ باسل قد وجد في الواقع شيئا أفضل بكثير من المتوقّع.

"حسنا، هيّا نبدأ."

أخرج العالم المجنون مرجلا أسود اللون، لامعا بالطاقة السحريّة الخالصة، ويبدو كما لو أنّه يملك وعيا خاصّا إذ استجاب لنيّة مالكه وأشعل نارا لم تكن بنار حقّا. كانت تشبه النار في حرارتها لكنّها كانت قدرة المرجل السحريّ في إذابة المكوّنات عبر امتصاصه للطاقة السحريّة الخالصة وتسخيرها كوقود.


ارتفع اللهب عديم اللون من المرجل فتلاعب به صاحبه كما شاء. كان زيادة حرارة هذا اللهب وخفضها لدرجة البرودة ممكنة، واختلفت درجة إتقان التلاعب بذلك حسب موهبة وخبرة الشخص.

استطاع باسل التلاعب بهذا اللهب في مرجل إلى حدّ ما، لكنّه ساحر بعناصر سحريّة لذا إمكانيّاته كانت محدودة في الكيمياء. وفي الجهة الأخرى، كان أوبنهايمر فرانكنشتاين، على ما يبدو، قادرا على استخدام نفس قدرات الكيميائيّين والحدّادين بالرغم من أنّه ساحر بعناصر سحريّة. من يعلم ما الطريقة التي نجح بها في تحقيق ذلك، لكن باسل كانت لديه بعض الأفكار حول ذلك.

أخرج باسل بعض المكوّنات، منها أعشاب سحريّة نادرة وأحجار أصل لوحوش بالمستوى الثامن حتّى المستوى الثالث عشر. كانت هناك ثلاثة أشياء بارزة وسط كلّ تلك المكوّنات إذ أضاءت بشكل مبهر وسرّبت عبقا جعل الروح تهدأ وتتغنّى بالطاقة السحريّة المركّزة فيها.

كانت هذه المكوّنات الثلاثة عبارة عن ثلاث أزهار أولاها تشكّلت كبرسيم أزرق خماسيّ البتلات، وثانيتها كانت تشبه زهرة الكرز لكنّها كانت حمراء كما لو أنّها نبتت من شجرة دامية، وثالثتها كانت زهرة أقحوان سطع بياضها بوهج صفّى الذهن والعقل.

صرّح العالم المجنون: "برسيم الروح المستقرّة الخماسيّ، وزهرة كرز الدم الأصيل، وأقحوان الاتّزان. كلٌّ على التوالي من أجل تصفية الروح، وتنقية الدم والجسد، واستعادة رزانة العقل. يبدو أنّك جمعت بعض الأشياء الجيّدة."

أومأ باسل وردّ: "لقد بحثت عنها عندما ارتحلت مع المعلّم إلى قارّة الأصل والنهاية. هيّا أرني مهارتك."

شحذ العالم المجنون اللهب تبعا لكلام باسل، وتلاعب بالمكوّنات كما شاء، فكانت مرحلة الخلط مجرّد لعبة بسيطة بالمسبة له ولم يحتج لمساعدة باسل قطّ. امتزجت كلّ العناصر بسلاسة ولم يحدث أيّ خطأ سبّب في خسرانها.

بدأ عمليّة التدوير وفيها صنع مكوّنات جديدة من الخليط حتّى صارت العجينة الناتجة مسبقا كقرص خبز يشعّ بالبياض وزرقة السماء، بينما يتخلّله عروق قرمزيّة تنبض باستمرار.

وهنا، تدخّل باسل فانبثقت ثلاث كرات فضّيّة فوق رأسه، جعلت الشخص يغرق في كون من النجوم والمجرّات عندما نظر إليها، وسمحت لعينيْ مالكها أنّ تحلّل وتستنبط كلّ ما بصرتهما. كانت عمليّة التنقيح تحتاج إلى تركيز وموهبة لا تصدّقان، إضافة إلى خبرة أصيلة، لذا كان تدخّل باسل بخبرة معلّمه ضروريّا من أجل التأكّد من نجاح العمليّة.

عجن العالم المجنون قرص الخبز بعدما صهره ونقّاه من كلّ الشوائب، كلّ واحدةً على حدة، ثمّ أعاد العمليّة مرارا وتكرارا بإشراف باسل ومساعدته حتّى أصبح القرص كرة زرقاء يمكن قبضها باليد. تمركز هذه الكرة سائل قرمزيّ بدا كالدم لكنّه تكوّن من الطاقة السحريّة الخالصة والغنيّة بالفوائد العظيمة من تنقيح كلّ تلك المكوّنات، وبداخل هذا السائل برق ضوء أبيض بتكرار.

أمضيا في العمليّات الثلاث وقتا طويلا حتّى وصلا إلى هذه النتيجة، لكنّ العمليّة الأخيرة كانت الأهمّ – مرحلة الصقل. كلّ شيء يعتمد على نجاحهما في توظيف تلك الأداة المنتظرة مع المركب المصنوع.

أخرج باسل من بحر روحه صحنا خشبيّا بدا عاديا، وكان مغطًّى بخرقة بيضاء بسيطة. لم يعلم العالم المجنون ما ذاك، أو حتّى ما هي قدراته ومميّزاته. لقد كان ذلك الشيء غريبا لأنّه بدا عاديا لكنّه لم يعلم إن كان ضعيف أم عالي الجودة. كان غامضا تماما.

كان ذلك هو الصحن الذي يحمل تمرات الحياة الجديدة، وبسبب تغطيتها بالخرقة البيضاء الغامضة لم يستطع الشابّ ذو الوجه الطفوليّ تقييم الأداة.

تكلّم باسل بجدّيّة: "اسمعني، سأفرج عن طرف من الخرقة واستغلّ الفرصة لصقل المركّب بما سيُفرج عنه. لديك عشرة ثوان لا أقلّ ولا أكثر."

استغرب الشابّ من كلام باسل لكنّه لم يناقشه في هذا، فهو يريد أن يعلم بسرعة ما هو هذا الشيء.

رفع باسل الخرقة قليلا عن الصحن، فإذا برائحة من عالم آخر تتسرّب من الفتحة وتقاد بناء على رغبته نحو المرجل. كانت الرائحة تزعزع الروح وتغيّر أجواء الحياة حولها، حتّى أن العالِم المجنون جُنّ بسببها. لقد علم عن رعب هذا الشيء الذي يحمله باسل فبلع ريقه من شدّة الهول. علم أيضا أنّ تلك الخرقة الغامضة كانت تعمل عمل الختم لعظمة الشيء بالصحن.

"ركّز!" رفع باسل صوته وأعاد رشد العالم المجنون.

تمالك الشابّ نفسه بالكاد وبدأ في استغلال العشرة ثوان، وبينما يصقل المركّب بمساعدة ملاحظات باسل، كانت روحه مضطربة ومُغرَيَة. أراد فقط لو يستخلص كلّ تلك الرائحة ويستفيد من عظمة قدراتها. لقد أحسّ بقوّة الحياة عامّة تنبعث من الرائحة.

مرّت العشر ثوان بسرعة البرق، فأغلق باسل الفتحة وأعاد الصحن الخشبي إلى مكعّب التخزين. خاب أمل العالم المجنون كونه أراد أن يأخذ ولو حصّة بسيطة من ذلك الكنز الصاعق.

أكمل الاثنان عمليّة الصقل بعد مدّة لا بأس بها أخيرا، فصارت الكرة الزرقاء عبارة عن حبّة قرمزيّة تماما. كانت النتيجة صادمة وتعجّب أوبنهايمر فرانكنشتاين من هذا الشيء الذي يمكن لمقدار بسيط للغاية من رائحته أن يعطي مثل هذه النتيجة.


جلس الاثنان على الفور يقطران عرقا، وارتاح باسل أخيرا بما أنّهما نجحا، فقال: "من المدهش أنّنا نجحنا من الوهلة الأولى."

حدّق إليه العالم المجنون بينما يفكّر في الكنز الذي غيّر العالم والحياة نفسيهما!

قال أوبنهايمر فرانكنشتاين: "هذه أوّل مرّة لي أصنع فيها مثل هذا الشيء. ماذا يجب علينا تسمية حبّة الروح هذه؟"

فكّر باسل قليلا فردّ: "ما رأيك بحبّة الولادة الجديدة السحريّة؟"

ابتسم العالم المجنون: "أمم... سحريّة لأنّ النسخة الروحيّة منها ستوجد؟"

ابتسم باسل دون أن يتكلّم، فأغمض العالم المجنون عينيه ولوّح بيده: "إنّها 'حبّة الولادة الجديد السحريّة' إذن."

حدّق إليه باسل مطوّلا قبل أن يسأل: "ألن تسألني؟"

كان يقصد الكنز الآنف، وفهم أوبنهايمر فرانكنشتاين ذلك، فردّ بسؤال: "وهل ستجيب؟"

ابتسما بسخريّة ووقفا، فالآن قد حان وقت إيقاظ وإنقاذ الفتاة الصغيرة، وكان ذلك دور باسل وحده. احتاج أن يستخدم نفس الشيء تقريبا الذي فعله معلّمه عليه عندما غاب عن الوعي بعد قتال الأقدم الكبير فالتشر.

صرّح قائلا: "سيجب عليّ تنقية بحر روحها قليلا، ومساعدة النقاوة على التفوّق على التلوث فأخلّ بالتوازن الذي يجعلها غائبة عن الوعي. ما أن أنتهي أدخل الأخوين، فهما من عليهما منحها تلك الولادة الجديدة."

رُتِّب كلّ شيء فبدأ باسل عمله.

***

مرّت مدّة طويلة منذ أن دخل باسل والعالم المجنون إلى الغرفة وأقفلا على نفسيهما، وكان الأخوان ينتظران بفارغ الصبر.

تساءل الأخ الأصغر كاي: "لقد مرّ أسبوع كامل وهما هناك. ماذا حدث يا ترى؟ هل يمكن أنّهما فشلا؟"

ربّت الأخ الأكبر غايرو على كتف أخيه وطمأنه: "لا تقلق، إنّ سيّدنا باسل يفعل ما بوسعه؛ فمتى سبق لنا وأن رأيناه يفعل ما بوسعه ويفشل؟"

ابتسما وأهدآ من روعهما. لقد كانا على ذلك الحال طول الأسبوع الماضي في الواقع، لكنّهما كانا يثقان في باسل ويجدّدان تلك الثقة فيه مرارا وتكرارا، أو بالأحرى، لقد كان ذلك هو أملهما الوحيد ولم يسعهما سوى التعلّق به.

فُتِح باب الغرفة فجأة، فظهر أوبنهايمر فرانكنشتاين بوجه عبوس، فأرعبهما بسبب ذلك، لكنّه أشار بيده إلى الداخل ثمّ غادر المكان. من يعلم ما الذي تسبّب في إزعاجه كذلك؟

***

في الوقت الذي انتهى باسل فيه أخيرا من العمليّة، اختفت الكرات الفضّيّة الثلاث فوق رأسه، وتنفّس الصعداء، منتظرا بفارغ الصبر.

توهّج جسد صفاء بضوء قرمزيّ ساطع وتحرّك عبر محيط جسدها ثمّ تجمّع شيئا فشيئا في جبهتها، فتركّز وبرز هناك يشم قرمزيّ كما لو كان زينة معلّقة.

فتحت الفتاة الصغيرة عينيها على حين غرّة، فكان لونهما مألوفا للغاية لباسل. لقد كان ذلك اللون هو الأحمر، أو بالأحرى نفس لون عينيه تماما.

تفاجأ بتلك الحمرة الخاصّة التي يمتاز بها أعضاء عشيرته فقط، فعبس وفكّر في العديد من الأمور التي جعلت ضربات قلبه تتسارع وعقله يتجمّد. كان الأمر متعلّقا بأصله!

تحرّكت يدها أوّلا، ثمّ جسدها فجلست ونطقت عندما رأت باسل بعينيها الحمراوين: "من أنت أيّها الأخ الأكبر؟"

لم يرد باسل أن يقلق الفتاة الصغيرة، فشكّل ابتسامة تليق بالموقف، وتناسى الأفكار الخطرة حاليا. أجاب بهدوء: "أنا، يمكنك مناداتي بـباسل."

أمالت الفتاة الصغيرة رأسها وأغمضت عينيها ثمّ حرّكت شفتيها مشكّلة ابتسامة مشرقة، فردّت: "أنا صفاء أيّها الأخ الأكبر باسل. لقد كان أنت من ساعدني، صحيح؟"

تفاجأ باسل مرّة أخرى، فأومأ رأسه لها، وأشار للعالم المجنون حتّى ينادي الأخوين.

***

لاحظ أوبنهايمر فرانكنشتاين تلك الحمرة في عيني الفتاة الصغيرة، وحدّق إلى باسل باهتمام شديد، فعبس بينما يفكّر في أصل الشابّ القرمزيّ. لقد كان يعلم أنّه من عشيرة النار القرمزيّة المميَّزة بالعيون الحمراء والشعر القرمزيّ وسحر النار والمواهب العظيمة لكلّ فرد منها، لذا تساءل فيما سبق عن سبب ذلك لكنّه وجد خيطا قد يدلّه إلى الحقيقة.

لقد عدّل على جسده وروحه كي يبلغ ذلك المخلوق المثاليّ الذي ينشده، فكان سرّ العشيرة القرمزيّة موضوع اختبار له ووسيلة للإجابة عن تساؤلاته. ولكن لسوء الحظّ لم يتبقّ سوى باسل، ولا يمكنه الإقدام على فعل أيّ شيء له.

ومع ذلك، عاد أمله عندما رأى عيني تلك الفتاة؛ فلسبب ما، كان لها نفس عينيْ باسل ولم يكن السبب سوى التحوّل الذي طرأ عليها، لذا كانت ستكون هدفا للمراقبة والتجربة حتّى لو لم تغدُ كفرد من العشيرة القرمزيّة تماما.

كان غموض عشيرة باسل قائما طوال الوقت، وحتّى إدريس الحكيم لم يستطع تفسير وجودها، فهم بشر تماما على عكس أشباه صفاء، ومع ذلك يبقون بشرا متفوّقين، فكانوا نوعا ما مثل الوحوش النائمة التي كانت بشرا متميّزين.

خرج حاملا تلك النظرات المتجهّمة ونادى الأخوين للدخول ثمّ غادر ليفكّر قليلا؛ لا يجب عليه أن يبدي نيته في فحص الفتاة أمام باسل، إطلاقا، وإلّا سيفوّت فرصته الوحيدة.

تجمّد غايرو وكاي لوهلة في مكانهما، لكنّهما أسرعا بعدئذ مباشرة نحو الغرفة هرعًا، فإذا بهما يريان أختهما تنظر إلى باسل، بعينيها الحمراوين، بينما يتطاير شعرها ذو زرقة السماء بالريّاح التي غزت الغرفة بعدما فتِحت، وغُمر قلبيهما بالفرحة والسرور اللذين حرّكا جسديهما نحو أختهما الصغيرة، بدموع تنهمر على عودتها إلى الحياة.

كلاهما تحسّر، وكلاهما اجتهد وصبر، ومعزّتها عندهما زادت فقط وفاقت عمق البحر.

"أخي غايرو، وأخي كاي!"

كانت صفاء مندهشة من وجودهما، وفجأة امتلأ جفنيْ عينيها بالدموع قبل أن تسقط دمعة من هناك، وقبل حتّى أن تصل هذه الدمعة إلى الأرض كان الشابّان قد عانقا الفتاة الصغيرة بشدّة بينما يبكون مجتمعين. تساءلوا، ما كانت الكلمات المناسبة في حالات كهذه؟


كلمات؟ من يحتاج إلى ذلك عندما يكون هناك دفء وعطف أولئك الأشخاص الذين تعزّهم أكثر من غيرهم، ويمكنك أن تضحّي بحياتك من أجلهم حتّى. لو كان هناك كلمات يمكنها أن تُقال في هذه الحالة، فقد بلغت الشخص الآخر دون أن يقولها صاحبها.

نظر باسل بابتسامة متعاطفة إلى الأخوين يعانقان أختهما الصغيرة كما لو كانا يتأكّدان من أنّها حقيقيّة وأنّهما لا يحلمان، وكذا كانت صفاء بينما تحاول نسيان كلّ تلك الآلام وعدّها مجرّد جزء من حلمها الطويل الذي استفاقت منه أخيرا.

بقي الإخوة على ذلك الحال لمدّة طويلة، ولم يمل باسل قطّ من مشاهدتهم، وعندما افترق الطرفان عن بعضهما حتّى يريا منظر الآخر، تدخّل باسل وقال: "عذرا عن المقاطعة، لكنّني أريدكم أن تسمعوني لقليل من الوقت."

أراد باسل أن يحدّثهم عن حالة صفاء، وبعدما انتهى من ذلك، سلّم حبّة الولادة الجديدة السحريّة إلى غايرو وقال: "سأتركها في رعايتكما، والتي هي أفضل رعاية يمكنها أن تتلقّاها. سأعود بعد مدّة لا بأس بها، لكن سأحرص على أن أكون هنا إذا ما حدث شيء خارج عن المتوقّع. في الوقت الحالي، يمكنكما الاطمئنان كلّيّا بما أنّ تأثير الحبّة سيبدأ مباشرة."

ربّت على كتفيهما وأكمل: "لقد تبعتماني آنذاك، فوعدتكما وها قد وفيت بوعدي."

انحنيا الاثنان له وقالا بنبرة شكورة ومليئة بالاحترام: "أفضل خيار في حياتنا كان اختيار اتّباعك. فكما وفيت بوعدك لنا، نعاهدك من جديد أن نكون لك خير الأعوان."

ابتسم باسل بلطف وردّ: "خذوا الأمر بأريحيّة، وطالما أنتم تحت جناحي، فأقسم أنّني سأفعل ما بوسعي من أجل حمايتكما وحماية ما تعزّان وتقدّران."

تحرّك باسل نحو باب الغرفة دون أن يقول شيئا آخر، وظلّ كلاهما منحنيان له حتّى اختفى أثره.

تعجّبت الفتاة الصغيرة من تصرّفات أخويها اللّذين اعتادا العناد، والفخر ألّا يتّبعون أيّا كان.

سألت: "من يكون الأخ الأكبر باسل؟"


نظر إليها الأخوان بنظرات فخورة، وأجاب غايرو: "إنّه الشخص الذي أنقذنا من الحياة الفاسدة التي كدنا نعيشها، وجعلنا نلتقي معك هكذا ثانية."

أكمل كاي: "هو أمل عالمنا وسيّدنا الذي نفخر به."

ازدادت دهشة الفتاة الصغيرة أمام أقوال أخويها، وازداد اهتمامها بباسل أكثر فأكثر. تذكّرت ذلك الإحساس الذي تملّكها قبل أن تفتح عينيها، حيث شعرت بسبب صلة غريبة بينهما بحمل ثقيل ومسؤولية عظيمة يقعان على كتفيه، إلّا أنّه كان صامدا كجبل راسخ.

تمتمت لنفسها: "لقد كان مذهلا أيضا عندما أحسست به في بحر روحي، إنّه مدهش، أريد أن أعلم عنه أكثر."

سمع الأخوان كلامها ذاك، فابتسما وجلسا، كلّ واحد على جانب، ثمّ قالا: "إذن دعينا نحدّثك عما نعرفه عنه."

خجلت الفتاة الصغيرة عندما علمت أنّها قالت جهرا ما فكّرت فيه سرّا.

***

مرّت بعض الأيّام منذ أن غادر باسل رفقة أوبنهايمر فرانكنشتاين، وسُمِعت بعض الأخبار على أنّه ظهر في شتّى الأنحاء. قيل أنه صرف وقتا أطول في العاصمة إذْ لوحظ مرارا وتكرارا في العديد من الأماكن حول الحائط العملاق المحيط بها، يفعل أشياء غامضة مثل الغوص في أعماق الأرض والنقش على الأرضيّة والحائط. كانت تلك النقوش غير مفهومة لأيّ كان حتّى لو كانت له معرفة بالنقوش الأثريّة.

تناقلت الأخبار أنّه فعل نفس الشيء في العديد من المدن الكبرى، ثمّ شوهد يتّجه صوب إمبراطوريّة الأمواج الهائجة بعد ذلك، فكانت هناك إشاعات عن فعله نفس ما فعله بالشعلة القرمزيّة. بعد ذلك، صار من المتوقّع أنّه سيرتحل إلى إمبراطوريّة الرياح العاتية، وفِعلًا ذاك ما حصل، ومرّة أخرى هناك نفس الشيء فعل.

كان الأباطرة مجتمعين في أكاديميّة الاتّحاد العظمى بهذه الأثناء يناقشون أمر العالم. كانوا يستعدّون لما هو قادم لا محالة وأوّل شيء كان هو الإشراف على بعض الاختبارات التي سيجتازها بعض الأشخاص هذا العام حتّى يُقبلوا في الأكاديميّة.

أتى أمر باسل في الحديث، فتساءل الإمبراطور غلاديوس: "أيّها الإمبراطور أكاغي، ألن يكشف لنا بطلنا ما يفعله بعد؟"


أجاب الكبير أكاغي: "كل ما نعلمه هو تمهيد طريق الإخلاء إلى المدن التي أخبرنا عنها، وسنرى ما السبب في الوقت المناسب. يبدو أنّه أمر خاصّ نوعا ما لذا لم أتدخّل كثيرا، لكن بما أنّه حليفنا، فلا خوف علينا."

كان ما يفعله باسل مجهولا لكلّ شخص في العالم، إلّا شخص واحد كان قد علم أخيرا الهدف الحقيقيّ الذي أشار له باسل فيما سبق- كان ذلك العالم المجنون الذي يصاحبه، إذْ ساعده في تجهيز بعض الموادّ المتطلَّبة لإنجاز ما ينجزه.

تدخل الإمبراطور أزهر وقال: "كما قلت. والآن، ما أخبار مختلف الفرق؟"

أجاب الكبير أكاغي: "تتكلف حاليا فرقة أكاديميّة الاتّحاد العظمى بقيادة الجنرالات كاميناري رعد، وكروز، وأزهر زهير، بالمناطق المحظورة المحيطة بـ'بحيرة العالم المباركة المحاصرة'، ويبدو أنّهم في تحسن مستمر إذْ واجهوا وحشا بالمستوى الرابع عشر وهزموه دون التعرض لأيّ خسارة."

"بعض جنرالاتنا في الإمبراطوريّات الثلاث يمشّطون كلّ المناطق المحظورة بها، منقسمين لثلاث فرق. أمّا عن قارّة الأصل والنهاية، فقد عانت الفرقتان المخصّصتان لها، ويبدو بأنّ الجنرالات الستّة المعاقبين قد أصيبوا بجراح بليغة ويتعافون في الوقت الحالي بعد مقابلة قطعان هائجة من فيلة الصحراء الميّتة."

عبس الأباطرة مجتمعين، وفهموا مرّة أخرى أن باسل قد عاقبهم حقّا بوضعهم في الطليعة وخصوصا عند استكشاف المناطق.

تساءل الإمبراطور غلاديوس: "وماذا عن أرخبيل البحر العميق؟ أما زلنا سنترك الأمر لبطل البحر القرمزيّ؟"

أومأ الكبير أكاغي مجيبا: "ذلك صحيح. أخبرني أنّه في الواقع متّجه إليه حاليا."

لم يفهم الكبير أكاغي غاية باسل من الذهاب إلى هناك صراحةً، بما أنّهم قد بحثوا في المكان بعد الحرب الشاملة وجمعوا منه كلّ ما له قيمة بالفعل.

وعن السلاسل الجبليّة الحلزونيّة، فقد تسلّمت قبائل وكر الوحش النائم أمرها وأمورها تسير بشكل سلس، وخصوصا بقوّاتها العظيمة التي ظهر جزء صغير من عظمتها الحقيقيّة عندما اخترق سحرتها إلى قسم مستويات الربط الثاني.


***

في هذه الأثناء، كان باسل يحلّق في السماء الشاسعة قاطعا عشرات الأميال في وقت وجيز، بينما يرافقه أوبنهايمر فرانكنشتاين الذي ملك جناحين ناصعيْ البياض خلف ظهره. كانت الأراضي تحتهما تتغيّر بمرور الثواني حتّى بلغوا المحيط وتابعوا التحليق.

اقترب العالم المجنون مكتّفا يديه من باسل وقال: "أخبرني عن هدفك الآن، فأنا لن أسايرك بعدما قدّمت لك مساعدتي المتطلَّبَة. ليس كما لو أنّك ستذهب كلّ الطريق إلى الأرخبيل فقط من أجل القضاء على وحوشه بالمستوى الرابع عشر."

فكر باسل لقليل من الوقت وبدا كما لو أنّه يتجاهل السؤال، لكنّ ذا الوجه الطفوليّ قال شيئا علم أنّه يدور في عقل باسل: "أنت ذاهب إلى هناك لأنّ الأمر يتعلّق بظلّ الشيطان، لا، للدقّة، الأمر متعلّق بذلك الشيطان الذي سمعت عنه."

عبس باسل قليلا فالتفت إلى العالم المجنون وردّ: "تخمينك في محله. يجب أن أعلم كلّ شيء عن ذلك الشخص. إنّه يملك كنزا لا يجب على شخص مثله أن يملكه، لذا عليّ أن أفهم كلّ ما يتعلّق به ويدور حوله. وكبداية، سأدرس ظلّه."

لقد كان إبلاس قاتل معلّمه، وكتلميذه يجب عليه أخذ قصاصه طال الزمن أم قصُر، لكنّ ذلك لم يكن السبب الوحيد بعدما علم عن كنز إبلاس – الصحن الفخّار العجيب من آنذاك.

"تدرس ظلّه؟" تعجّب العالم المجنون: "كيف لك ذلك والظلّ قد انجلى؟"

كان باسل ما يزال عابسا، فأجاب: "أفعالك، آثارك، مخلّفاتك، يمكنك القول عنها 'مسارك'، فلربّما تختفي حياتك لكنّ مسارك سيظلّ هناك."

حكّ أوبنهايمر فرانكنشتاين ذقنه بينما يفكّر لقليل من الوقت، وفهم شيئا: "إذن تخبرني أنّه باستطاعتك قراءة وتتبع ذلك المسار؟"

التزم باسل الصمت ولم يكلّف نفسه عناء الإجابة، ومع ذلك كان الصمت علامة عن الرضى بالنسبة للعالم المجنون، الذي سأل بعد ذلك باهتمام: "أيمكن أن هذه إحدى خواصّ تلك القدرة العجيبة التي ورثتها عن معلّمك؟"


كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يشير إلى الحكمة السياديّة التي لم يعلم عنها شيئا سوى أنّه رأى ذلك العجوز يستخدمها فيما سبق، ورأى باسل بعدئذ يوظّفها.

ابتسم باسل بسبب سرعة ذي الوجه الطفوليّ في استيعاب الأمور، وزاد من سرعته واضعا بينهما مسافة كبيرة، جاعلا الشابّ يغتاظ: "أتظنّني لا أستطيع مجاراتك؟"

اختفت في تلك الأثناء الابتسامة من على وجه باسل، وظهر وجه بارد بعينين عازمتين بنيّة القتل الملتهبة في حمرتهما، ولم يسعه سوى أن يتمتم: "لأنحرنّك أن أراك أمامي."

كان هذا الشعور نابعا من قلب باسل. في ذلك الوقت، لاحظ أنّ إبلاس يحاول إغراق فرائسه في يأسه، وإحدى طرقه في تحقيق ذلك كانت إيذاء المقربين من الضحيّة، وهاته الفكرة جعلت باسل يرتعد من المصير الذي قد يحدث لكلّ من حوله دون أن يقدر على فعل أيّ شيء سوى المشاهدة بعجز.

أمضى سنة كاملة قبل أن يولد من جديد، وعندما عاد إلى الحياة مرّة أخرى، كان أحد القرارات التي اتّخذها هو قتل شيطان اليأس إبلاس.

جدّد باسل قسمه: "أقسم أنّي لست بتارك منك لحما ولا عظما!"

***

ظلّ أرخبيل البحر العميق مهجورا طوال الوقت بعدما فُحِص آخر مرّة، وكان قد عاد إلى أصله حيث غدا يعجّ بالوحوش السحريّة في كلّ مكان كونه منطقة محظورة قبل كلّ شيء. لربّما جعله حلف ظلّ الشيطان مقرّا له لكنّ الحلف كان دائما يكلّف أعضاءه بمهمّات التنقيّة. لقد كانت هذه ثاني أكبر منطقة محظورة في العالم بأجمعه، والمكاسب التي يمكن ضمنها بالاستقرار فيها كانت لا توصف، وخصوصا من ناحية النموّ.

كانت المناطق المحظورة غنيّة بطاقة العالم أكثر من العالم الخارجيّ، وكلّما كبُرَت المنطقة المحظورة زادت كثافة ونقاوة طاقة العالم فيها، ولهذا لطالما كانت المناطق المحظورة المكان الأمثل للتدرّب بالرغم من الخطورة المرتقبة، ويمكن القول أنّ هذه الخطورة جزء من التدريب أيضا.

تطوّر العالم الواهن مؤخّرا لدرجة كبيرة وصارت طاقة عالمه كثيفة بشكل عجيب فسمحت بدورها للسحرة أن ينمو أكثر، وكاستجابة لنموّهم ينمو العالم مرّة أخرى وهكذا... وحاليا كان لا شكّ في أنّه قريب من التحوّل إلى عالم روحيّ، وذلك سيحدث ما أن يظهر ساحر روحيّ يجعل العالم الواهن يستجيب لرغبته في استنزاف الطاقة الروحيّة، فيتحوّل العالم إلى عالم روحيّ.

في الوقت الحالي، كان أرخبيل البحر العميق محكوما من وحوش سحريّة بمستوى مرتفع جدّا، وبالتأكيد كانت ذات المستوى الرابع عشر منها. كان مقرّ ظلّ الشيطان وسط الأرخبيل لذا وجب على الشخص المرور بعقبات عصيبة قبل بلوغ مراده.

وما أن اقترب الاثنان من الأرخبيل حتّى لاحظا مخلوقات بحريّة عجيبة الأشكال، فقد يرى المرء حيتانا دامية تثب على البرّ للحظات من أجل وجبة مارّة ثمّ تعود إلى البحر، فتلقى أسماكا أسنانها أكبر من رأسها وتتحرّك كحشود تلتهم ما في طريقها.

كانت السماء مليئة بالطيور الجارحة وبعضها كان أسطوريّا، حتّى أنّه كان هناك بعض الطيور التي تملك خواصّ التنانين والعنقاوات. تصارعت كلّها من أجل سيادة تلك السماء وتنافست على الفرائس في البر والبحر.

امتلأ برّ الجزر بكلّ أنواع المخلوقات البريّة بدءا من الفئران القاضمة وصولا إلى وحوش تجعل البدن يرتعش فقط برؤيتها. كلّ هذه الوحوش السحريّة، سواء في البرّ أو البحر أو الجو، تصارعت من أجل السلطة ، فجعلت الأرخبيل يتحوّل لمنطقة محظورة دامية لا يمكن لبشر الدخول إليها حتّى.

حام باسل بالسماء قبل الدخول إلى المنطقة المحظورة وقال: "سيكون هناك أكثر من عشرة وحوش بالمستوى الرابع عشر على الأقلّ، ولا أريد تضييع طاقتي كثيرا من أجل عملي الرئيسي هنا، لذا يمكنك الحظي بما شئت منها."


كشر العالم المجنون عن أسنانه وقال بسخريّة: "ماذا، ماذا؟ هل السيّد الصغير لا يمكنه تحمّل مثل هذا الشيء البسيط لوحده حتّى؟"

علم أوبنهايمر فرانكنشتاين أنّ هذه فرصته حتّى يردّ لباسل كلّ سخريّاته إليه.

ابتسم باسل ثمّ أجاب: "لا، ظننت أنّ أخذ المتعة كلّها دائما لوحدي أمر مؤسف وغير عادل تجاهك، أو ماذا؟ لا تقل لي أنّك ذعرت."

ابتسم الشابّ ولم ينزعج من كلام باسل، فردّ: "أنا أعلم أسلوبك الآن فلا تتوقّع منّي الوقوع في نفس الخدعة مرارا وتكرارا."

بدا وجه باسل خائبا فاستدار وتمتم لنفسه: "أظنّني الوحيد الذي سيحظى بمقابلة مع سلالة تنّينيّة على وشك الاختراق إلى المستويات الروحيّة إذن."

استعدّ للتحرّك لكن العالم المجنون أوقفه: "انتظر، ماذا تعني بكلامك؟"

وضع باسل سبّابته على ذقنه وأمال رأسه قليلا متسائلا: "أيّ كلام؟"

كان من الواضح أنّه يدّعي الجهل، وكان ذو الوجه الطفوليّ يعلم ذلك أيضا، لكنّ فضوله أعماه فقال: "لقد قلت شيئا عن سلالة تنّينيّة، ماذا تعني بذلك؟"

واصل باسل تمثيله وتساءل: "هل قلتُ شيئا كهذا يا ترى؟" استدار حتّى يكمل مسيره بعدما قال: "على كلّ، يمكنك فعل ما شئت، لكن بما أنّنا قرّرنا أنّني سأعتني بوحوش المستوى الرابع عشر فلا تتدخّل في أموري وإلّا ذلك لن يكون بتدريب مناسب حتّى."


تحرّك باسل هذه المرّة فلحقه العالم المجنون بهرع: "لا، انتظر، لقد غيّرت رأيي. بالتفكير في الأمر، لقد عانيت من الكسل وخمل جسدي في الآونة الأخيرة، فما رأيك أن أزيح عنك بعض الثقل فتتكفّل بعملك الرئيسيّ وأتعامل أنا مع الوحوش السحريّة."

"همم؟" تظاهر باسل بالتعجّب: "ما الذي حدث لك؟ كيف صرت مهتمّا فجأة؟"

ابتسم العالم المجنون وأجاب: "هيّا، أو ليس هذا تعاملا منّي يتّبع تماما العهد بيني وبين العجوز؟"

حكّ باسل ذقنه وتظاهر بالتفكير وتصنّع اتّخاذه قرار ما: "ونِعم الرفقة أيّها العالم المجنون. حسنا، لك ذلك." كشّر عن أسنانه ثم طار داخلا إلى الأرخبيل.

لعق أوبنهايمر فرانكنشتاين شفتيه ثمّ تبعه بعدما تمتم: "فلنرَ هذه السلالة، لربّما تملك بعض الخواصّ التي أحتاجها."

كان لدى باسل فكرة عن الأرخبيل من الخريطة التي منحها له الكبير أكاغي والتي رسمتها فرقة الاستكشاف عندما أتت إلى هنا، فاتّجه صوب المكان الذي اعتاد مقرّ ظلّ الشيطان الكون فيه.

كانت سرعته كبيرة لدرجة كبيرة حتّى أنّه تجاوز كلّ الوحوش السحريّة قبل أن تلاحظه، وبعد مدّة كان أمام قلعة سوداء منهدمة كلّها تقريبا، ولم يبق سوى بعض الحيطان المجزَّأة، التي تسمح لأشعّة الشمس بالمرور إلى تلك الغرفة المظلمة التي لا تقبل بنور داخلها.

كانت الغرفة في نهاية الطابق العلويّ للقلعة السوداء، وبالرغم من أنّ المكان انهدم كلّه إلّا أنّ الغرفة ظلت صامدة بينما ترتكز على تلك الحوائط الواهنة، وبدت كما لو أنها ستسقط من علوّها في أيّ وقت.

كُتِب على بوّابتها المُزيّنة بنقوش أثريّة: "ظلّ الشيطان، هدّام الضروس."

لقد كانت تلك هي غرفة الشابّ الذي أرعب العالم ذات مرّة. حسب كلام الكبير أكاغي، علم باسل أنّه لا أحد استطاع فكّ شفرة تلك النقوش الأثريّة متعدّدة الأنماط حتّى الآن فظلت الغرفة غامضة، وبما أنّهم حاولوا الدخول عنوة وتعرّضوا لهجوم مضادّ كوسيلة دفاعيّة اختاروا ترك الأمر لخبير.


وقف باسل أمام تلك البوّابة التي شكّلت عليها النقوش الأثريّة شابّا يجلس على قارب بشراع رقيق في بحر شاسع، ولكن عند النظر بشكل أعمق يجد المرء أنّ الشابّ يتربّع على هلال في فضاء فسيح وليس قاربا في بحر شاسع، وأمّا عند التحديق بعينين حكيمتين، أمكن الشخص رؤية شكل الصورة الحقيقيّة، إذْ شكّلت شخصا ينتظر الفرصة المناسبة ليغرس سهمه في السماء عبر ذلك القوس الذي يتّخذه مِطية.

أخذ باسل وقته في فكّ شفرة النقوش الأثريّة ولم يتسرّع، وبالرغم من أنّه في قلب الأرخبيل إلّا أنّ الوحوش السحريّة لم تقترب من هذا المكان بإهمال، فعلى ما يبدو قد حصلت بعض المعارك هنا سبّبت في هدم القلعة السوداء، لكنّ غرفة هدّام الضروس ظلّت سليمة، وعندما حلّل باسل نقوشها الأثريّة فهم السبب أخيرا.

يبدو أنّ هذه النقوش الأثريّة بأنماطها المختلفة كانت تخزّن في البوّابة طاقة سحريّة هائلة تهاجم بشكل تلقائيّ كلّ من يحاول الدخول عنوة، ويبدو أنّ الوحوش ابتعدت عن هذه المنطقة بعدما هاجمتها وتعرّضت لهجوم مرتدّ من حيث لا تدري. ومع ذلك، كانت لا تزال هناك بعض الوحوش السحريّة التي تمرّ من حين إلى آخر دون أن تقترب كثيرا.

مرّت مدّة لا بأس بها، حتّى فكّ باسل شفرة النقوش الأثريّة أخيرا، فإذا بالبوّابة تُفتح تلقائيّا. دخل إلى الغرفة ثمّ أغلق وراءه البوّابة فتفعّلت النقوش الأثريّة من جديد.

عندما دخل، شمّ رائحة عطرة كرائحة الخزامى، ممزوجة برائحة الخشب، أو للدّقة برائحة الكتب، ولمّا نظر إلى الأرجاء بعدما أضاء الغرفة قليلا بشعلة صغيرة، وجدها فارغة من الممتلكات الباهظة الثمن أو الكنوز العتيقة، وكلّ ما أحاطه كان كتبا فـكتبا. كان في الغرفة سرير عادي، وبجانبه طاولة بسيطة فوقها صحن عليه شمعة متآكلة كلّيّا، وصورة مرسومة غير واضحة بما أنّ الإضاءة لا تصلها.

حدّق الشابّ القرمزيّ إلى الغرفة العجيبة، ثمّ ذهب إلى الطاولة وجلس عليها بينما يلاحظ كمّيّة البساطة التي كان عليها هذا المكان بالرغم من أنّه كان مبيت ظلّ الشيطان بنفسه. كانت هناك شموع موضوعة بجانب الطاولة، فأطفأ باسل الشعلة التي صنعها، وأخذ واحدة من الشموع وأشعلها كبديل ثمّ وضعها في صحن الشعلة المتآكلة، وعندئذ حمل الصورة ورأى ما بها.

كانت الصورة لبدر يشعّ بسماء مزيّنة بنجوم بدت كأنّها وُضِعت هناك لتُبدي عظمة القمر فحسب، وبجانب البدر كانت هناك فتاة صغيرة العمر ناصعة البياض وتبدو كالأميرة شيرايوكي وهي صغيرة، حتّى أنّ باسل ظنّها هي في الأوّل. كانت الفتاة مبتسمة وتشير بإصبعها إلى القمر ببراءة، كما لو أنّها تحاول إخبار شخص ما بروعته، إلّا أنّها كانت هناك لوحدها فقط، بجوار ظلّها.

كُتِب أسفل البدر شيئا بلغة عتيقة، لكن باسل كان قادرا على فهمها: "أريحا"

ابتسم لمّا قرأ الاسم، وصرّح عاطفيّا: "نعم، إنّها حقّا أريحا."


وضع الصورة في مكانها بعد وقت طويل من النظر إليها، ثمّ أخذ كتابا من أحد الرفوف المحيطة به، وأخذ يقرأ فيه حتّى أنهاه كلّه، فاختار كتابا آخر، والتالي، وهكذا حتّى مضى وقت طويل وتآكلت العشرات من الشموع. لقد كان يقرأ تلك الكتب باستمتاع وخصوصا إحدى القصص التي أثارت اهتمامه كثيرا بالرغم من قصرها وبساطتها.

حكت القصة عن شابّ فقير وجد ذات مرّة فانوسا سحريّا في كهف عتيق فصار بسببه غنيّا وقويّا. لقد كانت القصّة طفوليّة لكنّه استمتع بها لسبب ما وقرأها مرارا وتكرارا. لم يكن للقصّة اسم، فسمّاها في الوقت الحالي 'الفانوس السحريّ'.

مرّت أيّام وهو هناك يقرأ في كلّ تلك الكتب باهتمام، ولمّا انتهى أخيرا وقف من على الكرسيّ الخشبيّ ووضع كتاب الفانوس السحريّ في مكعّب التخزين، ثمّ تحرّك صوب السرير واتّكأ عليه. نظر إلى السقف بينما يفكّر، ولم يسعه سوى أن يتمتم: "ربّما... لربّما كنّا لننسجم جيّدا ونكون صديقيْن في أوضاع مختلفة، وا حسرتاه!"

نام هناك لقليل من الوقت قبل أن يستيقظ أخيرا، عازما على بدء عمله الأساسّي. جلس متربّعا فظهرت ثلاث كرات فضّيّة حملت بداخلها أكوانا ومعرفة غير محدوديْن.

ظهرت ثلاث نجوم في عيني باسل؛ في عينه اليمنى نجمين، وفي اليسرى نجم. تحرّكت النجوم حول حدقتيْ عينيه ببطء شديد كما لو كانت متوقّفة. في هذه الأثناء، لم يعد الشابّ القرمزيّ مجرّد باسل الساحر، لكنه كان الحكيم السياديّ.

رفع يده اليمنى وخطّ بها قوانين عالميّة بحكمة سياديّة لا يمكن فهمها، وبعد مدّة كان قد صنع فضاء خاصّا.

"عالم الحكيم."

تكلّم بعزم بعد ذلك: "الدرجة الأولى: البصيرة الحكيمة السحيقة!"

توهّجت عيناه والنجوم التي كانت تتحرّك بشكل بطيء تسارعت حتّى بدت كقرصين حول حدقتيْ عينيه، وفي هذه الأثناء استطاع باسل أن يرى كلّ التفاصيل التي لا يمكن لبشر أن يراها، ومن خلالها يفهم كيف حدثت بعض الأمور، وكيف تحدُث حاليا، وكيف ستحدث مستقبلا. كلّ شيء أصبح جليّا له عندما بصره بتينك العينين الحكيمتين.

كان يواجه وقتا عصيبا في هذه الأثناء، وبدا عليه التعب كثيرا، فكان من الواضح أنّ استخدام قدرات الحكمة السياديّة يؤثّر عليه سلبا من ناحية، ولم يمكنه الصمود في تلك الوضعيّة لوقت طويل.


تنفّس بصعوبة وقال: "الدرجة الثانية: التحليل الحكيم الشامل!"

ظهرت بعض الفتحات على لحمه وسالت الدماء منها بغزارة، وبعد لحظات ظهرت جراح عميقة في كلّ أنحاء جسده بينما تُرشّ الدماء في كلّ مكان كأمطار غزيرة.

هذا فقط ما حدث لجسده، أمّا بحر روحه فقد كان يحترق ولم يسعه فعل شيء. تلك لم تكن بحكمته السياديّة أصلا، ولم يكن هو الشخص الذي وُهِب إيّاها، وهذا لوحده كافٍ أن يجعله يختبر الموت آلاف المرّات إذا لم يمت، فما بالك عندما تجده ساحرا ببحر روح فقط وليس ساحرا روحيّا ذا روح كاملة مكتملة؟

تقيّأ كمّيّة كبيرة من الدم، وبالرغم من أنّ قدراته الشفائيّة كانت استثنائيّة، إلّا أنّ الضرر الذي كان يتلقّاه فاق ذلك بكثير. ومع ذلك، احتاج إلى أن يعلم ويعرف مهما كان الثمن. فإذا كان الثمن هو آلام قاتلة، فسيتحمّلها ويتجاوزها.

ابتسم بوجهه الدامي وقال: "وما هذا إلّا تدريب آخر."

***

كلّ أثر خلّفه ظلّ الشيطان وراءه، ما لمسه، وما حرّكه، كيف فعل ذلك، كم من الوقت احتاج، كلّ شيء بات واضحا لباسل في حالته تلك. كانت روحه تتعذّب وجسده يُقطع لكنّه واصل العمليّة دون تردّد، وبعد وقت طويل ابتسم وبدا كما لو أنّه وصل لنتيجة ما.

اختفى عالم الحكيم فجأة وتوقّف القرصان حول حدقتي عينيه عن الدوران فانجلت الكرات الكونيّة الفضّية فوق رأسه واختفت النجوم من عينيه، فسقط ممدّدا على الأرض بينما تتقطّر دماؤه من كل أنحاء جسده ببطء.

"لقد فهمت. هوهوهو، طبعا ستفعلها هكذا يا إبلاس، والآن قد ازداد اهتمامي أكثر بالكنز الذي سمح لك بالتنقّل بين العوالم هكذا."

كان إبلاس يستخدم كنزا عتيقا من أجل التنقّل من عالم إلى آخر، لكن يبدو أنّه ليس قادرا على فعل ذلك بسبب ختم العوالم. كانت الطريقة المصرّح بها هي بوّابة العالم، أو بوّابات العالم التي توجد في العوالم الرئيسيّة، لكنّ كلّ هذه البوّابات كانت متّصلة ولو انتقل شخص ما عبرها فسيدري حارس بوّابة العالم الأصليّ مباشرة.

كان يستخدم إبلاس هذا الكنز حتّى لا تُكشف تحرّكاته ويظلّ دائما متقدّما عن أعدائه بخطوات عدّة. وحاليا، بدا كما لو أنّ باسل اكتشف شيئا آخر متعلّقا بهذا الكنز العتيق.

ارتاح لأيّام حتّى تعافى كلّيّا من الأضرار التي سبّبها استخدام الحكمة السياديّة، فقد كان ليموت لولا قدرات شفائه الذاتي الاستثنائيّة، وحتّى بهذه القدرات استغرق أيّاما كي يُشفى تماما.

وقف عندئذ ثمّ عاد ليجلس عند الطاولة البسيطة، وحمل صورة أريحا مبتسما، فصرّح: "لم أرَ بشكل أعمق كما يجب."

علم باسل من خلال بصيرته السحيقة وتحليلاته الشاملة أنّ الصورة هي المفتاح الذي يبحث عنه، لكنّه عندما حاول بكلّ جهد الرؤية عبر أسرارها وفكّ أحاجيها، لم يتمكّن من تحقيق ذلك بالوسائل العادية. لقد تطلّب الأمر منه أكثر من الملاحظة والمراقبة العاديتين؛ احتاج أن يستخدم الحكمة السياديّة مرّة أخرى.

ظهرت الكرات الكونيّة من جديد وأحيط بعالم الحكيم فشغّل قدرتيْ البصيرة الحكيمة السحيقة والتحليل الحكيم الشامل، لكنّه عضّ شفته كونه علم أنّ هاتين القدرتين غير كافيتين هذه المرّة.

لم يكن يجب عليه المراقبة والتحليل فقط، وإنّما التحكم بشكل خالٍ من العيوب في كلّ سرّ من أسرار هذه الصورة.

ابتسم وانغمس في عمله الذي كان أحد أفضل الأشياء التي يفضّلها إلى جانب المغامرة، ألا وهو حلّ أعقد الأحاجي والألغاز.

تفعيل الدرجة الثالثة: التحكّم الحكيم السليم!

كانت الصورة مجرّد صورة في البداية، لكنّها صارت تبعث أشعّة من الإطار المحيط بها بتوهّج من النمط المرسوم عليه. وللدّقة، لم يكن هناك نمط مرسوم ولا أشعّة منبعثة، لكنّ باسل كان قادرا على رؤية هذه الأشياء المخفية بعينيه الحكيمتين.

لم يمكن الشخص العادي ملاحظة هذه الأشعّة أو الأنماط المرسومة إذْ كانت مطموسة عبر مصفوفات سكنت تلك الصورة، كما لو كان للصورة فضاءً خاصّا فيه عالم معزول.

تحرّكت طبقات الضوء في اتّجاهات مختلفة بينما تحمل معها حروفا رونيّة غيّرت قوانين العالم وجعلت الواقع وهما والعكس صحيح. علم باسل ما حقيقة تلك الحروف الرونيّة وبدأ يتحكّم بها.

"لحسن الحظ، لديّ تجربة في التحكّم بالمصفوفات الروحيّة وأنا بمستويات الربط، وبخبرة الحكمة السياديّة وقدراتها سأفكّ لغز كلّ المصفوفات التي تبني هذا العالم وتجعله يتّخذ هذه الصورة شكلا له، أو على الأقلّ مدخلا له."


يبدو أنّ صورة أريحا قد كانت عالما ثانويّا في الواقع!

كان باسل قد تدرّب مع معلّمه على النقوش الروحيّة قبل أن يخترق إلى قسم مستويات الربط الثاني، فكان شعوره وإحساسه مألوفين. كانت تنقصه المعرفة الحاسمة سابقا لكنّه يملكها الآن بفضل تضحية إدريس الحكيم.

تحسّر باسل ولم يسعه سوى أن يتفوّه بحزن: "لقد كسب حكمته السياديّة من أرض الوهب والسلب العتيقة بعد عناء دام لسنوات عديدة، إلّا أنّه مرّرها لي مضحّيّا بروحه، وسلّم لي عن طريقها كلّ المعرفة التي ملكها. لقد كنت أعلم أنّه كان الأفضل، لكن هذا فاق كلّ توقّعاتي."

وبينما يحلّ لغز أريحا تجوّل في عقله لقليل من الوقت مفكّرا في الألغاز التي سعى إدريس الحكيم إلى حلّها، ومن بينها كان لغز الأربعة عشر، ولغز المختارين، وألغاز عديدة لا يمكن للعقل البسيط التفكير فيها كأصل العوالم الأساسيّة.

أراد باسل أن يعلم عن هذه الأشياء ويكتشفها بقدر ما أراد تحقيق غايات معلّمه الموروثة إليه، ولكن بعدما تغلّب على نيّة السلطان ذو الطغيان بسبب تضحية إدريس الحكيم، اكتشف منها بعض الأشياء التي جعلت كلّ تلك الألغاز تزداد تعقيدا فقط لا غير.

كان يعلم أنّ لغز الأربعة عشر الذي بحث فيه معلّمه لا يُقصد به الأربعة عشر المختارين، فكلا اللغزين كانا مفترقين، ولكن نوعا ما لاحظ أنّ حلَّ واحدٍ يجعل حلّ الثاني سلسا وأكثر سهولة، وكذلك كان الحال مع باقي الألغاز.

كلّ هذه الألغاز كوّنت شبكة جعلت باسل غير قادر على تجاهل فكّها، وإلّا سيكون مجرّد حشرة وقعت في شراكها بينما تنتظر موتا بطيئا.

قال بعزم بعد وقت طويل من التفكير: "لأبلغنّ الأصل!"

لقد كانت عزيمته أشدّ ممّا كانت عليه في أيّ وقت: "لا آبه بكم سيستغرقني هذا الأمر، عشرات أو مئات السنين، أو حتّى ألفيات لا تُحصى، فسأفكّ عقدة تلو الأخرى وأجعل الشبكة حبلا مستقيما يخلو من الغموض. ذاك مساري الروحيّ!"


أمضى بعد ذلك وقتا طويلا، ولربّما كان أيّاما، حتّى غدا أخيرا قادرا على تمييز كلّ نمط وطريقة فكّه. لقد كان هذا العالم الثانويّ مصنوعا بطريقة معقّدة استحال على أيّ أعين أن ترى عبرها إلّا إذا كانت لها حكمة متناهية أو قادرة على تمييز الحقيقة من الوهم ولو في براثن الظلام.

اجتاحت طاقة روحيّة عالم الحكيم وجعلته يهتزّ فأثّر ذلك على روح باسل وجسده، فحتّى لو كان قادرا على فتح هذا العالم الثانويّ كانت السيطرة عليه أمرا مختلفا تماما، وخصوصا بمستواه الحالي، ولولا التحكّم الحكيم السليم لكان في عداد الموتى بسبب كمّيّة الطاقة الروحيّة الهائلة التي كانت لتُفجِّر بحر روحه مرّة واحدة بعد فتح العالم الثانويّ.

سيطر على تدفّق الطاقة الروحيّة وتحكّم في النقوش الروحيّة والحروف الرونيّة ثمّ وضع كلّ ما يملك من تركيز على تسخير كلّ قواه في قمع تلك النيّة الشرسة التي تحاول إبعاده ومنعه من الولوج إلى أريحا.

كانت النيّة تبعث هالة تُيئِّس البشر وتغرقهم في ظلامها اللانهائيّ قبل أن تقتحم أرواحهم وتلتهمها كتغذية لها.

عبس باسل واستجمع ما ملك من قوّة. لقد كان في حالة يرثى لها بعدما استخدم الحكمة السياديّة لهذا الوقت الطويل وأجبر بحر روحه على التلاعب بتلك النقوش الروحيّة والقوانين العالميّة، ومع ذلك، كان مصرّا على إكمال عمليّته ووضع كلّ شيء في هذه المرحلة الأخيرة التي فرضت عليه مجابهة نيّة العالم الثانويّ وقمعها مؤقّتا حتّى لو لم يهزمها كلّيّا.

توهّج جسده كما حدث تماما للصورة، فاكتمل بينهما الاتّصال أخيرا وتفوّق على النيّة بمهارة، فتحوّل إلى خيط من الضوء واختفى بداخل ذلك العالم الثانويّ.

وفي اللحظة التي أبصر بها تجلّت بحيرة أمامه معتدلة الحجم، وكانت محاطة بغابة صغيرة طُوِّقت بدورها بجبال شامخة. بدت هذه المنطقة كحصن طبيعيّ غنيّ بالموارد السحريّة.

كانت كثافة الطاقة السحريّة قويّة أكثر حتّى من تلك التي في أرخبيل البحر العميق، وبسبب ذلك كانت هناك العديد من الأعشاب السحريّة النادرة، والأزهار ذات العبق الزكيّ، والعبير الذي بعثته البحيرة.

تمتّع باسل بالجوّ هنا، فحدّق إلى السماء الحالكة ولاحظ البدر هناك، لكنّه علم أنّه كان مجرّد تجسيد من طاقة العالم الثانويّ لا غير، وفي حقيقته هو مجرّد إضاءة مصطنعة.


قال بوجه جدّيّ: "اليوم نيّتك يا إبلاس، وغدا روحك!"

تقدّم نحو البحيرة، فلاحظ نتوءا على سطحها. كان ذلك الشيء البارز يتحرّك بشكل حلزونيّ في البحيرة بينما يطلق هالة شرسة ونيّة قتل يسعها التهام أيّ شيء بشراهة مرعبة.

لاحظ أنّ النتوء كان في الحقيقة زعنفة قرش يسبح باستمرار حتّى يبلغ حدود البحيرة ويعود من جديد بينما يسبح حول البحيرة بشكل حلزونيّ حتّى يبلغ المركز. كان يكرّر العمليّة دون توقّف أو اهتمام بمرور الزمن.

حدّق باسل إلى الزعنفة ثمّ جلس بينما يتأمّل في البحيرة أيضا. لقد كان هناك شيئا خاصّا بالقرش والبحيرة؛ أراد أن يعلم عن السبب الذي يجعل قرشا يسبح في البحيرة بتلك الطريقة كما لو كان ذلك الهدف من وجوده.

مرّ بعض الوقت قبل أن يشعر باسل بإحساس مألوف ينبعث من البحيرة، فعلم عن ماهيّته فتسارعت ضربات قلبه قليلا ووقف مباشرة: "إنّه شعور مشابه للّذي بعثه قرص بحيرة المائة الفضّيّ آنذاك! حسنا، لا يمكن أن تكون هذه هي تلك البحيرة، لكنّني أفهم أخيرا كيف استطاع إبلاس تجميع مثل هذه الطاقة الهائلة وتكوين هذا العالم الثانويّ الغنيّ بهذه الطاقة السحريّة."

"كما توقّعت، المفتاح هو الكنز العتيق الذي يسمح له أن يتلاعب بالفضاء. ظننت في الأوّل أنّه كنز يسمح له بالتنقّل عبر العوالم، لكنّه أيضا وفّر له القدرة على تكوين فضاء خاصّ. يبدو أنّه سخّر قرص البحيرة المائة الفضّيّ حتّى يستخلص الطاقة اللازمة من بحيرة المائة نفسها كي يصنع هذا العالم."

"قد يكون عالما ثانويّا ضئيلا، لكنّ صنعه ليس بشيء بسيط وحتما توجّب على الشخص امتلاك مستوى خارق أو كنز عتيق يعوّضه عن نقص قوّته. وأخيرا بعيني الحقيقة خاصّتيه، أمكنه التلاعب بقوانين عالميّة سرّيّة وأنشأ هذا العالم، من أجل تدريب ظلّ الشيطان، هدّام الضَّروس."

أخذ باسل بضع خطوات إلى الأمام فاقترب من البحيرة، وما أن حاول لمسها حتّى هاج القرش واتّجه نحوه مباشرة بسرعة خاطفة. كان واضحا أنّ القرش وحش سحريّ، والآن تأكّد باسل من مستواه. لقد كان في قمّة المستوى الرابع عشر.

ابتعد باسل واضعا بينه وبين القرش مسافة آمنة، ثمّ قال: "أفترض أنّه اكتسب بعض خواصّ بحيرة المائة بعدما أمضى وقتا طويلا في هذه البحيرة التي نُسِخت من الأولى. لن يكون بمشكلة في العادة، لكنّني مرهق تماما حاليا. سأركّز على التعافي قبل أن أبدأ في اكتشاف البحيرة وهذا العالم الثانويّ كلّه."


جلس باسل متدبّرا، واضعا جلّ تركيزه على استعادة طاقته وشفاء جسده، بينما يتغذّى من الطاقة السحريّة لهذا المكان، والتي شكّلت ثقلا على بحر روحه بكثافتها ونقاوتها الاستثنائيّتيْن.

تمتّع هذا المكان بسكون يحمل معه السكينة، فاستمتع باسل بذلك وترك نفسه يندمج مع العالم الثانويّ حتّى ينتفع أكثر فأكثر.

فتح عينيه فجأة وقال: "لا شكّ في أنّ إبلاس قد علم أنّ أحدا قد دخل إلى عالمه الثانويّ، لكن لحسن الحظّ لا يمكنه فعل شيء الآن بما أنّ العوالم مختومة عن بعضها."

حتّى لو كان باسل في قرارة نفسه يرغب في قتل إبلاس الآن، فهو لا يمكنه تحقيق ذلك بمستواه الحالي، ولم يسعه سوى أن يحمد ربّه ويشكر الشخص وراء هذا الختم.

"عسى أن ترقد روحك في سلام يا أيّها السابع."

***

كانت الأجواء في عالم أريحا هادئة ومريحة بشكل خياليّ، فأمضى باسل وقتا طويلا هناك لم يعلم عن مدّته بينما يستنفع من الطاقة السحريّة النقيّة وعالية الجودة هناك.

وعلى عكس الهدوء الذي تمتّع به، كان الشخص الذي رافقه إلى أرخبيل البحر العميق يواجه وقتا عصيبا. كان التعب باديا على وجهه بينما يجري من جزيرة إلى أخرى بسرعة خاطفة.

وبالرغم من أنّ وجهه كان شاحبا من التعب، إلّا أنّ فمه كان حيويّا، إذْ صرخ باستمرار: "يا لعين، تذكّر أنّك خدعتني واستغبيتني، لكنّني أنا، أوبنهايمر فرانكنشتاين، أفضل عالم في التاريخ، لن أنسى فعلتك هذه، ولأردّنّ الجميل ضعفين."

"يا لعين..." صرّ على أسنانه: "عندما أنتهي هنا سآتي عندك وأجعلك تستضيفني جيّدا. أيّها اللقيط، تجرأ على التلاعب بي؟ سأريك من له اليد العليا عندما أكسر رأسك اك."

"النغل الوغد، جعلني أعاني هكذا من أجل مجرّد سحليّة بالكاد يمكنها كسب خواصّ التنين حتّى لو تأصّلت مائة مرّة. سلالة تنّينيّة؟ قال سلالة تنّينيّة قال..."

توقّف عن الجري فجأة والتفت إلى خلفه فكان هناك حشد هائل من الوحوش السحريّة بمختلف المستويات، ويتقدّمهم وحش سحريّ بالمستوى الرابع عشر، اتّخذ شكل التمساح لكنّه كان سحليّة كبيرة يمكنها ابتلاع تمساح ناضج دون الحاجة لمضغه، ولكن امتازت هذه السحليّة بأجنحتها الأربعة التي بدت كأجنحة الوطاويط.

زئير

كانت عينا السحليّة مغمورتين بنيّة القتل تجاه العالم المجنون الذي فقط الخالق وحده يعلم ماذا فعل بهذا الوحش السحريّ حتّى يستشيط غضبا لهذه الدرجة.

عبس أوبنهايمر فرانكنشتاين وحدّق إلى عينيْ الوحش السحريّ دون تردّد، وفي هذه اللحظات كانت عينا صاحب الوجه الطفوليّ اللتين تبدوان بريئتين عادةً حادّتين ومتوّهجتين بضوء أحمر متعطّش للدّم.

"لا تكوني غاضبة هكذا يا سحليّة فقط لأنّني غزوت وكرك ونهبت بعض الأحجار والأعشاب السحريّة واختبرت دمك. تبّا، لهذا أكره المخلوقات الغبيّة. يا له من إزعاج."

اختفى من مكانه فظهر فجأة أمام السحليّة كشبح ما، وبسبب سرعته الكبيرة التي جعلت صورته ضبابيّة، لم تُلاحظ لكمته التي صدمت رأس الوحش السحريّ حتّى طار مئات الأمتار في السماء.

ظهر شكل العالم المجنون بشكل أوضح، فكان يطوف هناك بجناحيه ناصعي البياض، بهالة سوداء تنبعث منه كأنّما كانت هالة مشؤومة من أرض محرّمة.

حدّق إلى ذراعه اليمنى التي لم تكن بذراع بشريّ، فتميّزت بتلك المخالب السوداء التي لعبت دور الأصابع في نفس الوقت، والقشرة الصلبة الفضّيّة التي بدت كقشرة تنّين عتيق. لقد كانت ذراعه كذراع تنّين تجسّد في هيئة بشريّة.

"همف،" رمق حشد الوحوش السحريّة وصرّح: "والآن بما أنّكِ أيّتها الوحوش الوضيعة جعلتِني أظهر ما في جعبتي لأقاتل بجدّيّة قليلا، لا تتوقّعي الخروج من هنا حيّة. سأحاول ألّا أنفّس عن غضبي كلّه عليكِ حتّى تبقى هناك حصّة من أجل ذلك الخبيث."

اختفى من السماء وظهر أمام حشد الوحوش السحريّة بالأرض، فشرع يخترق أجسادها بعدما حوّل ذراعه الأخرى أيضا إلى ذراع تنّينيّة. لقد كان هناك أكثر من مائة وحش سحريّ عشرة منها فوق المستوى العاشر، إلّا أنّه رقص في أرض المعركة على ألحان صرخات الوحوش الفظيعة تحت مطر من الدماء.

استحمّ في الدماء وقطع الأمعاء والأحشاء في الأرض والسماء، وهاج هنا وهناك وتردّدت ضحكاته المجنونة في كامل الأنحاء. قتل الوحوش بشتّى الوسائل، حتّى أنّه استخدم سموما وأدوات عجيبة انفجرت بعدما تلاقت بهدفها فدمّرته.

ابتسم بينما يحمل بعض الكرات حجمها يصل لحجم الدائرة التي تنتج عن التقاء الإبهام بالسبّابة. كانت تلمع كالجواهر، او للدّقة كأحجار الأصل، إلّا أنّ الوهج الذي يكون عادة بداخل أحجار الأصل مستبدل في هذه الكرات بطاقة بنفسجيّة تدور باستمرار وبسرعة كبيرة. نُقِش على هذه الكرات نقوش أثريّة عتيقة سطعت كما لو أنّها تتفاعل مع دوران الطاقة البنفسجيّة بالداخل.

"هاهاها..." ضحك كالمجنون فأخرج عشرة كرات ورماها على الوحوش السحريّة: "تذوّقوا اختراعي الأخير. همف، قد يكون الوغد أراحني قليلا بما أنّه أنهى حياة هدّام الضروس، وإلّا لم أكن لأحصل على جسده وأفهم طريقة عمل عنصر الدمار؛ فبسبب ذلك كنت قادرا على توليد القدرة التدميريّة بنجاح لهذه القنابل. ولكن هذا وذاك شيئان مختلفان، سيجب عليه دفع ثمن خداعي، بالإضافة إلى أنّني ساعدته أيضا وبـنيّة منّي على عكسه."

نزلت القنابل السحريّة على الوحوش السحريّة فأسقطت العديد منها في لحظات بعدما فجّرتها والمنطقة المحيطة بها لأشلاء حتّى أنّ الغبار اندثر.

"أمم... جيّد بالنسبة للمرّة الأولى، عشرة وحوش بالمستوى السابع واثنان بالمستوى الثامن وجراح بليغة لوحوش المستوى التاسع والعاشر."

وبالطبع كانت الوحوش تحت المستوى السابع كلّها عجينة من الدم واللحم منتشرة على الأرض، فالوحوش بهذه المستويات لم تنجُ من هجماته الجسديّة حتّى.

هاجت السحليّة وأتت محلّقة من بعيد مخترقةً سرعة الصوت بينما تصرخ. غلّف سحرها جسدها فصار وجه العالم المجنون جدّيّا لمّا رأى ذلك.

"عنصر التعزيز. لو كان نادرا عند البشر فهو أندر عند الوحوش السحريّة، لربّما هو السبب الذي خوّل هذه السحليّة أن تبلغ هذا القدر من القوّة."

عبس ثمّ لعق شفتيه قبل أن يتمتم: "قد تكون هذه المرّة الأولى لي ضدّ عنصر التعزيز. حسنا فلنجعل هذه السحليّة مقبّلات قبل الوجبة الرئيسيّة."

اختفت السحليّة فجأة من أمام عينيه و نفس الأمر حدث لطاقتها وحضورها، كما لو أنّها محيت من الوجود حقّا، لكنّه عضّ شفته وتمتم: "اللعنة، لقد بدأت تستخدم قدرتها الخاصّة، سيكون هذا مزعجا نوعا ما في الحالات العادية، لكن..."

كانت قدرة هذه السحليّة تتمثّل في إخفاء حضورها، وليس إخفاؤه فقط في الواقع بل تصل لدرجة محوه كلّيّا، كما لو أنّها لم تكن موجودة من قبل أصلا.

كان هذا الوحش السحريّ يدعى بـ'الحرباء التنّينيّة الناقصة'، وقدرتها هذه خالية من نقط الضعف بالنسبة للسحرة العاديين، لذا حتّى عندما تكون في المستويات المنخفضة وقبل أن تتطوّر إلى هذه الدرجة المرعبة كان يجد معظم الخبراء صعوبة في التعامل معها وقليلا ما ينجون من شراكها.

ارتفعت طاقة العالم المجنون السحريّة دون توقّف فبلغت ذروة شحنها بسرعة، وفي نفس الوقت امتّدت القشرة الصلبة الفضّيّة التي تغطّي ذراعيه إلى باقي جسده، ومن عصعصه برز نتوءٌ نما شيئا فشيئا بينما تمتدّ عليه القشرة الصلبة أيضا، حتّى صار في النهاية ذيلا اتّخذت حافّته شكل سهم أسود اللون.

لمع جسده الفضّيّ هناك، وأحاطته طاقته السوداء التي ناقضت نقاوة جسده الفضّيّ.

طال شعره قليلا وبلغ كتفيه، وتوقّفت القشرة عند محيط وجهه، فجعل ذلك وجهه يبدو أشرس ممّا كان عليه، إذْ صار راشدا بعدما كان طفوليّا وغدت عيناه الدائريّتان حادّتين وثاقبتين.

لم يستطع الإحساس بالسحليّة حتّى الآن، لكنّه انتظر هناك بصبر حتّى أنّه لم يكلّف نفسه عناء النظر، وفجأة فتح عينيه واستدار ثمّ لكم الهواء فانطلقت نيران بيضاء مع قبضته واجتاحت كلّ في طريقها.

لقد كانت تلك لكمة من ساحر بالمستوى الرابع عشر، وبنار في درجتها الرابعة من إمكانيّتها الوحيدة ذات الدرجات السبع؛ لقد كانت النار البيضاء، التي كانت درجة لا يبلغها سوى عباقرة متميّزين.

رُشّت الدماء في الهواء وحلّق جسد السحليّة بعيدا بعدما ظهر فجأة، بينما تعاني من الحرق المركّز من تلك اللكمة التي اخترقت جانبها الأيمن وحرقت أحد جناحيها اليمينيّيْن. صرخت متألّمة وسارعت في إلقاء بعض السحر على جراحها حتّى توقف النار البيضاء من الانتشار.

في اللحظة التي لامس جسد السحليّة جسد العالم المجنون، استطاع هذا الأخير الاستجابة بردّة فعل سريعة بشكل مرعب حتّى أنّه تجنّب الصدمة التي كان سيتلقّاها من الهجوم، وللدقّة، قد حرّف مسار الضربة عبر ميل جسده مراوغا إيّاها في الوقت المناسب، وفي نفس الوقت ردّ الهجوم.

"همف، بعد إيقاظ الدم، لا يمكن لأيّ شيء أن يهرب من حواسّي الخمس المصقولة إلى أقصاها، والتي تُنتِج حاسّتي السادسة التي يمكنها كشف ورصد نملة تحت الأرض، فما بالك بتغيّر ضغط الهواء على جسدي الناتج من اقتراب جسدك بقوّة؟"

لم يكن لينجح أيّ شخص في تحقيق ذلك لو لم يملك حواسّا تجعله يقيس الوقت بالضبط ويستجيب بالسرعة المطلوبة. لقد كان استثنائيّا حقّا!

'إيقاظ الدم'، كان هذا الاسم الذي منحه العالم المجنون لتحوّل جسده هذا الذي لم ينتج عن طاقة سحريّة؛ لم يكن هذا سحر التحوّل بل مجرّد تغيّر في هيئة جسده. من يعلم ما الذي فعله حتّى كسب هذه الخواصّ الوحشيّة وهاته الدماء القويّة؟

حدّق إلى جسد السحليّة وأكمل: "لقد عاد عليكِ عنصر التعزيز بالضرر بما أنّه للمسافات القريبة غالبا، ولكن حقّا المخلوقات الغبيّة فقط من ستقع في مثل هذا الفخّ البسيط. فقط عندما اعتقدتِ أنّه لا يمكنني رصد حضورك تخلّيت عن الدفاع ووضعت كلّ ما تملكين من طاقة في الهجوم."

تحرّكت الوحوش السحريّة المتبقّيّة فجأة بانسجام كما لو أنّها شكّلت تشكيلا حربّيا، فهاجمت العالم المجنون من جميع الجهات، وبالرغم من أنّها واجهت قبضات وركلات ساحر بالمستوى الرابع عشر دون نسيان تحوّله الغريب وصارت بعدئذ بقعا من الدماء تلطّخ الأرض والسماء، إلّا أنّ الوحوش التي نجت استمرّت في الهجوم باستماتة.

ضحك أوبنهايمر فرانكنشتاين بجنون بينما يجتاح تشكيل الوحوش السحريّة مستمتعا برؤية رؤوسهم تُسحق على يديه وأعضائهم الداخلية تُحطّم برجليه، كما لو أنّه يختبر قوّته وما يمكنه بلوغه بمستواه الحالي في مواجهة هذه الكمّيّة من الوحوش دون أخذ حدوده في الاعتبار.

"نعم، هكذا تسهّلين عليّ الأمر كثيرا أيّتها المخلوقات البلهاء. كلّ واحد منكِ يتبع أوامر السحليّة غريزيّا حتّى تتعافى كلّيّا، لكنّني مستعدّ لركب هذا القارب ومجاراتكِ. هيّا اجعليني أختبر نفسي وعظمتي."

سبح في مستنقع الدماء والجثث الذي صنعه ثمّ التفت أخيرا إلى السحليّة التي نما ما حُرِق من جناحها وتعافت إصابتها كلّيّا. كان يلهث من شدّة التعب، لكنّه أخرج إكسير التعزيز وإكسير العلاج ثمّ تعاطاهما مرّة واحدة.

كان تعاطي هذين الإكسيريْن مرّة واحدة أمرا في غاية الصعوبة لباقي السحرة ولم ينجح في ذلك حتّى الآن سوى باسل بما أنّه يملك بحر روح دون قدرة تحمّل أفضل من أقرانه، لكن يبدو أنّ العالم المجنون لم يكن أقلّ شأنا منه.

تعافت إصاباته البليغة وأصبحت سطحيّة، ثمّ ارتفعت قوّته السحريّة من جديد، وبالرغم من شربه إكسيريْن إلّا أنّه وقف هناك مستوعبا فوائدهما فقط دون التعرّض لأيّ ضرر.

لقد تمكّن هذا الشخص من التحكّم في الكيمياء والحدّادة كالمتخصّصين دون تحويل طاقته السحريّة إلى طاقة خالصة، لذا يمكن تصوّر مدى قوّة بحر روحه بغض النظر عن كيفية تحقيقه ذلك.

"إنّها الجولة الثانية يا سحليّة."

لم يضع وقتا وانطلق بسرعة فائقة حتّى أنّ صورته تشوّهت وبدا كخيال يخدع العين، لكنّه ظهر أمام السحليّة التي كانت تركّز هذه المرّة كلّيّا على الدفاع بعدما تعلّمت درسها من السابق، وانقضّ بهجوم شامل دون اكتراث لشيء آخر بينما يقهقه.

"هيّا، هيّا، هيّا، هيّا، هيّا، هيّا..."

كما لو كان ثورا هائجا، لم يكن هناك شيئا ليوقفه سوى طحن ما يرى أمامه.

فعّلت السحليّة قدرتها وهربت بعيدا، فبعدما رأت جنون العالم المجنون لم تشأ أن تبقى هنا أكثر من ذلك.

عبس أوبنهايمر فرانكنشتاين ثمّ استعدّ ليلحق السحليّة، لكنّه التفت فجأة إلى جهة أخرى واعتلت وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يصرّح: "هوه، ها قد خرج أخيرا، يبدو أنّني سأنفّس عن غضبي في محلّه."

بووم

اخترق الهواء وانطلق بسرعة فائقة دون اختزال أيّ قدر من سرعته.

***

خرج باسل في هذه الأثناء من القلعة السوداء، ثمّ نظر إلى الأرجاء فلاحظ أنّ الوحوش التي كانت تحيط بهذه المنطقة فيما سبق قد اختفت، فعلم أنّ شيئا ما حدث في الأسابيع الماضية. تكلّف الابتسام وأغمض عينيه بينما يحيط المنطقة حوله باستشعار السحريّ.

فتح عينيه في اتّجاه محدّد، ولم تمرّ لحظة حتّى تلقّى لكمة جعلت الصوت يتردّد في الجزيرة المركزيّة.

أوقف تلك اللكمة بيده ببساطة بينما ينظر إلى الذراع التي ألقتها باهتمام، فنطق فجأة: "ما الذي تفعله أيّها العالم المجنون؟ ألم يكن جنونك محصورا في العلم فقط؟"

"جنون؟" سحب أوبنهايمر فرانكنشتاين ذراعه التنّينيّة وأشار بسبّابة يده اليمنى إلى باسل بغضب: "هذا ليس بجنون يا خبيث، بل غضب عاثٍ. كيف تجرأ على خداعي بكلامك المعسول؟"

عبس باسل ثمّ حملق إليه: "إن لم يكن جنونا وكان غضبا فما تبريرك؟ متى خدعتك؟ أنعش ذاكرتي."

"لا تتصنّع البراءة!" صرخ الشابّ الغاضب رادّا: "لا يمكن لذاكرتك اللعينة أن تنسى شيئا أصلا، فكيف لك أن تنسى ما حدث؟ أو لم تخبرني أنّ هناك سلالة تنّينيّة؟ فلماذا إذا وجدت مجرّد سحليّة حتّى رائحة ددمم تنّين حقيقيّ يمكن شمّها بالكاد فقط في دمها؟ ما هذا إن لم يكن خداعا؟"

وضع باسل يده على ذقنه ثمّ أمال رأسه قليلا متعجّبا، قبل أن يتساءل: "أوه، أفعلت شيئا كهذا يا ترى؟"

عمّ الصمت.

انفجرت هالة العالم المجنون فجأة واسودّ وجهه وطغت نيّة قتله. حملق إلى باسل وتفوّه بصوت بارد يُخضِع الأرواح: "هكذا هي إذن، أه. ظننت أنّ العلاقة بيننا بالعهد بيننا ليس فيها شيئا كالخداع والكذب."

رفع باسل كتفيه بينما يرنّح رأسه: "إنّي سعيد بقدر ما أنا متفاجئ بتقديرك للعلاقة بيننا، لكنّي حقّا لا أذكر إخبارك شيء عن سلالة تنّينيّة كما قلت."

"كفانا!"

لم يرد أوبنهايمر فرانكنشتاين أن يسمع المزيد من ترهات باسل، إذ كان غضبه قد بلغ الحدود بالفعل ولم يكن لينطفئ سوى بدماء الخبيث أمامه.

"لن يغمض لي جفن حتّى أقتلك ثلاث مرّات على الأقلّ."

تنهّد باسل وردّ: "تعلم أنّ ذلك لن يحدث، ولكن احتراما لما بيننا سأسايرك. هيّا تقدّم."

لم يضع العالم المجنون وقتا حتّى كان أمام باسل مستعدّا للكمه، وبمجرّد ما ألقى تلك اللكمة حتّى تبعتها الثانية والثالثة...، وفي لحظة كان قد قذفه بوابل من اللكمات، لربّما المئات منها وفي وقت وجيز للغاية، وكلّ لكمة حملت قوّة هائلة يمكنها التسبّب في ضرر بالغ حتّى للسحليّة من السابق.

أحسّ العالم المجنون بغرابة فتراجع للخلف قليلا ونظر إلى باسل، فوجده سليما معافًى، لكنّ ذلك ليس ما تعجّب منه في الحقيقة. لقد علم أنّ باسل لديه قدرات خارقة في الشفاء الذاتي، لكنّه استغرب من أنّ الشفاء الذاتي لم يكن مسؤولا عن سلامة جسده، وكون كلّ لكمة منه بعظمتها قد صُدَّت ببساطة من باسل، كما لو أنّهما كانا مدرّب يتلقّى لكمات تدريبيّة من تلميذه.

"يا لعين، ما بال جسدك ذاك؟"

ابتسم باسل وأجاب: "بلا مؤاخذة، تعلم أنّني تحصّلت على بعض الأشياء الجيّدة عندما ارتحلت إلى وكر الوحش النائم."

قطب العالم المجنون وفكّر، حتّى لو كان غاضبا كان يمكنه التفكير على الأقلّ: "في ذلك الوقت، كان من الواضح أنّ جسده لم يكن بهذه القوّة، وكلّ ما لاحظته هو قدرات شفائه الذاتية الاستثنائيّة، إذن كيف؟"

حدّق إلى ابتسامة باسل مطوّلا قبل أن يقرع الجرس في رأسه ويقول: "هوه، هكذا إذن. فهمت، فهمت يا لعين."

"هوه،" حافظ باسل على ابتسامته وسأل: "نوّرني."

تذكّر العالم المجنون الأحداث قبل شهور في الوكر وأجاب: "في ذلك الوقت، ملكتَ قدرات شفاء ذاتيّ مرعبة، وذلك حدث مباشرة بعد اختفائك تحت الأرض لثلاثة أيّام. نعم، حينها كنت قد تساءلت عن التغيّر المفاجئ الذي حدث بك لكنّي لم أعلم ما هو بالضبط."

"لقد كسبت شيئا محدّدا جعل من جسدك يتغيّر تدريجيّا، ولو وسعني أن أحزر، فلا بدّ من أنّها دماؤك. وآثارها تحسّنت أكثر عندما عدت من الشجرة العظيمة حياة. لا أعلم أيّ دماء تلك لكنّ تأثيرها على شفائك الذاتيّ لفريد، والآن قوّة جسدك قد ازدادت أيضا."

كان يعلم العالم المجنون أنّ باسل لديه جسدا صلبا، ويمكن القول أنّه يملك صلابة أفضل من أغلب السحرة بالمستوى الرابع عشر كونه مرّ بتدريبات وقتالات عديدة.

وبالطبع كان العالم المجنون يغفل عن جزء طاقة العالم التي احتاج باسل إلى تقوية جسده وروحه حتّى يتحمّل قدرا أكبر وأكبر منها. لذا حتّى عندما كان ساحر بالمستوى السابع فقط بسبب قوّة جسده وسعة بحر روحه واستقراره وتحكّم باسل المثاليّ كان قادرا على رفع التحكّم بطاقة عنصر التعزيز التي بلغت المستوى العاشر آنذاك.

