NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

متسلسلة التحكم عن قرب _ حتي الجزء العاشر 1/10/2023

حد قالك ان طريقتك تشبه كاتب كبير زمان كان اسمه بياع كلام ...مش عارف و**** من اول فقره وانت رجعتني لكتاباته الي كنت بستمتع بيها ..اتمني فعلا متركزش في كلام صغار العقول الي كل الي عايزينه مشهد جنسي لا اكثر ولتستمر في ابداعاتك يبطل ♥️
هو بياع الكلام بس غير اسمه
 
  • عجبني
  • حبيته
التفاعلات: المدمر ٧ و wael115
وحشتنا برشا :love:
 
  • حبيته
  • عجبني
التفاعلات: round trip to org و wael115
أولا لنكن متفقين ... نحن هنا في منتدى جنسي ... وجميع المواضيع المطروحة تقع تحت حماية إدارة المنتدى ... الحرية في الميول والأفكار والشبق والخيالات الجنسية مكفولة حسب قوانين المنتدى ... أي تعليق من مدعي الأخلاق غير مقبول بالنسبة لي ... أتقبّل النقد الأدبي للقصة ... نقد العمل القصصي لا غير ...

الفكرة وليدة فكر صاحبها وهو الوحيد المسئول عنها ... القصة مبوبة تحت باب جنس المحارم ... وأنت الآن دخلت بمحض إرادتك للاطلاع على محتويات هذا الباب ... فان كانت الفكرة تزعجك وتسبب إليك أي نوع من أنواع الحساسية فلما أنت هنا ؟؟؟

ثانيا ... تواجدك في منتدى يخلع عنك بصفة آلية جلباب الأخلاق ... فلا تحدثني عنها ولا تشر إليها لأنك لا تمتلكها ...

ثالثا هي مجرّد توطئة... بعد كتابة فصلين مختصرين من المذكرات وجدت انه لزوما عليا ومن باب المصداقية قبل إنهاء الفصل الثالث دخول تجربة هنا ... ولأسباب أخرى عديدة قررت خوض غمار قصة جنسية للمرة الأخيرة ... ان كانت نتيجة المحاولة الأولى مع أولائك إصابتي بمرض فقدان التوازن فأرجو أن لا تسبب لي تجربتي معكم شللا رباعيا ...

الجزء الأوّل

اللعنة على هذا الحذاء ... كلما تقدمت به خطوة للأمام إلا وازداد الألم في رجلي ... الم رجلي يذكرني بألم نفسي ... حذاء حسام ابن خالتي القديم ... كل ملابسي وكتبي وأدباشي هي ما تخلّص منه حسام ... أو أمه إن صح التعبير ...

مذ وعيت على الدنيا وأنا البس ما ضاق عنه ... ادرس بكتبه القديمة ... حتى بطني لا تشبع إلا عند زيارتنا لبيت خالتي ... لم احتج يوما على وضعي ... في بداية سنين الطفولة لم يشكل الأمر عائقا لي ... بل بالعكس ... لكن الطبيعة لم تشأ إلا التضييق عليا في كل تفاصيل حياتي ... طبيعة لم تستوعب أن أمي براتبها البسيط لا تستطيع توفير ملابس جديدة لي ... فلماذا ينمو جسمي لأسبق في المقاسات جسم حسام ...

حذاء ضيق وبنطلون يجاهد في وسطي أن تنفلت احد أزراره ... وقميص يضيق على صدري أكثر مما يضيق صدري بهمومي ... مع ضيق الحذاء يزيد ضيق الحال من معاناتي ... ديون أمي عند صاحب الدكان القريب من بيتنا تجبرني أن اسلك مسافة كيلومترات يوميا بين المسالك الفرعية لاقتني حاجياتنا من مغازة وسط البلد ... وأعود متبعا متاهة من الأنهج الضيقة المتعرجة بخطايا العرجاء من الألم ...

الكيس البلاستيكي بدأ يجرح أصابعي ... أحد المقاعد الخشبية على ناصية الطريق ... كان ملجئي من الألم المضاعف ... وضعت الكيس بجانبي وأخفيت راسي بين راحتي علي ارتاح ولو مؤقتا من عذابي الدائم ...

وضعية جلوسي فرضت عليا النظر غصبا عني لحذائي ... ماركة عالمية معروفة ... كان غالي الثمن حال شرائه ... في بلدنا نعرف القيمة الاجتماعية للشخص من حذائه ... إشارة تقطع كل أمل لي في المستقبل ... لن أكون الا مستودع قمامة لما يتخلّص منه ابن خالتي ...

