الآن أريد العودة لقصة "بائعة الورد" .فقد فكرت وقررت أن أقبل إعادة كتابتها لو وافقتم طبعا.
أما عن قراءتي الأولى لها، فيما يلي إكمال الملاحظات، وأرجو تقبلها عن طيب خاطر:
الإنسان عموما، وخاصة لو كان ضعيفا وفقيرا، فهو لا يملك سوى عزة النفس والأنفة، ولن يفرط فيهما بسهولة. لهذا تجده رافضا لتقبل الجديد كيفما كان. لذلك يستمر الصراع بداخله لفترة، هناك بأعماقه شخصان يتصارعان، واحد يزين له محاسن الجديد وشخص آخر يدفعه للرفض، وتدريجيا يحدث توازن، بمعنى لا هو قابل ولا هو رافض. وحتى حينما يقبل فإنه يفعل بدون حماس. هذه القاعدة لو طبقناها على قصة" بائعة الورد" نجدها من خلال موقفين: الأول، حينما تقرر "راندا" التبرع على "سعاد" ببيت جديد ذي حديقة صغيرة، وهو يعتبر قصرا فاخرا بالقياس للبيت الذي كان عبارة عن كوخ للعائلة. وحسب ما وصفتم به شخصية "سعاد" من البداية، فإن القارئ كان ينتظر منها رفض قبول البيت، ولو من باب التعفف وعزة النفس. كان على الكاتب أن يصف لنا موقف "سعاد" بأنها تحفظت وترددت وحاولت الرفض ، وإصرار "راندا" وإلحاحها على ضرورة تقبل الهدية. مما سيعطي للقصة بعدا عميقا، ويجعل القارئ يتوقع وينتظر ابتداءا من هذا الموقف بالذات كل التطورات القادمة على مسار القصة بكاملها، من هنا سيبدأ الشك في نية "راندا" . هذه التقنية جزء لا يتجزأ من بناء الحبكة. إذ المتوقع لأول وهلة أن تتساءل "سعاد" عن المقابل المطلوب منها. لأن المنطق هو أنه لا لا أحد يشتري لغيره بيتا بالمجان بدون أن ينتظر منه شيئا ما. ثم يتكرر الموقف نفسه في وضع أكثر حرجا، وذلك عندما تدفعها "راندا" دفعا للممارسة السحاقية. فكيف يتقبل منطق القارئ، وهو المنطق الطبيعي، أن تقبل "سعاد" بسرعة وسهولة. كان من اللازم على الكاتب هنا كذلك، أن يصف لنا بواسطة المونولوج الداخلي، أي بالحوار الداخلي من طرف "سعاد" بين رغبة الرفض لأنها تستحضر خيال والدتها وإخوتها وتتمثل أصول تربيتها، تلك التربية التي هي رأسمالها وسبب تعاطف المجتمع معها. ومن جهة ثانية رغبتها في مطاوعة وإرضاء زميلتها "راندا" خوفا من تضييع الفرصة وخوفا من فقدان الحنان والعطف اللذين تحصل عليهما منها . هذا النوع من المواقف ينبغي استثماره إلى أبعد الحدود لأنه يساهم في بناء الشخصيات، ويصور لنا عمق وقناعات الشخصية، ومستواها وتطورها. وحتى عندما ستقبل رغبة زميلتها فإنها ستفعل ذلك فقط بغية المحافظة على مصالح، بدون أن تفكر أو تحس بأي استمتاع. تطيع رغبة وأوامر عاشقتها فقط، مع محاولة إقناع نفسها بأن هذا لن يتكرر في المستقبل.
أرجو تذكر هاتين القاعدتين، أي قاعدة عزة نفس الضعفاء وقاعدة الصراعات الداخلية، لأنهما تتكرران عند بناء الشخصيات، في كل القصص تقريبا. وطبعا لا ننسى الملاحظة المتعلقة بخاتمة القصة. أرجو الفائدة وشكرا على تمكيني من الاطلاع على قصة بائعة الورد التي رغم عدم انتباهها لهاتين القاعدتين إلا أنها فعلا رقيقة وتتطرق لفكرة جميلة ونبيلة تستحق الكتابة.