وفوق كلّ هذا، علم أوبنهايمر فرانكنشتاين أنّ جسد باسل الحالي مختلف تماما عمّا سبق؛ فلم تكن هذه صلابة عادية يمكن كسبها بالتدريب والقتال فقط، بل كان هناك مزيج آخر، ألا وهو إيقاظ الدم. مثلما فعل العالم المجنون بجسده، فكّر أن باسل فعل نفس الشيء.

"هل قلّدتني؟"

تفاجأ باسل من سؤال العالم المجنون، فلم يسعه سوى أن يضحك، واستمرّ في ذلك لثوانٍ قبل أن يجيب: "لا، لا، لا، هذا كثير على قلبي يا مجنون. إنّي حقّا أستمتع برفقتك. لربّما أعلم أخيرا السبب وراء عقد معلّمي ذلك العهد معك. قلّدتك؟ لا تكن غبيّا."

"أنـت..."

لم يتركه باسل يقاطعه: "لا تقلق، لم أقلّدك. حتّى لو كنتَ استثنائيّا فتقليدك أمر خارج خياراتي. أنت تخلّيتَ عن بشريّتك، لكن ما فعلتُه ما لم يحتج إلى ذلك. أفهمت؟"

عبس العالم المجنون وردّ: "أتسخر منّي؟"

"أسخر منّك؟ بتاتا. تخلّى عن بشريّتك أو مهما كان، ذلك لا يهمّني. أعلم أنّ كون الشخص بشريّ لا يعني أنّه سامٍ. هناك أعراق تولد موهوبة أكثر وأسمى من العرق البشريّ في العوالم الرئيسيّة، لكن فقط أوضّح لك الاختلاف بيننا. يمكن القول أنّك غيّرت فصيلتك لكنّني ما زلت بشريّا."

كان باسل صادقا في كلامه، وبلغت نيّته الشابّ أمامه، والذي بدوره قال: "مثير للاهتمام. لنجعلها كالعادة، لا داعٍ أن تخبرني بشيء، فلو كان هناك غموض سأكشفه بنفسي. ذات يوم سأعلم عن سّرّك، لا، بل أسرارك."

تراجع باسل للخلف قليلا متصنّعا وجها مصدوما: "ماذا؟! أكنتَ من ذلك النوع؟ عفوا، ليس لي ميول مثلك."

تقوّس حاجب العالم المجنون الأيمن وتجعّدت جبهته ثمّ صرخ: "أنت... كفّ عن اللعب. أنا أحبّ النساء، الصغيرات على الأقلّ."

ابتعد باسل أكثر بينما يتصنّع الدهشة: "ما...ذا؟ الصغيرات؟ انتظر، ألهذا كنت ملازما لجانب صفاء طوال تلك المدّة؟ لم أكن أعلم عن ميولك هذا. انتظر، انتظر، هل ربّما لهذا ظلّ كاي وغايرو متّخذين الحذر منك؟ وااه، هذا جنون."

كلّ كلمة قالها باسل جعلت العالم المجنون مستَفزّا أكثر فأكثر، مع مرور الوقت لم يسعه أن يتحمّل سخريّة باسل: "أنت... هذا يكفي، يكفي. أيّ صغيرات؟ حسن قد تكون تلك الشقيّة مثيرة للاهتمام..."

قاطعه باسل: "انظر إلى ما تحدّثنا عنه."

"اتركني أكمل." تنهّد العالم المجنون: "قد تكون مثيرة للاهتمام، لكنّ ذلك بسبب جسدها وروحها."

حدّق باسل إليه ثمّ قال: "أتسمع نفسك ما تقول؟ جسد وروح فتاة الحادية عشر أو الثانية عشر من عمرها يثيران اهتمامك. إنّك مجنون حقّا يا هذا."

أحكم العالم المجنون قبضتها وصرخ: "أنا أحبّ اليافعات هذا ما قصدت." طرأت فكرة في باله عندما قال ذلك، فارتفعت حافّة فمه وأكمل متعجرفا: "نعم، مثل أنمار."

عبس باسل فجأة بجدّيّة ثمّ قال: "مهلا، مهلا، لقد سمعت شيئا للتوّ أظنّني سمعته بشكل خاطئ."

كشر العالم المجنون عن أنيابه فعلم أنّ فرصته في ردّ الهجوم قد أتت، لذا قال بسخريّة: "ماذا، ماذا؟ هل السيّد الصغير يشعر بالغيرة؟ فوفوفو، لا تقلق، لا تقلق، لن أسرقها منك."

"أنت...!" انزعج باسل. حتّى لو كان هادئا في أغلب الأوقات، وحتّى لو علم أنّ أنمار تحبّه حبّا جمّا، إلّا أنّه لم يتحمّل سماع كلام أوبنهايمر فرانكنشتاين.

"همف، حتّى لو تصنّعت الروعة والهدوء في معظم الوقت، لكنّك تبقى مجرّد بشريّ غبيّ. حسنا، العهد بيننا لا يحرّم تنافسنا على نفس المرأة. لربّما آخذها لنفسي فبعد كلّ شيء تبقى من أجمل النساء في العالم. أوه، عندما أتذكّر فستانها الأسود الذي يغطّي مناطقها المهمّة فتكون مغرية، ويكشف عن أجزاء لم تكن لتبدو مثيرة لولا ارتداء الفستان بتلك الطريقة، حقّا أسرح في خيالي."

كان العالم المجنون يعلب على أعصاب باسل هذه المرّة، وواصل ذلك دون توقّف.

"ذانك التلّان اللذان نموَا في السنة الأخيرة أكثر وخلقا وادٍ عميق بينهما يمكنهما جعلي أريد الغوص هناك، وخصرها النحيف الذي يظهر عظمة ردفيها إلى جانب ساقيها الطويلتين لا يمكنك نسيانهم. فقط بجسدها تجعل قلب الرجل يميع، دون ذكر وجهها الملائكيّ الذي يجعل الأرواح إيّاها تطيع."

لم يكن العالم المجنون يفكّر في أنمار بهذه الطريقة بتاتا، لربّما كان يعتقد أنّها جميلة، لكنّه لم يتطرّق لمواصفاتها من قبل حتّى هذه اللحظة، فقط من أجل إغاظة باسل.

كان حاجبا باسل يهتزّان طوال الوقت، وعندما بلغ توتّره حدوده هدأت روحه فجأة كما لو أنّه أُجبِر على دخول تلك الحالة. كان ذلك مثل مثبّط ما يجعل روحه تهدأ عندما تبلغ درجة من الغضب.

فكرّ عندما حدث ذلك: "يبدو أنّ روحي وعقلي يهدآن بسبب الحكمة السياديّة."

كانت الحكمة السياديّة تهدّئ روحه طوال الوقت كونه الحكيم السياديّ، فليس هناك حكيم في العالم يتعامل مع الأشياء بغضب متهوّر.

ابتسم ونظر إلى العالم المجنون: "إن كنت تريد إغاظتي، فلك أصفّق، لقد نجحت."

"همف، لا يبدو ذلك."

رفع باسل كتفيه وقال: "إذن، هل تريد أن تكمل؟"

"أكمل؟ بالطبع سأكمل، لقد أخبرتك أنّه لن يغمض لي جفن حتّى أقتلك ثلاث مرّات."

تنهّد باسل مغمض العينين، لكنّه عندما فتحهما كان جدّيّا كلّيّا، فقال: "تقدّم!"

استهجن العالم المجنون وفجأة أحاطته تعاويذ ذهنيّة روحيّة، فكان واضحا أنّه ينوي استخدام فنّه القتاليّ ويريد من باسل أن يعلم ذلك؛ أراد أن يضرب اللعين أمامه وذلك الأخير في كامل استعداده.

أثير اهتمام باسل لمّا رأى تلك التعاويذ ففعّل البصيرة السحيقة الحكيمة مباشرة حتّى يرى من خلالها، ومع ذلك لم يسعه سوى أن يلحظ أجزاء بسيطة من غموضها؛ لقد كان ذلك فنّا قتاليّا ساميا دون شكّ.

استعدّ في مكانه، وفي لحظة اختفى العالم المجنون من نظره، وفي اللحظة التالية كان خلفه، حتّى أنّه تفاجأ حقّا لكنّه استطاع التصدّي كونه كان مستعدّا تماما.

كان مفعّلا فنّه القتالي أيضا، وشاحذا حواسّه جيّدا، وشاحنا طاقته السحريّة، لذا بمجرّد ما أن ظهر الخصم خلفه كانت استجابته لذلك مذهلة. ومع ذلك، أرسل محلّقا لبعض عشرات الأمتار بالرغم من سلامته.

"هوه، يمكنك صدّ تلك."

"حسنا، هذا، ما اسم ذلك الفنّ؟"

تجاهله العالم المجنون، لكنّ باسل أصرّ: "هيّا، ليس كما لو أنّني أسألك عن أسراره، إنّي فقط أسألك عن اسمه."

ظلّ العالم المجنون صامتا للحظات قبل أن يجيب: "يدعى بـ'ما وراء الفضاء'."

عبس باسل للحظة لكنّه أخفى تعبيراته بعد ذلك مباشرة.

لم يكن هناك مجال ألّا يلاحظ أوبنهايمر فرانكنشتاين بحواسّه الفائقة تلك اللحظة البسيطة، لذا عبس بدوره وسأل: "أنت، تبدو كما لو أنّك تعلم شيئا."

حافظ باسل على هدوئه ولم يجب، لكنّه بدل ذلك اندفع بخطوات الريّاح الخفيفة فجأة نحو العالم المجنون الذي اختفى مباشرة عند تحرّك خصمه، وفي اللحظات التالية صار هناك تبادل باللكمات بينهما بينما يتحرّكان في السماء من مكان إلى آخر يبعد عشرات الأمتار في لمحة من البصر.

زادت سرعة باسل كلّما واصل استخدام فنّه القتاليّ وتضخّمت قوّته التدميريّة، لكنّ سرعة العالم المجنون بالرغم من ذلك كانت تفوقه أكثر بسبب فنّه القتاليّ لذا كانت النتيجة متعادلة لوقت طويل.

رنين

أتى اتّصال لباسل فجأة رنّ في عقله، فأشار بيده للعالم المجنون وأجاب: (ماذا هناك يا أيّها العمّ منصف؟)

(يا باسل، نحن في مأزق هنا، يبدو أنّ وحوش المستوى الرابع عشر قد تضامنت من أجل إبادة فرقنا في قارّة الأصل والنهاية!"

(ماذا؟) حتّى باسل استغرب من حدوث هذا الأمر.

فكّر لقليل من الوقت في احتماليّة حدوث ذلك: "تلك الوحوش السحريّة لا تهتمّ بأيّ شيء سوى نفسها عندما تبلغ المستوى الرابع عشر، لذا فرصة تعاونها ضئيلة للغاية، ولهذا أرسلت فرقا للقضاء عليها واحدا تلو الآخر."

"لكن... في مثل هذه الحالة يجب أن يكون هناك وحش سحريّ متفوّق بشكل كلّيّ."

"لا تكسب الوحوش السحريّة الحكمة اللازمة لفعل شيء كهذا إلّا بعدما تتأصلّ عند مرحلة دخولها إلى المستويات الروحيّة، ولكن يبدو أنّ هناك استثناء لكلّ شيء."

"قد يكون هذا الوحش السحريّ اكتسب حكمة بطريقة ما جعلته قادرا على قيادة الوحوش دون القدرة على مغادرة المنطقة المحظورة. أو ربّما... هذا لا يمكن التفكير فيه ولكن... قد يكون تأصّل مرّة وهو في مستويات الربط!"

صنع ابتسامة عريضة دون أن يشعر وفكّر في هذا الأمر العجيب، وسرح في خياله لمدّة لا بأس بها حتّى نبّهه العالم المجنون: "أنت، هذا يكفي، لنكمل."

(يا أيّها العم منصف، سأشدّ رحالي إلى هناك حالا.)

(ننتظرك سالما بصبر يا حليفنا.)

حدّق إلى العالم المجنون بعدئذ وقال: "حسنا، يبدو أنّه لا يمكنني مسايرتك بعد الآن."

"هاه؟" صرخ العالم المجنون: "وكأنّ ذلك يهمّني، سأقتلك أصلا لن ألاعبك."

"ذكّرني بالسبب إذن، وإن كان معك الحقّ فسأقبل حكمك."

بعد سماع كلام باسل الجدّيّ، حاول أن يهدّئ من نفسه ليجيب: "إنّي متأكّد أنّك أشرت إلى وجود سلالة تنّينيّة من بين الوحوش السحريّة هنا، لكنّي وجدت مجرّد سحليّة."

"وهل أخبرتك مباشرة أنّ هناك سلالة تنّينيّة؟"

كان باسل جدّيّا هذه المرّة لذا حاول العالم المجنون أن ينعش ذاكرته، فقرع الجرس في عقله أخيرا.

"أيّها... أنت...؟"

تذكّر أوبنهايمر الأحداث كيف وقعت بالضبط وصرّ على أسنانه.

***

في ذلك الوقت.

بدا وجه باسل خائبا فاستدار وتمتم لنفسه: "أظنّني الوحيد الذي سيحظى بمقابلة مع سلالة تنّينيّة على وشك الاختراق إلى المستويات الروحيّة إذن."

"انتظر، ماذا تعني بكلامك؟"

"أيّ كلام؟"

"لقد قلتَ شيئا عن سلالة تنّينيّة، ماذا تعني بذلك؟"

"هل قلتُ شيئا كهذا يا ترى؟ على كلّ، يمكنك فعل ما شئت، لكن بما أنّنا قرّرنا أنّني سأعتني بوحوش المستوى الرابع عشر فلا تتدخّل في أموري وإلّا ذلك لن يكون بتدريب مناسب حتّى."

"لا، انتظر، لقد غيّرت رأيي. بالتفكير في الأمر، لقد عانيت من الكسل وخمل جسدي في الآونة الأخيرة، فما رأيك أن أزيح عنك بعض الثقل فتتكفّل بعملك الرئيسيّ وأتعامل أنا مع الوحوش السحريّة."

***

كلّ ما فعله باسل كان التساؤل عن شيء لوحده وتمتم به فقط، لكنّ العالم المجنون ركب القارب الخطأ، ولم يكن هناك مسؤوليّة تقع على عاتق باسل.

"أرأيت؟ أنا لم أخبرك. على كلّ، يبدو أنّ طرقنا ستفترق هنا، لذا يمكنك الذهاب أخيرا إلى جانب صفاء ومراقبتها كما أردت، لكن لا تفعل شيئا غبيّا وإلّا كانت العواقب وخيمة، فأخواها لن يفارقاكما أبدا."

"همف... أتيتَ بي إلى هنا فقط من أجل إلهاء الوحوش السحريّة ريثما تنتهي من أعمالك. لن أنسى لك هذا."

استهجن ونظر إلى باسل يحلّق بعيدا.

******

كان هناك ثلاث قارّات رئيسيّة في العالم الواهن، وبجانب القارّة العظيمة التي تحكمها الإمبراطوريتان الشعلة القرمزيّة والأمواج الهائجة والقارة المتوسّطة التي تسودها إمبراطورية الريّاح العاتية، توجد قارّة الأصل والنهاية، أكبر منطقة محظورة وعالم الوحوش السحريّة.

انقسمت هذه القارّة لخمس مناطق:

المنطقة الشرقيّة التي تمتّعت بخضرة شاسعة امتدّت لآلاف الأميال وشملت غابات متنوّعة وبعض الأنهار الباهية التي شقّت طريقها بين الجبال الشامخة. كان الشرق زاخرا بكلّ أنواع الثمار والأزهار والأعشاب الطبيعيّة منها والسحريّة، وبسبب هذا لم يكن هادئا بالرغم من أجواء طبيعته المنعشة.

كانت الوحوش السحريّة هنا تتقاتل دوما من أجل تلك الموارد حتّى تغدو أقوى، وبسبب هذا الشيء أصبحت قويّة بعد المعارك التي لا تنتهي فيما بينها.

وفي الغرب، كانت هناك صحراء تنقّل عبرها فيلة بأعداد كبيرة بينما تغرس مخاريطها في الرمال فتخرجها فجأة ملتفّة على بعض السحالي أو الديدان الضخمة ثمّ تقطّعها بتلك الأنياب المتعدّدة المصطفّة بثلاث صفوف. انتشرت الدماء وأحشاء تلك الوحوش السحريّة في كلّ مكان.

كان لهذه الفيلة أقدام بخمس أصابع ممّا جعلها قادرة على الجري بشكل سلس وسريع ولم يكن حجمها الكبير بمشكلة.

هجمت بعض السحالي والديدان الضخمة على هذه الفيلة لكنّ هذه الأخيرة ملكت جلدا قاسيا كان كافيا لكسر أسنان الأعداء.

كانت قوّة هذه الفيلة مرعبة وخصوصا بما أنّها تتحرّك دائما في جماعات هكذا، وبسبب كونها ملكت عنصر الأرض تكيّفت على طول العصور الماضية على هذه البيئة القاسية ولم تستطع الوحوش الأخرى منافستها.

ولكن، لم تكن كلّ الوحوش خاضعة لسيطرتها، فحتّى هذه الفيلة الشرسة لم تكن سوى وجبة دسمة لذلك الوحش الطائر الذي شيع عنه ذات مرّة كونه ملك قارّة الأصل والنهاية.

لقد كان ذلك طائر الرخّ العظيم، وطبعا لم يكن ملك القارّة كما اعتقد الناس قبلا، لكنّه بكلّ تأكيد حكم هذه الصحراء وغزا من حين إلى آخر المناطق الأخرى بحثا عن غذاء لتنمية قوّته.

قيل أنّ طائر الرخّ يحمل ددمم العنقاوات الرامدة من الأساطير، ولكن لم يكن لسكّان هذا العالم وسيلة لتأكيد مثل هذا الأمر.

ظهر فوق سماء الصحراء، فنهمت الفيلة وتملّكها الرعب، وبينما تركض بكلّ ما تملك من سرعة، نزلت عليها بعض الصواعق التي صدّعت جلد بعضٍ منها، فاستهدف طائر الرخّ تلك الفيلة المتضرّرة وغرز مخالبه في نفس الأماكن التي تصدّعت بسبب الصواعق.

حمل فيلين ثمّ طار بعيدا مختفيا عن الأنظار، لكنّ الفيلة جرت ولم تتوقّف حتّى عندما غادر طائر الرخّ، فهي علمت أنّ ذينك الفيلين كانا مجرّد وجبة لفتح الشهيّة.

كان هذا الطائر من الوحوش السحريّة التي بلغت قمّة المستوى الرابع عشر، وبدأ يستهلك طاقات وأرواح الوحوش السحريّة لذا كان كابوسا للوحوش في هذه المنطقة. لقد كان طائر الرخّ هذا بالخصوص هو حاكم المنطقة الغربيّة، الصحراء الميّتة.

وفي ناحية الشمال، طغى على المنطقة بياض خلّاب ولم يترك مجالا لعشبة خضراء حتّى تنمو، وامتلأ المكان بأزهار جوهريّة عجيبة في جميع زواياه، وأشجار أثمرت فاكهة حمراء تشبه التفّاح لكنّها كانت غنيّة بسائل قرمزيّ بدا كالدم كما لو أنّ هذه الأشجار نمت بالتغذّي على المخلوقات الحيّة.

بدت جبالها الجليديّة كحصون طبيعيّة لبعض الوحوش السحريّة، واختلفت أشكالها فاتّخذ أقوى الوحوش أكبرها.

ومثلها مثل المنطقتين السابقتين، تصارع أقواها من أجل حكم تلك المتاهات التي صنعتها الجبال بالتقائها واندماج حصونها.

وفي الجنوب، كان هناك ضباب بأشجار ذات أوراق ميّتة وثمار قليلة، ولكن بدت تلك الثمار مشعّة كمصابيح الفضاء وسط ذلك الضباب، وبعثت روائح عطرة وغنيّة بطاقة العالم. كانت أرض هذه المنطقة حيّة لكنّها لم تكن مثمرة، كما لو أنّ حياتها تلك تُستنزف طوال الوقت غير سامحة لها بالازدهار.

زُلزلت الأرضية وتصدّعت فجأة ومن الشقوق العديدة انبثقت وحوش سحريّة بينما تحمل نية قتل تجاه بعضها، ومباشرة اختفى بعضها تحت الأرض من جديد فلحقتها البقيّة. كان واضحا أنّ الطرفين فريسة ومفترس، وكلاهما كان السبب في استنزاف طاقة هذه الأرض على ما يبدو.

ومن بين المناطق الخمس، كانت المنطقة التي تتوسّط المناطق الأربع المذكور آنفا هي الأكثر غموضا إذ لم تطأ قدم بشر فيها من قبل حسب التاريخ.

في هذه المنطقة التي شملت كلّ خواصّ المناطق الأربع، قطنت تلك الوحوش السحريّة المميزة التي كسبت قدرا كبيرا من الطاقة السحريّة وغدت مخوّلة أن تدخل لهذا المجال.

كانت هذه المنطقة محاطة بحاجز غريب يعزل ذلك المجال عن بقيّة القارّة والعالم ويبدو أنّه لا يقدر على دخوله إلّا من يبلغ قدرا معيّنا من القوّة.

قليلا ما عادت الوحوش السحريّة من ذلك المكان بعدما دخلته لأسباب معيّنة، من بينها نقاوة الطاقة السحريّة والأعشاب الأسطوريّة وأحجار سحريّة بمستوى مرتفع ولربّما أحجار روحيّة!

كان هذا هو المجال الذي زاره إدريس الحكيم سابقا، لكنّ العالم الثانويّ كان مختفيا في قلب المكان أكثر ولم تستطع الوحوش السحريّة الاقتراب منه حتّى. كان ذلك أكثر الأماكن غموضا في العالم الواهن ولم يعلم عنه أحد من سكّانه حتّى.

***

في الحملة التي قادها جنرالات العالم في الشهور الماضية من أجل القضاء على وحوش المستوى الرابع عشر، احتوت الفرقتان المخصّصتان للاعتناء بقارّة الأصل والنهاية على أكبر عدد من الجنرالات.

كان الجنرال منصف من بينهم وأخذ منصب الجنرال الأكبر المسؤول عن قيادة إحدى الفرقتين، بجانب جنرال آخر من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة كمسؤول عن الفرقة الثانية كجنرالها الأكبر.

كان في كلّ فرقة خمسين ألف ساحر تنوّعت مستوياتهم بدءا من المستوى الخامس إلى المستوى الثامن باستثناء الجنرالات. كان هناك خمسين ألف بالمستوى الخامس وثلاثين ألف بالمستوى السادس وخمس عشرة آلاف بالمستوى السابع وخمسة آلاف بالمستوى الثامن.

كانت المهمّة تقتضي التغلّب على أكبر عدد ممكن من وحوش المستوى الرابع عشر، وبعد شهور كانت المهمّة ناجحة فعلا، فاستطاعوا القضاء على العديد من الوحوش المستهدفة، ونجح كثير من السحرة في النموّ بشكل ملاحظ بينما واجه آخرون خطر الموت واضطرّوا أن ينسحبوا بجروح بالغة تحتاج لوقت طويل حتّى تشفى ولو بمساعدة سحرة العلاج.

وكما كان متوقّعا لكن ليس محبّذا، واجه عدد كبير منهم نهاية مأساويّة،. هناك من بقي منه شيئا ليدفن، وهناك من صار غذاء فقط للوحوش السحريّة.

كانت المعارك تجري كلّ يوم دون توقّف ولم يكن هناك وقت للرّاحة، فعدد الوحوش كان غير محدود وقبل قتل وحوش المستوى الرابع عشر اضطرّت الفرقتان إلى الإجهاز على العديد من الوحوش السحريّة تحت قيادة وحش المستوى الرابع عشر.

وفي آخر معركة، تعرّضوا لخسارة كبيرة إذ فقدوا نصف سحرة المستوى الخامس وربع سحرة المستوى السادس، وعدد كبير من سحرة المستوى السابع والثامن أُجبِروا على الابتعاد عن ساحة المعركة بداعي الإصابة البالغة.

لحسن حظّهم كان الجنرالات الذين عاقبهم باسل فيما سبق قد استرجعوا حيويّتهم بعدما كانوا قد أصيبوا في المعارك الأولى التي سمحت للفرقتين بنصب خطط واستراتيجيّات مبنيّة على المعلومات المكتسبة.

ومع ذلك، كانت تلك المعركة الأخيرة صادمة حقّا، فتلك كانت أوّل مرّة يرون فيها وحوش المستوى الرابع عشر متّحدة، وباتّحادها كان حشد الوحوش السحريّة المجتمع يصل إلى مئات الآلاف عددا.

لم يسع الفرقتان سوى التراجع والاختباء في الحاجز الذي بنوه بينما يستمرّون في دعمه بمساعدة الجنرالات حتّى لا يُكسر. كان عليهم انتظار التعزيزات بفارغ الصبر والأمل في النجاة حتّى ذلك الوقت.

ناقش الجنرال منصف الأمر في خيمة مقرّ قادة الفرقتين الذين بادلوا دور الاعتناء بالحاجز مع جنرالات آخرين.

"لقد أبلغت الجنرال الأعلى باسل بالأمر وقال أنّه في طريقه إلى هنا."

سأل الجنرال المسؤول عن الفرقة الأخرى والذي يجلس في المقابل: "وماذا عن أكاديميّة الاتّحاد؟"

"لا قلق،" أجاب الجنرال منصف: "لقد أخبروني أنّهم في منتصف طريقهم إلى هنا. لقد انتهوا من عملهم في منطقتهم قبل شهور بالفعل واحتاجوا لبعض الوقت من أجل التعافي والاستعداد قبل أن يتّجهوا إلى هنا."

تنهّد جنرال الأمواج الهائجة: "ذلك مطمئنّ، لكن لا يمكننا التراخي حاليا أو حتّى عندما يأتون."

عبس الجنرال منصف وتحسّر؛ ففعلا قد خسروا الكثير في معركة واحدة فقط، وفجأة بدا كما لو أنّ للوحوش السحريّة عقلا وحكمة تسيّرها على عكس عشوائهم السابقة.

لقد نادى باسل آملا في الحصول إجابة تنقذهم بما أنّهم يواجهون شيئا مجهولا. كان يعلم أنّ جنرالهم الأعلى مشغول بأمور أخرى لكنّه لم يرد أن يخاطر بحياة من تبقّى من الأتباع هنا بسبب فخره وعناده.

لقد أخّر طلب المساعدة حتّى ارتأى أنّ معرفة باسل هي الحلّ الوحيد في هاته الحالة؛ ماذا لو قدمت التعزيزات وكانت بلا فائدة؟

ليس هناك ما هو أكثر إخافة من المجهول.

"هل لمح أحدكم السبب وراء تعاون هاته الوحوش؟"

تكلّم أحد جنرالات الريّاح العاتية: "لا يزال السبب الرئيسيّ مجهولا حتّى الآن، وكلّ ما نعلمه هو اتّباع وحوش المستوى الرابع عشر نمطا يبدو كاستراتيجيّة حربيّة. كما لو أنّ هناك عقلا مدبّرا وراءهم."

نطق أحد جنرالات الشعلة القرمزيّة: "هل... ربما، قد يكون أحد تلك الوحوش الروحيّة التي أخبرنا عنها؟"

"لا." أجاب الجنرال منصف: "لقد أكدّت الأمر من الجنرال الأعلى وجلالته أكثر من مرّة حول هذا الشأن، ولكن يجب على ساحر ما من العالم أن يغدوَ ساحرا روحيّا، حتّى يستجيب العالم لذلك ويصبح روحيّا، فتخترق الوحوش السحريّة بعدئذ إلى المستويات الروحيّة حسب مستواها."

أكمل بحسم: "هذه قاعدة لا يمكن خرقها. هناك الكثير ما زلنا لا نعلمه، ويجب فقط أن نأمل أنّ السيّد باسل لديه فكرة عمّا يدور."

تقرير عاجل

صرخ أحد الجنود خارج الخيمة، فاستأذن ودخل بسرعة ثمّ ركع على ركبة واحدة قبل أن يعلن: "ظهرت بعض علامات الضعف على الحاجز الأثريّ، وقدّر الجنرالات المسؤولين عن الحراسة حاليا الوقت الذي قد يُكسر فيه تماما."

صدم الجنرالات في الخيمة فوقفوا جميعا. أحكم الجنرال منصف قبضتيه وسأل: "وماذا عن الفرق المتخصّصة في ترميم الحاجز؟"

عبس الجنديّ وقال بحسرة: "حتّى بمعاونة الجنرالات في تزويد الطاقة اللازمة، لم يستطيعوا الاستمرار أكثر وبقي أقلّ من ربعهم، لكن حتّى هذا الربع بقي له على الأكثر أسبوع قبل السقوط غائبين عن الوعي."

ضرب الجنرال منصف على الطاولة وقال: "اللعنة، تحتاج التعزيزات عشرة أيّام على الأقلّ حتى تصل إلى القارّة، فكيف يمكننا الصمود ثلاثة أيّام كاملة ضدّ ذلك الحشد؟"

صمت الجميع ولم يقدر أحد على إبداء رأيه، فالمسألة كانت أكبر منهم بكثير.

سأل أحد جنرالات الشعلة القرمزيّة، يائسا: "مـ-ماذا عن الجنرال الأعلى باسل؟"

عضّ الجنرال منصف شفته وأجاب: "لقد كان في البحر العميق عندما استنجدته، وقد مرّ على ذلك ثلاثة أيّام، لكنّه ما زال يحتاج إلى حوالي أسبوعين على الأغلب حتّى يصل."

اسودّت أوجههم وفشُلت ركابهم فجلسوا على كراسيهم دون إرادتهم، ويئسوا وفكّروا في نفس الشيء: "بئس المصير!"

قارّة الأصل والنهاية! قيل أنّه هنا بدأ كلّ شيء، وهنا سينتهي كلّ شيء. وآخرون قالوا أنّها كانت القارّة الوحيدة والأولى في العالم السحريّ، وستكون آخر قارّة تندثر.

حتّى لو كانت هذه القارّة عالم الوحوش السحريّة، كانت جثت السحرة منتشرة في كلّ بقاعها باستثناء المنطقة المركزيّة، ولهذا ارتحل العديد من الأشخاص سرا إلى هنا من أجل اختبار حظّهم وتكوين ثروة من الأموات وتنمية قوّتهم خلال ذلك.

مرّت عصور ولم يتوقّف السحرة عن السعي خلف الثروات الكامنة في القارّة المحظورة، وكلّ واحد منهم قدم لها وهو مستعدّ للموت. كان الحال نفسه مع الفرقتين هنا، فكلٌّ منهم عزم على القتال إلى آخر نفس وعدم الاستسلام مهما حدث.

وصلت الأخبار إلى باقي الجنود فارتعبوا، لكنّهم كانوا نخبة السحرة ولم يخشوا الموت لدرجة الهروب من أرض المعركة وخيانة رفاقهم وأوطانهم؛ خيانة عالمهم وشرفهم. لقد ارتعبوا من الموت المحتّم المنتظر، لكنّهم تغلّبوا على فزعهم بعزيمتهم.

تكلّف الجنرال منصف بإلقاء الخطاب الذي قد يكون غالبا خطابه الأخير. كان صوته ثاقبا ويخترق القلوب ويهزّ الأرواح؛ كانت عزيمته متمثّلة في تعابيره وتصرّفاته.

[دقّ الموت بابنا وأمامنا ثلاث طرق علينا اتّباع أحدها، فإمّا نكون مرحبّين تخلّوا عن الحياة ونستقبل الموت المؤكّد، وإمّا نكون جبناء ونحاول الهرب باستماتة من موت يقين، وإمّا نكون شجعانا فنقاتل إلى آخر رمق من أنفسنا.]

[أنتم اخبروني، أنحن فاقدين للأمل حتّى نستضيف الموت برحابة صدر؟ فعلى الأقلّ لا أذكر أنّني رافقت حفنة أوغاد لم يختبروا الموت ولو لمرّة في حياتهم وتغلّبوا عليه. أنحن يراعات تخشى الظلام دون ضوء ملتصق بمؤخّراتها؟ فكما ظننت وما زلت، لقد صاحبت شجعانا مقاتلين لا يهابون مواجهة الموت.]

[فها أنا ذا أكرّر، أنتم أخبروني، أنتم أكّدوا لي ما أظنّ. نحن عازمون ويا أيّتها الوحوش ها نحن قادمون. نحن الشجعان فلا نهاب أو نخضع لأيّ طغيان، مهما كان المكان والزمان. هيّا يا ملاعين، أخبروني، من نحن؟]

رفع الجنرالات أسلحتهم فتبعهم بذلك باقي الجنود وكما لو أنّ إراداتهم ونيّاتهم اتّحدت، فصرخوا وهزهزوا الأرض والهواء واخترقت هالاتهم السماء.

[نحن الشجعان!]

تردّدت أصواتهم وانتشرت نيّات قتلهم عبر حسمهم، وكاستجابة لذلك فتح في القارّة أحد المخلوقات عينه اليمنى التي بدت كجوهرة تسطع بنورها الخاصّ في الظلام، كما لو أنّه يحدّق إليهم. مرّت فترة وهدأت الأوضاع بعدما اندثر صوت الجنود المتّحد، فأغلق المخلوق عينه.

تردّد صوت من ناحيته: "البشر، لقد حكموا العالم لمدّة طويلة، وقد حان الأوان لاستبدال الحاكم."

تحرّكت الطيور في الغابات مرتفعة إلى السماء بعدما دفعتها غريزتها إلى الهروب، وجرت الحيوانات والوحوش السحريّة الضعيفة في جميع الاتّجاهات، مذعورةً.

تحرّكت الوحوش السحريّة بالمستوى السابع فما فوق كحشود، وانضمّت إلى الوحوش التي كانت تقاتل السحرة الذين غزوا أرضهم. اجتمعت الوحوش السحريّة مع بضعها طبقا لعنصر سحرها وقدراتها الخاصّة.

فكان هناك تشكيلات عديدة متخصّصة في النار والجليد وما شابه. من تحت الأرض ومن السماء، لم تترك موقعا وإلّا شغلته.

لم يسبق للوحوش السحريّة أن اجتمعت بهذا الشكل وسخّرت قواها بهذا النظام. كان القضاء على الوحوش السحريّة أسهل بكثير عندما كانت تجمّعاتهم عشوائيّة ولم يكن بينهم عمل جماعي منتظم حتّى لو فاقت السحرة بأعداد كبيرة.

للأسف، خسر السحرة هنا الكثير بسبب غفلهم عن هذا الأمر، ولكن لم يكن أحد ليتوقّع مثل هذا التوحّد المفاجئ الذي خلق جيشا لا يقهر. ما لم تكن هناك قوّة عدديّة كافية أو قوّة جبّارة لتساندهم، فحقّا مصيرهم سيكون الموت بعد سبعة أيّام.

شاهد الجنود والجنرالات الحاجز الأثريّ يهتزّ بسبب هجمات الوحوش السحرية المستمرّة. بالرغم من أنّهم كانوا يحاولون التقليل من الضرر عن طريق مهاجمة الوحوش تارة والأخرى ودعم الحاجز، إلّا أنّ أعداد الوحوش لم تنتهي فواجه الحاجز ضررا أكبر مع مرور الوقت.

كانت نفسيّتهم معزَّزة بعد خطاب الجنرال منصف، ولكن الخوف كان يحاول التسلّل إلى قلوبهم البطلة. زاد التوتّر حدّةً في كلّ ثانية وجعل ذلك الإحساس بالوقت بالنسبة لهم خفيفا، حتّى وجدوا أنفسهم في نهاية اليوم السابع، منتظرين غزو الوحوش السحريّة، أو يجب القول منتظرين عقابهم على احتلال هذه الأراضي.

غوااه

هاجت الوحوش السحريّة فجأة وصرخت كلّها بينما تقفز من على الأرض وتهزّها من تحت وتعصف بها من فوق. صعدت القشعريرة مع أجساد السحرة بينما يرون تلك العيون الحمراء المتعطّشة لدمائهم تلمع في ظلام الليل.

كانت الليلة الماضية هادئة على عكس باقي الليالي كما لو أنّ الوحوش السحريّة علمت أنّ الحاجز شارف على الانكسار، فأخذوا راحتهم. تعجّب السحرة من ذلك ولكنّهم صُدِموا من الصياح المفاجئ.

أحسّ السحرة وفهموا من ذلك شيئا واحدا: "لقد حان وقت المجزرة يا أيّها البشر!"

حقّا، تردّدت الجملة على مسامعهم فجعلتهم يبلعون أرياقهم في نفس الوقت.

"هل هذه النهاية؟"

تساءل أغلبهم، ولكن حقّا كانوا أبطالا ولم يديروا ظهورهم، فأصلا حتّى لو فعلوا ذلك فسيواجهون الوحوش فقط. لقد كانوا محاطين تماما.

"لربّما يجب أن نفخر بموتنا هنا، فعلى الأقلّ سيتذكّرنا التاريخ دوما كأبطال."

تكلّف ذو عضلات الضحك وأكمل كلام صاحبه: "كاكّاكّا، سأفضّل إذن شيئا كـأبطال قارّة الأصل والنهاية."

"هيهيهي،" ضحك رفيق آخر ساخرا: "أو ليس ذلك حرفيّا يا غبيّ. حاول أن تكون مبدعا بعقلك أيضا وأنت كلّك عضلات من رأسك إلى أخمص قدمك."

"ماذا قلت أيّها الوغد؟"

ظهر الجنرال منصف خلف صاحب العضلات ووضع يده على كتفه، مبتسما، وقال: "هيّا، هيّا، لا داعٍ للمشاحنة هكذا."

"ولكن يا جنرال..."

لقد أراد صاحب العضلات أن يردّ ويكمل الجدال حقّا.

التفت الجنرال منصف إلى الخلف متّجها نحو خيمة القيادة حيث يوجد جنرال الفرقة الثانية الأكبر، وترك وراءه كلاما: "بالإضافة، معه حقّ."

ضحك الجنرال منصف ورفاق صاحب العضلات.

"رأيت؟ لقد كنت محقّا."

صرّ صاحب العضلات على أسنانه وشدّ قبضته كما لو أنّه يريد ضرب المغرور أمامه.

ابتسم الجنرال منصف وتوقّف فجأة ثمّ التفت من جديد إلى ناحية الجنود الذين يمازحون ويغيظون بعضهم بعضا. لقد علم أنّ كلّ هذه التصرّفات الطفوليّة ما هي إلّا انعكاس لقلق هؤلاء الشجعان الذي لم يريدوا أحدا أن يعلمه.

لم يشاؤوا أن تظهر جوانبهم الضعيفة، لكن ليس خجلا ولا حرجا، هؤلاء كانوا أبطالا لم يهربوا ولم يخضعوا للموت المنتظر. لقد خبّؤوا وهنهم فقط حتّى لا يؤثِّروا على رفقائهم ويحيطوا المكان بفزع يجلب يأسا.

أكمل الجنرال منصف تحرّكه نحو الجنرال الأكبر الآخر.

"لقد حان الوقت. هل أنهيت كلّ واجباتك أيّها الجنرال 'فروستوِيْف غيث'؟"

كان الجنرال فروستويف يحمل كأس شراب بيده، فشرب ما تبقى مرّة واحدة وأنزل الكأس ببطء كما لو أنّه يتمنّى لو أنّ الزمن يمرّ بذلك البطء أيضا. مسح فمه بكمّه وحدّق إلى الجنرال منصف بعينين حازمتين: "أخبرني أيّها الجنرال كريمزون، أنحن تضحيّة؟"

جلس الجنرال منصف على الطاولة بعدما رأى عيني الرجل ولم يجرؤ أن يستخفّ بالمسألة. شبك أصابع يديه ووضعهما تحت ذقنه قبل أن يسأل: "ماذا تقصد بتضحية؟"

لقد سمعت بعض الأخبار، بعض الإشاعات صراحةً، أنّه قبل أكثر من سنة قد غادر الجنرال الأعلى باسل إلى هنا."

تفاجأ الجنرال منصف لكنّه استرجع هدوءه بسرعة: "و؟"

"إذن هذا حقيقيّ." تنهّد الجنرال فروستويف وحمل تلك الكأس بينما يديرها بأصابعه، وأكمل: "لقد أتى إلى هنا ولم يعلم عن الغموض وراء توحّد هذه الوحوش؟ لقد سمعت أنّ هناك شخصا لا يسبر غوره يقبع وراء الجنرال الأعلى وقد شوهِد يصاحبه إلى هنا آنذاك، فكيف لم يعلم عن كلّ هذا؟"

"ولكن،" ضرب قاع الكأس على الطاولة فجأة وحملق إلى الجنرال منصف: "هناك شيء لا يمكنني فهمه، ولهذا أتمنّى ان أسمع منك الإجابة التي حقّا أنشدها. إن علم حقّا عن هذا، فلماذا أرسلك؟ لمَ أرسل شخصا مهمّا في العائلة الإمبراطوريّة إلى هنا؟ وأكثر من ذلك، علمتُ أنّ علاقتك به قريبة وكنت أوّل شخصيّة نافذة تتعامل معه عندما أتى إلى عاصمتكم."

رفع الجنرال منصف حاجبه الأيمن واهتزّ كتفاه قليلا قبل أن ينفجر ضحكا. لقد عامل الرجل بجدّيّة حتّى هذه اللحظة، لكنّه استهتر بالموقف فجأة، ما جعل الجنرال فروستويف يعبس.

لوّح الجنرال منصف بيده: "اعذرني، اعذرني، لكنّي حقّا متعجّب. نحن في مواجهة الموت وأنت تتحدّث عن هذا."

"أتسخر منّي؟"

ردّ الجنرال منصف على الرجل المتهجّم: "مستحيل! ما أضحكني هو المعلومات كالعلاقة بيني وبين الجنرال الأعلى التي جمعتها وتخبرني بها بينما نواجه الموت."

"أنت..." ضرب على الطاولة واقفا لكنّ أهدأ نفسه وجلس من جديد قبل أن يقول: "حتّى أنا لن أشغل بالي بجمع المعلومات في هذا الوقت العصيب. لقد علمت عن كلّ هذا قبل الترحال إلى هنا."

"هاهاها!" ضحك الجنرال منصف تارة أخرى: "أو لست كفؤا؟ قد تبدو من النوع الصامت لكنّك تعمل بجدّ في الخفاء."

"لا تكن سخيفا رجاءً،" أشار الجنرال فروستويف بيده وردّ: "هذه مسألة طبيعيّة. كيف لي أن أصاحبك إلى هنا بناء على أوامر شخص ولا أعرف عنكما شيئا؟"

أغمض عينيه ببساطة. وفي المقابل، ابتسم الجنرال منصف بصمت.

مرّ الزمن ولم يعلم أحد إن مرّت مدّة طويلة حقّا أم أنّه مجرّد الجوّ الحادّ بينهما ما بعث ذلك الشعور.

كسر الجنرال فروستويف السكون: "دعني أعيد طرح سؤالي المبدئيّ، هل نحن تضحيّة؟"

أغمض الجنرال منصف عينيه ووجّه رأسه إلى الأعلى قبل أن يفتح عينيه فجأة. استنشق الهواء وزفره ببطء، ثمّ نظر إلى عيني الجنرال فروستويف مباشرة. لم يكن هناك أيّ تردّد فيهما أو محلّ شكّ.

"لسنا بتضحيّة."

بادله الجنرال فروستويف النظرة نفسها وسأل: "ما قناعتك؟"

"لقد قلتَها بنفسك، إنّني من العائلة الإمبراطوريّة ولديّ علاقة قريبة بالجنرال الأعلى، فمن المستحيل أن أكون هنا لو كانت هذه تضحيّة."

لم يقل الجنرال فروستويف شيئا. لقد هذا صحيحا إلى حدّ ما، لكنّ سيكون خاطئا لو كان الجنرال الأعلى باسل بارد ددمم يمكنه التضحيّة بالمقرّبين منه حتّى من أجل تحقيق أهدافه.

علم الجنرال منصف أنّ الرجل أمامه لم يكن يريد سماع الإجابة السابقة؛ لقد قال بنفسه أنّه يتمنّى سماع الإجابة التي ينشدها. بمعنى آخر، إن لم تكن الإجابة هي تلك التي ينشدها، وتأكّد من صحّتها بنفسه من فم الجنرال منصف، فلن يقتنع بشيء آخر.

أكمل الجنرال منصف بحسم: "ولكن طبعا ليست هذه الإجابة التي تريد سماعها، ليست الإجابة التي منحتني إيّاها بنفسك."

وقف وحدّق إلى اتّجاه ما بينما يتذكّر صورة الشابّ القرمزيّ. في تلك اللحظة، شاهد الشابّ يحمل جبالا لا تحصى فوق ظهره، لكنّها لم تكن بجبال عادية، بل جبال أحياءٍ وأمواتٍ في نفس الوقت. تأسّف وتحسّر على المسؤوليّة التي يحملها الشابّ، واشتعلت عيناه ولمعتا بعزيمته.

نظر إلى الرجل: "أنا، كريمزون منصف، أقسم بخالقنا أنّ الرجل باسل ليس ذلك النوع من الرجال. الرجل باسل ليس رجلا يترك أعوانه أو أتباعه يموتون عبثا، أو يضحّي بهم قصدا. الرجل باسل ليس رجلا عديم المسؤوليّة وبالتأكيد ليس مغفّلا. الرجل باسل ليس رجلا يخفي عنّا مسألة يمكن أن تضعنا في موقف حياة أو موت."

أحكم شدّ قبضته وضرب صدره بها ثمّ قال فخورا: "الرجل باسل رجل قرّر حمل على عاتقه مسؤوليّة لا نعلم إلّا عن جزء بسيط من شقاوتها. الرجل باسل رجل سيحاول فعل كلّ ما يملك من أجل تحقيق أهدافه، لكن كونه لم يتملّك حيواتنا أو تحكّم في أرواحنا، فلن يستخدم هذه الحيوات، هذه الأرواح من أجل تحقيق غاياته الأنانيّة. باسلنا هو رجل من هذا النوع من الرجال!"

حدّق الجنرال فروستوِيْف إلى عينيه، إلى حدقتيهما مباشرة. لم يسعه سوى أن ينبهر من كلام الرجل وعزيمته، وأكثر من ذلك، من صدقه الذي تمثّل في روحه.

تنهّد كما لو أنّ جبلا أزيح عن كتفيه، وكادت عيناه تدمعان لكنّه لم يشأ إظهار شيء كذاك أمام شخص آخر في هذا المخيّم. كلّ شخص هنا حافظ على مظهره الجاسر كما لو كانت قاعدة غير مكتوبة.

وقف ثمّ مدّ ذراعه، باسطا كفّه الأيمن، منتظرا مصافحة الجنرال منصف، وقال: "يسعدني أن أكون تحت خدمة الجنرال الأعلى باسل. قد سمعت ما كفى وأعفى."

بادله الجنرال منصف المصافحة، فوضع الجنرال فروستويف يده اليسرى فوق اليد اليمنى التي تصافحه، وقال، مطمئنّا: "يمكنني أن أموت فخورا، بـميتة الأبطال لا الأنذال."

ابتسم الجنرال منصف وأومأ رأسه ثمّ وضع يده اليسرى على اليد اليمنى التي تصافحه: "ولكن قبل ذلك، دعنا نقاتل قتال الشجعان."

"هاهاها!" ضحك الجنرال فروستويف وأومأ رأسه موافقا: "حقّا!"

افترقت الأيادي عن بعضها، فاستأنف الجنرال فروستويف الحديث: "حسنا، دعنا نبذل ما في وسعنا."

تحرّكا خارج الخيمة وفجأة تذكّر الجنرال منصف شيئا فسأل: "لا تزال لم تجبني عن سؤالي الأوّل."

ابتسم الجنرال فروستويف فحدّق إلى السماء التي اقترب وقت اختفاء نجومها، ثمّ التفت إلى زميله وردّ: "أشياء كالوداع وترك الوصيّة هي أشياء قد فعلتها قبل مجيئنا إلى هنا حتّى، فكما رأيت، أنا رجل حذر نوعا ما."

ابتسم الجنرال منصف وردّ: "نوعا ما؟ ألم تقصد إلى حدّ كبير؟"

ضحكا مع بعضهما وذهبا لينضمّا إلى التشكيلات الحربيّة.

***

اهتزّ الحاجز أكثر فأكثر مع الوقت وكُثرت أعداد الوحوش السحريّة مع مرور الوقت، وبدأ يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود معلنا عن فجر اليوم الثامن، ومنهيا الليلة المريرة.

اتّخذ الجنرالات وضعيّاتهم وحرصوا على توجيه تشكيلاتهم الحربيّة. لقد كانوا في أوج توتّرهم، وأحسوا بقلوبهم تنفطر بتزامن في كلّ مرّة يظهر فيها صدع جديد على الحاجز، لكنّهم صمدوا، وجابهوا اليأس.

أحكموا شدّ قبضاتهم على أسلحتهم السحريّة والأثريّة وثبّتوا أقدامهم على الأرض حتّى طبعوها، وانتظروا، فقط انتظروا بصبر وإصرار.

نظروا إلى الخلف فلاحظوا وحوشا بالمستوى الرابع عشر تقود وحوشا سحريّة لها نفس خواصّها، ويقودها جميعها وحش بقمّة المستوى الرابع عشر بدا كسلحفاة جلدها يبدو مكوّنا من الحجر والعشب الأخضر، وصدفتها من الأحجار السحريّة، كما لو كانت تنّينا وُلِد من باطن الأرض.

وأمامهم حلّق ذلك الوحوش السحريّ الأسطوريّ، الرخّ العظيم بينما يقود وحوشا سحريّة بمختلف مستوياتها.

وعلى يمينهم كان هناك أيضا وحش بقمّة المستوى الرابع عشر بدا كنمر أبيض ضخم، وسطع جسده ذاك كنجم يمكن لضوئه اختراق كلّ شيء.

ومن ناحية اليسار، ظهر وحش الفتخاء بقمّة المستوى الرابع عشر. كان هذا الوحش غنيّا عن التعريف، إذْ ركب ذات مرّة الأقدم الكبير فالتشر اثنين منه، ولكن هذا النوع من الوحوش لم يكن بهاته القوّة آنذاك. ومع ذلك، نظرا إلى دمه الذي يشاع عنه ذو أصل من العنقاوات الدامية، فقد نجح أحد وحوش الفتخاء بلوغ قمّة العالم الواهن.

كانت هذه الوحوش السحريّة الأربع مهيبة وغرست الرعب في قلوب الشجعان، وبصبر، انتظرت تحطّم الحاجز على يد أتباعها، ونظرت إلى البشر بحقد وكراهيّة ورغبت في دمهم بشدّة.

ابتسم الجنرال منصف أمام الموت المنتظر ونظر إلى الحاجز المتصدّع من كلّ الجهات والموشك على التحطّم. اقتربت اللحظة وشغّل خاتم التخاطر قبل لحظات من انكساره.

(يا حليفنا باسل.)

تمّ الاتّصال بينهما فسمع صوت باسل ينتقل إلى رأسه: (ماذا هناك أيّها العمّ منصف؟ هل حدث شيء غير متوقّع ثانيّةً؟)

في الواقع، لم يكن لدى باسل علم بالأحداث التي تجري حاليا. حرص الجنرال منصف على نقل وداعه ووصيّته إلى حماه، الإمبراطور كريمزون أكاغي، الذي قبل الطلب لكنّه لم يتقبّل الوضع.


لقد كان كريمزون منصف في مرتبة الابن له لا الصهر، فانفطر قلبه عندما سمع بالمصير الذي ينتظره. اتّبع كلام صهره وحفظ وصيّته وودّعه بحزن شديد، ووعده أن ينقل تعاليمه وكلامه الأخير إلى زوجته وابنه.

كان الكبير أكاغي قلقا كثيرا على ردّ فعل ابنته وحفيده عندما يسمعان بموت عزيزهما. كان نادما على إرساله إلى مثل هذا المكان الشنيع. ومع ذلك، احترم رغبته ولم يخبر أحدا، وخصوصا باسل الذي لم يرده الجنرال منصف أن يعلم عن شيء من هذا.

لقد أراد أن يخبره بكلماته الأخيرة بنفسه، لكنّه أجّل، فأجّل ذلك حتّى كادت المعركة الأخيرة تبدأ. لم يستطع أن يتكلّم مع باسل وإلّا شعر بالوهن وفقد رباطة جأشه قبل أن يحين الأوان.

لم يرد حدوث ذلك، من أجل نفسه ومن أجل باسل الذي سيقطع بقيّة الطريق إلى هنا معذَّبا فقط ليجد جبالا من الجثث يحملها على عاتقه ما تبقّى من عمره.

عندما علم أنّ فرصته الأخيرة هي الآن أم أبدا، تواصل مع باسل.

(أيّها السيّد الشابّ باسل، لقد أرجعت عائلتنا لمجدها وأكثر، وجعلتها مركز العالم الواهن ومنبع أمله الذي يحميه. لطالما عشت راغبا في استرداد حقّ العائلة وردّ الجميل العظيم الذي قدّمه لي حماي. لقد زوّجني ابنته التي عشقت وعاملني كابن من دمه.)

(انتظر!) بدا صوت باسل مرتفعا، متعجّبا: (ما الذي تتحدّث عنه أيّها العمّ منصف؟ لمَ تخبرني بهذه الأشياء الآن؟)

(أرجوك أنصت!) لم يرد الجنرال منصف أن يذكر كلمة الموت الآن: (عندما أتيت بك إلى عائلة كريمزون وفعلتَ ما فعلتَ فتحقّقت رغبتي، كنت راضيا أخيرا عن نفسي ولكنّي وجدت نفسي مدينا لك وممتنّا لمعروفك.)

(ما الذي...!)

حاول باسل المقاطعة لكنّ الجنرال منصف أكمل: (ولهذا! إن كانت حياتي يمكنها أن تساعدك ولو قليلا في حماية عالمنا؛ حماية عائلة كريمزون؛ حماية زوجتي الغالية سكارليت وابني المحبوب كارماين، فروحي وجسدي يمكنهما تحمّل أيّ شيء، ولو عنى ذلك الهلاك.)

(الهلاك؟ لا تقل لي...!)

صرخ باسل لكنّ الجنرال منصف ابتسم ابتسامة مرتاحة البال نوعا ما، لكن حزينة في نفس الوقت: (أرجوك، اسمع لأمنيتي الأنانيّة؛ عندما أغادر هذا العالم الدنيوي، اعتني بعائلتي واحرص على أن يكون ابني كارماين حاكما عظيما مثل جدّه. وشيء آخر، أرجوك امنع زوجتي من فعل شيء أحمق. وداعا!)

تكسُّر


انهار الحاجز الأثري وانجلى كغيوم اخترقها ضوء النهار المتجلّي، فشنّت الوحوش السحريّة هجومها دون رحمة.

صرخ الجنرال منصف بعدما قطع الاتّصال: [هيّا نريهم الجحيم في هذه الدنيا يا أوغاد، ونجعل العالم والتاريخ يتذكّرنا كأبطال مخلّدين.]

رفع سيفه الأثريّ وأعلن: [هيّا، فلتكونوا، فلنكن أبطال الأجيال!]

تحرّكت التشكيلات وجابهت الوحوش السحريّة التي لم تعطيهم فرصة لجمع أنفاسهم حتّى، وفجأة أصبحت أرض المعركة الضاريّة مقلوبة رأسا على عقب.

جرت هذه المعركة في شرق القارّة. تلك الخضرة والنضرة التي اعتاد أن يكون عليها هذا المكان اختفت وصارت المنطقة محروقة بكرة عن أبيها، ومجمّدة كأرض صقيع، ومليئة بالوديان المفخّخة، وبفيضان المياه، وطيران الجثمان.

تكوّنت أنهار من الدماء تغرق فيها جثث السحرة والوحوش السحريّة ليتحمّم فيها الطرفان ويتعطّرا بالرائحة الفظيعة.

قطع الجنرال منصف والباقون وذبحوا وقتلوا، لكن ذلك لم ولن ينتهي؛ فقط الموت البطيء، الموت القاسي، بدا ينتظرهم.

عوى طائر الرخ العظيم وأنزل صواعق سحبه وموجاتها الصوتيّة فشوى السحرة وفجّر أجسادهم كنفّاخات تتفرقع احتفالا، وغرس منقاره ومخالبه في الأعداء ثمّ طار مرّة إلى الأعلى.

كوّن دوّامة غير مرئيّة لكنّها كانت كثقب أسود يمكنه بلع أيّ ساحر تحت المستوى الثامن بسهولة، ثمّ أضاف إليها سحبه الصاعقة والتي تولّد قنابل صوتيّة فأحدث إعصارا نتاجا للربط بين قدرته وعنصره السحريّ. نسخ الإعصار فظهر واحد تلو الآخر حتّى بلغ عدد الأعاصير العشرين.

كانت للكثير من السحرة هنا خبرة بالقتال ضدّ مثل هذا الوحش المرعب، لكنّه طائر الرخ تحت تحكّم الأقدم الكبير زئير آنذاك كان وحشا بالمستوى الحادي عشر فقط وسبّب لهم معاناة كبيرة، ولكن هذا وحش بقمّة المستوى الرابع إضافة إلى كونه حرّ تماما وداخل منطقة محظورة.

كان الاختلاف بين طائر الرخ من ذلك الوقت وطائر الرخّ هذا كاختلاف الليل والنهار.

استعدّ السحرة لكنّهم مهما حاولوا لم يستطيعوا الهرب من قبّة الإبادة السوداء التي كوّنها طائر الرخّ بإحاطتهم بتلك الأعاصير الصاعقة.

انفجرت القبّة السوداء بعدما تلاحمت أعاصيرها ببضعها بعضا، فلم يبقَ شيئا من أولئك السحرة الذين استُهدِفوا.

[لا ترضخوا، وحطّموا رؤوس الوحوش اللعينة. غير ذلك، سنسمح لهم بغزو عالمنا ولن نكون هناك لإنقاذ عائلاتنا. كونوا راسخين كالجبال، هيّا قفوا وقاتلوا يا أبطال الأجيال!]


صرخ الجنرال الأكبر فروستوِيْف بينما يمرّر عنصري جليده وظلامه عبر الوحوش السحريّة دون توقّف ولو لثانية. لم يعلم ما إذا سمعه أحد أصلا لكنّه قال ما قال بالرغم من ذلك. لربّما أراد فقط أن يحمّس نفسه.

صياح

صرخ وحش الفتخاء وأضاق الوضع على السحرة بقدرته التي تمثّلت في إنشاء حواجز طبيعتها تشبه طبيعة دوّامة الرخّ العظيم، إلّا أنّ هذه الحواجز تغيّرت إلى أيّ شكل رغب فيه صاحبها.

جزر وحش الفتخاء سحرة المستوى الثامن بعواصفه التي امتلأت برياح أشدّ حدّة من أسلحة، ولم يترك مجالا لهم ليهربوا.

اخترق النمر الأبيض صفوف يمينهم بسرعة متناهية وحرق بضوئه كلّ ما لمسه. سطعت بعض الأضواء في العديد من الأماكن مثيرة حيرة السحرة، فتشكّلت فجأة كمرايا وأطلقت أضواء اتّصلت ببعضها بعضا. دخل النمر الأبيض بعدئذ إلى هذا المسار المكون بترابط أضواء المرايا، فظهر من خلال إحدى المرايا وشوى السحرة قبل أن يختفي ويظهر في مكان آخر، ليفعل نفس الشيء مرّة أخرى.

أمّا الوحش السحريّ الذي بدا كتنّين أرضيّ، فقد لعب بالسحرة كما شاء تحت الأرض وجعلهم يُقتَلون في ظلام دامس تحت أسنانه ويختبرون آلاما فظيعة.

تلذّذ بالدماء التي تسيل من أجسادهم على بأنيابه، وسبح تحت الأرض بقدرته الخاصّة التي جعلته مندمجا مع الأرض نفسها عبر طاقة العالم فيها. كان يمرّ عبرها كما لو كان حوتا يسبح في بحر. استخدم عنصر الأرض ومهّد الطريق لأعوانه وصنع فخاخا عديدة للأعداء دون توقّف.

كان السحرة محاصرين تماما ولم يسعهم سوى أن يقاتلوا حتّى آخر رمق منهم. حاول أحد الجنرالات مساعدة أتباعه لكنّ تشكيله أبيد تقريبا بسبب الرخ العظيم وأتباعه.

ونفس الأمر بدأ يحصل للجنرالات الأخرى، فبدأت دفاعات السحرة تنهار شيئا فشيئا، ولم يكن هناك وسيلة لإصلاح الأمر.

حتّى مع الوحوش السحريّة المستدعاة من بعض السحرة لم يستطيعوا قلب النتيجة. فقط بدا كما لو أنّ الأعداء صاروا أكثر شراسة لمّا رأوا بني جنسهم مستعبدون.

شاهد الجنرال منصف أتباعه يُقتلون بأعداد كبيرة في كلّ ثانيّة تمرّ. كان صاحب العضلات من قبل يلوّح سيفه الأثريّ وعنصريْ الماء والبرق خاصّته بالمستوى الثامن، لكنّ قوّته ضعُفت مع مرور الوقت والوحوش السحريّة ازداد عددها فقط، فوهن أخيرا وقطِعت أطرافه الأربع قبل أن يطير رأسه إلى السماء، ثمّ نزل بجانب قدمي الجنرال منصف، والذي شعر أنّ عينيْ الرأس المقطوعة تحدّقان إليه بتعبير من الصدمة.

هاج رفاق صاحب العضلات وحاولوا الانتقام، لكنّ جثثهم طارت بعد وقت وجيز.

صرخ الجنرال منصف وتقدّم إلى الأمام، فتجمّد جسده فجأة بينما ينظر إلى ذلك الوحش البعيد والمختبئ في الظلام.


لم يكن يجب على أحد التجمّد في وقت كهذا مهما حدث، لكنّه لم يستطع محاربة الأمر عندما أحسّ بحضور وهالة ذلك الوحش البعيد.

وفجأة، سمع صوتا حادّا من ناحية الوحش بالرغم من أنّه بعيد كثيرا. وفي الواقع، كلّ ساحر سمع ذلك الصوت القويّ.

[تألّموا وعانوا واصرخوا وابكوا وتحسّروا واحزنوا وافقدوا الأمل يا أيّها البشر واشعروا فقط بالألم. لقد مرّت مئات آلاف السنين وشاهدت البشر يقتلون الوحوش السحريّة دون توقفّ. شاهدتهم يغزون مناطقنا المقدّسة ويسرقون كنوزنا المباركة. ولكن، لا شيء من ذلك سيطول أكثر. أنا، كـملك لجميع الوحوش السحريّة في العالم سأسحق البشر وأتسيّدهم وأستعبدهم. سأجعل من هذا العالم عالم وحوش سحريّة]
..........................................يتبع!!!!!!!!!!!!!!


(الجزء العااشر)

ارتعب السحرة، وهذه المرّة غلبهم الخوف وتملّك منهم. وهن أبطال الأجيال ونسوا كونهم الشجعان. لم يكن هناك معنى لأيّ من ذلك أمام القوّة المطلقة. هؤلاء السحرة الذي لم يرضخوا للموت حتّى، لم يستطيعوا تحمّل صوت الوحش الذي انتقل عبر نيّته. كم كان هذا الوحش عظيم القدر يا ترى؟

أخذت الوحوش السحريّة زمام المعركة، وانقضّت على السحرة. لم تمر سوى دقائق على بداية القتال، ولكن قُتِل حوالي الربع من العدد الإجماليّ من السحرة بينما تزايدت أعداد الوحوش السحريّة حتّى بعد قتل عدد أكبر ممّا قُتِل من السحرة.

"رال... صف... أيّـ... نرال... نصف... أيّها الجنرال منصف!"

سمع الجنرال منصف اسمه ينادى أخيرا بعدما كرّر الجنرال فروستويف المحاولة عدّة مرّات.

تكلّم الجنرال فروستويف: "ما الذي تفعله الآن أيّها الوغد؟ هيّا قاتل!"

لقد كان الجنرال منصف شارد الذهن لمدّة معيّنة، ولحسن حظّه ما زال حيّا، ومع ذلك لولا الجنرال فروستويف لما كان يتنفّس حاليا.

عاد إلى رشده ثمّ عاد إلى القتال، لكنّ الوحش المهيب لم يفارق ذهنه؛ أحسّ كما لو أنّ الوحش خاطبه خاصّة على عكس الآخرين الذي سمعوا الأمر فقط.

[يا جنرالاتي الأربعة، شكّلوا تشكيل 'العقاب الوحشيّ']

عمدا، نقل الوحش نيّته إلى السحرة أيضا. كما لو أنّه يخبرهم أن يشهدوا بعيونهم العقاب الذي سيحلّ عليهم.

تحرّك طائر الرخّ العظيم ووحش الفتخاء بالسماء، والنمر الأبيض على الأرض والوحش الذي بدا كتنّين أرضيّ تحت الأرض. وفجأة اهتزّ الهواء حولهم فرأوا بأمّ أعينهم الفضاء يتصدّع وكادوا لا يصدّقون أعينهم.

اتّحدت قدرات الوحوش السحريّة الأربع تحت سيادة الوحش المرعب خلف الستار، فاندمجت قدرتا الرخ والفتخاء لينتج فراغا بذلك في الفضاء، أساسه حواجز الفتخاء ومركزه دوّامة الرخّ.


أحاط بذلك عدّة مرايا تألقت وأشعّت بضوء جعل الفراغ يهتزّ ويسطع فكسب عندئذ القدرة على التحرّك بسرعة كبيرة.

ناسقت تلك السلحفاة التنّينيّة الأرضيّة قدرتها مع الفراغ فمنحته القدرة على تجنّب أيّ هجوم عبر السماح لأيّ شيء بالمرور من خلاله عندما يشاء الوحش المهيب.

[والآن، تذوقّوا غضبي، غضب الوحوش السحريّة المكبوت لسنين لا تُحصى.]

تكسُّر

انكسر الفضاء فجأة فوق رؤوس السحرة، فارتعبوا ويئسوا حقّا هذه المرّة، ولم يفعلوا شيئا آخر سوى انتظار الموت.

"ما الذي سيحدث؟!"

صرخ الجنرالان منصف وفروستويف بانذهال.

هل حانت النهاية أخيرا؟ هل عقابهم ينزل عليهم؟ أم يجب السؤال، هل سيتحرّرون من معاناتهم أخيرا؟

انشقّ الفضاء، ولكن على عكس توقّعات الجميع، لم ينزل عقاب أو ما شابه، بل ظهر ظلّ، صورة لكائن.

"مستحيل!"

صرخ الجنرال منصف مرعوبا، مصدوما.

"ما ذلك؟" تساءل السحرة.

"هل هذا هو العقاب؟!"

"أليس ذلك إنسان؟!"

"على الأقلّ شكله يوحي بذلك."

"ماذا؟!"

بلع الجنرال منصف ريقه بصعوبة لكنّه لم يستطع غلق عينيه ولو برمشة، وفقط حدّق إلى الشخص الذي ظهر عبر الثقب في الفضاء.

"ك-كـــيف؟ لا، هل أرى وهما؟! هل هذا لأنّني أموت ولا أدري؟! هذا مستحيل!"

صدر صوت من ناحية ذلك الشخص: "وما المستحيل إلّا تعريف لما لا يمكنك فعله في وضعك الحالي."

تذكّر أحد الجنرالات الذين عاقبهم باسل فيما سبق في وكر الوحش النائم هذه الجملة بالذات، فصرخ غير مصدّق لما يحاول قوله: "إنّه الجنرال الأعلى باسل!"

صُدِم السحرة جميعهم، وكان أكثرهم تكذيبا للحقيقة أمام عينيه هو الجنرال منصف؛ لقد قدّر باسل لدرجة كبيرة، حتّى اعتقد أنّ هذا ما هو إلّا وهم من وحي خياله بسبب يأسه.

لم يرد ان يصدّق، لم يرد أن يكسب أملا مزيّفا. أراد أن ينتهي كلّ شيء بينما لا يزال يحافظ على شرفه وكرامته.

صدر صوت من ناحية ذلك الشخص من جديد: "آسف يا أيّها العمّ منصف، فأنا لا يمكنني الإصغاء لطلبك الأنانيّ."

سقط الجنرال منصف على ركبتيه بينما ينظر إلى باسل في السماء، بردائه المرفرف وهالته الغامرة. وكما لو كان طفلا قد رأى أباه الذي اشتاق له، غمرته سعادة لا توصف فتغرغرت عيناه بالدموع. عجز عن قول أيّ شيء وفقط سمح لدموعه أخيرا أن تتدفّق على وجنتيه.

كذلك الطفل الذي تعرّض للتّنمّر حتّى جاء أباه فارتاح فقط لأنّه قد أتى، واثقا أنّ الأمور كلّها ستصير أفضل الآن.

"هل حقّا هذا أنت أيّها الجنرال الأعلى؟"

لم يكن مظهر باسل الذي حقّا تغيّر في وقت وجيز هو المقصود، بل حقيقة وجوده هنا كانت مشكوكة؛ كيف يمكن لشخص كان من المتوقّع أن يظهر بعد أسبوع أو عشرة أيّام أن يظهر الآن؟

حدّق باسل إلى جهة الهجوم المشترك بين الجنرالات الأربع في جهة الوحوش السحريّة طوال الوقت، واجاب دون أن يزيح نظره عنه: "لا أعلم كم باسلا يوجد في عالمنا، لكن لا أظنّ أنّه يوجد باسل آخر بمواصفاتي. بالفعل، أنا باسل، جنرال إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة الأعلى."

حدّق السحرة إليه باهتمام شديد؛ نظروا إلى الشابّ الذي سمعوا عنه إشاعات لا تُحصى، ومن كان منهم يعلم عن شكله فيما سبق نظر إليه بحلّة جديدة متعجّبا.

الشابّ الذي قهر عائلة غرين وأعاد عائلة كريمزون إلى الحكم في غضون شهور. الشابّ الذي أوقع بالقاضي الأكبر بمكايده بمساعدة أميرة الشعلة القرمزيّة وقبض على أتباع حلف ظلّ الشيطان. الشابّ الذي أزال خطّ الجون بين العالم ووكر الوحش النائم. الشابّ الذي كان له الفضل الأكبر في القضاء على حلف ظلّ الشيطان.

هو الشخص الذي ساهم بشكل كبير في تجريم العبوديّة ومحاربتها وبناء أكاديميّات سحر عديدة لا تعرف معنى التمييز بين المواهب المنضمَّة، وهو الشخص الذي فكّر في إنشاء أكاديميّة الاتّحاد العظمى كقوّة مستقلّة هدفها حماية العالم الواهن لا غير.

كانت هناك قصائد وأشعار تُلقى على الشابّ في أنحاء العالم كأسطورة حيّة. انتشرت كلّ ملاحمه فأصبحت مسرحيّات يُستمتع بها وأغاني يُتغنّى بها. لعب الأطفال دور بطل البحر القرمزيّ وظلّ الشيطان وتقاتلوا في معارك وهميّة.

جنرال إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة الأعلى، بطل البحر القرمزيّ، سيّد أكاديميّة الاتّحاد المباركة غير المتوّج، الطفل المبارك، حامي العالم الواهن، الطفل المعجزة، أقوى رجل في العالم الواهن.

تعدّدت الألقاب في أنحاء العالم الواهن، فجعلت الناس تتساءل في صحّتها. هلّ حقّا يمكن لفتى، لشابّ في عمر صغير أن يحقّق كلّ هذا؟

ما لم يعلمه كلّ هؤلاء الناس هو وجود شخص عظيم وراءه، شخص كسب احترام العوالم الأساسيّة، كبيرا أم صغيرا كان، وحتّى الشياطين هابته. شخص سعى العديد من العباقرة لكسب فرصة تلقّي توجيهاته وشرف تعليمه.

بلع الجنرال فروستويف ريقه ثمّ نظر إلى باسل غير مصدّق للأمر. هل أتى حقّا؟ هل فعلا جاء ليواجه الموت معهم هكذا؟ كيف لشخص مثله أن يوجد؟


"هل شككت في شخص مثله؟"

لم يرد أن يفكّر في ما فعله الليلة الماضية. شخص يأتي هرعًا من أجل المقرّبين منه وأتباعه حتّى لو عنى ذلك مقاتلة الموت لا يمكن أبدا أن يكون باردَ ددممٍ يضحّي بهم من أجل غاياته.

ابتسم وقال: "حتّى لو عنى ذلك الموت عدّة مرّات، فسأموت وأموت بغض النظر عن العدوّ، فقط لو عنى ذلك أنّه يمكنني القتال مع شخص عظيم مثله."

لقد كان هذا فخر المحارب، وشرف الفارس؛ فكيف لأبطال مثلهم ألّا يفكّروا بهذه الطريقة الشجاعة؟ كيف لهم ألّا يسلّموا حيواتهم إلى قائد كفؤ؟

"لو عنى الموت الآن القتال جنبا إلى جنب مع الجنرال الأعلى، فهمّ إليّ أيّتها الوحوش اللعينة!"

"ذلك صحيح، جنرالنا الأعلى قطع كلّ الطريق إلى هنا، فهيّا نري هذه الوحوش الحقيرة الجحيم!"

"إذن هذا هو بطل البحر القرمزيّ، بطل الأبطال."

"سنتبع السيّد الشابّ باسل ولو إلى الجحيم!"

"مرنا وقدنا يا أيّها الجنرال الأعلى من فضلك."

لم تتوقّف الهتافات بعدئذ كما لو أنّ اليأس الذي واجهوه قبل قليل قد اختفى، بالرغم من أنّ وضعهم لم يتغيّر كثيرا.

صرّح الجنرال فروستويف: "هذه قدرة القائد العظيم؛ فقط بحضوره أحيا الروح المعنويّة للجيش بأكمله بالرغم من أنّ مصيرنا لم يتغيّر."

وقف الجنرال منصف ثمّ قال بصوت يخلو من التردّد: "أيّها السيّد الشاب باسل، ما أوامرك؟"

لم يلتفت باسل كالعادة وظلّ ينظر إلى جهة العدوّ، ثمّ ردّ بهدوء: "حسنا... لمَ لا تبتعدوا عنّي وتركّزوا على الوحوش السحريّة التي تمرّ عبري؟"

كانت الوحوش السحريّة كلّها قد تراجعت لجهة الوحش البعيد الذي يتحكّم فيها كلّها، وذلك من أجل تنفيذ العقاب الوحشيّ.

"إيه؟" تعجّب الجميع من الأمر.


شكّك الجنرال فروستويف في صحّة ما سمعه فتأكّد بسؤال: "هل تخبرنا أن نتركك تواجه الوحوش بنفسك؟"

أجاب باسل ببرودة: "صحيح ما سمعت. سأبذل كلّ ما في وسعي لذا لا أريد من أحدكم التورّط في ذلك."

استشعر الساحة ولاحظ أنّ هناك عشرة جنرالات متبقّين بعدما مات اثنين. أخرج كيسا بحجم اليد ورماه ناحية الجنرال منصف، ثمّ قال: "هذه حبوب طبّيّة يمكنها علاج إصابات بعض الجنرالات ومن تبقّى من السحرة المكلّفين بالحاجز الأثريّ وتعزيز قدراتهم. للأسف، لديّ سبعة منها فحسب."

تعجّب الجنرال منصف: "ولكن، لقد استخدمنا إكسيرات التعزيز في المعركة بالفعل، ألن يكون ذلك ضارّا؟"

فعلا كانت هذه المسألة. فقط أمثال باسل من أمكنهم تعاطي إكسيرين دون وجود فارق زمنيّ كبير بين تعاطيهما، فكيف لهم ألّا يتساءلوا؟

لوّح باسل بيده قبل أن يقول: "فقط افعلوها وركّزوا على تجديد الحاجز. ستفهمون عندما تتعاطونها." كان قد لاحظ آثار الحاجز الأثريّ المدمّرة، لذا أراد من ذلك أن يُصلح بينما يكسب لهم وقتا.

لم يكن هناك وقت للمزاح أو تجربة الأشياء، وهم علموا جيّدا أن باسل يعرف عواقب تعاطي إكسيرات دون فارق زمنيّ كافٍ بينها، لذا لا يمكن أن يفعل شيئا كذلك.

فتح الجنرال منصف الكيس فغُمِر بالرائحة الطبّيّة والمنعشة والغنيّة بالطاقة السحريّة المعالجة. كانت هذه الحبوب قرمزيّة اللون؛ لقد كانت حبوب الولادة الجديدة السحريّة! سبعة منها!

"ما هذه؟!" تعجّب الجنرال منصف والجنرال فروستويف من تلك الأشياء. لقد كانت غامضة لحدّ كبير ولم يريا شيئا بتلك الروعة.

كانت الحبوب القرمزيّة متألّقة وغنيّة بالحياة، وتبدو كما لو أنّ تعاطيها سينقذ الشخص من الموت.

كان باسل قد صنع هذه الحبوب في الأشهر التي تنقّل فيها مع العالم المجنون بعد إنقاذ صفاء، وذلك من أجل استخدامها في حالات عويصة. لم يكن يتوقّع أنّه سيضطرّ لاستخدامها الآن في الواقع.

تجمّع الجنرالات العشرة واتّفقوا على أن يتعاطى هذه الحبوب من لديه أكبر خبرة في النقوش الأثريّة إضافة إلى الاثنين الناجييْن من المختصّين في صنع الحواجز.

بالطبع كان للجنرال منصف الخبرة الكبرى هنا في النقوش الأثريّة بين الجنرالات، وتبعه الجنرال فروستويف، ثمّ جنرال جديد من الشعلة القرمزيّة، وآخر من الريّاح العاتيّة، والجنرال لورنس من الأمواج الهائجة.

تقرّر الأمر على هؤلاء الخمسة والاثنين المتخصّصين في النقوش. هذان المتخصّصان كانا حدّاد وكيميائيّ، وكلاهما امتلك الطاقة السحريّة الخالصة فقط، ولكن بسبب ذلك، فقد كانت سرعة نموّهما كبيرة للغاية وبلغا المستوى الرابع عشر بالفعل.

لقد كانا من أفضل الحدّادين والكيميائيّين في العالم الواهن، لذا مردوديّتهما لم تكن محلّ شكّ.


بلعوا كلّهم أرياقهم بينما يحدّقون إلى الحبوب في أيديهم. فقط بحملها شعروا بالراحة واستقرار بحار أرواحهم.

بلعوا الحبّة القرمزيّة فسطعت أجسادهم وارتفعت هالاتهم وطاقاتهم السحريّة إلى السماء.

"ما... ما الذي يحدث؟"

نظر السبعة إلى أيديهم بينما يشاهدون الجراح من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم تُشفى بسرعة غير منطقيّة. حتّى بمعاونة سحرة العلاج وإكسير العلاج، لم تكن سرعة علاجهم لتكون هكذا. كان ذلك صادما!

"كيف؟" تساءل الجنرالات: "وبدل أن نشعر بالضغط على بحار أرواحنا، نحسّ بالرخاء والاستقرار، حتّى أفضل ممّا كنّا عليه في أفضل حالاتنا."

"غير معقول، بتاتا!"

ابتسم باسل بينما ينظر إلى البهجة على وجوه السبعة، لكنّه أوحى بتعبيراته أنّه ما زال ينتظر شيئا آخر.

انفجار

كما لو أنّ أجسادهم تفجّرت، فارت بحار أرواحهم بالطاقة السحريّة فجأة وكلّهم، في نفس الوقت، شعروا بذلك التغيّر المرعب.

نظروا إلى أنفسهم بتعجّب بينما يحاولون تحليل ما حدث للتوّ.

تساءل المحيطون بهم: "هل لتلك الحبوب الغامضة مفعول إكسير التعزيز أيضا؟"

فعلا، ارتفعت مستويات السبعة كما لو أنّهم تعاطوا إكسير التعزيز.

"لا!" بلع الجنرال فروستويف ريقه بصعوبة حتّى سُمِع لعابه ينزل في حلقه، وأكمل بينما يحدّق بتعبيرات الخوف إلى باسل: "هذا ليس مجرّد إكسير تعزيز، هذا... هذا...!"

لم يستطِع أن يقول ما كان الأمر من شدّة رعبه وصدمته.

حدّق الجنرال منصف إلى باسل بعينين متّسعتين، فحتّى هو لم يكن يعلم أنّ باسل لديه شيئا كهذا.


"لقد... لقد اخترقنا لمستويات عليا!"

صرّح أخيرا بذلك بصوت مرتجف. هناك شيء في هذا العالم يمكنه رفع مستوى الساحر هكذا؟ ما المعنى من التدريب والمعاناة أمام شيء كهذا؟

وبالطبع، لم يكن هناك شيء كهذا دون أن يكون هناك شروط وحدود، ولكن مع ذلك يبقى الأمر مرعبا.

نطق جنرال الريّاح العاتية. كان أحد أولئك الذين عاقبهم باسل بالمجيء إلى هنا: "لقد بلغتُ المستوى الثاني عشر فعلا! لقد كنت لتوّي منهكا تماما وفي المستوى العاشر فحسب!"

كرّر وراءه رفيقه، الجنرال لورنس: "نفس الشيء حدث معي! لقد بلغت المستوى الثالث عشر!"

كان كل الجنرالات هنا في المستوى العاشر، إلّا الجنرال منصف الذي كان في المستوى الثاني عشر، والجنرال فروستويف والجنرال فاستريم لورنس اللذين كانا في المستوى الحادي عشر.

حدّق بعض الثلاثة إلى بعض كما لو كانوا يحاولون تأكيد مستوياتهم.

سأل الجنرال منصف أوّلا: "هل حقّا بلغت المستوى الرابع عشر؟"

لم يجبه الجنرال فروستويف وسأل مثله فقط: "هل حقّا بلغت المستوى الثالث عشر الآن؟"

أكمل الجنرال لورنس سلسة الأسئلة: "كيف يمكن أن أبلغ المستوى الثالث عشر؟"

اخترق جنرال الشعلة القرمزيّة الجديد إلى المستوى الثاني عشر وكان مدهوشا مثل الآخرين.

أمّا عن الحدّاد والكيميائيّ، فقد بلغا قمّة المستوى الرابع عشر بعدما كانا في القسم الأوّليّ منه وكسبا قدرا هائلا من الطاقة السحريّة الخالصة التي تتجاوز المستوى الرابع عشر نفسه.

كانت هناك إجراءات مهمّة يجب على الشخص المرور بها قبل أن يدخل إلى المستويات الروحيّة، وذلك لم يكن يتحدّد بكمّيّة الطاقة السحريّة كالشرط الحاسم. وأكثر من ذلك، كان حال سحرة الطاقة السحريّة الخالصة مثل حال الوحوش السحريّة التي انتظرت العالم حتّى يصير روحيّا قبل أن تستطيع الاختراق إلى المستويات الروحيّة.

صُدِم الحضور بأجمعه ونظر إلى السبعة كمخلوقات نادرة.


"يا إلهي! يا ربّاه! فقط ما الذي نشهده؟!"

ولكن سرعان ما تغيّرت وجهة نظراتهم التي وجّهوها إلى المخلوقات السبعة النادرة إلى جهة باسل، إلى جهة الشخص الذي تسبّب في كلّ هذا.

ضحكّ السبعة ضحكات متقطّعة من التوتّر فتبعهم بذلك الجميع حتّى أصبحت أصواتهم هتافات، فحواها: [يحيا بطل الأبطال، باسل!]

نظر بعضهم إلى بعض ثمّ تساءلوا عن بعض الأشياء.

"انتظر... لا تقل لي... هل فهمنا الأمر بشكل خاطئ حتّى الآن؟ هو... إنّه... هو لم يأتِ إلى هنا ليموت معنا!"

بدأ السحرة يرون الأمل من جديد بعد الحدث الصادم؛ لقد كسبوا لتوّهم سحرة بالمستوى الثاني عشر فما فوق، سالمين معافين. هل حقّا يمكن تغيير النتيجة المحتومة؟

"لقد أتى حقّا حتّى ينقذنا!"

نظر الجنرال منصف إلى باسل، متطلّعا. لسبب ما، كان يعلم في أعماق قلبه أنّ الأمور ستؤول إلى هذا المنحى مذ ظهر باسل. لم يكن ذلك حدسا فارغا، بل كان مبنيّا على خبراته مع الشابّ القرمزيّ في كلّ الأوقات الماضية.

لقد كان قريبا من باسل لمدّة طويلة وظنّ أنّه رأى ما يكفي من عجائبه، لكنّه اليوم شاهده يظهر من اللامكان ويمنحهم هذه الحبوب المعجزة. ألا تنتهي مفاجآته؟

رضي باسل بالنتيجة التي حقّقتها حبوب الولادة الجديدة السحريّة، وتحمّس أكثر عندما فكّر في الوقت الذي يصنع فيه النسخة الروحيّة منها. لربّما كان الشخص الأوّل في تاريخ العوالم الروحيّة الذي يصنع هذه الحبّة.

وبالطبع كانت هذه الحبوب معجزة، فكيف لا وهي قد صُنِعت عبر رائحة وعبير تمر الحياة الجديدة كجوهر لها، عبر رائحة الكنز الأسطوريّ الذي يسيل لعاب الهرمى المقموعين حتّى.

فلو قورِن بـ'الفنون الساميّة الأربعة عشر' من الأساطير والخرافات، فبالتأكيد هو يقف على نفس المنصّة معها أو ربّما أكثر حتّى!

عادت الحيويّة إلى أبطال الأجيال بالرغم من إصاباتهم، وبدت معنوياتهم أكثر ارتفاعا عمّا كانت عليه في المقام الأوّل. لقد رأوا فرصة أخيرا، فرصة ليعيشوا. بعد هذه اللحظة، لن يقاتلوا فقط من أجل شرفهم وفخرهم، أو فقط من أجل عالمهم، بل سيقاتلون حتّى يعودوا أحياء ليصارعوا في يوم آخر.

لم يفارق نظر باسل جنرالات الوحوش الأربعة وهجومهم المشترك، وبالطبع، لم يسعه سوى أن يأخذ حذره من الوحش بالخفاء.

لقد سكنت الوحوش في مكانها ولم تفعل شيئا بعدما ظهر، وذاك أكّد له أنّ هذا الوحش السحريّ بالفعل لديه حكمة كافية ليكون حذرا تجاه عدوّ مجهول يظهر من العدم.

تأثّر أنف باسل برائحة دماء السحرة والوحوش السحريّة المختلطة فانزعج، وتذكّر جثث السحرة التي لمحها لمّا أتى، فضاقت عيناه أكثر وتجعّد حاجباه. قد مرّت فترة منذ أن غضب لهذه الدرجة.

صحيح أنّه كان غاضبا لأنّ الوحوش السحريّة قد قتلت الكثير من السحرة، لكنّه كان غاضبا أكثر على نفسه، كونه كان السبب في نهايتهم هذه. كان هو الشخص الذي أرسلهم ليموتوا دون أن تكون هناك فرصة ليقاتلوا من أجل حيواتهم.

لقد كان هذا العالم مشترك بين الوحوش السحريّة والبشر، فملك البشر العالم وملكت الوحوش السحريّة المناطق المحظورة التي كانت كمناطقها المقدّسة، لذا لم يكن يجب على الشخص لوم الوحوش السحريّة على قتل السحرة الذين يدخلون إلى أراضيها ويقتلون وينهبون.

هذه الحقيقة جعلت باسل يحمل ثقل كلّ من مات هنا بسببه، لكنّه علم أنّ هذه طريقة عمل العالم، فليس كأنّه لا يخطئ. لم يكن هناك طريقة ليعلم بها عن وجود وحش سحريّ كذاك.

أخبره معلّمه ذات مرّة أنّ هذا الطريق الذي يسلكه لصعب وشاقّ، وكثير من الأقوياء سُحِقوا في النهاية بسبب الوزن العظيم على أكتافهم.

لكنّه لم يكن ليسمح لهذا الثقل الجديد أن يوهنه أو يوقفه عن سعيه. لقد قرّر وعزم سابقا، ومهما كانت الصعاب والمشقّات، فسيتحمّلها ويكمل طريقه في المسار الروحيّ.

لم تظهر علامة على تحرّك الوحوش السحريّة كلّ هذا الوقت بعد ظهور باسل، وهذا الأخير لم يفعل شيئا أيضا وظلّ يراقب الوضع باحتراس.

مرّ وقت طويل قبل أن يتكلّم الوحش السحريّ الخفيّ بشكل مفاجئ عبر نيّته.

[يا بشريّ، من تكون؟]

كان واضحا أنّ الوحش السحريّ كان حذرا للغاية من باسل، بما أنّ هذا الأخير قد ظهر من ثقب في الفضاء.

حدّق باسل إلى مكان بعيد كما لو كان ينظر إلى الوحش السحريّ وأجاب: "أنا باسل!"

انتقل صوته المرتفع عبر حشد الوحوش السحريّة حاملا نيّة قتله فجعل أجسادهم تقشعّر.

عمّ الصمت لقليل من الوقت قبل أن يصدر الصوت من جديد.

[أ تسخر منّي يا بشري؟ أنا لا أسألك عن اسمك اللعين. أنا أريد أن أعرف عن الشخص الذي يمكنه الانتقال عبر الفضاء.]

بدا الوحش السحريّ منزعجا من جواب باسل البسيط، لكن ذلك الأخير لم يهتم بذلك وفقط أخرج رمحه الخشبيّ واستعدّ للمعركة.

نظر السحرة إلى باسل الذي يحلّق مستخدما إمكانيّة عنصر الريّاح، وتساءلوا كلّهم عن شيء واحد: كيف سيقاتل الوحوش السحريّة لوحده الآن؟

حدّق الجنرال فاستريم لورنس إلى باسل وتذكّر ما حدث في الوكر قبل شهور. في ذلك الوقت، لاحظ أنّ باسل في المستوى التاسع فقط، ومع ذلك استطاع هزيمتهم حتّى دون ان يستخدم سحره. كانت لديه قدرات فريدة وجميع هجماتهم لم تترك أثرا على جسده.

نظر إلى الجنرال منصف وجرّب سؤاله عن هذه المسألة: "المعذرة يا أيّها الجنرال الأكبر، أريد سؤالك عن شيء. ما هو مستوى السيّد باسل السحريّ؟"

حدّق الجنرالُ منصف إليه ولم يجب، فأكمل الجنرال لورنس: "في الحقيقة، حتّى الآن ما زلت أرى أنّه في المستوى التاسع، ولكن ذلك غير منطقيّ؛ فالسيّد باسل قد اخترق إلى مستويات الربط قبل الحرب الشاملة حتّى ولم يغب عن الوعيّ إلّا بعد شهور من الحرب. أعلم أنّه يخفي أوراقه الرابحة، لكن هل من الممكن أصلا أن يخفي مستواه عنّا هكذا؟ ليس وكأنّنا سحرة جهلة أو مستوانا ضحل."

حدّق الجنرال منصف إلى باسل ولم يجب مباشرة، وبعد تفكير طويل التفت إلى الجنرال لورنس وردّ: "ليس وكأنّني لا أريد إجابتك، بل الأمر هو أنّني متعجّب أكثر منك."

تذكّر أنمار فأكمل: "حسب ما لاحظت من الأميرة أنمار، فقد بلغت على الأغلب المستوى الرابع عشر منذ فترة بالفعل، لذا لا أتصوّر أن يكون مستوى السيّد الشابّ باسل أقلّ بكثير."

هزّ رأسه وتكلّف الابتسام: "حسنا، ليس وكأنّنا سنعلم شيئا هكذا. فلننتظر وسنشبع فضولنا، ولكن حسب خبرتي في الأمر، يجب أن تستعدّ ألّا تبلع لسانك من الدهشة، فحليفنا باسل لا ينفكّ عن مفاجأتنا."

تعجّب الجنرال لورنس ونظر إلى باسل بينما يفكّر: "فقط ما الذي يمكنه أن يفاجئنا به بعد كلّ ما فعل؟"

شرعوا بعدئذ في إصلاح الحاجز الأثري بجدّيّة كبرى. أتوا بأحجار الأصل من المستوى الثامن فما فوق والتي وصل أعدادها إلى عشرات الآلاف وبدؤوا يبنون أساس المصفوفة عبر ساريات يُحفر عليها النقوش الأثريّة بحرص شديد وتُدمج معها أحجار الأصل بدقّة.

رُسِمت دوائر سحريّة بالنقوش الأثريّة على الأرض في مختلف النواحي ورُبِطت ببعضها عبر أحجار الأصل، وبعدما توهّجت وُضعت الساريات فوقها ودُمِجت قوانين العالم مع بعضها فبدأ السبعة عملهم الحقيقيّ.

وفي تلك الأثناء، كان باسل يشحن رمح الخشبيّ بطاقته السحريّة، فدمج عناصره الثلاث في سلاحه الأثريّ، وفجأة تحوّل الرمح الخشبيّ إلى نصل لهبيّ أبيض هادئ، وأحيط هواء هزّاز جعل حافّته تبدو قادرة على قطع الجبال كالورق، وأحيط بضوء أزرق فاتح قريب للأبيض، معلنا عن عنصر التعزيز.

حدّق إلى مكان بعيد ثمّ قال: "حسنا، لنرَ ردّة فعله عن هذا."

انفجار

كما لو أنّ ختما ما قد أزيل عنه، ارتفعت الطاقة من جسده نحو السماء وامتدّت هالته طولا وعرضا، فخرت ركاب السحرة فجأة كما لو أنّهم صُعِقوا من حيث لا يدرون، وارتجفت الوحوش السحريّة بدأت تزمجر وتصرخ من الرعب.

"هذا...!"

حدث الأمر بشكل مفاجئ للغاية، ولم يستطِع أحد المواكبة. الناس خضعت، والوحوش هلعت.

تساءل الجنرال فروستويف متحمّسا بينما يحرّك كتف الجنرال منصف: "ما مستواه؟ ماذا يُسمَّى هذا المستوى؟"

بلع الجنرال منصف ريقه وحكّ عينيه ولكم وجهه، فتأكّد من الأمر حقيقة. لقد كان هو الشخص الذي حذّر الجنرال لورنس لكنّه كان الشخص الأكثر اندهاشا.

"هذا يفوق كلّ المتوقّعات. لقد اعتقدت أنّه سيكون في المستوى الثالث عشر على الأغلب أو حتّى القسم الأوّليّ من المستوى الرابع عشر لو فاق توقّعاتي، لكنّه فعل أكثر من ذلك بكثير. هذه هي قمّة المستوى الرابع عشر الحقيقيّة."

صُدِم السحرة عندما سمعوا 'قمّة المستوى الرابع عشر' تقال بالرغم من أنّهم شاهدوا الأمر بأعينهم، ومع ذلك أحدهم كان أقلّ اقتناعا بالجواب. حرّك الجنرال فروستويف جسد الجنرال منصف بشدّة: "أتخبرني انّ هذه هي قمّة المستوى الرابع عشر؟ هذا لا يمكن، ما أشعر به مختلف تماما. كما لو أنّه في مستوى فوق الرابع عشر."

"فوق الرابع عشر؟" انذهل السحرة وبلعوا أرياقهم.

"هل هو في المستويات الروحيّة؟"

بدأت الهمسات تنتشر فتدخّل الجنرال لورنس: "ذلك مستحيل. لو كان في المستويات الروحيّة لأصبح عالمنا روحيّا منذ مدّة بالفعل."

أومأ الجنرال منصف رأسه متّفقا مع كلام الجنرال لورنس، وقال بعدما انتظره السحرة بفارغ الصبر: "معه حقّ. لقد واتتني فرصة لأرى الطاقة الروحيّة في حرب الاسترداد، لكن هذه طاقة سحريّة بدون شكّ."

"ولكن..." نظر إلى باسل قبل أن يعلن: "بالفعل هو في قمّة المستوى الرابع عشر، لكنّها قمّته الحقيقيّة. بمعنى آخر، هو على وشك الاختراق إلى المستويات الروحيّة، وحسب ما سمعت، فالساحر في هذه المرحلة يملك تسمية خاصّة."

"تسمية خاصّة؟"

تساءل السحرة، لكن الجنرال منصف لم يردّ مباشرة؛ لم يكن يلاعبهم ولكنّه كان مصدوما فقط ولم يستطِع ترتيب أفكاره بسرعة.

رفع يده وأشار إلى باسل معلنا: "السيّد الشاب باسل هو أوّل ساحر من العالم الواهن يبلغ هذه المرحلة، ولقبها هو 'الصاعد'."

"الصاعد!"

ردّد الجميع الكلمة ونوعا ما فهموا المعنى خلفها. حدّق الجنرال فروستويف إلى باسل وفرح كما لو أنّ باسل ابنه الفخور به أو شيء كهذا.

كان باسل قد بلغ مرحلة في الحرب الشاملة ضدّ ظلّ الشيطان سمّاها إدريس الحكيم بـ'شبه الصاعد'، وذلك لأنّ باسل كان في المستوى الثامن لكنّ عنصر التعزيز لديه كان قد تخطّى المستوى الرابع عشر بكثير.

وبعد مرور كل ذلك الوقت وخروج باسل من البيضة المشعّة، رأى أنّه قد بدأ يقترب كثيرا من مرحلة الصاعد، إذ كان يرى العالم على صورته الحقيقيّة. في ذلك الوقت، كان قد بلغ قمّة المستوى الرابع عشر لذا قرّر الخروج من البيضة المشعّة. كان قد استنفع بما يكفي ولم يكن هناك ما يمكن كسبه.

وفي الشهور الأخيرة، تدرّب باستمرار كالعادة واستطاع أخيرا بلوغ مرحلة الصاعد حقّا والاستعداد للدخول إلى المستويات الروحيّة. وبالضبط، ذلك حدث في عالم أريحا.

ازدادت طاقة وقوّة النصل الأزرق بمرور الوقت، ولكن هذه المرّة كان ذلك بسبب قدرة الرمح الطبيعيّة – المضاعفة الاستثنائيّة، التي سمحت للساحر أن يضاعف قوّة هجومه.

كان الرمح يسحب الطاقة من الساحر ويستخدمها كمحفّز من أجل شفط القدر الممكن من طاقة العالم ومباشرة يحوّل هذه الطاقة إلى عناصر الساحر ويضخّم الهجمة.

فعّل باسل تعاويذه الذهنيّة الروحيّة، فانبثقت تعاويذ مختلفة، وبالضبط ثلاثة أنواع منها.

"ستكون هذه أوّل مرّة أجرّب فيها استخدام ثلاثة فنون قتاليّة أثريّة ذات أصل سامٍ. هذا محمِّس نوعا ما، لا، بل كثيرا."

دارت التعاويذ الذهنيّة الروحيّة حوله ثمّ بدأت الاندماج مع بعضها قبل أن تدخل أخيرا إلى بحر روحه من جديد.

أشعّ جسده وظهرت ثلاث كرات فضّيّة أنارت عالمه ووضّحت رؤيته. صار هادئا للغاية وبصيرته مكنّته من الرؤية عبر التفاصيل الضئيلة التي استطاع تحليلها بشمول والتحكّم فيها كما شاء بحكمة متناهية.

أخرج سيفا أثريّا بالدرجة السابعة، فتحوّل بعد مدّة بسيطة إلى نصل أزرق هو الآخر مع أنّه كان أضعف من الرمح الخشبيّ.

نظر إلى الوحوش السحريّة ثمّ قال: "بعد الآن، لا يهم إذا كان هناك الآلاف أو مئات الآلاف منكِ."

بام

اختفى بعد ذلك مباشرة دون أن يستطيع أحد لمح صورته، وفي اللحظة التالية رأى السحرة أمرا عجيبا يحدث.

"انظروا، هناك شيء غريب يحدث للوحوش السحريّة!"

"إنّ أجسادها تُقطَع لأشلاء لوحدها. ما الذي يحدث؟"

تقدّم الجنرال منصف وقال: "ذلك، إنّه السيّد الشابّ باسل. إنّه يقطع المئات من الوحوش السحريّة في لحظات كما لو كانت قطعا من الورق."

صُدِم السحرة بينما ينظرون إلى الهواء يقطع الوحوش السحريّة، فمهما حاولوا لم يستطيعوا رؤية باسل.

"ألف، ألفان، ثلاثة آلاف..."

كان السحرة يعدّون عدد الوحوش السحريّة التي تُقتل بالألف تلو الألف من شدّة سرعة حدوث الأمر.

"تـ-تلك وحوش سحريّة تختلف مستوياتها من الخامس حتّى المستوى الرابع عشر، فكيف له أن يفعل ما يشاء هكذا؟"

نظر الجنرال فروستويف بعينين متّسعتين: "هذا ما يحدث عندما يكون فارق القوّة كبيرا للغاية."

كان باسل قد قتل عشرة آلاف وحش سحريّ في وقت وجيز للغاية ثمّ طاف في السماء بينما ينظر إلى مكان بعيد. قال كما لو أنّه يخاطب ذلك الوحش الخفيّ: "يمكنني الاستمرار في هذا حتّى ترضى."

استخدم باسل حتّى هذه اللحظة مستواه السحريّ بكامل قوّته وثلاث فنون قتاليّة أثريّة ذات أصل سامٍ. لم يكن هناك في كلّ العوالم الروحيّة شخص قادر على استخدام أكثر من فنّ قتاليّ، واقتصر الأمر على الحكيم السياديّ الذي امتلك البصيرة الحكيمة السحيقة، والتحليل الحكيم الشامل، والتحكّم الحكيم السليم.

ورث باسل حكمة معلّمه السياديّة وكلّ المعرفة التي تأتي معها والتي جمعها إدريس الحكيم عن طريقها، لذا بعد اختفاء معلّمه، فهو الشخص الوحيد في كلّ العوالم الرئيسيّة الذي يستطيع استخدام أكثر من فنّ قتاليّ.

كان هناك ثلاثة فنون قتاليّة سامية ورثها من معلّمه ويتدرّب عليها الآن: 1- 'صدم العالم' ومرحلته الأثريّة تُسمّى بـ'خطوات الرياح الخفيفة'، 2- 'سحق الخلق'، ومرحلته الأثريّة هي 'سحق الأرض'، 3- 'قضاء الفضاء'، ومرحلته الأثريّة تُلقّب بـ'اختراق السماء'

وعندما دمج كلّ هذه الفنون القتاليّة، لم يكن هناك ما يمكن لوحوش سحريّة ولو بالمستوى الرابع عشر أن تفعله ضدّه.

فخطوات الريّاح الخفيفة زادت من سرعته وأعطته قوّة دفع كبيرة، وسحق الأرض مكّنه من تمرير أسلحته عبر أجساد الوحوش السحريّة بسلاسة، واختراق السماء جعله يبدو كما لو كان يخترق الفضاء ويشوّهه ليختصر طرقه.

لقد درّب جسده كفاية ويملك قدرات شفاء ذاتيّ استثنائيّة، لذا حتّى الضغط على جسده بسبب استخدام ثلاث فنون قتاليّة أثريّة مرّة واحدة لم يؤثّر عليه.

صرخ الوحش الخفيّ رادّا على باسل: [يا أيّها البشريّ اللعين، كلّ ما فعلته هو القضاء على عشرة آلاف وحش سحريّ وها أنت ذا تخال نفسك لا تُقهر. لو قتلت عشرة آلاف فمنّي إليك مائة ألف أخرى، وعندئذ سنرى من سيستنزف طاقته أوّلا، هذا إن سمحتُ لك بذلك في المقام الأوّل.]

تحرّكت جنرالات الوحوش الأربعة لتكمل هجومها السابق.

لقد انتظر الوحش الخفيّ بفارغ الصبر ليرى ماهية باسل لكنّه لم يستطع أن يكتشف الكثير، لكنّه عندما رأى مستواه السحريّ وما كان قادرا على فعله، قرّر التخلّص منه في الحال قبل فوات الأوان.

كانت الفنون القتاليّة أنواعا من القواعد والأحكام التي تغيّر قوانين العالم، وبسبب ذلك وجب على الشخص المرور باختبارات عند بلوغ مراحل معيّنة، وهذه الاختبارات مثلها مثل أيّ اختبار جدارة وُضِعت حتّى لا يكسب الشخص مثل تلك القدرات إلّا إذا كان جديرا بذلك.

لا شكّ في أنّ ثلاثة فنون قتاليّة كانت فائقة القوّة، لكنّها كانت سيف ذو حدّين، فكانت الاختبارات التي تنتظر مستخدمها مرعبة؛ فاستخدام ثلاثة فنون بذاته تطلّب الجدارة.

كان لباسل حاليا المعرفة الكافية لتعلّم حتّى المرحلة الروحيّة من فنونه، لكنّ جسده لم يصر قويّا كفاية، ولم يدخل إلى المستويات الروحيّة التي تُعدّ شرطا حاسما من أجل استخدام المرحلة الروحيّة.

وقبل كلّ ذلك، توجّب عليه المرور باختبار المرحلة الأثريّة الذي يأتي بعد إكمال الفرع الكبير –الغصن الرابع-، والذي لم يتجاوزه حتّى الآن، مع العلم أنّ المرحلة الأثريّة لديها سبع أغصان.

قيل أنّ ساحرا صاعدا بسلاح أثري في الدرجة السابعة يتحكّم فيه بشكل مثاليّ يمكنه أن يقارع ضربة من سيّد روحيّ، ولكن ذلك عنى أنّه يستطيع أن يصدّ، مثلا، ضربة سيف عادي من سيّد روحيّ لا غير.

والآن، باستخدامه لفنونه الثلاثة وقوّة مرحلة الصاعد وعنصر تعزيزه الذي تفوق طاقته السحريّة تلك المرحلة بكثير، استطاع باسل أن يمحق الوحوش السحريّة باختلاف مستوياتها دون ترك أيّ فرصة لها بالردّ حتّى.

كان قد قضى حتّى الآن على عشرة وحوش بالمستوى الرابع عشر وثلاثين بالثالث عشر وخمسين بالثاني عشر وستّين بالحادي عشر ومائة بالعاشر وما تبقّى بباقي المستويات.

لو قيل هذا لأحد لم يكن ليصدّق ذلك، وهذا الأمر لم يقتصر في الواقع على سكّان العالم الواهن، بل حتّى قاطني العوالم الروحيّة لم يكونوا ليأخذوا الأمر بجدّيّة لو سمعوه، فليس هناك صاعد في كلّ العوالم أمكنه فعل مثل هذا.

***

انتهت جنرالات الوحوش الأربعة من تشكيل هجومها الموحّد، فكان هناك ثقب أسود محاط بأشعّة بيضاء وبدا كأنّه يستطيع بلع العالم بأسره.

[فلتتذوّق عقابنا الوحشيّ أيّها البشريّ المنحطّ!]

تفرّقت جنرالات الوحوش الأربعة لكنّ هجومها استهدف باسل. كان هذا الهجوم مختلفا عن هجمات الوحوش الأخرى إذ كان يحمل قدرات أربعة وحوش بقمّة المستوى الرابع عشر وسحرها أيضا.

علم باسل مدى خطورة الهجوم لكنّه أطلق العنان لطاقة عنصر التعزيز وصرخ: "الامتداد الكلّيّ."

تشكّل أمامه نسخة منه من طاقة عنصر التعزيز، والتي بدت كضوء أزرق فاتح على شكل باسل بالضبط. ومباشرة بعدئذ، صارت النسخة اثنتين فتضاعفت إلى أربعة ثمّ إلى ثمانيّة ثمّ إلى ستّة عشر وأخيرا بلغ عددها اثنتي وثلاثين نسخة.

انتشرت النسخ في جميع النواحي ووقفت لتمنع أيّ وحش من المرور لجهة السحرة، وفي نفس الوقت كان باسل قد صار عملاقا ناريا كما فعل في الحرب الشاملة، إلّا أنّ ناره هذه المرّة كانت بيضاء.

شبك قبضته بوسط العملاق الناري ففعل هذا الأخير نفس الشيء كامتداد لجسد باسل، وبمجرّد ما ان ظهر الثقب الأسود بسرعة خاطفة أمامه لكمه.

ولكن على عكس المتوقّع، كان الثقب الأسود خلف بالفعل، وفعل ذلك مستخدما قدرة النمر الأبيض. سُمِّي هذا الوحش السحريّ بنمر الضوء الخاطف.

كانت تلك قدرته والتي نقلها إلى الهجوم المشترك، فاستخدمها الثقب الأسود قبل أن يستطيع باسل الردّ واستهدف ظهره.

كاد الثقب الأسود يخترق ظهر العملاق الناريّ، لكن شيئا غريبا حدث وبدا الأمر كما لو أنّ أخطأ الهدف.

ولكن في الحقيقة كان ذلك فنّ باسل القتاليّ الأثريّ الثالث، اختراق السماء، الذي مكّنه من تحييز منطقة صغيرة من الفضاء فحوّل بذلك اتّجاه الثقب الأسود إلى جهة أخرى.

ومباشرة بعد هذا الدفاع حان دوره فاستهدف الثقب الأسود بكامل طاقته السحريّة وفنونه القتاليّة على شكل ركلة صاعدة أمكنها اقتلاع جبل ورميه كحصاة صغيرة.

اندفعت الريّاح والنيران البيضاء المعززتان وغمرت المنطقة كلّها، وفي اللحظة الأخيرة، اختفى الثقب الأسود عن الأنظار تماما.

كان هناك العديد من السحرة الذين يشاهدون هذه المعركة باهتمام، فهذا المستوى من المعارك لم يحدث من قبل حتّى فما بالك بكلّ يوم.

فجأة ارتعب أحدهم صارخا: "احترسوا! هناك وحوش سحريّة تنوي استغلال الفرصة للقضاء علينا!"

ثبت السحرة في أماكنهم مستعدّين لحشد الوحوش السحريّة التي تستهدفهم، وعندما اقتربت أخيرا من المصفوفة التي توضع، ارتأى السحرة أنّ الوضع ما يزال سيّئا حقّا، ولكن فجأة رأوا أجساد الوحوش تتطاير في السماء.

"انظروا! أ ليست تلك أجساد الطاقة العجيبة التي صنعها الجنرال الأعلى؟"

اندهش السحرة ممّا حدث أمام أعينهم. كان هناك بالفعل الاثنتا وثلاثون نسخة من باسل وكانت تصدّ الوحوش السحريّة عن السحرة وعن المصفوفة الأثريّة التي تُصنع. كلّ لكمة من كلّ واحدة منها كانت قادرة على إرسال وحش بالمستوى الثامن محلّقا.

بدت النسخ كسحرة في المستوى الثامن أو التاسع، وبسبب كونهنّ مجرد طاقة سحريّة لم تشعر بالألم ولا بالتعب، ومهما قُطِعت من الوحوش السحريّة وقُضِي عليها كانت تُزوّد بالطاقة لتصحو من جديد.

لقد كانت النسخ كجنود خارقين لا يموتون حتّى لو قُتِلوا. كانت هذه تقنيّة باسل الجديدة، أو يجب القول المستوى الجديد لتقنيّة الامتداد الكلّيّ. كانت هذه تقنيّة استطاع إتقانها بعد مدّة طويلة من التدريب بعدما ألهمه القتال ضدّ هدّام الضّروس.

كان لديه حاليا كمّيّة غير معقولة من طاقة عنصر التعزيز، وهذه الكمّيّة هي تلك التي يستطيع جسده تحمّلها فحسب، لذا كلّما نقُصت هذه الكمّيّة واحتاج أكثر سمح لطاقة العالم أن تتوغّل في بحر روحه.

بعبارة أخرى، كان حدّه هو قدرة تحمّل جسده وبحر روحه هذه العمليّة المتكرّرة.

انتظر باسل لثوان فأحسّ بالثقب الأسود قادم من تحت الأرض بعدما اختفى؛ كانت هذه قدرة السلحفاة التنّينيّة التي سمحت لها بالعبور عبر الأرض كحوت يسبح في البحر.

لم يكن لدى باسل الوقت الكافي للمراوغة بسبب سرعة قدرة نمر الضوء الخاطف، ففات الأوان وبمجرّد ما أن لمس الثقبُ الأسودُ العملاقَ الناريَّ حتّى فجّره وبدّده تماما، وباسل الذي حاول بجهد ليبتعد أصيب بجراح واضحة من جرّاء ذلك.

كان الهجوم يمزجّ قدرات الوحوش الأربعة كأساس وسحرهنّ كالقوّة اللازمة، فتدمّر كلّ شيء بسبب الثقب الأسود وتبدّد كما لو كان يُشفط إلى داخله.

[ما رأيك الآن بوضعك المزري يا بشريّ؟]

نفض باسل الغبار من على ملابسه ونظر إلى البعيد تجاه قلب القارّة وردّ: "عمّا تتحدّث يا هذا؟"

اختفت الجروح كانجلاء الغبار من على ملابسه، فتعجّب السحرة المراقبون أيضا ممّا حدث، وسكت صاحب الصوت لمدّة طويلة. لقد كانوا متأكّدين من أنّه لم يتعاطى لإكسير العلاج قطّ، أو لتلك الحبّة العجيبة من قبل.

بدا الأمر كما لو كان الوحش الخفيّ مصدوما ولم يستطع أن ينطق بشيء آخر، ومرّة أخرى بدا كما لو أنّه استعاد رشده فقال.

[وإن يكن، لنرَ إلى أيّ مدى يمكنك تحمّل مقاتلة هذا الهجوم والدفاع عن أولئك الحشرات.]

ابتسم باسل وتجهّز للجولة الثانية، والتي مرّت في لمح البصر مثل التي سبقتها. كان باسل ينشئ العملاق الناري كدرع لكنّه كان يتدمّر، ومع ذلك لم يبدُ عليه التعب، حتّى جراحه كانت تُشفى في وقت وجيز. وفي المقابل، كان هجوم الوحوش السحريّة يضعف مع مرور الوقت.

نظر السحرة إلى باسل فقال أحدهم: "هل طاقة الصاعد السحريّة بهذه الكمّيّة المرعبة؟"

تعجّب الجنرال لورنس من الأمر وصرّح: "هناك شيء غريب. حتّى لو كان في مرحلة الصاعد فلا يجب أن يكون لديه كلّ هذه الطاقة السحريّة، أو بالأحرى، يبدو كما لو أنّها تتجدّد كلّما تنقص."

بالفعل، كانت طاقة عنصر تعزيز باسل تتجدّد، لذا دائما اعتمد عليها في معاركه وعزّز طاقة هجمات عنصريه الآخرين بدل استخدام كمّيّة كبيرة منهما مرّة واحدة.

علم العالم عن امتلاك باسل ثلاثة عناصر ممّا جعل أسطورته تنتشر أكثر فقط، لكن لا أحد غير أنمار علم عن السبب وراء ذلك أو كيفيّة عمله.

[كيف؟ كيف لبشريّ أن يملك كلّ هذه القوّة؟ ليس وكأنّك ساحر روحيّ!]

ارتفع حاجب باسل وفكّر في بعض الأشياء: "قال "ساحر روحيّ" كما لو أنّه رأى واحدا، أو على الأقلّ كسب معرفة كافيّة عنه بالرغم من أنّنا في العالم الواهن."

تحرّك بخفّة بينما يقاتل الثقب الأسود ويرمي بعض الهجمات من حين إلى آخر على الوحوش السحريّة التي يواجه السحرة ونسخه مشكلة معها.

"أشكّ في مجيء ساحر روحيّ إلى هنا في السنة الماضية، وبالتأكيد لم يكن هناك ساحر روحيّ قبل ذلك بما أنّنا أتينا إلى هنا ولم يكن هناك وحش كهذا."

راوغ الثقب الأسود الذي كاد يصيبه بفنونه القتاليّة ولمح تحرّك الوحوش الأربعة تجاهه أخيرا.

ابتسم لمّا رأى الأمر يحدث فطار نحو نمر الضوء الخاطف ناويا قطعه.

كانت سرعته كبيرة لكنّ الثقب الأسود لم يكن أبطأ منه ولحقه.

استهدف باسل النمر لأنّه أراد أن يبطئ قدرته التي تعدّ الأكثر إزعاجا بالنسبة له. ما أن يتخلّص منه فسيكون الباقي في غاية السهولة.

كان النمر حاليا في ورطة إذ كانت قدراته تُستخدم على هدف واحد، وبما أنّه يستخدمها على الهجوم المشترك فقد صار من دونها، لذا بشكل يائس سحب قدرته من الثقب الأسود وهرب بها في آخر لحظة.

لقد كان مرعوبا للغاية من باسل، أو يجب القول من سلاحيه الأثريين، إذ كانا بالدرجة السابعة ويُتحكّم فيهما ليس بشكل مثالي فقط بل بالتحكّم الحكيم السليم. كان هذا أحد الأسباب الذي جعل باسل يفعل ما يشاء ضدّ كلّ هذه الوحوش.

ابتسم كما لو كان يتوقّع حدوث ذلك فغيّر هدفه مباشرة إلى الثقب الأسود وقطعه بكلّ قوّته التي استجمعها عندما زيّف هجومه على النمر الأبيض.

انفجار

اصطدم الثقب الأسود بنصليْ باسل وصدر صوت كالصراخ من شدّة الاحتكاك، ولكن مهما حاول الثقب الأسود لم يستطع الفوز على ثلاث عناصر أحدها غمره بكمّيّته فقط.

انفجر الثقب الأسود وانجلى، فارتعبت جنرالات الوحوش الأربعة وتراجعت كما دون أن تُؤمر بذلك حتّى.

[اللعنة! فقط ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟ من أنت؟ لم يجب أن تظهر الآن دون وقت آخر؟ لم أنتظر عصورا ليأتي صعلوك بشريّ مثلك ويهدم ما بنيت.]

حدّق باسل إلى جنرالات الوحوش الأربعة بينما يستعدّ للهجوم التالي، وقال مجيبا الوحش الخفيّ: "لا أهتم بقصّة حياتك. أمامك خيارين، إمّا ترسل أعوانك حتّى أقضي عليهم كلّهم ويأتي دورك، وإمّا تنسحب."

لم يجب صاحب الصوت فأكمل باسل: "طبعا، سيكون ممتعا قضاء وقت طويل في تشريح الوحوش السحريّة، لكن لسوء الحظّ ستصل التعزيزات بعد ثلاثة أيّام وتنتهي متعتي عندئذ. فقل لي، ما رأيك؟"

كان سخرية باسل واضحة حتّى أنّه أدهش السحرة فجعلهم يتساءلون. هل حقّا يهدّد من كان يهدّدهم في الصباح الباكر؟

اقتربت الظهيرة الآن، وتغيّر الوضع كحال النهار، فصار السحرة يملكون اليد العليا الآن وكلّ ذلك بسبب شخص واحد. رأوه يأتي ليموت معهم، ثمّ شاهدوه يحميهم، وها هو الآن يطرد عدوّهم.

تحسّن وضعهم بتدرّج، وفي كلّ مرّة فتحوا أفواههم من الصدمة ونظروا إلى باسل باحترام أكبر. من كذّب الأساطير صدّقها ومن غار وحسد أقسم بالولاء في قلبه.

[هذه حرب يا بشريّ، فلك المعركة اليوم لكنّ الحرب ستكون لي.]

لوّح باسل بيده وابتسم ساخرا بينما يلاحظ تراجع الوحوش السحريّة: "إلى اللقاء."

لم يمر وقت طويل قبل أن تتوارى عن الأنظار كلّيّا، وحتّى الآن، كان السحرة لا يزالون مكذّبين لما يحدث.

"هل نجونا؟"

"لقد اختفت الوحوش السحريّة!"

"فعلناها!"

"فعلها بطلنا!"

"يحيا بطل الأبطال، باسل!"

"يحيا بطل الأبطال، باسل!"

تردّد صدى أصوات هتافهم في الأنحاء وشعروا بسعادة غامرة.

"هذا هو شعور تجنّب الموت، لقد مررت به كثيرا لكنّي لم أكن أسعد هكذا من قبل."

كلّهم تطلّعوا إلى باسل الذي يحلّق في السماء إذ كان كشمسهم التي تنير عالمهم. فكما أحلّ الجرم السماويّ بنوره على العالم وأعلن عن الفجر، حلّ هو بأمله على يأسهم وأنقذهم.

نزل باسل على الأرض فاقترب منه السحرة والجنرالات. كان الحاجز الأثريّ قد شُيِّد من جديد، لذا شعر بالاطمئنان قليلا لكن وجهه ظلّ صارما لسبب ما.

تسابق الجنرال منصف مع نفسه وعانق باسل بعينين تدمعان بغزارة: "ماذا يسعني أن أقول؟ لا يمكنني ردّ جميلك هذا ولو لبقيّة حياتي."

قطب باسل كما لو وخزه أحد بإبرة برقبته لكن عبوسه اختفى دون أن يلاحظه أحد. ابتسم ثمّ وضع يديه على كتفيْ الجنرال منصف: "يا أيّها العمّ منصف، إنّك رجل ما زال عالمنا الواهن في حاجة إليه، مثلك مثل هؤلاء الأبطال هنا."

كان باسل يعتزّ فقط بأسرته الصغيرة التي تتضمّن أمّه وعمّته سميرة وأنمار، لكنّه وجد نفسه يعزّ آخرين بمرور السنوات والترحال حول العالم. حتّى هذا العالم الواهن الذي قرّر ذات مرّة حمايته من أجل أمّه، بدأ يريد حمايته لحبِّه له أيضا.

ضمّه الجنرال منصف إليه مرّة ثانية متصرّفا كالطفل: "لَنتبعنّك ولو عنى ذلك مقاتلة بقيّة العوالم كلّها!"

صاح السحرة كلّهم بعدئذ، وأعلنوا عن نهاية المعركة العسيرة، أخيرا.

"طيّب،" تنهّد باسل ووضع يديه خلف ظهره: "أريد الراحة قليلا، أهناك خيمة؟"

"حالا!" تحرّك الجنرال لورنس بسرعة بعدما سمع طلب باسل وأمر الجنود بتشييد خيمة وأثاث مريح بداخلها، وحرص على ألّا يزعج أيّ أحد باسل أثناء راحته.

دخل باسل إلى الخيمة وتأكّد من عدم وجود أحد بالجوار، فسقط على السرير بوجه شاحب وسواد تحت عينيه كما لو كان رجلا لم يحظَ بقسط من الراحة لأسابيع. لم يكن جسده متضرّرا من الخارج لكن كان واضحا أنّه مرهق لدرجة جعلته يتنفّس بصعوبة بالغة.


كان دائخا وشعر أنّ رأسه ينشقّ كما لو أنّ أحدهم يضربه بفأس دون توقّف، وعظامه تتداعى كما لو أنّ هناك جبالا لا تُحصى فوقه، ودورته الدمويّة تحرقه كما لو أنّه جرى لملايين الأميال، وروحه تهيج وتكاد تنفجر فوق كلّ ذلك.

"هوهو،" ضحك ساخرا: "هذا ما أحصل عليه لاستخدامي طاقة وقدرة ذلك السارق الخسّيس."

عندما تحدّث لنفسه عن هذا السارق الخسّيس، تذكّر قول الوحش الخفيّ "ساحر روحيّ"، فاشتدّ عبوسه وزادت آلام رأسه حدّة بسبب التفكير: "لو كان يعلم عن السحرة الروحيّين فلا شكّ أنّ له علاقة بالنيّة داخل ذلك العالم الثانويّ. لا يمكنني التفكير في سبب آخر. وإذا كان هذا صحيحا، فقد يمكن تفسير كسبه لحكمة مثل تلك بالرغم من أنّه وحش سحريّ فقط نظرا لغموض ذلك العالم الثانويّ."

رفع يده إلى الأعلى وأحكم شدّ قبضته وكزّ على أسنانه: "هل هذا أيضا جزء من خطّتك أيّها الخسّيس؟ تبّا لك، لربّما تظنّك تجعلني أسير على الخطى التي رسمتها، لكنّني سأريك من منّا يستغلّ الآخر في النهاية."

كانت الآلام شديدة لدرجة أنّه يمكن للساحر العادي أن يفقد عقله أو يموت من جرّائها حتّى، لكنّ ما اعتلى تعبيرات باسل كان الغضب ولا غير. كان غاضبا بشدّة لأنّه يرى أن الأمور تسير في اتّجاه ما يريد السارق الخسّيس.

تنهّد بعدما أهدأته الحكمة السياديّة، وقال لنفسه: "لحسن الحظ، خُدِع ذلك الوحش بتمثيلي وتراجع، وإلّا حقّا كنّا لنقع في مشكلة عويصة. لقد بذلت ما في جهدي عمدا حتّى أرعبه وينفع تهديدي معه بعدئذ، لذا حقّا كنت محظوظا لأنّه حذرٌ في تصرّفاته."

"لقد كان ثمن استخدام قدرة السارق الخسّيس مرتفعا حتّى أنّ بحر روحي كاد ينشطر ويُكسر، ولكن بسبب تدريبي له على التحمّل مرارا وتكرارا حتّى أستخدم طاقة العالم بكمّيّة كبرى استطعت النجاة."

"قد يكون استعمال قدرة الخسّيس شيئا مريرا، لكنّي سأستخدمه جيّدا كما ينوي استخدامي. لن يسير كلّ شيء وفقا لخططك الخبيثة، فاستعدّ فقط لليوم الموعود."

انتفخت العروق في أنحاء جسده وبدا كما لو أنّ عنقه سينفجر وعينيه ستخرجان من مكانهما، بينما يتذكر السبب لكلّ هذا.

"يبدو أنّني لن أكون قادرا على استخدامها لوقت طويل الآن."

كان وضعه البائس هذا بسبب ما فعله حتّى اخترق الفضاء وظهر بسماء المعركة، فذلك لم يكن من قدراته الخاصّة إطلاقا.


بدأ يغلبه النعاس فتعاطى لإكسير علاج وبعض الأعشاب السحريّة ثمّ سرح بأفكاره بعيدا وأعاد الحدث الذي وقع قبل مجيئه إلى هنا في عقله.

عندما كان يحلّق إلى قارّة الأصل والنهاية بسرعته القصوى، تفاجأ باتّصال الجنرال منصف فعبس: (ماذا هناك أيّها العمّ منصف؟ هل حدث شيء غير متوقّع ثانيّةً؟)

بدا متعجّبا فجأة عندما سمع ردّ الجنرال منصف وتمالكه شعور غريب: (انتظر! ما الذي تتحدّث عنه أيّها العمّ منصف؟ لمَ تخبرني بهذه الأشياء الآن؟)

أنصَتَ إلى الجنرال منصف وأراد أن يسأل مرّة أخرى: (ما الذي...!)

ولكن بعدما فشلت مقاطعته لكلام الجنرال منصف، أكمل هذا الأخير ما أراد تبليغه، فاتّسعت عينا باسل من الدهشة وتوقّف في مكانه طائفا في السماء: (الهلاك؟ لا تقل لي...!)

انقطع الاتّصال بينهما فعلم باسل أنّ هناك ما لا تُحمد عقباه يجري بلا شكّ، وعندما فكّر في ما يمكنه فعله في هاته اللحظات بقوّته الخاصّة وجد الأمر مستحيلا؛ فحسب كلام الجنرال منصف، موتهم وشيك.

لم يفكّر بعد ذلك لثانية أخرى قبل أنّ يخرج المخطوطات الثلاث، وعض شفته ثمّ قال منزعجا: "يبدو أنّه لا يوجد خيار آخر. اللعنة، لم أتوقّع أنّني سأضطرّ للاعتماد على أشياء ذلك السارق الخسّيس الآن وهكذا."

تألّقت عيناه وتحوّل إلى طور الحكيم السياديّ وبدأ يهيّئ الأمور للعمليّة.

طفت المخطوطات الثلاث التي شعّت نقوشها الروحيّة أمام وجهه، فاهتزّ بحر روحه بسبب طاقة روحيّة لا يجب على بحر روح امتلاكها.

كان سبب الاهتزاز هو القطعة الأرضيّة في بحر روحه التي كان حجمها أكبر بضعفين من الذي كانت عليه في نهاية الحرب الشاملة؛ كان ذلك بسبب فقدان باسل السيطرة على جسده وبحر روحه لصالح تلك النيّة في قتال معلّمه ضدّ شيطان اليأس.

ولكن كان هناك شيء مختلف هذه المرّة؛ هذه المرّة كان هناك ثلاث كرات مكوّنة من قوانين كونيّة أمكنها حساب جميع الاحتمالات وصنع حاجز حول القطعة الأرضيّة كسجن لا يمكن الهرب منه أو إحداث أيّ ضرر به.


كانت تلك هي الحكمة السياديّة، إذ حرصت على عدم نموّ تلك القطعة الأرضيّة أكثر، وقمعت النيّة التي تسكنها كروحها. كانت تعمل كختم ما.

صحيح أنّ القطعة الأرضيّة نمت عندما كسبت سيطرة أكبر على بحر روح باسل، لكن ذلك عنى فقط أنّها تكسب المقدرة على امتصاص طاقة أكبر وتحويلها لطاقة روحيّة وليس أنّها تكبر بلا شيء، ولكن هذه الخاصّيّة قد توقّفت تماما بعدما ضحّى إدريس الحكيم بنفسه.

مدّ باسل ذراعيه تجاه المخطوطات الثلاث وكفّيه مبسوطيْن عموديّا، فدارت الكرات الثلاث حول محورها وحول رأسه من فوقه حتّى بدت كشريط ضوئيّ دائريّ من سرعتها، وارتفع الضغط على جسده وبحر روحه فجأة.

في هذه الأثناء، كان باسل يرخي وثاق ختم الحكمة السياديّة على القطعة الأرضيّة، وذلك إلى أن يستمدّ الطاقة الروحيّة منها كفايةً من أجل تنفيذ ما ينوي عمله.

وفعلا، توقّفت الحكمة السياديّة عن تطبيق قمعها فاختفى الحاجز حول القطعة الأرضيّة، وعندئذ تزعزع بحر الروح وهاجت طاقة عناصره.

أزال باسل الختم عن القطعة الأرضيّة لكن النيّة التي تسكنها قد ظلّت محبوسة بدون وسيلة للفرار.

انتقلت الطاقة الروحيّة بعد ذلك من خلال يديه نحو المخطوطات الثلاث كالساحر عندما يمرّر طاقته إلى سلاحه السحريّ أو الأثريّ، فتحرّكت المخطوطات الثلاث وشكّلت حقلا من الطاقة الروحيّة على شكل مثلّث كانت هي رؤوسه.

"يبدو أنّني أحتاج لوقت أطول حتّى تتفعّل قدرة المخطوطات."

استمرّ في تزويدها بالطاقة الروحيّة حتّى لاحظ أنّ الوقت قد حان عندما ظهرت نقطة سوداء في حقل الطاقة أمامه.

"الآن!"

كان حتّى هذه اللحظة يشعر بآلام فظيعة، لكن عندما تفعّلت التقنيّة أخيرا أحسّ أن بحر روحه سينهار في أيّ لحظة، وبسرعة أعاد ختم الحكمة السياديّة على القطعة الأرضيّة واستخدم التحكّم الحكيم السليم حتّى يحافظ على استقرار بحر روحه ورصانته.


"لم أستخدم سوى طاقة هذه المخطوطات الروحيّة الخاصّة في المرّات السابقة، لكن بعد اكتسابي للمعرفة من ذلك الخسّيس، يمكنني الآن أن أفهم كيفيّة عملها والطريقة الصحيحة لاستخدامها."

استخدم قدرات الحكمة السياديّة الثلاث وتحكّم في النقطة السوداء التي ظهرت في ذلك الحقل، ثمّ حرّك يديه في مسارين دائريين متعاكسين، وفجأة بدأت النقطة تكبر حتّى صارت تبدو كبقعة سوداء، وأكملت نموّها بينما يعاني باسل من هذه العمليّة ويشعر بمختلف الآلام.

انتشر السواد على حقل الطاقة حتّى أصبح داكنا بالكامل، وعندئذ اقتربت المخطوطات من بضعها بعضا مغلقةً بذلك المثلث حتّى التقت، لتتفرّق بسرعة خاطفة من جديد ولكن هذه المرّة محدثة صريرا وانفجار صوتيّا.

كان المثلثّ الذي أنشأته عبارة عن ثقب في الفضاء نفسه.

توقّف باسل عن إدارة يديه وثبّتهما كما كانا في المقام الأوّل، حتّى ارتأى أنّه الوقت المناسب فسحب المخطوطات الثلاث وأعادها إلى مكعّب التخزين، ثمّ نظر إلى الشرخ في الفضاء قبل أن يقفز داخله.

وبمجرّد ما أن دخل حتّى خرج فوجد نفسه فوق ساحة المعركة، ولحسن الحظّ أو لسوئه كانت المعركة تقع في مخيّم السحرة، والذي علم باسل عن موقعه بالفعل من الجنرال منصف فيما سبق فاستطاع الحضور مباشرة لقلب الحدث.

***

مرّت ثلاثة أيّام بسرعة خاطفة دون أن يزعج أحدهم باسل، وقدمت التعزيزات كما كان متوقّعا، فرحّب السحرة بأعوانهم ولم يسعهم سوى أن يبدؤوا في التحدّث مباشرة عن مغامرتهم.

حكوا عمّا صار بالتفصيل فاندهش المستمعون وكادوا لا يصدّقون الأمر. اجتمع الرفاق والأصدقاء من مختلف المناطق وتبادلوا الحديث بينما يأكلون ويشربون في هناء كما لو أنّهم في عطلة وليس في أرض العدوّ.

كان ذلك بسبب كون التعزيزات الهائلة التي تحصّلوا عليها، إذْ كان بها جنرالات أكاديميّة الاتّحاد المباركة ومائة ألف ساحر كانت مستويات جنودها كالمائة ألف التي أتت إلى هنا في المرّة الأولى.

لاحظ السحرة في الأيّام الأخيرة أنّ بعض الوحوش السحريّة تأتي وتذهب بينما تحتفظ بمسافة آمنة، فعلم الجنرالات أنّ هذا استطلاع من الوحش الغامض، لذا بُنِي حاجز أثريّ آخر وشُدِّدت الحراسة أكثر ممّا كانت عليه.

مرّت بعض الأيّام ولم يسمع أحد أيّ خبر من باسل، لكن الجنرالات انتظروا بفارغ الصبر ولم يجرؤوا على إزعاج راحته التي طلبها.

استفاق باسل بعد مرور عشرة أيّام من نومه العميق، ولحسن حظّه كان يمتلك الحكمة السياديّة التي تكلّفت بجعل واعيا حتّى في نومه من أجل صدّ طاقة العالم عن جسده وبحر روحه.

كان أوّل ما فكّر فيه عندما استيقظ هو حاجته إلى زيارة ذلك العالم الثانويّ في قلب القارّة.

تربّع وجلس يتدبّر.

"لقد مرّ أكثر من عام على زيارتي الأخيرة لذلك العالم الثانويّ مع أنمار ومعلّمنا، لكنّنا لم نتحصّل على أيّ إجابة في ذلك الوقت. هذه المرّة سيكون الأمر مختلفا، مختلفا للغاية."

ومضت بعض الصور من الماضي في عقله، منها صور تماثيل عملاقة ومصفوفات لا ينتهي تعقيدها في ذلك المجال العجيب، وصور معلّمه حينما كان يريه كيف يحلّلها ويفكّ شفراتها: "يا معلّمي، يا أبي الروحيّ، لن أنسى معروفك تجاهي ما حييت، فبسببك يمكنني الاستمرار في المسار الروحيّ حتّى أحمي من وما أريد وأحقّق أهدافي. بسببك علمت عن الكثير واستطعت السيطرة على الخسّيس الذي يحاول سرقتي فعلمت مرّة أخرى بما يجهله العديد."

"لذا حتّى لو حدث ونستك العوالم يا معلّمي، فسأقول في كلّ مرّة وبكلّ فخر برأسي مرفوع، أنّني تعلّمت من الأفضل."

كانت تلك الأيّام الهانئة كالحلم لأولئك الذين واجهوا اليأس قبل أيّام، وتمنّوا ألّا يستيقظوا فجأة ليجدوا أنفسهم تحت رحمة الوحوش السحريّة.

ركّز في هذه الأثناء باسل على شفاء جسده كلّيّا ومعالجة بحر روحه، وتدبّر بالحكمة السياديّة أثناء ذلك فأسرع من العمليّة بشكل مضاعف بكثير.

وبعدما مرّت حوالي ثلاثة أيّام، خرج من خيمته ليراه السحرة في الأرجاء، فانتشر الخبر بسرعة البرق ليبلغ مسامع الجنرالات.

كان السحرة نشطاء للغاية بعد رؤية باسل الذي اختفى لحوالي أسبوعين، فبدؤوا يعدّون وليمة كبيرة من أجل الاحتفال أخيرا بفوزهم الأخير ضدّ الوحوش السحريّة.

تجوّل باسل بينما يحيّي السحرة هنا وهناك، واستمتع بالأجواء والهواء الذي خلا من رائحة الدماء، والأرض التي بدأت تستعيد عافيتها من المعركة السابقة؛ كانت هذه منطقة محظورة، لذا كانت قدرة تعافيها من الأضرار أسرع من المناطق العادية.

اقترب من خيمة وُضِع عليها علامة "مطبخ"، فرآه المسؤولون والمسؤولات هناك وسارعوا مقتربين إليه.

"مرحبا ببطل الأبطال، كيف يمكننا خدمتك يا سيّدي."

بالفعل، بدا الشخص الذي تحدّث معه كطبّاخ، وبعد التدقيق جيّدا لاحظ باسل أخيرا أنّه امرأة بعدما اعتقد أنّه رجل، إذ كانت مرأة ضخمة ذات عضلات فخمة.

ظهر العديد من الطباخين والطبّاخات خلفها من حيث لا يدري العقل، فتكلّمت إحدى النساء الموجودات: "أوه، إنّه حقّا الجنرال الأعلى باسل. هل يمكن أنّك تريد طلب أكلة منّا يا سيّدي؟"

كانت عبارة عن شابّة في منتصف العشرينات من عمرها، وبالرغم من أنّها لم تكن جميلة بشكل خاصّ، إلّا أنّ الابتسامة لم تفارق وجهها المشرق: "لقد سمعنا الأخبار عن استيقاظك بالفعل وجهّزنا الأمر لنعدّ ما تشاء ما تريد من أكلات الجزر."

ابتسم باسل ثمّ ردّ بهدوء: "هوه، هل خبر حبّي للجزر انتشر لهذه الدرجة؟"

صفعت صدرها بخفّة ورفعت رأسها بشكل فخور: "لا تستخفّ بشبكة معلوماتنا رجاء، فنحن محبّو الطبخ اجتمعنا لنعدّ أفضل الوجبات التي ترضي السحرة هنا وتضفي على المكان البهجة؛ فكيف لنا ألّا نعلم عن طعام بطلنا المفضّل؟"

كان الطبّاخون والطبّاخات سحرة أيضا؛ فهذا لم يكن مكانا يمكن للناس العاديين ولوجه، لذا تطوّع المهتمّين في الأمر لإعداد الطعام من أجل السحرة.

طبعا، كان هذا مجرّد مطبخ بين عشرات المطابخ في المخيّم. لحسن الحظّ، لم يحتج السحرة للأكل بضرورة قصوى، وخصوصا ذوو المستويات المرتفعة، لكنّهم أرادوا الأكل برغبتهم الخاصّة.

لم يجئ باسل إلى هذا المطبخ حتّى يطلب أكلا ما، لكنّه رأى نظرات أعين الرجال والنساء المتوهّجة، كما لو أنّهم يريدون منه تذوّق طعامهم، فأماء رأسه: "حسنا."

استضيف جيّدا واستمتع بالأكل الذي كان طيّب المذاق فعلا. تحدّثوا طوال الوقت عن الطهو فأخبرهم عن بعض الوصفات السريّة التي تضمّنت طرق عديدة لطهو بعض الوحوش السحريّة.

همّ بالمغادرة بعدما أمضى وقته هناك، وأخذ معه بعض معدّات الطبخ التي أتى من أجلها إلى هنا في المقام الأوّل.

تمشّى بهناء فابتعد عن المخيّم وذهب لسهول مجاورة خضرتها تزيّنت بدوّار الشمس الذي بدا ملتهبا بسطوعه بالطاقة السحريّة. كانت حبوب دوار الشمس ذات لون ذهبيّ مخطّط بالأسود، وبدت كأحجار كريمة بتلك الأزهار المتهبة.

حصد بعضا من تلك البذور ببساطة كفلّاح عادي، وجلس تحت ظلّ شجرة قريبة، ثمّ وضع بعض الحجارة على الأرض أمامه مكوّنا دائرة صغيرة، وأخرج مقلاة وبعض التوابل والأعشاب، ومزج الاثنين مع حبوب دوّار الشمس التي حصدها.

أشعل نارا وسط دائرة الحجر، ووضع فوقها المقلاة ثمّ بدأ يطبخ الحبوب.

بدأت أصوات الفرقعة تصدر بعد وقت وجيز، وأفرزت التوابل والأعشاب سوائلها التي بعثت رائحة زكيّة وشهيّة بعدما غلّقت الحبوب.

أمضى وقتا يطهو هذه الحبوب حتّى ارتأى أنّ مذاقها ورائحتها قد بلغا الذروة، فأطفأ النار ونظر إلى الحبوب التي صارت سوداء بالكامل كما لو أنّها احترقت.

اقترب منه في هذه الأثناء شخص ذو شعر أشقر وعينين زرقاوين. كان يرتدي درعا فضّيّا.

"يبدو أنّك فظيع في الطبخ يا أيّها الفتى القرمزيّ، وأنا الذي ظننتك دون عيوب."

لم يحرّك باسل رأسه، وحدّق إلى الحبوب التي نضجت ثمّ حمل واحدة منها فوضعها في فمه وأكلها متلذّذا بمذاقها.

"لا تحكم على الشيء من مظهره، يمكنك محاولة تكرار نفس الكلام بعد تذوّقها يا أيّها الرجل الأشقر."

جلس الرجل الأشقر بجانبه ثمّ حمل حبّة ووضعها في فمه، وبمجرّد ما أنّ عضّها حتّى غمرته رائحتها وجعلت فمه مخدّرا من لذّتها.

تبعتها الحبّةُ الثانية، واستمرّ الأمر حتّى اختفت جميع الحبوب من المقلاة، فأحسّ الاثنان بالانتعاش وتحسّن مزاجهما بشكل ملاحظ حتّى تمدّدا على الأرض واستمتعا بالرياح التي تداعب وجهيهما.

تكلّم مباسل أوّلا بعدما مرور فترة وجيزة: "إذن، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ليس وكأنّك أتيت إلى هنا حتّى تدردش معي أو تشاركني وجبتي الخفيفة."

ردّ الرجل الأشقر بهدوء: "إنّك حقّا لمزعج أيّها الفتى القرمزيّ. لقد كنتَ هكذا منذ يوم ملاقاتنا. بالرغم من أنّ شكلك الخارجي نضج والهالة المحيطة بك صارت وقورة، إلّا أنّك لا تزال الفتى المزعج الذي التقيته في المرّة الأولى."

ارتفع حاجب باسل: "هل أتيت لتتعارك معي أم ماذا؟"

"لسوء الحظ، ليس لدينا الوقت لمثل هذه الأشياء الآن، فحتّى بدون هذا ما زلت أريد إقامة معركتنا الموعودة، ولكن الظروف لا تسمح كما قلت."

لم يرُد باسل عليه، فأكمل الرجل الأشقر: "أتعلم أنّك لم تكن تعجبني؟"

ابتسم الفتى القرمزيّ ساخرا: "هوه، وماذا عن الآن؟"

ردّ الرجل الأشقر بسخريّة أكبر: "هاها، إنّك لا تعجبني أكثر من قبل."

تنهّد باسل: "ذلك مريح. كنت لأواجه مشكلة لو صرتُ أعجبك وأنا لا أزال أجدك مزعجا لحدّ كبير."

تنهّد الرجل الأشقر: "لن تكوِّن أيّ صداقات على هذا الحال يا أيّها الفتى القرمزيّ."

"لم أظنّ أنّك تقلق على حالي هكذا."

"لربّما أنا شخص جيّد أكثر من اللازم حتّى أقلق على غرّ مثلك."

"..."

"..."

استمرّت المناوشات بينهما لوقت طويل. كان هذا هو حال الفتى القرمزيّ والرجل الأشقر منذ اليوم الأوّل الذي التقيا فيه. كلّما كانا لوحدهما وجدا نفسيهما يتجادلان ولو على أمور تافهة.

مرّ وقت طويل وتنهّد الاثنان بينما يتمتّعان بتحرّك أوراق الشجرة فوقهما، والتي شابهت شجرة البرتقال نوعا ما.

وقف الرجل الأشقر أخيرا ثمّ نظر بجدّيّة إلى باسل: "ما نحن فاعلون تاليا؟"

وقف باسل أيضا وأجاب بنفس الدرجة من الجدّيّة: "كلّ القوّات ستتراجع إلى الإمبراطوريّات، وتُعطى الملاجئ التي بُنِيت في الأشهر الماضية الأولويّة والحماية القصويَيْن، ويُستعَدّ كلّيّا لتحوّل العالم الواهن لعالم روحيّ."

"هل حان الوقت أخيرا؟ لقد سمعت عن آثار التحوّل الروحيّ للعالم، وصراحةً، يمكنني تفهّم تخوّف بعضهم كالجنرال لورنس وأقرانه."

كان الرجل الأشقر رجلا مجتهدا أكثر من غيره. فبعد الدمار الشامل، حسّن تصرّفاته وسخّر نفسه كلّيّا للتدريب وحماية المواطنين، ولكن ضدّ شيء كتحوّل العالم روحيّا لم يكن هناك ما يسعه فعله.

"سيموت الكثير من الناس."

أماء باسل رأسه بنظرة حازمة بعد كلام الرجل الأشقر: "نعم، سيموت العديد."

"أ ليست هناك طريقة لتجنّب ذلك؟"

"لو كانت فقد سبق وأتممتها."

أغمض باسل عينيه وتصوّر النيران والعواصف والفيضانات التي تغمر العالم بأجمعه، بينما يحاول الناس الهرب لكن العديد منهم يصيرون ضحيّة لذلك.

"هذا أمر لا مفر منه، ويجب أن يحدث عاجلا لا آجلا. كلّما تأجّل التحوّل الروحيّ، ضاع منّا وقت ثمين يمكننا النموّ فيه وتخطّي المحن الحقيقيّة."

فكّر باسل في الوقت الثمين الذي يعنيه؛ ففي هذه الأثناء، كان الاتصال بين العوالم الرئيسيّة مقطوعا ولا يمكن التنقّل بينها، لذا يجب استغلال الفرصة للنموّ قدر المستطاع قبل عودة الاتّصال.

كان تخوّف باسل هو اللحظة التي يعود فيها الاتّصال، إذ سيكون يوما لم تشهد العوالم مثيلا له من قبل. ولحسن الحظّ، قد كسب "السابع" بتضحيته وقتا لا بأس به، ولكنّه بالكاد كافٍ لجعل العالم الواهن معترف به كعالم روحيّ فقط.

تنهّد الرجل الأشقر بينما ينظر إلى الفتى القرمزيّ أمامه بنظرات حزينة ومتحسّرة.

"هل تعلم لمَ لا تعجبني يا أيّها الفتى القرمزيّ؟"

"أ ليس ذلك لأنّني مغرور مزعج؟"

"تبدو واثقا بقولك لذلك..." تنهّد وأكمل: "ما ذلك إلّا سبب سطحيّ جعلك لا تعجبني في اللحظة الأولى من لقائنا."

"إذن ماذا يا أيّها الرجل الأشقر؟"

"منذ اللحظة التي ظهرت بها وأنت تفعل كلّ شيء؛ تقلب العالم رأسا على عقب وتحميه وتقوّيه. دائما تحاول فعل كلّ شيء بيدك الخاصّة دون أن تفكّر في الاعتماد حقّا على أشخاص آخرين."

نظر باسل إلى السماء التي قاربت المحمرّة باقتراب الغروب، ونطق بهدوء: "إنّي أعتمد عليكم، حقّا. وغير ذلك، لم أكن لأترك أمر وحوش المستوى الرابع عشر لكم وحماية المدن وتدريب السحرة وبناء الأكاديميّات وأشياء أخرى..."

"ليس ذلك ما أتكلّم عنه." رفع الرجل الأشقر صوته فجأة لكنّه هدّأ من روعه وأكمل: "إنّي أتحدّث عن تحمّلك لمسؤوليّة كلّ هذه الأشياء. أتحدّث عن عدم مشاركتك لأيّ من مشقّاتك لأحد. أتحدّث عن العالم الذي تحمله على عاتقك كما لو أنّك الشخص المسؤول عنه."

"أ لهذا لا أعجبك يا أيّها الرجل الأشقر؟"

"فعلا، لهذا لا تعجبني. منذ اليوم الذي أقنعتني فيه على الانضمام إليك ضدّ عائلة غرين وأنا لا يعجبني ما تفعله. أتيتَ من حيث لا ندري وتصرّفت كما لو كنت المسؤول عن نجاتنا."

"لقد وجدتُ مقعدا فارغا وجلست عليه فقط."

"إذن، أتخبرني يا أيّها الفتى القرمزيّ أنّك تفعل هذا لأنّه لم يكن هناك أحد ليفعله؟"

"صحيح، لكن جزئيّا. لربّما لا تعلم، لكنّني شخص شغوف حقّا يا أيّها الرجل الأشقر، لذا عندما أحبّ شيئا فسوف أحرص عليه بكلّ ما أملك."

"ما الذي تقصده؟"

"في ذلك الوقت، كان هناك سبب واحد يحرّكني، ألا وهو محبّتي لعائلتي الصغيرة. لقد ارتأيت أنّ الوسيلة الوحيدة والأكثر قربا للواقعيّة لحمايتها هي الجلوس على المقعد الفارغ. والآن، لم يتغيّر شيء، فنفس السبب يحرّكني، إلّا أنّ العائلة الصغيرة صارت كبيرة نوعا ما."

"لا أحبّ هذا." انزعج الرجل الأشقر: "كلّنا يجب أن نتحمّل هذه المسؤوليّة. لا يجب عليك لوحدك أن تعاني هكذا وتتصرّف كراعينا."

"ماذا تقترح يا أيّها الرجل الأشقر؟"

"أنا لم أعمل طوال السنوات الماضية على تطوير نفسي حتّى تدلّلني. أنا مستعدّ لمشاركتك المسؤوليّة."

"لا أظنّ أنّك مستعدّ لذلك يا أيّها الرجل الأشقر."

"هذا ما أتحدّث عنه يا أيّها الفتى القرمزيّ. كيف يمكنك أن تقرّر ما إذا كنت مستعدّا أم لا؟ لا يمكننا معرفة ذلك حتّى نختبر الأمر بأنفسنا."

تنهّد باسل ونظر إلى العنيد أمامه، فلم يسعه سوى أن يبتسم أخيرا قبل أن يقول: "هل حقا واثق من أنّني لا أعجبك؟"

تصنّع الرجل الأشقر الاقشعرار: "لا تقل كلاما مشمئزّا يا أيّها الفتى القرمزيّ، ستجعل مزاجي عكِرا."

غربت الشمس، وانتهى النهار الهانئ مثل الأيّام السابقة، فتحرّك باسل نحو المخيّم، مخلّفا وراءه كلمات للرجل الأشقر: "سنتكلّم بشأن هذا غدا. هيّا نعُد، لدينا أشغال لنهتمّ بها حاليا."

ابتسم الرجل الأشقر لمّا سمع كلام الفتى القرمزيّ وتبعه فقال: "لربّما قد تأكّدتُ من عيبك يا أيّها الفتى القرمزيّ."

"هوه، أنِرني."

"إنّك تخاف من العلاقات."

"أخاف من العلاقات؟ أنا؟"

"حسنا، لقد أبعدتَ الفتاة الشقراء عنك، وما زلت تحرص على عدم تكوين صداقات، أعني صداقات حقيقيّة وليست علاقتك بأتباعك أو عائلتك، فبالرغم من أنّها علاقة جيّدة وفريدة لكنّها ليست صداقة."

ارتفع حاجب باسل منزعجا: "إنّك حقّا لمزعج."

"هاهاها، طبعا، لا يمكن ألّا أردّ لك المعروف. بالمناسبة، سمعت أنّك خطبت الفتاة الشقراء، أ هذا صحيح؟"

لم يجبه باسل فأكمل: "تختار الصمت. لا بدّ وأنّ المسكينة قد عانت حتّى جعلتك تخرجك من قوقعتك. هل يمكن أنّها تسيء فهم شيء ما بينما في الحقيقة لم تخطبها؟ عندما أفكّر في شخصيّتها، ومدى حبّها لك، وصموتك الغريب، تزداد مصداقيّة تخميني أكثر."

"أ لا ينتهي إزعاجك؟"

"ماذا؟ ماذا؟ هل ربّما ضربت الوتر الحسّاس؟"

تنهّد باسل مرّة أخرى وتحرّك بينما يفكّر فيما قاله الرجل الأشقر. في الواقع، لم تكن هذه المرّة الأولى التي يسمع فيها مثل هذا الأمر. كان معلّمه قد أخبره أنّه سيّئ في تعامله مع النساء، لكن اتّضح أنّه كان سيّئا في التعامل مع أنمار لسبب خاصّ فقط.

حتّى أنّ معلّمه جعل الاثنان يمرّان باختبار غريب في السلاسل الجبليّة فقط من أجل صلح علاقتهما وتقريبهما لبضعهما.

لقد كان طفلا مميّزا منذ صغره، فانفرد بنفسه ولم يسمح لأحد أن يتدخّل في حياته غير عائلته الصغيرة. ولكن عندما فتح قلبه أخيرا لفتاة معيّنة، اتّضح أنّها اقتربت منه بسوء نيّة لا غير. لربّما لم يصدمه الأمرُ أو خلّف جرحا في قلبه، لكنّه أكّد له شيئا كان مقتنعا به منذ نعومة أظافره، أنّه لا يحتاج لصديق.

نظر إلى الرجل الأشقر فطرأ سؤال في باله: "إذن، ما هي علاقته بهذا الشخص المزعج يا ترى؟"

"هل حقّا نحن عائدون يا أيّها الجنرال الأعلى؟ كيف ذلك وما زلنا لم ننهي عملنا هنا جيّدا؟"

كان ذلك الجنرال لورنس، إذ كان في اجتماع بقيادة باسل ويحضره جميع الجنرالات الموجودين في المخيّم.

كانوا يجلسون حول طاولة طويلة، والتي جلس باسل في أحد جانبيها العرضيين، ممثّلا القائد الأعلى لهذا المخيّم أيضا باعتراف من الجنرالين الأكبرين وباقي الجنرالات طبعا.

أجاب بنبرة هادئة: "لا، لقد حقّقنا الغاية المتطلَّبة هنا بالفعل، فليس وكأنّما أريد القضاء على جميع وحوش المستوى الرابع عشر. سيقترب العديد عمّا قريب من مرحلة الصاعد ويخترقون إلى المستويات الروحيّة، ولا أريد منهم ألّا يجدوا وحشا روحيّا ليستحوذوا على روحه."

كانت الوحوش السحريّة تأخذ وقتا من أجل التجدّد، وكلّما ارتفع مستواها طال وقت تجدّدها، إذ تحتاج طاقة حاجز الحماية السماويّة وقتا طويلا من أجل تجديد جسد وقوّة الوحش السحريّ. وبسبب هذا، لا يمكن للسحرة الذين سيخترقون في غضون شهور أن ينتظروا طويلة دون الاستحواذ على روح وحش روحيّ لأنّ لذلك عواقب.

فعندما يبلغ الساحر المستويات الروحيّة، يصير يملك روحا كاملة، لكنّها مع ذلك تبقى كاملة لمدّة محدودة قبل أن يظهر عدم الاستقرار فيها، ولهذا يحتاج عندئذ الساحر الروحيّ للاستحواذ على روح الوحش الروحيّ من أجل جعلها كاملة مكتملة.

أكمل باسل شرحه: "ما يهمّ الآن هو الحرص كلّ الحرص على نجاة سكّان هؤلاء العالم، فحتّى لو كان للسحرة القدرة على النجاة من الكوارث القادمة، فإنّ العامّة ليس لديهم فرصة دون حماية الملاجئ بحراسة السحرة."

"يُقدّر التعداد السكّانيّ في العالم الواهن بأجمعه بحوالي خمس مليارات نسمة، ولو قدّرنا عدد السحرة، فسنجد أنّ عددهم يصل إلى حوالي ثلاثة ملايين على الأغلب إذا لم نحسب السحرة المبتدئين في أكاديميّات السحر. وبالتالي، يجب توزيع القوى بشكل عظيم حتّى نستطيع أن نخرج من المصائب القادمة بأقلّ عدد الضحايا الممكن."

كانت جدّيّة الأمر والواقع القاسي المنتظر تسحق قلوبهم في كلّ مرّة يُذكر فيها هذا الموضوع. لقد علموا كلّهم عن الأحداث المتوقّعة عند التحوّل الروحيّ للعالم، وصعدت القشعريرة مع ظهور أغلبهم.

"هل هناك أيّ أسئلة أخرى؟"

رفع الجنرال كروز يده، كان هذا هو الجنرال الذي لم قادة الجنرالات الأربعة الذين لم يخونوا الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس من أجل اتّباع الأقدم الكبير، شهاب جرم. كان هو الجنرال الذي اختاره إمبراطوره ليمثّل الرياح العاتية في أكاديميّة الاتّحاد المباركة بجانب الجنرال كاميناري رعد وأزهر زهير أخ الإمبراطور أزهر هاكوتشو الثالث.

"لديّ تساؤل يا حضرة الجنرال الأعلى، لقد ذكرت فيما سبق أنّ تلاميذ وتلميذات أكاديميّات السحر يجب أن يُعدّوا كالناس العامّة فقط، ولكن هل يجب أن يُطبَّق ذلك على طلبة وطالبات أكاديميّة الاتّحاد المباركة أيضا؟"

"كنت آتٍ على ذكر ذلك." تحدّث باسل: "من بين الملاجئ كلّها الموجودة المعروفة في العالم الواهن، فأكاديميّة الاتّحاد المباركة هي أفضل ملجأ على الإطلاق."

لقد اعتنى إدريس الحكيم بنفسه بتلك الأكاديميّة، وبالطبع باسل لم يبلغ مستواه في إنشاء المصفوفات ولو بالحكمة السياديّة، إذ لم يبلغ تحكمّه فيها مستوى مقبولا في الواقع، ولم يكن يستطيع تحمّل استخدامها لوقت طويل دون التعرضّ لآثارها الجانبيّة على بحر روحه وجسده.

أكملَ: "الطلاب والطالبات الذين يدخلون إلى تلك الأكاديميّة يمرّون باختبارات معيّنة، ويمكن القول أنّهم سحرة أكفاء كافية، لذا يجب عدّهم من السحرة وتسخير قدراتهم من أجل تحسين الأوضاع."

"هل ما يزال لأحدكم تساؤل؟"

لم يجبه أحد فنهض من على كرسيّه وتبعه باقي الجنرالات بفعل المثل، فأنهى الاجتماع: "وبهذا، أختم اجتماعنا، والقرار النهائيّ هو مغادرة قارّة الأصل والنهاية بحلول فجر بعد غد."

كانت هناك استعدادات يجب الاهتمام بها قبل مغادرة القارّة، كترتيب الكنوز المجموعة، وتقسيم الفرق وإعداد الخطط المناسبة.

***

بعيدا عن قارّة الوحوش السحريّة، في جنوب إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، وبالتحديد في مدينة العصر الجديد.

كانت المدينة حيويّة كعادتها، فبالرغم من أنّها واجهت كارثة قبل أكثر من سنة، إلّا أنّه بفضل إدريس الحكيم لم يمت أحد منها، فنسي معظمهم ما حدث وأكملوا حياتهم اليوميّة بهناء.

تاجر التجّار، وزرع الفلاحون، وتدرّب السحرة، وكلّ شيء مرّ بوتيرته الطبيعيّة.

"أخبار عاجلة! أخبار عاجلة يا سادة!"

صاح أحد الناس وسط سوق المدينة الذي يعجّ بالناس، وبدا متحمّسا بشأن ما كان على وشك قوله.

انتبه له الناس مباشرة وأصغوا له باهتمام، فكان واضحا أنّه خبير في هذا المجال. ارتدى خبير المعلومات هذا عمامة عليها ريشة بجانبها، وبدا عمره في حاولي الثلاثينيات من عمره، بوجه شائع.

[أميرة إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، أزهر شيرايوكي، ستصل إلى هنا، إلى مدينة العصر الجديد، بحلول المغرب، وذلك من أجل زيارة أميرتنا، أميرة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كريمزون أنمار.]

"أووه!"

تحمّس الناس عندما سمعوا هذا الخبر المسرّ. فعلا، كان مفرحا لهم إذ شاع في الأوقات الماضية عن العلاقة القريبة بين الأميرتين، وملحمتهما في الحرب الشاملة. كانتا تُلقَّبا 'زهرتا القمر والشمس'.

كان هذا الخبر موطن اهتمام العديد من الأنواع من الناس، إذ كانت هناك وليمة ستُقام بكلّ تأكيد، وبالتاليّ يجدها التجار والسحرة فرصة مثاليّة ليكوّنوا علاقات جيّدة مع النبلاء والشخصيات العظيمة، وخصوصا الأميرتان اللتان تنعزلان غالب الوقت من أجل تطوير نفسيهما في السحر.

"لقد سمعت أنّ الأميرة أنمار قد بلغت المستوى الرابع عشر بالفعل!"

"صحيح، ذلك ما سمعت أنا أيضا، يبدو أنّ الخبر قد تسرّب من تشكيل الجنرال الأعلى، باسل."

"ماذا عن الأميرة شيرايوكي؟ لقد سمعت أنّها لا تقلّ عبقريّة عن الأميرة أنمار."

"لقد شيع عنها كره الحرب ولم تكن تطوّر نفسها في السحر جيّدا، حتّى حدث ما حدث في الحرب الشاملة، وقرّرت أن تجتهد في هذا المجال أكثر على ما يبدو، ولكنّها أمضت وقتها في انعزال تامّ عن العالم لمدّة طويلة وخصوصا في الأشهر الماضية، ولا يعلم أحد عن مستواها."

"اتركونا من هذه الأمور الآن يا ناس، فقط وجود فرصة يمكننا فيها النظر إلى زهرتيْ القمر والشمس لشيء كافٍ حتّى يجعل مزاجي يتحسّن لأشهر قادمة."

"هيهيهي، معك حقّ يا صاح. ليس هنا العديد من الفرص يمكننا رؤية تينك الجميلتين اللتين تعدّان حاليا أجمل شابّتين في العالم."

تكلّمت شابّة: "يا حفنة المنحرفين، ألا تخشون أن يعاقبكم الجنرال الأعلى؟"

"هاهاها، لا تقلقي، لا تقلقي، الجنرال الأعلى شخص سموح وليس ضيّق الأفق. أم ماذا؟ هل تغارين يا ترى؟"

بقيت الأجواء على هذا الحال طوال النهار.

وباقتراب المغرب، تجمّع الناس بجانبي الطريق الرئيسيّة من مدخل المدينة حتّى مركزها، منتظرين قدوم الأميرة الناضرة.

رن الحرّاس الأجراس على البرجين بجانبيْ البوّابة، والتي فُتِحت في نفس الوقت لتسمح بعربة الأميرة التي يتقدّمها ساحران يرتديان درعا فضّيّا.

"انظروا، إنّه الجنرال 'تورتش' والجنرال 'شي يو' من قادة تشكيل الجنرال الأعلى."

"يبدو أنّهما خرجا ليقابلا الأميرة الناضرة في الطريق إلى هنا."

"لقد سمعت أنّهما بالإضافة إلى باقي قادة تشكيل الجنرال الأعلى قد بلغوا المستوى الثاني عشر بالفعل، وأصبحوا جنرالات كلّهم مرّة واحدة."

"لا يمكننا توقّع شيء أقلّ من قادة أقوى تشكيل."

كان تورتش وشي يو يركبان حصانين مدرّعين، وجذبا الأنظار إليهما قبل أن يتحوّل مسار هذه النظرات إلى العربة الإمبراطوريّة التي يقودها ستّة أفراس من الخيل الملكيّ.

"إنّها أميرة القمر!"

"الأميرة أزهر شيرايوكي!"

"الأميرة الناضرة!"

بدأ الناس يهتفون لها، فكلّهم علموا عن الخطّة المحبكة التي قادتها أنمار من أجل إنقاذ الأميرة شيرايوكي من أيدي العدوّ، حلف ظلّ الشيطان، وأيضا علموا عن التضحيّة التي قامت الأميرة الناضرة بها في المقابل في الحرب الشاملة من أجل إنقاذ حياة "صديقتها".

فكما كانت أسطورة بطل البحر القرمزيّ منتشرة في العالم، كذلك كانت قصّة زهرتيْ القمر والشمس. أحبّ الناس هاتين الصديقتين، أو الأختين وتطلّعوا إلى اكتساب شيء مثل علاقتهما.

طبعا، لم يعلم هؤلاء عن كيفيّة سير الأحداث بالضبط، فأنمار كانت قد ذهبت لتنقذ الأميرة شيرايوكي لأنّها أرادت أن تخفّف العناء على باسل كونها علمت أنّه سيذهب لإنقاذها بسبب الإمبراطور شيرو.

وبسبب هذا، أحسّت الأميرة شيرايوكي بدين عظيم تجاه أنمار، وكانت أكثر ميولا للتضحيّة بأبيها الذي رغب في ذلك من أجل أنمار التي كانت تُعدّ في الحرب الشاملة من الأوراق الرابحة ولا يجب خسرانها.

ولكن بعد تلك الحرب، تحسّنت العلاقة بين الاثنتين حتّى صارت علاقة تزور فيها الأميرة شيرايوكي أنمار. كانت الأميرة الناضرة هي التي واست أنمار في العام الذي ظلّت فيه بدون باسل، وبسبب ذلك تقرّبتا من بعضهما بعضا أكثر.

لربّما لم تكن علاقتهما بدأت بسبب الملحمة التي ألّف الناس حولها قصصا، ولكنّها بالفعل كانت علاقة صداقة في الوقت الحالي.

في هذا الجانب، هتف الناس للأميرة الناضرة، وفي الجانب الآخر، في مركز المدينة، أحاطوا بالأميرة الذهبيّة، وكلّ شخص واحد منهم نظر إليها باهتمام شديد إذ كانت هذه المرة الأولى التي ظهرت فيها بعد مدّة طويلة.

اقتربت عربة الأميرة شيرايوكي من مركز المدينة، فتحمّس الناس لظهورها.

توقّفت العربة واختلطت ألون شعر الخيل الملكيّ بأقواس قزح النافورة المائيّة، وزادت من جماليّة المنظر الذي كان مبهرا فقط بظهور الأميرة شيرايوكي.

توقّع الناس مقابلة رسميّة تكون فيها الأميرة شيرايوكي ضيفة الأميرة أنمار، لكن على عكس ما توقّعوا أسرعت الأميرة شيرايوكي إلى أنمار وعانقتها، قائلة: "اشتقت إليك يا أنمار."

ابتسمت أنمار بهناء ورفعت يديها بعدما تردّدت قليلا، لتضعهما على ظهر الأميرة شيرايوكي في نهاية المطاف كما وضعت رأسها على كتفها، فاعلةً نفس ما فعلت الأميرة الناضرة معها.

"وأنا كذلك يا شيرايوكي."

لو كان باسل يواجه مشاكل في تكوين العلاقات كما قال الجنرال رعد، فأنمار ليس لديها مثل هذا المشكل بتاتا، لكنّها كانت شخصا يتبع باسل في الأرجاء دائما ممّا جعلها تهمل نفسها وعلاقاتها الأخرى، لكن ذلك لم يزعجها إطلاقا.

وفي السنتين الماضيتين، تكوّنت علاقة بين هاتين الاثنتين يمكن القول عنها علاقة صداقة. فعندما مرّت أنمار بوقت عصيب كانت شيرايوكي هي الشخص الذي واساها دون ملل أو كلل، وذكّرتها دائما بالتحلّي بالأمل والصبر.

طبعا، كانت أنمار تثق في عودة باسل حتّى بدون كلمات شيرايوكي، لكن فقط وجود شخص بجانبها في مثل عمرها ومكانتها ويعلم عن درجة ألمها جعل قلبها يرتاح.

***

"يبدو أنّكِ ازددتِ جمالا منذ آخر مرّة رأيتكِ فيها يا أنمار."

ضحكت أنمار وأجابت: "ليس بقدرك يا شيرايوكي."

كانتا تجلسان حاليا في غرفة بسيطة المنظر، إذ لم تكن خاصّة أو زاهية. اتّخذتا مقعدين كلّ واحد أمام الآخر ودردشتا.

"إذن هذا هو المكان الذي نموت فيه يا أنمار، حبّذا لو استطعت العيش بهناء هكذا أيضا."

كانت هذه هي غرفة أنمار العادية في بيت أمّها سميرة البسيط.

"ليس بالضبط. هي مجرّد نسخة من غرفتي السابقة."

كانت نظرات الحزن بادية على وجه أنمار، ولكن ذلك ليس بسبب غرفتها في الواقع، بل بسبب تذكّرها للحادثة التي تدمّرت فيها هذه الغرفة، الحادثة التي مات فيها معلّمها.

لاحظت شيرايوكي تعبيرها الذي ظهر للحظة فقط، فقالت: "الجدران يمكن هدمها وإصلاحها مئات المرّات، ولكن ما يهمّ هم أولئك الأشخاص الذين نتشارك معهم ذكرياتنا بين تلك الحوائط. أمّا عمّن فقدناهم، فلا يمكنني سوى طلب الرحمة لهم والأمل في الالتقاء بهم من جديد، وتخليد ذكراهم في حياتنا."

ابتسمت أنمار بسبب كلمات شيرايوكي المراعية، وقالت: "معك حقّ."

"بالمناسبة، ما أخبار علاقتك بخطيبك؟ هل هناك أيّ تقدّم؟"

"لم أره لشهور الآن."

"شهور؟ إذن لا بدّ وأنّك تحادثينه عبر خاتم التخاطر على الأقلّ."

"لا."

وقفت الأميرة شيرايوكي من مقعدها متفاجئة: "ماذا؟ لم تريه أو تحدثتِ معه لشهور؟ ما بال متبلّد الإحساس هذا، أن يترك زوجته المستقبليّة لوحدها هكذا ولا يحاول الاتّصال بها حتّى؟"

نظرت أنمار إلى الأرض بنظرات خائبة الأمل نوعا ما، وقالت: "ليس هناك خيار، فهو مشغول كثيرا قبل كلّ شيء."

"قبل كلّ شيء، قلتِ؟ وهل هناك ما هو قبلك يا أنمار؟ إنّك تتساهلين معه كثيرا. هل يعتقد أنّه إذا قال لك "أحبّك" مرّة واحدة فسيكون لها تأثير سحريّ يدوم لبقيّة حياتكما ويتردّد صداها في أذنك طوال الوقت؟"

يبدو أنّ أنمار قد أخبرتها عمّا حدث في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة.


تفاجأت أنمار كما لو أنّ الأميرة شيرايوكي قد ضربت على الوتر الحسّاس، فلاحظت الأميرة شيرايوكي تفاجؤها ذاك: "مهلا، لا تقولي لي أنّك حقّا قنوعة فقط بتلك المرّة الوحيدة؟"

نظرت أنمار إلى الأسفل مرّة أخرى: "لا أعلم عن ذلك، ولكن قولها أصلا كان في قمّة الإنجاز، صراحةً؛ فباسل شغوف تجاه ما يحبّ لكنّه قليلا ما يعبر عن ذلك بكلمات."

وضعت شيرايوكي يدها على جبهتها وتنهّدت: "يبدو أنّه ليس بالمشكل الوحيد في هذه العلاقة."

نهضت من مكانها واتّجهت إلى أنمار ثمّ وضعت سبّابة يمناها على جبهة أنمار وضغطت عليها: "اسمعي يا أنمار، إذا بقيت الأمور على هذا الحال، فلن تتقدّما خطوة واحدة. إذا كان أحمقا كفاية حتّى لا يقولها، ما عليك إلّا أنّ تحفّزيه على قولها."

"أحفّزه؟"

سحبت شيرايوكي اصبعها من جبهة أنمار وعادت لتجلس في مقعدها: "قلتِ أنّه لم يتّصل بك في الشهور الماضية، وماذا عنك؟ هل حاولت فعل ذلك؟"

"ذلك... لقد اعتقدت أنّه مشغول لذا لم أرِد إزعاجه، ولكن حتّى أنا لست بذلك الصبر، لذا أردت التحدث معه قليلا على الأقلّ، لكنّني عندما جرّبت الأمر قبل حوالي شهر لم أستطع الاتّصال به."

نهضت شيرايوكي من مكانها مرّة أخرى بينما تحمل نظرات غاضبة: "آه، هذا يجعلني أفقد عقلي. وهل حاولت مرّة أخرى؟"

حرّكت أنمار رأسها يمينا وشمالا، فانزعجت شيرايوكي أكثر.

"اسمعيني جيّدا، إنّه الآن يُعدّ أسطورة في عالمنا، وأيّ فتاة ستسعد بالاقتراب منه، باستثنائي بالطبع، لذا إن بقيت على هذا الحال، لن تعلمي حتّى تجدي إحداهنّ أو عديد منهنّ بجانبه. قد يكون أسطورة، لكنّه ما زال شابّا مفعما بالحيويّة."

ابتسمت أنمار بامتعاض: "هذا... أظنّ أنّك تبالغين بتفكيرك. لا أظنّ أنّ باسل يمكنه أن يفعل شيئا كهذا..."

"ساذجة!" رفعت شيرايوكي رأسها: "لقد أخبرتني عمّا حدث بطفولتكما، وحسب ما فهمت، فهو ضعيف خصوصا تجاه الفتيات الليّنات، وليس هناك فتاة لن تلين أمام بطل البحر القرمزيّ في عالمنا، فماذا إذا غلبته غرائزه وحدث وكانت هناك فتاة من نوعه المفضّل أمامه؟ لم يرَكِ لشهور أو تحدّث معك حتّى، هل تظنّين أنّه سيتمالك نفسه إذا تعرّض للإغراء؟"

ابتسمت شيرايوكي في الخفاء، وانتظرت ردّة فعل أنمار بينما تفكّر: "إذا لم أضغط عليها هكذا، لن تتحسّن الأمور مهما طال الزمن."

ولكن على عكس توقّعها، بدت أنمار سارحة في خيالها بعينين فارغتين: "هه... هاه... هاهاه... هاهاهاها..."

تعجّبت شيرايوكي ممّا يحدث أمامها. لقد كانت أنمار لتوّها تبدو فتاة ليّنة لكنّها فجأة بدأت تبعث هالة مشؤومة وتضحك بشكل غريب: "أنـ-أنمار؟"

"هاهاهاها!" ضحكت أنمار بشكل جنونيّ على حين غرّة وجعلت القشعريرة تصعد مع ظهر شيرايوكي: "يخونني؟"

رفعت رأسها إلى السماء بعينيها اللتين تحملان نيّة قتل: "افتراضا، هذا مستحيل ولكن لنفترض أنّه تجرّأ وأقدم على فعل شيء كهذا، سأجعله أوّلا يشاهد القطّة السارقة تتعذّب عندما أريها ما هو الجحيم في هذه الدنيا، و..."

اتّسعت عيناها فجأة.


(أنمار...)

كان ذلك صوت باسل عبر خاتم التخاطر.

كانت شيرايوكي تحدّق إلى صمت أنمار المفاجئ الذي حدث بعد التغيّر الدراميّ في شخصيّتها، ولم تستطع التقاط أنفاسها حتّى. شعرت أنّها ربّما اخطأت الحكم في قرارها أن تحفّز أنمار بتلك الطريقة.

(باسل...)

(كيف حالك؟ لقد مرّت مدّة لا بأس بها.)

(مدّة لا بأس بها؟ لقد مرّت شهور ولم أسمع منك خبرا، حتّى أنّني حاولت الاتّصال بك قبل حوالي شهر لكنّي لم أنجح. وتأتي الآن وتقول لي، 'أه، كيف حالك، لقد مرّت مدّة لا بأس بها'، تبّا لذلك، هل تمزح معي الآن؟)

لم يرد باسل في الحال، وكان من الواضح أنّه كان متعجّبا من مزاجها السيّئ، إذ ظنّ أنّها ستسعد باتّصاله.

(ماذا الآن؟ أليس هناك شيء لتقوله؟ تغيب كلّ هذه المدّة وليس لديك حتّى كلمات مناسبة؟)

في هذه الأثناء، كان باسل يجلس في خيمته، وقد كان وقت الظهيرة عنده. أراد أن يتكلّم مع أنمار قبل الاتّجاه صوب قلب القارّة، لكن وجدها في مزاج عكر للغاية.

(في الحقيقة، لقد أردت الاطمئنان عليكِ، لذا...)

(الاطمئنان عليّ؟ وأين كنت طوال هذه المدّة الماضية، أو بالأحرى، أين كنت في الشهر الماضي عندما لم أستطع الاتّصال بك؟)

وجد باسل نفسه في موقف لا يُحسَد عليه، فأحسّ أنّ كلّ ما سيقوله سيُستخدم ضدّه.

(لقد كنت في عالم ثانويّ لذا أظنّ أنّه السبب.)

(ها؟ دخلت إلى عالم ثانويّ؟ هل ربّما الذي زرناه من قبل؟ كيف لك أن تُقدم على شيء كهذا دون أن تتّصل بي أوّلا؟)

(لا، إنّه عالم ثانوي آخر، ولم أجد الفرصة للاتّصال بك.)

(لم تجد الفرصة، لم تجد الوقت، مشغول. كلّ هذه الأشياء لا تهمّني.)

كانت أنمار تصرخ، لكن باسل حافظ على هدوئه وسأل: (ما الذي يهمّك إذن؟ ما الذي تريدين سماعه منّي؟)

(لا تسألني عن هذا يا أيّها الأحمق!)

(كلّ ما أقوله تردّينه في وجهي على طريقتك، فكيف لي أن أعلم ما أقول؟)


(تلك مشكلتكَ، ليست مشكلتي.)

(لا تكوني غير عقلانيّة.)

(أنت الأحمق غير العقلاني هنا.)

(هل حقّا تريدين الاستمرار في هذا؟)

صمتت أنمار ولم تردّ، فتنهّد باسل وقال: (حسنا، إن هدأت فلنعِد الكرّة. كيف حالك؟)

(لست بخير!)

(لماذا؟)

(اكتشف ذلك بنفسك!)

ارتفع حاجب باسل لكنّه لم يسمح لنفسه بالانزعاج فعاد الحاجب لوضعه الطبيعيّ: (هل حقّا تريدين أن تفعلي هذا؟ ألا تعلمين لمَ اتّصلت بك؟ لم أتّصل بك لنتجادل هكذا.)

(لا أعلم، أخبرني أنت.)

وضع باسل كفّه على رأسه وقال: (بالطبع لأنّني اشتقت لك.)

لم يسمع ردّا منها، وأمل ألّا تُستخدم حتّى هذه الجملة ضدّه.

كانت أنمار محمرّة الوجه غير قادرة على الكلام، لكنّها تذكّرت محادثتها مع شيرايوكي وخصوصا كونها قنوعة.

(يبدو أنّكَ على الأقلّ ما زلت تحمل بعض المشاعر لي.)

(ما الذي تحاولين قوله؟)

(لا شيء مميّز، فقط فكّرت أنّ شابّا مثلك قد يجعل بعض الحسناوات يسخّنّ فراشه عندما يشعر بالوحدة، لذا لم أظنّ أنّك ستتذكّرني.)

فهم باسل ما يحدث أخيرا، وعلم عن المشكل؛ يبدو أنّها وضعت بضعة سيناريوهات في عقلها وغارت بسبب أشخاص لا يوجدون إلّا في مخيّلتها.

(حسناوات؟ للأسف، أظنّني كسبت مناعة قويّة ضدّ مثل تلك الأشياء بفضلك. فان لم تكن أنتِ لا يمكن لغرائزي التفوّق عليّ)


صمتت أنمار ولم تجبه مرّة أخرى، وبالطبع كانت تحمّر خجلا دون أن يعلم.

سألت بصوت ليّن: (حقّا؟)

(تعلمين أنّني لا أكذب عليك أو أخادعك.)

(وماذا إذا ظهرت إحداهنّ في المستقبل يمكنها إغراءك؟)

(ماذا يسعني أقول؟ لقد تلقّيت دروسا في كيفيّة التعامل مع النساء، لذا لا تخافي، لن أفعل شيئا كذلك من وراء ظهركِ.)

(إذن هل ستفعله أمامي؟)

(هل حقّا تنصتين إليّ يا فتاة؟)

(إذن لماذا لا تخبرني بمشاعركَ؟)

(أظنّني أخبرتكِ بالفعل.)

(ذلك ليس المقصود، لقد أخبرتني منذ مدّة طويلة ولمرّة واحدة فقط.)

(ذلك لأنّها كلمة ثمينة للغاية، وإن أكثرت منها فستفقد قيمتها مع الوقت.)

(أ لست تقدّر قيمتها أكثر من اللازم؟ تبدو هكذا كبخيل ما.)

(بخيل؟ أنا فقط لا أحبّ إلقاء الكلمات عبثا وإلّا أصبحت كلّها متشابهة في قيمتها.)

(أ لست خجولا لا غير؟)

(قد أكون عنيدا لكنّني لست بخجول وأنت تعلمين ذلك.)

صمت الاثنان لفترة لا بأس بها، فسألت أنمار بصوت ليّن: (إذن، ألا يمكنك أن تلقي بعنادك ذاك من أجلي؟)

خفق قلب باسل لمّا سمع طلبها ذاك واحمرّت وجنتاه، فشعر بصدره يضيق ولم يستطع إيقاف تلك الابتسامة الغريبة التي تشكّلت على وجهه، إذ كانت حافتا فمه تهتزّان من الفرح.

(لقد أفسدتِ عليّ خطّتي؛ كنتُ أنوي مفاجأتك لكنّ تبّا لذلك.)

لم تقل أنمار شيئا وانتظرت بصمت، وفي المقابل أحسّ باسل بالتوتّر لكنّه هدّأ من روعه واستجمع أنفاسه ثمّ قال الكلمة السحريّة.


(أحبّك يا أنمار.)

سقطت على الأرض بعدما فشلت ركبتيها من السعادة، ونزلت دموع ببطء بينما تردّ على باسل: (وأنا أعشقك يا باسل.)

كانت الابتسامة على وجهها تجعل تلك الدموع تبدو جميلة، وحتّى شيرايوكي تأثّرت بالمنظر الذي كان أمامها.

(إذن أنا أيضا أعشقك.)

ضحكت أنمار بينما تمسح دموعها: (أ لم تقل أنّها كلمات لها قيمة ولا تحبّ تكرارها كثيرا حتّى لا تفقد قيمتها؟)

(أو لستِ الشخص الذي أخبرني أن ألقي بعنادي من أجلك؟ وأيضا، هذه أوّل مرّة أقول لك فيها أعشقك.)

ضحك الاثنان مع بعضهما ونظرت شيرايوكي إلى حالة أنمار فأومأت رأسها ونهضت لتغادر الغرفة، بما أنّه يبدو أنّ المحادثة بين ذينك الاثنين ستطول أكثر.

لاحظتها أنمار تغادر فجعلت باسل ينتظر قليلا، وذهبت لتعانق شيرايوكي بينما تقول: "شكرا لك يوكي."

ربّتت شيرايوكي على ظهر أنمار بينما يتردّد على مسمعها اسم "يوكي". لقد كانت هذه هي المرّة الأولى التي يختصر فيها شخص ما اسمها لذا شعرت بدفء غريب نوعا ما.

"هذا ما تفعله الصديقات من أجل الصديقات."

قالت أنمار مبتسمةً: "حقّا؟ لا أعلم بالضبط، فأنتِ أوّل صديقة حقيقيّة أملكها."

ضحكت شيرايوكي وقالت: "وأنا كذلك."

"شكرا لك لأنّك غضبتِ من أجلي."

تأثّرت شيرايوكي بكلمات أنمار فدفعتها للخلف واستدارت، خجلاً: "هيّا، أكملي كلامك مع متبلّد المشاعر ذاك. سأتركك الآن."

خرجت من الغرفة بينما تتذكّر تعابير أنمار المختلفة، وابتسمت بفرح، لكنّها تذكّرت ذلك التعبير الذي جعل جسدها يقشعرّ، فتمتمت: "لربّما أشعر بالتعاطف معه."

وجدت شيرايوكي أمّ وجدّة باسل وأم أنمار خارج الغرفة، فجلست لتكمل الليلة معهما ريثما تنتهي أنمار. كانت غرفة المعيشة بمثل بساطة غرفة أنمار، ولم تتجاوز 30 متر مربّع. كان في وسطها طاولة تكفي لجلسة ستّة أشخاص، وهناك جلست لطيفة وجدّة باسل.

خرجت سميرة من المطبخ بينما تحمل قدرا ينفث البخار بشدّة وكان واضحا أنّها أزالته من النار للتوّ، وعندما رأت شيرايوكي تخرج من الغرفة قالت بابتسامة مشرقة: "هل انتهيتما بالفعل؟ أين أنمار؟"

كانت العلاقة بين شيرايوكي وهذه الأسرة الصغيرة قريبة بما أنّها كانت صديقة أنمار الأولى. كُنّ سعيدات لأنّ أنمار كسبت صديقة تشاركها الكلمات والأحداث.

"إنّها تتحدّث مع باسل حاليا، ويبدو أنّها ستتأخّر."

أشرق وجه سميرة المبتسم فالتفتت إلى لطيفة وقالت: "هل سمعت ما قالت يا لطيفة؟ يبدو أنّ ولدك الخجول بدأ يتحسّن مع مرور الوقت." تذكّرت شيئا فوجّهت نظرها إلى شيرايوكي مرّة أخرى: "انتظري، هو الذي اتّصل بها، أليس كذلك؟"

ابتسمت شيرايوكي وأجابت: "اطمئنّي، هو الذي اتّصل."

تنفّست سميرة الصعداء وقالت: "حسنا، إنّي أحضّر عشاءنا، لذا يمكنك الانتظار مع لطيفة والعمّة ليندا."

كانت تقصد سميرة جدّة باسل عندما قالت العمّة ليندا.

كانت الجدّة ليندا قد انتقلت للعيش مع عائلة باسل بعدما أمضى في البيضة المشعّة سنة، وذلك شوقا منها وحبّا للحفيد الذي حمل ددمم عشيرة النار القرمزيّة الأخير بعروقه.

تكلّمت لطيفة بوجه حزين: "يا للخسارة، لا يمكنني التكلّم معه كما تفعل أنمار. قد تكون هذه إحدى المرات النادرة التي أشعر فيها بالرغبة في أن أكون ساحرة."

نظرت إليها شيرايوكي وتفهّمت شعورها ذاك، فحتّى هي قبل أن يظهر خاتم التخاطر اضطرّت لانتظار إخوانها وأخواتها حتّى يعدن بعدما يتفرّقون، ولاسيّما إن كان الأمر متعلّقا برحلة خطرة.

تحدّثت شيرايوكي بعدما استفاقت من أحلام يقظتها: "أظنّه يعلم كلّ مشاعرك يا أيّتها العمّة لطيفة، فهو يرتحل في أنحاء العالم من أجل حمايته حتّى يعيش معك حياة عادية، لذا لا يجب أن تتأسّفي على اختيارك عيش حياة عادية."

ابتسمت لطيفة وردّت عليها: "أتواسينني يا صغيرتي؟ إنّكِ شخص جيّد ورحيم."

خجلت شيرايوكي، وغيّرت اتّجاه نظرها إلى الجدّة ليندا التي اعتلتها نظرات حزينة، إذ كان حالها مثل حال لطيفة. أرادت أن تلطّف الجوّ فواردتها فكرة: "ما رأيكنّ أن تخبرن أنمار ما تردن قوله وتبلغه لباسل في محلّكن، وعندما يجيبها تخبركم بما قاله؟"


ومباشرة بعدما انتهت من كلامها نهضت لطيفة من مقعدها وطبقت كفّا على كفٍّ: "هذه هي!"

خرجت أنمار فجأة فحكين لها ما أردن فعله، فابتسمت: "يا محاسن الصدف! لقد خرجت لنفس السبب، حتى باسل يريد أن يقول لكُنّ شيئا."

***

في هذه الأثناء، في قصر إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بالعاصمة، كان الكبير أكاغي يجلس في فناء على طاولة تحت ليلة زاهية بمصابيحها الطبيعيّة، ورافقته زوجته في احتساء كوب من الشاي.

"لقد كاد قلب سكارليت يتوقّف عن الضرب عندما سمعتك تقول أنّ منصف كاد يموت؛ لا أدري ما الذي كانت ستفعله بنفسها لو حدث له شيء فعلا."

"نظر الكبير أكاغي إلى زوجته وتنهّد: "حقّا لا يمكننا شكر حليفنا باسل كفاية."

"معك حقّ، عائلتنا ممتنّة لعشيرة النار القرمزيّة كثيرا، ولكن يبدو أنّها ستكون مدينة لباسل أكثر من ذلك حتّى." تنهّدت لمّا ومضت صورته في عقلها: "لقد مرّت مدّة لا بأس بها منذ آخر مرّة رأيناه فيها، فهل سنراه عمّا قريب يا ترى؟"

أخذ الكبير أكاغي رشفة من كوبه ثمّ نظر إلى زوجته التي وضعت حافّة الكوب على شفتها: "ذلك يعتمد على سير الأمور. الحدث التاريخي الأعظم في عالمنا قريب، لذا حليفنا باسل مشغول للغاية."

"هل سيكون على ما يرام يا عزيزي؟"

كانت زوجته قلقة، وفهم مصدر قلقها هذا فقال: "لعنة عشيرة النار القرمزيّة، لا نعلم ما إذا كانت إشاعة أم لا، لكن يجب أن نضع ثقتنا فيه فحسب."

"لا يمكنني الاطمئنان، أتمنّى ألّا يواجه نفس مصير أبيه جاسر، ويترك أنمار وحيدة. لا يمكنني تخيّل تلك الفتاة قادرة على العيش في عالم لا يوجد هو فيه."

"لا تقلقي، كلّ شيء سيكون على ما يرام. لقد غيّر العالم، فكيف لا يغيّر حياته الخاصّة؟"

تنهّدت زوجته، فحاول تغيير الموضوع ليجنّبها الحزن: "وبما أنّك أتيت على ذكر أنمار، تذكرين أنّك أردت من ابننا أكاي تسميّتها أنمار وليس اسما يوحي على العشيرة القرمزيّة كما فعل أسلافنا."

رشفت من كوبها، ثمّ نظرت إلى الهلال وقالت: "في ذلك الوقت، كنت أخاف، صراحةً، من عشيرة النار القرمزيّة بسبب ماضيها المبهم واللعنة التي تتبعها، وخصوصا عندما فقدنا ابننا الأوّل. وبسبب ذلك، بالرغم من أنّه ليس بسبب جيّد، خشيت أن تلحق هذه اللعنة أحفادنا أيضا لو ارتبطنا بطريقة ما بالعشيرة."

"أردت أن أغيّر هذا التقليد؛ خوفي جعلني أريد قطع الصلة التي وجب عليّ عقدها أكثر، لذا رجوت ابننا أن يسمّي مولوده مهما كان جنسه بـأنمار، لكنّه رفض فكرتي، لذا تفاجأت حقّا لمّا ظهر باسل –ابن جاسر- مصطحبا معه فتاة تشبه سميرة لحدّ كبير واسمها أنمار. كان ذلك كثيرا ليكون مجرّد صدفة، لذا اقتنعت أنّها هي حفيدتنا."

"لربّما كان السبب الذي نبع منه قراري في تسمية المولود بأنمار غبيّا، لكنّني سعدت كثيرا عندما علمت أنّ ابننا لبّى طلبي الذي رفضه بشدّة في الأوّل. لا أعلم ما الذي دار في باله، لكنّني على الأقلّ يمكنني النوم بهناء، موقنةً أنّه لم يمت يكرهنا."


ابتسم الكبير أكاغي بنهاء وأخذ رشفة أخرى ثمّ قال: "ما أحلى السلام! يجب أن نعمل أكثر من أجل الحفاظ عليه."

***

في شرق قارّة الأصل والنهاية، كان السحرة يستعدّون للرحيل، لذا رتّبوا مقتنياتهم وممتلكاتهم، وانضمّوا للفرق حسب الأوامر، وأمضوا بقيّة اليوم مع فرقهم حتّى يندمجوا قبل المغادرة.

كان باسل ما يزال يتحدّث مع عائلته في خيمته.

(حسنا يا أمّاه، لا تقلقي، سآتي مباشرة لأراكنّ بعدما أنتهي من عملي هنا.)

كان باسل يتحدّث مع أنمار عبر خاتم التخاطر، وعملت عمل الوسيط بينه وبين بقيّة العائلة. فنقلت ما قالته له أمّه: (كن حذرا، ورافقتك السلامة، وكن حذرا!)

(حسنا، حسنا، يا أمّي، كوني مرتاحة البال.)

سألته أنمار بنفسها هذه المرّة: (إذن، متي قد تعود؟)

(لا أعلم صراحةً، لديّ ثقة في الولوج إلى ذلك العالم الثانويّ، لكنّني لا أعلم ما إذا كانت ستكون هناك أحداث غير متوقّعة.)

انتظر أنمار التي لم تجب إلّا بعد لحظات من الصمت: (لا تخاطر كثيرا إذا رأيت الأمر يخرج عن السيطرة، وتذكّر دائما أنّ العودة إلينا، هي الأهمّ.)

(اطمئنّي! أمّا عنكنّ، فلا تنسين أن تكُنَّ في أكاديميّة الاتّحاد المباركة في غضون أسبوعين. لقد شُيِّدت مدينة العصر الجديد على يد معلّمنا بحكمته السياديّة، لكنّها تضرّرت كثيرا في تلك المعركة، لذا لم أستطع بناء مصفوفة قويّة كفاية كما فعلت في باقي الملاجئ بما أنّ الأساس ضعيف حاليا.)

(لقد تتبّعتُ وريد الطاقة الذي ربطه بها المعلّم، واكتشفت أنّها ما زالت تحتاج لوقت أطول حتّى تترمّم كلّيّا نظرا إلى الطاقة المتدفّقة في الوريد.)

أجابت أنمار مباشرة: (حسنا، سأرتحل إلى الأكاديميّة بعدما أوجّه سكّان المدينة إلى أقرب ملجأ.)

أومأ باسل رأسه: (جيّد، ستلتقين هناك بأقربائك، فالوضع سيكون أفضل لو اجتمعتم معا.)

أصبحت أنمار قريبة من عائلة كريمزون لدرجة أنّها لم تعد تشعر بالغرابة في عدّهم عائلتها.

(أحقّا لا يمكنك الانضمام لنا؟)


أرادته أنمار أن يكون معهم حقّا.

(لا يسعني فعل ذلك، يجب عليّ الاستحواذ على روح الوحش الروحيّ هنا حتّى يمكنني تقليل الأضرار بشكل أكبر.)

(لا تجعلْني أنتظر!)

(سأنجز الأمور بأسرع ما لديّ.)

(عدني أنّك ستعود إليّ.)

(لا يهم الزمان أو المكان، فسأتجاوز ولو آلاف السنين وأخترق العوالم وأعود إليك.)

ضحكت أنمار، لكن نبرة صوتها تغيّرت فبدت حزينة: (لا داعٍ لكلّ ذلك وفقط عد إليّ بسرعة، فالافتراق عنك لآلاف السنين معذِّب ولو أمكنني تحمّله.)

(سأحرص على ذلك!)

تكلّمت أنمار: (مع السلامة، وإلى اللقاء.)

شعر باسل أنّها بكت بينما تقول ذلك: (لا تقلقي، سأعود بسرعة. إلى اللقاء.)

تنهّد وسرح بأفكاره لمدّة حتّى وجد نفسه ينادى مرارا وتكرارا من طرف الجنرال منصف، فخرج من الخيمة بعدما جمع شتات نفسه: "ماذا هناك يا أيّها العمّ منصف؟"

"لا شيء عاجل يا حليفنا، أردت رؤية وجهك والتكلّم معك قليلا فقط بما أنّه اليوم الأخير قبل أن نفترق."

ابتسم باسل وقال: "لقد وجدتني أنوي الاتّصال بالكبير أكاغي، لذا ما رأيك أن نتحدّث معه؟"

ابتسم الجنرال منصف: "فكرة رائعة!"

تحرّكا نحو السهول التي كان باسل يمضي أوقاتا فيها من حين إلى آخر، فجلسا ومدّ باسل قبضته اليسرى التي على سبّابتها خاتم التخاطر، فاستعجب الجنرال منصف: "ماذا هناك يا أيّها السيّد الشابّ؟"

"افعل ما أفعل، سأربط اتّصالنا حتّى نستطيع التحدّث معا في نفس الوقت مع الكبير أكاغي."


اتّسعت عينا الجنرال منصف لكنّه هدأ بسرعة: "أظنّ أنّه لا يجب أن أتفاجأ بما تفعله بعد كلّ ما سبق ورأيت."

كان هذه إحدى قدرات الحكمة السياديّة التي شغّلت التحكّم الحكيم السليم، فإدريس الحكيم استطاع ربط روحه ببحر روح باسل سابقا، لذا كان ربط خاتما تخاطر شيئا في غاية السهولة حتّى على باسل.

***

بالعودة إلى قصر عاصمة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كان الكبير أكاغي في غرفته رفقة زوجته، ولكن لا أحد منهما استطاع النوم هذه الليلة لكثرة مواضيعهما.

(أووه، أو لست حليفنا باسل! يبدو أنّ الأمر استحقّ بقاءنا مستيقظين هكذا بعد كلّ شيء.)

(أنا موجود أيضا هنا يا حماي.)

(إيه؟)

استغرب الكبير أكاغي وتفاجأ بسبب صوت الجنرال منصف الذي رنّ في عقله فجأة، لكنّه فهم ما يحدث أخيرا بعدما شرح له الجنرال منصف الأمر بحماس.

(هكذا إذا، مفاجآت حليفنا لا تنتهي حقّا. على كلّ، هل قرار عودتكم غدا لم يتغيّر؟)

(أجل يا حماي. أه، يا حماي، أريد سؤالك عن سكارليت وكارماين، كيف حالهما؟ إنّ بالي غير مرتاح مذ سمعت أنّها غابت عن الوعي عندما سمعت بخبر اقترابي من الموت.)

(لا تقلق يا صهري، لقد طمأنتها حتّى نسيت ما سمعت. أمّا كارماين، فهو يتعلّم السحر على أفضل معلّم هنا بإرشادات حليفنا كعادته، ولم يعلم عمّا حدث.)

(شكرا لك يا حماي.)

(يا أيّها الكبير أكاغي،) تحدّث باسل هذه المرّة: (أعتمد عليك في الاعتناء بعائلتي، واحرص على ألّا تشعر بالغربة. يمكنك أن تمنحهنّ بيتا صغيرا يشبه الذي في مدينة العصر الجديد حتّى يشعرن بالراحة، فأمّي تحبّ البساطة.)

ضحك الكبير أكاغي: (هاهاها، إنّك ما تزال كما كنت دائما عندما يتعلّق الأمر بأمّك يا حليفنا. لا تقلق، سأحرص على راحتهنّ.)

طال حديث الثلاثة حتّى اقترب وقت العصر في القارّة، فافترق باسل والجنرال منصف بعد ذلك.


زار كعادته مطابخ المخيّم وضحك مع الجنود وخفّف من التوترّ الذي اختفى تقريبا بمرور الأيّام.

عاد إلى خيمته أخيرا عند الغروب واتّصل: (أما زلت تذكرني يا تورتش؟)

(هاهاها، وهل هناك أحد يستطيع نسيانك يا سيّدي؟)

كان هذا تورتش قائد قادة تشكيل الجنرال الأعلى لإمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة.

(لا أتوقع من كلّ شخص أن يملك ذاكرة مثل ذاكرتي.)

ضحك تورتش مرّة أخرى واستمتع بحديثه مع باسل.

قضى باسل بقيّة الليلة في التحدّث مع بقيّة قادة التشكيل وأخوي القطع والحارس جون، وكلّ من كانت له علاقة قريبة به.

تنهّد بينما يمتدّ على سريره وأغمض عينيه واستمتع بنموه تلك الليلة حتّى حلّ الفجر وحان وقت المغادرة.

كان باسل قد ودّع الجميع بالفعل، لكنّ الجنرال رعد جاء وقال: "هل تحتاج لبعض الإزعاج قبل أن نفترق يا أيّها الفتى القرمزيّ، فمزاجي جيّدا كفاية لفعل ذلك من أجلك."

ابتسم باسل والتفت ثمّ غادر، تاركا وراءه بعض الكلمات: "قد تحفّزني على إزعاجك، ولا وقت لدينا لمناوشاتنا المعتادة. هيّا، انصرف بسرعة فوجهك مزعج كفاية."

تنهّد الجنرال منصف ثمّ استدار وغادر.

انتظر باسل في السهل الذي امتلأ بزهور دوّار الشمس، حتّى بدأت تختفي ظلال السحرة من مرأى عينيه خلف السهول والجبال، ثم استدار وقال، بوجه عازم أكثر من أيّ وقت مضى: "والآن، لنذهب لنسرق بعض الأشياء الجيّدة."

***

لو كانت قارّة الأصل والنهاية تحكمها الوحوش السحريّة، ففي عمق مركزها تكاد لا تجد وحشا سحريّا إطلاقا.

كانت الأجواء ومناخ هذه المنطقة متقلّبين على مرّ الأيّام، إذ شملت كلّ خواصّ المناطق الأربع الأخرى، ففي يوم تجد الجبال متجمّدة، ولكن بعد أيّام تجدها أرضا خصبة بدأ العشب ينمو فيها.

اختلفت مسارات الأنهار فـجرت المياه في اتّجاهات مختلفة حسب تغيّر المناخ، وتكونت بحيرات وتحوّلت إلى مستنقعات أو وديان، وصحِرت الأرض وخضِرت كلوحة فنّيّة يُعدّل عليها باستمرار.

كانت المناظر خلّابة في بعض المرّات، ومظلمة كئيبة في مرّات أخرى.

قد أتى إدريس الحكيم إلى هنا سابقا مهتمّا في هذه المنطقة، لكنّ ما أثار اهتمامه حقّا لم تكن الأجواء الخرافيّة، فشيء كذلك رأى ما يكفي منه في بقيّة العوالم المختلفة التي زارها، وما فتنه في الواقع كان المجال المحاط بحاجز غريب جعل حتّى الوحوش السحريّة تبتعد قدر المستطاع عنه، وفقط تلك التي في المستويات العليا ملكت الشجاعة الكافية للدخول.

كان الأمر كما لو أنّ هذا النطاق سمح للوحوش المؤهّلة فقط بالولوج إليه، إذ كان غنيّا بالطاقة السحريّة النقيّة بكثافة، وأمكن ملاحظة ذلك من عدم موت هذه الأرض وحيويّتها بالرغم من تلك التغيّرات المستمرّة عليها، أو يمكن القول أنّ تلك الطاقّة السحريّة الكثيفة هي التي تسبّب هذا النوع من المناخ المتقلّب الهائج.

شكّ باسل سابقا أنّ الوحش الذي قاد وحوش المستوى الرابع عشر قد أتى من هنا، وليس هذا فقط، بل أنّه حدث معه شيء ما لا علاقة بالعالم الثانوي في العمق.

أخفى باسل حضوره كلّيّا باستخدام التحكّم الحكيم السليم، فأصبح مندمجا بالطبيعة، وشعرت الوحوش السحريّة القريبة منه أنّه مجرّد شجرة أو شيء مثل ذلك.

كان الأمر صعبا ضدّ وحوش المستوى الرابع التي وجب عليه التصرّف بحذر وحيطة بجانبها والابتعاد عنها قدر المستطاع؛ فهو لم يكن يريد قتال حشود من الوحوش السحريّة الآن، بل أراد بلوغ هدفه بأحسن حال.

وبسبب أنّه يريد التخفّي اختار ألّا يطير حتّى لا يُكشف سحره، فحتّى بالتحكّم الحكيم السليم لا يمكنه إخفاء حضوره تماما لو استخدم السحر.


كانت خضرة المنطقة الشرقيّة لا تنتهي، فاستمتع بالغابات غير المحدودة والأنهار والجبال والتربة نفسها، إذ كان كلّ جزء من المكان سحريّا، فبعض الورود هنا تطوّرت حتّى صارت تملك حبوبها خواصّ شفائيّة مذهلة أو مقوّيّة للجسد وبحر الروح وحجر الأصل.

مرّت أيّام قطع فيها مئات آلاف الأميال حتّى وصل أخيرا إلى باب وجهته –الحاجز المحيط بالنطاق. كان غموض هذا الحاجز مدهشا، فهو عمل عملا مشابها لحاجز الحماية السماويّة لكن بطريقة مختلفة، إذ سمح لوحوش سحريّة في المستوى الثامن فما فوق بالولوج، ونفس الأمر مع السحرة، إذ وجب على الساحر أن يبلغ قسم مستويات الربط الثاني.

وفي نفس الوقت، جعل طاقة النطاق محصورة ولا تتسرّب للخارج أبدا، بينما يمتصّ الطاقة من القارّة كلّها من أجل تزويد النطاق بطاقة أكبر.

حتّى إدريس الحكيم لم يملك فكرة عن كيفيّة عمله، لكن كان لباسل فكرة عن ذلك بسبب النيّة التي استطاع أن يستخلص منها معلومات قيّمة أكثر ممّا يتصوّر العقل، لكنّه لم يعلم كلّ شيء، فلم تكن لديه الفكرة العامّة عن سرّ هذا الحاجز.

مرّ عبر الحاجز فأحسّ كما لو أنّه أصبح في قبضة عدوٍّ فجأة، وبالطبع لم يكن ذلك بسبب أعين الوحوش السحريّة المفزعة التي تختبئ في الظلام بعيدا، بل بسبب شيء آخر جعله يشعر بالثقل وضيق النفس.

"لا يمكنني الشعور بالراحة أبدا تحت سلطة هذه النيّة، لكن سأعلّمها درسا لن تنساه لجعلي أشعر بالانزعاج."

اختلفت تضاريس المنطقة أمامه من سهول ممتدّة على المرأى، وأنهارُ حممٍ تتدفّق بجانب جبال جليديّة، ورمال تحاول غزو مناطق خضراء.

كان هدفه الآن هو تجاوز كلّ هذه المناطق والوصول إلى المكان الذي زاره مع أنمار ومعلّمه قبل أكثر من سنة ونصف. كان ذلك الموقع مختفيا عن الأنظار كما لو كان محميّا بسحر وهمٍ مبهمٍ.

حتّى لو قدم بعض السحرة إلى هنا ما كانوا ليجدوه، أو بالأحرى، سيجدون أنفسهم ينتقلون من منطقة لأخرى ويدورون في حلقة لا نهائيّة بسبب ذلك الوهم الذي انتشر عبر هذا النطاق بأكمله مع الحفاظ على الصورة الطبيعيّة للمنطقة.

كان باسل قادرا على بلوغ ذلك المكان بفضل معلّمه، وللدّقة بفضل الحكمة السياديّة التي ملكت البصيرة الحكيمة السحيقة، لذا لم يكن الذهاب لنفس المكان مرّة أخرى بمشكلة له بما أنّ يملك ما ملكه إدريس الحكيم آنذاك.

كلّ خطوة منه بدت هادفة وتتبّع مسارا معيّنا، كما لو أنّ الطريق واحد فقط ولا يمكن سير غيره، وإلّا جاب الشخص القارّة كلّها دون إيجاد الموقع المقصود. مرّ عبر مستنقعات مسمومة وحمم حارقة وصقيع قاتل، لكنّ جسده كان يملك مناعة ضدّ كلّ ذلك، بالإضافة إلى أنّه استخدم عنصر التعزيز لإحاطة نفسه بدرع سحريّ عند الحاجة.

تحرّك بوتيرة معتدلة، ولم يتغيّر إيقاعه أبدا، كنهر صافٍ يجري على أرض خالية من الشوائب.

مرّ وقت طويل، واستبدلت السماء المشعّة شمسها بالسماء المظلمة المنارة بقمرها ونجومها، مرارا وتكرارا حتّى وجد نفسه أمام جبال متجمّدة كانت تزهو بالخضرة عندما أتى مع معلّمه سابقا، وغابات أوراقها ذابلة كانت سابقا فاكهتها تسيل اللعاب، وأنهار جافّة أصبحت مجرّد وديان مظلمة.

لم يكن هناك حسّ لأيّ وحش سحريّ بالجوار كالعادة، ووُجِدت تلك التماثيل فقط لا غير، تقف هناك بمختلف أشكالها دون حركة.

كانت التماثيل لمحاربين في يد كلّ واحد منهم سلاح من نوع ما، وعند التدقيق النظر فيها، يجد المرء أنّها لا تأخذ أشكالا بشريّة فحسب؛ كانت هناك تماثيل بأوجه وأجساد بشريّة لكنّها ملكت آذانا طويلة، وتماثيل أخرى كان لها قرون على رؤوسها، وأخرى كانت أوجهها تختلف عن أوجه البشر إذ كانت عريضة بأنوف ضخمة وأعين صغيرة كأعين الدببة. كانت هناك أشكال أخرى عديدة، حتّى أنّ بعضها لم يكن له شكل البشر حتّى.

"المحاربون الأشدّاء الذين نسيهم التاريخ؛ الشجعان الذين أُجبِروا على أن يكونوا عبيدا للأبد؛ أبطال العوالم المنسيون؛ الصناديد العبيد. وا حسرتاه! آه، وا أسفاه!"

أعرب باسل عن حسرته بينما يحدّق إلى التماثيل الحجريّة التي بلغ عددها المائة وكلّ واحد منها وصل علوّه إلى المائة متر. كانت التماثيل منقسمة لجزأين ، فوقف خمسون إزاء الخمسين الآخرين، وبدت أعينهم شاخصة كما لو أنّهم في حضرة سلطان عليهم سلطته.

"لربّما علمتُ القليل عنكم أيّها الصناديد، لكنّني على الأقلّ واثق أنّكم بكلّ تأكيد قاتلتم وفعلتم ما عجز عنه الكثير حتّى صار حالكم هكذا. لقد عانيتم لمدّة طويلة جدّا، ولكن سأحرص كلّ الحرص على ألّا تُلقّبوا بالصناديد العبيد من بعدي. فلأخلّدنّ ذكراكم كأبطال العوالم بعدما ألوح إلى الأسفل من القمّة وأظهِر ما طُمِس لعصور."

تنهّد باسل واقترب من المائة تمثال، فوقف عند الخطّ الذي يفصله عن الطريق الذي تصنعه التماثيل بشخوصها هناك.

كان هذا الخطّ حدّا فاصلا لا يمكن لأحد عبوره، كما لو أنّه لا يمكن لمخلوق المرور منه سوى شخص محدّد.

ظهرت الحكمة السياديّة متشكّلة في الكرات الكونيّة فوق باسل، استعدادا لبدء فكّ المصفوفة التي تمثّلت في تلك التماثيل نفسها.

ما أنّ بدأ باسل يدرس التماثيل وغموضها وطريقة ارتباطها، حتّى صدر صوت من حيث لا يدري، بنبرة متعالية ومتكبّرة: "لقد أخبرتك أّنّه حتّى بحكمتك السياديّة في مرحلتها الثالثة لا يمكنك ولوج هذا العالم يا أيّها الحكيم المبتدئ، عد أدراجك وإلّا سلختك."

لم يتفاجأ باسل كما لو كان يتوقّع صدور الصوت، فردّ بروية: "هل فقدت بصيرتك بسبب خمولك لعصور هنا يا أبله؟"

لم يُلقِ باسل للنيّة اعتبارا كما لو أنّه يعلم بالضبط مع من يتكلّم.


"ماذا؟!" تفاجأ النيّة حقّا: "انتظر، انتظر، أين ذلك العجوز الذي امتلك الحكمة السياديّة في هذا العصر؟ كيف لك يا أيّها الشقيّ أن تملكها؟"

يبدو أنّ دهشته أنسته طريقة كلام باسل معه سابقا.

أجاب باسل على مهل: "الفضل يعزو للسارق الخسّيس يا أبله، لربّما لا تعلم عمّا أتكلّم أصلا لأنّك لا تملك أيّ ذكرى سوى مهمّتك الوحيدة."

"ما الذي تقصده يا شقيّ؟ وكيف لغرّ مثلك لم يفقه شيئا في ذلك الوقت أن يتحدّث إليّ بهاته الطريقة أصلا؟ احنِ رأسك واعتذر في الحال وإلّا جرّدتك من روحك وامتصصتها."

ابتسم باسل ساخرا: "لا تهتم بالتفاصيل الصغيرة يا أبله. ركّز على المهمّ، سمعتني يا أبله؟"

"يا أيّها الشقيّ، لن أعيد كلامي مرّة أخرى، راقب فمك وإلّا كان سببا في إراقة دمك!"

كان واضحا أنّ نبرة الصوت تشير للغضب، لكن باسل لم يرتدع واستمرّ في رشّ الملح على الجرح: "هوهوهو، حاول إن استطعت يا أبله."

"أيّها اللعين، هل حقّا لا تخشى أن تُسلخ؟"

أغمض باسل عينيه وردّ بنفس الوتيرة السابقة: "هوهوهو، حياة الرجل مغامرة وسكونه موت، ولكن حتّى هذه الجملة لا تنطبق على وضعنا الحالي، فأنت لا يمكنك قتلي حتّى لو أردت."

"ها؟ ما الذي تهذي به يا شقيّ؟ في هذا المكان، يمكنني فعل ما أشاء وحتّى السلاطين سيخشونني."

هزّ باسل رأسه يمينا وشمالا وتنهّد: "حتّى أبله مثلك يجب أن يعلم عن مهمّته الوحيدة، أو تخبرني أنّك نسيت سبب وجودك هنا عندما رقدت كلّ هذه العصور؟ هل أنت حقّا أبله لهذه الدرجة يا أبله؟"

"أنت... أنت... أنت... تجرؤ؟ يا ابن العاهرة، يا أيّها السافل الساقط، النغل الوغد، هل تريدني أن أغتصبك أيّها الحشرة؟ لقد نلت كفايتي، سأغتصبك!"


بدأ السب والشتم يصدر فجأة من النيّة دون قيود.

حافظ باسل على ابتسامته الساخرة: "على الأقلّ استخدم كلمة غصب بدل اغتصاب، ستشكّك الناس في ميولك يا أبله."

"من يهتمّ بالاختيار المناسب للكلمات الآن يا أيّها المقيت؟"

صفّق باسل بينما يضحك: "صورتك الحقيقيّة أفضل بكثير من تلك النبرة المتكبّرة المتصنّعة التي تجعلك تبدو كمغفّل متعالٍ، فهكذا على الأقلّ تبدو كسفيه أبله فقط."

"إن لم أغتصبك اليوم يا أيّها العاهر، فالعار سيلحقني لبقيّة أيّامي."

تنهّد باسل كما لو أنّه يتحسّر لحال ابنه: "ألا يمكنك قول جملة واحدة دون شتيمة يا أبله؟"

"لا تقلق، عندما أسحق رأسك لن تسمعني، إلّا إذا كنت تسمع من مؤخّرتك الرذيلة، فافافا، فهذا ما بدا لي نظرا لكونك لا تستمع لكلام الآخرين جيّدا، فافافافا!"

هز باسل رأسه بخيبة أمل: "يبدو أنّك لم تتلقَّ تربية حسنة يا أبله، لكنّني لا ألوم وليّ أمرك، فهائج مثلك لا يرضخ بسهولة."

"لا أرضخ بسهولة؟ كيف يمكن ذلك؟ فـذو الطغيان يغتصب حتّى الأبطال الشجعان وما سبق له أن استكان، فلا تجرؤنّ يا لقيط على إهانته وخصوصا في هذا المكان، وإلّا قطع سجقّك وجعلك تبلعه فتكون بذلك في خبر كان."

مزجت النيّة هذه المرّة نبرتها المتعالية مع أسلوبها القذر في الكلام، وبدت واثقة.

صفّق باسل بينما يضحك: "أهنّئك، يبدو أنّك الأوّل في اللائحة الذي يجعلني غير قادر على الردّ؛ فلم أعلم أنّه يمكن للأسلوب المتعالي في الكلام أن يمتزج هكذا مع الكلمات القذرة بشكل مثاليّ، حقّا، مثاليّ."


"أووه، يبدو أنّك اكتشفت روعة ذو الطغيان أخيرا. يمكنك الآن الانحناء والاعتذار بشكل مناسب، عندئذ سأفكّر في العفو عن تهوّرك سابقا لو راق لي تذلّلـك. هيّا، أسرع وإلّا ثقبتك."

ضحك باسل مرّة أخرى ثمّ قال: "يبدو أنّ رحلتي لن تكون مملّة على الأقلّ بسببك."

"ما زلت أنتظر خضوعك يا شقيّ."

وقف باسل وقال بجدّيّة بعدما اختفت نظرات الاستمتاع من وجهه على حين غرّة: "حسنا، وقت الضحك انتهى. ما رأيك أن نبدأ جدّيّا؟ أنا هنا لتجاوز الاختبار، فأنا من العالم الواهن ولديّ الحقّ في ذلك. بالأحرى، لا تقاطعني فقط."

لم يصدر الصوت من النيّة لمدّة طويلة، كما لو أنّها تفكّر في ما ينوي باسل فعله، إذ بدا واثقا بشكل غريب.

لم تكن هذه المرّة الأولى التي تقابل فيها هذا الشقيّ، فقد أتى مع ذلك العجوز، وتحت رعايته، حاول بكلّ جهد دراسة هذه المصفوفة حتّى يلج إلى العالم الذي يقبع خلف غموضها، لكنّه لم يستطِع النجاح في فهم شيء وغادر خائب الأمل.

"حسنا، لنرَ ما لديك، لكن كن واثقا، أنّك إذا فشلت ستلقى مصرعك، وتعلم أنّني لن أتركك وشأنك لتموت بسهولة وبساطة."

تنهّد باسل ولوح يده: "حسنا، حسنا، دعنا ننتهي من هذا بسرعة."

"سنرى إلى متى ستظلّ محافظا على تصرّفك هذا يا صعلوك. فافافافا، وأخيرا يمكنني اغتصابك."

جلس باسل مرّة أخرى أمام التماثيل المئة وشغّل الحكمة السياديّة فبدأ يحلّل بشمول عبر بصيرته السحيقة ويتحكّم في النقوش الروحيّة العريقة التي تربط التماثيل مع بعضها.

ضحكت النيّة: "فافافا فهمت، تريد أن تفعل ما أراد ذلك العجوز فعله، ولكن حتّى بالحكمة السياديّة لا يمكن لشقيّ مثلك فكّ شفرة هذه المصفوفة التي لن يستطيع حلّها حتّى السلاطين الأصليّون."

"أطبق فمك لبعض الوقت، لقد أخبرتك ألّا تقاطعني."

انزعجت النيّة من كلام باسل واستمرّت: "همف، سنرى ما قلته يحدث بعدما تُلتهم من المصفوفة التي تحاول فكّها، وعندئذ سأمتصّ روحك الهائمة."

ابتسم باسل وردّ بهدوء كالعادة: "لا تقلق، بعدما أدخل إلى هناك، سأجعلك تعلم مع من كنت تعبث."

"فافافا، حاول إن استطعت، لقد مرّت عصور ولم يستطع النجاح أحد في فكّ هذه الشفرة. لقد أتى هنا العديد من الأشخاص، لكنّ مصيرهم كان واحدا، ألا وهو الموت. كان هناك متطفّلون من العوالم الروحيّة لكنّهم صُرِعوا صرعا، وكان هناك شجعان اغتصبتهم اغتصابا، وكان هناك متهوّرون ما أدركوا ضيق آفاقهم إلّا بعد فوات الأوان."

ردّ باسل هذه المرّة بعدما دارت النجوم حول حدقتيْ عينيه بسرعة كبيرة متزامنة مع الكرات الكونيّة فوق رأسه التي بدت تحمل ألغاز العوالم غير المحدودة: "لا تقلق، فأنا لست بهذا ولا ذاك."

"فافافافهمت، ماذا تكون إذن؟ انتظر، دعني أحزر... آه، إنّك حشرة لا تميّز بين الخطأ والصواب، أو الحياة والموت. فافافا!"

ردّ باسل: "لا تكن متسرّعا، وإلّا ندمت على ذلك بعدما تعجز عن فعل شيء ضدّي وتتمنّى لو لم تثرني كما تفعل الآن. ستتمنّى لو لم تكن متسرّعا هكذا ومضى وقت أطول أمكنك الاستمتاع فيه بسلطتك المزيّفة."


"بل أنا الذي سيريك طغيان لا يتحمّله سلطان، فاستعدّ لذلك جيّدا يا أيّها الشقيّ المقرف."

تجاهله باسل وأكمل تدبّره وتأمّله، فاستطاع أن يكشف عن أسرار بعض أنماط المصفوفة وبلغ المرحلة التي بلغها إدريس الحكيم فيما سبق بسرعة، لكنّه كلّ شيء صار صعبا للغاية بعد ذلك، واستغرق وقتا طويلا، فمرّت أيّام وأيّام ولم يسعه فكّ نمط آخر حتّى بالحكمة السياديّة التي لم يستطِع الاستمرار في استخدامها أكثر.

"هل بدأت ترهق يا شقيّ؟ وأنا الذي ظننتك ستكون أهلا للاختبار على الأقلّ لوقت أطول. ولكن بما أنّك بدأت الآن فلا يمكنك التراجع، وبعد وقت وجيز ستغلّفك المصفوفة وتصير عبدا تُحكَم روحه للأبد وتُسخَّر من أجلي."

قال باسل: "أوَ لم يفلت معلّمي من قبضة المصفوفة؟"

"همف، ذلك الوغد أبقى الرابط بينه وبين المصفوفة متوازنا إذ لم يتشكّل بينهما رابط، لذا استطاع النجاة، ولكن إذا لم يكن حكيما كفاية وتجرّأ على البقاء هنا ومعارضتي، لكان في عداد الموتى في ذلك الوقت بالفعل."

ابتسم باسل وقال: "والحال مختلف معي لأنّني دخلت الاختبار وإذا لم أفكّ المصفوفة فسأكون مجرّد وجبة لها، تقول؟"

"حتّى حشرة مثلك يمكنها الآن أن ترى ما هو قادم، طوبى لك."

سخرت النيّة من باسل، لكنّ هذا الأخير حافظ على ابتسامته الخافتة وتصرّفه غير المبالي، فجعل النيّة تراقب بصمت بما أنّ الشقيّ أمامها يبدو يملك شيئا في جعبته يجعله واثقا هكذا.

فعلا، كانت النيّة مغرورة للغاية ولكنّها كانت حذرة بشكل كبير.

انغمس باسل في عالم متشكّل من النقوش الروحيّة والحروف الرونيّة غير النهائيّة وبدأ يربط بعضها بعضا كما لو أنّه يحاول تكوين جمل مفيدة منها، لكنّ كلّما كوّن جملة بدت مفيدة في الوهلة الأولى، وجد معناها مبهما ولم يستطع ربطها بباقي الجمل أو الحروف الغامضة.

وكلّما مرّ الوقت وجد روحه تضيع في العالم الغامض، وابتعد عقله عن عالمه الحقيقيّ، فأحسّ بروحه تُمتصّ ببطء شديد وغير ملاحظ، ولو الحكمة السياديّة لما لاحظ الفرق أصلا وكان مصير مثل مصير الذين أسروا في العالم المبهم.


مرّ باسل بخبرة مماثلة نوعا ما. كان ذلك عندما تسلّق الشجرة العظيمة حياة، لذا استطاع استجماع رباطة جأشه على الأقلّ بما أنّ المستوى بين هذا العالم وتلك الشجرة مختلف كثيرا.

مرّت أسابيع وبالكاد حافظ على وعيه الخاصّ، لكنّ جسده وروحه كانا يخضعان لإرادة المصفوفة شيئا فشيئا.

لم تنبس النيّة ببنت شفة طوال الوقت منذ آخر مرّة، وانتظرت بفارغ الصبر أن يستكين باسل، لكنّ توقّعاتها خابت.

"ما الذي يحدث مع هذا الشقيّ؟ عندما أرتئي اضمحلال روحه أجدها تشعّ مرّة أخرى كما لو أنّه يجد الطريق في عالم الضياع بوسيلة ما."

كانت النيّة تفكّر في نفس الشيء مرارا وتكرارا إذ فعل باسل هذا الأمر مرّات عديدة، لكنّها لم تستطع أن تفسّر كيف له أن يعود من جديد بعدما يكاد يخضع للمصفوفة، كما لو أنّه يجد يفكّ اللغز بعدما يسلّم روحه للمصفوفة ليحرّرها ثانية وهكذا.

وجب أن يكون الاختبار قد انتهى منذ زمن طويل وصارت روح باسل مجرّد وجبة خفيفة للمصفوفة، لكنّ كان حقّا يلتهم العالم المبهم بفكّ ألغازه وغموضه.

كانت الجمل تتشكّل بوتيرة أسرع فأسرع بكثير حتّى صارت نصوصا عتيقة متشكّلة من النقوش الروحيّة والحروف الرونيّة، وبالرغم من أنّ معناها كان يزداد تعقيدا إلّا أنّ باسل بدا يعلم ما يفعل بعدما يقرَؤُها.

بدأت الأفكار السلبيّة تستحوذ على النيّة: "ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط يا ترى؟ ألا يجب أن يمرّ الأمر كالعادة؟"

تساءلت النيّة: "لقد مرّت عصور ولم ينجح أحد في هذا الاختبار من قبل، حتّى أنّني ظننت أنّ سبب وجودي هنا بهذه المصفوفة ما هو إلّا لامتصاص أرواح السلاطين والشجعان والمتهوّرين. ولكن، هل حقّا هناك شخص منتظر من العالم الواهن يمكنه حلّ هذا المصفوفة؟"

تعجّبت النيّة: "كيف يمكن لغرّ كهذا أن يكون هذا المنتظر أصلا؟ لو كان الفاعل سلطانا أصليّا ما لتقبّلت الأمر بشكل أسرع، لكن فتى كهذا؟ فقط ما الذي يحدث؟ هل حقّا سبب وجودي هنا هو مراقبة هذا المكان الذي حرسته لعصور طويلة يُلتَهم من فتى كهذا؟"

ارتعبت النيّة: "لا، لا أريد هذا، كيف لي أنا، أن أصبح لعبة في يد شقيّ كهذا؟"


هرعت النيّة: "يجب ان أضع حدّا لهذا قبل فوات الأوان."

عزمت النيّة: "يجب أن أنهي أمره، لا أعلم ما إذا كان هذا هو سبب وجودي أم لا، لكن لا يمكنني السماح لعالمي الذي حرسته لعصور أن يختفي من راحة يدي هكذا. كلّ شيء إلّا ذاك. لا أهتمّ بالسبب الذي وجدت من أجله، ولا أعلم ما إذا كان هذا العالم ملك لأحد آخر ذات مرّة، لكنّه عالمي الآن ولن أترك أحدا يسلبه منّي. يجب أن أحمي نفسي وعالمي."

تحرّك أحد التماثيل فجأة، فكان لعذراء ارتدت فستانا كشف عن بطنها على شكل معيّن، وحملت بيدها اليسرى قوسا بلغ طوله نفسه طولها، لكنّه كان بدون وتر. كان مركز ذلك القوس المندمج مع يدها على شكل زهرة الأقحوان.

كان هذا التمثال يقع في أوّل صفّ اليمين، وهو نفس التمثال الذي تحرّك فيما سبق لمهاجمة إدريس الحكيم.

وجّهت العذراء قوسها تجاه باسل الجالس هناك، ووضعت يدها اليمنى بموازاة القوس كما لو أنّها تحاول سحب وتره غير الموجود بدون سهم.

توهّجت حافّتا القوس في نفس الوقت معا، وارتبطتا بخيط رفيع من الضوء، فوضعت العذراء يدها على خيط الضوء الرفيع وسحبت للوراء، فتشكّل سهم بين القوس وزهرة الأقحوان.

كان السهم مكوّنا من الطاقة الروحيّة الخالصة، لكنّه كان كافيا لقتل أيّ ساحر ولو كان بالمستوى الرابع عشر أو حتّى مرحلة الصاعد.

ما أن توجّه نحو باسل حتّى تكلّمت النيّة أخيرا: "لا يسعني أن أتركك تسلب منّي الشيء الوحيد الذي أملك في كلّ العوالم."

بدا باسل منغمسا تماما في تدبّره، ولم تتوقّع النيّة أنّه سيردّ عليها حتّى فما بالك بمحاولة المقاومة، لكنّ شفتيه تحرّكتا فسبّبت الصدمة للنيّة: "هل تعلم ماذا تفعل؟ إنّك تنتهك القاعدة الوحيدة التي اتّبعتها لعصور. وهل تعلم ماذا يعني هذا؟ إنّك تنكر سبب وجودك."

أجابت النيّة بغضب: "اصمت يا أيّها الشقيّ اللعين. سبب وجودي؟ ماذا يمكن لنغل مثلك أن يعلم عنه حتّى؟ لقد عاصرت أجيالا لا تُحصى لكنّي عشتها كلّها هاهنا. هذا قد غدا عالمي، وحتّى لو قدم مالكه الأصليّ فلن أسلّمه له، بأيّ ثمن."

"يبدو أنّ السارق الخسّيس قد حسب جميع الاحتمالات حقّا بما أنّك تتصرّف هكذا، لكن كلّ هذا يجب أن يكون متوقّعا من شخص مثله. اسمعني يا أبله، أنصحك ألّا تفعل ما تنوي فعله وإلّا كانت صدمتك مضاعفة فقط. وبالطبع، سأحرص على ردّ الدين ضعفين إن لم تطعني."


"أطيعك؟ تبّا لك ولمن جعلك تعتقد أنّه يمكنك أمري هكذا. لست بمتراجع!"

ابتسم باسل بشكل مفاجئ: "لربّما ردّة الفعل هذه من تخطيط السارق الخسيس، لكنّني على الأقلّ يمكنني الإقرار بعزيمتك يا أبله. أنت بالذات أحد القلائل الذين استطاعوا الاستقلال عن السارق الخسيس، وقد يمكنك البحث في المستقبل عن سبب لعيشك، عن سبب يجعلك فخورا بالوجود."

رفعت النيّة صوتها: "فقط ما الذي تتحدّث عنه يا شقيّ، مذ قدمت إلى هنا وأنت تتصرّف وكأنّك تعرف عنّي ما أعلمه."

تنهّد باسل: "وا أسفاه! لقد فقدت كلّ ذكرى يمكنك أن تعلم بها عن هويّتك الحقيقيّة، وعن سيّدك الأنانيّ، وعنّي."

"قل جملا مفيدة وإلّا مت بسرعة!"

فتح باسل عينيه فجأة ثمّ وقف ونظر إلى العذراء التي تسحب وتر الضوء مستعدّة لإطلاق ذلك السهم في أيّ لحظة، فقال وعينيه شاخصتين: "هيّا، هلمّ إليّ."

بدت العذراء مجرّد تمثال بلا إرادة، إلّا أنّه كان مفعما بطاقة الحياة لدرجة يمكن أن يخدع الشخص بكونه على قيد الحياة، لكنّ تلك التعبيرات الخالية من العواطف المرسومة على ذلك الوجه المثاليّ لاحت مخيفة.

مضت بعض الثواني المريرة على النيّة، لكنّها كانت قد سبق وعزمت، وبقي لها أن ترمي بكلّ الشكوك التي ولّدتها كلمات باسل الأخيرة في عقلها، وما ان فعلت ذلك حتّى صرخت: "مت يا أيّها الشقيّ، وكن تضحيّة من أجل ارتقاء عالمي، حتّى يحين الوقت الذي يمكنني فيه مغادرته."

انهت النيّة من كلامها، ومرّ عليها الزمن بشكل بطيء للغاية، وبدت أصابع العذراء بالكاد تتحرّك، لكنّها توقّفت فجأة كما لو أنّ الزمن هذه المرّة توقّف.

فعلا، تمنّت النيّة أنّ ما حدث كان مجرّد توقّف للزمن، لكن الصدمة التي أخبرها بها باسل قد حدثت، وها هي العذراء ذي تتوقّف عن إطلاق السهم.

صاحت النيّة بصوت مرعوب: "كـ-كيف يمكن حدوث هذا؟ مستحيل، لا يمكن، هذا لا يجب ان يحدث أبدا. هذا عالمي، وهذه مصفوفتي، وهؤلاء عبيدي، وأنا سيّدهم. أنا المتحكّم في كلّ هنا، فكيف لا يتحرّك عبيدي كما أشاء؟"


حاولت النيّة تحريك تمثال آخر لكن لم تكن هناك استجابة مهما حاولت.

وكما لو أنّ نظراتها مركّزة على باسل، صرخت النيّة: "ما الذي فعلته يا أيّها الوغد الشقيّ؟"

كان باسل يقف عند الخطّ الذي يفصله عن الطريق بين صفّيْ التماثيل في هذه الأثناء، وبعدما شاهدته النيّة يحرّك قدمه نحو الأمام أخيرا صرخت بصوت مستميت: "لا تفعل، لا تتقدّم أكثر، توقّف عندك، لا تجرؤ على فعلها."

ولكن مهما صرخت النيّة، ومهما تمنّت، بلغت قدم باسل الجهة الأخرى من الخط، فبدا كما لو أنّ عالم النيّة قد تحطّم لأشلاء وصاحت بينما تتعذّب من الواقع المرّ. لقد غزا شقيّ كهذا عالمها دون إرادتها فلم يسعها سوى أن تكرّر سبّها وشتمها: "يا أيّها النغل الوغد، السافل بن العاهرة، عد أدراجك حالا يا أيّها القمامة، لا تجرُؤَنّ على غزو عالمي."

تبعت القدم الثانية القدم الأولى، فكان باسل في الطريق الذي بدا كطريق ملكيّ لا يحقّ إلّا لسلطان ذو طغيان بتجاوزه.

"لماذا؟ لمَ يجب أن يحدث شيء كهذا هكذا؟"

"يا أيّها الصناديد، ستكون هذه الخطوة الأولى نحو القمّة، نحو السيادة العظمى. بصفتي حامل أعبائكم في مساري الروحيّ، أعدكم أن أحرّركم من لعنتكم الأبديّة. لأقطعنّ لسان من يلقّبكم بالعبيد مرّة أخرى، ولأخلدنّ أسماءكم كالأبطال الذين قاوموا وقاتلوا من أجل العوالم."

مدّ باسل ذراعيه لجانبيه وأكمل بعزم: "أعدكم ألّا أستعبدكم، وأعدكم ألّا أؤذي أوطانكم وأحفادكم، وأقسم ثانية أن أحررّكم. ولهذا، أريدكم أن تكوني في جانبي نحو القمّة، أن تقاتلوا مرّة أخرى من أجل العوالم التي نستكم، من أجل ماضيكم ومستقبل أحفادكم."

نظر باسل إلى نهاية الطريق كما لو أنّه يحدّق إلى تلك النيّة، فقال: "اشهد يا أيّها الطاغية، اشهد كيف سأسرق السارق الخسيس، شاهد كيف ستكون خطوتي الأولى في قلب الموازين وتدمير كلّ الخطط التي حبكها طيلة العصور الماضية."

"لقد أخبرني معلّمي أنّني اختِرت للحفاظ على التوازن، لكنّني أعلم أنّ تلك مجرّد أحد وجهات النظر لوصف قدري. لربّما أراد السابع أن أتبع مساره وأجعل من النقمة نعمة وأعيش على ذلك المنوال، لكنّني لا أستطيع فعل ذلك. إنّني لا أهتمّ بالتوازن المزيّف الذي سعى السابع وسابقيه للحفاظ عليه. لو كان يعني السلام إخفاء الحقيقة وخداع العوالم حتّى يحين وقت سيادة السارق الخسيس، فسأجعل العوالم تشهد عصر أهوال لا سابق له لو عنى ذلك التخلّص من السارق الخسيس للأبد."

"اسمعني يا أيّها الأبله، سأردّد الآن على مسامعك المفتاح الذي سيجعل هذا العالم الذي تخاله عالمك تحت سيطرتي."

أشعّت جبهة باسل وانطلق منها ضوء تجاه نهاية الطريق أمامه.

[ما العالم الواهن إلّا جزء لا يتجزّأ من سيادة الفلّاح الفاطن. من حاول حلّ اللغز والهروب من النكران ضاع في بحر السلوّان، كلٌّ ارتهن في هوان وامتهان، حتّى يحين أوان كشف البهتان وجلب الأمان والاطمئنان، ببرهان السلطان ذو الطغيان.]

ما أن انتهى باسل من كلامه، حتّى تحرّكت التماثيل المائة في وقت واحد، وكلّها اتّخذت نفس الوضعيّة، إذ كان كلّ واحد منها يجلس على ركبة واحدة ورؤوسهم حانية كما لو كانوا في حضرة ملكهم.

صدى صوت ما أن اتّخذوا كلّهم تلك الوضعيّة التي خلّفت مشهدا لا مثيل له.

[التحيّة للسلطان!]

صرخت النيّة: "فقط ما الذي يحدث؟ اللعنة! اللعنة!"

***

"أيّ سلطان يا أيّها العبيد؟ ما الذي فعلته يا أيّها الشقيّ؟ أنا الوحيد الذي يمكنه التحكّم في هؤلاء المحاربين، أنا السلطان لا أنت، كيف لهم أن يرضخوا لك هكذا؟"

حدّق باسل إلى نهاية الممرّ ثمّ قال: "فعلا، ما أنا بسلطان، ولكن ذلك ينطبق عليك أيضا. ما أنت إلّا أداة استخدمها السارق الخسيس من أجل ضمان عودته بسلام، لكن حتّى هو لم يتخيّل وجود شخص يمكنه التضحيّة بوجوده من أجل أحد آخر. شخص مثل السارق الخسيس لن يستطيع التفكير في وجود شخص مثل معلّمي."

"ما الذي تقصده يا شقيّ؟"

تمشّى باسل بالممرّ متّجها نحو نهايته والصناديد حانيِين رؤوسهم له، فبدا كسلطان يستطيع أمر العالم بأجمعه وقلبه رأسا على عقب فقط بكلمة منه.

"لا تتسرّع، ها أنا ذا قادم لا محالة، وستعلم عمّا أتحدّث، ستعلم عن سبب وجودك هنا، وكيف حدث كلّ شيء، كيف حَبَك السارق الخسيس خطّته طوال هذه العصور، وكيف بدأتُ أدمّرها بالفعل."

"ابتعد، انصرف، لا تقترب أكثر. يا أيّها اللعين النغل، أيّ شعوذة شرّيرة طبّقت؟ من المستحيل على أيّ شخص في العوالم كلّها الولوج إلى هذا العالم، وإلّا كان السلاطين قد فعلوها قبل عصور عندما لم تكن هذه المصفوفة بهذه القوّة."

"صحيح أنّ هذه المصفوفة تغدو أقوى بمرور الوقت، ولن ينجح حتّى سلطان أصليّ في الدخول إليها، لكنّني لا أستخدم القوّة هنا ولا الشعوذة الشرّيرة بالتأكيد."

صرخت النيّة أكثر، كما لو أنّ كلّ خطوة يقترب فيها باسل منها تجعلها تهلع: "إذن ما الذي فعلته يا أيّها اللعين؟"

تحرّك باسل ببطء كما لو أنّه يغيظ النيّة، إلّا أنّه كان يقدّر هذه اللحظات التي تُعدّ أوّل خطوة له في محاربة السارق الخسّيس. أجاب بهدوء: "لقد أجبتك عن ذلك مسبقا."

"أجبتني؟ ما الذي..." توقّفت النيّة عن الكلام كما لو صُدِمت وبدت كأنّها تسترجع الأحداث أثناء سكوتها، فنطقت أخيرا بصوت متقطّع مكذِّبة لما تحاول أن تقول: "هل... لا تقل لي... هل حقّا لديك المفتاح؟"

"يقينًا، أجل لديّ المفتاح، فلولا ذلك ما كنت لأستطيع الدخول إلى هنا."

قطع باسل نصف الطريق، وكما لو أنّه يرى نهاية الممرّ المخفيّة، تابع سيره بنفس الوتيرة بينما ينظر إلى كلّ تمثال على حدة. كانت عيناه شاخصتيْن تجاه هؤلاء المحاربين، إذ قدّرهم بشكل كبير؛ احترمهم ولم يسعه سوى أن يتطلّع إليهم عندما تذكّر بعض المشاهد من الذكريات التي لم تكن بذكرياته.

"من أين لك...؟"

لم تستطع النيّة تصديق باسل. لقد شكّت في وجود مفتاح بهذا العالم كباقي العوالم الثانويّة، لكنّها كانت متفاجئة بما أنّ الذي امتلكه هو شقيّ كهذا.

تجاهلها باسل وتقدّم بينما يسترجع بعض الأحداث المنسيّة في التاريخ ولكن راسخة في عقله، إذ استطاع أن يطلّ عليها في عقل السارق الخسّيس لفترة من الزمن عندما كان في البيضة المشعّة. آنذاك، اكتشف العديد من الأمور إلى جانب ما تعلّمه من الحكمة السياديّة التي مرّر عبرها إدريس الحكيم كلّ خبراته في مساره الروحيّ.

في تلك الأحداث، رأى جزرا عائمة في الجوّ تندثر وتصبح غبارا، وبحارا تتبخّر لتصير صحارى أموات، وجبالا عديدة حقيقتها هي جثث لا تُحصى، الملايير والملايير منها، بعضها متراكم فوق بعض. انهدمت قارّات وبرزت قارّات، وعمّت الفوضى في العوالم بأسرها.

تذكّر تلك اللحظات عندما أحاط عدد لا نهائيّ من المحاربين بقيادة مائة بطل من مختلف الشعوب والأعراق بشخص واحد فقط.

عندما استطاع هذا الشخص لوحده أن يبيد معظمهم ويستعبد خيّرتهم الذين تبقّوا منهم.

عندما حكم العوالم بأسرها بطغيان ولم يجرؤ على معارضته أحد غير خيّرة الشجعان.

كانت تلك مشاهد أسطوريّة وحملت معها مشاعر مختلطة، فتلك فعلا كانت ذكريات السارق الخسّيس، ولم يسع باسل سوى أن يسرح بخياله لوقت طويل بينما يفكّر في طبيعته، في طبيعة الذي بلغ ما لم يبلغه بشر من قبله.

تنهّد وتمتم: "لربّما حقّقتَ أشياء عظيمة، لكنّك تهت واخترت الطريق الخطأ، وبسببك يوجد بعض الأشخاص يريدون اتّباع نفس الطريق الذي سلكته معتقدين أنّهم يمكنهم الوصول إلى مكان أبعد من الذي وصلت له وتحقيق السيادة العظمى بذلك."

تقدّم بينما يتمتم لنفسه من شدّة العزم: "لقد عزمت وحسمت أمري مرارا وتكرارا، لكنّني لم أكن من قبل أكثر إصرارا. فإذا لم يسبق للعوالم الأربعة عشر أن شهدت ما يقبع وراء تلك القمّة، فأنا سأكون المثال، أنا سأمهّد الطريق لمن بعدي، وعندئذ لن يكون هناك ضياع أو توْه عندما أرسم وأخطّط المسار نحو الأصل بيدي."

لم تجرؤ النيّة على تخريب هذا الجوّ الرفيع، وفقط راقبت باسل يقترب من نهاية الممرّ. لربّما كانت مندهشة، أم غاضبة لدرجة السكوت، أو فقط احترمت المشهد أمامها.

كان المارّ عبر هذا الطريق يستطيع الجزم بوجود نهاية له، ولكن كما لو كان تحت تأثير وهم ما، لم يكن يقدر على تحديدها. كما لو أنّ نهاية الممرّ هي نهاية العالم إذ لا يوجد شيء، فقط العدم.

ولكن، إذا اتّخذ الشخص الخطوات المناسبة في الوقت المناسب، واتّبع مسارا محدّدا، وامتلك المفتاح، فعندئذ يمكنه أن يرى منزلا يشعّ نورا.

كان المنزل بسيط الشكل إذ لم يختلف عن باقي المنازل، لكنّ مظهره بدا راقيا كما لو أنّه صُنِع من الذهب والجواهر. ومضت حوافّه المتألّقة بأحجار روحيّة من يعلم ما كانت قيمتها، وتمتّع بحيطان بدت كجذوع شجر بعضها متراصّ فوق بعض، إلّا أنّها كانت تبرق كألماس متكهرب.

اقترب باسل أكثر، فقطع ثمانين في المئة من الطريق، وبدأ يتّضح شكل المنزل له أكثر فأكثر، إذ كان أقرب للكوخ وصْفا.

توهّج الكوخ في نهاية الممرّ، لكن لم يسع المرء رؤية شيء خلفه، ففي اللحظة التي يدخل فيها أيّ احد إلى الطريق الذي تصنعه، يكون قد دخل إلى عالم آخر بالفعل. وفي هذا العالم، لم يكن هناك شيء غير هذا الطريق وذلك الكوخ.

في هاته اللحظات، بدا الكوخ البارق كقصر ينتظر وصول سلطانه عبر الطريق أمامه.

شعر باسل بالضغط عندما قطع تسعين في المئة من الطريق، وحتّى بالمفتاح الذي يقبع في أعماق روحه وعقله، واجه وقتا عصيبا في التقدّم. فعلا، كان هذا ضغطا يمكنه سحق السلاطين حتّى إذا لم يملكوا رخصة الدخول.

قال باسل بينما تغمره مشاعر الحماس والفضول الشديديْن: "إذن هذا هو ما رأيته آنذاك، هذا هو الحصن الذي هوجم من أعداء لا تُحصى لكنّه صمد أمام مختلف الهجمات من أضعفها إلى أعظمها دمارا. "

كان الكوخ يملك بابا ونافذتين وكلاهما كانا مغلقيْن، ولكن حتّى هذا الباب والنافذتين بدوَا غير قابلين للكسر مثلما كان كلّ حرف من الكوخ.

قطع باسل الطريق كلّه أخيرا فوجد نفسه أمام الكوخ، وبالضبط أمام دَرجِه، والذي تكوّن من أربعة عشر درجة.

وضع باسل قدمه على الدرجة الأولى بينما ينظر إلى الأعلى، وأحسّ كما لو أنّه يقطع مسارا روحيّا من صنع شخص آخر.

صعد دون وجود أيّ مشكلة غير اشتداد الضغط عليه، لكنّه امتلك المفتاح لذا استطاع الصعود بروية.

وفقط عندما وصل إلى الدرجة الرابعة عشر لاحظ هيبة الكوخ الحقيقيّة أخيرا. شعر أنّ أيّ شيء يقترب من هذا الكوخ ولو حبّة غبار تُرسل إلى العدم مباشرة.

وقف أمام عتبة الباب الذي لم يملك مقبضا ولا قفلا، حاله حال النافذتين، فكان من الواضح أنّ وسيلة فتح هذا الباب ليست مادّيّة، وإنّما روحيّة.

حدّق باسل إلى الباب بتركيز شديد كما لو أنّه يحاول اكتشاف غموض ما، فانطلق ضوء مشعّ من جبهته والتصق بالباب، ليتحرّك في أنماط مختلفة حتّى كوّن في النهاية شكلا بدا ككتابة عريقة.

استنشق باسل وزفر ببطء ثمّ صرّح بعدئذ برزانة: [أنا السلطان.]

توهّجت الكتابة على الباب مستجيبة لكلامه فسقط الباب للخلف بدل أن يُفتح كأيّ باب عادي.

كان الكوخ فارغا من الداخل، أو بالأحرى كان هناك ظلام دامس غير محدود كما لو أن الشخص لا ينظر إلى ما بداخل الكوخ، بل إلى كون فسيح.

تحرّك باسل ووقف على الباب، وبالتحديد على الكتابة التي قرأها كـ'أنا السلطان'، فعام الباب في الهواء فجأة وحلق به وسط الكون الفسيح الذي يخلو من الحياة.

لم يستطع باسل تحديد المدّة الزمنيّة التي مرّت بالضبط، فبين الحين والآخر، شعر أنّها إما طويلة أو قصيرة. بدا الأمر كما لو أنّه ليس هناك نهاية لسفر الباب، ولكن فجأة كما لو أنّ الظلام أنير برمته، أو أنّ الفضاء نفسه تغيّر، أو أنّ الباب اخترق الزمكان وظهر بمكان آخر، رأى باسل مائة جزيرة اختلفت أجواؤها تطفو في السماء، محاطةً بجريان بدا كالمياه لكنّه كان أقرب لطاقة أحجار أصل روحية مركّزة تجمع الجزر المئة وتوحّدها مكوّنةً مجالا لا يسع أيّ مخلوق الاقتراب منه.

امتدّت السماء كسماء أي عالم، واتّسعت الأرض أسفلها بسهولها الشاسعة وجبالها الجبّارة وأنهارها التي لا يسبر غورها.

في هذا العالم، لم يكن هناك الطاقة السحريّة فقط، بل حتّى الطاقة الروحيّة التي تمركزت في بعض المواقع، منها كهوف بدت قد شهدت عصورا لا تحصى، ووديانا أطلقت رياحا عاتيّة بدت كصرخات معانية.

ففي أيّ عالم روحيّ، لم تكن الطاقة الروحيّة في أيّ مكان، بل تمركزت فقط في بعض المناطق العتيقة والمناطق المحظورة باختلاف كمّيّاتها وجوداتها.

بحث باسل في الأرجاء لأيّام لكنّه لم يجد أيّ مخلوق عاقل أو حيوان أو وحش. فعاد إلى نقطة البداية وحدّق إلى الجزر المائة العائمة، والتي تشابهت في أشكالها لكنّها اختلفت في مناخها وطاقاتها، فكان هناك جزر جليديّة وثلجيّة وبركانيّة وخضراويّة، كانت هناك جزر صُبّت شلّالاتها من حوافّها، وأخرى مُغلَقة بأشجار عظيمة التقت قممها في السماء لتجعل الجزر تبدو كالقبب. لكن لم تكن هذه الجزر بالذات ما أثار اهتمامه، بل الشيء الذي وقع في مركز الدائرة التي كوّنتها الجزر.

هناك، قبع شيء اتصل بجريان الطاقة الروحية المركَّزة عبر كلّ جزيرة. حلّق باسل تجاه مركز دائرة الجزر، تجاه ذلك الشيء الذي ألقى بعض الصواعق وحطم الفضاء محاولا القضاء على الشاب الذي يستهدفه، لكن كلّ صاعقة التفّت عائدة من حيث أتت، وكلّ شرخ في الفضاء سُخِّر من أجل الشاب ليعبر بأمان.

بدا الأمر كما لو أنّ هذا العالم نفسه يساعد باسل ويتحرّك طبقا لأمره. استمرت المحاولات من الشيء الذي في المركز، كما تكرّرت خيبات أمله عندما فشل، حتّى وجد الشابّ أمامه، واقفا هناك بابتسامة متعالية.

سمع بعدئذ ما لم يأمل سماعه: "ها نحن ذا نلتقي مباشرة يا أبله."

كان النور يغطّي ذلك الشيء بسبب الطاقة الهائلة التي تربطه بالجزر المئة، لكن باسل كان يعلم أنّ صاحب تلك النيّة كان هذا الشيء أمامه.

صدر صوت من ناحية ذلك الشيء: "تشه، لُعِنت بلقائك يا بغيض."

كان هذا هو لقاء باسل بأحد أكثر الكيانات غموضا وتعقيدا في العوالم الرئيسيّة.

***

ابتسم باسل كردّة فعل على ما قال الشيء أمامه، ثمّ قال ساخرا: "ما الذي تفعله بإلقائك لكلّ هذه الأضواء حولك؟ أتحاول أن تبدو رائعا وغامضا؟ هوهوهو، هيّا أظهر هيئتك ولا تكن خجولا."

انزعج ذلك الشيءّ: "أنت...! أنا لا أحاول التصرّف بغموض، إنّني فقط مبارك ومقدّس حتّى أن نوري يمكنه إنارة العوالم والعقول على حدّ سواء، وإن لم ينجح هذا الأمر معك فما أنت إلّا مجرّد حشرة حقّا، حشرة مُقدَّر لها أن تظلّ في الظلمة جاهلةً للأبد. هل سمعتني يا ابن العاهرة؟ هيّا، بجّلني، لربّما عندئذ أرحمك حتّى لو كنتُ أكره الحشرات."

اتّسعت ابتسامة باسل أكثر وبدا مستمتعا بطريقة حديث ذلك الشيء معه، فقد علم تماما ما الذي جعله يصبح متكبّرا لهذه الدرجة، وبدون شكّ، لم يكن تكبّره من فراغ.

"هكذا إذن، لربّما عليّ أن أستخدم بعضا من العنف هنا."

عندما سمع الشيء ما قال باسل، تفاجأ واتّضح ذلك في نبرته: "ا-انـ-انتظر، هيّا، لا تكن متسرّعا، يمكنك التنعّم بهيبتي ومحاولة إيجاد إلهام يساعدك في مسارك الروحيّ، فكما تعلم، أنا عظيم كفاية لأجعلك فقط بحضوري ترى خبايا وأسرار القوانين العالميّة."

تجاهله باسل واقترب أكثر ورفع يده، وبدا كما لو أنّه سيبدأ عقابه.

لاحظ الشيء ذلك فهرع في كلامه ثانية بعدما بدا كما لو أنّه بصق: "تشه، حقّا الحشرات لا تعرف قيمة ما حولها، فحتّى لو حضرتُ أمامها لا تعرف كيف تبجّلني وتحمد ربّها على الفرصة التي واتتها. اسمع يا أيّها العاهر..."

اقترب باسل محافظا على تلك الابتسامة التي بدأت تبدو شيطانيّة ويدِه المرفوعة التي تبدو كسيف سوف يطبّق حكمه القاسي، فتوقّف الشيء عن الكلام بسرعة وغيّر نبرته في الكلام بلمح البصر: "حسنا، حسنا."

همس لنفسه بالرغم من أنّ باسل سمعه، أو ربّما تعمّد إسماعه ذلك: "اللعنة، سأحرص على جعل حياتك جحيما بشتّى الطرق."


انتهى من كلامه بتنهّد، وسحب الضوء الذي بعثه حتّى ظهر شكله الحقيقيّ أخيرا.

قال باسل بعدما وضع يده على ذقنه: "رؤية الشيء الحقيقيّ لأمر مختلف. هذا هو السلاح الذي استخدمه السارق الخسّيس كسلاحه الروحيّ إذن، السلاح الذي استطاع اختراق الزمكان وقتل الأعداء بتمام الطغيان. هذا هو 'الرمح الطاغيّة'."

"فافافا!" ضحك الرمح العجيب بالرغم من عدم امتلاكه لفم، وقال بفخر: "يبدو أنّه حتّى حشرة مثلك يمكنها ملاحظة عظمتي، هيّا، فلتبجّـ--"

أومأ باسل رأسه ثمّ قال بوجه خال من المشاعر، مقاطعا كلام الرمح العجيب: "نعم، إنك بسيط. لا شيء فريد."

كان حقيقة ذلك الشيء هي رمح بلغ طوله حوالي الثلاث أمتار، وامتلك مقبضا على شكل ضفيرتين بعضهما ملتفّ على بعض، لكنّهما لم يكونا من الشعر بالطبع، ولكن بدتا كما لو أنّهما مشكّلتان من العظام.

كان رأس الرمح فضّيّا لكنّ ذلك الخطّ المتوهّج في داخله نبض كقلب حيّ، وأضفى عليه حياة ملتهبة.

كانت المنطقة التي تربط الرأس بالمقبض على شكل دائرة لكنّها كانت فارغة، فبدت ناقصة وتحتاج إلى شيء يكملها.

كان هذا الرمح هو صاحب تلك النيّة المكلّفة بالإشراف على هذا العالم الواهن.

"أنا، أنا الرمح الطاغيّة الذي أرعب العوالم غير المحدودة بسيط؟ لستُ فريدا؟" فقد الرمح صوابه وبدأ يلعن ويسبّ بدون توقّف: "يا أيّها العاهر المغفّل الكريه، يا أيّها المقرف القذر، يا أيّها النغل اللقيط، أتريدني أن أخصيك وأذلّك أمام كلّ ساقطة تعرفها؟ يا ابن الفاسدة، لست سوى كتلة لحم متعفّنة وتتجرّأ على التقليل من شأني، من جلالي وعظمتي؟"

هزّ باسل رأسه يمينا وشمالا فقط بينما ينصت لكلام الرمح الفاحش؛ من كان ليظنّ أنّ هناك رمحا يتكلّم، وفوق ذلك لديه عادة سيّئة في الكلام هكذا. فقط ما الذي مرّ به حتّى صار يملك فما كهذا؟ بالرغم من أنّه لا يملك فما أصلا.

أكمل الرمح غاضبا: "اجلب لي التنانين الساميّة وستراها تذعن لي، بجّل العنقاوات الرامدة وستراني أشويها من أجل غذائي، ادخلني إلى الأراضي المباركة وستجدني بحضوري أغطّي هالتها، شاهدني في الأراضي المحرّمة وستعلم عن هيبتي عندما أخضع مخلوقاتها الشريرة."


"أنا الرمح الطاغيّة، أقوى وأعظم سلاح ظهر في العوالم التي لا تُحصى، أنا الذي شُكِّلت عظامه من عظام التنانين، أنا الذي استحمّ في رماد العنقاوات وتغذّى على قلوبها، أنا الذي يتسيّد الأراضي المباركة ويستعبد الأراضي المحرّمة."

لم يغيّر باسل نظراته وظلّ يحدّق إليه كأيّ سلاح عادي، فاستشاط الرمح غضبا أكثر، مزلزلا بذلك الجزر المائة وما تجلّى من العالم المجهول: "يا لعين، حتّى الحشرة ستراها هامدةً منقادةً بحلول الآن، فما بالك تقف هناك ونظرات خيبة الأمل تعلو وجهك؟ لمَ أشعر أنّك تنظر إليّ كما لو أنّني جزرة متعفّنة يا أيّها الوغد؟ توقّف عن فعل ذلك."

كانت نظرات خيبة الأمل على وجه باسل تسوء بمرور الوقت، حتّى تنهّد في النهاية وقال: "لربّما لم يكن عليّ توقّع الكثير."

انفجر الدخّان من الرمح فجأة كما لو أنّ رأسه سخن أكثر ممّا يلزم، وكاد يجنّ حتّى أنّ كلماته صارت لا تكوّن جملا، ومع مرور الوقت اختفى حسّ الكلمات بعشوائيّة الحروف، وصارت مجرّد أصوات صراخ لا تتحمّل الأذن سماعها.

انفجر الدخّان مرارا وتكرارا والرمح على ذلك الحال، بينما ينظر إليه باسل بنفس النظرات كما لو كان يحاول استفزازه، وكلّما رأى الرمح تلك النظرات زاد غضبه شدّةً فقط، حتّى جعل المنطقة المحيطة مغمورة بدخّان أسود بدا كغيمة مظلمة ممتلئة بصواعق تتكهرب كما لو كانت تعبّر عن مشاعر الرمح المشحونة.

لقد أراد فعلا أن يشوي هذا الشابّ الذي لا يعرف حدوده، لكن لم يكن هناك ما بوسعه فعله. كلّ شيء فعله لم يلقَ نجاحا لسبب ما ضدّ هذا الشقيّ الغريب. كانت هذه هي المرّة الأولى التي ينزعج فيها لهذه الدرجة.

لربّما فقد ذكرياته عن الشخص الذي حمله، أو حتّى عن الأحداث المهمّة التي تربطه بذلك الشخص، لكنّ عزّته بنفسه كانت قائمة طوال تلك العصور، ومشاعره أخبرته مرارا وتكرارا بالسموّ الذي بلغه في وقت ما.

ومع ذلك، ها هو ذا يجد نفسه بعد عصور من الوحدة القاسية والسلطة المتفرّدة مجرّد سلاح عادي لا حول ولا قوّة له أمام فتى كهذا؛ فقط كم كان ذلك محبطا ومخزيا له؟

اختفى الدخّان لكنّ ابتسامة باسل لم تتبدّد، فاستسلم الرمح وبدا كما لو أنّه تنهّد وقال: "فقط من أنت يا أيّها الشقيّ؟"

ضحك باسل: "هوهوهو،" وأكمل مستمتعا: "لقد أخبرتك ألّا تزعجني أكثر من مرّة، لكنّك استمررت في فعلك ذاك ولم تتراجع، لذا يمكنك القول عنّا متعادليْن الآن نظرا لحالتك، هوهوهو."

"أيّها...!" كاد الرمح يسبّه فتوقّف كما لو عاد إلى رشده قبل أن يفقد صوابه: "لقد طرحت سؤالا يا فتى، هيّا أجبني بسرعة."


ضحك باسل وقال: "هوه، ألن تهدّدني هذه المرّة أو تسبّني؟ ظننت أنّ ذا الطغيان يغتصب حتّى الشجعان، ولا يرضخ لأيٍّ كان، فما هذا الذي أراه؟ أو ماذا؟ هل يمكن أنّ ذلك المتعالي قد صار في خبر كان؟"

ردّ الرمح بصوت مرتفع: "إنّك خبيث يا أيّها الشقيّ، أحقّا أزعجك تصرّفي لهذه الدرجة؟ وأنا الذي ظننتك ذو صدر رحب وواسع، فما بالي أراك ضيّق الأفق هكذا؟"

استمتع باسل بكلام الرمح كالعادة وقال: "ألن تتركني أردّ لك ما أدينك إيّاه حتّى؟"

انزعج الرمح وردّ: "همف، ألست حانقا فقط لأنّك خسرت أمامي في الكلام يا أيّها الشقيّ؟"

ضحك باسل ثانية: "لربّما معك حقّ، فهل هناك مشكل؟ أنا فقط لا أحبّ الخسارة أو التعرض للضرب من دون الرد، فهذا ليس من شيمي."

"فافافا،" يا لها من مصادفة يا أيّها الوغد: "فأنا أحبّ تدمير أمثالك حبّا جمّا. لربّما لك اليد العليا الآن، لكن حتّى أنت لا يمكنك فعل شيء لي. انتظر فقط حتّى تطاوعني الفرصة، وعندئذ ستراني أخزيك بشتّى الطرق."

"هوهوهو، لا يمكنني فعل شيء لك؟" ابتسم باسل وقال: "أتساءل بشأن هذا يا ترى."

كان الرمح واثقا فلم تتزعزع ثقته بكلام باسل: "فافافا، جرّب حظّك، هيّا استخدم روحك الوضيعة وحاول إجباري على طاعتك. أنا الرمح الطاغيّة، هل تظنّني مثل باقي الأسلحة؟ اجلب سلطانا أصليّا حتّى وسيجد نفسه في جحيم لا يطاق."

أومأ باسل رأسه متّفقا: "لا شكّ في ذلك، وبالطبع لستُ بسلطان أصليّ أو حتّى بساحر روحيّ."

"همف، إذن ما بال ثقتك تلك؟ من أين تنبع حتّى تبلغ هذه الدرجة من الغرور في حضرتي أنا سيّد الغرور؟"

ابتسم باسل وأشار إلى الرمح بسبّابته، ثمّ قال بروية: "أوَ لم تقلها بنفسك عند لقائنا؟ أنّك لُعِنت بلقائي. لست بسلطان ولكن لعين، وخضوعك لي حقّ ويقين."


لم يعلم الرمح ما يتحدّث باسل عنه، لكنّه سخر منه ولم يصدّقه، فقال بتعالٍ: "هيّا، هلمّ إليّ وحاول، قد أمدحك على الأقلّ لو استطعت فقط أن تلمسني دون أن تصبح غبارا."

قال باسل: "ها أنت واثق من ذلك؟ لقد رأيت مقاومتك ومعارضتك لي سابقا لا تجدي نفعا، بل حتّى أنّه يمكنني التحكّم في هجماتك، هل حقّا تظنّني غير قادرٍ على السيطرة عليك؟"

لم يجبه الرمح فاقترب باسل من الرمح ومدّ يده اليسرى ليضعها عليه، فإذا بالفضاء ينشقّ حولهما فجأة، لكنّه أغلق تماما بسرعة فائقة.

"مـ-ما الذي يحدث؟ كيف يمكن هذا؟ لربّما لديك مفتاح هذا العالم لكن لا يمكن أن تملك سلطة عليّ أيضا."

قال باسل بجدّيّة: "أخبرتك مرارا وتكرارا، ولكن انتظر، ألم تكن ستمدحني إن استطعت لمسك على الأقلّ؟"

تفاجأ الرمح وحاول الهروب من يد باسل، لكنّ تلك اليد كانت كقيد يربطه دون مجال للهرب، فقال مضطرّا: "حسنا، حسنا، فهمت، أنا الرمح الطاغيّة أمنحك مدحي، هيّا، أفلتني الآن."

أخرج باسل جزرة وعضّها بينما يحدّق إلى الرمح: "انتظر، لا تكن متسّرعا، هذه عادتك السيّئة. إنّك تحتاج أن تملك صبرا كافيا."

صرخ الرمح: "أيّ صبر! أفلتني وإلّا همدت جثّتك الليلة في قبر!"

أحكم باسل شدّه على الرمح الذي يحاول الإفلات منه، ثمّ قال بعدما عضّ جزرته: "انتظر، فعلا قد لمستك ومدحتني، ولكنّني لم أكن أنوي التوقّف عند لمسك فقط. لقد أخبرتك، ستخضع لي. والآن، لو كان لمسك يجعلك تمدحني، ما الذي سيجعلك خضوعك لي تفعله يا ترى؟ إنّني شخص مليء بالفضول الذي لا يهدأ إلّا إذا علمت الأمر واختبرته، ولا يسعني سوى الاشتعال حماسا بالتفكير في ما ستفعله من أجلي عندما تخضع لي."

"يا ابن العاهرة، أفلتني وإلّا اغتصبت عائلتك، إنّك لا تعلم كم ثقبا صنعت واخترقت، ولا أعلم أيضا ما الذي قد يحدث للمقرّبين منك إذا حدث وفقدت رشدي."


"هوه، عدت لعادتك السيّئة في الكلام بهذه السرعة، حسنا، لنبدأ بتعلّم الطريقة المناسبة في التحدّث معي أوّلا."

صاح الرمح: "أيّ طريقة مناسبة يا أيّها القذر! أبعد عنّي مؤخّرتك العفنة وإلّا أضفت لها ثقوبا أخرى! هل تريدني أن أفعلها؟ إنّ الشجعان أنفسهم رضخوا لي عندما عذبتهم هكذا."

توهّجت جبهة باسل فانطلق قانون عالميّ منه والتصق بقلب الرمح في مركز رأسه، فأحسّ الرمح بصعق فجأة وصرخ كما لو كان يتألّم: "توقّف يا لعين، فقط ما الذي تفعله؟ كيف تفعل هذا؟ تبّا، فقط لمَ يجب أن يحدث شيء كهذا لعظيم مثلي؟ أنا، أنا الرمح الطاغيّة! أنا السلاح الذي قهـ-... جيــااه!"

صرخ الرمح من الألم كما لو أنّ جوهر روحه يتعذّب، فابتسم باسل بلطف لكنّ الرمح ظهرت له كابتسامة شيطانيّة، قبل أن يسمع الشقيّ يقول: "لقد أخبرتك، إنّني لعين، ولكن سواء نعمة كانت أم نقمة، فلأجعلّنها تعود بالفائدة عليّ في النهاية."

صرخ الرمح: "لعين؟ أتمزح معي يا أيّها الوغد؟ أيّ لعنة يسعها منحك السلطة عليّ؟ لو كان هناك شيء كهذا فسيكون نعمة."

"لا، إنّها لعنة، لعنة أحلّها عليّ السارق الخسيس من أجل عودته المنتظرة، لكنّني لن أترك تضحيّة معلّمي تذهب هباء منثورا؛ فكما فعل ما بوسعه ليجعل هذه اللعنة مقموعة، يجب أن أسعى إلى التحكّم فيها. لو كان السارق الخسيس يريد سرقتي، فسأريه كيف تتمّ سرقة السارق."

دوى صوت الرمح في الأنحاء: "اللعنة عليك يا أيّها اللعين!"

***

كانت صرخات الرمح تبدو كصرخات شخص يُجبر على الغطس في بركة حمم مرارا وتكرارا، ولم يسعه سوى أن يسبّ ويلعن تحت رحمة باسل.

"يا أيّها اللعين، هل تظنّ أنّ هذا سيمرّ مرور الكرام؟ دعني أنعش ذاكرتك المتعفّنة أنّني ما أزال وسأظلّ الرمح الطاغيّة، سواء تحت سيطرتك أم لا، وذات يوم، أقول وأكرّر، في يوم ما، ستنقلب الموازين وتجدني أتملّكك وأستخدمك كما أبتغي."

ابتسم باسل وقال: "قد تكون عازما، ولكن بما أنّني فعلا أنوي استخدامك، فإنّك لا تعلم كم أنا حاسم أمري. قد تكون السيطرة عليك لها منافع، لكن معظمها مساوئ بالنسبة لي وسيبقى الحال كذلك لمدّة طويلة. أخذك تحت رعايتي يعني احتضاني لتلك اللعنة، لكن فيما أعهد، تظلّ هذه الطريقة الوحيدة للتغلّب على السارق الخسّيس للأبد. فها أنا ذا يا أبله، مستعدٌّ ما حييت، فحاول إن استطعت."

صاح الرمح باستماتة: "إنّك حقّا تعلم ما تفعل، ولكنّك مصرّ على فعلها! هل جُنِنت يا أيّها الشقيّ الكريه؟!"

"إنّني في رشدي. لقد حاول العديد من الشجعان والملاعين لكن لا أحد منهم نجح في النهاية. أتعلم لمَ؟ ذلك لأنّهم خافوا وهابوا السارق الخسّيس فتمكّن منهم في النهاية بسبب ذلك. لقد كانت قلوبهم ضعيفة ضدّه لكنّهم أخفوا وتناسوا ذلك، فانحرفت مساراتهم الروحيّة في نهاية المطاف. أنا لن أهاب مخلوقا، ولو عنى ذلك مواجهة العوالم بأسرها. وبالتأكيد، لن أخشى السارق الخسّيس، ولو عنى ذلك المخاطرة بكلّ ما أملك."

ردّ الرمح: "لِمَ تفعل كلّ هذا؟ أليس من الأفضل لك العيش في هناء ولو عنى ذلك عدم رؤية السماء؟"

حدّق باسل إليه دون أن يقول شيئا لمدّة طويلة كما لو أنّه يتفكّر فيما قال الرمح، ففعلا هناك من عاش كذلك، منهم من اعتاد أن يكون شجاعا، أو لعينا، أو حتّى جبانا أصلا، ولكنّه صرّ على أسنانه وضاقت عيناه من شدّة العزم. مرّ بالعديد من الذكريات في تلك اللحظات القصيرة، ثمّ ضغط على مقبض الرمح بشكل أقوى، وقال: "لن يمنعني أحد من التجوّل في أرض الخالق الواسعة. لو حاول أحدهم إيقافي، فسأريه حدوده حتّى يعلم أنّه لا حدّ لآفاقي."

صمت الرمح كما لو كان متفاجئا من عزيمة الشابّ أمامه، فقال بعدما جعلته الآلام يستفيق: "هل حقّا ستخاطر بذلك الهناء فقط من أجل رؤية السماء؟"

تنهّد باسل وقال: "إنّك لا تفهم، أليس كذلك؟ بالنسبة لي، ليس هناك هناء بلا سماء."

صات الرمح: "إنّك مجنون! ستعلم عندما يحين الوقت حقيقة كلامي، وتدرك الواقع القاسي. لربّما ليس لديّ ذكريات عن الشخص الذي تتحدّث عنه، لكنّني على الأقلّ أعلم أنّه الشخص الذي حملني واستخدمني، أنا الرمح الطاغيّة."


ابتسم باسل وردّ بعدما توهّجت عيناه بالنجوم فيها وطافت الكرات الكونيّة فوق رأسه: "ماذا يسعني أقول؟ حياة الرجل مغامرة، وسكونه موت."

"لا تعبث معي يا أيّها الوسخ! هيّا أزل يدك عنّي حالا. إنّك ستندم، ستندم على اليوم الذي وضعت فيه قذارتك عليّ."

ضحك باسل وقال ساخرا: "هوهوهو، إن حدث ذلك فأعتمد عليك لتواسيني."

دارت الكرات الكونيّة فوق رأس باسل، فشعر الرمح بضغط أكبر، وبروحه تتقيّد بأحكام وقوانين عالميّة لم يستطِع كسرها مهما قاوم، كما لو أنّ هذه القيود خُلِقت فقط لتثبّطه.

"كيف تفعل هذا؟ اللعنة، اللعنة عليك."

لم يستطع أن يتقبّل الأمر قطّ. لقد كان هذا غير منطقيّ البتّة.

"كيف دخلت إلى هذا العالم وتحكّمت بما فيه كما لو أنّه ملكك؟ كيف تمتلك مثل هذه السلطة عليّ؟ كيف؟"

نظر باسل إلى الرمح وتنهد متأسّفا على حاله، وقال: "أتعلم ما كانت الغاية من بقائك هنا لعصور؟"

"كيف لي أن أعلم عن ذلك؟ أليس لإيجاد الأجدر بالدخول إلى هنا؟ وما دخل هذا بسؤالي أصلا؟ فقط أجبني عن السؤال اللعين يا ابن العاهرة."

قال باسل بروية: "كن صبورا، هيّا، كن صبورا، هذه عادتك السيّئة."

"أخبرني أن أكون صبورا مرّة أخرى وسـ..."


قاطعه باسل: "إنّك لم تكن هنا لعصور لإيجاد الأجدر بالدخول."

"ما...ذا؟" صُدِم الرمح من كلام باسل فصرخ: "لا تهرأ في منطقك يا لعين أكثر ممّا فعلت! هل تخبرني أنّ الذكرى الوحيد التي لديّ خاطئة ومزيّفة؟"

هزّ باسل رأسه وقال: "ذكراك صحيحة، والأمر الوحيد الذي تلقّيته لا ريب فيه. فعلا، أُجبِرت على البقاء هنا لعصور بسبب الأمر الذي أخبرك بفعل ذلك. أمِرت أن تسمح فقط للأجدر من العالم الواهن بالولوج إلى هذا العالم. نعم، هذه ذكراك ولا شكّ في صحّتها."

صاح الرمح: "ما الذي تحاول قوله؟!"

أجاب باسل: "صحّة هذا الأمر لا تعني أنّ النيّة خلفه كانت تهدف للنتيجة التي اعتقدتَ أنّه سيحقّقها. لقد أُمِرت بهذا لكنّ السارق الخسّيس لم يكن ليسمح لأحد بالدخول أصلا. إنّما أمرت بهذا لتوهم المغامرين أنّ هناك كنزا مدهشا في انتظارهم، كنز يمكنهم المخاطرة بحيواتهم من أجله حتّى كما جعلك تتوهّم."

أكمل باسل للرمح المستمع: "بينما في الواقع، كلّ واحد منهم يدخل الاختبار يصبح مجرّد وجبة شهيّة للمصفوفة."

"لقد أزيلت ذاكرتك عدا هذه الذكرى، لتحرس هذا المكان وتنمّيه لعصور قادمة دون أن تكشف عن أيّة أسرار. لقد كانت مهمّتك منذ البداية حراسة هذا المكان وانتظار شخص محدّد وليس انتظار أحدهم لينجح في الدخول."

تنهّد باسل وقال: "دعني أسألك، هل فكّرت ذات يوم في ما سيحدث بعدما يدخل هذا الناجح؟ إنّي واثق أنّك لم تفعل. هذا أيضا بسبب ما زرعه فيك السارق الخسّيس."

التزم الرمح الصمت وتصنّت، موضّحا صحّة كلام باسل.

"لم يرد السارق الخسّيس من سلاحه الروحيّ أن يقع في اليد الخاطئة، أو حتّى أن يخونه بعد مرور عصور. ففعلا، إنّك سلاح فريد من نوعك ولا مثيل لك؛ إنّك سلاح اكتسب نيّةً ثمّ إرادةً ثمّ روحًا. لم يكن هناك ضمان أنّك لن تخونه أو تُجبَر على اتّباع أحد آخر بعدما تشهد عصرا بعد الآخر."

استمرّ باسل: "لقد حوصِرت هنا لعصور فقط لأنّ السارق الخسّيس لا يثق في أحد، وذلك يشمل سلاحه الروحيّ. لقد عزلك عن العوالم في هذا الحصن واستخدم أقوى مصفوفة ملكها يوما حتّى من أجل تحقيق ذلك. إنّك ثمين لهذه الدرجة بالنسبة له، ولكن كأداة فقط لا غير. أسمعتني يا أبله؟"

ظلّ الرمح صامتا حتّى بعدما انتهى باسل لفترة طويلة قبل أن ينطق أخيرا: "افتراضا، فقط لنفترض أنّك تقول الحقيقة، ألا يجب أن يكون هذا الشخص هو الذي يضع يده عليّ لا أنت؟"


ابتسم باسل وقال: "معك حقّ. لولا معلّمي، لكان السارق الخسّيس يقف هنا أمامك بالفعل."

"ماذا تقصد؟" كان الرمح مستغربا.

ردّ باسل بروية: "قبل آلاف السنين، عندما كان السارق الخسّيس يختبئ في هذا العالم معك لكنّك لم تكن تدري، وبعد طول انتظار، نجح أحد سكّان هذا العالم في الوصول إلى هنا وتجاوز اختبار السارق الخسّيس، اختبار حلّل فيه ددمم الرجل وجسده وروحه، وارتآه مؤهّلا لما ينشده."

"...كانت تلك هي اللحظة التي انتظرها هنا لعصور من أجل تحقيق جزء من هدفه، ألا وهو امتلاك جسد. ولكن لم يكن الاستحواذ على جسد حيّ بتلك البساطة، فبشتّى الوسائل وخبرات حياته التي جمعها استطاع أخيرا النجاح في ابتكار طريقة للاستحواذ على جسد وروح بدون تدميرهما أو تدمير نفسه، لكن حتّى هذه الطريقة احتاجت لوقت طويل حتّى تنجح."

"...وضع لعنته على الرجل الذي نجح في الوصول إلى هنا، وعدّل على دمه وجسده وروحه فنمّا بذلك قدراته الجسديّة والروحيّة، ومنحه ثلاثة مخطوطات أخبره أن يحرص عليها جيّدا ويبقيها متوارثة في عائلته دوما."

"...مرّت السنين، فلاحظ الرجل أنّ أبنائه يولدون بجسد وروح قويّيْن، وكلّهم يملكون عنصر النار. علم الرجل أنّ هذا بسبب اللعنة التي اعتقدها حينئذ نعمة، لكنّه لم يعلم أنّ كلّ هذا كان من أجل صنع الجسد المثاليّ الذي سيستحوذ عليه السارق الخسّيس."

"...كان اسم الرجل كريمزون، وعشيرته لُقِّبت بعشيرة النار القرمزيّة، وأنا الذي أمامك هنا هو سليل تلك العشيرة الأخير، أنا ذلك الجسد المثاليّ."

"...هوهوهو، ولكن حتّى عندما حصلتُ على المخطوطات وتسلّل اللّص إلى بحر روحي، واعتقد أنّها مسألة وقت حتّى يسلبني ما هو ملكي، صادف حدثا، صادف شخصا لم يتوقّع أن يوجد. لقد واجه معلّمي، أبي الروحيّ، واجه رجلا استطاع أن يضحّي بوجوده ذاته من أجل شخص آخر."

"...أخبرتك سابقا، وغد مثل السارق الخسّيس، وغد لا يثق حتّى بسلاحه الروحيّ لم يكن ليتوقّع وجود أحدهم مثل معلّمي، وحتّى مخطّطاته اللعينة لم يكن لها حيلة. هل فهمت الآن يا أبله؟"

صمت الرمح كما لو أنّه صُعِق. لقد كان يعلم تماما أنّ باسل لا يكذب، لكن لم يستطع تصديق ما قال. كانت حالته مزريّة.

عاش لعصور هنا ولم يكن يدري أنّ الشخص الذي امتلكه كان قريبا منه في الحقيقة؟ ما هي حقيقة هذا الشخص أو ما تبقّى منه أصلا؟ هل هي روحه أم نيّته أم إرادته؟


تعجّب كيف لا يتذكّر شيئا عن هذا الشخص أو حتّى عن الواقعة التي حدثت قبل آلاف السنين طبقا لقصّة الشقيّ أمامه.

تحسّر على حاله وتأمّل في ذكرياته الخاصّة، ووجد كلّ يوم يشبه الذي سبقه، وما اختلف بينهما كان الطقس فقط. وجد أنّه لم يملك ذكريات سوى ذكرى واحدة؛ ذكراه كسلاح يحرس هذا المكان لعصور من أجل شخص لا يثق به حتّى.

أحسّ بفراغ شديد وعدم قيمة لكينونته. اختفت الآلام التي كان يقاسيها بسبب معارضته إخضاع باسل، وأحسّ بألم من شكل آخر في قلب روحه، ألم لم يشعر به من قبل، بالرغم من أنّه قاسى وحدة شنيعة.

تساءل في النهاية بصوت متردّد: "لـِ-لمَ أوجد أصلا؟ مـ-ما الغاية من ذلك؟ لربّما لو بقيت مجرّد سلاح بلا روح، لكان الأمر أسهل بكثير. ما كنت لأتعذّب هكذا عندئذ."

تنهّد باسل بعدما لاحظ أنّ سيطرته على الرمح صارت سلسة، وقال بعد ذلك: "سبب وجودك؟ عش وسيتبيّن لك ذلك ذات يوم. ولكن في اللحظة التي تتوقّف فيها عن العيش، ستكون اللحظة التي تفقد فيها كلّ شيء، ستفقد ما تملكه وما كنت لتملكه."

لم يردّ الرمح على غير عادته، فأكمل باسل: "أو يمكنك مصاحبتي في قلب الموازين على السارق الخسّيس. يمكنك أن تدمّر معي خططه وتجعله يعاني كما فعل لي ولك. أو تخضع لي ببساطة حتّى أنتهي من عملي، فأفكّر عندئذ في إطلاق سراحك ببساطة للأبد."

لم يتكلّم الرمح، ولكن لم يضف باسل شيئا، لأنّه علم أنّ الرمح يفكّر في كلامه لا يتجاهله، فانتظر ردّة فعله.

"فافافافافافهمت." ضحك الرمح بصوت مرتفع فجأة بعدما التزم الصمت لمدّة طويلة وقال: "فهمت يا أيّها اللعين."

تعجّب باسل من التغيّر المفاجئ في مزاج الرمح: "ماذا هناك؟ ما الذي فهمته؟"

قال الرمح بصوت متعالٍ: "أتحسب نفسك رفيعا هكذا؟ تعاملني كعاهرة في حاجة ماسّة للمواساة، وتعتقد أنّني سأفتح لك قلبي لتلبّي رغباتك. في أحلامك يا نذل. أنا، الرمح الطاغيّة، لن أفعل هذا ولا ذاك. سأغتصبك وأتملّكك وأغتصب ابن العاهرة الذي حبسني هنا لعصور. سأفعل ما شئت وأعيش كما أريد. لا تظنّ للحظة واحدة أنّني أحتاج لمساعدتك يا أيّها القذر."

ضحك باسل وضرب على جبهته براحة يده، وقال: "هوهوهو، يبدو أنّك عدت لطبيعتك بسرعة يا أبله."


"فافافا، احذر كيف تتكلّم واختر كلماتك بعناية. فطبقا لذلك، قد أجعل اغتصابك عنيفا أو خفيفا."

"هوهوهو، لكن يبدو أنّك تقبّلت خضوعك لي على الأقلّ."

"فافافا، ما هذا إلّا جزء من مخطّطي العظيم. انتظر حتّى يحين الوقت المناسب وستراني أضيف ثقوبا أخرى لمؤخّرتك."

"هوهوهو، تبدو واثقا من ذلك، ولكن ألست تخشى الإقرار بسيادتي عليك فقط؟"

"همف، كيف لحشرة أن تعي مخطّطات عظيم مثلي؟"

"حسنا، حسنا، لندع الأمر على هذا الحال."

اختفت الكرات الكونيّة وعادت عينا باسل لحالتهما الطبيعيّة، كما تبدّد الضوء الذي ربط جبهته بقلب رأس الرمح، فكان الخضوع منتهيا بذلك.

***

"يجب أن تشعر بالفخر لمدى حياتك لأنّني أسمح لك بحملي الآن يا أيّها العفن. وبمناسبة ذلك، مني لك ثلاث شروط عندما تحتاج لمساعدتي يجب أن تستوفيها. أوّلها هو أن تحني رأسك لي وتقول أرجوك ساعدني يا أيّها السيّد العظيم. ثانيها هو أن..."

جرّه باسل فجأة متجاهلا ما يقول، فصرخ الرمح: "استمع لما أقول يا أيّها الجاحد الوغد. أما زلت تعاملني هكذا بالرغم من أنّك تعلم ما قيمتي؟"

حلّق باسل نحو أحد الكهوف التي تمركزت في أحد الجبال، وكان هذا الكهف مليئا بالطاقة الروحيّة حتّى أنّ باسل شعر ببحر روحه يُعصر ويستجيب لذلك عندما حاول امتصاص بعض منها كونه في مرحلة الصاعد.

"هل فهمت الآن يا غبيّ؟ عليك أن تستوفي هذه الشروط الثلاث قبل أن تجرؤ على طلب مساعدتي." وبهذا كان الرمح قد أنهى كلامه الذي لم يستمع باسل له أصلا.

حدّق باسل إلى الكهف العجيب أمامه وحلّله ليكتشف مصدر طاقته، فعلم في النهاية أنّها قادمة من شبكة ضخمة تحت الأرض كأوردة مصدرها مكان واحد.

انطلق مرّة أخرى نحو كهف آخر بعدما أرشِد إليه من الأوردة، ومن ثمّ إلى بحيرة، وبعد ذلك إلى شجرة، ثمّ إلى مستنقعات بعضها كان برائحة كريهة وقاذورات طبيعيّة عفِنة لا يتحمّلها الأنف ولا القلب، إذ كانت تغلي كفوهة بركان كما لو أنّها قِدر يُطبخ فيه عجب العجائب على يد أسوء طبّاخ في العالم.

أمضى وقتا طويلا يتنقّل من موقع إلى آخر محاولا إيجاد المصدر النهائيّ. مرّت أيّام بالفعل لكنّه لم ينجح في ذلك، فاتّخذ أحد الأشجار الغنيّة بالطاقة الروحيّة وبدأ يتدبّر تحت ظلّها.

لقد كان يحتاج أن يروّض في البداية على الطاقة الروحيّة، ويأخذ ما يلزم منها حتّى يبدأ في تكوين روحه الكاملة، ولكن نظرا إلى أنّ بحر روحه مروّض فعلا بما مرّ به، كان يصقله حتّى يكوِّن أساسا جيّدا.

طرأت فكرة في باله بينما هو على ذلك الحال، فنظر إلى الرمح بيده وقال: "انتظر، معي مخلوق عاش لعصور هنا، ويمكنه فهم هذا العالم أفضل منّي حتّى الآن. كيف لي أنسى أنّ هناك عظيما بجانبي يمكنني الاعتماد عليه؟ ما رأيك؟ ألن يكون إيجاد ذلك المصدر سهلا لو استخدمنا حدسك وحسّك الروحيّ المتعلّق بهذا العالم؟"

نظر إلى الرمح لكنّ هذا الأخير لم يستجب له، فتكلّم باسل: "هوه، تتجاهلني؟ هل حقّا تظنّ أنّه يمكنك فعل هذا؟"

تجاهله الرمح ثانية فوقف باسل ونظر إلى مكان معيّن، ثمّ أعاد نظره إلى الرمح وقال: "هذا آخر تحذير لك، هل ستجيبني أم تكمل تجاهلك لي؟"

لم يشهد ردّا من الرمح، فابتسم: "هو التجاهل إذن. لا بأس، لكلّ داء دواء."


بدأ يتّجه نحو المكان الذي نظر إليه سابقا، بينما يحمل نفس الابتسامة التي جعلت الرمح أكثر من مرّة يهلع. وبالطبع، كان الرمح قد لاحظها لكنّه أصرّ على اتّخاذ موقفه ذاك ولم يشأ أن يتراجع عنه.

"عندما مررتُ بها سابقا، كدت أتقيّا من رائحتها الفظيعة. فبالرغم من أنّها غنيّة بالطاقة الروحيّة النقيّة أكثر من المناطق الأخرى، إلّا أنّ تلك القاذورات الطبيعيّة لا تتحمّلها النفس. أتساءل ما الذي سيحدث لعظام التنانين وقلوب العنقاوات لو رميت هناك؟"

لاحظ باسل أنّ الرمح قد تململ للحظة وحاول إخفاء ذلك، فاستمرّ بينما يهمهم: "هل ستحافظ على هيبتها يا ترى؟ أم أنّ هالتها ورائحتها ستغدو مقزّزة أيضا؟ فضولي يجلب لي الحكّة."

حكّ ذراعه التي تحمل الرمح وقال بينما ينظر إليه بوضوح: "آه، أريد أن أعرف. حقّا أريد أن أعرف."

تزعزع الرمح قليلا وكلّما اقترب باسل من المكان الذي كان يتكلّم عنه، كانت تصرّفات الرمح تصير أوضح بما أنّ صبره كان ينفذ.

تصنّع باسل وجها متفاجئا وضرب على جبهته ثمّ نظر إلى الرمح بعدما رفعه إلى الأعلى: "أوه، أوَ ليس هناك ما أريد في يدي بالضبط؟ لطالما تساءلت عن سموّ التنانين والعنقاوات، فلِمَ لا نختبر ذلك بهذا؟ هوهو، سيكون الأمر ممتعا كثيرا."

صخِب الرمح فجأة: "تـ-توقّف يا لعين! إلى أين تتّجه؟ ما الذي تنوي فعله؟"

تعجّب باسل وتظاهر بالفرح: "أوه، لقد استيقظت؟ ظننت أنّك في سبات يا هذا. لا قلق، لقد طرأت على بالي فكرة عبقرّية لا أظنّ أنّ هناك من فكّر فيها من قبل. كما تعلم، يقال أنّ التنانين لها عظام أقسى من صلب العالم، وقلوب العنقاوات لها جمال ملتهب لا ينطفئ، فأردت فقط أن أكتشف مدى صحّة ذلك."

هرع الرمح في كلامه: "انتظر، فقط انتظر. إنّك لا تحتاج لفعل ذلك حقّا؛ يمكنني أن أؤكّد لك صحّة ذلك بنفسي."

"أمم... غير كافٍ." حكّ باسل ذراعه ثمّ قال: "انظر كيف يقشعّر جسدي من شدّة حماسي لاختبار الأمر."

تكلّم الرمح مجيبا بسرعة: "كفّ عن هذا يا أيّها القذر. أتفعل هذا فقط لأنّني تجاهلتك قليلا؟"

همهم باسل لحنًا وتحرّك في خطوات متباعدة بينما يستدير كما لو أنّه يرقص على الإيقاع الذي يصنعه، غير مكترث لما يقول الرمح.

"يا أيّها الوسخ، توقّف الآن. هل حقّا تريد أن تغطسني بجلالي في ذلك المستنقع؟"

لو كان للرمح وجها، فبكلّ تأكيد كان سيكون شاحبا ومشمئزّا من المستنقع الذي اختلط لونه الأخضر بلونه البنفسجيّ وتفرقع سائله في عدة نواحٍ بينما يفرز رائحة تعمي العينين وتخنق الأنف، فقط من شدّة فظاعتها.

حمى باسل نفسه من كلّ هذه الأضرار بدرع سحريّ حول جسده، لكنّه في نفس الوقت أوقف وسائل الرمح الدفاعيّة وثبّطه بحيث لا يقدر على مقاومة تلك الروائح الفظيعة.

عبس باسل ووضع يده على فكّه بينما يفكّر بجدّيّة: "أمم... يبدو أنّ فضلات المخلوقات مختلطة لا يمكن أن تصل لهذه الفظاعة."

صرخ الرمح: "يا أيّها الوضيع، إنّك لن تجرؤ. إنّك تعلم أنّه لا يحقّ لأحد أن يعاملني هكذا. تعلم أنّني سامٍ ولا أستحقّ معاملة كهذه."

وصل باسل إلى حافّة المستنقع وحرّك يده التي تحمل الرمح تجاه السطح.

"أنت، توقّف، توقّف، ستندم على هذا. فعلا سأجعلك تدفع ثمـ..."

توقّف الرمح عن الكلام، ولكن ليس لأنّ باسل توقّف، بل لأنّه رأى تلك الابتسامة التي صار يكرهها بشدّة، فصرخ: "حسنا، حسنا، سأخبرك يا أيّها العاهر، تبّا لك. سأخبرك، لذا توقّف."

بدا كما لو أنّه يستغيث باسل لينقذ حياته، ولحسن حظّه توقّف باسل وتراجع عمّا كان يفعله. حكّ أذنه وقال ضاحكا: "هوهوهو، يبدو أنّني سمعت شيئا مرضيا للتوّ جعل فضولي يختفي بسرعة. هل يمكن أنّك تسحر الناس بالكلمات يا أبله؟ هوهو، هذا مبهر. إنّك فعلا فريد ولا نظير لك."

بدا الرمح كما لو أنّه تنفّس الصعداء في تلك الأثناء، فاستجمع شتاته وقال: "تشه، لحسن حظّك أنّك توقّفت، كنتَ لـ..."

لم يكمل كلامه حتّى كان باسل يحرّك يده معيدا إيّاها تجاه سطح المستنقع، فصرخ الرمح: "فهمت، حسنا يا أيّها اللعين، دعني أوضح موقفي أوّلا."

تنهّد باسل وقال: "هيّا، كن سريعا."

انزعج الرمح مرّة أخرى دون أن يشعر: "ما بال نبرتك في الكلام، هل تتأمّر عليّ الآن؟ ما الذي تعتقـ..."

توقّف عن الكلام بسرعة بعدما لاحظ باسل يقرّبه من سطح المستنقع وغيّر نبرة تحدّثه: "انتظر، كن صبورا، كن صبورا."


قال باسل بنظرة ملولة: "ألا تتعلّم الدرس؟ كرّرها مرّة أخرى ولن أتوقّف مهما فعلت."

"اخرس يا أيّها اللعين!" صرخ الرمح فلاحظ عندئذ باسل يرمقه بتلك النظرات وتلك الابتسامة، لكنّه لم يتراجع هذه المرّة واستمرّ: "لقد كنتَ البادئ أصلا. لم أكن لأتجاهلك لولا تصرّفك الحقير تجاهي. إنّني سيّد عظيم كان يلقي كلماته المنيرة على عقلك الضئيل، لكنّك تجاهلت كلامي كلّه، وليس فقط مرّة أو مرّتين، بل لأيّام يا أيّها الجاحد الوغد. هل تعلم كم هذا مخزٍ؟ هذا مذلّ لدرجة الموت!"

"آه، هذا؟" بدا باسل يتذكّر شيئا ما قبل أن يقول: "كلّ ما سمعت هو مدحك لنفسك، فكيف لي أن أنصت لشيء كذاك؟"

"هاه؟" تفاجأ الرمح فقال: "وماذا عن الشروط التي أخبرتك عنها؟"

"أيّ شروط؟" استغرب باسل.

"انسَ الأمر!" التزم الرمح الصمت بعد ذلك.

انتظره باسل حتّى يتكلّم، لكنّه لم يفعل، فوجّهه نحو سطح المستنقع من جديد.

صرخ الرمح فجأة: "اللعنة، هل كلّما أردتني أن أتحدّث توجّهني نحو هذه القذارة؟ كن متفهّما يا وضيع."

عبس باسل: "تكلّم."

"لا أعلم."

سمع باسل الرمحَ يقولها، فعبس وقرّبه من سطح المستنقع ثانية، فصرخ الرمح: "إنّني حقّا لا أعلم يا أيّها الوغد. إنّك تعلم أنّ شخصا بعظمتي لا يحتاج للكذب على أمثالك. هيّا، أبعدني عن هنا."

وقف باسل ونظر إلى الرمح متفاجئا: "ماذا؟ هل حقّا لا تعلم؟"

"هذا ما قلته لك أكثر من مرّة. هل أصبت بالصمم؟"


سأل باسل بنفس تعبيره المستغرب: "كيف ذلك؟ أو لست تملك تحكّما شبه كلّي على هذا العالم الواهن؟"

"صدقت في ذلك." أجاب الرمح بافتخار: "عظمتي تسمح لي بفعل ما أشاء في هذا العالم الثانويّ، فروحي جزء من روح مالكه الأصليّ، ولكن حتّى أنا لا أستطيع إيجاد مصدر طاقته. لقد بحثت في ذلك لتمضيّة الوقت من قبل، وأمضيت وقتا طويلا للغاية محاولا، لكن مللت ولم أشأ أن أجده بعد الآن."

نظر إليه باسل باستخفاف: "هل حقّا يجب أن تتكلّم بهذه الطريقة المتعالية دوما؟ أليس لم تستطع إيجاده واستسلمت فقط؟"

"همف،" استنكر الرمح ما قال باسل: "ليس وكأنّ حشرة مثلك ستفهم عظمتي على أيّ حال. لا فائدة، لا فائدة."

تنهّد باسل وقال: "صدقت في قولك يا أبله؛ لا فائدة منك ترجى."

"هاه؟" صرخ الرمح: "أيقول هذا الشخص الذي لم يستطع أن يفهم شيئا بالرغم من أنّه يدّعي السيطرة على مالك هذا العالم؟"

ردّ باسل: "لستُ أسيطر عليه، وإنّما أقمعه."

استغرب الرمح: "همم؟ وكيف تحصّلت على المفتاح إذن؟ لم تكن لتنجح لولا سيطرتك عليه تماما."

ابتسم باسل: "لو كان لديّ المفتاح من البداية لكنت قد دخلت من البداية. لمَ قد أزعج نفسي بالمرور باختبارك السخيف؟"

تجاهل الرمح جزء السخيف كما لو أنّه بدأ يعتاد على هذا الوضع بينه وبين باسل، وقال: "ما الذي فعلته إذن؟ هل هذا له علاقة بالكيفيّة التي كنت تعود فيها من الغرق والتعرّض للامتصاص من المصفوفة في آخر اللحظات؟"

ارتفعت حافّة فم باسل قليلا: "ذلك صحيح. ليس لديّ السيطرة عليه، ولكن يمكنني اختلاس النظر على بعض الأشياء. لقد استخدمت الحكمة السياديّة لتحليل المصفوفة والتحكّم في السارق الخسّيس بتزامن."

"ما ظهر لك كاقتراب امتصاص المصفوفة لي لفعلا حقيقة، ولكن لولا ذلك لما كنت لأستطيع فهم بعض أسرارها ولو بالحكمة السياديّة. وعندما كنت أستطيع إنقاذ نفسي، فقد كنت أربط ما تعلّمته من أسرار من ما سلبته من السارق الخسّيس، وبذلك كنت أجد الحلّ في كلّ مرّة حتّى استطعت في النهاية فكّ لغزها كلّيّا واكتشاف المفتاح."

"همف،" استنكر باسل: "حتّى أنّه جعل الترتيل عند الفتح يمدح نفسه بتعالٍ. يمكنني أن أعلم قليلا كيف أصبحتَ بهذا الغرور يا أبله. ولكن لا تقلق، سوف تستقيم في مساري الروحيّ جيّدا."


"أستقيم؟" ردّ الرمح بغرور: "إنّني دوما في قمّة استقامتي ومستعدّ لاختراق مؤخّرتك في أيّ وقت."

تنهّد باسل على حال الرمح وكلماته السيّئة التي لا تنتهي.

"على كلٍّ،" أكمل الرمح: "ألا يمكنك فقط أن تفعل ما فعلته عند دخولك إلى هنا من أجل إيجاد المصدر؟"

هز باسل رأسه: "لقد أخبرتك أنّني أخاطر بكلّ شيء. في أيّ وقت أختلس فيه النظر على السارق الخسّيس، يضعف الختم الذي عليه. لو حاولت استخدامك كسلاح روحيّ، نفس الشيء سيحدث بما أنّك تُعدُّ جزءا من روحه، ولو استخدمت هذا العالم لصالحي أكثر من اللازم ولو فقط استخلاص الطاقة الروحيّة منه، فسيضعف الختم. فما بالك إذا اعتمدت عليه من أجل إيجاد المصدر؟ قد يستغلّ هذه الفرصة ليُكسر الختم نهائيّا عبر ارتباطه بالمصدر بسببي."

صمت الرمح لمدّة لا بأس بها قبل أن يقول: "وأنا الذي ظننتك مجنونا منتحرا."

ابتسم باسل: "أنا فقط أعلم متى أتوقّف."

قال الرمح ساخرا: "فافافا، ألم تقل سابقا أنّه لا حدود لآفاقك؟"

نظر إليه باسل بعبوس ثمّ وجّهه نحو سطح المستنقع مرّة أخرى.

صرخ الرمح كما كان يصرخ منذ أن التقى هذا الشقيّ: "لا تعبث معي يا أيّها اللعين!"

***

مرّت أيّام أخرى في العالم الثانوي أمضى فيها باسل وقته في الانتفاع من الطاقة الروحيّة حتّى يبدأ تكوين روحه الكاملة بعدما ينتهي من جمع الطاقة الروحيّة اللازمة لفعل ذلك.

كان على الشخص أن يكون حذرا في التعامل مع الطاقة الروحيّة ولو كان صاعدا، فبحر الروح لم يكن يتحمّلها حتّى بتلك المرحلة ووجب على الساحر المحافظة على استقرارها طوال الوقت دون أن يفقد تركيزه أبدا.

في حالة باسل، كان بحر روحه معتادا على الطاقة الروحيّة، لذا سَهُل عليه الأمر كثيرا، وخصوصا بما أنّه امتلك الحكمة السياديّة التي جعلت من العمليّة سلسلة بشكل كبير، هذا دون ذكر أنّ باسل كان قد ربط نقط أصله عندما كان في المستوى السادس، وارتبط بإرادة بحر روحه في المستوى الثامن.

كانت خبرات إدريس الحكيم في مساره الروحيّ تتمثّل في الحكمة السياديّة، لذا عندما ورث باسل ما خلّفه له فقد ورث كلّ المعرفة حول المهارات والتقنيّات التي كسبها إدريس الحكيم في حياته وتعلّمها وتدرّب عليها بالحكمة السياديّة.

كان هذا هو السبب الأكبر في نموّ باسل السريع بالرغم من تأخّره لستّة أشهر لم يرد أن يتقبّل فيها حقيقة مفارقة معلّمه للأبد. عندما اكتسب كلّ تلك المعرفة، استطاع أن يصبح استثنائيّا في التعامل مع الطاقة السحريّة كما كان معلّمه، حتّى أنّه فاقه كونه يمتلك موهبة مذهلة على عكس إدريس الحكيم.

أصبح فهمه لأسرار مختلف الطاقات في مستوى آخر تماما. كان كأنّما إدريس الحكيم دُمِج مع روحه.

كان يجلس في هذه الأثناء تحت تلك الشجرة التي أمضى فيها غالب وقته هنا، ثمّ فتح عينيه فجأة وعبس وقال: "لكلّ شيء ثمن في العالم. لا أعلم متى سيأتي الوقت الذي أدفع فيه ثمن حيازتي لشيء لا يحقّ لي امتلاكه."

كانت الحكمة السياديّة هبة يكسبها شخص في كلّ جيل، وكانت رتبتها في قمّة الترتيب بجوار بعض الهبات الأسطوريّة الأخرى، لذا كان باسل يعلم أنّ امتلاكه لشيء مثلها سيجعله يقابل شيئا ما في المستقبل.

مُنِحت الحكمة السياديّة، مثلها مثل أيّ هبة في العوالم، إلى الأجدر بها فقط، لذا بالطبع كان هناك اختبار جدارة. فكيف لباسل أن يتحصّل على شيء كهذا بدون مجهود؟ طريقة عمل العالم لم تكن هكذا.

"يا شقيّ،" تكلّم الرمح الذي كان بجانب باسل: "يبدو أنّك قد تجهّزت بالكامل تقريبا لتحويل بحر روحك."

ابتسم باسل وقال: "ذلك صحيح، ولكن هناك شيء يزعجني نوعا ما."

قال الرمح: "أعلم، إنّه الشيء الذي تقمعه بالحكمة السياديّة."

أماء باسل رأسه وأجاب: "ذلك صحيح، فبسبب السارق الخسّيس، امتلكتُ أرضا روحيّة في بحر روحي كما لو أنّني دخلت إلى نطاق السيّد الروحيّ، ولا أعلم ما الذي سيحدث ما إذا جعلت بحر روحي روحا كاملة وبدأت أكوّن أرضي الواسعة الخاصّة. هل ستندمج تلك الأرض مع أرضي الخاصّة أم أنّها ستؤثّر عليها بطريقة ما؟ هذا هو السؤال الذي لا يسعني إيجاد إجابته."

قال الرمح: "اشهد المعلّم العظيم كيف سينير عقلك؛ لقد قلتَ أنّ تلك الأرض قد كسبتها بسبب ذلك الشخص، لذا يمكن القول أنّه كان يحاول العودة بتكوين روح أساسها هو تلك الأرض. أنت تعلم أنّ أساس أيّ روح ساحر روحيّ هي الأرض الواسعة، أوّل مستوى في المستويات الروحيّة."

أماء باسل رأسه موافقا، فأكمل الرمح: "في نظري، يمكن القول أنّك تملك روحا بداخل بحر روح، ليس تماما ولكن ليس خاطئا أيضا."

وضع باسل يده على ذقنه وفكّر في ما قال الرمح. اقتنع بما قيل له للتوّ، لكن لبّ المشكلة لم يُحلُّ؛ فهو ما زال لا يعلم ما التأثير الذي سيحدث عندما يكوّن روحه الكاملة. هل ستتأثّر الروحان ببعضهما في ذلك الوقت؟ هل ربّما سيستغلّ السارق الخسّيس هذه الفرصة ليكتسب السيطرة؟

كانت جميع الاحتمالات تدور في باله، وبسبب هذا أخذ وقتا طويلا للغاية في تقرير خطوته التاليّة. أمضى شهرا كاملا محاولا إيجاد إجابة، ولكن حتّى بالحكمة السياديّة لم يستطِع المعرفة. لقد كانت حالته بلا سابقة.

فجأة عندما كان باسل يستريح في ينبوعٍ حارٍّ أحاطته البراكين من كلّ جهة، وبدا كبحيرة بالأحرى، قال الرمح: "ما الذي تنوي فعله يا أيّها الصعلوك؟ لقد انتظرتُ هنا كفاية؛ أريد أن أجوب العوالم الرئيسيّة والثانويّة." كان الرمح في هذه الأثناء على صخرة وسط الينبوع.

"العوالم تقول." تنهّد باسل وقال: "ذلك مستحيل في الوقت الحالي يا أبله. حتّى لو خرجت من هنا، فلن يسعك سوى تمنّي الترحال في هذا العالم الواهن."

تعجّب الرمح ممّا قال باسل: "ماذا تقول؟ هل يمكن أنّك لا تعلم عن إحدى قدراتي؟ شاهد هذا العظيم هنا يريـ..."

قاطعه باسل: "بالطبع أعلم، ولكن العوالم قد عُزِلت تماما قبل أكثر من سنة، والرابط بينها ختم لا يمكن خرقه من طرف مجموعة سلاطين أصليّين حتّى، وذلك يشمل حتّى قدرتك تلك."

"ما...ذا؟!" صُدِم الرمح كلّيّا فقال بعد ذلك: "كيف يمكن هذا؟ هل يمكن أنّ شخصا بلغ ذلك المستوى الخرافيّ وفعل هذا؟"

ضحك باسل قبل أن يردّ: "لا تقلق، تلك القمّة ما زالت غير مقبوضة حتّى الآن. لقد كان سلطانا أصليّا من فعلها. لا أعلم كيف نجح في ذلك، ولكن نظرا لهويّته، فلا عجب أنّه استطاع النجاح."

"هذا جنون!" صرخ الرمح: "كيف لشخص أن يفكّر هكذا؟ ألا يعلم أنّ السحرة الروحيّين سيلعنونه ويكرهونه على فعله هذا؟ التنقّل بين العوالم الروحيّة ضرورة قصوى للذين يسعون إلى نهاية المسار الروحيّ. هناك أماكن يجب على الشخص زيارتها وأشياء يبحث عنها. ألا يعلم أنّه يزيل الفرص من أياديهم هكذا؟"

أماء باسل رأسه: "ذلك صحيح، ولكن فقط لبضعهم. فمثل عالمنا، نحن ممتنّون كثيرا له. هكذا سنكسب بعض الوقت لننمو فيه حتّى يحين أوان عودة الرابط بين العوالم."

"أتحدّثني عن تلك الشياطين؟" قال الرمح بصوت مرتفع: "ليست لديّ أيّ ذكرى تتعلّق بذلك الشخص، لكنّني أتذكّر تماما أنّه عندما هيمنت على العوالم، لم يكن هناك من يجرؤ على مناداة نفسه بالشيطان. لقد علموا ماهية الشيطان الحقيقيّة آنذاك، ولكن يبدو أنّ العصور أنست بعض الأشقياء وجعلتهم يغترّون بأنفسهم. أيّ شياطين؟ دعهم يأتون وسيعلمون عند مواجهتي أنّهم كانوا يلعبون لعبة الصالح والطالح فقط."

ابتسم باسل وقال: "دعنا نتمتّع بالهناء الذي لدينا حاليا، فذلك الوقت آتٍ لا محالة. كن صبورا، كن صبورا."

"همف،" استنكر الرمح كلام باسل: "تقولها مرارا وتكرارا كما لو أنّك تعلم معنى الصبر؛ ليس وكأنّك الذي أمضى عصورا، صبورا. لا تخبرني أن أصبر مرّة أخرى، فقد مللت من ذلك بما يكفي."

نظر باسل إليه ولم يجبه.

***

أتى اليوم المنتظر أخيرا، ليبدأَ تحويل بحر روحه إلى روح كاملة.

كانت هذه العملّيّة تستوجب شرطين هامّين: أوّلهما أن يكون الساحر صاعدا حقيقيّا، أيّ أنّه قد بلغ قمّة المستوى الرابع عشر وأكمل ربط نقط أصله كلّها وارتبط بإرادة روحه، وثانيهما أن يملك طاقة روحيّة كافية ليبدأ عمليّة الاختراق.

عندما يستوفي هذين الشرطين، يحين وقت ضغط بحر الروح ودمجه بالجسم الأبيض بداخله، أو ما يكون جسد الساحر نفسه بعدما يرتبط هذا الأخير بإرادة بحر روحه.

تُستخدم الطاقة الروحيّة التي استُجمِعت من أجل عمليّة الضغط، وأيّ خطأ بسيط يمكن أن يؤدّي إلى انفجار بحر الروح بعدما يُضغط بتلك الطريقة.

كانت تلك عمليّة حسّاسة إذ استطاع قليل من السحرة فقط النجاح فيها. كان هناك عباقرة كانوا ملوكا بالمسار الروحيّ*، ولكنّهم فشلوا في الصعود بسبب تسرّعهم أو ثقتهم الزائدة بأنفسهم.

*(يمكن مراجعة الفصل 138 لفهم مفهوم "ملك بالمسار الروحيّ". سيُذكر بالمستقبل كثيرا ومراجعة ذلك سيجعلكم قادرين على فهم القصّة وأحداثها دون ضياع.)

كان هناك تساؤلات عن الكيفيّة التي اخترق بها أوّل ساحر إلى المستويات الروحيّة عندما لم تكن العوالم روحيّة. بمعنى آخر، إذا كانت العوالم في وقت ما كلّها سحريّة، فكيف لأوّل ساحر صاعد أن يجد الطاقة الروحيّة اللازمة للاختراق؟

ولهذا كان هناك بعض النظريّات؛ إحداها تقول أنّ العالم الأوّل كان روحيّا أصلا ويشكّون في أن يكون العالم الأصليّ، وهناك من يقول أنّ العالم السحريّ الأوّل قد واكب نموّ الساحر الصاعد وكوّن بعض المناطق الروحيّة قبل أن يصير روحيّا بشكل كامل فأصبح الساحر والعالم روحيّيْن في آن واحد، وهناك من قال أنّ الساحر الصاعد قد وجد بعض الأحجار الروحيّة بطريقة ما.

ومع كلّ هذا، كان بال باسل مشغولا فقط بتلك المسألة. لم يكن قلقا بشأن الاختراق، بل ما يمكن أن يلحق ذلك من مشاكل.

وضع شكوكه في الجانب واستعدّ لبدء عمليّة الصعود: "لن أصل لنتيجة هكذا. ما يهمّ حاليا هو الغدوّ ساحر روحيّ وتحويل العالم الواهن إلى عالم روحيّ."

تكلّم الرمح فجأة: "بالمناسبة، هل قرّرت أيّ وحش ستستحوذ على روحه؟"

هزّ باسل رأسه: "ليس بعد. على ذكر ذلك، هل كنتَ السبب في اكتساب أحد الوحوش السحريّة بالمستوى الرابع عشر حكمة لا تُكتسب إلّا بعد الاختراق إلى المستويات الروحيّة؟"

"آه، ذلك." ضحك الرمح بغرور: "فافافافا!"

عبس باسل منزعجا وانتظر الرمح حتّى أكمل: "أرأيت ما أنا قادر عليه؟ يمكنك الانحناء تجليلا لي إذا أردت."

كان باسل عابسا طوال الوقت ويحدّق بجدّيّة كبيرة إلى الرمح بينما يفكّر في بعض الأشياء: "يا أبله. أخبرني لمَ فعلت شيئا مثل هذا؟"

استغرب الرمح: "ها؟ ألن تسأل عن كيف فعلتها؟ ظننت أن فضولك سيميل إلى ذلك الاتّجاه."

قرّبه باسل إلى وجهه وقال بوجه جادّ: "فقط أجبني بسرعة!"

لاحظ الرمح أنّ هناك شيئا غريبا، فردّ: "ما بالك يا أيّها الوغد تصرخ هكذا؟ فلتتحلَّ بكلّ الاحترام تجاهي. تسألني لمَ فعلتُ ذلك؟ هذا بالطبع لأنّني..."

سكت الرمح فجأة ولم يكمل. ضاقت عينا باسل كما لو أنّه كان يتوقّع ذلك، لكنّه أراد يستوضح الأشياء فسأل: "ماذا هناك؟"

أجاب الرمح: "أنا... إنّني... كيف يمكن هذا؟ لا أستطيع تذكّر السبب."

"اللعنة، علمت هذا." قال باسل: "الأمر ليس أنّك لا تتذكّر، بل إنّك لا تعلم."

"ها؟" تعجّب الرمح: "ما الذي تقصده؟"

تنهّد باسل بعدما هدأ وقال: "أقصد أنّ السارق الخسّيس كان المسؤول. لقد غُرِز فيك هذا الأمر لتنفّذه بشكل تلقائيّ دون أن تشعر بأيّ غرابة بشأن ذلك. لو أنّني اختلست النظر أكثر لاستطعت أن أعرف، ولكنّني لم أستطع أن أعلم كلّ الخطط التي حبكها."

"انتظر، انتظر، انتظر،" هرع الرمح في كلامه: "هل تخبرني أنّني فعلت شيئا كهذا دون اكتراث؟ انتظر، لقد تذكّرت. لقد نسيت لوهلة لأنّني بحثت عن سبب معقول يبرّر فعلي لشيء كهذا لكنّني لم أجده، ولكنّني أتذكّر أخيرا. لقد فعلتها لأنّني مللت."

قال باسل بجدّيّة: "ذلك هو الأمر الذي تلقّيته؛ أن تفعل ما فعلت ويكون السبب هو الملل."

صات الرمح: "ما الذي يجعلك واثقا هكذا؟"

قال باسل: "اكتساب وحش سحريّ حكمة لا يجب أن يكسبها لشيء بدون سابقة، وحتّى الآن، كلّ ما شهدته بدون سابقة كان له علاقة بطريقة ما بالسارق الخسّيس. والأكثر من ذلك، لا يمكن أن تقدر أنت على فعل شيء كهذا."

صاح الرمح: "هذا ليس كافٍ حتّى تكون متأكّدا مئة بالمئة."

هزّ باسل رأسه: "ستفهم عندما تلاحظ النمط. لقد استعدّ السارق الخسّيس لهذا جيّدا جدّا. ليس هناك شكّ أنّ السارق الخسّيس أراد من الوحش الروحيّ الذي يستحوذ عليه أن يكون استثنائيّا مثل الجسد الذي جهّزه، جسدي أنا."

صمت الرمح لمدّة قصيرة كما لو كان يفكّر قبل أن يقول: "ما زالت ليس مئة بالمئة."

تنهّد باسل: "إذن دعني أعود إلى سؤالك الأوّل الذي كنت متحمّسا بشأنه. كيف فعلتَها؟"

سكت الرمح ولم يجب، فقال باسل: "كما توقّعت، إنّك لا تعلم ذلك أيضا. لقد أخبرتك، إنّ السارق الخسّيس لا يثق في أحد. أظنّ أنّه زرع فيك شيئا يزيل ذاكرتك عمّا يتعلّق بأسرار هذه المسألة."

"ابن العاهرة!" صرخ الرمح وهاج: "سأريه الجحيم عندما تواتيني الفرصة."

أكمل باسل: "يبدو أنّه استطاع منعِك من إدراك الأمر الذي تبِعته دون درايتك، وتذكّرِ الطريقة كما استطاع أن يزرعهما فيك دون أن تعلم، ولهذا تتذكّر الحادثة ولكن لا تعلم شيئا عن الأمر الذي تلقّيته أو العمليّة."

سأل الرمح بعدما هدّأ من روعه: "ولكن لماذا قمتُ بذلك في ذلك الوقت بالضبط وليس غيره؟"

وضع باسل يده على ذقنه وأجاب: "لا يسعني سوى تخمين أنّ شرط ذلك كان أن يكون الوحش بالمستوى الرابع عشر، وذلك لم يحدث حتّى الآن."

فتح عينيه على مصراعيهما كما لو أنّه اكتشف شيئا: "انتظر، هكذا إذن، هكذا هو الأمر."

"ماذا هناك؟" سأل الرمح بفضول بعدما رأى نظرة باسل.

ردّ باسل: "إنّه حقّا كان يجهّز روحَ وحشٍ أيضا، وقد حسب بشكل عظيم للغاية. لم تكن الوحوش السحريّة لتبلغ المستوى الرابع عشر لولا ارتفاع السحرة في المستوى، لذا كان واثقا أنّه عندما يبلغ وحش سحريّ المستوى الرابع عشر فسيكون بعض السحرة بمستوى مقارب، وبالتأكيد سيكون ورثة الشخص الذي اختاره من بين هؤلاء الذين اقتربوا من المستوى الرابع عشر أو سيكونون الأوّلين في تحقيق ذلك حتّى."

"...عندئذ، سيكون صاحب الجسد المثاليّ قد ظهر أو ظهوره قريب على الأقلّ، وعندما يستحوذ السارق الخسّيس على الجسد المثاليّ سيأتي دور روح الوحش الروحيّ."

قال الرمح بسرعة: "انتظر، انتظر، هناك بعضٌ من الثغرات في استنتاجك هذا. كيف له أن يعلم أنّ ورثة سلفك سيكونون من الأشخاص السابقين في الوصول إلى المستويات العليا أو أنّهم لن يموتوا؟ ولو نجح ذلك بطريقة ما، كيف له أن يكون واثقا أنّ أحدهم لن يستحوذ على روح الوحش الروحيّ قبله؟"

ردّ باسل بجدّيّة: "لقد قلتُ لك أنّه حسب ذلك بشكل عظيم. لقد علم أنّ ورثة الشخص الذي اختاره سيحملون دما وقوّة كبيرين كلّما مرّ الوقت، لذا كان من المستحيل ألّا يكونوا من بين الأوائل الذي يبلغون المستويات العليا، وأنّ فرصة موتهم جميعا قريبة للمستحيل كون موهبتهم متفوّقة تماما على أيّ شخص من العالم الواهن، وأنّهم لن ينقرضوا على الأقلّ حتّى لو حصل هجوم من قوّة عظيمة من العوالم الأخرى لسبب ما."

"...وكان واثقا أنّه لا أحد سيستطيع الاستحواذ على روح ذلك الوحش لأنّه علم أنّه لا أحد غيره قادر على ذلك. لا بدّ وأنّه شيء لا يمكن لأحد معرفة الفائدة منه أو طريقة استخدامه سواه."

"...عندما قلتُ أنّه حسب ذلك بشكل عظيم، كنت أعني أنّه قد حسب الوقت الذي يحتاجه العالم الواهن حتّى يظهر فيه وحش بالمستوى الرابع عشر نظرا لسرعة نموّه، والوقت الذي سيحتاجه الجسد المثاليّ للظهور، وعلم أنّ الوقت بينهما ليس متباعدا جدّا. فأراد توفير الوقت وتجهيز روح وحش بدل أن ينتظر حتّى يجهّزها عند عودته."

تعجّب الرمح: "ألست تبالغ في تفكيرك يا هذا؟ وهناك نقطة أخرى، لم يأخذ مثل هذه المخاطرة ولا ينتظر حتّى يعود ثمّ يبحث عن الوحش المناسب بنفسه ويمنحه تلك الحكمة؟"

ردّ باسل بنفس الوتيرة: "هذا على الأغلب له علاقة بتحوّل العالم الواهن إلى عالم روحيّ؛ قد يكون في حاجة إلى روح أوّل وحش يخطو إلى المستويات الروحيّة في العالم الواهن؛ فلو انتظر حتّى يعود، لن يكون ذلك بفائدة لأنّ الوحش الأسبق إلى التحوّل سيكون في المستويات الروحيّة بالفعل، وتلك الحكمة يجب منحها قبل أن يدخل الوحش الأوّل إلى المستويات الروحيّة."

أكمل باسل بعدما تنهّد: "هذه مجرّد استنتاجات مبنيّة على حدسي، ولكنّها تفسّر الأمر الذي تلقّيتَه بمنح وحشٍ حكمة كتلك. سنعلم عن الفرق بينه وبين بقيّة الوحوش عندما أذهب للاستحواذ على روحه."

"هوه،" قال الرمح: "يبدو أنّك قرّرت الروح التي ستستحوذ عليها. ولكن تعلم أنّه يجب أن يكون الوحش يملك عنصر سحر يملكه الساحر. بالإضافة إلى ذلك، تعلم أنّه بفعلك لهذا ستمنح لذلك الشخص فرصة كبرى في كسر الختم. ستكون تلك روح الوحش التي جهّزها كما تعلم."

"بالنسبة لعنصر السحر، فأنا شبه واثق أنّه إذا كان كلامي السابق صحيحا فسيكون عنده إمّا عنصر النار أو عنصر التعزيز، فكلا هذان العنصران كسبتهما بسبب السارق الخسّيس. وأمّا عن المسألة الثانية، فأنا لا أحتاج أن أكرّر ما قلته مسبقا عن عزمي."

"ألا يمكنك البحث عن روح وحش آخر فقط؟"

سأل الرمح، فأجاب باسل: "إن كان السارق الخسّيس قد جهّز روحَ وحشٍ، فلا بدّ وأنّها استثنائيّة، فكيف لي أن أجلس مكتوف اليدين ولا أستخدمها؟ قد تكون خطرة عليّ، لكنّها تبقى مفيدة للغاية وتستحقّ المخاطرة. سأسلبه كلّ ما يملك."

***

جلس باسل متدبّرا تحت نفس الشجرة التي اعتاد أن يتظلّل بها في هذا العالم الثانويّ، وبدأ عمليّة الاختراق إلى المستويات الروحيّة.

عندما يخترق الشخص إلى المستويات الروحيّة، يملك مهلة محدودة حتّى يجعل روحه الكاملة مكتملة حقّا بالاستحواذ على روح وحش، وإذا لم ينجح في ذلك في الوقت المناسب، فستتفجّر روحه لعدم استقرارها الكلّيّ.

كان الاختراق عمليّة تتطلّب غالبا وقتا من شهر إلى سنة حسب موهبة الشخص. فأولئك من استطاعوا النجاح في شهر فقط كانوا عباقرة بلا شكّ، ولكن لم يستطع المرء أن يكون متيقّنا بشأن من يتأخّر كثيرا. فحتّى لو أخذ ساحر ما سنة كاملة لا يعني أنّه فاشل.

كانت الطاقة الروحيّة التي استجمعها باسل تغمر بحر روحه من كلّ جهة، وتلك كانت الإشارة على أنّ لحظة بدء الضغط قد وصلت، وتأخير الأمر أكثر سيكون بلا فائدة.

بدا كما لو أنّ كلّ تلك الطاقة الروحيّة الخالصة قد اختفت لكنّها في الواقع قد اندمجت مع آفاق بحر الروح الذي ظهرت حدوده بفضل تلك الطاقة الروحيّة.

كان لباسل خبرة معلّمه لذا لم يكن هذا بالأمر الصعب بالنسبة له؛ كان يعلم تماما كيف يتحكّم بشكل سليم ومثاليّ في هذه الطاقة؛ علم كم يجب أن يستمر في عمليّة الضغط قبل أن يريح بحر روحه، ومقدار القوّة التي كانت مطلوبة لإتمام كلّ مرحلة.

كان حاليا في حالة 'الصفاء الذهنيّ والروحيّ'، فانعزل عن العالم وبدأ يركّز على عالمه، والذي يجب أن يصنع له فضاءه الخاصّ. كانت الروح هي الفضاء الذي يكوّن فيه الشخص عالمه.

اقتربت تلك آفاق بحر الروح مع مرور الوقت، وبدأ باسل يشعر بالإرهاق الشديد. كانت دورته الدمويّة سريعة حتّى صار لون بشرته ورديّا وجسده يبعث بخارا، وبدأ شعره يتساقط شيئا فشيئا، وبعد فترة طويلة صار جسده جافّا حتّى أمسى مجرّد جلد على عظم.

كان باسل يبدو كعجوز مقهور لم يأكل لأسابيع، لكنّه بدا جليلا بالهالة المشعّة التي أنعشت الأرض تحته فتفتّحت فيها زهور سحريّة، وزهت تلك الشجرة كما لو أنّها سعدت بوجوده بجانبها. أضفى شعورا بالسكينة جعله يبدو كقدّيس يريح الأنفس بمظهره فقط.


ولكن بالرغم من المظهر المسالم الذي كان يبعثه، كانت حالته من الداخل عويصة إذ بدأت إحدى المشاكل التي توقّع مواجهتها بالحصول؛ وصل لمرحلة حيث لا يمكنه ضغط بحر روحه أكثر بسبب عدم استقرار عناصره الثلاثة.

في الحالات الطبيعيّة، سيواجه الساحر وقتا عصيبا في الحفاظ على استقرار عنصريه السحريّين، لكنّه سينجح في النهاية لو كان جيّدا كفاية، ولكن حالة باسل كانت مختلفة. كان من الصعب للغاية أن يحافظ على استقرار ثلاثة عناصر بينما يضغط بحر روحه.

بدأت المشاحنات تحدث بين العناصر الثلاثة، وبدأ بحر الروح يهتزّ ويتموّج كما لو أنّه على وشك الانفجار. كان باسل يحاول بكلّ جهد وتركيز أن يتجنّب ترك بحر الروح يتصدّع. فلو ظهر فيه ولو شقّ في هذه المرحلة، حيث كان مضغوطا بشكل كبير، فستتسرّب الطاقة المركّزة مرّة واحدة وينفجر بحر الروح.

لم يمكنه استخدام الحكمة السياديّة خشية أن يستغلّ السارق الخسّيس الفرصة للظهور من جديد عندما يكون هو يواجه وقتا عصيبا وفي حالة ضعيفة. كان عليه أن يتجاوز هذا الوضع بنفسه ولا شيء آخر.

"سلامة العقل تعني سلامة الروح؛ سلامة الروح تعني سلامة العقل؛ سلامة العقل والروح تعني سلامة الصفاء الذهنيّ الروحيّ؛ سلامة الصفاء تعني سلامة المسار الروحيّ."

كرّر باسل تلك الجمل، وحاول أن يهدّئ عقله ويتعمّق أكثر في حالة الصفاء الذهنيّ والروحيّ من أجل اكتساب تحكّم أكبر. شعر أنّه قد انفصل عن العالم الخارجيّ كلّيّا.

"هيّا يا إرادة بحر روحي، فلتكوني ذات عون!"

صرخ بينما يستخدم مسار نقط أصله المرتبطة ليتحكّم في جريان الطاقة الروحيّة والسحريّة في بحر روحه بشكل سلس.

تزعزع بحر روحه فجأة ولكنّه لم يزد الوضع سوءا، بل على العكس، كان بذلك يوقف تموّجه وعدم استقراره.

"هذه هي يا إرادة بحر روحي، هذه هي إرادة بحر الروح التي ساعدتني ذات مرّة في التغلّب على السارق الخسّيس. هيّا فلنصبح واحدا ونغدو روحا كاملة معا."

كانت إرادة بحر الروح كتلك الغريزة التي تكمن في بحر الروح، وتتفعّل عندما يجب حماية بحر الروح من أيّ خطر. كان يمكن أن تنقذ الساحر من انفجار الروح لو لم يكن بيده حيلة حتّى لو استوفيت بعض الشروط.


شعر باسل بأنّ الارتباط بينه وبين إرادة بحر روحه يختفي تدريجيّا، وكان ذلك بسبب استجابة الإرادة له وبداية اندماجها مع إرادته الخاصّة. وعندما ينتهي هذا الأمر، لن يكون هناك إرادة بحر روح كما لن يكون هناك بحر روح أصلا.

هدأت العناصر الثلاثة بعدما كسب باسل تحكّما لا مثيل له على بحر روحه، وبدأ يجذبها نحو جسده كما لو أنّه يحاول امتصاصها. كان يجب عليه أن يدمج كلّ شيء بجسده قبل أن ينتهي من الضغط كلّيّا.

بدأ بعنصر النار فنجح في إدخاله إلى الجسد، ثمّ عنصر التعزيز، وأخيرا عنصر الريّاح الذي واجه معه وقتا أطول بما أنّ الجسد صُنِع لعنصرين في المقام الأوّل. شعر كما لو أنّ أحدهم يملأ شرايينه بسوائل أخرى إلى جانب دمه، فأحسّ بالاحتراق كما لو أنّ جسده ينصهر.

وعندما انتهى أخيرا، كان جسده الجافّ قد بدأ يتحلّل كما لو أنّه حجر مرّ عليه من الزمن ما يكفي لتفتيته. كان جلده يتساقط ويتطاير مع الرياح كغبار معصوف.

كانت الحكمة السياديّة تقمع القطعة الأرضيّة التي يقف عليها الجسد حتّى الآن، ولكن عندما ضُغِط بحر الروح لدرجة صار فيها هو الفضاء الذي يستغلّه الجسد والقطعة الأرضيّة فقط، أطلقت هذه الأخيرة ردّة فعل غريبة جعلت باسل يتأهّب للأسوء.

بدأت القطعة الأرضيّة تحاول أن تأخذ زمام الأمور وتسيطر على بحر الروح الضيّق، ولكن الحكمة السياديّة قمعتها بشكل مثاليّ.

"يبدو أنّه عليّ ضغط بحر الروح على جسدي دون القطعة الأرضيّة. ولكن ماذا سيحدث لها بعدما تصير منعزلة عن روحي؟"

سيكون باسل قد انتهى من التحوّل روحيّا عندما ينتهي من ضغط بحر روحه بالكامل إلى جسده.

أكمل ضغط بحر الروح الذي تقلّص وتجاوز القطعة الأرضيّة كما لو أنّها لا توجد. وفي تلك اللحظة، أحسّ باسل كما لو أنّ روحه تتقطّع لجزأين ممّا سبّب له آلاما لم يشعر بمثلها فيما سبق.

"لقد بقيت هذه القطعة الأرضيّة في بحر روحي لوقت طويل حتّى صارت جزءا منه تقريبا، والآن الارتباط بينهما يجعلني أكاد أموت."

مرّ بوقت عصيب: "ليس كما لو أنّه يمكنني قطع الارتباط أصلا بما أنّها صارت جزءا لا تتجزّأ منّي، ولكن فقط عزلها عن الروح التي أحاول صنعها يجعلني أمرّ بكلّ هذه المعاناة."


عُزِلت القطعة الأرضيّة أخيرا واختفى بحر الروح في جسد باسل، وفي هاته اللحظة شعر بإحساس لا مثيل له. اختفت كلّ الآلام والضوضاء، وشعر بدفء مريح.

استبدل لحمٌ جديدٌ القديمَ، ونمت عضلاته كخيوط تلتفّ حول العظام التي بدت أقسى من الفولاذ بمراحل. نما شعره من جديد حتّى بلغ منتصف ظهره، واختفت كلّ التجاعيد التي جعلته يبدو عجوزا. بدا عندئذ كمخلوق سامٍ على الأرض، يمكنه التحرّك بزهو وجلال.

"يبدو أنّك نجحت يا شقيّ، لقد مللت من الانتظار هنا. هيّا، فلنخرج حالا، لقد صبرت بما فيه الكفاية."

كان ذلك صوت الرمح الطاغيّة الذي راقب اختراق باسل بصمت طوال المدّة الماضية.

"لا تقلق، أنا أيضا أريد الخروج كما تعلم. فالعالم الواهن سيستجيب لاختراقي ويبدأ تحوّله الروحيّ. يجب أن أكون مع من أهتمّ لهم في تلك الأثناء."

كان وجه باسل عازما.

ضحك الرمح: "فافافا، وأخيرا يمكنني..."

توقّف الرمح فجأة عن الكلام، والسبب كان أمام عينيه؛ كان باسل ساقطا على الأرض عاجزا عن الحركة، يصرخ كما لم يصرخ من قبل. لقد مرّ بالعديد من الآلام والعقبات فيما سبق، لكنّه لم يتلوّى كحشرة تُحتَرَق كما كان يفعل في مكانه.

"أيّـ...أيّها الشقيّ، ما الذي يحدث لك؟"

كانت صرخات الرمح بلا فائدة. ولم يستطِع أن يفعل شيئا لمساعدة باسل الذي لا يسمعه.


"هل... هل يمكن أن القطعة الأرضيّة غير مستقرّة؟ لا يجب أن يكون ذلك بسبب عدم وجود بحر روح، فهي بذاتها تُعدّ روحا مستقلّة... انتظر... هل يمكن؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟ يا للهول...! كيف لم أفكّر فيها؟"

كان الرمح مصعوقا من الدهشة بعدما استنتج شيئا: "إنّها تُعدّ روحا بنفسها، ولهذا وجود روح أخرى معها يُعدّ أمرا في غاية الغرابة. لم يسبق لأحدهم أن امتلك روحين في التاريخ، لذا ليس هناك طريقة لمعرفة طريقة حلّ هذا الأمر."

"اللعنة، لا تمزح معي! هيّا، حاول أن تفعل شيئا يا أيّها الشقيّ، فإنّي لن أقبل بمكوثي هنا أكثر."

***

قبل أسابيع، في مكان ما بجنوب إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، تحرّكت عربة بقيادة أربعة خيول يتحكّم فيها حوذي يرتدي زيّ الخدم.

كان هناك أربعة أشخاص يستقلّون هذه العربة؛ أوبنهايمر فرانكنشتاين، وأخوا القطع غايرو وكاي، وأختهما الصغرى صفاء.

جلس الإخوة في جهة من العربة بينما جلس أوبنهايمر في الجانب الآخر. كانت نظرات أخويْ القطع متجهّمة تجاه الشخص أمامهما كما لو أنّهما يريدان الانقضاض عليه وقتله حالا.

تنهّد أوبنهايمر ورفع يده: "لقد أخبرتكما مرارا، إنّني حقّا لم أكن بصدد شيء سيّئ. كلّ ما أردت فعله هو اختبار عيّنة من دمها ورؤية الفارق بين حالها الآن والحال الذي كانت عليه قبل ذلك. هذا ضروريّ من أجل سلامتها إن أردتما رأيي."

ارتفع حاجب كاي ووقف في مكانه: "من أجل سلامتها؟ هل تمزح معنا يا أيّها الوغد؟ من سيثق بعالم مجنون مثلك على أيّ حال؟"

تنهّد العالم المجنون ونظر إلى صفاء بنظرة متحسّرة، فانكمشت الفتاة الصغيرة على نفسها واختبأت خلف أخيها الأكبر، غايرو، كما لو أنّها نعجة مهدّدة بالأكل من طرف ذئب.

"لا داعٍ لتكوني بهذه الحيطة، كلّ ما أرد..."

أراد العالم المجنون إيضاح نفسه، لكنّ غايرو قاطعه: "لا تضف كلمة أخرى، ألا ترى أنّك تزيد الأمر سوءا فقط؟ إنّك لا تروق لأختنا الصغرى، لذا كفّ عن المحاولة. لقد سمحنا لك بالاقتراب منّا هكذا فقط لأنّك ساعدتنا ولأنّ سيّدنا باسل أخبرنا أن نتركك ترافقنا على الأقلّ لتراقب. نعم، لتراقب. حاول أن تفعل أكثر من ذلك من جديد وسنفعل ما بوسعنا من أجل إبادتك من على وجه البسيطة."

حدّق أوبنهايمر فرانكنشتاين ببرودة إلى غايرو الذي هدّده ولم يجبه. غيّر وجهة نظره نحو الخارج ثمّ استمتع بالمناظر في الطريق.

تكلّم الحوذي بعدما قلّل من سرعة العربة: "يبدو أنّنا اقتربنا من وجهتنا. لن يمكننا التقدّم بالعربة يا سادة بعد الآن، لذا هذا أقصى ما يمكنني إيصالكم إليه."

أطلّ كاي من النافذة: "لا عليك، هذا ما اتّفقنا عليه. يمكنك العودة والانضمام لعائلتك في الملجأ الذي يقيمون فيه."

نزل الأربعة من العربة فغادر الحوذي بها بعدما ودّعهم.

اقترب أوبنهايمر فرانكنشتاين من صفاء التي بدورها حاولت الابتعاد عنه. حاول أن يقلّل من المسافة مرّة أخرى لكن اعترض غايرو طريقه وأحكم القبض على عنقه واقترب من وجهه ثمّ قال بينما يحملق إلى عينيه: "هذا يكفي يا أيّها الوغد! ألا تفهم معنى ابتعد عنها؟!"

حدّق أوبنهايمر فرانكنشتاين ببرودة إلى يد غايرو التي تشنقه، وتنهّد ثمّ قال: "إنّنا على وشك الدخول إلى المناطق المحظورة التي تحيط ببحيرة العالم المباركة المحاصرة، لذا فكّرتُ أنّ كوني قريبا منها سيجعلها في مأمن. لا داعٍ لأن تكون بهذا الانفعال يا هذا."

وضع كاي يده على كتف أخيه غايرو وحاول تهدئة الوضع: "هيّا يا أخي، لدينا موعد مع السيّدة أنمار ولا يجب أن نتأخّر. لقد أخبرتنا أنّها تريد أن تقابل صفاء وتمضي معها بعض الوقت قبل تحوّل العالم الروحيّ. إن انزعجنا بكلّ تصرّف منه، فلن نتحرّك من مكاننا."

تراجع غايرو بعدما أفلت العالم المجنون، فحملق كاي إلى هذا الأخير وقال: "لا نحتاج لحمايتك اللعينة. لقد تكلّفت قوّات أكاديميّة الاتّحاد العظمى بكلّ الوحوش السحريّة ذات المستويات العليا، لذا يجب أن نكون قادرين على الوصول إلى هدفنا دون أيّ مشكلة."

نظر أوبنهايمر فرانكنشتاين إلى الأخوين بعيون خالية من المشاعر، ثمّ نظر إلى صفاء بعمق وقال: "سيأتي وقت، وستندمان فيه على هذا، ولن ينفعكما الندم عندئذ. نيّتي حسنة، لكنّكما قابلتماني بسوء نيّة. فليكن. تقدّموا وسألحقكم بينما أضع مسافة محترمة بيني وبينكم."

استنكر غايرو كلامه وردّ عليه: "همف، أيّ نيّة حسنة؟ إنّك تحاول حمايتها فقط لأنّ لها قيمة كأداة لك، وليس لأنّك تعزّ شخصها بالذات."

ارتفع حاجب أوبنهايمر فرانكنشتاين مستغربا: "وما العيب في ذلك؟ إنّه لا يغيّر حقيقة أنّني أريد حمايتها."

تنهّد غايرو والتفت ثمّ قال لأخيه: "هيّا بنا نتحرّك، كيف لي أن أحاول الشرح له حتّى؟ لشخص لا يفهم معنى العاطفة حتّى."

لقد كان أوبنهايمر فرانكنشتاين لا يهتمّ بتاتا بالبشر، أو بالأحرى، لا يبالي بأيّ مخلوق إلّا إذا كان له قيمة يحدّدها هو بنفسه. فمن الوهلة الأولى، قد يبدو يراعي لصفاء، لكنّه بمجرّد ما أن يفرغ من ما يريده منها، فلن يعتريه أيّ قلق بشأنها.

هز أوبنهايمر فرانكنشتاين رأسه وتحرّك بعدما غادر الثلاثة بفترة قصيرة: "ولهذا البشر أغبياء. ألا يكفي أنّ لها قيمة عندي؟ قيمة تجعل حمايتها من أولويّاتي. كيف للبشر أن يتخلّوا عن مثل هذه الفرص؟ هل تلك العاطفة مهمّة لهذه الدرجة؟"

تنهّد مرّة أخرى وأكمل طريقة.

***

كانت أكاديميّة الاتّحاد العظمى عبارة عن حصن منيع تجاه الوحوش السحريّة، لذا كانت تُعدّ من أفضل الملاجئ في العالم الواهن. اجتمع في هذا الملجأ العديد من الشخصيّات المهمّة، بدءا من كبار التجار وصولا للأباطرة الثلاثة.

العديد من الأشخاص استغلّوا هذه الفرصة من أجل توطيد علاقاتهم مع ذوي الشأن في العالم، لذا كانت التجمعّات والحفلات قائمة طوال تلك الأيّام.

كان الجبل المركزيّ يعجّ بالبنايات التي اتّصلت ببعضها كجذوع شجرة لتلتقي أخيرا في قمّة الجبل حيث كانت قاعة الأكاديميّة المركزيّة.

لم يُسمح لأحد بالدخول إلى هذه القاعة سوى بتصريح مخوّل من أسياد الأكاديميّة الثلاثة المنتخبون، والذين كانوا الجنرال كاميناري رعد من إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، وأزهر زهير من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، والجنرال تشوسي كروز من الإمبراطوريّة الريّاح العاتيّة.

كان هناك اقتراح أن يضاف سيّد رابع من القبائل، لكنّهم لم يقدّموا أيّ شخص حتّى الآن. لم يسع زعمائهم أن يتخلّوا عن مسؤوليّاتهم، ولم يحدّدوا شخصا مؤهّلا لحمل تلك المسؤوليّة حتّى الآن.

كان سادة الأكاديميّة مختلفين نوعا ما عن طلّابها. بينما كان انتماء الطلّاب لأوطانهم أقوى من انتمائهم للأكاديميّة، كان السادة الثلاثة مقيّدين بالأكاديميّة ومخلصين لها كلّ الإخلاص، وكانت علاقتهم بها أقوى من علاقتهم بأوطانهم.

كانوا أشخاصا اختيروا خصّيصا لحمل هذه المسؤوليّة التي تطلّبت منهم تفضيل الأكاديميّة ومصالحها على أوطانهم الخاصّة. استطاعوا أن يقدموا على مثل هذا الفعل فقط لأنّ فعل ذلك عنى حمايتهم عالمهم أجمع وليس أوطانهم فقط نزرا لكون الأكاديميّة بُنِيت من أجل ذلك الغرض.

كانت قاعة الأكاديميّة المركزيّة مجهّزة بطاولة مستديرة بثلاث كراسي كانت حروفها مزخرفة بتنّين وعنقاء يتقابل وجهاهما على قمّة كلّ كرسيّ، وفي ظهر كلّ كرسّي كان هناك شعار مثل الذي كان منقوشا على وجه الطاولة المستديرة.

كان هذا الشعار عبارة عن دائرة سوداء بوسطها نقطة بيضاء، وأحيطَت بأربعة عشر دائرة زرقاء اللون يصل حجم كلّ واحدة منها إلى عُشر حجم الدائرة السوداء، وارتبطت كلّ دائرة صغيرة بشبيهتها وبالدائرة الكبرى عبر شريط له نفس الزرقة. فبدا الشعار كالزهرة في النهاية.

كانت الكراسي فارغة في الوقت الحالي، وذلك لأنّ الأشخاص الثلاثة الذي من المفترض أن يجلسوا عليها كانوا مشغولين مع الأشخاص الذين يملؤون القاعة المركزيّة من الشخصيّات المهمّة التي استطاعت أن تلجأ إلى الأكاديميّة.

في ليلة من الليالي، عمّت الأحاديث المكان، وبالطبع كان هناك همسات عن بعض الأشخاص البارزين: "انظر، إنّه التاجر ناصر."

تفاجأت بعض المجموعات: "ذلك هو التاجر ناصر المشهور؟"

كان التاجر ناصر ما يزال يرتدي لباسه العادي كتاجر بسيط، إلّا أنّه كان هناك عمامة على رأسه ولحية خفيفة جعلته يبدو أكبر من عمره وأكثر رزانة.

"لقد سمعت أنّه الشخص الذي يتكلّف بأعمال تشكيل البطل القرمزيّ، دون ذكر الإشاعة التي تقول أنّه التاجر الأكثر ثراء في العالم بعدما كان أوّل شخص يضع يده على كلّ منتوج جلبه البطل القرمزيّ إلى عالمنا."

قال شخص آخر: "وليس ذلك فقط، بل حتّى أنّه الشخص الذي يدير أعمال عائلة كريمزون الإمبراطوريّة."

تغيّرت أنظارهم فجأة لمّا لاحظوا بعض الأشخاص: "انظر، إنّهم الورثة الواعدين من إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة."

ركّزوا أنظارهم هذه المرّة على مجموعة تكوّنت من خمسة أشخاص؛ كان أوّلهم شخصا صاخبا: "كاكاكا، لقد أتيت، أنا سيّد الظلام العظيم، كورو هيسي لمقابلة القائد باسل، لكنّه غير موجود، فأين لي أن أجد غريما مناسبا لي؟"

ضربته امرأة سوداء الشعر كالحبر على رأسه: "ألن ينمو ذكاؤك مهما ضربتك يا أيّها الشقيّ؟"

حكّ كورو هيسي رأسه من الألم وردّ: "كفّي عن هذا يا عمّتي يامي، فلقد بلغت من الذكاء ما لم يبلغه بشر بالفعل، ولا يمكن أن يزيد أكثر من ذلك."

كان هذا هو وريث عائلة كورو، وعمّته يامي التي كانت تتصرّف كمرشدته في غالب الأحيان.

"يا للعجب،" اقترب رجل بشعر أبيض من كورو يامي بينما يفرك كتفه بكتفها ويحاول تقديم وردة حمراء لها: "لا داعٍ لأن تزعجي نفسك معه يا عزيزتي. لمَ لا تسخّري طاقتك من أجل حبيبك هنا؟"

دفعته كورو يامي متقزّزة: "لا تقترب منّي يا أيّها المنحرف."

تنهّد الرجل: "آه، يا للعجب، لقد أخبرتك مرارا أنّ اسمي هو كين نبيل، لمَ يجب أن تكوني بهذا الخجل حتّى أنّك لا تستطيعين نطق اسمي؟"

تجاهلته كورو يامي كما لو أنّه لا يوجد وحاولت الحفاظ على المسافة بينها وبينه. لقد كانوا مجتمعين ليتكلّموا عن بعض المسائل التي تتعلّق بعلاقات عائلاتهم الداخليّة والخارجيّة، لكنّهم لم يتقدّموا في ذلك حتّى الآن.

نظر كورو هيسي إلى الشخص الرابع الذي يقف على سارية بجانبهم، منعزلا عنهم. كان يلفّ وشاحا على عنقه ويغطّي به نصف وجهه، وكانت عيناه حادّتين.

قال له كورو هيسي: "ما بالك تنعزل بنفسك هكذا يا أيّها المقلّد؟ ألم تأتِ لأنّك أردت مناقشة الأعمال المشتركة بيننا أيضا؟"

حملق إليه الرجل ولم يجبه؛ لقد كان واضحا أنّه لا يطيق كورو هيسي من النظرات المنزعجة التي اعتلت وجهه.

ارتفع حاجب كورو هيسي واقترب منه: "اسمعني يا أيّها المقلّد، ليس كما لو أنّني أريد التعاون معك أيضا، ولكن هذا من أجل المصلحة المتشاركة بيننا. كف عن تصرّفك الوقح هذا وانضم لنا حتّى نبدأ ما جئنا من أجله."

اتّسعت عينا وفم كورو يامي من شدّة الدهشة؛ تعجّبت تماما من الكلام المعقول الذي قاله كورو هيسي.

حملق إليه الرجل المنعزل وقال: "أنا أقف هنا لأنّني رأيت أنّ المحادثة لن تبدأ وأنت تصرخ وتفتخر بنفسك. سأنضمّ لكم عندما أرى أنّ هناك نقاش جادّ قد بدأ."

كاد كورو هيسي ينفجر غضبا بعدما ارتفع ضغط دمه، لكنّ كورو يامي أوقفته بوضع يدها على كفته وتدخّلت: "لا بأس، سنتحدّث في المواضيع الجدّيّة الآن، لذا لمَ لا تنضمّ لنا يا قائد السنبلة الخضراء؟"

كان الرجل المنعزل هو قائد فرقة السنبلة الخضراء الحالي. لقد كان اليد اليمنى للجنرال رعد، قائد الفرقة السابق، لمدّة طويلة، وظلّ مخلصا ووفيّا له إلى الآن؛ حتّى أنّه قد أتى إلى هذا الملجأ وترك فرقته تعتني بالملجأ في العاصمة بدونه لأنّه أراد أن يكون قرب كاميناري رعد.

كانت علاقة هذين الاثنين كالعلاقة بين أخوين إذْ كان يين يينغ يتطلّع إلى الجنرال رعد كأخ أكبر له ويحترمه بشكل كبير، مع العلم أنّ العلاقة بينهما عندما التقيا أوّل مرّة كانت بعيدة عن وضعهما الحالي كلّ البعد.

حملق إلى كورو يامي وتنهّد ثمّ تقدّم نحو الثلاثة دون أن ينبس ببنت شفة.

كان كورو هيسي منزعجا من طريقته في التصرّف، لكنّه تمالك نفسه فجعل كورو يامي تندهش من تصرّفه الناضج الذي لم يكن على عادته.

ضربته على رأسه وقالت: "يبدو أنّك نضجت قليلا دون ملاحظتي."

نظر كورو هيسي إلى الأسفل ثمّ سها لبعض من الوقت قبل أن يرفع رأسه عاليا ويضحك بصوت مرتفع: "كاكاكا، ما الذي تتحدّثين عنه يا عمّتي يامي، لقد كنت وما أزال سيّد الظلام العظيم. إنّك فقط تحبّين ضرب رأسي."

نظرت كورو يامي إليه ولاحظت شيئا غريبا في تصرّفه. أحسّت أنّه يتصنّع الغباء والبلاهة هذه المرّة على غير سجيّته. فكّرت في الأشياء التي يمرّ بها حاليا، فاستنبطت أنّ الأمر له علاقة بالخلافة.

لم يسعها سوى أن تتمتم لنفسها: "هيسي، أنت... يبدو أنّك كنت تفكّر في الأمر بجدّيّة لوحدك لمدّة طويلة."

أحكمت قبضتها وعزمت على مساندته، كونها كانت تعلم المسؤوليّة الكبيرة التي تقع على كتفيه. لقد كان الرئيس القادم لعائلة كورو، والآن بعدما أصبح العالم على حاله الحاليّ، صارت الأوضاع جدّيّة كثيرا وتتطلّب رؤساء يمكنهم قيادة الناس بشكل فعّال أكثر من أيّ وقت مضى من أجل مواجهة الأخطار التي تجول حولهم.

أمّا الشخص الخامس، فقد كان مارون زونغ، خليفة عائلة مارون. لقد كان هو الوحيد الذي بدا هادئا بشكل طبيعيّ. لم يكن لديه ما يقول حتّى الآن فظلّ صامتا حتّى بدأ النقاش الجدّيّ بينهم.

كانت أنظار الناس قد تغيّرت وجهتها بالفعل؛ كانوا يحدّقون إلى الأشخاص الخمسة الذين دخلوا فجعلوا القاعة بأكملها تتحدّث عنهم.

"انظروا، إنّهم قادة تشكيل بطل البحر القرمزيّ."

"السيّد تورتش، الهلال الملتهب."

"السيّد شينشي، الكفن الناضب."

"السيّد برودي، الدم البارد."

"السيّد فانسي، سيّد الخداع."

"السيّدة شي يو، العقل الصافي."

"السيّدة شي يو تُعدّ مخطّطةَ التشكيل الاستراتيجيّةَ ومعالجتَه، والتي يقال عنها أقوى ساحرة علاج في العالم حاليا."

"السيّد فانسي يشتهر بغوره الذي لا يسبر، إذ لا يستطيع أحد تخمين خطوته القادمة أو الخدع التي يكيّدها."

"السيّد برودي الذي قورِنت قوّته بشفرة الجليد، كين نبيل، في أغلب الأحيان، إلّا أنّ شخصيّته هادئة ورزينة على عكس الآخر."

"السيّد شينشي الذي يدفن أعداءه أحياء."

"السيّد تورتش الذي لا تُقارن مهارته في القوس، إذ جعل منها شيئا لا يستطيع أغلب الجنرالات مجاراته."

أعلن بعض الأشخاص عن أسماء قادة التشكيل وألقابهم وما يشتهرون به واحدا تلو الآخر. لقد كانت شهرة هؤلاء الخمسة كبيرة للغاية خصوصا بسبب التأثير الذي يخلّفه باسل، سيّد التشكيل.

استمرّت الاحاديث حولهم: "إنّهم حقّا أساطير حيّة بيننا. لقد سمعت أنّهم قد بلغوا المستوى الثالث عشر بالفعل."

استغرب شخص آخر: "ماذا؟ لقد سمعت أنّهم قد وصلوا إلى المستوى الرابع عشر منذ مدّة."

تدخّل شخص آخر: "الثالث عشر أم الرابع عشر، هذا لا يهمّ، ما يهمّ هو حضور بطل عالمنا من عدمه. هل سيأتي أم جاء بالفعل نظرا لحضور قادة تشكيله؟"

"معك حقّ، ليس هناك الكثير من الفرص للقاء شخص مثله. سأسعد كثيرا ولو بالحديث معه فقط؛ لا تعلم كم يمكن أن تستفيد من دردشة بسيطة معه."

كان هذا الشخص ساحرا من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، ووريثا لعائلة نبيلة رئيسها أحد الجنرالات، لذا كان متشوقا لرؤية باسل.

هزّ رفيقه رأسه وقال: "أظنّ أنّه ما يزال في قارّة الأصل والنهايّة. إنّني حقّا متعجّب من بقائه هناك لوحده بعدما ما سمعنا عمّا حدث مؤخّرا هناك. آمل أن ينجوَ بلحمه سالما من ذلك المكان؛ قد تكون تلك القارّة هي المكان الذي يجب أن نحتاط منه بحرص شديد عند التحوّل الروحيّ لعالمنا بعد كلّ شيء."

"معك حقّ! ولكن هذا ما يجعله غامضا ومثيرا للاهتمام أكثر. فبالإضافة إلى كلّ الأساطير التي سمعناه عنه، ما زال يستمرّ في صنع أساطير أخرى. قد لا يرى عالمنا موهبة مثله إلّا بعد عصور، هذا إن كانت موهبة مثله ستظهر أصلا."

"لا شكّ في هذا..."

استمرّت الدردشات بين الحاضرين على هذا الحال، وفي هذه الأثناء لاحظ التاجر ناصر قادة التشكيل مثل أقرانه واقترب منهم ليمضي معهم بعض الوقت، فعلى ما يبدو قد مرت مدّة لا بأس بها منذ آخر مرّة رأى فيها بعضهم بعضا.

بقي الوضع على ذلك الحال حتّى حضر ضيوف الشرف أخيرا، فالتفت الجميع وألقوا التحيّة بانحنائهم قليلا للمجموعة الكبيرة التي تقدّمها ثلاثة رجال، أحدهم يبدو عجوزا نوعا ما ولكن بجسد قويّ وحيويّ، والثاني يبدو في منتصف العمر بندبة على طول جبهته العريضة بتعبير شرس يعتلي وجهه، والثالث كان رجلا شابّا يصغر الثاني عمرا بقليل وبدا وجهه ناضرا.

"انظر، إنّهم الأباطرة وعائلاتهم مجتمعين. نادرا ما ترى مثل هذا المنظر. انظر إلى كلّ الهيبة التي تحيط بهم. يجعلونك ترى الفارق بينهم والآخرين فقط بتصرّفاتهم الملكيّة. تلك هيبة لا تُكتسب عند الولادة، ولكن من خلال الحياة."

كان حضور مجموعة الأباطرة بارزا للغاية.

تحمسّ الكثير من الأشخاص: "يا إلهي! إنّهما زهرتا القمر والشمس! هل حقّا هما بشريّتان من عالمنا هذا؟ كيف للشخص أن يكون جميلا وجليلا هكذا؟"

"الآن فهمت لماذا يقول بعض الأشخاص أنّهم لا يستطيعون وصف امرأة أخرى بالجميلة بعد رؤية هاتين الاثنتين. لو كانتا هاتان جميلتان، فكيف يمكن لامرأة أخرى أن توصَف بمثل ما وُصِفا به؟"

كانت أنمار ترتدي أحد فساتينها السوداء، والذي كانت حوافّه مزيّنة بزخرفة ذهبيّة بسيطة على شكل شعلات ناريّة فبدت كعنقاء ملتهبة تجسّدت على شكل إنسان، وارتدت شيرايوكي فستانا أزرق اللون جعلها تبدو كزهرة تفتّحت في أراضي الصقيع تحت ضوء القمر.

"إنّهما حقّا زهرتا القمر والشمس! أحسنَ الوصف من لقّبهما."

مرّت أنظار الحاضرين على الجميع، لكنّهم لاحظوا بعض الأشخاص الذين لم يعلموا عنهم شيئا.

حدّقت مجموعة في إحدى الزوايا إلى فتاة تبدو بالثانية عشر من عمرها، ذات شعر أزرق فاتح مثير للانتباه، وعينين حمراوين نادريْن، ووقار ينبعث من جسدها كما لو أنّها مخلوق سامٍ.

تعجّبوا من سناءِ صفاء الذي تراءى بينهم كما يتجلىّ البدر في ظلمة السماء: "من تلك الفتاة؟!"

***

تساءل العديد من الأشخاص، وبالطبع كان من بينهم مَن امتلك بعض المعلومات: "لقد سمعت أنّها أختُ توابعٍ للبطل القرمزيّ؛ يبدو أنّه يعاملها بحرص ومعزّة لسبب ما، ونظرا لكونها قد أتت مع الأميرة أنمار، فأظنّ أنّ ذلك صحيح."

تعجّب أحدهم: "بطل البحر القرمزيّ يعزّها؟ هل يمكن أنّ هناك علاقة بينهما غير العلاقة التي ذُكِرَت آنفا؟ فكما أرى، إنّها تملك شعرا لم أرَ مثله من قبل كما لو أنّه جريان من الطاقة السحريّة الخالصة، وعينيْن بحمرة ملتهبة تبدوان مثلما وُصِفت به عينيْ بطل عالمنا. إنّني أشعر من ناحيّتها بطاقة سحريّة لم أشهد لها نظيرا في حياتي."

ردّ الشخص الذي يملك المعلومات بهذا الشأن: "لقد بحثتُ لوقت طويل عن أصل بطلنا، واكتشفت أنّه له علاقة بعشيرة النار القرمزيّة التي كان يشاع عن وجودها تحت جناح عائلة كريمزون."

نظر إلى الفتاة الصغيرة بعمق وأكمل: "ولكن... ما عرفت هو أنّ أعضاء العشيرة يتميّزون بالشعر القرمزيّ والعينين الحمراوين وعنصر النار، أمّا هذه الفتاة فلا تملك على الأقلّ صفة الشعر المذكورة."

حلّل أولئك الأشخاص الوضع بينما اكتفى آخرون بالاستمتاع بحضور العائلات الإمبراطوريّة.

كانت صفاء تقف بجانب أنمار لكنّها لم تقترب منها كثيرا، إذ كان واضحا أنّهما لم تتحدّثا بشكل لائق حتّى الآن. فالفتاة الصغيرة قد أتت لتوّها ومباشرة اصطُحِبَت إلى هنا. كان أخواها غائبين بعدما أخبرا أنمار أنّه لا يجوز لهما أن يكونا بين أولئك الشخصيّات المهمّة، لكنّ أنمار أصرّت على حضور الثلاثة وكنتيجة لعناد الأخوين حضرت الأخت الصغيرة فقط.

وبسبب هذا كانت متوتّرة حاليا، لا تعلم ماذا تفعل أو أين توجّه نظرها. أحسّت بالضغط من كثرة النظرات التي سقطت عليها محاولةً تحليلها، واستطاعت الشعور بالغيرة القادمة من بعض الأشخاص الذين تمنّوا لو كانوا في مكانها.

التفتت أنمار لتجدها متجمّدة في مكانها، فتحرّكت نحوها ببطء قبل أن تنحني لتستوي أعينهما، فحدّقت إلى الفتاة التي لا تعلم ماذا تفعل بجسدها، وربّتت على رأسها ثمّ قالت: "هل قابلتِ باسل؟"

كانت صفاء تنظر إلى الأسفل حتّى الآن، فرفعت رأسها لمّا سمعت اسم باسل ونظرت إلى عينيْ أنمار بإشراق يعتلي وجهها: "هل تعلمين أين هو الأخ الأكبر باسل؟"

كانت متحمّسة بشأن سؤالها كما كان واضحا مدى اشتياقها للقائه. لقد التقت به عندما أنقذها وأثار اهتمامها خصوصا بعدما نادياه أخواها بسيّدهما، أخواها العنيدان اللذان لم يكونا ليقبلا بأحد كسيّد لهما قطّ، لكنّ اهتمامها به زاد لدرجة كبرى بعدما سمعت من أخويّْها عن الجهد الذي بذله في إنقاذها وعن قصصه وأساطيره.


ابتسمت أنمار وقالت: "باسل ليس موجودا حاليا هنا، لكنّه سيأتي في وقت لاحق. أتعلمين عنّي؟"

خاب أمل صفاء لكنّها أجابت أنمار مع ذلك بإيماءة منها، ثمّ شبكت أصابع يد مع أصابع اليد الأخرى وعادت لحالها السابق.

أضافت أنمار: "هل تعلمين لمَ أتيتُ بكِ إلى هنا؟"

أجابت صفاء بهزّ رأسها يمينا وشِمالا.

أكملت أنمار مجيبة عن سؤالها الخاصّ: "ذلك حتّى يعلم كلّ شخص مهمّ في هذا العالم عن أهمّيتك لنا. لقد أخبرني باسل أن أعتني بك جيّدا، ولهذا أريد من الحاضرين أن يعلموا أنّني وباسل بنفسه ندعمك، حتّى لا تحتاجي للمرور بما مررت به سابقا."

كانت نظرات أنمار متعاطفة مع صفاء؛ لقد علمت ما مرّت به الفتاة الصغيرة من جحيم لا يطاق. كان يُستخدم عادةً في العمليّة التي نُفِّذَت عليها حجر أصل ودماء لوحش سحري بالمستوى الأوّل فقط، ولكن في حالتها قد استُخدِم حجر أصل ودماء وحش سحريّ بالمستوى الرابع عشر. كان العذاب التي مرّت به رفقة من ماتوا قبلها هو ما جعل باسل يفقد أعصابه لدرجة عذّب فيها غرين شارلوت وأخيها غرين هيملر بتلك الطريقة في السجن المركزيّ.

كانت أنمار تعلم أنّ باسل يهتمّ بصفاء لمختلف الأسباب، ففي الأوّل اهتمّ بها بسبب وعده مع أخويها، ولكن مع الوقت صار متعاطفا معها، ثمّ في الأخير وجد أنّ التحوّل الذي مرّت به علاقة بطريقة ما بما حصل لسلف عشيرة النار القرمزيّة، كريمزون، وارتفعت قيمتها عنده كونها موهبة استثنائيّة.

نظرت صفاء إلى أنمار بينما تلعب بأصابعها: "هل حقّا أنت خطيبة الأخ الأكبر باسل؟"

ابتسمت أنمار كما لو كانت فخورة بذلك، وفقدت رشدها لوهلة من السعادة التي نتجت عن سماعها لكلمة 'خطيبة'، وقالت بفرح: "نعم، باسل خطيبي، وسنتزوّج مستقبلا."

نظرت صفاء إلى الأسفل كما لو أنّها تفكّر في شيء ما، وبدا كما لو أنّها تستعدّ لقول شيء يثير توتّرها: "أنـ... أنا أيضا."

كانت أنمار غارقة في السعادة ولم تفهم ما قصدته صفاء، فأمالت رأسها بينما تتّكئ على يدها اليمنى التي وُضِعت تحت ذقنها: "أمم، ماذا قلت يا صفاء الجذّابة؟"

"كما قلتُ،" صرخت الفتاة الصغيرة كما لو أنّ حياتها تعتمد على ذلك: "أنا أيضا أريد أن أكون زوجة الأخ الأكبر باسل."


أثارت انتباه بعض الحاضرين بذلك لكنّهم لم يفهموا ما كان يحدث واستغربوا ممّا قالته لتوّها.

لم تتغيّر ابتسامة أنمار أو وضعيّتها، لكنّ الجوّ المحيط بها أصبح متشائما نوعا ما، ولاحظ بعض الأشخاص الأكفاء أنّ هناك نيّة قتل من ناحيّة أنمار بالرغم من أنّها كانت تحاول السيطرة عليها قدر المستطاع حتّى لا تتسربّ منها.

سألت أنمار مرّة أخرى بنفس التعبير: "هل سمعتُك للتوّ تقولين أنّك تريدين أن تكوني زوجة باسل؟"

احمرّ وجه صفاء أكثر بعدما كان ورديّا من الخجل، وصارت أذناها كحبتيْ طماطم، وأجابت بتردّد ولكن بصوت ارتفع بشكل تدريجي: "صـ-صحيح، أنـ-أنا أحبّ الأخ الأكبر باسل."

تزعزعت حافّة فم أنمار المبتسم، ووقفت بينما يعتليها ذلك التعبير طوال الوقت، كما لو أنّ وجهها تجمّد من الصدمة. لقد كانت تحافظ على هدوئِها في كلّ الأوقات، ولكن عندما كان يرتبط الأمر بعلاقتها بباسل، كانت تفقد عقلها.

بدأت نيّة قتلها تتسرّب منها رغم محاولتها قمعها، فأحسّ بعض الأشخاص في القاعة بالقشعريرة دون أن يعلموا السبب، سوى بعض الأشخاص الاستثنائيّين.

التفت قادة التشكيل بشكل مفاجئ وحدّقوا إليها مستغربين ومندهشين: "ما الذي يحدث للسيّدة أنمار؟! هل تنوي قتل أحد هنا أم ماذا؟!"

حدّق تورتش إليها ثمّ قال: "هيّا، فلنسرع ونرَ ما يحدث. يجب أن نوقف أيّ حدث خطير قد يصيبها."

تحرّك قادة التشكيل في اتّجاهها مع حفاظهم على هدوئهم قدر المستطاع حتّى لا يثيروا الانتباه لأحد، كما لو أنّهم ذاهبون للقاء أنمار بشكل طبيعيّ.

حدّق سادة الأكاديميّة الثلاثة والأباطرة وشيرايوكي إلى أنمار محاولين اكتشاف سبب إطلاقها نيّة قتلها بهذا الشكل.

اقتربت شيرايوكي من أنمار وسألتها: "ما الخطب يا أنمار؟"


لم تجبها زهرة الشمس التي أصبحت ابتسامتها التي لم تتغيّر تظهر بشكل مخيف بسبب النيّة المرعبة خلفها.

لاحظت شيرايوكي أنّ أنمار تنظر إلى صفاء التي تقف أمامها مباشرة، فحاولت اكتشاف ما يحدث، لكنّها لم تستطِع الوصول لاستنتاج معقول. فقط ما الذي فعلته هذه الطفلة حتّى تجعل أنمار غاضبة هكذا؟

تحرّكت أنمار خطوة للأمام، ولكن صفاء كانت تنظر إليها مباشرة غير خائفة أو متردّدة، ومن يعلم ما إذا كان ذلك بسبب شجاعتها أو جهلها، لكن عيناها كانتا شاخصتين.

كانت المسافة بينهما تقاس بخطوة فقط قبل أن تخطو تلك الخطوة للأمام، لذا كانت أنمار حاليا تنظر إليها وهي ملتصقة بها، ولكن قبل أن تُقدِم على شيء، ظهر شابّ بوجه طفوليّ أمامها وجعل صفاء وراءه ليفصلها بذلك عن أنمار.

حملق إلى أنمار ثمّ قال: "ما الذي تنوين فعله الآن يا أيّتها الأميرة؟"

"من؟ من هذا؟"

"من ذلك الشخص؟"

"لقد ظهر من العدم فجأة ويجرؤ على مواجهة الأميرة بدون احترام."

تحرّك أربعة حرّاس كانوا يحرسون بوّابة القاعة بسرعة عندما لاحظوا ذلك الشخص يظهر من العدم: "ما الذي تفعله هنا يا أيّها الوقح؟ فلتتراجع وابتعد عن سموّ الأميرة!"

وجّهوا رمحاهم الأثريّة تجاهه، والتي كانت من الدرجة السادسة، لذا كان واضحا أنّ هؤلاء الحرّاس كانوا سحرة بالمستوى الحادي عشر على الأقلّ.

تجاهلهم الشابّ وركّز بدل ذلك نظره على أنمار، والتي لم تتغيّر تعبيراتها حتّى الآن. بقي الوضع على ذلك الحال لمدّة طويلة فتعرّق بعض الأشخاص من التوتّر الحاد الذي ولّده الوضع. كادت الشرارات تتطاير بين الاثنين فقط بوقوفهما هناك يحملقان إلى بعضهما بعضا.

فتحت أنمار عينيها أخيرا واختفت تلك الابتسامة عن وجهها، وتبدّدت نيّة قتلها التي كانت تكبحها، ثمّ نظرت إلى الحرّاس وقالت بحزم: "تراجعوا، إنّه ضيف لديّ."

حدّق الحرّاس إليها وقال أحدهم: "ولـ... ولكن يا سيّدتي..."


لقد شعروا بالعداوة التي صدرت من ناحيّة الشابّ، لذا لم يستطيعوا تصديق كونه ضيف لدى الأميرة.

نظرت أنمار شزرًا إلى الحارس الذي استفهم أمرها، فصعدت القشعريرة معه لمّا رأى حدقتها تطلّ عليه من زاوية جفن عينها اليسرى، فاستقام بجسده وأعطى التحيّة بانحناءة سريعة واصطحب رفاقه نحو البوّابة بهرع.

نظرت أنمار بعد ذلك إلى الشابّ أمامها، ثمّ قالت: "لقد ظننت أنّ أخواها قد أخبراك أن تبقى بعيدا عنها، أو لم يفعلا يا أيّها العالم المجنون؟"

حدّق العالم المجنون إليها وقال بحزم: "اسمي هو أوبنهايمر فرانكنشتاين يا أيّتها الأميرة، ولو كنتُ قد بقيت بعيدا عنها كما التُمِس منّي، لكانت عاقبة ذلك وخيمة بحلول هذا الوقت."

حملقت إليه أنمار منزعجة: "قد أفقد رشدي في بعض الأحيان، لكنّني أعلم كيف أستعيده. لقد ترك باسل صفاء في رعايتي ووضع ثقته فيَّ، لذا يجب أن تعودَ من حيث أتيتَ."

حدّق فرانكنشتاين إليها ولاحظ أنّها قد هدأت بالفعل وانطفأت نيّة قتلها التي كانت تحاول إخفاءها، فنظر بعد ذلك إلى صفاء باهتمام بعدما تذكّر أنّها قد جابهت ضغطا لا يُستهان به للتوّ، وظلّت محافظة على هدوئها كما لو كانت في حضن أمّها.

نظر بعد ذلك مرّة أخيرة إلى أنمار ثم قال: "ليس كما لو أنّ حصوله على زوجة أو زوجتين أخريين بالأمر الكبير على أي حال، لا تكوني ضيّقة الأفق."

اختفى بعد ذلك من نظر الجميع دون أن يلاحظه أحد. لقد كان سريعا لدرجة مخيفة حتّى أنّه أفلت من مراقبة الجميع، وحتّى أنمار بالكاد استطاعت معرفة المسار الذي اتّبعه، ولم تقدر على ملاحظة صورته وهو يغادر.

نفخت وجنتها ثمّ قالت: "همف، كما لو أنّك تعلم شيئا عن الحبّ يا أيّها الوغد."

لقد قال فرانكنشتاين تلك الجملة فقط ليغيظ أنمار، وقد أصاب الهدف على ما يبدو.

نظرت أنمار بعد ذلك إلى صفاء وقالت بعدما اقتربت منها: "يبدو أنّ ترحيبي كان حارّا للغاية. آمل أن تعذريني يا صفاء."


كانت أنمار متأسّفة حقّا عمّا فعلته في حقّ الفتاة البريئة. لقد كان الأمر مختلفا تماما عن تلك المرّة التي دمرّت فيها الفتاة التي تقرّبت من باسل في قريتهما. آنذاك، حاولت الفتاة خداع باسل من أجل أخيها عثمان، ولكن هذه الفتاة الصغيرة ها هنا كانت نقيّة لدرجة أنّها لم تضع شيئا آخر في الحسبان عندما قالت ما قالت. علِمتْ أنّه يجب أن تتعامل مع صفاء بطريقة مختلفة.

ابتسمت صفاء وقالت: "عمّ تتحدّثين يا أيّتها الأميرة أنمار؟"

لقد كانت صفاء تحاول ادّعاء الغباء، ولكن في نفس الوقت كانت تخبر أنمار أنّ ما فعلته لم يكن شيئا في نظرها، ولم تتأثّر قطّ بذلك.

ابتسمت أنمار وقالت بعدما نفخت وجنتيها: "أنا لن أسلّمه لأحد، هل تفهمين؟"

أجابت صفاء محافظة على ابتسامتها تلك: "إنّك حقّا تحبّين الأخ الأكبر باسل يا أيّتها الأميرة أنمار، أستطيع أن أفهم ذلك بما أنّني أشعر مثلك."

كانت هذه الفتاة صريحة، وتعرف كيف تستخدم كلماتها بعناية دقيقة؛ فأنمار فهمت أن ما قصدته صفاء هنا هو أنّها أيضا تحبّ باسل بنفس الدرجة ولن تتخلّى عنه.

كان واضحا أنّ صفاء تتحدّى أنمار هنا، ولهذا حدّقت زهرة الشمس إليها بعينين تنظران إلى منافِسة: "أجْرُ الإقامة في عالمنا غالٍ."

ردّت صفاء بحزم: "أستطيع تحمّل الثمن."

***

حدّقت أنمار إلى الفتاة التي تجمّدت قبل قليل من كثرة النظرات التي سقطت عليها ولكنّها تتصرّف الآن بهذه الجرأة. لم تكن تتصنّع الشجاعة أو كانت غبيّة، بل كانت صريحة لدرجة كبيرة وفعلا لا تهاب الضغط الذي تُحدثه أنمار.

لقد كانت هذه فتاة تجاوزت ما لم يستطِع العديد من الرجال والنساء تجاوزه بأضعاف. لقد اختبرت آلاما قاتلة وتغلّبت على عذاب لا يقدر أيّ ساحر سوى الاستثنائيّين على التغلّب عليه؛ فكيف لها أن تخشى أيّ أحد؟ لقد تجمّدت من النظرات المحيطة فعلا، ولكن ذلك فقط لأنّها كانت وحيدة وغير معتادة على أن تكون محور الانتباه.

كانت نظرات أنمار تخترق صفاء كما لو أنّها تختبرها لترى كم ستصمد، فكانت إرادة صفاء أقوى بكثير ممّا قد يتخيّل المرء. في العادة، لو تعرّض المرء لتلك النظرات من أنمار، سيكون مصيره مثل مصير اللبؤة الذهبيّة، نورثرولر زهاء.

في ذلك الوقت، لم تستطِع اللبؤة الذهبيّة الصمود أمام إرادة الجنيّة الذهبيّة، فلمْ تملك الأحقيّة للوقوف بجانب باسل حتّى بما بالك بالدخول إلى عالمه.

كانت أنمار تفعل كلّ هذا فقط من أجل باسل؛ فهي كانت تختبر الشخص إن كان جديرا بحبّ الرجل الذي تحبّ، ثمّ ترى ما إذا كان أهلا للوقوف بجانبه. لم يكن هناك مجال لترك شخصٍ يدّعي حبّ باسل أن يمكث بجانبه وهو ليس مستحِقّا لذلك.

ولكن صفاء، الفتاة الصغيرة أمامها، أثبتت كفاءتها وتجاوزت اختبارها حتّى الآن. ومنذئذ فصاعدا، تغيّرت تصرّفاتها تجاه الفتاة الصغيرة، لا، بل تجاه المرأة صفاء. اعترفت أنمار بصفاء كمنافسة لها، كأوّل منافسة لها في الحبّ بشكل أدّق.

لم تسأل عن السبب الذي جعل صفاء تقع في حبّ باسل، فالفتاة التي لا تغرم به في نظرها عمياء وصمّاء، هذا بدون ذكر كلّ ما فعله من أجل صفاء. وأكثر من ذلك، السبب الذي جعلها لا تسأل هو العزيمة التي تمثّلت في عينيْ صفاء لمّا صرّحت بحّبها.

ابتسمت أنمار وقالت: "سأقرّ بحبّك، ولكنّني لن أسمح لك أو لأيّ فتاة في العوالم أن تكون زوجته. أنا، أنمار، زوجة باسل الوحيدة، وتلك المكانة لن أشاركها مع أحد آخر."


بادلتها صفاء الابتسامة وردّت بهدوء: "مع كل الاحترام يا أيّتها الأميرة أنمار، ولكن ليس بيدك حيلة عندما يتعلّق الأمر بزواجه من امرأة أخرى من عدمه. على مرّ العصور، كانت الزيجات السياسيّة ضروريّة، وتحتّم على قادة البلدان عقد القران مع مختلف النساء لتكوين رابطة ددمم."

نظرت أنمار إلى صفاء باندهاش، فلوهلة الآن، ذكرّتها بمنطقها هذا وأسلوبها في التحدّث بباسل، فعبست واستنكرت الأمر.

أكملت صفاء بنفس الوتيرة: "...حتّى لو لم أظهرْ هنا اليوم وأخبرْك بحبّي له، فشخص مثله، وأنت تعلمين، سيلقى الإعجاب أينما حلّ، وعروض الزواج ستُقدَّم له من كلّ جهة. وحتّى لو رفض مرارا من أجلك، سيحلّ يوم يحتاج فيه إلى قوّة بعض الأشخاص الذين لن يرضوا إلاّ بصلة من الدم معه كشرط لاكتمال التحالف بين الطرفين."

ظلّت أنمار تحدّق فقط إلى صفاء؛ لقد أقرّت بها للتوّ كمنافسة في الحبّ، ولكنّها لم تتوقّع أن تكون بهذا الذكاء الباهر وتملك القدرة على التلاعب بالكلمات هكذا.

ابتسمت مرّة أخرى عندما فكّرت أنّه على الأقلّ منافستها في الحبّ حقّا وفعلا تستحقّ أن تكون منافستها كما أسلف واقتنعت بذلك.

لقد قالت صفاء أشياء في الصميم إذْ كانت أنمار تفكّر فيها لوقت طويل. أحسّت أنمار كما لو أنّ هذه الفتاة ستقدر على فعل كلّ ما تقول بما أنّها كشفت نواياها وأفكارها هكذا.

حدّقت إلى صفاء لبعض الوقت قبل أن تردّ: "يبدو أنّه لديك موهبة في التلاعب بالكلمات وكشف نوايا الناس عبر حدسٍ فذٍّ."

ابتسمت صفاء ونظرت إلى عينيْ أنمار مباشرة ثمّ قالت: "كما تخترقين الشخص بنظراتك وإرادتك، فأنت أيضا تسمحين له بفهم أعماقك من خلال ذلك."

التهبت عينا صفاء الحمراوين بضوء البدر الذي تجلّى بعدما غادرته السحب، وبدا شعرها فضّيّا بعدما سقط عليه النور، فانفردت كجنيّة سامية، ولكن ذلك الضوء شمل أنمار أيضا التي كانت قريبة للغاية منها؛ فتوهّجت زخرفة فستانها وبدت تلك الشعلات الناريّة حقيقيّة، إذْ توهّجت وأضْفَت على شعرها الذهبيّ بهاءً فبدت كعنقاء ملتهبة.

بلع بعض الأشخاص أرياقهم من المشهد الذي بدا كتحفة فنّيّة لا واقعا، واندهشوا من التوتّر الذي نتج من المحادثة التي دارت بين أنمار وصفاء وقوّة إرادتيهما إذْ جعلتا الجوّ مشحونا وكادت الشرارات تتجسّد في الأرجاء.

"فقط من هي تلك الفتاة؟"


تعجّب الحاضرون كونهم شهدوا أو سمعوا على الأقلّ عمّا حدث للبؤة الذهبيّة التي ظلّت كعبرة لمن يعتبر.

حدّق إلى صفاء قادةُ التشكيل والتاجر ناصر وبعض الأشخاص الذين يعلمون عن أمرها، وبلعوا أرياقهم كونهم يعلمون كم يمكن أن تكون أنمار مرعبة عندما يتعلّق الأمر بباسل، ولكنّهم تفاجؤوا أيضا من قدرة صفاء على مواكبتها.

عمّ المكان الهمسات التي تحاول اكتشاف ما يدور بين الاثنتين، ولكن أنمار أنهت الأمر: "فلنستمتعْ الليلة كما كان مخطّطا يا صفاء وننسَ الأمر حاليا."

انحنت صفاء قليلا كقبول محترم لاقتراح أنمار، وتغيّر الجوّ حولها بعدئذ فأصبحت تلك الفتاة الصغيرة التي لا تعلم ماذا تفعل بأصابعها مرّة أخرى، وتبعت أنمار التي تحرّكت تجاه قادة التشكيل.

كانت شيرايوكي بجانب أنمار قبل أن تصل صفاء إليهما، فنظرت شيرايوكي إلى أنمار باستغراب وقالت: "ألست تبالغين كثيرا يا أنمار؟ إنّها ما تزال طفلة بعد كلّ شيء. لا أظنّ أنّ الأمر يتطلّب منك فعل كلّ هذا."

أغمضت أنمار عينيها بدل أن تنظر إلى شيرايوكي وتذكّرت تينك العينين الحمراوين المشتعلتين بعزيمة لا تتزعزع.

كان تعبيرها جدّيّا للغاية حاليا، وقالت بعدما فتحت عينيها: "طفلة؟ قد يكون هذا صحيحا، ولكنّ ذلك حبُّ امرأة لا يُستهان به أو يُتَجاهل. ألم تري كيف أثبت نفسها ها هناك؟ هل حقّا يمكنك القول عنها 'مجرّد طفلة' بعد كلّ ما رأيتِه؟ لقد اعترفتُ بها كمنافسة لي، وهذا يجب أن يكون كافيا لك حتّى تفهمي الوضع."

حدّقت شيرايوكي إلى أنمار قبل أن تلتفت إلى صفاء التي كانت تقترب منهما؛ كانت تحاول الرؤية عبر الفتاة الصغيرة، لكن ما وصفتها به أنمار لم يكن ظاهرا أو باطنا بها في وضعها الحاليّ. لم يسع شيرايوكي سوى أن تلعب دور الجاهل ونسيان ما حدث للتوّ بعدما فشلت في فهم صفاء.

مرّت الليلة كما كان مخطّطا لها، مثلها مثل باقي الليالي اللاتي سبقنها ولحقنها، إذ حاول ذَوُو الشأن الكبير توطيد علاقاتِ بعضهم ببعض وبالعائلات الإمبراطوريّة وسادة الأكاديميّة.

كان الحال كذلك في باقي الملاجئ التي شُيّْدت على يد باسل في الأشهر الماضية. آنذاك، كانت هناك أخبار عن تنقّله عبر العالم يفعل أمورا غريبة كالغوص تحت الأرض لمدد طويلة والنقش على حيطان المدن بنقوش أكثر غرابة، حتّى تأكّدت الشائعات أخيرا من فم الكبير أكاغي وأصبح معلوما أنّ باسل كان يبني مصفوفات معقّدة حتّى يلجأ لها الناس في العالم أجمعه عند التحوّل الروحيّ.


كان باسل ليواجه وقتا أطول في العادة، ولكنّه استطاع النجاح في الانتهاء بشكل أسرع عبر مساعدة العالم المجنون الذي كان يملك معرفة مماثلة بشأن الخيمياء وموهبة أفضل من باسل في هذا المجال. يمكن القول أنّه يستطيع أن يطوّر ما اكتسبه من إدريس الحكيم لمستويات عليا واكتشاف أمور أخرى بشكل أسرع وأمهر من باسل.

لم يعلم أحد عن الطريقة التي استطاع باسل أن يوفّر بها الطاقة اللازمة لتلك المصفوفات، ولكن استسلموا عن محاولة فهم ذلك نظرا لكونهم لم يفقهوا شيئا عن تلك النقوش حتّى.

وفي إحدى الليالي، اجتمع الأباطرة وسادة الأكاديميّة فقط في القاعة المركزيّة، وتحدّثوا عن درجة استعداداهم لما هو قادم.

تحدّث الجنرال رعد: "لقد عادت الفرقة التي ذهبت إلى البحر العميق قبل أكثر من شهرين، لذا يمكننا الاطمئنان أنّه لن يكون هناك أيّ وحش بالمستوى الرابع عشر يقود حشدا من أقرانه نحونا من الأرخبيل."

تنهّد الكبير أكاغي وارتاح باله بالرغم من أنّه يعلم عن هاته المعلومة، وذلك لأنّ أحد جنراليْ الفرقة الأكبرين كان كريمزون منصف.

كان باسل قد أخبرهم أن يتركوا الأرخبيل له لكنّه غادر في عجلة من أمره من أجل إنقاذ الجنرال منصف والآخرين في قارّة الأصل والنهاية، فظلّ الأرخبيل بوحوشه ذات المستوى الرابع عشر وتحتّم على آخرين التوجّه إليه كما كان مخطّطا في البداية.

وبسبب هذا، تطوّع كريمزون منصف وفروستويف غيث كالجنرالين الأكبرين لهذه الحملة؛ أراد هذان الاثنان أن يردّا المعروف ولو قليلا لباسل، وأرادا أيضا أن يحسّنا من نفسيهما بعدما واجها قوّة غامرة أظهرت لهما ضعفهما.

وتباعا لهما، لحقهما معظم الجنود من أبطال الأجيال؛ كانت رغبتهم موحّدة مثل رغبة جنراليهما الأكبرين؛ لقد أرادوا كلّهم أن يشكروا باسل بهذه الطريقة ويتدرّبوا حتّى يكونوا مستعدّين تماما للتحوّل الروحيّ.

ابتسم الجنرال غلاديوس وقال: "سمعت أنّهم يحبّون أن يُلَقّبوا بأبطال الأجيال."

علّق الإمبراطور هاكوتشو: "ولكن يبدو أنّهم تراجعوا بسرعة عن رغبتهم تلك؛ قالوا أنّ ذلك لقبا تمنّوه عندما اعتقدوا أنّهم ميّتون لا محالة، ولا يستحقّونه وهم أحياء يرزقون، في الوقت الحالي."

ضحك أزهر زهير وقال: "إنّ فخرهم لا يسمح لهم بذلك. يريدون أن يكونوا أهلا للقب، لذا لنناديهم به عندما يرون أنفسهم جدراء بذلك."


أكملوا حديثهم عن الملاجئ والجنرالات والقوّات المكلّفين بها.

وفي هذه الأثناء، كانت أنمار وسميرة ولطيفة وجدّة باسل وشيرايوكي وصفاء في أحد المنازل بالجبل المركزيّ يتحدّثن فيما بينهنّ كعادتهن. كانت جدّة باسل والفتيات يجلسن حول طاولة في غرفة المعيشة بينما تعدّ لطيفة وسميرة العشاء في المطبخ قبالتهنّ.

قالت جدّة باسل بحسرة على وجهها: "لقد مرّت مدّة طويلة منذ آخر مرّة رأيناه فيها، متى سيعود إلينا؟"

حدّق الجميع إلى أنمار كما لو أنّها تملك الإجابة، لكنّها نظرت إلى الأسفل بوجه حزين وردّت: "حتّى أنا لا أعلم في الواقع، قد يأخذ منه الأمر أشهرا حسب ما قال، ولكن قد يكون أقلّ من ذلك."

كُنّ يعلمن أنّ أنمار لا تملك وسيلة للتواصل مع باسل حاليا، لذا لم يسألنها بشأن هذا الأمر أكثر حتّى لا يزدن من حزنها.

نظرت لطيفة إلى صفاء وقالت: "لم أتوقّع أنّه في يوم ما قد تنضمّ جميلتان مثل شيرايوكي وصفاء لتجمّعنا هذا." نظرَتْ بعد ذلك إلى جدّة باسل وأضافت بسرعة: "بالطبع أقصدك كذلك، إلّا أنّه فقط قد مرّت مدّة طويلة جدّا منذ أن صرت مقيمةً معنا."

ضحكت جدّة باسل وقالت: "لا داعٍ للهرع يا عزيزتي، أعلم ما تقصدين."

اقتربت أثناء ذلك سميرة من أنمار وهمست لها: "إذن، ما الذي تنوين فعله عندما يأتي باسل وتلتصق به صفاء؟"

عبست أنمار بينما تحدّق إلى الأسفل وردّت على أمّها بانزعاج: "لا تغيظيني يا أمّي وأنت تعلمين أنّني لا أريد التكلّم في الموضوع."

ضحكت سميرة وأرادت أن تضيف شيئا، ولكنّها فقدت توازنها وسقطت على الأرض فجأة، فاستغربت أنمار والأخريات ونظرن إلى الأرضيّة التي وجدنها تهتزّ بينما تزداد شدّة ذلك مع الوقت.


"ما هذا؟" خافت لطيفة: "لقد ظننتُ أنّ هذه المنطقة لا تتعرّض للزلازل."

أصبح تعبير أنمار جدّيّا وقالت: "ذلك صحيح. الأرض المسالمة المباركة لا تتعرّض أبدا للزلازل، ولكن هذا ليس بأيّ زلزال عادي."

أسرعت نحو الخارج فوجدت قادة التشكيل أمام منزلها، إذ كانوا قادمين عندها على ما بدا، بالإضافة للتاجر ناصر الذي أتى في الأخير.

بلع تورتش ريقه وحدّق إلى أنمار بعينين شاخصتين: "سيّدتي أنمار، هل يمكن أنّ هذا...؟"

انفجار

لم ينتهِ تورتش من كلامه حتّى سطعت السماء على مدى أعينهم، ولمّا علموا عن سبب ذلك وجدوا أنّ جميع المناطق المحظورة التي تحيط بالأرض المسالمة المباركة تسطع بنور يرتفع نحو الأعلى.

دقّقوا النظر أكثر فاستطاعوا أن يلاحظوا أنّ المناطق المحظورة بذاتها لا تشعّ، وإنّما حواجز الحماية السماويّة هي التي تتوهّج بضوء يعمي الأعين

كثرت الزلازل وتضاربت الصوااعق مع بعضها واهتزت الارض اهتزازات عنيفه وصار العالم في السماء الصواعق تتضارب يميناً ويساراً بشده و الارض تتفتت بسبب شده الزلازل

وحدثت تقلباات كثيره في العالم وصار سكاان العاالم في دهشه ورعب من الي يحدث في عالمهم
وعند اذ صرخ احدهم وهو يقول انها نهاايه عالمنا الوااهن......................................... يتبع!!!!!!!




 
  • عجبني
  • الموضوع ده يدعو للتفكير
  • بيضحكني
التفاعلات: wagih, rafefq, امير الظلام الاول و 4 آخرين
  • بيضحكني
التفاعلات: EVILL KING
طب اول كومنت خليه تشجيعي حتي😂😂🩸
عاش يا صديقي انت افشخ كاتب ف التاريخ
اي كاتب لازم يتعلم منك
ازاي ينقل القصص😂😂😂😂😂😂
 
  • بيضحكني
التفاعلات: BABA YAGA
عاش يا صديقي انت افشخ كاتب ف التاريخ
اي كاتب لازم يتعلم منك
ازاي ينقل القصص😂😂😂😂😂😂
غووووور ياااض من هنااا😂😂🔪🔪🩸
 
  • بيضحكني
التفاعلات: EVILL KING
  • بيضحكني
التفاعلات: BABA YAGA
  • بيضحكني
التفاعلات: EVILL KING
  • بيضحكني
التفاعلات: BABA YAGA
  • بيضحكني
التفاعلات: EVILL KING
جزء مشوق احسنت
 
  • حبيته
التفاعلات: BABA YAGA
اهلا ومرحبا بكم مره أخري في قصه عصر الأهوال

شاهدنا معا ماحدث علي طول السلسلة الاولي من احداث
مشوقه ورائعه من حب باسل لتعلم السحر لالتقائه بمعلمه ادريس الحكيم
وبدايه مسيره التدريبات الشاقه الي عرفنا بعد ذالك سبب هذه التدريبات ولماذا لم يبدأ
في تعلم السحر من الوهله الاولي مثل انماار و من ثم ذهاب باسل و انمار الي العاصمه وبدايه مسيره
تحصين العالم ضد هجوم الشياطين القادم وبدأ هذا التحصين بأنقلاب عائله كريمزون صاحبه المركز الثاني

علي العائله الحاكمه عائله غرين صاحبه المركز الاول والعائله الحاكمه الامبراطوريه والذي شاهدنا فيه
المعركه الكبيره و الحماسيه التي اسفرت عن مقتل الامبراطور غرين لايت علي يد الكبير أكاغي
والتي اسفرت عن سعاده عامره للكل بفوز عائله كريمزون في الحرب واسترداد حقها المسلوب منها منذ 55 عام

ولاكن كمااا قيل دوام الحال من المحال
فلم تستمر سعاده الجميع لوقت طويل فقد حدث امر صدم الجميع
.
.
.
فتابعوا معنا السلسله الثانيه لنعرف ماحدث بالضبط



(الجزء الاول)


ظهر ظل بسرعه خاطفه من وراء الكبير أكاغي، واخترق ظهره بسيف يحمل نقوش أثريه
.
.
.
من كان ليتوقع حدوث مثل هذا الأمر؟ خصوصا بعد نهاية المعركة، من يمكنه أن يعتقد أن الكبير أكاغي سيتعرض للطعن في الظهر من عدو مجهول بسيف أثري؟

تقيأ الكبير أكاغي الدماء، و حدق في السيف الذي خرج من بطنه، كيف لهذا أن يحدث؟ ألم يفز ضد عدوه اللدود بالفعل؟ هذه الأسئلة اتخذت شكل تعبيرات بوجهه

كل من يوجد في الساحة بقي فاتحا فاهه من شدة الصدمة، هذا حقا غير موضوع في قائمة الاحتمالات حتى، بالطبع لا، فكيف يمكنهم حتى أن يتخيلوا وجود عدو بسيف أثري مثل هذا؟ و من خلال طاقته السحرية، فلا شك أنه في قمة المستوى السابع

كل القادة الكبار شحبت أوجههم، الجنرال منصف كادت الدموع تنزل من عينيه، لكنها لم تفعل و بقيت عالقة لأنه لم يرمش أبدا من المشهد المروع الذي أمامه

حدق الجميع في صاحب السيف الأثري، فظهرت صورته ليكون عبارة عن شاب في منتصف العشرينات، لم يستطع أي أحد التعرف عليه

لكن هذا الشاب ظهرت تعبيرات غريبة على وجهه مع إبقائه على إمساكه لسيفه الأثري، ثم بدأت الأفكار تراود ذهنه، ما هذا الشعور بالضبط؟ ثم عندها فهم ما حدث له

تراجع للخلف عدة خطوات ثم ضحك بجنون "هاهاهاهاهاهاهاهاها" وضع يده على جبهته ثم تكلم "لقد خدعت تماما" وجه نظره لجهة محددة ثم حدق بعينيه من بين أصابعه، أخرج نية قتل جعلت كل شخص موجود يرتعد منه، لا يهم إن كان جنديا أو واحد من القادة الكبار، كلهم ارتعبوا منه، بعد أن نظر لتلك الجهة، تكلم بصوت منزعج يحمل معه نية قتل مستهدفة الشخص الذي وجه إليه الكلام "إنها أنت أيتها الغرة، لم أتوقع وجود شخص مثلك هنا، بصراحة لم أكن أظن أو وضعت حتى احتمالية وجود شخص بسحر الوهم في من المستوى السابع"

"همم؟" استغرب الجميع و خصوصا القادة الكبار، ما الذي يتحدث عنه؟ التفوا جميعا نحو الشخص الذي وجه إليه نظره سابقا ثم حدقوا به، كلهم وجهوا نظرهم نحو أنمار منتظرين الإجابة


تكلم الجنرال منصف "ما الذي يعنيه بكلامه؟"

لكن صوت حنين على مسامع الجنرال منصف قد أجاب على حين غرة "لقد أنقذتني حفيدتي يا زوج ابنتي"

عندها ظهر الكبير أكاغي وسط الجموع، لكن ما الذي يحدث هنا؟ لما هناك اثنين منه؟ واحد يقف أمامهم و صحته جيدة، أما الآخر فهو ساقط على الأرض و أصبح جثة بالفعل

"ما..." حاول الجنرال منصف التكلم لكن الرئيس تشارلي قال بارتعاب بينما يحدق في أنمار بعمق "ابن صديقي أكاغي لم يمت، لقد كان ذلك وهما، السيدة الصغيرة خدعتنا كلنا"

كان أول من اكتشف وهم أنمار بعد العدو الرئيس تشارلي، في هذه الأزمة التي حدثت أمام أعينهم، لم يستطع و لا واحد منهم التركيز بشكل مناسب ليكتشف وهم أنمار غير العدو الذي لا يبالي بهذه الأزمة

في الأصل هم لم يروا ساحر وهم من المستوى السابع في حياتهم، مما يعني أنهم لم يجربوا قوته أو وقعوا تحت وهمه من قبل، لذا لا يعلمون مدى تأثيره عليهم، و بسبب الأزمة، كان القادة الكبار قد خدعوا أيضا، فبغض النظر عن الجنود الذين لم يكن مخولا لهم اكتشاف هذا الأمر أصلا، يبقى أمر عدم اكتشاف القادة الكبار لوهمها أمرا في غاية اللاعقلانية

حتى إن أزحنا الرئيس كورو، الرئيس براون و الرئيسة موراساكي، فيبقى الرئيس تشارلي و الجنرال منصف اللذين اخترقا المستوى السابع بالفعل، الجنرال منصف في القسم الأولي و الرئيس تشارلي في القسم المتوسط، لكنهما مع ذلك لم يكتشفا أمر هذه الخدعة، و عندما فعل أحدهما، كان ذلك بعد انكشافها

حركت أنمار يدها بهدوء فاختفى الجسد الميت الخاص بالكبير أكاغي مع كل الدماء المحيطة به، و عند مشاهدة هذا الأمر، فهم كل شخص موجود بالساحة ما حدث

لكن، بكل جدية؟ أكان ذلك وهما، تلك التعبيرات التي رسمت على الكبير أكاغي، أو يجب أن نقول وهمه، كانت حقيقية، كل شيء كان حقيقي، صراخه، تقيؤه الدماء، تعبيراته، أيمكن لشخص أن يستطيع صنع وهم كهذا؟ لا يمكنك مفارقته عن الواقع


ارتعد الكل من أنمار، مثل هذه الفتاة في مثل هذا العمر، لا يمكن لأي شخص صنع وهم بهذه التفاصيل بعبقريته فقط، نعم العبقرية هي العامل الأساسي و المهم في هذا كله، لكنه إن لم يكن يفهم الحالة التي يريد تجسيدها فهما كاملا و شاملا، فلن يكون باستطاعته صنع مثل هذا الوهم الواقعي

لم يعرف غالب الأشخاص هنا عن أنمار، لم يعلم أحد عن قوتها الحقيقية سوى التاجر ناصر و الجنرال منصف، لكن هذا الاثنين لم يشهدا وهمها مباشرة، فبعد حضورهما سابقا، كانا قد وجداها تعذب الأميرة الخامسة فقط، لذا حتى لو كانا قد علما أنها من المستوى السابع، لم يكن لديهم الوعي بهذا بما أنهما لم يجربا قوتها مباشرة

ببساطة، كل شخص موجود هنا قد خدع من قبل أنمار، هذه الأخيرة جعلت طاقتها السحرية تهدأ قليلا، فبعد كل شيء، لقد اضطرت لاستخدام طاقة سحرية كبيرة من أجل تشكيل وهم قادر على خداع كل الموجودين هنا، خداع أكثر من مائتي ألف وحده كان عملا شاقا، و عند إضافة إليه القادة يزداد الأمر صعوبة، أما عند إضافة ذلك العدو ذو الحواس القاتلة، فكان الأمر مرهقا لخداعه ريثما يتخذ الكبير أكاغي

موقعا آمنا

بالطبع، الكبير أكاغي قد اختفى من الوجود بالنسبة للآخرين، لكنه كان الوحيد غير أنمار الذي عرف ما الذي يحدث أثناء تنفيذ الوهم، لذا أسرع في الهروب، فنية القتل التي يحملها ذلك الشاب الذي حاول قتله، جعلته يبتعد عنه في أقرب أمكن له، لم يستطع تحمل ضغطه لوقت أكثر

و بمجرد ما أن ابتعد الكبير أكاغي، حتى شعر الشاب الذي هاجمه باختفاء حضوره، عندها شعر بأن شيئا ما غير صحيح، فرأى من خلال وهم أنمار

تكلم الكبير أكاغي "صغيرتي أنمار...أنا..."

قاطعته أنمار ثم قالت "نصف شكرك يجب أن يذهب لباسل"

قبل بداية المعركة الأخيرة و مغادرة باسل، كان قد ترك ذلك الأخير بعض الكلمات قبل مغادرته "أنمار، أريد منك الحفاظ على قوتك قدر المستطاع، حاولي عدم التوغل في جو المعركة بالكامل، و حتى بعد نهاية المعركة لا ترخي دفاعاتك و لو للحظة واحدة، و إن حدث أي شيء غريب قومي بالتعامل معه بما هو مناسب لك، و لا يجب عليك إيقاف حواسك الخارقة حتى أرجع و ننتهي كليا من هذا الأمر، ليس حتى يطمئن قلبي، و يذهب عني هذا الوخز من ظهري"

تعجبت أنمار "هل هو حدسك؟"


عبس باسل ثم قال "نعم، في مثل هذه الأوضاع، عندما تكون هناك قطعة مفقودة، قد لا يكون بإمكاني إيجادها، لكني على الأقل أكون أعلم بأنها مفقودة، و كل ما أحتاج لفعله هو الاستعداد لها، أنا سأترك لك هذا الأمر هنا"

أماءت رأسها فذهب و اقترب من الكبير أكاغي ليخبره أنه ذاهب

بالعودة للأحداث الحالية

"لا يمكنني سوى الشعور بأنني لا يمكنني رد دينكما بما تبقى لي من العمر" تكلم الكبير أكاغي

ردت عليه أنمار "أنا لا أهتم بأي شيء موجود في هذا العالم عدا اثنين، أولهما باسل، و ثانيهما العائلة، لا تقل مثل هذا الكلام، نحن لا ننتظر منك رد دينك لنا يا جدي"

غمرت الكبير أكاغي السعادة و كادت الدموع تنهمر من عينيه، و في هذه الأثناء، لم يسع الجنرال منصف سوى تذكر صورة باسل المشتعلة أثناء تدربهم بشهر الانعزال

أما الآخرين، فقد أصبحوا يقدرون قيمة باسل و أنمار أكثر، الأمر لا يقتصر فقط على القادة، و إنما على كل الجنود هنا

لكن مع فرحتهم هذه نسي الجميع ذلك الشاب من قبل، ذلك الشاب الذي في قمة المستوى السابع تحدث بنبرة حادة "أمم، يا له من لم شمل رائع، لكن يبدو أنه سيتشتت مرة أخرى"


شحذ طاقته إلى أقصاها، جعل كل الموجودين في الساحة يرتعدون من قوته، حاليا، قد لا يكون هناك أي شخص موجود هنا لمجابهته، شحبت وجوه كل الموجودين، و بسرعة كبيرة، عن طريق حواسهم الحادة التي أخبرتهم بالخطر المحدق قام القادة الكبار بشحذ طاقاتهم كذلك، قامت أنمار بإشهار سيفها مع تمرير طاقتها إليه

حدثت حالة سكون لثوان، انكسر هذا الصمت العميق بجملة من ذلك الشاب "حسنا، لما لا نبدأ بك أيتها الغرة"

استعد للانطلاق، و عندما أراد أن يفعل، فجأة، في السماء ظهر حضور أجبر كل من يقع أسفله يشعر كما لو أن هناك جبلا يضغط عليهم

شخص بعربة يسوقها وحشين هائلين، فقط بمجرد وقوفهما في السماء جعلا كل شيء تحتهما يخضع لهما، أجنحتهما جلبت معها عواصف مع رفرفتها، بجسد كالأسد، إلا أن القدمين الأماميين و الرأس كانوا مأخوذين من الصقر الملكي، التفت حولهما هالة قاتلة، و لم يكن هناك أي شخص يستطيع القول أنه قادر على ترويضهما

لكنهما كانا يجران معهما عربة يركبها شخص ما، هذا الشخص كان صاحب ذلك الحضور سابقا، فبمجرد ما أن وصل، حتى توقف الشاب عن محاولته الهجوم، حدق في السماء و تمتم "لقد وصل الأقدم الكبير أخيرا، لكن، كما هو متوقع منه، دخوله غير اعتيادي، أن يجعل وحشي الفَتْخاء ('غرفين'، إن لم تعرفه، ابحث عن هذه الكلمة في غوغل) يقودانه إلى هنا، كما هي طبيعته، مبهرج في كل الأحوال"

تلونت وجوه جميع الموجودين هنا غير أنمار فأصبحت زرقاء، تحت هذا الضغط المهيب، لم يكن بإمكانهم التحرك قيد نملة حتى، ما هو هذا الشخص الموجود بالضبط هنا؟

تعرق القادة الكبار، و بعض الجنود فشلت أرجلهم فسقطوا على الأرض من شدة ضغط هذا الوجود الذي فوقهم، فقط القادة من كانوا قادرين على الحفاظ على رباطة جأشهم، لكنهم مع ذلك، ارتجفت و اهتزت أجسادهم، غرقوا في العرق، أرادوا فقط أن يبتعدوا قدر المستطاع من هذا المكان لكنهم لم يستطيعوا

تكلم الشاب الذي استهدف الكبير أكاغي سابقا للعربة التي بالسماء "أيها الأقدم الكبير، هل أكمل عملي أم أنك ستتفضل و تخرج إلينا؟"

كانت العربة تقف في السماء، كما لو أنها تقف على الأرض، كذلك كان وحشي الفتخاء، وقفا في السماء، مع هالة تجعل كل من يشعر بها يرتعد، ما هما هذان الوحشان بالضبط؟ كيف لمخلوقين مثل هذين أن يكونا يجران عربة؟ ألا يعني أن صاحب ذلك الحضور سابقا و الذي يوجد داخل تلك العربة هو من روضهما و جعلهما يطيعانه؟ أم ماذا؟ هل استدعاهما؟

بقي الكل يتساءل، و بعدما تكلم ذلك الشاب، لم يتكلم أي أحد حتى خرجت كلمة واحدة من داخل العربة مع حملها لهيبة و نية قائلها "انزل"

تحرك وحشي الفتخاء و نزلا للأسفل، أثناء نزولهما فقط اصطحبا معهما رياحا عاصفة، في كل رفرفة من أجنحتهما الصقرية كانوا قادرين على تحريك الرياح في ساحة القتال بالكامل، مع وقوفهما على الأرض، كانا حجمهما لا يصدق، علوهما فقط يصل لخمسة أمتار، رأسهما ضخم للغاية مع عينين شرستان، قدميهما الأماميتين اللتين تبدوان قادرتين على تمزيق أقوى السحرة بتلك المخالب، و بقية جسدهما الآخذ شكل الأسد و الذي يبدو كما لو أنه لا يمكن جرحه من شدة قساوته، و فقط بوصولهما للأرض جعلوا الكثير من الجنود يغمى عليهم من شدة الضغط

حاول القادة الكبار بلع ريقهم لكنهم لم يستطيعوا حتى أن يفعلوا، و بعد أن ارتعبوا بما فيه الكفاية من هذين الوحشين، ظهر عندها صاحب ذلك الحضور، خرج من العربة ببطء شديد، و بمجرد ما أن نزلت قدمه على الأرض حتى جعل القادة الكبار يريدون الركوع له من الضغط

تكلم ذلك الشاب من قبل "إذا ما نحن بفاعلين أيها الأقدم الكبير؟"

ظهرت صورة صاحب ذلك الحضور للجميع، و إذا به يكون عبارة عن رجل في الثلاثينيات، عينيه كانتا عميقتين، و فقط بنظرة منه، استطاع القادة الكبار الشعور بقوة نيته الخارقة، فقط بنِيّته كان يستطيع جعلهم يستسلمون عن قتاله و الرضوخ لطلباته مهما كانت

تكلم هذا الأقدم الكبير أخيرا "كازيمارو، لا تتعجل، فلنسألهم أولا، و نظرا لإجابتهم سوف نقرر خطوتنا القادمة"


تكلم الأقدم الكبير بشكل طبيعي، و أخيرا حتى ذلك الضغط من السابق قد اختفى، تنفس القادة الكبار بأريحية أكثر من السابق، لكنهم بعد أن جربوا ذلك الحضور، لم يكن من السهل عليهم نسيانه بسرعة، فلا زالت أجسادهم تهتز من الرعب

تحدث كازيمارو موجها كلامه للقادة الكبار "لقد سمعتم الأقدم الكبير، ما نريده منكم هو القيام بتسليم شخصين اثنين فقط، أولهما، أخي شاهين، ثانيهما، الشخص الذي يدعى بباسل، غير هذا، كلكم ستموتون"

صعدت القشعريرة مع أجسادهم، و كذلك فعل جسد أنمار هذه المرة، لقد سمعت اسم باسل من العدو، فكيف لها أن تبقى هادئة؟ حتى أن نية قتلها قد تسربت منها من دون أن تشعر

لكن نية قتلها هذه قد صُدَّت من قبل الأقدم الكبير، فقط بمجرد ما أن حدق في جهتها و أطلق القليل من هالته و نيته، حتى جعل نيتها عديمة الفائدة، كانا كما لو أن هناك قط يحاول التنافس مع نمر

تكلم الأقدم الكبير "يبدو أنك تعلمين شيئا أيتها الفتاة" أخرج هالته و وجهها نحو أنمار

وووووش

ضغط عليها بشدة، كم كان قويا ! فقط هالته كانت كافية لتجعل أنمار بعبقريتها تتنفس بصعوبة و لا تقدر على التحرك كما شاءت

عندها تكلم الكبير أكاغي متدخلا بسرعة "انتظر من فضلك، سنستجيب لطلبك، لذا أرجوك فلتتوقف فقط، إنها فتاة لا زالت لا تعرف حدودها و اغترت بنفسها فقط"

عندما شاهد الكبير أكاغي حفيدته تتألم لم يستطع أن يصبر أكثر، أسرع في التدخل و التكلم، إنه يعرف ماذا يفعل في مثل هذه المواقف، لا يجب أن تغضب أبدا مثل هؤلاء الأشخاص

أرجع الأقدم الكبير هالته بعدما حدق في أنمار لوقت طويل، فتنفست أنمار الصعداء أخيرا، لقد كادت أن تختنق حتى الموت فقط من تطبيقه حضوره الهائل عليها عن طريق هالته

تكلم الأقدم الكبير بكل وقار محدثا الكبير أكاغي "إذا يجب أن تسرع"


أماء الكبير أكاغي رأسه بسرعة و تكلم عبر خاتم التخاطر، كل ما يهتم به حاليا هو نجاة حفيدته و حلفائه، يجب عليه أن يعرف كيف يجعل هذا الأمر يمر على خير، لا يمكنه أن يخسر أي أحد، ليس بعد أن رد حقه أخيرا

القادة الكبار بكل عزة أنفسهم لم يستطيعوا التحرك قيد نملة من دون أخذ إذن الأقدم الكبير، فكيف لهم؟ إنهم يشعرون أنهم لو حاولوا القيام بأي حركة بسيطة، فرؤوسهم ستطير من مكانها

انتهى الكبير أكاغي من التحدث عبر خاتم التخاطر ثم قال "شاهين الخاص بكم سوف يأتي بعد قليل"

حملق كازيمارو في الكبير أكاغي ثم تكلم "حسنا، هذا الأول، ماذا عن الثاني؟"

بلع الكبير أكاغي ريقه و تحدث "هذا..." حملق الأقدم الكبير به ليكمل كلامه "في الحقيقة نحن لم نرى ذلك الباسل لمدة طويلة، لقد فقدنا الاتصال به و لا نعرف أين هو الآن؟"

وووووووش

زززززززززنغ

بااااااام


ضرب الكبير أكاغي من طرف رياح حادة في لحظة واحدة و أرسل محلقا لمئات الأمتار، فقط عن طريق تلويحه لسيفه الأثري من كل هذا البعد، قام كازيمارو بجعل درع الكبير أكاغي عديم الفائدة مع تسببه لبعض الجروح

حلق جسد الكبير أكاغي بسرعة فائقة حتى اصطدم مع حائط القاعة الرئيسية مع صوت باااااام

ارتعب الكل من قوة هجمة ذلك الكازيمارو، فقط بتلويح واحد كان قادرا على صنع مثل هذا الهجوم القاتل


تكلم كازيمارو مع إطلاقه لنية قتله في اتجاه الجميع "أي شخص يحاول العبث معنا سوف يموت، و الآن، لما لا تخبرونا أين هذا الشخص باسل؟"

عم الصمت بعد نهايته كلامه، و لا أحد استطاع الرد عن مثل هذا السؤال، كيف لهم أن يبيعوا صديقهم؟ و في هذه الأثناء، قام الكبير أكاغي بالتكلم عبر خاتم التخاطر بأسرع ما يمكن

سابقا عندما كان تحت أنظار ذلكما الاثنين، لم يستطع إيجاد أي ثغرة ليستطيع التحدث فيها مع باسل، لأنه كان يعرف أن أبسط تعبير يظهر على وجهه سيُعرف من قبل ذلك الأقدم الكبير، لكن بما أنه الآن قد أصيب و ابتعد جسده لكل هذه المسافة، فقد وجد تلك الثغرة التي انتظرها

(ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟) تكلم باسل مجيبا

تحدث الكبير أكاغي بسرعة، قبل أن يشعر به الأقدم الكبير (حليفنا باسل، هناك وجود عظيم يبحث عنك، يجب عليك الهروب من هنا و لا تعد، إن وجدك سوف تموت)

و مع إنهاءه لكلامه أوقف خاتم التخاطر عن العمل و وقف بصعوبة، درعه قد دمر تماما بهجمة واحدة من قبل ذلك الكازيمارو، لقد عرف مدى قوته الهائلة، و ذلك الكازيمارو ينادي الشخص الآخر و يتكلم معه بكل احترام، مما يلمح إلى قوته الغير معقولة، الخيار الصحيح هو جعل باسل يبتعد عنهم قدر المستطاع

بهذا الاستنتاج قرر الكبير أكاغي ذلك الاختيار. بعد أن وقف ارتاح قلب القادة الكبار أخيرا، على الأقل لا زال بإمكانه التحرك

تكلم الأقدم الكبير "كازيمارو، لقد سألناهم و لم يعطونا سوى نصف الإجابة، يبدو أن النصف الآخر سيكون بإمكاننا سماعه عن طريق العدوانية، أحضر لي الفتاة"

خرجت ابتسامة خبيثة من كازيمارو، و مرر سيفه الأثري على لسانه، ثم قال "تلك الفتاة قد تجرأت على خداعي، ليس هناك مانع من اللعب معها قليلا، أليس كذلك؟"

أجاب الأقدم الكبير "افعل ما شئت"

ووووووووش


في الحال انطلق كازيمارو كالسهم و وصل أمام أنمار في لحظة، ابتسم كالطفل الصغير بفرح و لوح بسيفه

بووووووووم

التقى سيفه مع هراوة حملها الجنرال منصف، هذه الهراوة كانت عبارة عن سلاح أثري من الدرجة الثالثة، و لحق التقاؤها بالسيف الأثري الخاص بكازيمارو شرارات و موجات قوية

قوة تصادم سلاحيهما قد أنتجت ضغطا كبيرا على الجنود من حولهما، أنمار التي في نفس مستواهما قد أحست بضراوة الطرفين

لو أنه كان شخص آخر غير الجنرال منصف الذي تلقى ضربة كازيمارو لما استطاع صدها، استطاع الجنرال منصف فعل ذلك فقط لأنه كان ساحر تعزيز من المستوى السابع

تراجع كازيمارو للخلف قليلا و تحدث "ساحر تعزيز هاه؟ يا له من ألم في المؤخرة، أتعرف شيئا؟" حملق كازيمارو في الجنرال منصف و صرخ في وجهه "إنني أكره سحرة التعزيز" ثم اندفع في اتجاهه بكل قوته

أسرع الجنرال منصف في التكلم "سيدتي الصغيرة، تراجعي للخلف"

قامت أنمار بما قاله بكل سرعة، الوحيد هنا الذي يمكنه أن يصد مثل تلك الهجمات و يشتري لهم بعض الوقت هو الجنرال منصف، كساحر تعزيز، له ميزة جيدة عنهم، فحتى لو كان أضعف بقسمين من العدو، لا زال بإمكانه مجابهته قليلا

تبادل الاثنان ثلاث ضربات متتالية جعلت حتى أسلحتهما الأثرية تهتز من شدة التصادم، هالتهما طغت في الساحة، قام كازيمارو بشحذ طاقته السحرية و إطلاق موجات من الرياح القاطعة، واحدة منها سابقا كانت كافية لإرسال الكبير أكاغي محلقا، و الآن، هناك العديد منها واحدة تلو الأخرى تستهدف الجنرال منصف

الجنرال منصف لوح بهراوته مع استخدامه لسحره و تدمير موجة بعد الأخرى، لكن مع مرور الوقت بدأ يشعر بالتعب، و بدأ يظهر الفارق بينهما، هجمات كازيمارو تزداد قوة، أما دفاع الجنرال منصف ينقص شدة فقط

انصدم الجميع من هذا القتال، ليس فقط من قوة العدو الهائلة، لكن حتى من قوة الجنرال منصف، في مثل هذا الموقف اليائس أخرج قوته الحقيقية أخيرا و وصل لحدوده، فقط عند مواجهة خصم أقوى منك بمراحل يمكنك بلوغ حدودك و اختراقها حتى


بدأت قوة الجنرال منصف تخور مع مرور الوقت، هو لم يعتد جيدا على سلاحه الأثري، على عكس العدو الذي يبدو معتادا بشكل كلي على سيفه الأثري

و عندما وصل الجنرال منصف للمرحلة الحرجة، لم يعد الرئيس تشارلي يستطيع التحمل أكثر فتدخل مهاجما، و عند مشاهدته، كذلك فعل الرئيس براون، عندما شاهد معلمه يتحرك قرر هو الآخر التدخل، و تباعا له، تحرك الرئيس كورو، مع قرار صديقه بالتحرك، قرر أيضا التحرك، فحتى هو لم يعد يستطيع تحمل مشاهدة طغيان هؤلاء أكثر

مدت الرئيسة موراساكي يدها محاولة إيقافهم، لكنها قد تأخرت بالفعل، و كذلك حاولت أنمار، هذه الأخيرة صرخت "انتظروا..."

لكن الآوان قد فات

استهدف الثلاثة العدو كازيمارو، و في لحظة قبل بلوغهم هدفهم

بووووووووووم

أرسل الثلاثة محلقين بينما دروعهم قد تكسرت و الدماء تسيل كالشلال منهم

تحرك الأقدم الكبير أخيرا، و بحركة واحدة منه كان قادرا إخراج ثلاثة قادة كبار من الحدث

فشلت أرجل الجميع في هذه اللحظة، المنظر المرعب الذي شاهدوه و لا زالوا يفعلون غير معقول بصفة نهائية، لقد تحرك ذلك الأقدم الكبير أخيرا، و بحركة واحدة منه قد جعل ثلاث قادة كبار قريبين من الموت

و السبب الأكبر في فشلهم في الوقوف على أرجلهم كانت الهالة التي ضغطت عليهم، عند تحركه أطلق بعضا من طاقته السحرية، و بمجرد الإحساس بها جعلتهم يريدون الخضوع له، يريدون فقط أن يصبحوا عبيدا له

طاقته قد طغت على الساحة الخارجية بأكملها، و جعل كل شخص هنا يعرف مقامه، جعل كل شخص هنا يعرف الفارق بينهم، جعلهم يعرفون أنهم لم يتبقى لهم أي أمل، الآن بعد تدخله، فبالتأكيد سوف يمحوهم من الوجود

علم الجميع أن هذا الشخص هنا قد تغلب على سحرة من المستوى السابع و السادس بحركة واحدة منه فقط، بمجرد ما أن أطلق القليل من طاقته السحرية حتى جعل القادة الكبار يحدقون بالموت، شخص مثل هذا لا يمكن أن يكون بالمستوى السابع، شخص مثل هذا قوته أكبر بكثير من المستوى السابع

عندها علم الجميع في هذا الوقت الحرج بأن هناك شيء ما وراء المستوى السابع، مستوى لم يعلموا عنه أبدا، مستوى خيالي يتجاوز كل كل معرفتهم السابقة

كل الجنود تحت المستوى الثالث لم يعد بإمكانهم التحمل أكثر فأغمي عليهم، طاقة الأقدم الكبير تغلغلت وسطهم كلهم، أحسوا بها مباشرة، سحرة المستوى الثالث أنفسهم كادوا يغيبوا، لا زالوا قادرين على الوقوف فقط لأن الأقدم الكبير لا يستخدم ضغطا أكبر، سحرة المستوى الرابع لا يستطيعون الوقوف بشكل مستقيم، كما لو أن هناك أوزانا هائلة تضغط عليهم

الآن كل من تبقى واقفا كان الرئيسة موراساكي و الجنرال منصف الذي بالكاد يستطيع أن يقف، و الكبير أكاغي الذي كان لا يزال بعيدا عنهم قليلا قد أحس بتلك الطاقة و تلك الهالة المستبدتين، و أنمار التي حملت تعبيراتها نظرات تخرج نية قتل مخيفة تجاه الأقدم الكبير

لقد حاولت الرئيسة موراساكي و أنمار تحذير الثلاثة. في ذلك الوقت كانتا تركزان بالكامل على الأقدم الكبير، مع أن الجنرال منصف كان يقاتل كازيمارو، إلى أنهما لم تكونا قلقتين عليه كما كانتا قلقتين من ذلك الشخص المرعب

و عندما أقدم الثلاثة على حركة، شاهدتا تغيرا في تعبيرات الأقدم الكبير، وجهه كان غير راض أبدا عما كان الثلاثة يحاولون فعله، عندها حاولت الرئيسة موراساكي و أنمار إيقاف الثلاثة، لكن بما أنهما ركزتا فقط على الأقدم الكبير، لم تدريا بتحركات الثلاثة –الرئيس تشارلي، الرئيس براون، الرئيس كورو- حتى لاحظتا تغيرا في تعبيرات الأقدم الكبير، عندها تساءلتا لماذا تعبيراته تغيرت للأسوء، فقامتا فالالتفاف لرؤية ما يحدث فوجدتا الثلاثة يهاجمون كازيمارو، لذا حاولتا إيقافهم لكنهما كانا قد تأخرتا بالفعل


و الآن، أصبحوا في وضع لا يحسد عليه، أحسوا أنهم لو قاموا بأبسط تحرك آخر، فسوف تطير رؤوسهم من مكانها، تجمد الجميع في هذه الأثناء

و بعدها حدث أمر كسر هذا الهدوء الذي استمر للحظات بالنسبة للعدو و أيام بالنسبة لأنمار و البقية

تكلم كازيمارو بعد مشاهدته لأشخاص يقتربون "أيها الأقدم الكبير، إنه شاهين"

حدق الأقدم الكبير في الاتجاه الذي أشار إليه كازيمارو و الذي كان نفس الاتجاه نحو بوابة الحائط المحيط بالساحة الخارجية التي اخترقها باسل

عندها شاهد ثلاثة أشخاص يقتربون بينما شاهين مكبل بقيود السحر من المستوى السادس، هو ساحر بالمستوى الخامس فقط، لذا لا يمكنه شحذ و لو القليل من طاقته السحرية

هؤلاء الثلاثة الذين كانوا يرافقونه كانوا بالترتيب من اليمين لليسار، غايرو، كاي (أخوا القطع) و جون (حراس بوابة العاصمة)

هؤلاء الثلاثة كلفوا بحراسة شاهين ريثما تنتهي الحرب ليستغرق باسل وقته في استجوابه، فحتى عندما حاول معه في الثلاثة الأيام السابقة التي اخذوها كراحة، لم يتكلم و لو بحرف واحد، لكن باسل لديه طرقه الخاصة، و التي كان ينوي تنفيذها بعد انتهاءهم من المسألة الكبرى حاليا أولا

هؤلاء الثلاثة في الحقيقة لم يكلفوا فقط بحراسة شاهين، بل حراسة الأميرة الخامسة غرين شارلوت أيضا، لكن بسبب أهمية شاهين لباسل، ترك الثلاثة الأميرة الخامسة في رعاية نبيل و الآخرين و رافقوا شاهين

عندما وصلوا، صدموا من المشهد أمامهم كما هو متوقع، لكن في الجهة الأخرى –جهة شاهين- ، هذا الأخير ارتسمت على وجهه ابتسامة طوال الطريق إلى هنا، و عندما وصلوا لوجهتهم، تحولت الابتسامة لضحكة مجنونة يرافقها بعض الكلام "لقد جنيتم على أنفسكم، أولئك اللعناء، سوف أحرص على رد لهم هذا الدين بكل تأكيد"

تكلم كازيمارو "أنتم، حرروه"


حتى الآن، لم يستطع الثلاثة فهم ما يحدث هنا بالضبط، لم يسعهم سوى تخمين وضع الآخرين، حدقوا في أنمار و الآخرين، فقرروا القيام بما أمروا به

عبر مفتاح الختم، قام الثلاثة بتحرير شاهين، هذا الأخير قام بحك معصميه و تمديد ذراعيه، و في لحظة

بوووووم

ركل الثلاثة مرة واحدة جاعلا إياهم يحلقون لعشرات الأمتار مع سعلهم للدماء بشدة

تكلم شاهين موجها كلامه للأقدم الكبير "يا أخي الكبير 'فالتشر'، لم تأخرتم لكل هذه المدة؟"

تنهد الأقدم الكبير فالتشر ثم تكلم بصوته الوقور "إنه خطؤك من الأول أن يقبض عليك، لو أنك لم تقم بالتواصل معنا في آخر لحظاتك بالقتال لما كان باستطاعتنا معرفة وضعك هنا"

حك شاهين رأسه ثم تكلم "حسنا، معك حق، لكن حتى أنا لم أتوقع أن أخسر، لكن هذا من الماضي، المهم، لما أتيت بنفسك إلى هنا؟ كان بإمكانك أمر بعض جواسيسنا فقط ليأتوا لإنقاذي"

"همف" استهجن كازيمارو و قال "بما أنك ناديتنا فلابد من أنك كنت بوضع خطير، لو كنت تحتاج لمساعدة من الجواسيس لكنت اتصلت بهم مباشرة فقط، أم أنا مخطئ؟"

"حسنا، معك حق" وافق شاهين كلامه ثم حدق بالآخرين و سأل "إذن، ما نحن بفاعلين؟"

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "أنا أريد ذلك المدعو باسل، هل تعرف شيئا ما عنه؟ لقد قالوا أنهم لا يعرفون مكانه"

حملق شاهين في الجميع و تكلم "ها؟ لا يعرفون مكانه؟ أو لم يكن الشخص الذي قاد جيوشهم طوال الوقت؟"


قاد الجيوش، بسماع هذا الكلام تأكد فقط ظن الأقدم الكبير فالتشر و كازيمارو بكذب الكبير أكاغي سابقا عليهما، لذا تحدث الأقدم الكبير

"إن لم تتحدث و تخرج ما أريد سماعه..."

لكن بقية الكلام خرج من مكان آخر و الأقدم الكبير قد اختفى من مكانه، و عند استيعاب ما حدث، تجد أن الصوت لم يخرج من مكان آخر، و لم يختفي الأقدم الكبير، بل هذا الأخير هو الذي انتقل بسرعة خاطفة، و المكان الذي وصل إليه كان يقع وراء أنمار بالضبط من حيث جاء الصوت

أحكم القبض على يدي أنمار من الخلف قاصدا تقييدها ثم أكمل الكلام "أو أنني سوف أقوم بقتل هذه الفتاة الآن"

تأخر الجميع في فهم ما حدث، حتى أنهم لم يعرفوا مكان الأقدم الكبير فالتشر حتى أكمل كلامه، كيف وصل إلى هناك بالضبط؟ لكن الأهم الآن هو ما تطورت إليه الأمور

ما هم بفاعلين، لقد وقعوا في موقف حيث يجب أن يقرروا و يختاروا بين أنمار و باسل، هذا شيء مستحيل عليهم تقريره، إن هذا الأمر كما لو أنك تختار من تنقذ من الغرق، أمك أم ابنتك، لكن في النهاية سيكون عليك الاختيار، و إن لم تفعل، فبالتأكيد ستكون النتيجة أسوء، و التي هي واضحة تماما، 'موت الاثنين'

في هذا الوقت، لم يكن هناك أي خيار آخر غير وضع الكبير أكاغي ثقته في أن باسل سيكون قد أخذ بكلامه و هرب، لذا بناء على هذا قد أخذ قراره

حالة وحيدة يمكنك إنقاذ فيها الاثنين معا من الغرق، و هي أن يكون لديك سترة نجاة من الغرق تمنحها لأحدهما، و من الأفضل للشخص الذي تثق بأنه سيكون أهلا لتحمل هذا الأمر، و إنقاذ الثاني بنفسك

هذا ما فعله الكبير أكاغي، في هذه الحالة قد منح باسل خيط نجاة، و كل ما يمكنه فعله هو التركيز على الآخر الذي لا يملك أي خيط

تكلم الكبير أكاغي "أرجوك، من فضلك، سأتكلم، انتظر..."


ضغط الأقدم الكبير على يدي أنمار حتى كسرهما مع صوت تحطم "طررق"، أنمار لم تقدر على فعل أي شيء ضده، الأقدم الكبير فالتشر يقمعها كليا، و الآن قد قام بكسر عظام أيديها مما جعل حتى أنمار تطلق صوت "آآه" صارخة من الألم

حتى طريقة كسره ليديها كانت مروعة، لم يقم بكسر العظام فقط عن طريق ثنيها حتى تتكسر، لكنه قام بالضغط على يديها مما أضاف آلاما مضاعفة أكثر بكثير قبل بلوغ ذروة الألم عن طريق تحطم العظام

الكبير أكاغي في هذه الحالة شحب وجهه و تكلم بسرعة "إنه داخل القاعة الرئيسية"

لقد حاول سابقا أن يهدئ العدو، لكن هذا عاد عليه بآثار عكسية، العدو سأل و كان ينتظر جوابا، و الدوران حول الكلام كان فقط له أثارا سيئة على أنمار بدل تحقيق أثار جيدة و التي كانت المقصد الأساسي

لذا عندما تلقت أنمار أضرارا وخيمة، فهم الكبير أكاغي أن عليه الإجابة في أسرع وقت قبل فوات الأوان و إلا خرجت أنمار بعظامها كلها مكسورة إن لم يكن مصيرها الموت

حملق الأقدم الكبير فالتشر في الكبير أكاغي ثم قال بنبرة مسترخية "يبدو أنك تقول الحقيقة، لكن القاعة الرئيسية؟ أكان قريبا كل هذه المسافة ! ؟ حسنا، و الآن، فلننهي هذا الأمر"

رفع الأقدم الكبير يده اليمنى مع إبقاءه لليسرى لتقيد أنمار. عند مشاهدة هذا الأمر، فشلت رجلي الكبير أكاغي، انهمرت الدموع من عينيه، حتى أنه لم يعد يستطيع أن يخرج الكلام بشكل مناسب

صرخ الجنرال منصف "لقد قلنا لك ما تحتاجه، فلتفلت السيدة الصغيرة"

في هذا الوضع لم يكن باستطاعة أي شخص القيام بأي شيء، سوى شيء واحد، ألا هو انتظار يد الأقدم الكبير فالتشر اليمنى لتقتل أنمار

صرخ الكبير أكاغي بجنون "توققققققف"

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "حثالة مثلكم يجب تطهيرهم، فحتى إن لم تموتوا الآن، كنتم ستموتون عما قريب على أية حال، لذا كل ما سأفعله هو تسريع هذا الأمر، و على العكس، يجب أن تكون شاكرا لي، فأنا سأعطيها موتة سريعة كما سيحدث معكم بعدها بالطبع"


و بعد إنهاءه لكلامه نزل بيده مع صوت وووووش

لكن هذا الصوت توقف بسبب صوت آخر

بوووووووووووم

لكمة نارية مشتعلة آتية من جسم مشتعل محترق جاعلة الأقدم الكبير فالتشر يطير لمئات الأمتار حتى اخترقت الألف متر ثم الميل و لا زال جسده يطير

ظهر صاحب الجسم المشتعل بينما شعره القرمزي و عينيه الحمراوين يلتهبان مع لون اللهب و كان هذا الشخص هو باسل

نظر لأنمار فشاهد ما أصابها، حدق في جسم الأقدم الكبير فالتشر الطائر ثم أطلق نية قتله التي جعلت الحلفاء و الأعداء –كل سواء- يرتعدون منه، في حالته هذه، بدى كملك نار قرمزي، لا يمكن لأي شخص المساس به أو الاقتراب منه

تكلم بنبرة قاتلة "مسست المقربين مني بسوء، و أنا أقسم لك، إني لست بتارك منك لحما و لا عظما"

تجمد كازيمارو و شاهين مما حدث، الأقدم الكبير أُرسِل محلقا من قبل هذا الفتى لأكثر من ميل؟ و أيضا ما كل تلك القوة؟ بعد التركيز قليلا، تجد أن هناك عنصر آخر ممزوج مع عنصر النار

كان شاهين يعرف أن باسل له عنصر التعزيز، و لم يعلم عن النار، لذا لما شاهد باسل يستخدم عنصر النار فقد ألوانه، هذا الفتى اخترق المستوى السابع؟

أما كازيمارو في الجهة الأخرى، فكان متفاجئا تماما مما حدث قبل قليل، لقد ظهر ذلك الفتى بسرعة كبيرة جدا، و الآن هناك عنصرين ممزوجين، لقد دعّم عنصر النار بعنصر التعزيز، قبل بعض شهور سمعوا عن هذا الفتى، و عرفوا أنه في المستوى الخامس، و الآن ها هو ذا أمامهم يستخدم عنصرين، إذن فقد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط

عند هذه النقطة، ليس فقط الأعداء من صدموا، بل حتى الحلفاء، خصوصا الكبير أكاغي، فبعد رؤية باسل في حالته تلك، فهم ما يحدث، على الأقل عرف أن لباسل عنصر النار أيضا كسائر أعضاء العشيرة القرمزية

لكن، هذا غير مهم في هذه النقطة، المهم هو وجود باسل هنا، فباسل لم يقم بما أخبره به الكبير أكاغي، هذا الأخير قد أراد فقط أن ينجوا الجميع من هذه المحنة و الخروج من هذا الوقت الحرج بسلام، لكن باسل قد أتى عكس ما أخبره أن يفعل

لكن في هذه الحالة، لم يعرف الكبير أكاغي أي ردة فعل يجب يقوم بها، بالطبع هو خائف على باسل لأنه أتى للخطر، لكنه شاكر له لأنه أتى أيضا، فلو لم يفعل لكانت حفيدته قد ماتت في هذه الأثناء

لذا اختار ردة الفعل الثانية، فبعد كل شيء، لقد كانت ستموت أنمار لا محالة، و بعدها سيحين دورهم، لكن مع باسل هنا، و انطلاقا من لكمته السابقة، و امتلاكه لعنصرين، فالقيام بردة الفعل الثانية و التي هي الشكر على قدوم باسل في الوقت المناسب هي ردة الفعل المناسبة هنا


في هذه الأثناء، جسد الأقدم الكبير فالتشر الطائر توقف عبر رياح أحاطت به، حتى أنه كان قادرا على التحكم في سحر الرياح بشكل جيد للغاية لدرجة أنه جعله يحمله في الهواء و يجعله يطير و يحلق كما يشاء

وقف الأقدم الكبير فالتشر في وسط السماء و حدق في باسل من بعيد، نظر للخدش على وجهه و عبس، تكلم بكل هدوء كما لو لم يحدث أي شيء "أمم، بالفعل لديه عنصرين، لكن لم تكن الضربة قوية نظرا لغضبه، أكبح نفسه أم ماذا؟ على كل، هو بالفعل لديه عنصرين، أي لا شك في أنه اخترق القسم الأول و دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لكن مع غضبه ذاك كان يجب أن تكون لكمته تحمل قوة أكبر كساحر من القسم الثاني من مستويات الربط"

لم يفهم بالضبط الأقدم الكبير فالتشر ما الذي يحدث، بالطبع باسل لم يدخل للقسم الثاني من مستويات الربط بعد، لكن أي شخص سيعتقد هذا بعد رؤيته يمتلك عنصري سحر، و الذي لم يفهمه الأقدم الكبير، هو أن شخصا في القسم الثاني من مستويات الربط يجب أن تكون قوته أكبر مما أخرج باسل و خصوصا في حالة من الغضب كتلك التي بها باسل

حدق باسل في الأقدم الكبير الذي يتواجد بالسماء، عبس و أحكم قبضتيه، تلك اللكمة قبل قليل كانت تحمل معها كل قوته بالفعل، لكن ذلك الأقدم الكبير فالتشر لم يتضرر كثيرا و بدى كما لو أن هناك شخصا عاديا لكم شخصا عاديا مثله، يعني أنها كانت كتلقي ضربة جعلت وجنته تُخدش و تحمرّ قليلا فقط

اقترب الكبير أكاغي من باسل و تكلم "ظننت أنني قد أخبرتك بعدم المجيء، فلما فعلت؟"

لم يجب باسل مباشرة و حدق به، استرجع بعض الذكريات قبل دقائق من الآن

قبل تكلم الكبير أكاغي مع باسل عبر خاتم التخاطر بقليل من الوقت، في الوقت الذي كانت المعركة الأخيرة قد انتهت

باسل في تلك الأثناء كان جاعلا شخصا ضخما راكعا على ركبتيه بينما يمسك رقبته و يضغط عليها

و أثناء تشديده الخناق على ذلك الشخص تكلم باسل "أيها المبعوث رضا (الذي أرسلته الأميرة الخامسة لباسل عندما أتى هذا الأخير لأول مرة للعاصمة)، لقد علمتك درسا جيدا ظننت أنك سوف تتذكره لبقية حياتك و تبتعد قدر إمكانك عن طريقي، لكن ما الذي يحدث هنا؟ لم أنت هنا؟"


حدق المبعوث رضا بيأس في باسل، فبعد كل شيء، حتى هو لم يكن يريد الالتقاء به مرة أخرى، لكنه فقط كان يرافق أخت الإمبراطور و بناتها لحمايتهم في الطريق هو و العديد من الجنود الآخرين، فهو ليس بخادم للأميرة الخامسة، لكنه خادم لعائلة غرين، و في كل مرة و أين يكون، و هذه المرة كان يرافق أخت الإمبراطور

و عندما كانوا في غرفة الكنز مختبئون، فجأة كسر الختم و فتحت البوابة، لذا لم يكن له أي خيار آخر سوى مهاجمة الشخص الذي يقبع وراء هذه البوابة، لكنه لم يظن أبدا أنه سيكون ذلك الوحش الصغير من ذلك الوقت

نظر باسل إليه فقال مع زفيره متنهدا "يبدو أنني يجب أن أعدل على دروسي قليلا، فلا يبدو أنها قد كان لها مفعول كبير" ثم لوح بقبضته كاسرا عنق المبعوث رضا

كرررك

سقطت جثته على الأرض، و هذا الأمر جعل كل الجنود الذين كانوا يحمون أخت الإمبراطور يرتعدون، و في حالة الرعب هذه انقضوا كلهم على باسل

ووووش

قفزت أربع ظلال بسرعة خاطفة من وراء باسل و قطعوا الجنود الذين وصل عددهم للعشرة بسرعة خاطفة

لقد كانوا قادة التشكيل، فقط شي يو التي لم تتحرك

تقدم باسل للأمام ثم وجد أخت الإمبراطور ترتعد في مكانها بينما تتمتم "أنا أخت الإمبراطور، هل تريد المال؟ إن هذا هو الأمر فيمكنني جعلك أغنى شخص في هذا العالم؟ نعم يمكنك أخذ ما تشاء من هذه الغرفة"


و هذه الغرفة التي كانت تختبئ فيها أخت الإمبراطور إلى جانب بناتها و الجنود الذين يرافقونهم كانت في الواقع غرفة كنز عائلة غرين، فبعد كل شيء هم أتوا إلى هنا آملين في الاختباء، لأن بوابة هذه الغرفة يمكن مقارنتها مع بوابة الحائط المحيط بالساحة الخارجية، بمعنى أنها لا تخترق بالنسبة لهم، لذا أتوا إلى هنا للاختباء ريثما تهدأ الأمور، فعندما كانوا بداخل القلعة الرئيسية، سمعوا أن ستة أشخاص أقوياء يقتربون، لذا هربوا لهذه الغرفة بسرعة

تكلم باسل "أظن أنني بالفعل من أغنياء هذا العالم، هذا لا يثير اهتمامي"

ارتعبت أخت الإمبراطور، فلا زال باسل يتقدم، لذا حاولت إقناعه بشيء آخر "إذا أنت تريد المكانة، سأجعل أخي الصغير لايت يقوم بجعلك قائد الحرس الإمبراطوري و حتى القائد العام لجيوش إمبراطوريتنا"

تكلم باسل مرة أخرى بكل هدوء "أنا بالفعل القائد العام لجيوش الإمبراطورية، إمبراطورية الشعلة القرمزية"

لم ينفع مع باسل أي شيء، لذا لم يتبقى لها أي خيار آخر سوى الانقلاب للتهديد، تكلمت بصوت مرتفع و مرتعب "أنا أخت الإمبراطور، إن مسستني فلن يغفر لك الإمبراطور، ابتعد، لا تقترب مني أيها الوحش"

صرخت أخت الإمبراطور بجنون، و كذلك بدأ يفعل بناتها الثلاث الكبيرات، و هناك اثنتين صغيرتين، لم تقوما بأي تحرك أو حاولتا التكلم، فقط انكمشتا في مكانهما و عانقتا بعضهما البعض

تكلم باسل "لن يكون هناك هذا الإمبراطور الذي تتحدثين عنه موجودا في ذلك الوقت أصلا، لكن أنا متفق معك في شيء مما قلته، نعم أنا وحش، لكن لحثالة مثلكم فقط"

عندها فهمت أخت الإمبراطور أن نهايتها قد حانت، لكنها لن تستسلم بهذه السهولة، شحذت طاقتها السحرية و كذلك فعلن بناتها الثلاث الكبيرات، ثم انقضن كلهن على باسل

وووووووووش


اختفى باسل من أمام ناظر أعينهم و في لحظة طارت رؤوسهم من مكانها في آن واحد

عندها وجد باسل تلكما الاثنتين الصغيرتين تنكمشان بينما ترتعدان من شدة الخوف، حدق فيهما بعمق، و كذلك فعل قادة التشكيل به من الخلف، أحس باسل بنظراتهم الغريبة و خصوصا شي يو، لذلك تنهد ثم قال "كما قلت أنا وحش للحثالة التي لا أطيقها، لكن هاتين فتاتين صغيرتين لا ذنب لهما، لا تقلقي يا شي يو، لن أقوم بأي شيء سيضرهما، اعتني بهما ريثما ننتهي من الحرب، عندها سيكون من الأفضل لهما لو نسيتا أنهما من عائلة غرين"

حدق باسل في الأنحاء، فهذه الغرفة غرفة كنز بعد كل شيء، قد لا يكون هناك أي شيء قد يثير اهتمام باسل، لكن لا بأس من أخذ نظرة، فبعد كل شيء، لقد سمع من الرئيس كورو أن الأمير الثاني قد استخدم سلاحا أثريا، لذا أراد أن يعرف إن كان هناك أي شيء هنا قد يكون له فائدة ما

قام قادة التشكيل بالبحث في الأرجاء مع باسل، بالنسبة لهم، كل هذه الأسلحة النادرة و خرائط لمناطق محظورة، معلومات مفيدة عن أندر الوحوش، استعمالات عديدة لبعض أعضاء الوحوش السحرية، أحجار الأصل من المستوى السادس، و كل هذه القطع الأصلية الذهبية المتراكمة، شيء لأول مرة يرونه مجتمعا هكذا و بكل هذه الكمية في مكان واحد

لذا كان هذا مثيرا لهم بشكل كبير، لم يكن باستطاعتهم الصبر و تحمل مثل هذا الإغراء، لذا تكلم باسل عندما رأى لعابهم يسيل "خذوا ما شئتم، اعتبروها غنيمة حربكم"

انقض قادة التشكيل على الكنوز إلا شي يو التي لم تفعل، و بدل ذلك ذهبت لتعتني بالصغيرتين، أما الأربعة الآخرين، فقد أُعمِيَت عيونهم، و خصوصا شينشي، فعلى ما يبدو، لقد كان محبا للمال كثيرا

ابتسم باسل على حالهم و نظر في الأرجاء، لم يجد أي شيء يثير اهتمامه كما توقع، لكن في جزء مظلم من الغرفة، كان هناك أشياء مهملة، و من بينها كان يوجد أشياء كأوراق ملفوفة، كانت هناك ثلاث مخطوطات رق، و الجلد الذي صنع منه هذا الرق يبدو غير مألوف، لكن باسل يذكر أنه رأى جلدا مشابها لهذا

بعد التحديق لوقت طويل بها، عرف باسل ماهيتها، لقد استغرق منه هذا الوقت الطويل لاكتشافها لأنه لم ير واحدة تشبهها سوى مرة واحدة لمدة لا تزيد عن ثوان من معلمه، فالتي أراها له معلمه لم تكن بهذا التعقيد، و حتى الرق الذي كتب عليه كان مختلفا، لا شك في أن الجلد المصنوع منه هذا الرق مختلف عن الذي صنع منه الخاص بمعلمه، هذا يبدو كما لو أنه أكثر رقيا


تكلم باسل بصوت مرتفع من دون أن يشعر "مخطوطات روحية ! ؟"

التف الجميع و اقتربوا من باسل ليروا هذا الشيء الذي صدم حتى قائدهم، و عندما وصلوا، لاحظوا أنها مجرد أوراق بكتابة تشمل بعض التعاويذ الغريبة، لذا استغربوا

سأل تورتش "لما أنت متفاجئ هكذا يا سيدي؟ هل هذه الأوراق الغريبة لها أهمية؟ فبعد كل شيء فقد وضعت في الجانب المظلم و أهملت"

تكلم باسل مع نظرة متوهجة "لها أهمية؟"

في يوم من الأيام، عندما كان باسل مع معلمه يشرح له عن بعض التقنيات الفريدة، ذكر له أمر المخطوطات الروحية هذه، لكن بما أنه لا زال بعيدا عن هذه المستويات، فقد ترك معلمه هذا الشرح معلقا، لكن الشيء الوحيد الذي عَلِمه باسل، كان أن هذه المخطوطات الروحية تحمل قوة روح ساحر روحي و يمكنها إطلاق هجمات من نفس مستوى ذلك الساحر الروحي، و فقط لصناعة واحدة منها يجب أن يصرف الساحر الروحي وقتا طويلا جدا و إرهاق روحه لدرجة لا توصف

و في هذه الأثناء، عندما كان باسل سارحا بأفكاره، أتاه اتصال عبر خاتم التخاطر، لذا أجاب (ماذا هناك أيها الكبير أكاغي؟)

بعد الاستماع لما قاله الكبير أكاغي، تغيرت نظرة باسل كثيرا، ما الذي قصده الكبير أكاغي بوجود عظيم؟ لما عليه أن يهرب؟ هذين السؤالين اللذين شغلا ذهنه كانا كافيين ليفهم أن أنمار و البقية يواجهون عدوا أقوى منهم بكثير

في الحال توقف عن التفكير في أمر المخطوطات الروحية و وضعها في مكعب التخزين، لكن عندما كان يريد الخروج تفعّل ختم البوابة من جديد

لذا كان سببا في تأخره أكثر، أسرع بكل ما يملك في فتحه، ثم فعل سحر التعزيز في كامل طاقته مما فاجأ قادة التشكيل أكثر، فهم قد فوجئوا بالفعل من تصرفات قائدهم بعد انتهاءه من الكلام عبر خاتم التخاطر

عبس باسل بينما طاقته جعلتهم يتعرقون، تكلم بنبرة حادة "أنتم الأربعة لا يمكنكم استخدام إكسير التعزيز، بحر روحكم لا زال مرهقا و غير مستقر، لكن الأمر مختلف مع شي يو، هذه الأخيرة فلتشربه و أنتم الأربعة أحموها و الحقوني، سنحتاج لسحرها في كامل قوته، قد تكون هناك إصابات سيكون علينا الاعتناء بها سريعا"

انطلق باسل كالرياح، و عندما اقترب من العدو فعل سحر النار في كامل قوته أيضا

و الآن، إنه يستخدم لأول مرة السحرين معا في كامل قوتهما مع الإبقاء عليهما، لم تكن هناك أي مناسبة ليفعل بها هذا أو احتاج لذلك، ففي هذه الحرب، كان يحافظ على طاقته قدر المستطاع، فبعد كل شيء، لم يكن بإمكانه تجاهل تلك القطعة المفقودة

في هذه الأثناء، أسرع قادة التشكيل بكل ما أملكوا من قوة لاحقين باسل، و عندما وصلوا صدموا من الوضع الحالي، تقريبا جميع القادة الكبار و السيدة الصغيرة كانوا في حالة مزرية


أسرعت شي يو نحو أنمار و أرادت أن تعالجها، لكن أنمار وقفت كما لو أن ذلك الألم قد ذهب عنها و تشافت، تكلمت "أنا بخير، سارعي و عالجي الرئيس تشارلي و الاثنين الآخرين، فإصابتهما خطيرة جدا"

"هذا...لكن..." تمتمت شي يو و حدقت في باسل، هذا الأخير بقي مركزا فقط على ذلك الأقدم الكبير، لاحظت أنمار هذا الأمر ثم قالت "أسرعي، لا تهتمي بإصابتي الخفيفة، حتى باسل سيقول لك هذا، أسرعي و ابدئي في معالجة القادة الثلاث"

وقفت شي يو و أسرعت بينما يحيط بها قادة التشكيل من جميع الجوانب لحمايتها من أي خطر محتمل

ووووووش

حلق الأقدم الكبير فالتشر بسرعة خيالية و وصل في ثوان، وقف في السماء بينما يحتقر بنظراته باسل، تكلم بنبرة تهديد "أيها الفتى، أتستخف بي؟ لماذا لم تستعمل كامل قوتك؟"

ضاقت عيني باسل، هذا الوغد، يبدو أنه يعتقد أن باسل يوفر قوته، عبس باسل و استعمل سحر النار من تحت قدميه فكون عاصفة صغيرة حملته للسماء، فوقف أعلى من الأقدم الكبير بالسماء "حثالة مثلك لا يستحق استخدامي لقوتي الكاملة عليه"

عبس الأقدم الكبير، حملق في باسل ثم ارتفع للسماء أعلى منه "حثالة؟ إن نادى الحثالة شخصا آخر بالـ'حثالة'، فلا تحمل الكلمة المعنى الحقيقي لها"

ارتفع باسل أكثر منه، لقد ارتفعا لأكثر من 500 متر في السماء حتى الآن، تكلم باسل بينما يوجه نظره محتقرا الأقدم الكبير "أتتكلم عن نفسك يا أيها الحثالة؟"

"همم ! " ظهرت العروق على وجه الأقدم الكبير فالتشر، بدأ يشحذ طاقته السحرية ثم تكلم بينما يرتفع في السماء "على الأقل يبدو أنك جيد في الكلام، لكن ماذا عن القتال الفعلي؟ لنرى إن كان يصل لمستواك في الجدال"


"ها" صرخ الأقدم الكبير و أطلق طاقته السحرية، لقد كانت تفوق طاقة المستوى السابع بأضعاف كثيرة، حتى باسل تفاجأ من هذا الشخص الذي ارتفع حتى تساوى معه في المستوى بالسماء

باسل و أنمار هما الوحيدين غير حلفاء العدو اللذين كانا قادرين على معرفة قوة هذا العدو بالضبط، فأثناء تدريبهما، ركز المعلم على تحسين إحساسهما لأقصى الدرجات، لذا عندما احتاج لفعل هذا، كل ما كان فعله هو جعلهم يجربون مستويات مختلفة، و هذا كان عن طريق استخدامه لقوة تصل للمستوى المنشود و جعل باسل و أنمار يقاتلانه باستمرار حتى حفرت قوة كل مستوى في أذهانهما و أجسادهما و أرواحهما

هذين الاثنين ولدا بأفضل المواهب وجودا، لذا كان لهما إحساس قوي من الأول، و لم يمر وقت طويل حتى استطاعا صقل إحساسهما لأقصى الدرجات الممكنة في مستواهما الحالي

لكن باسل لا يزال يفوق حتى أنمار، فبامتلاكه لعنصر التعزيز الذي يأتي من الطاقة الخارجية، كان قادرا على تقوية إحساسه عبر الشعور بالطاقة التي تدخل لبحر روحه عبر جسمه كلما فرغت قليلا، لذا أصبحت حواسه حادة أكثر و أكثر مع مرور الوقت

ازدادت طاقة الأقدم الكبير مع مرور الوقت حتى أن باسل قد نزل بعض العرق من على وجنته، هذا الوضع غير جيد أبدا، لقد خدع العدو بأنه لم يستخدم طاقته الكاملة ريثما تأتي المساعدة، لكنه لا يعلم لمتى سيتسمر العدو في الانخداع هكذا

بلغت قوة العدو ذروتها ثم قال "على عكسك، أنا سوف أستخدم قوتي الكاملة، لنرى إن كنت ستبقى مشددا على رأيك في عدم استخدامك لقوتك الكاملة عندها"

عبس باسل و ضاقت عينيه أكثر، الآن يجب عليه الحرص على تضييع الوقت، لذا تكلم "كل ما فعلته هو رفع عنصرك الأول لأقصى الدرجات، هكذا لن يكون بإمكانك حتى منافستي"

"هممف !! " استهجن الأقدم الكبير فالتشر، إن كنت تريد الموت بهذه السرعة، فلما لا أحقق لك رغبتك بما أنها ستكون الأخيرة، اعتبرها مني كشفقة على حثالة مثلك"

حدق باسل في الأقدم الكبير و لم يتكلم، فقط ركز على الوضع الحالي، رأى ما خياراته و ما الذي يمكنه فعله

و في نفس الوقت، شحذ الأقدم الكبير فالتشر عنصره الثاني، ثم صرخ "وحشي الفتخاء"


عندها شوهدت ردة فعل على الوحشين اللذين لم يقوما بأي تحرك حتى الآن يرفعان أجنحتهما، خاف الكثير من الجنود، هل سيقوم باستخدام ذانك الوحشين المرعبين؟

حتى القادة الكبار المتبقين قد صدموا، لماذا يحاول باسل استفزاز العدو هكذا؟ لماذا يحاول جعل العدو يستخدم طاقته الكاملة؟ لم يعرف أي أحد المغزى وراء هذا الفعل، غير شخص واحد الذي بدأت الشكوك تراوده بالفعل حول أفعال باسل

هذا الشخص لم يكن شخصا آخر غير أنمار التي تفهم باسل أكثر من أي شخص، فكرت في هذه الأثناء بداخلها "لماذا يحاول كسب الوقت؟ أينتظر مساعدة من شخص ما؟ الوحيد القادر على حل هذا المشكل بشكل مؤكد هو المعلم فقط، لكن المعلم لن يظهر نفسه أبدا، فإن أنقدنا الآن سيعرضنا لخطر أكبر فقط على حسب ما قاله، أنا لا أعلم لماذا بالضبط لا يريد من أي أحد أن يكتشف أنه معلم باسل، لكن يبدو أن هذا الأمر مفروغ منه"

عندها تذكرت أنمار أمر باسل و امتلاكه لعنصرين و بنيته الغريبة خلاف الأشخاص العاديين، لذا بالطبع ربطت هذا مع ذاك

في هذه الأثناء حدق باسل بالأقدم الكبير ثم تكلم "إذا عنصرك الثاني هو الاستدعاء، وحشي الفتخاء من القسم الأولي من المستوى الثامن، و أنت من المستوى التاسع، و بالضبط في القسم المتوسط"

"هوه ! إنك تعرف أمورك جيدا" قالها الأقدم الكبير مع حملها لنبرة سخرية من باسل

هذا بالتأكيد شيء مذهل معرفته لمستوى وحشي الفتخاء بالضبط، فبالنسبة لمستوى الأقدم الكبير، كان عاديا بالنسبة لشخص دخل للقسم الثاني من مستويات الربط أن يعلم مستواه عندما يشحذ الأقدم الكبير طاقته، لكن معرفة حتى مستوى الوحشين اللذين لم يقوما بشحذ طاقتهما بعد كان مذهلا

لكن ما لا يعلمه الأقدم الكبير هو أن باسل حتى من دون أن يكون قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، فقد كان قادرا على الجزم و المعرفة بإحساسه الخارق

ووووووش-رفرفة


تحرك جناحي وحشي الفتخاء فجلبوا معهما العواصف، و أثناء محاولتهما الطيران، أطلقا صراخا جعل كل من يتواجد في الساحة يصبح أصما للحظات

*إيييييييييييييييك"

صوت رقيق لكن مرتفع جدا، و مع ارتفاع هالتهما ضغطا على كل الموجودين أثناء محاولتهما الطيران، بمجرد ما أن ارتفعا في السماء حتى صنعا طريقا غير مرئي في كل ضربة من أقدامهم، كانا يرفرفان للارتفاع، و الضرب بقدميهما لصنع الطريق، و بهذا شقا طريقهما نحو السماء

كانا مظهرهما راقيا كثيرا، ذلك المنظر الخلاب الذي يخلفانه وراءهما في كل رفرفة و ضرب بأقدامهما على الطريق الغير مرئي كان جميلا بشكل لا يوصف، في الحقيقة، فقط عند ضربهما بقدميهما يتكون الطريق الغير المرئي، أما قبل ذلك فلا يكون موجودا

كانت العربة مملوءة بالنقوش الغريبة، هذه النقوش كانت تشبه صقورا تركب أسودا، مما أعطى شكلا خلابا لرمز حكم الأرض و السماء معا، و كانت العربة موصولة بالوحشين برباط منقوش بنقوش أثرية

لذا حلقت العربة بعد أن توهجت النقوش التي عليها، بعد أن مرت الطاقة من خلال الرباط و وصلت لنقطة الالتقاء بالنقوش على العربة، هذه الأخيرة تشكل من تحتها طريق كالذي صنعه وحشي الفتخاء و حلقت تبعا لإرادتهما

بعث شكل هذين الوحشين على اتحاد حاكمي السماء و الأرض الطبيعيين، رفرفا و استخدما عنصر الرياح لزيادة سرعتهما

ووووووش

انطلقا بسرعة كبيرة و وقفا وراء الأقدم الكبير، هذا الأخير استهجن و قال "أيها الحثالة، سأجعلك تعرف مقامك، و هذا سيكون عن طريق موتك"


عندها فكر باسل في قوتي الوحشين، لقد كان لديهما سحر الرياح كالعنصر الأول الخاص بالأقدم الكبير، لذا كان هذا إضافة كبيرة، فهما سيعززون قوى بعضهم البعض و ينتجون هجمات ذات مدى أوسع و قوة أكبر، بكثير

عندما يكون لأي شخص عنصر الاستدعاء، فهذا الأخير يكون باستطاعته استعداء نوع واحد من الوحوش السحرية بعد أن يقوم بعقد الاستدعاء معها، فمثلا قد يكون بإمكانه استدعاء الوحوش السحرية التي تستخدم النار، أو التي تستخدم سحر التعزيز، لكن المهم هو أن سحر الاستدعاء الخاص به يكون قادرا على استدعاء وحوشا سحرية بعنصر واحد محدد

و الوحوش السحرية عندما تخترق المستوى السابع و تدخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لا تمتلك عنصرا ثانيا، لكن في المقابل تمتلك قدرة (ميزة) إضافية تستخدم عن طريق الطاقة الخالصة

باسل لاحظ قدرة وحشي الفتخاء على صنع طريق لهما في السماء، لكن لا يجب أن تكون هذه هي كل قوتهما فقط، لابد من أن هناك امتداد لهذه القدرة

أجاب باسل بالنظر إليه نظرة احتقار "همف، لا زلت لم تصل للمستوى المطلوب يا أيها الحثالة"

و لا زال باسل يحاول كسب الوقت، لكن يبدو أن هذا هو أقصى ما يستطيع كسبه عن طريق الكلام، و الآن حان وقت القبضات لتدخل الحدث

قفز الأقدم الكبير فالتشر للخلف ففتحت العربة من الفوق و دخل إليها

وقف و بإشارة من يديه، رفرف وحشي الفتخاء و صرخا ثم استخدما سحر الرياح مرة واحدة

فووو فووو

تكون إعصارين بجانبي باسل، ضغطهما لم يتيحا له أي فرصة للهرب، و قوة دورانهما جعلت بعض الجنود يطيرون، مع أنهم مرتفعون في السماء إلى أن قوة هذين الإعصارين قد جعلتهم يركزون على أقدامهم ليستطيعوا الوقوف، و منهم من لم يستطع و قذف لعشرات الأمتار، و آخرين قد جذبوا للإعصار، و قبل أن يفعل باسل أي شيء حتى تناثرت قطع أجسادهم في كل اتجاه و مكان

هؤلاء الجنود كانوا من المستوى الأول فقط، و بعد أن استيقظوا من غيبوبتهم التي سببها ضغط الأقدم الكبير سابقا، واجهوا مصيرا بائسا كهذا، و بسببهم عرف الجميع هنا قوة ذانك الإعصارين

غايرو و كاي اللذان يعرفان بأخوا القطع خجلا من اسمهما، أي قطع كانا يقومان به؟ إن كانا يسميا بثمل هذا الاسم، فما الذي يجب أن يسمى به الشخص أو الوحش القادر على القيام بمثل هذا الهجوم الشنيع ! ؟

عبس باسل في الحال، تشتَّتَت أجساد حلفائه لقطع من دون أن يكون قادرا على فعل أي شيء، لكن وقت الأسف ليس الآن، فالإعصارين ليسا فقط يستمران في التقدم نحوه، لكنهما يزدادان قوة مع الوقت


فكر باسل لقليل من الوقت، إن نزل للأرض الآن سينجو، لكنه سيعرض الكثير للخطر معه، مع أن اعتماده على سحر النار في الطيران يكلفه طاقته السحرية المهمة، لكنه يتجنب فقدانها كثيرا بسبب استخدامه للقليل من عنصر النار و تعزيزه بعنصر التعزيز الغير محدود مؤقتا

لذا خياره الوحيد هو الطيران للأعلى، زاد باسل من سرعة عاصفة النار الصغيرة فحلق للأعلى

الأقدم الكبير الذي لاحظ هذا الأمر، ابتسم و سخر "همف، لقد جنيت على نفسك فقط بظنك أنك قمت بالخيار الصحيح"

أخطر شيء في سحر الاستدعاء، ليس أنه يمكنه استدعاء كمية من الوحوش لتساعده، و إنما قدرته على التحكم في سحرهم حتى، و كما لو أنه سحره الخاص

فقط بنيَّته، و حركة واحدة منه تشكلت في التقاء راحتي يديه مطلقتان صوت تصفيق، حتى كان الأقدم الكبير قادرا على التحكم في الإعصارين و جعلهما يندمجان و يشكلان معا إعصارا يبدو أصغر في الشكل و أنحف، لكن قوة دورانه كانت لا تصدق، حتى أنه بدأ يتكهرب

تكلم الأقدم الكبير فالتشر "حسنا، و الآن، لما لا نضيف بعض النكهات، هااا"

صرخ بتلك الكلمة الأخيرة فتكون حول الإعصار حاجز غير مرئي، هذا الحاجز كان يشبه الطريق الذي صنعاه وحشي الفتخاء سابقا

عبس باسل و تكلم بداخله "اللعين، لقد تدرب حتى على التحكم في قدرة وحشيه جيدا"

عرف باسل أنه إن أصيب بهذا الهجوم فسوف يتلقى أضرارا لا تحمد عقباها، لكن حتى و لو عرف هذا، فلا يعني أنه قادر على فعل شيء أمامه، حتى باسل في هذه المرحلة قد انتهت خياراته


"اخترق و اقتل" صرخ الأقدم الكبير فانطلق الإعصار بسرعة جنونية، باسل الذي في السماء لم يكن باستطاعته مراوغة مثل هذا الهجوم السريع

زززززززك

تلاقى الإعصار بسيفي باسل الذي أخرجهما في آخر لحظة عندما وجد نفسه محاصرا، لكن حتى هذين السيفي الأثريين من الدرجة الثالثة بدأ يظهر عليهما عدم القدرة على التحمل. مع استمرار صوت الاحتكاك، استمر الإعصار في محاولة اختراق باسل الذي حلق لمئات الأمتار حتى الآن و لا زال يُدفع من قبل الإعصار

صرخ باسل بجنون و رفع عنصر التعزيز لحده الأقصى، عنصر التعزيز الذي كان في المستوى السابع، أصبحت طاقته تفوق ذلك المستوى بكثير

لكن مع أنه رفع عنصر التعزيز لأقصى حد، فلا زال غير كاف، دمج عنصر النار، توهج السيفين الأثريين و انفجرت النيران مرة واحدة منهما، لقد كان باسل يدافع بهما على شكل X ارتفع كذلك عنصر النار لأقصى درجة، و بتعزيزه بعنصر التعزيز الذي كان طاقته كبيرة و غير محدودة، أصبح السيفين الأثريين نفسهما النار، وصل تحكم باسل في سيفيه الأثريين لدرجة مخيفة، هدأت النيران و بدت كما لو أنها اندمجت مع السيفين و ليست تخرج منهما

و مع هدوء النيران حتى أصبح السيفين الأثريين عبارة عن لهبين (من لهب) أصفرين مائلين للأحمر في شكل سيفين و التف حولهما خيط طاقة رفيع باللون الأزرق الفاتح

صرخ باسل و استخدم كل طاقته الجسدية مع إبقاءه تركيزه على سيفيه، ثم لوح حتى وصلت يداه خلف ظهره

بششششش

تبدد الإعصار، في هذه اللحظة، كل شخص قد صدم، حلفاء كانوا أم أعداء، لكن الشخص الذي تلقى الصدمة الأكبر كان الأقدم الكبير فالتشر، لم يعلم أي أحد غيره عن مدى قوة الهجوم الذي نفذه


لقد كان ذلك في الأول هجوما من وحشي الفتخاء، لكنه بتحكمه في سحرهما و قدرتهما، كان قادرا على تعزيزه بسحره ذو المستوى التاسع، لقد كانت هجمة لا يمكن حتى لساحر من المستوى التاسع أن يصدها

لكن فتى مثل هذا كان قادرا على صده، ببساطة كان هذا غير معقول، و ما الذي يحدث بالضبط؟ ما تلك القدرة الجنونية على التحكم في السلاح الأثري؟ يقال أن الكمال في التحكم بالسلاح أو الدرع الأثري، تكون في دمج العنصر معهما، لكن هذا الفتى لم يقم فقط بدمج عنصر واحد مع سلاح أثري واحد، و إنما عنصرين مع سلاحين أثريين

دمج العنصرين معا وحده عمل صعب، و دمج عنصر واحد مع سلاح أثري أصعب، و دمج عنصرين مع سلاح أثري أكثر صعوبة، أما دمج عنصرين بسلاحين أثريين، فلا يمكن القول عنه سوى أنه شيء في متناهى الاستعصاء

دهش الأقدم الكبير فالتشر من هذا الأمر كثيرا، لكن الغريب في الأمر هو تفاجؤ باسل أيضا، فهو في مثل هذا الموقف الصعب و الشاق، كان قادرا على تطوير مهارته لهذا الحد، عندها لسبب ما تذكر كلام معلمه أثناء تدريبه بوادي الظلام العميق

(لديك ذكاء يجعلك عبقريا في المعارك)

(إنك حقا عبقري في المعارك)

لقد قال له معلمه هذا الكلام أكثر من مرة، لكن كونه عبقري في المعارك لا يقتصر فقط على استراتيجياته و خططه و كيفية تعامله و استجابته أثناء المعركة، بل أيضا التطور، سواء من ناحية العقل أو من ناحية القوة، و هذا كان سببا في جعله ينمي تحكمه في سيفيه الأثريين لهذه الدرجة من الكمال

تمكنه من التطور أثناء المعارك، فكر باسل في أن مثل هذه الموهبة التي يملكها، قد تكون أفضل شيء يملكه حتى لو كان يمتاز عن الآخرين بعنصر إضافي

بعد قليل من الوقت، استعاد الأقدم الكبير رشده، لقد اندهش كثيرا، لكنه فجأة صنع وجها يعبر عن اكتشافه لأمر ما أو ظهور فكرة ما في عقله


عبس و حملق في باسل ثم تكلم "أيها الفتى، ليس أنك لا تستخدم طاقتك الكاملة، لكن تلك هي حدودك، بمشاهدتك تستخدم أسلحة من الدرجة الثالثة فقط، قد أكدت شكوكي، لا أعرف بالضبط ما السبب في انخفاض طاقتك و هالتك و ضغطك و ضعف حضورك بالنسبة لشخص دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، لكن بما أنك ضعيف لهذه الدرجة، فلست بحاجة للتراجع"

كان الأقدم الكبير فالتشر في الحقيقة يقمع نفسه و يحاول الإبقاء على طاقته السحرية قدر المستطاع، فمعركة بين ساحرين ترتكز غالبا على الطاقة السحرية، من يمتلك القدر الأكبر، غالبا ما يكون الفائز، لكنه الآن قد اكتشف أن طاقة باسل قليلة، لذا لن يتراجع بعد الآن و سوف يستخدم الطاقة الغاشمة لإبادة عدوه

ضاقت عيني باسل، لقد اكتشف ذلك الوغد هذا الأمر، لو أن العدو لم يكتشف، كانت المعركة لتطول أكثر، لأن الأقدم الكبير سوف يدخر طاقته و يستعمل القليل فقط، و في المقابل سوف يستخدم باسل طاقته الكاملة، و بهذا ستكون المعركة متساوية لبعض من الوقت

لكن العدو كانت حواسه حادة و اكتشف هذا الأمر بسرعة، لكن هناك شيء واحد لا زال لا يفارق ذهنه أبدا، ذلك الفتى عندما ظهر أمامه لم يظهر عليه أي علامات من الإرهاق، إذا لما طاقته منخفضة لهذه الدرجة؟

لم يفهم الأقدم الكبير مهما حاول، فهو لن يتخيل أبدا أن هناك شخص بعنصرين بالقسم الأول من مستويات الربط، هذا الأمر غير موضوع في قائمة الاحتمالات حتى

حدق باسل في سيفيه الأثريين، و ركز على عنصر النار، هذا الأخير لم يتبقى منه الكثير، و في الجهة الأخرى، لا يمكنه استخدام عنصر التعزيز لمدة أطول، ففي كل مرة تتوغل الطاقة الخارجية لجسده، يتسبب له هذا في إرهاق روحه و جسده أكثر

"المستوى السادس من عنصر النار غير كاف، هاه ! "

تكلم باسل و عبس، عنصر النار الخاص به في المستوى السادس فقط على عكس عنصر التعزيز، فهذا الأخير لم يزدد عن طريق تنميته بالتدريب الشاق كعنصر النار، عنصر التعزيز كان ينمو عبر إكسير التقوية، هذا السبب الأصغر، أما السبب الأكبر، فهو ضعف الختم الموضوع عليه مع مرور الوقت


للدقة، ليس مع مرور الوقت، و لكن مع تقدم باسل في المستويات، كل ما ارتفع باسل بمستوى، أو حتى بقسم، فالختم الموضوع عليه لمنع انجذاب الطاقة الخارجية إليه يضعف، مما يتسبب في ازدياد الكمية التي تتوغل لجسده

وُضِع هذا الختم عليه بهذه الطريقة لأنه لا يمكنه تحمل موجة الطاقة الخارجية الضخمة و الغير محدودة للأبد، فبالختم، كانت تتوغل لجسده القليل من الطاقة الخارجية، و كلما فرغت، امتلأت مرة أخرى

كان الأمر كما لو أن الختم يمنح للطاقة الخارجية مكانا لتسكن به فقط، و بهذا نجى باسل، لكن، في كل مرة ترتفع فيها قوة باسل، في كل مرة تزداد طاقة عنصر النار الخاص به، كلما كبر سكن الطاقة الخارجية

و الآن، عنصر النار الخاص به في القسم النهائي من المستوى السادس، و بهذا كان سكن الطاقة الخارجية واسع لتحمل طاقة تفوق المستوى السابع، مما يعني أن الختم قد ضعف كثيرا بالفعل، و يبدو أن عنصر النار الخاص به كلما اقترب من المستوى السابع كلما ضعف الختم بشكل أكبر، حتى أنه بدأ يرى اقتراب انكسار الختم كليا

لكن عندما يحدث مثل هذا الأمر، فسوف يتعرض باسل لموجة من الطاقة الخارجية غير محدودة، و لوقت غير محدود من الوقت، و في ذلك الوقت، إن لم يكن قادرا أو مكتسبا القدرة على التحكم في الطاقة الخارجية، فسوف يهلك عبر انكسار بحر الروح

"هاا" صرخ الأقدم الكبير ثم توجه نحو باسل بالعربة بأقصى سرعة يملك، سرعة العربة على الطريق الغير المرئي مدعمة بسحر الرياح، كانت لا تصدق، و كان بإمكانها قطع الأميال في ثواني

صرخ وحشي الفتخاء ثم رفع الأقدم الكبير يده للأعلى و رفرف الوحشين تباعا له، ثم أنزل يده مع صراخه "ألف رمح"

في الحال تكون فوق باسل آلاف الرماح الضخمة التي وصل طولها للمترين، و كلها كانت عبارة عن رياح تتكهرب من شدة احتكاكها بنفسها، رمح واحد منها كاف ليجعل ساحر من المستوى السادس يرتعد

عبس باسل، لكنه لم يتراجع، و عوض ذلك استخدم عنصر التعزيز بجنون، السيفان اللذان على شكل لهبين و يحيط بهما خيط طاقة رفيع، اهتزا و لمعا، و الخيط الرفيع الأزرق الفاتح أصبح أكثر وضوحا من قبل

أنزل الأقدم الكبير يده نحو الأسفل، فتوجهت الرماح كلها في نفس الوقت نحو باسل، كل من شاهد هذا المنظر بقي منتظرا موت باسل فقط، لكن ذلك الأخير حرك سيفيه المتوهجين و شرع في الهجوم هو الآخر كدفاع

ززن ززن ززن

تحركت يدي باسل بسرعة خارقة، طاقة عنصر التعزيز فاقت المستوى السابع بالفعل و وصل لمرحلة لا تصدق، أصبح باسل يتحرك حتى بدأ يظهر كما لو أن له العديد من الأذرع، آلاف الرماح توجهت إليه مرة واحدة، لكنه قام بصد رمحا تلو الآخر بسرعة غير معقولة

و مع ذلك، مع مرور الوقت كانت تظهر عليه علامات التعب، لكنه مع ذلك لا زال يستخدم عنصر التعزيز و يزيد من قدرة تحمله، لكن في المقابل كان بحر روحه يُرهق أكثر و أكثر


آلاف التلويحات من أجل إيقاف آلاف الرماح القادرة على قتل سحرة من المستوى السادس، هذا الأمر لا يمكن لشخص حتى من المستوى الثامن فعله، فبعد المئات و الألف و الألفين سيتعب و سيتعرض للإصابة للعديد من الرماح، لكن هذا في حالة عدم قيام هذا الساحر من المستوى الثامن بهجمة مضادة

مثل هذا الأمر كان ناجحا بالنسبة لباسل فقط لسببين، كونه يمتلك سحر التعزيز الغير محدود مؤقتا، و امتلاكه لسيفيه الأثريين، هذا السبب الأخير لا يمكنه التأثير بشكل كبير في مثل هذه الحالات، لكن في حالة كان الشخص يمكنه التحكم في السلاح الأثري لدرجة الكمال، فحتى هذا السلاح الأثري من الدرجة الثالثة سيكون كسلاح أثري من الدرجة الخامسة

انقسمت الأسلحة الأثرية لسبع درجات

- الدرجة الأولى، و التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الرابع و الخامس

- الدرجة الثانية، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى السادس

- الدرجة الثالثة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى السابع

- الدرجة الرابع، هنا لا يمكن لشخص استخدام مثل هذا السلاح الأثري أبدا ما لم يكن قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، و يستطيع استخدامه سحرة المستوى الثامن و التاسع

- الدرجة الخامسة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى العاشر

- الدرجة السادسة، التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الحادي عشر و الثاني عشر

- الدرجة السابعة و الأخيرة، و التي يستطيع استخدامها سحرة المستوى الثالث عشر و الرابع عشر

سمع ذات مرة باسل من معلمه، أن الشخص لو وصل للكمال في التحكم بسلاح أثري من الدرجة السابعة سيكون قادرا على مواجهة سلاح خاص بـ'سيد روحي' لبعض الوقت، أي يمكنه أن يجابه سلاحا من نطاق 'الأرض الواسعة' لبعض الوقت

لكن 'السيد الروحي' الذي يعتبر خبيرا من نطاق 'الأرض الواسعة'، سيكون هو الرابح في نهاية المطاف، فساحر من مستويات الربط لا يمكن مقارنته بساحر روحي

تزداد درجة تحكم الساحر في سلاحه الأثري كلما ارتفع في المستوى، فمثلا بالنسبة لسلاح من الدرجة الرابعة، سيكون لِساحر من المستوى الخامس الأفضلية في التحكم فيه من ساحر من المستوى الرابع

مع أنهما باستطاعتهما استخدام نفس الدرجة، إلى أن الشخص الذي يكون بمستوى أكبر تكون له الأفضلية في درجة التحكم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن من بالمستويات العليا يكونون دائما أفضل في التحكم، ارتفاعهم في المستوى فقط يزيد من قدرتهم على التحكم


فمثلا، هناك ساحر من المستوى الخامس، لكنه أضعف في التحكم من ساحر بالمستوى الرابع، مع أن ارتفاعه بالمستوى يمنحه أفضلية، لكن إن كان أقل موهبة من ساحر المستوى الرابع في التحكم أصلا، فحتى أفضليته (مستواه أعلى) لن تكون كافية ليتغلب على ساحر المستوى الرابع في التحكم

و من يصل للكمال بالتحكم في السلاح الأثري، يكون بإمكانه مواجهة أسلحة من درجة أكبر، كحال باسل الآن، سلاحه من الدرجة الثالثة، لكنه مع ذلك يمكنه مجابهة سلاح أثري من الدرجة الخامسة، بشرط ألاّ يكون تحكم صاحب السلاح الأثري من الدرجة الخامسة قد وصل للكمال أو اقترب منه

باسل الآن يستخدم سلاحا أثريا من الدرجة الثالثة، هذا الأمر مستحيل بالنسبة له في الأحوال الطبيعية كساحر من المستوى السادس، لكن بامتلاكه عنصر التعزيز الذي فاق حتى المستوى السابع، كان بإمكانه استخدام عنصر التعزيز أولا على السيفين الأثريين و من تعزيز عنصر النار دائما ليكون قابلا لاستخدام سلاح أثري من الدرجة الثالثة

لكن معنى أنه يقوم بتعزيز عنصر النار، ليس أنه يجعله يرتفع في المستوى، فهو يعزز عنصر النار بعد أن يستخدمه، فلا يمكن لعنصر أن يتداخل مع الآخر بداخل بحر الروح أبدا، فإن حدث هذا، عندها سيكون هناك عدم استقرار قد يؤدي لانكسار بحر الروح

تعجب بالفعل الأقدم الكبير مما فعله باسل، لكنه استل سيفه السحري و صرخ بينما يلوح به "قطع الهواء"

و بتلويحه بدا كما لو أنه يقطع الهواء حقا، لكن ما حدث بالضبط كان تجمع الرياح حول سيفه و انطلاقها على شكل موجة حادة ضخمة للغاية

حتى باسل عندما شاهد هذا الهجوم قد فوجئ قليلا، لكن مع ذلك، هو لديه سلاحين أثريين على عكس العدو، و سيفيه في هذه الأثناء يفوقان قوة سيف عدوه

تقدم باسل و قطع

زبام

قطع الموجة الضخمة و توجه نحو الأقدم الكبير الذي تحكم في وحشيه و اللذين بدورهما تبعا إرادته و ضربوا بأقدامهم في السماء فكونوا الطريق الغير مرئي، و بعدها قاموا بالضرب مرة تلو الأخرى، فصنعوا عدة طرق


تبعا لإرادتهم، تحركت الطرق و تشكلت ثم كونت رمحا غير مرئي، وصل طول الرمح للعشرة أمتار، كانت مقدمته أسطوانية، كان الطريق الغير مرئي كما لو أنه حاجز يتشكل طبقا لإرادة مستخدمه

وقف الرمح الغير مرئي في السماء من دون تحرك، ثم عندها ابتسم الأقدم الكبير و صرخ "إنها لحظات موتك أيها اللعين، ذق عذاب أقوى هجوم أملكه، حتى لو جلبت ساحر من المستوى العاشر فسوف يصبح نصف ميت بتلقيه مثل هذا الهجوم"

كان الأقدم الكبير واثقا جدا، وضع سيفه السحري في مكعب التخزين و أخرج سيفا أثريا، هذا السيف الأثري كان شكله متعرجا و نقوشه كانت أكثير توهجا عندما شحذ الأقدم الكبير فالتشر طاقته به، أخذ وضعية أفقية لسيفه الأثري و شحذ طاقته لآخرها، و كذلك فعل وحشي الفتخاء، و في نفس الوقت، قام بتوجيه سيفه للأمام نحو مؤخرة الرمح الغير مرئي بقوة خارقة مع تكوين الوحشين لرياح توجهت نحو مؤخرة الرمح الغير مرئي كذلك

فانفجرت الرياح خلف الرمح الغير مرئي و انطلق بسرعة هائلة كما لو أنه عبارة عن رمح برقي

باسل الذي شاهد اندفاع تلك الطاقة الغير معقولة نحوه لم يعرف كيف يتعامل بعد الآن، قد يكون الرمح غير مرئي، لكن لا زال بإمكان الساحر الشعور به، فهو مكون من الطاقة السحرية الخاصة

في لحظة قطع مئات الأمتار و وصل لباسل الذي دافع بكل ما يملك من قوة، استخدم سيفيه الأثريين من الدرجة الثالثة بتحكم في مرحلة الكمال، و مع ذلك لا زال الأمر بلا فائدة، استخدم سحر التعزيز بجنون و مع ذلك كان هذا بلا فائدة، نفذت خياراته حقا هذه المرة

قاوم السيفين تحت تحكم باسل بجنون و دفعا مع مالكهما لمئات، لا، آلاف الأمتار، حلق باسل في السماء بغير إرادته بينما يعاني، عضلاته تقترب من الانفجار و بدأ يسمع بعض الأصوات من تحطم عظامه

بااااااام

تناثرت الدماء في السماء، كان باسل قادرا على صد الرمح، لكنه لم يكن قادرا على منعه من تسببه له في جراح بالغة، عظام ذراعيه تحطمت، و قبل أن تتحطم العظام انفجرت العضلات، فخرج الدم كالشلال من دون توقف

تحطمت أكثر من ست ضلوع، و تمزق لحمه، هذه الهجمة كانت مروعة للغاية، كلام الأقدم الكبير لم يكن من فراغ، فهذه الهجمة الآن جعلت باسل في الموقف الأضعف نهائيا من دون شك، استخدم الأقدم الكبير بالفعل الكثير من طاقته، التحكم بعنصر الاستدعاء في الوحوش التي استدعاها لكل هذا الوقت لوحده مرهق، لكن التحكم في سحرهم و قدرتهم، هو أمر شاق كثيرا


حتى هو لهث كثيرا بعد هذا الهجوم، فقط عنصر الرياح الخاص به الذي لا زال مرتفعا قليلا، لكن الإجهاد من انخفاض عنصره السحري بسبب استخدامه الجنوني له كان كبيرا

شحب الجميع من المشهد أمامهم عندما تناثرت الدماء الخاصة بباسل في كل مكان، بالكاد يحافظ على وعيه، كل تلك الآلام و لا زال واعيا لأمر مذهل بالفعل، لكنه لم يعد باستطاعته الإبقاء على عاصفة النار الصغيرة لتحمله بالسماء

فعندما كان يدفع للوراء لآلاف الأمتار كان تركيزه بالكامل على صد الرمح، لذا كان يحتاج لأي قطرة يملكها من السحر، جمع كل ما يملك من طاقة و استخدمها لمقاومة تلك الهجمة الخارقة

فتح الكل أفواههم من الصدمة، ما هذه اللعنة التي نزلت عليهم؟ ما كان ذلك الهجوم قبل قليل؟ أذلك ممكن القيام به من طرف البشر؟

الأقدم الكبير فالتشر كان من بين المصدومين أيضا، إن كانت هذه الهجمة ستجعل من ساحر بالمستوى العاشر نصف ميت، فمن المؤكد أنها ستقتل هذا الفتى، لكن هذا الأخير مع ذلك خرج من هذه الهجمة نصف ميت فقط

في هذه الأثناء سقط جسم باسل من السماء، كان وعيه مشتتا، بالكاد يستطيع فتح عينيه، لكنه لو نزل من هذا الارتفاع، فلا شك أنه سيتلقى أضرارا بالغة أخرى

وووووووووووش

مر ضوء أزرق من بين الجميع بسرعة كبيرة جدا، كازيمارو الذي كان يتمتع بقتال الأقدم الكبير لاحظ هذا الشخص، أراد أن يفعل شيئا ما لكن أحجارا مدببة من جميع الجهات وصل عددها للعشرات استهدفته

شاهين حدق في الجهة التي أتت منها الأحجار فلاحظ عندها شخصا ما بدرع ذهبي بندبة على طول جبهته، تغيرت الابتسامة على وجهه لتصبح عبارة عن تعبير قلق، تكلم بعبوس "إمبراطور إمبراطورية الرياح العاتية 'غلاديوس'، لقد وصل ! "

أنمار كانت متوجهة للمنطقة التي سيسقط فيها باسل، كانت نظراتها مرتعبة للغاية، لم يكن بإمكانها سوى الشعور بالقلق على أن يموت باسل، لكنها في الحال نفت هذه الأفكار و وضعت تعبيرا حازما على وجهها، مع يديها المتحطمتين استمرت في الجري، و مع ذلك لاحظت أنها لن تصل في الوقت المناسب


ووووووووش

مر من جانبها ضوء أزرق مكهرب، وقفت متفاجئة في مكانها ثم تمتمت "الجنرال رعد ! ؟"

كانت هوية الضوء الأزرق المكهرب الجنرال رعد، كان شكله هذه المرة راقيا كثيرا، كان سحر البرق يحيط بجسده و يتكهرب، مما عزز قدراته الجسمانية و جعله ينطلق كالبرق

بسرعة كبيرة جدا وصل في الوقت المناسب و أمسك بباسل

حدق في باسل و تكلم "لسوء الحظ، يبدو أن حدسك هذا كان صائبا بعد كل شيء أيها الفتى القرمزي"

تكلم باسل بعدما حدق في صاحب ذلك الصوت "همف، لقد تأخرت أيها الرجل الأشقر"

"مع أنني أتيت بكل ما أملك من سرعة؟" قالها الجنرال رعد و تنهد

أجاب باسل "إن كانت هذه سرعتك القصوى، فأنصحك بالتدرب أكثر على تحسينها"

حملق الجنرال رعد في باسل ثم غير الموضوع بقوله "إذا ما نحن بفاعلين؟"

قبل وصول باسل لساحة المعركة، في طريقه قام باستخدام خاتم التخاطر و تكلم مع الجنرال رعد مخبرا إياه كي يأتي

ظهر تعبير غريب على باسل بينما يتكلم عبر خاتم التخاطر (الإمبراطوران قد وصلا ! ؟)

تعجب باسل، لقد وصله هذا الخبر قبل حوالي شهرين، سمع من الكبير أكاغي بقدومهما، لذا حاول إنهاء هذا الأمر قبل وصولهما، لكن مثل هذا العائق لم يكن متوقعا، و الاستقبال الذي كان ينوي إعداده للإمبراطورين بصفتهم في إمبراطورية الشعلة القرمزية قد ألغي

لكنه عندها ابتسم، و تكلم مع الجنرال رعد (أيها الرجل الأشقر، اجلبهما معك، قلت أنهما قد جلبا معهما بعض المحاربين الأشداء، سيكونون ذوي عون، فلتأتي بسرعة)

بالعودة للحاضر

بعد سؤال الجنرال رعد، حدق باسل الأقدم الكبير ثم عبس، فوجه الجنرال رعد نظره للاتجاه الذي وجهه إليه باسل

في هذه الأثناء

بووم

انفجار من الرياح جعل عشرات الكرات الحجرية تحلق في كل مكان، هرب الجنود منهم بكل ما يستطيعون، الكرة الحجرية الواحدة كانت كبيرة كفاية لتسحق خمسة جنود مرة واحدة

لقد كانت هذه الكرات الحجرية هي الهجمة التي استخدمها الإمبراطور غلاديوس سابقا ضد كازيمارو، هذا الأخير كان ينوي اللحاق بالجنرال رعد، لكنه في هذا الموقف السيء أسرع بالدفاع عن نفسه بكل ما يملك منتجا إعصارا جعل كل الكرات التي توجهت نحوه تحلق في كل مكان

ظهر كازيمارو من بين الغبار و صرخ "أيها الوغد، ستموت"


تكلم شاهين "احذر، ذلك الوغد، لقد وصل للقسم النهائي من المستوى السابع"

حملق كازيمارو به و قال "ها؟ هل تظن أنني لم ألاحظ؟ لقد لاحظت و مع ذلك سأسحقه"

اندفع كازيمارو بسرعة كبيرة متجها نحو الإمبراطور غلاديوس، لكن هذا الأخير لم يتحرك، و بدل ذلك ظهر من خلفه ظلين

وووووش زززززن

تلاقى سيفان بسيف، فنتجت موجة كبيرة جعلت الكثير من الجنود الضعفاء يطيرون بعيدا، حدق كازيمارو في مالكيْ السيفين اللذين قاما بإيقاف سيفه، فوجد شخصين بدرع فضي

"جنرالان؟" تفاجأ كازيمارو

تفاجأ الجميع كذلك، في جهة باسل، هذا الأخير تحدث "إذا المحاربين الأقوياء قد عنيت بهم الجنرالات، هذا جيد، و الآن اسمع قبل أن يتحرك ذلك الوغد"

استمع الجنرال رعد لم قاله باسل ثم أطلق صوتا غريبا "هاا؟ حسنا إنهم يملكون معهم ساحر علاج، لكن هذا..."

"إذن أسرع" قالها باسل مع نظرة جدية

أغمض الجنرال رعد عينيه ثم فعل تنهد، قال "لا تلومني إن لم يسر الأمر على خير"

انطلق الجنرال رعد بكل سرعته في اتجاه واحد بعد أن بدى كما لو أنه قد قرر وجهته

و في لحظة وصل لوجهته، وقف الجنرال رعد أمام شي يو و تكلم "هل انتهيتِ؟"

أجابت شي يو "لقد أنقذت حياتهم على الأقل"

تكلم باسل "حسنا هذا يكفي، فلتتبعيني"

تركت شي يو القادة الثلاث الذين كانت تعالجهم في رعاية تورتش و البقية كما فعلت مع الفتاتين الصغيرتين و لحقت بالجنرال رعد


كان الأقدم الكبير يقف في السماء بينما يلهث، و عندما رتب دورته التنفسية حدق في الساحة محللا الوضع، شاهد باسل المنقول من طرف الجنرال رعد فعبس و بدأ يشحذ طاقته السحرية

ووش ووش ووش

انطلقت عشرات الشفرات المكونة من الرياح مستهدفة الجنرال رعد، فظهر الكبير أكاغي و الجنرال منصف، و أيضا شفرة الجليد كين نبيل، يين يينغ، مارون زونغ، و كورو هيسي، هؤلاء الأربعة كانوا يأخذون استراحة، لكنهم قد أتوا مع الجنرال رعد الذي التقى بهم في طريقه إلى هنا. استخدموا أنفسهم كدرع من أجل حماية الجنرال رعد الذي يحمل باسل، عبس الأقدم الكبير و أراد أن يتبع الجنرال رعد، لكنه فوجئ بنفسه يقف في وسط بركان بينما نصف جسده قد غرق بالفعل، فزع للحظات ثم عرف أنه وهم، لذا ركز و هرب منه، و بمجرد ما أن فعل حتى هوجم بهجمات مختلفة من جميع الاتجاهات

ظهرت أنمار بجانب الجنرال رعد و حدقت في باسل قليلا بنظرة متألمة ثم تكلمت "باسل، ما الذي تنوي فعله؟"

حدق باسل مرة أخرى في إصابتها و عبس، ضاقت عينيه، لقد أقسم على قتل ذلك الوغد، لكنه لم يملك القوى الكافية لذلك، نظر لحالة ذراعيه ثم قال "لا شيء، سآخذ مغامرة خطيرة قليلا فقط" ابتسم ثم ترك أنمار تفكر بالأمر

بعد الجري لمدة، وصل الجنرال رعد لوجهته فتوقف أخيرا، تكلم مع الشخص الذي أمامه "أيها الإمبراطور شيرو، أين ساحر العلاج الخاص بكم؟"

حملق الإمبراطور شيرو بالجنرال رعد، ثم في الشخص الذي يحمله، فإذا به يجد فتى لم يصل للخامسة عشر بعد و في مثل هذه الحالة المزرية، ما الذي يمكن أن يحدث حتى يكون فتى في مثل عمره بهذه الإصابات المروعة

تكلم الجنرال رعد "أسرع من فضلك"

استيقظ الإمبراطور شيرو من أحلامه ثم قال "آه، إنه أفضل ساحر علاج في إمبراطوريتي، إنه ساحر بالمستوى السادس بالقسم الأخير، هيل، أسرع إلى هنا"

ابتسم باسل و قال "إذا هذا جيد"

أتى هذا الشخص هيل، فجعل أنمار و باسل متجمدين في الصدمة، ساحر علاج في المستوى السادس، و يتصرف بتوتر فائق

"أ-أنا هنا يا سيدي" تكلم هيل مخاطبا الإمبراطور شيرو

لم يقدر باسل و أنمار أن يتحكما في أنفسهما حتى خرجت الضحكة بالرغم عنهما، نظرا لـشي يو ثم لـهيل، هذا الأخير يبدو كما لو أنه النسخة الذكرية من شي يو، هذا الأمر كان مضحكا حقا في وسط هذه الأزمة

لم يفهم الجنرال رعد و الآخرون ما يحدث، تحدث باسل "أعتذر أعتذر، أيها الرجل الأشقر، فلتنزلني"

أكمل باسل بعدما استلقى على الأرض "أنمار، فلتخرجي قنينتي من إكسير العلاج و اشربيني إياهما، و اعطي قنينة من إكسير التعزيز لـهيل"


عبست أنمار ثم فهمت ما يحاول باسل فعله "ليس كما لو أنك لا تعلم ما الذي سيحدث لك بعد هذا ! لما ستخاطر هكذا؟"

تنهد باسل و قال "هل تحتاجين لطرح هذا السؤال؟"

حدقت أنمار به و قامت بما أخبرها به، شاهد الإمبراطور شيرو هذه القنينات فأحس بتلك الطاقة المركزة بغرابة بتلك المحاليل، اقترب من هيل و شاهد ذلك المحلول بكل اهتمام، عندها شاهد أنمار تقوم برفع رأس باسل قليلا كما لو أنها تحاول أن تجعله يشرب تلك المحاليل

تكلم باسل "هيل، اشرب ذلك المحلول"

استغرب هيل و الإمبراطور شيرو، حاول هذا الأخير طرح سؤال ما، لكن الجنرال رعد تدخل "أسرعوا من فضلكم، نحن لا نملك الوقت الكافي"

حدق هيل بالقنينة، و بكل توتر قام بشربها

بوووم

انفجرت طاقته و هالته، حدق الإمبراطور شيرو بـهيل بتعجب كبير، ثم قال جملة خرجت من فمه بكل صعوبة "لقد اخترق المستوى السابع !!! "

لم يكد يصدق الإمبراطور شيرو ما حدث، أما هيل، فبقي يحدق بيديه و شعر بنشوة لا تصدق

تكلم الإمبراطور شيرو "ما..."

لكنه بعد أن حاول الاستفسار تكلم باسل "عندما أشرب هذين المحلولين، ستقوم أنت و شي يو بعلاجي بكل ما تملكون من قوة، سأريد منكم التركيز على علاجي كما لو أن حياتكم على المحك"

استغرب هيل، لقد وصل للقسم النهائي من المستوى السابع، حتى الإمبراطور شيرو تجمد في مكانه و كاد لا يصدق أن ذلك الشخص هو هيل الذي يعرفه

تكلم باسل "أيها الرجل الأشقر، فلتأخذ هذه و أعطها للإمبراطور غلاديوس" التف بعد أن أعطى الجنرال رعد المطرقة الضخمة التي قد سبق و استخدمها الأمير الثاني، ثم قال "حسنا" أماء رأسه لأنمار التي همت لتشربه الإكسيرين، لكن بسبب ذراعيها المكسورتين، قام الجنرال رعد بأخذ هذا الدور عنها

لكن، تكلم الجنرال رعد قبل أن يشرب باسل الإكسيرين و بعد أن حدق في المطرقة التي حملها "ما الذي ستفعله؟"

أجاب باسل "لا شيء قد يسمى بالكبير، أنا فقط لا أخطط التعرض للضرب من دون الرد، فهذا ليس من شيمي"


شرب شرب

"آآآآه" صرخ فجأة باسل متألما بشدة كبيرة بينما أنمار تحدق به بنظرات القلق، ليش هناك شخص عاقل يعرف ماهية الإكسيرات و سيشرب إكسيرا علاج بنفس الوقت، فبحر الروح نفسه سيبدأ بالتمزق

صرخ باسل من دون توقف، تجمد الجميع فصرخت أنمار "أسرعا أنتما الاثنين و ابدآ في معالجته"

بتصرفاتهما المتوترة اقترب الاثنان من باسل و شحذا طاقتهما السحرية لأوجها ثم أطلقاها نحو باسل بادئين في علاجه

بدأت عظامه تلتصق ببعضها مما سبب آلاما لا توصف، فقط آلام بحر روحه كافية لتجعله يطلب الموت، مع أنه يصرخ إلى أنه بقي صبورا، التأمت عظامه و جراحه بسرعة ملحوظة بينما يهتز جسده بالكامل من الآلام، كما لو أنه سينفجر من الداخل

حدق الجنرال رعد و الإمبراطور شيرو في هذا المنظر المروع، من منظر باسل الذي كان يبدو بخير حتى بتلك الإصابات البالغة سابقا لكنه الآن يصرخ بجنون، كان بإمكانهما الجزم بشدة الألم الذي يشعر به الآن

قام هيل و شي يو بشد عزيمتهما و ركزا أكثر على العلاج على الرغم من أنهما عندما بدآ بمعالجته قد ازدادت معاناته فقط

ثم بعدها أسرع الجنرال رعد و اتجه نحو الإمبراطور غلاديوس

في تلك الأثناء

استهدف ظل ما مجموعة تورتش، هذا الأخير أسرع في إطلاق هجوم نار مستهدفا الظل و أمر الجميع بالتراجع، تكلم تورتش "يبدو أنك قد أنقذت مؤخرتك أيها الوغد"

"همف" استهجن شاهين و تكلم "ستكون مؤخرتك التي ستركل هذه المرة، و بشدة"

تكلم تورتش "سنرى بشأن هذا، فمما أرى، يبدو أن آثار قمع السحر الخاص بأصفاد السحر لا زال مؤثرا بمؤخرتك"

عبس شاهين و قال "إنني أفضل حالا من مؤخرتك المرهقة"

بوووم

اندلع قتال بينهما أيضا


في جهة الإمبراطور غلاديوس، تحدث أحد جنراليه "سيدي، هذا الوغد في قمة المستوى السابع"

عبس الإمبراطور غلاديوس و حدق في سيف كازيمارو، تكلم بداخله "مع ذلك، تبدو قوته أكبر مما يملك، ما الذي يحدث؟ أظن أن السبب هو ذلك السيف الغريب الذي يملكه"

ووووووش

ظهر الجنرال رعد بسرعة بجانب الإمبراطور غلاديوس الذي استل هراوته مستعدا، لكنه توقف بعد أن عرف أن الجنرال رعد من أتى

تكلم الجنرال رعد "خذ لك هذه"

رمى له المطرقة الضخمة، فاستغرب الإمبراطور غلاديوس كثيرا، حدق بالمطرقة مطولا، هذه المطرقة كانت خاصة بساحر من المستوى السادس فقط، لكن هناك شيء ما غريب بها، أثارت اهتمامه تلك النقوش و مرر يديه عليها

تكلم الجنرال رعد "استخدمها و ستعرف لما أعطيتها لك"

شحذ الإمبراطور غلاديوس طاقته السحرية فتفاجأ بطاقته تتضخم لأضعاف، توهجت النقوش بشدة حتى أنها جعلته يصدم

و في جهة الكبير أكاغي و الآخرين، كانوا يمرون بوقت عصيب، تكلم الأقدم الكبير من السماء "حثالة مثلكم يجتمعون علي، إن أضفت الحثالة على الحثالة، فستبقى مجرد حثالة"

شحذ طاقته السحرية و لوح بسيفه عشرات المرات مرة واحدة صانعا عدة أعاصير قاطعة استهدفت مجموعة الكبير أكاغي

و في هذه الأثناء

بدأت تظهر علامات تحسن على جسد باسل

استمر العلاج لمدة أطول، و مع مرور الوقت، العظام التي كانت متحطمة تماما التأمت من جديد كما لو أنها لم تصب أصلا، رجع لحمه لما كان عليه من دون أن يخلف العلاج وراءه أي أثر للجراح العميقة

لكن، مع أن جسده قد شوفي تماما إلى أنه لا يزال يتقطع متألما بسبب عدم استقرار بحر روحه، من تجرأ و شرب إكسيري علاج مرة واحدة، غالبا ما سيتعرض لآثار جانبية تتمثل في عدم استقرار بحر روحه لمدة طويلة قد تصل لشهور، و يصطحب عدم الاستقرار هذا معه آلاما فظيعة تجعل الشخص يطلب الموت على تحملها، و بالطبع بما أن بحر الروح يكون غير مستقر، فكذلك تكون حالة سحره

لذا شرب باسل لإكسيري علاج مرة واحدة كان شيئا في غاية الجنون

اتخذ باسل وضعة القرفصاء و جلس ثم دخل في حالة الصفاء الذهني و الروحي، يجب عليه تهدئة بحر روحه إن أراد أن يقاتل كيف يشاء، غير هذا، لن يكون بإمكانه حتى استخدام السحر بشكل لائق

حدق الإمبراطور شيرو و البقية في هذا الفتى بغرابة، أما أنمار فجلست بجانب باسل بينما تحدق بوجهه من دون أن ترمش للحظة، كانت تراقب أبسط التعبيرات التي تظهر عليه


أما باسل، فانتقل بوعيه لداخل بحر الروح، هذا الأخير الذي كان دائما هادئا، لم يكن كذالك هذه المرة، عنصري السحر كانا مضربان كثيرا، الأربعة عشر كرة من كل عنصر بدأت تفقد شكلها، كما لو أنها تتشكل في شكل سحابة

هذه السحابة التي كانت تتشكل تكهربت و انتقل هذا التكهرب نحو نقاط الأصل بالجسم الأبيض الذي يتخذ شكل باسل، المسار الذي يربط نقط الأصل ببعضها كان يتقطع و يتصل مرة تلو الأخرى، مما يوضح عدم استقراره

و أخيرا، الفضاء الأزرق اللانهائي ظهرت عليه تشققات من كل مكان، و اهتز بشدة كبيرة، كما لو أن هناك عدة زلازل تحدث مرة واحدة، بدا كما لو أنه غاضب، غاضب من عدم الاعتناء به و جعله يمر بمثل هذه المعاناة

جلس باسل فقط و حدق في الجسم الأبيض الذي يتخذ شكل جسمه، أولا، عليه إصلاح المسار المتضرر، ثانيا، عليه تهدئة الكرات الأربعة عشر من كل جهة، أي تهدئة العنصرين، ثالثا، عليه استخدام العنصرين في إصلاح تشققات بحر الروح و تصفيته من الطاقة الشائبة

ما جعل بحر الروح يتزلزل هكذا كانت الطاقة التي غمرته فجأة، هذا الطاقة هي الخاصة بالإكسيرين، فحتى لو كانت الإكسيرات تصنع من مسحوق الأصل المصنوع من أحجار الأصل و التي لها طاقة تشبه الخاصة ببحر الروح، فهذا يسمح للساحر أن يزود بحر روحه بطاقة محدودة من الإكسيرات، إن فات الحدود، فحتى لو كانت طاقة الإكسيرات تشبه طاقة بحر الروح، فهذا الأخير سيبدأ برفضها، لأنها في النهاية تبقى تشبه طاقته فقط و ليست نفسها، مما يُوجِد حدودا لما يمكن للساحر أخذه من الإكسيرات

ركز باسل على الجسم الأبيض، هذا الأخير كان في الحقيقة جسم باسل، هذا الأخير يجد كل ما يتعلق به في بحر الروح عندما يدخل إليه بوعيه، و بالطبع جسده أيضا يكون هناك

لذا يكون بإمكانه التحكم في الجسم الأبيض بالتركيز عليه فقط، و عندما فعل هذا هذه المرة، ضاقت عينيه بشدة، و بدأ يصلح المسار المتضرر، إنه الآن يقوم بعملية تطابق المرحلة الثالثة من حالة الصفاء الذهني و الروحي، مرحلة 'العقل و نقط الأصل'


في هذه المرحلة يقوم المتدرب بإيصال نقط الأصل أولا بعقله، ثم يقوم بإيصال نقط الأصل ببعضها. هذه المرة لن يوصل نقط الأصل ببعضها، لكنه سيصلح المسار الذي يربطها

و القيام بهذا أصعب بكثير من إيصال نقط الأصل ببعضها، فسيكون عليه إزالة الطاقة الشائبة من المسار و إزالة الاضرابات ثم إصلاح التشققات لإيصال نقط الأصل ببعضها البعض بشكل جيد كما كانت في الأول

ركز باسل على المسار و بدأ في التنقية، هذا الأمر كان صعبا، فطاقة الإكسيرات الزائدة قد تحولت لطاقة شائبة و مرت بالمسار، لذا الآن قد شرع في تنقيتها، خطأ بسيط و يجعل هذه الطاقة الشائبة تهيج مما قد يسبب في تدمير المسار نهائيا، لذا كان عليه التركيز بشكل كلي و القيام بالعملية بحذر شديد، و كل هذا يجب عليه القيام به أثناء معاناته من الآلام التي يسببها بحر روحه

بعد مدة قصيرة بدأ المسار يخلو من التكهرب، لكن هذا الأمر لم يكن سهلا حقا، أحس باسل كما لو أنه يواجه خطر الموت في كل مرة يحاول بها إصلاح و إزالة الشوائب، خطأ واحد و يدمر المسار تماما

لكنه مع ذلك، في حالته المزرية، استطاع النجاح بهذا، و الآن وصل لمرحلة إزالة الاضطرابات، بعد إزالة الطاقة الشائبة، تبقى الاضرابات التي سببتها، و الآن كل ما عليه فعله هو جعل الطاقة النقية تجد طريقها عبر إزالة الاضطراب من المسار

كانت الطاقة النقية تتداخل مع بعضها و تضرب بجوانب المسار من دون الاتجاه في مسار محدد، لذا الآن بدأ باسل في التحكم بطاقته السحرية من أجل جعلها موحدة لتتخذ كلها طريقا و مسار واحدا

التضارب بدأ يقل مع الوقت، هذا الأمر يثبت قدرة الشخص في التحكم بطاقته السحرية، لو أنه قد امتلك تحكما سيئا في الطاقة السحرية، انسى أمر الطاقة النقية، لأنه لن يتجاوز حتى مرحلة إزالة الطاقة الشائبة و سيرتكب خطأ فادحا مدمرا بذلك مسار نقط الأصل


تحكم باسل في السحر كان جيدا للغاية، فشخص مثله قد وصل للكمال في التحكم بالأسلحة الأثرية، شيء مثل التحكم في طاقته السحرية كان أمرا في غاية السهولة بالنسبة له

و الآن وصل لمرحلة إصلاح التشققات، أزال الطاقة الشائبة، و جعل الطاقة النقية تتخذ مسارا موحدا، مما يُبقِي له عملا واحدا، إصلاح تشققات المسار من أجل تحصينه، فتعرضه لطاقة شائبة من كلا العنصرين و لطاقة نقية مضطربة قد جعله يتضرر كثيرا

هذه المرحلة لم تكن بتلك الصعوبة، لأن كل ما كان على باسل فعله هو تمديد المسار بالطاقة النقية قصد الإصلاح، لكن جودة الإصلاح تعتمد على المتدرب، فهنا يلعب التحكم الدور الرئيسي أيضا

و أخيرا، انتهى باسل من جعل نقط الأصل تتصل جيدا كما كانت قبلا، و الآن، مع احتفاظه بتركيزه على تحصين المسار، يجب عليه تهدئة العنصرين

لحسن الحظ، باسل قد مر من مثل هذه المرحلة سابقا، عندما توغلت الطاقة الخارجية لجسده، كانت عبارة عن سحابة من الطاقة الهائجة قبل أن يوصلها بنقط الأصل، ساحر آخر لن يمر بها إلا عند اكتسابه عنصر الثاني، لذا فقد كانت له أفضلية هنا نوعا ما، حتى أن تجربته مع تلك السحابة في الحقيقة هي أصعب من التجربة التي سيخوضها الساحر أثناء اكتسابه العنصر الثاني، لأن الساحر الطبيعي يكون قد اكتسب التحكم في الطاقة الخارجية و امتص هذه الأخيرة بنفسه، أما باسل، فكان عليه التعامل معها من دون اكتساب القدرة على التحكم بها لأنها قد دخلت لجسده وصولا لبحر روحه من دون إرادته

بسرعة قام باسل بتهدئة عنصر النار بما أنه العنصر الأساسي، و في الحال انتقل لعنصر التعزيز، عند إنهاءه هذه المرحلة، انتقل للمرحلة الأخيرة و التي قد سبق و مر بها أيضا

فعند توغل سحابة الطاقة الخارجية سابقا لجسده عنوة، تسبب هذا له في جعل بحر الروح يتصدع و يهتز، مع أنه لم يكن بمثل هذه الشدة كالآن، لكن يبقى أمر مروره بها و تجربته إياها مع أنها كانت بشدة أقل أمرا جيدا


شدة تصدع بحر الروح كبيرة عن المرة السابقة، لكن في المقابل، قوة باسل كبيرة بكثير عما كانت عليه عندها

الآن، تحكم في عنصريه الاثنين و وجه طاقته السحرية نحو التشققات التي ظهرت في بحر الروح، أصلحها كلها واحدة تلو الأخرى، هذا الأمر قد استنزف منه طاقة سحرية وفيرة، لكنه لا يملك خيارا آخر، أصلح جميع التشققات

لكن، تزلزل بحر الروح لم يتوقف حتى الآن، آلامه لم تتوقف حتى الآن، فكر باسل بهذا لمدة طويلة بتركيز كبير. في الخارج، كانت أنمار تحمل نظرات قلق على تعبيرات باسل

كان من الظاهر أن باسل يعاني كثيرا، لم يسع أنمار سوى أن تشعر بالقلق أكثر و أكثر كلما مر الوقت، أثناء انتظاره، تغيرت تعبيراته من الجيد للأسوء، ثم من الأسوء للجيد، تقلبت طاقته السحرية بجنون، لكن كل ما كان بإمكانها فعله هو إمساك يده بإحكام عبر لف يديها المكسورتين حولها و الدعوة له بالأفضل

حدق الإمبراطور شيرو طويلا في باسل، و الآن ما يفكر به ليس معاناة و حالة باسل السيئة، و إنما طاقة هذا الفتى الصغير المرعبة، مثل هذا الوحش موجود حقا، لقد شاهد قوة الأقدم الكبير، و بالطبع عرف أنها تفوق المستوى السابع بكثير، فحتى كل أولئك الأشخاص الأقوياء من المستوى الخامس و السادس و السابع لا يزالون غير قادرين على مواجهته أبدا

مع قوة باسل الكبيرة في مثل هذا العمر، و قوة الأقدم الكبير المخيفة، فهم أخيرا أن المستوى السابع الذي كان يعتقد أنه أعلى مستوى في الوجود، هو في الحقيقة مجرد مستوى وسط مستويات أعلى و أقل

لقد مرت مدة طويلة حتى الآن، و حالة باسل لم تتغير طوال هذه المدة، طاقته و هالته توقفت عن التغير و ثبتت، تعبيراته لا زالت سيئة، لا زال يتألم بشكل كبير


و بعدها بقليل، اختفت تعبيرات الألم تماما و أصبحت طاقة باسل هادئة بشكل مخيف، ظهرت تعبيرات الفرح على وجه أنمار و تلهفت لرؤية باسل يفتح عينيه، و الآن، إنها تنتظره بفارغ الصبر، و مع ذلك، لا زال باسل لم يخرج

داخل بحر الروح، ابتسم باسل و قال "يبدو أن المعلم قد أخفى عني مثل هذا الأمر المهم، لا، أظن أن حتى المعلم نفسه لم يتوقع أن مثل هذا الأمر سيحدث لي، لهذا لم يخبرني، حتى لو أخبرني لم أكن سأفهم على أي حال، من كان يعلم أن لبحر الروح في الحقيقة إرادة؟"

"لكن..." استغرب باسل، حدق في الجسم الأبيض، و رأى أن هناك قطعة أرضية صغيرة قد ظهرت تحت قدميه، قطعة أرضية مكونة من التراب فقط، كانت صغيرة لدرجة أنها كانت كافية فقط للقدمين

"لما ظهرت مثل هذه القطعة الأرضية في بحر روحي؟" تساءل باسل

لم يفهم باسل كيف لقطعة أرضية أن تظهر في بحر روحه، ما يعرفه أن بحر الروح خاص بالطاقة فقط لا غير. ركز على الجسم الأبيض ثم تحسس هذه القطعة الأرضية عبره

و إذا به يحس بطاقة نقية جدا تأتي من تلك القطعة الأرضية، نقية لدرجة تجعل فيها الطاقة السحرية النقية تظهر كطاقة شائبة مقارنة بها

حاول التحكم بهذه الطاقة و جعلها تحت سيطرته، لكنها قاومته و صدت نيته مما جعل وعيه يتشتت و يفتح عينيه ليجد أنمارا تحدق به عن قرب شديد

حدق في عينيها الزرقاوين ثم خفق قلبه قليلا، وجه أنمار كان قريبا، لدرجة أن نفسها كان يسمع بأذنيه، حتى أن شفتيها كادت تتلاقى بشفتيه

قفزت أنمار من الفرحة و انقضت على باسل معانقة إياه، غمرته رائحتها العطرة، و بما أن يديها مكسرتان لم يكن بإمكانها إيقاف نفسها حتى لمس صدرها صدره مما جعله يخجل من هذا الوضع و يخفق قلبه أكثر، لقد كان دائما يأخذ مسافة عنها لعدة أسباب، و أحدها كان تشبثها به كلما رأته، بسبب أنه قد وقع في حبها سابقا عندما صغيرا، هذا الأمر كان صعبا قليلا عليه ليتحمله

وقف بعدما أزاح عنه أنمار ثم تكلم "شي يو، هيل، شكرا لكما، لقد كنتما ذوا نفع حقا" التف ناحية الإمبراطور شيرو و حدق به مطولا، في البداية باسل كان يهدف لجعل هذا العالم كله قوة واحدة، و من أجل هذا خطط لكسب سلطة كافية في إمبراطورية النضير الوهاج، و عندما ينجح في ذلك، سوف يقوم بجعل الإمبراطوريتين الأخريين تخضعان له، فكر باسل لوقت طويل و كان هذا هو الخيار الوحيد الذي كان يمكنه تحقيق 'اتحاد العالم' كله بشكل أسرع

لكن، بشكل غير متوقع، ظهر عدو من حيث لا يدري، في هذا الوقت، بدأ باسل بالفعل يفكر في خطة بديلة، قد لا يكون من الضروري قتال الإمبراطوريتين من أجل كسب ولائهما، أو على الأقل كسب مساعدتهما الكاملة


بووم بووم بووم

انفجرت عدة أعاصير مرة واحدة جاعلة الكبير أكاغي و من كان يقاتل معه ضد الأقدم الكبير يحلقون لمئات الأمتار بينما الدماء تسيل منهم بغزارة

عبس باسل عندما شاهد هذا المنظر ثم أسرع و تحدث "أنمار، اشربي إكسير العلاج بسرعة، شي يو، هيل، قوما بعلاج أنمار، أنت يا شي يو متعبة بالفعل، لذا إن كنت لا تقدرين فاتركي الأمر لـهيل ليتعامل معه"

تحرك الاثنان في الحال، بالرغم من أن شي يو متعبة جدا، حتى أن مفعول إكسير التعزيز الذي شربته قد انتهى، فلا زالت تريد القيام بأمر مفيد

تكلمت أنمار بنبرة مشوشة "ما الذي تنوي فعله؟"

التف باسل و حدق بها مطولا، أجاب بعد أن حدق في الأقدم الكبير و عبس "لقد أخذت قبل قليل مخاطرة صعبة و نجوت، لكن كما تعلمين هذا هو ما عشت عليه منذ نعومة أظافري، و المغامرة كانت أفضل شيء بالنسبة لي في حياتي اليومية المملة" أخرج باسل قنينة إكسير تعزيز مما جعل أنمار تشحب و تتكلم بسرعة "لا تقل لي... لا تفعل، لقد منعك المعلم من القيام بهذا، إن قمت بهذا فسوف..."

توقفت أنمار بعد أن شاهدت ابتسامة باسل، هذا الأخير تكلم "ليس كما لو أننا نملك خيارا آخر على أي حال، و أيضا المعلم لم يمنعني من استخدامه، و إنما أخبرني بالحرص على عدم استخدامه قدر المستطاع"

"لكن..." قالتها أنمار و تحسرت

لم يكن بإمكانها إيقاف باسل من القيام بهذا الأمر، فبعد كل شيء، حتى عندما لاحقته طوال حياتها، لم يكن بإمكانها و لو لمرة واحدة إيقافه عن أخذ مغامرة يريدها، أو عن ملاحقة شيء ما كسب اهتمامه، لم يكن باستطاعتها يوما منع فضوله


و مع تحريك باسل لذراعه اليمنى التي تحمل إكسير التعزيز، خفق قلب أنمار بشدة، مرت هذه اللحظات عليها ببطء شديد، حتى وصلت القنينة لفم باسل و شربها

بووووووووووووم

انفجرت هالة باسل، و ارتفعت طاقته السحرية الخاصة بعنصر النار بجنون، و في الحال ارتقى عنصر النار من القسم النهائي من المستوى السادس للقسم النهائي من المستوى السابع

و بمجرد حدوث هذا الأمر، حتى أحس باسل بذلك الأمر، بارتفاع عنصر النار و الذي هو العنصر الأساسي في المستوى، ضعُف الختم مما كان عليه، و هذه المرة ضعف كثيرا لدرجة أنه كاد أن يتكسر

ثم فورا، صرخ باسل بشدة و بغرابة سعل الدم و عضلاته التي شفيت قبلا قد نزفت، لكن هذه المرة لم يقتصر نزيفه على ذراعيه فقط، و إنما نزف من كل مكان، و أثناء تعذُبِه هذا، ارتفعت طاقة عنصر التعزيز بجنون

ارتفعت هذه الطاقة حتى جعلت كل من يوجد في الساحة يلتف و يرى من أين تأتي كل هذه الطاقة المرعبة التي ضغطت عليهم و جعلتهم يتوقفون عن أيٍّ كانوا يقومون به

سواء أعداء أم حلفاء كانوا، لم يسعهم سوى مشاهدة هذا المنظر المرعب من بعيد و التحسر في أماكنهم، لم يفهم أي أحد ما الذي يحدث بالضبط

كيف يمكن لطاقته هذه أن ترتفع هكذا؟ حتى لو شرب شخص ما إكسير التعزيز لن يكون قادرا على اكتساب مثل هذه الطاقة المخيفة

حدق الأقدم الكبير في باسل بعدما أزاح عن طريقه الكبير أكاغي و معاونيه الذين لم يعودوا يقتصرون فقط على الجنرال منصف و كين نبيل و البقية، و إنما حتى الجنود الموجودين الذين تغلبوا على خوفهم و ساعدوا قادتهم

عندها شاهد الأقدم الكبير فالتشر قوة باسل ترتفع من دون توقف، تكلم من دون أن يشعر "القسم الأولي، و لا زالت ترتفع" تغيرت نظرته كثيرا و ارتعب مما يحدث "القسم النهائي من المستوى التاسع؟"

صُدِم تماما، قبل مدة فقط كان ذلك الشقي على وشك الموت، مع أنه شرب إكسير العلاج و تم علاجه من قبل السحرة، إلا أن أمر تماثله للشفاء بالكامل كان كافيا ليجعل الأقدم الكبير يعض على شفتيه، لكن ارتفاع طاقته السحرية لهذا المدى أمر غير قابل للتصديق

لكن في هذه الأثناء التي كان الكل حينها مصدوما من قوة باسل، هذا الأخير كان يعاني بشدة، فبعد أن ضعُف الختم بسبب ارتفاع عنصر النار في المستوى، تسبب له هذا في توغل قدر أكبر من الطاقة الخارجية بشكل مفاجئ

في يوم من الأيام، واجه باسل الأسد الأحمر ذو الرأسين و الذي يعتبر وحشا سحريا من المستوى الثالث بينما كان هو حينها في المستوى الثاني، عندها كان عنصريه الاثنين في نفس المستوى، لكنه اضطر خلال قتاله أن يشرب إكسير التعزيز، و عندما فعل، تسبب له هذا في تعرض جسمه لصدمة كبيرة من الطاقة الخارجية و التي لا زال جسده لم يتطور ليكون قادرا على تحملها

عندها تدخل المعلم و أنقده، ثم أخبره بتجنب استخدام إكسير التعزيز قدر المستطاع و شرح له السبب. درب المعلم جسد باسل من أجل تحمل موجة الطاقة الخارجية الأولى عندما سيكتسب باسل سحره، و عندها سيتطور جسده مع تقدمه في المستويات، مما سيتيح له القدرة على تحمل موجات الطاقة الخارجية التي ستتضخم مع ارتفاع المستويات كذلك

لكنه عندما شرب إكسير التعزيز، جعل عنصر النار يرتفع في لحظة و تسبب في إضعاف الختم أكثر و توغل الطاقة الخارجية بشكل مفاجئ عبر جسده الذي لم يتطور بعد ليتحمل كل تلك الطاقة، و هذا كان كافيا ليجعل باسل طريح الفراش لأيام ليُشفى، و لم يستخدم سحر التعزيز حتى درب جسده ليتحمل موجة الطاقة الخارجية التي ستتوغل لجسده عندما يفرغ عنصر التعزيز من الطاقة باستخدامه

و الآن، بما أنه قد عالج جسده قبل قليل فقط، فلا يمكن لجسده استقبال المزيد من الطاقة الخاصة بسحرة آخرين و لن يكون بإمكانه شرب إكسير العلاج أيضا، مما يعني أنه سيضطر لترك جسده يتعالج من تلقاء نفسه و تحمل كل تلك الآلام لأيام قبل أن يكون مستعدا للحصول على علاج من طرف سحرة مرة أخرى

قلقت أنمار بشدة، تلك المرة لم يضعُف الختم كثيرا و لم يؤثر بشكل كبير على بحر روحه، لكن هذه المرة لا يمكن أن تكون كالسابقة، ففي كل مستوى ارتفع به باسل، ضعُف الختم بشكل أكبر، و الآن عندما ارتفع للمستوى السابع، فقد اقترب الختم من التكسر، مما يعني أنه يكاد يترك الطاقة الخارجية تدخل لبحر روح باسل من دون توقف، و إن استمر هذا الأمر، سيتحطم بحر روح باسل في النهاية


استمرت طاقة عنصر التعزيز في الارتفاع أكثر، شحُب الأقدم الكبير و تكلم "القسم المتوسط من المستوى العاشر؟"

أما باسل، كانت حالته قاسية للغاية، موجة الطاقة الخارجية الكبير تسببت في الكثير من الضرر لجسده، و الآن يجب عليه أن يتعامل مع الطاقة الخارجية التي بدأت تجعل بحر روحه يهتز بشدة و يتصدع

في هاته الأثناء، بشكل غير اعتيادي، وسط كل هذه الفوضى، بينما يتقطع بالآلام، دخل باسل لبحر روحه

كبرت الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر التعزيز كثيرا، حتى أنه بدأ يفقد السيطرة عليهن مما جعلهن يبدأن في فقدان شكلهن و التحول لسحابة من الطاقة الشائبة و الهائجة

استمر باسل في محاولته التحكم بعنصر التعزيز، لكن لسوء الحظ كانت كل تلك الطاقة فوق قدرته، هو في الحقيقة مجرد ساحر بالقسم الأخير من المستوى السادس، و مع موهبته، بإمكانه التحكم في الطاقة السحرية بشكل جيد جدا، حتى أنه كان قادرا على التحكم في عنصر التعزيز الذي يفوق مستواه الأصلي بمستوى أو أكثر، لكن طاقة سحرية من المستوى العاشر كثيرة عليه حتى بتحكمه الجيد

كان الأمر أشبه بمحاولته إمساك كرة كبيرة للغاية بيد واحدة، حتى لو كانت قوة قبضته كبيرة جدا، فلن يكون باستطاعته إمساك كرة لا يمكن لأصابعه الالتفاف حولها أو بجزء كاف منها

لكنه ليس في موقف حيث يمكنه الاستسلام بكل سهولة، فإن فعل، ستكون عندها النهاية بالنسبة له، حاول بكل ما امتلك من قوة، لكن لا زال الأمر لم ينفع

عندها تزلزل بحر الروح بشدة كبيرة و إذا بالقطعة الأرضية تحت قدمي الجسم الأبيض تتوهج بضوء ساطع جدا، مر هذا الضوء من نقطتي الأصل بالقدمين و صعد للتين بالركبتين، ثم للتي بالصدر، ثم للاتي باليدين و الكوعين و الكتفين مرة واحدة، و من اللتين بالكتفين للتين بالجبهة و الرقبة، و من التي بالرقبة إلى النقطة الأخيرة أسفل الظهر


توهجت النقط كلها بالضوء الساطع، هذا الأخير توجه عبر نقطة الأصل التي بالجبهة و المتصلة بالعنصرين إلى هذين الأخيرين

توهجت الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر النار و هدأت كثيرا بعدما كانت مضطربة قليلا بسبب الارتفاع المؤقت في المستوى. بعد ذلك، توقف فقدان شكل الكرات الأربعة عشر الخاصة بعنصر التعزيز و رجعت لشكلها الطبيعي، ثم توهجت كلها و توقفت عن الاضطراب و الازدياد في الضخامة

و في الحقيقة لم يتوقف عنصر التعزيز عن الازدياد في الضخامة، و إنما الطاقة التي يوجهها نحو الجسم الأبيض قد كبُرت، و ما سبَّبَ حدوث هذا، هو قيام القطعة الأرضية بامتصاص الطاقة السحرية من عنصر التعزيز، لكن نقط الأصل لن تتحمل كل هذه الطاقة السحرية مرة واحدة

عندها، مرت الطاقة الفائضة عبر نقط الأصل وصولا للنقطتين اللتين في القدمين و قامت القطعة الأرضية بشفطها كلها مرة واحدة

استمرت الطاقة الخارجية في التوغل، و استمرت القطعة الأرضية في شفط الطاقة الزائدة و التي لا يقدر باسل على التحكم بها. و بما أن طاقة عنصر التعزيز تنقص، فالطاقة الخارجية سوف تستمر في التوغل بما أن هناك مكان يتسع لها

لكن امتصاص القطعة الأرضية للطاقة من عنصر التعزيز كان قويا و كافيا ليتراجع مستوى عنصر التعزيز للمستوى التاسع بالقسم النهائي و يهدأ أخيرا

لكن مع أن طاقة عنصر التعزيز قد هدأت، إلى أن باسل لو استخدمها و فرغت أكثر، فسيتعرض لموجة من الطاقة الخارجية مرة أخرى، لذا إن كان هناك شيء يجب عليه القيام به، فهو الإسراع بكل ما أمكنه

فجسده لن يتحمل طويلا، فبعد كل شيء لا زالت طاقة مرتفعة المستوى تتوغل لجسده باستمرار، لكن القطعة الأرضية تقوم بشفطها من دون توقف، مما جعل عنصر التعزيز يبدو كما لو أنه متوقف في قمة المستوى التاسع

كل ما فعلته القطعة الأرضية كان حماية بحر روحه من هيجان طاقة عنصر التعزيز، أما جسده، فلا زال لم يصل للمستوى المطلوب بعد ليتحمل مثل هذه الطاقة الخارجية، تدرب باسل بجنون مقويا جسده، فعندما انتهى تدريبه الأول، عندما لم يكن يعرف حالته جيدا، ظن أنه لن يكون بحاجة لتدريب جسده بعد ذلك

لكن المعلم قد أخبره أن البنية الجسدية التي تتطور مع المستويات غير كافية، و سيجب عليه الحرص دائما و في كل الأوقات على تقوية بنيته. لكن هذا سيكون واجبا عليه فعله إلى أن يجيد التحكم في الطاقة الخارجية عن طريق الاختراق للقسم الثاني من مستويات الربط، بعد ذلك سيكون قادرا على التحكم في الطاقة التي يريد منها التوغل لجسده كيفما شاء، لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، فهذا الأمر سيكون أصعب بكثير من التحكم في الطاقة الخارجية لامتصاصها كما يفعل السحرة العاديين

فهم باسل شرح معلمه آنذاك، لكن هذا الشرح ترك سؤالا في باله و الذي لم يستطع منع نفسه من طرحه على معلمه، باختراقه للقسم الثاني من مستويات الربط سيكون قادرا على إيقاف الطاقة الخارجية من التوغل لجسده لكي لا تدمر جسده، لكن، من ناحية أخرى، ألا يعني هذا أنه فقط عليه تقوية بنيته الجسدية؟ و كلما أصبحت أقوى كلما كان بإمكانه استخدام قدر أكبر من الطاقة الخارجية، بمعنى أنه سيكون قادرا على ترك قدر كبير جدا من الطاقة الخارجية تتوغل لجسده بشرط أن يكون ذلك الأخير قادرا على تحملها

و الآن، مع أن جسد باسل لا زال يتضرر إلى أنه لم يعد يتضرر كالسابق، لديه وقت محدود يجب عليه استغلاله بشكل جيد، هدأ باسل و تحمل كل تلك الآلام، بتوقف آلام بحر روحه، عندها كل شيء جيد بالنسبة له، إن كان عليه تحمل آلام جسده فقط، فهذا أمر بسيط بالنسبة له، فالتدريبات الشاقة و الآلام التي مر منها لا تختلف كثيرا عن الحالية

ووووش


ظهر الأقدم الكبير بسرعة خاطفة و لوح بسيفه الأثري من الدرجة الرابعة مع جلبه الأعاصير معه و العواصف، التف حول السيف سحر الرياح من المستوى التاسع و تضخم بفعل السيف الأثري ثم صُقِل و أصبح قادرا على قطع سحرة من المستوى السابع بكل سهولة

زبااام

تلاقى سيفه بسيف باسل، هذا الأخير لم يبدو عليه ذرة قلق أو خوف، كل ما فعله هو إمداد أحد سيفيه الأثريين بطاقته و التحكم به لدرجة الكمال ثم إطلاق العنان للمستوى التاسع من عنصر التعزيز

بالتقاء السيفين تموج الهواء المحيط و انطلقت الشرارات في كل مكان، لكن، و بشكل واضح، لم يكن هناك أي شك، حتى أن تعبيرات الأقدم الكبير يمكنها أن تخبرك بالأمر بكل وضوح. سيف باسل تفوق على سيف الأقدم الكبير فأُرسِل هذا الأخير محلقا لمئات الأمتار من حيث أتى

باسل الآن في القسم النهائي من المستوى التاسع، مع سلاح بالدرجة الثالثة بكمال في التحكم، مما يتيح له إمكانية منافسة سلاح أثري من الدرجة الخامسة، أما بالجهة الأخرى، فالأقدم الكبير ساحر بالقسم المتوسط من المستوى التاسع بسيف أثري من الدرجة الرابعة، ليس هناك حاجة للتفكير مرتين، هنا و الآن، باسل هو صاحب اليد العليا

قذف الأقدم الكبير لمئات الأمتار قبل أن يدرك ما يحدث، أراد أن يباغت باسل و يحصد بعض النتائج التي ستمنحه الأفضلية، لكنه لم يتوقع أن ذلك الفتى سيكون متيقظا لما حوله هكذا

"همف" استهجن باسل و تكلم "إرخائي للدفاع في هذه المرحلة سيكون شيئا في أوج الغباء، حرص معلمي على تدريبي على قتل الثغرات في دفاعي مرارا و تكرارا، من أول يوم بدأت فيه تدريبي استمر في نصحي عن عدم إرخاء دفاعي حتى لو أنهيت عدوي"

عبس الأقدم الكبير بشدة، و في نفس الوقت فعل باسل، بمجرد ما أن استخدم عنصر التعزيز حتى توغلت الطاقة الخارجية لجسده مسببة له بعض الأضرار، حدق باسل في الأرجاء و صرخ "أيها الرجل الأشقر، أعتمد عليك في التكفل بذلك الشخص" أماء الجنرال رعد رأسه له، إنه الآن يقاتل كازيمارو بمساعدة الإمبراطور غلاديوس و أتباعه، لا شك في أن لهم اليد العليا هنا


ثم وجه نظره لجهة تورتش و تكلم "يا تورتش، لا أريد أن أرى جثتك" ابتسم تورتش و تكلم بصوت ليس بمرتفع "هاهاها، يا له من أمر سهل تحقيقه"

في طريق باسل إلى هنا من القاعة الرئيسية سابقا، نادى الجنرال رعد ليأتي للمساعدة، و بالطبع أخبره أن يجلب معه رئيس عائلة آو 'لان' و رئيس عائلة كيِرو 'هوانغ' بما أنه كان يحتاج لأي مساعدة يمكنها أن توجد، لكنه علم عندها بقدوم الإمبراطورين فأخبر الجنرال رعد أن يخبر 'آو لان' و 'كيِرو هوانغ' أن يأتيا مع جلبهما لجنود من المستوى الخامس، و يقوم هو الإمبراطورين

بالإسراع بكل ما أمكنهم، فهم لا يمكنهم انتظار وصول الرئيسين لان و هوانغ البعيدين

كان باسل يريدهم أن يساعدوه في مواجهة الأقدم الكبير، و يركز الآخرين على مواجهة كازيمارو شاهين، لكن الأحداث قد تطورت، و بشكل غير متوقع كان بإمكانه التطور لمستوى حيث بإمكانه به مواجهة الأقدم الكبير بمساواة

توقف الأقدم الكبير في السماء و عبس بشدة في باسل ثم صرخ "أيها الصعلوك، سأجعلك حياتك جحيما" في هذه الأثناء بدأ الأقدم الكبير يفكر في قوة باسل الغير مفهومة كليا، كانت منخفضة بالنسبة لساحر بالقسم الثاني من مستويات الربط، ثم ارتفعت بشكل جنوني و غير معقول حتى وصلت للمستوى العاشر، ثم انخفضت مرة أخرى، و الأكثر غرابة هو كمية الطاقة الخارجية التي تدخل لجسمه مرارا و تكرارا من دون توقف

لقد أتى إلى هنا آملا إمساك باسل، لكن هذا الأخير أظهر قوة غير متوقعة، و إبّان هذه الأحداث، مع أنه أتى بأمر إمساكه حيا، بدأ يشعر أنه يجب عليه قتل هذا الوحش الصغير قبل أن ينمو، إن سمع شخص في هذا العالم أن فتى لم يبلغ الخامسة عشر بعد قد دخل للقسم الثاني من مستويات الربط، بل حتى أنه قد وصل لقمة المستوى التاسع، فسيخرج من فمه استهزاء و ضحك فقط على الذي أخبره بهذا الكلام

باسل الذي لا يملك وقتا ليضيعه انطلق متوجها نحو الأقدم الكبير مستخدما عنصر التعزيز بينما يتحمل آلام توغل الطاقة الخارجية مرارا و تكرارا، و في لحظة كان قد قطع مئات الأمتار و اقترب من الأقدم الكبير

بوووم

انفجرت عاصفة تحت قدمي باسل و أرسلته مندفعا بالسماء متوجها بسرعة كبيرة جدا نحو الأقدم الكبير الذي صفق بيده و صرخ "وحشي الفتخاء"

تحرك وحشي الفتخاء و ركبا السماء نفسها ثم حركوا أجنحتهم التي جلبت معها العواصف و الأعاصير المدمرة، هذه الأخيرة قامت بمحو الأعداء في طريقها نحو باسل


باسل الذي كان متوجها نحو الأقدم الكبير لم يلقي بالا لوحشي الفتخاء و استمر فقط في الاندفاع عبر زيادة قوة العاصفة النارية أكثر و أكثر، استخدم عنصر التعزيز و عزز سحر النار و تحكم به حتى أصبح يتحرك في السماء كما يشاء

لن يصل وحشي الفتخاء في الوقت المناسب، لذا أسرع الأقدم الكبير في إخراج إكسير التعزيز و شربه بسرعة كبيرة

بووووم

انفجرت هالته و غطت الساحة بأكملها جاعلة كل الموجودين يرتجفون و يُضغطون من هالة ساحر بالمستوى العاشر

حرك الأقدم الكبير سيفه الأثري، بعدما ارتفع مستوى آخر أصبح تحكمه في سيفه الأثري من الدرجة الرابعة أكبر مما كان عليه، و توجه نحو باسل منطلقا كالرياح

بااام بااام بااام

تلاقى سيفيهما مع بعض و انطلقت الشرارات و ارتدت الأعاصير التي استهدفت باسل، و حمت العواصف جسد الأقدم الكبير من سيف باسل

بدأ باسل يتعود أكثر و أكثر على المستوى التاسع و بدأ يجيد التحكم فيه مع مرور الوقت، مهارته تتطور مع الوقت. أخرج سيفه الثاني و شحذ طاقة عنصر التعزيز أكثر، و كذلك عنصر النار، و في الحال كوّن اللهبين اللذين على شكل سيفين


و بتلويحه، امتد اللهبين على شكل سيفين و قطعا الهواء نفسه، عندها، أحس باسل بقوة عنصر التعزيز التي أصبح يتحكم بها بشكل جيد أكثر و أكثر، أحس بإمكانياتها بالمستوى التاسع في قمته

عندما لوح، امتدت طاقة عنصر التعزيز مصطحبة معها طاقة عنصر النار المعززة كل الطريق نحو الأقدم الكبير

بووووم

دافعت العواصف الناتجة من تلويح السيف الأثري عن الأقدم الكبير و قاومت تلك الطاقة التي بدا كما لو أنها تشكلت في لحظة أمامه، و في الأخير ربحت الطاقة التي بدا كما لو أنها تشكلت على حين غرة و اخترقت العواصف و قطعت من خلال الأقدم الكبير

قطعت الطاقة من خلال الدرع السحري من المستوى التاسع وصولا للجسد، لكنها بعدما مرت من كل تلك العقبات، لم تترك آثارا كبيرة على جسد الأقدم الكبير سوى بعض الجراح، حدق باسل في سيفيه و ابتسم، أحكم القبض عليهما ثم تكلم "لهذا أحب السحر، دائما ما أجد به أشياء جديدة تثير اهتمامي، حسنا، سأطلق على هذا الهجوم 'الامتداد الكلي'، و الآن كل ما علي فعله هو استخدامه لمرات قليلة أكثر ليكون قدرا و أهلا للاسم الممنوح له"

شحذ باسل طاقته من جديد، جسده بدأ يقترب من الحدود بالفعل، لكنه مع ذلك لم يهتم و استمر، جراح الجسد سهلة الشفاء، جراح بحر الروح هي الصعبة، لذا لم يلقي بالا لأمر جسده و استمر فقط في استخدام عنصر التعزيز بجنون

عبس الأقدم الكبير، لكن ابتسامة ظهرت حينها على وجهه

ووووووش بااااام

ظهر وحشي الفتخاء و استخدما قدرتهما لصنع حاجز غير مرئي ثم ضربا باسل حتى أرسلوه محلقا من دون توقف


لكن هذا كان ما ظنه الأقدم الكبير فقط، فباسل الذي قام بتفجير عاصفة نار جعلته يتوقف من الطيران، دافع في آخر لحظة عن نفسه عبر سيفيه الأثريين، هذين الأخيرين قاما بتشكيل طاقة متموجة في الهواء مشكلين حاجزا تبعا لإرادة باسل

ابتسم باسل و قال "الامتداد الكلي في الدفاع، جيد حقا"

كان الامتداد الكلي الذي اكتشفه باسل عبارة عن امتداد لطاقة عنصر التعزيز، هذا الأخير بإمكانه الإحاطة بجسد مستخدمه مثلا و تعزيزه، لكن عند بلوغ المستوى المطلوب، سيكون بإمكان هذا المستخدم أن يجعل عنصر التعزيز يمتد خارج جسده و ينطلق كامتداد لجسده

فيكون باستطاعته حتى لكم شخص بعيد عنه بعشرات الأمتار عبر هذا الامتداد، و هذا ما فعله باسل أول مرة نفذ فيها 'الامتداد الكلي'، عندها، بسبب تفاجؤ الأقدم الكبير، ظن أن تلك الطاقة قد تشكلت أمامه على حين غرة، لكن في الحقيقة، لقد كانت تلك امتداد لتلويح سيفي باسل، لكن المثير في هذا الأمر، هو تحكم باسل في السحر الذي كان قادرا على جعله يجعل عنصر التعزيز يصطحب معه عنصر النار في هذا الامتداد

ما يجعل عنصر التعزيز أقوى سحر من بين الأربعة عشر سحر أساسي في هذا العالم حقا هو إمكانياته الكبيرة، فإمكانيات عناصر السحر الأخرى لا تقارن به أبدا، فمثلا إمكانيات عنصر الرياح الجديدة ليست بالشيء الكبير مقارنة بإمكانيات عنصر التعزيز، بما أنها تقوم بجعل ساحر الرياح يطير في السماء بحرية كبيرة و تزداد درجة تحكم في الرياح لدرجة مخيفة، مع كل هذه الإمكانيات المذهلة، على الأقل في حالة باسل و الأقدم الكبير، فـ'الامتداد الكلي الخاص بباسل يتفوق على تحكم الأقدم الكبير في رياح هذا العالم كأنها رياحه الخاصة

عبس الأقدم الكبير بشدة ثم حدق في باسل بحقد شديد، مثل هذا الغر، يا لها من موهبة لا تصدق يملكها، فكر الأقدم الكبير أنه عليه حقا قتل هذا الوحش الصغير هنا قبل فوات الأوان

فجأة، سعل باسل الكثير من الدماء، ملابسه البيضاء المتمزقة أصحبت حمراء كليا بدمه و ددمم الأعداء، مما أعطى لباسل شعورا غير مريح قليلا

عند سعله لتلك الدماء، أحس باسل باقتراب حدوده حقا، حدق في الأقدم الكبير و تكلم بعدما ضيق عينيه "من أنتم؟ ما هدفكم؟"

حدق الأقدم الكبير في باسل بعدما سمع كلامه و تحدث "من نحن؟ ما هدفنا؟ حسنا، هذا شيء ستعلمونه عما قريب على أي حال، لذا ليس هناك مانع من إخبارك، نحن الأشخاص الذي وكلت لهم مهمة من قبل الأسياد، نحن الذين سنحكم هذا العالم عما قريب، سنحكم هذا العالم من أجل الأسياد، أي شخص سيعلم باسمنا و وجودنا عما قريب، هذا الاسم الذي سيجعل أي شخص في هذا العالم يرتعب عند سماعه، هذا الاسم الذي سيتربع على عرش هذا العالم من أجل الأسياد، نحن 'حلف ظل الشيطان'، نحن خليفة الأسياد في سيادة هذا العالم، كل شخص عليه طاعتنا، كل شخص عليه خوفنا و رهبنا، فزعنا سيجلب الكارثة التي ستفتح الطريق إلى السيادة العظمى"

في لحظة، عم الهدوء في كامل الساحة، ما الذي يتحدث عنه هذا الشخص؟ سيادة هذا العالم؟ كارثة؟ الطريق إلى السيادة العظمى؟ لم يفهم أي شخص هنا ما الذي يحدث حقا أو ما الذي يقصده ذلك الشخص بكلامه غير باسل و أنمار

حلف ظل الشيطان، تردد هذا الاسم في مسامع باسل مرارا و تكرارا، لم يسعه سوى أن تستغرقه الأفكار، هذا الاسم أكد شيئا واحدا لا غير، الشياطين لديهم يد في هذا الأمر كما كان متوقعا، و انطلاقا من هذه الفكرة، عرف باسل مَن الأسياد الذين تحدث عنهم الأقدم الكبير، لكن ما لم يفهمه هو أيضا، هو 'الكارثة التي ستفتح الطريق للسيادة العظمى'، هل عنى به أنهم سيقومون بحرب من أجل سيادة هذا العالم أم شيء أكثر من ذلك


تحدث باسل بعدما أحكم قبضتيه على سيفيه "حثالة باعت روحها للشيطان، ليس هناك مجال لتبقى على قيد الحياة في حضوري بعدما عادتني، تبيع روحك من أجل العظمة و القوة، هذا أحقر شيء قد يفعله أي شخص في الوجود، يجب أن تقدر روحك التي منحت لك، لكنك لم تفعل ذلك، بل و أيضا بعتها، لمن؟ للروح الشريرة"

"...يجب تصفيتكم من هذا العالم أيتها الآفة، لا يهمني ما الذي تنون فعله بعد الآن، لكن الشيء المؤكد و الواضح تماما هو أنكم عدو لي، أنتم عقبة في طريقي فقط، مجرد حجر يجب علي إزاحته من رحلتي في 'المسار الروحي'، بمجرد ما أن تقوم بإهداء روحك للشيطان، فعندها تلك نهايتك، 'المسار الروحي' يجب أن يخلو من الشوائب، و لن يستطيع السير فيه سوى من يُبقي على روحه سليمة"

"همف" استهجن الأقدم الكبير و شحذ طاقته ثم صرخ "ما الذي يعلمه *** صغير مثلك ! ؟ نحن نخدم الأسياد الذين سيقومون بأخذنا معهم للسيادة العظمى، بيع روحي؟ و ماذا في ذلك ! ؟ إن كان سيحقق لي رغباتي و أهدافي، فذلك شيء سهل للقيام به"

"في الأخير هذا هو حدكم" تكلم باسل بنبرة خطيرة "أن تتبعوا و تعبدوا من سلمتم روحكم إليه، أشخاص مثلكم لا يستحقون حتى أن يقفوا في مساري الروحي، إن أردت العظمة و القوة، إن أردت تحقيق رغباتك و أهدافك، فاحفظ روحك من أجل ثباتها بالمسار الروحي، و اتبع طريق الأقوياء، لاحق أحلامك و حققها بيدك، عندها، ستحس بالإنجاز الحقيقي عندما تحققها، أما إن حققت أهدافك و روحك لم تعد تنتمي لك، فما الغاية إذا؟ ما الغاية إن لم تكن لك روح لتتمتع بالإنجاز الذي قمت به؟ هذا إن كنت قادرا على الاستمرار في رحلتك بالمسار الروحي بروح ضعيفة و لا تملك أنت مالكها السيطرة عليها، في النهاية، ليست سوى كلمات روح فقيرة، الشفقة عليك"

صرخ الأقدم الكبير "هاا" و شحذ طاقته السحرية كما تحكم في وحشي الفتخاء و انطلق راكبا العربة، استخدم سحره و سحر الوحشين ثم صنع أعدادا هائلة من الرماح و السيوف من الرياح و التي لف حولها حاجزا بقدرة وحشي الفتخاء ثم أضاف مرة أخرى رياح قاطعة تكهربت من شدة دورانها و تداخلها في بعضها، في الحال كان قد كون آلاف الرماح و السيوف

ووووووووش

توجهت الرماح و السيوف كلها مرة واحدة تجاه باسل، هذا الأخير استعد و جمع كل ما يملك من طاقة، شحذ عنصر التعزيز و عنصر النار، دمجهما ببعضهما ثم بالسيفين الأثريين. التفت النار الحارقة حول باسل و أصبح كملك نار يقف في السماء

صرخ باسل "الامتداد الكلي" و لوح عدة مرات بسيفيه اللذين امتدا و قطعا كل ما استهدفه باسل على بعد شاسع


بينما باسل يدافع عن نفسه، ظهر وحشي الفتخاء أمامه و ركلاه مع صراخهما الذي يصم الآذان "إييييييك"

حمل ركلتاهما قوة قدرتهما و أرسلتا باسل محلقا لمئات الأمتار، لاحقه الأقدم الكبير بعربته بسرعة و وجه نحوه الرماح و السيوف صارخا "فلتمت أيها الصعلوك"

ووش ووش

دافع باسل بكل ما يملك، أصيب بعدة جروح إضافة لجراحه التي تسببها الطاقة الخارجية و مع ذلك استمر في استخدام عنصر التعزيز بجنون، شحذ طاقته إلى أوجها بكل ما يملك و لوح نحو الأقدم الكبير فالتشر مكونا عدة موجات من عنصر التعزيز و عنصر النار

قام الأقدم الكبير بتلويح بسيفه عدة مرات مكونا عدة عواصف، لكنه يعلم أنها لن تعمل، لذا تحكم في قدرة وحشيه و كون عدة حواجز مرة تلو الأخرى حتى استطاع قتل قوة تلك الطاقة التي استهدفته

وصلت المعركة لقمتها و كذلك قوة الطرفين، كلاهما بدأ يبلغ حده، توقف الأقدم الكبير عن استخدام قوة الوحشين، لم يعد بإمكانه استخدامها أكثر، فكل ما كان بإمكانه فعله للآن هو المحافظة على وجودهما

أما باسل فكان جسده محطما، لقد صبر و تحمل كثيرا، لكنه لم يعد يستطيع الاستمرار بنفس المردودية التي كان يعطيها قبلا، أصبح مرهقا كثيرا و غير قادر على استخدام طاقته بشكل صحيح

كذلك الأقدم الكبير، أرهق كثيرا و لم يتوقع أن باسل سيستمر في مواجهته بمساواة هكذا، و كخيار أخير أخرج كنزا و ابتسم ثم قال بداخله "إن لم تمت بالطريقة العادية، فليس هناك خيار آخر سوى تدمير بحر روحك"


كان الكنز الذي أخرجه عبارة كرة صغيرة زرقاء يحيط بها خطوط عريضة أكثر زرقة تشبه الأفاعي، بداخلها توهجت طاقة تشبه الخاصة بأحجار الأصل، طاقة بلون أزرق فاتح، لكن هذه الطاقة لم تكن هادئة كالخاصة بأحجار الأصل، و على العكس كانت تتكهرب و تبدو كما لو أنها ستنفجر في أي لحظة

حدق الأقدم الكبير في تلك الكرة و تكلم بداخله "قد يكون خسارة إضاعة مثل هذا الكنز على مثل هذا الصعلوك، لكن لا يوجد خيار آخر"

شحذ الأقدم الكبير طاقته و حلق نحو باسل، هذا الأخير استعد له و شحذ طاقته كذلك، لقد وصل لحدود حدوده بالفعل، كل ما يحركه الآن هو إرادته، يجب عليه التحمل لوقت أطول قليلا فقط و إنهاء كل شيء في هذه الهجمة

توغلت الطاقة الخارجية لجسد باسل بسرعة كبيرة مدمرة إياه، مما دل على الكمية التي بدأ باسل يستهلكها من طاقة عنصر التعزيز، إنه عازم على تنفيذ هجمة أخيرة

أصبح اللهبين على شكل سيفين أكثر إشراقا، و الضوء الأزرق المحيط بهما أصبح عريضا و بدأ يصبح أكثر سمكا كلما شحذ باسل طاقته

و في النهاية أصبح اللهبين محاطين بطاقة زرقاء بنفس حجمهما مما جعلهما يبدوان كسيفين ضخمين بطبقتين مختلفتين، وضع باسل كل ما يملك من طاقة بهما

صفق الأقدم الكبير بيديه و صرخ بينما يستجمع آخر قطرات طاقته ثم كون ثلاث أعاصير مرة واحدة، كانوا كبارا كفاية لتحريك الساحة بأكملها معهم، بإشارة منه وجههم نحو باسل

حُوصر باسل من جميع الجهات بالأعاصير، فاستجمع كل ما امتلك من قوة و لوح بسيفه نحو الأقدم الكبير


بووووووم

انفجرت الأعاصير مرة واحدة و ثُقِب الهواء نفسه من شدة الضغط حتى وصلت طاقة اللهبين على شكل سيفين بسبب الامتداد الكلي للأقدم الكبير الذي دافع عن نفسه بشدة، و بينما يدافع لوح بسيفه تجاه باسل الذي لم يعد يقوى على الدفاع عن نفسه

مزق الامتداد الكلي الخاص بباسل الأقدم الكبير، ثم انطلقت موجة من الرياح نحو باسل الذي دافع بسيفيه مع أنه لم يكن لديه قدرة تحمل كافية للدفاع بها

قعطت الرياح من خلاله، ثم من حيث لا يدري، ظهر بالرياح تلك الكرة الزرقاء، و عندما شاهدها باسل، شحُب وجهه كثيرا و تكلم بصوت مرتفع من شدة الصدمة "كرة الروح الهائجة؟"

لمست الكرة جسد باسل و تحولت لضوء ثم اخترقت جسده مرورا لبحر روحه

عندها، ضحك الأقدم الكبير بينما يدافع في آخر لحظاته "تأكدت نهايتك أيها الغر الصغي..." و لم يكمل كلامه حتى سالت منه الدماء كالشلال فصرخ بشكل مزري "غااااااه"

تحرك وحشي الفتخاء فاستخدما عنصر الرياح الخاص بهما و دمجاه بقدرتهما مما جعل سرعتهما كبيرة جدا و وصلا في لحظة تحت الأقدم الكبير و حملاه بالعربة

بمجرد ما أن دخلت الكرة التي تحولت لضوء إلى بحر روح باسل حتى صرخ هذا الأخير بشكل مزري "آآآآآه"


لم يصرخ هكذا من قبل، اهتاجت طاقته و لم تعد مستقرة بعد الآن، بحر روحه كان يتزلزل بشدة و أوشك على الانكسار كليا. الأقدم الكبير الذي كان يشاهد هذا الأمر ضحك بينما كانت حالته مثل حالة النصف ميت

توقف الجميع عن أيّ كانوا يفعلونه و ركزوا على مشاهدة باسل، صرخت أنمار بشدة "باااسل" و كذلك فعل الكبير أكاغي و البقية الذين كانت حالتهم مزرية بعد قتالهم للأقدم الكبير، لم يسع تورتش و بقية قادة التشكيل سوى التحسر في مكانهم

بينما تسيل منه الدماء بغزارة، ضحك الأقدم الكبير بجنون "كياهاهاها" ثم تكلم "كازيمارو، شاهين، فلنتحرك، سيكون هناك انكسار بحر روح كبير"

أسرع شاهين و كازيمارو بالتحرك و انطلقا نحو العربة ثم ركباها، تحدث الأقدم الكبير آمرا الوحشين "تحركا"

أنشأ الوحشين الطريق الغير مرئي و حلقا في السماء مبتعدين، استمرت طاقة باسل في الهيجان، لكن في لحظة

ووووووش

هدأت طاقة باسل تماما، كما لو أنه لم يحدث أي شيء، فتح الثلاثة الذين يركبون العربة أفواههم من شدة الصدمة، خرجت كلمة واحدة من فم كازيمارو "مستحي..." لكن هذه الكلمة لم تكتمل حتى طار رأسه من مكانه، طاقة ملكية امتدت من جهة باسل و تشكلت كـيد ضخمة كافية لحمل سبعة أشخاص مرة واحدة ثم قطعت رأس كازيمارو مع صوت سسسسش ثم اختفت اليد التي جلبت معها أحكام ملكية و بدا كما لو أنها يد ملكية يمكنها أن تهيمن على كل شيء

لم يعرف أي شخص ما حدث، باسل لا زال بعيدا عنهم، إنه يقف في السماء من دون أن يتحرك سنتمتر واحد، لكن الشيء الذي تغير به، كانت تلك الطاقة الملكية النقية للغاية التي التفت بجسده، و القطعة الأرضية الصغيرة التي ظهرت أسفل قدميه كما لو أنها تحمله، في ذلك الحضور، لم يستطع أي شخص الوقوف على قدمه بشكل صحيح و فشلت أركبهم فجثوا على الأرض

فقد الأقدم الكبير و شاهين ألوانهما، صرخ الأقدم الكبير بعدما شاهد رأس كازيمارو يطير من مكانه "انطلقااا" صرخ بجنون، لا يعرف ما الذي حدث بالضبط، لكن كرة الروح الهائجة لم تنفع، لماذا ! ؟ هذا الفتى استمر في القيام بالعجائب حتى النهاية، تحرك وحشي الفتخاء بسرعة كبيرة هاربين

لكن من دون أن يلاحظ أحد حتى كان باسل أمام وحشي الفتخاء، ظهر كما لو أنه انتقل آنيا، لكن الحقيقة هي أنه تنقل بسرعة ضوئية جعلت من سرعة العربة التي يقودها وحشي الفتخاء اللذان كانا يطيران بسرعة تصل لآلاف الأميال في الساعة تبدو بطيئة، توهجت عيني باسل بضوء أبيض لامع، سيفيه الأثريين قد سقطا منه بالفعل أثناء هيجان طاقته، فرفع ذراعه للسماء

قبل أن ينزل بذراعه، توهجت القطعة الأرضية و صعدت الطاقة مع جسم باسل و توجهت لذراعه اليمنى التي رفعها و عندها نزل بها للأسفل مع صوت زباااام ظهرت طاقة ملكية حملت معها عنصري التعزيز و النار معا و دمجتهما ثم عدلتهما ليصبحا طاقة أنقى، امتدت الطاقة الملكية من يد باسل و نزلت على العربة في لحظة، تخطت الطاقة الملكية الوحشين وصولا للأقدم الكبير ثم قطعته لنصفين قبل أن يدري، ثم قطعت بقايا جسده لأجزاء صغيرة جدا حتى أصبحت جثته كالرمال

اختفى الوحشين كما لو أنهما تبخرا بموت سيدهما، فنزلت العربة من السماء بينما يحاول شاهين إيجاد طريقة لإنقاذ نفسه من السقوط من هذا الارتفاع الشاهق و من هذا الوحش المرعب

عندها، خمدت طاقة باسل و اختفت القطعة الأرضية الصغيرة من تحت قدميه ثم سقط من السماء هو الآخر متوجها نحو الأرض

بلع الجميع ريقهم و استعادوا أنفسهم التي هربت مع اصطحابها للروح معها من شدة الارتعاد من تلك الطاقة الملكية التي طغت على كل شيء

بعدما هدأت تلك الطاقة التي أطلقها باسل على حين غرة، تنفس الجميع الصعداء أخيرا بعد أن كانوا يشعرون بالاختناق من ذلك الوجود الذي أصبح عليه باسل سابقا، في مثل ذلك الحضور لم يكن بإمكانهم التحرك لإنش واحد

رأوا تلك القوة العظيمة التي أظهرها باسل، لقد محى الاثنين القويين من الأعداء بتلك السرعة الخيالية، أنْهاهُم كما لو أنهم حشرة، قطع رأس ذلك الكازيمارو الذي وجد الجنرال رعد و الإمبراطور غلاديوس بمعاونيه صعوبة بالغة في مواجهته في لحظة كما لو أنه لا شيء تماما

ثم بعدها تحرك بسرعة خيالية و استخدم قوة مهيمنة حولت ذلك الأقدم الكبير لرمال، لم يترك منه لحما و لا عظما، كلهم جربوا قوة ذلك الأقدم الكبير و شاهدوها بأعينهم، لكنه قتل بمثل هذه الطريقة التي لا يتمناها أي أحد، لم يبقى من جثته أي شيء

هذا الأمر جعل الجميع يفرحون، لكنهم في نفس الوقت أحسوا بالرعب الشديد من ذلك الفتى الصغير، لا، هل يجب حتى مناداته بفتى بعد ما شاهدوه يفعل؟ ذلك ليس من عمل البشر، لا يمكن لذلك الفتى أن يكون فتى، إنه وجود غير طبيعي

شعر الجميع بغرابة كبيرة

بينما يتساقط باسل من السماء، كان شاهين في مثل حالته تقريبا، الفرق الوحيد هو أن باسل غائب عن الوعي، أما شاهين فلا زال واعيا بالكامل، لا زال واعيا كفاية ليدرك أن عليه التخلص من هذا الوحش الصغير قبل أن ينمو أكثر مما هو عليه

لا يمكنه استخدام سحر الرياح بحرية كبيرة و يتحكم فيه بشكل جيد حتى يكون باستطاعته الطيران في السماء بأريحية بواسطته مثل الأقدم الكبير، لكنه مع ذلك لا زال بإمكانه استخدامه لخلق قوة دفع كما فعل باسل عن طريق العاصفة النارية التي كان يكونها لترفعه للسماء، لا يمكنه التحكم في السحر مثل باسل و تكوين مثل تلك العاصفة و التحكم فيها باستمرار لمدة طويلة، لكنه بإمكانه استخدام قوة الرياح لتدفعه بقوة كافية ليصل لباسل

تذكر مقتل كازيمارو و الأقدم الكبير و أصبحت عينيه حمراوين، لن يسمح لهذا الغر أن يهرب أبدا، كازيمارو كان مثل أخيه، فهما كبرا معا، أما الأقدم الكبير، فكان أخاه الأكبر، لقد قتل هذا الوحش الصغير أخويه الاثنين مرة واحدة أمام عينيه، فكيف له أن يضيع مثل هذه الفرصة المواتية بعد أن ظهرت


شحذ طاقته السحرية بسرعة و بدأ يكون رياحا وراءه، مر وقت طويل منذ أن تم إزالة أصفاد السحر عن يديه، لذا قوته رجعت لحالتها الطبيعية، خصوصا بعد تحفيزها بالقتال ضد تورتش، استل سيفه و شحن به طاقته باستمرار، لقد شرب قبل مدة ليست بطويلة إكسير التعزيز، بحر روحه لا يزال غير مستقر لكي يغامر بشرب إكسير تعزيز آخر ليكون قادرا على استخدام سيفه الأثري من الدرجة الثانية، لكنه لا يحتاج لذلك، فسيفه السحري من المستوى الخامس لوحده كاف ليقتل ذلك الوحش الصغير النائم

بعد بلوغ طاقته السحرية أوجها، انكمش في مكانه - بينما يتساقط من السماء - بتقريب ركبتيه لذقنه، ثم ركز سحر الرياح الذي شحذه سابقا و فجره مرة واحدة

باام

انفجر الضغط مرة واحدة ثم انطلق بعد إطلاقه لصوت كقنبلة صوتية، كان سرعته كبيرة جدا، لم تصل لسرعة الأقدم الكبير عندما يطير باستخدامه سحر الرياح، لكن مع ذلك سرعته كانت كافية ليصل لباسل و يخترقه بسيفه السحري المشحون بالطاقة السحرية في كامل قوته، ضربة من هذا السيف في حالة باسل الحالية، ستكون موتا مؤكدا بلا شك، جسد باسل كله مهشم من جميع النواحي، مجرد ساحر من المستوى الأول سيكون قادرا على قتله في الوقت الحالي

"فلتمت أيها الوغد، الدم بالدم، بعد قتلك سأحرص على الرجوع إلى هنا و قتل تلك اللقيطة الصغيرة التي تهتم بها، و أبحث عن عائلتك ثم أمحوها من الوجود، سوف أقتل كل من تعتز به و أجعل كل شيء بَنيته يوما غير موجود" صرخ شاهين بينما يقترب من باسل موجها سيفه على شكل أفقي مخترقا الهواء بسرعته الكبيرة

ضمن شاهين قتله لباسل و ارتاح قليلا، ثم بدأ يفكر في طريقة للهرب بعد أن يقتل هذا الوحش الصغير النائم، لكن في هذه اللحظة

زززشش

مر من جانبه صعق برقي كاد أن يشويه تماما، راوغه في آخر لحظة عن طريق تحريف مساره الشخصي بانفجار من الرياح، لو أنه قد أصيب بهذا الهجوم لمات من دون شك، التف ليجد الجنرال رعد يشحذ طاقته من أجل الهجوم مرة أخرى

عندها عرف أنه يجب عليه الإسراع أكثر مما هو عليه، انطلق مع صوت باااام ينفجر من وراءه بسبب الرياح و لم يبقى بينه و بين باسل سوى أمتار قليلة

ابتسم و أرجع سيفه للخلف مستعدا للطعن، صرخ من شدة غضبه "مت أيها الوحش الصغير"


تشششششش

قطع شاهين من خلال باسل الذي انقسم لاثنين و انتشرت دماؤه في السماء بغزارة............... يتبع!!!!!!!!!
احنا ابتدينا ؟
فى السماء بغزارة .... يتبع !!!!
ياخى خاف على عمرك
 
  • بيضحكني
التفاعلات: BABA YAGA
انك تبتدى فى نشر السلسله مش معناه انك تموتلى باسل فى اول جزء
انا عارف ان باسل البطل و مش هيموت بس ده ميمنعش انها قفله سودا للجزء ....
صحيح انت ابتديت تتعدل مع انمار بس مش كده ......
انا حذرتك و قد ازعر من بعجر .
 
  • بيضحكني
التفاعلات: BABA YAGA
انك تبتدى فى نشر السلسله مش معناه انك تموتلى باسل فى اول جزء
انا عارف ان باسل البطل و مش هيموت بس ده ميمنعش انها قفله سودا للجزء ....
صحيح انت ابتديت تتعدل مع انمار بس مش كده ......
انا حذرتك و قد ازعر من بعجر .
ميموتش ليه؟
خلي بالك انا واحد رخم وممكن اطلع بطل جديد غير باسل😂

بس مش ده المهم اهم حاجه في الكومنت ده اي معني بعجز دي😂
 
  • بيضحكني
التفاعلات: Ehab Demian
ميموتش ليه؟
خلي بالك انا واحد رخم وممكن اطلع بطل جديد غير باسل😂

بس مش ده المهم اهم حاجه في الكومنت ده اي معني بعجز دي😂
هفوتلك الكلام الاولانى لانه مش عاجبنى اما عن بعجر دى فدى كلام لو عرفته تبجى من العومد
 
عظمه على عظمه بصراحه بس برده انا لسه مصر انها متاخده من مسلسل انمى وعاوز اسمه 😂 😂 😂 😂 😂 😂
 
هفوتلك الكلام الاولانى لانه مش عاجبنى اما عن بعجر دى فدى كلام لو عرفته تبجى من العومد
😂😂😂😂تسلم بجد ي زعيم😂😂😂
 
  • جامد
التفاعلات: Ehab Demian
عظمه على عظمه بصراحه بس برده انا لسه مصر انها متاخده من مسلسل انمى وعاوز اسمه 😂 😂 😂 😂 😂 😂
و**** يسطا مش انمي خالص 😂
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%