خالتي أكبر من أمي بسنوات قليلة ... متزوجة من موظف كبير في الحكومة ... مرتب مرتفع ... منصب مهيب ... سيارة إدارية ... مسكن وظيفي ومساكن أخرى فرعية للتصييف ... الموظفون السامون هم من يتخذون القرارات المصيرية للدولة ... يتحكمون بالميزانية ... بتقسيمها ... اغلبها تصرف لتوفير ظروف عيش مريحة للموظفين ورغم ذلك يرتشون ...

أمي تزوجت بعد خالتي بسنتين ... تزوجت أبي عن حب ... أبي لم يسعفه الحظ في الانتساب للوظيفة العمومية ... كان صاحب مكتب حسابات ... أنا لم اعرف أبي إلا من الصور ... توفي وأنا لازلت أتعلم المشي ... تركني أتعثّر في خطواتي ...

مقارنة بين صورة خطواتي الأولى المتعثّرة ... حذاء صغير جميل عليه رسوم ميكي ماوس و يد والدي القوية الحنونة تسندني عن بعد ... الآن وأنا تجاوزت الثامنة عشر ... خطواتي لا تزال تتعثّر في حذاء قديم يقضم أصابعي ... والسبب فقدان يديه لتسندني ...

طعم مالح انسل لشفتي من دمعة سكبتها عيني ... طالما بكيت خلسة ... لا أعلم هل ابكيه أم ابكي نفسي ... لكني اشتاق إليه ...

نسمة باردة تدغدغ ضلوعي تعلمني أني تأخّرت في العودة ... الم مضاعف مع إسراعي في المشي خوفا أن أتأخر عن أمي ... أمي التي لعبت دور الأب والأم في نفس الوقت ... صارمة وذكية ولا تفوتها النسمة المتسلّلة من تحت الباب ... تراقب كل حركاتي تخشى عليا من كل شيء ومن أي شيء ...

تقول دائما أني ثروتها التي استثمرت فيها عمرها ... هي ستبلغ الأربعين قريبا ... أرملة منذ ما يزيد عن ستة عشرة سنة ... تحمّلت الوحدة والفقر والغم لأجلي ... دين آخر يزيد في ضيق صدري ...

انا عن نفسي لم أكلفها شيئا سوى مصاريف الأكل ... نسكن في بيت تركه لنا والدي ... البس ما ترميه خالتي لي بسرور بصدق أحيانا وأتظاهر به أحيانا... اجتهدت في دراستي فلم أكلفها مليما في دروس خصوصية بل كنت اكسب مصاريفي من إعداد بحوث الدراسة لزملائي المرفهين...

نجحت في البكالوريا بتفوّق ... انتظر التوجيه ... أريد الالتحاق بإحدى كليات المحاسبات ...

كنت أحلم أن أصبح محاسبا كأبي ... أن أحقق حلمه وانجح في عمل هو يحبه ... هدف لم ينصفه عمره أن يصل إليه ... استقبلني مشهد سيارة خالتي تقف أمام بابنا ... زادت نفسي ضيقا ... دفعة أخرى من ملابس ستحشر فيها كرامتي قبل جسمي ... ومشاعر مصطنعة مني بالعرفان بالجميل ...

دفعت الباب الحديدي الصدأ بعنف ... صوت قرقعته هو حمايتنا من زائر غير متوقع ... نظرة لليمين والشمال للحديقة الصغيرة ... حركة لا إرادية أهيئ بها صدري و عضلات وجهي للابتسام لمصدر الذل في حياتي ... مع وصولي للباب الخشبي ... صمت يوحي أن قدومي قطع موضعا مهما بين الأختين ...

سلام حار مصطنع مني وبارد حقيقي من خالتي ... وضعت كيس المقتنيات في المطبخ ... وجلست بعيدا عند باب الصالون ... أثاث بيتنا لا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ... لم أكن استمع لما يدور بينهما ... لكني متأكّد أن وجودي تسبب في تغير الموضوع ... لا اعلم لماذا لكني كنت مستمتعا بتأثيري السلبي عليهما ...

طال وجودي الغير مرغوب فيه مما اضطر خالتي للانصراف ... تابعت خطواتهما وأمي توصلها للباب ... أمي أجمل منها بكثير ... فقط الملابس الفخمة هي التي تمنح خالتي تألقها .. وربما تسريحة الشعر والحذاء العالي الذي يرفع مؤخرتها ... كذلك الماكياج ....

أمي في بيجامتها المترهلة تبدو أجمل منها ... لا توجد امرأة أجمل من أمي ... حكمة لا أعلم أين سمعتها .... طالت وشوشتهما عند الباب فانسحبت لغرفتي ...

منزلنا مكون من طابقين ... على الطراز الأمريكي ... غرفة معيشة او الصالون يستقبلك عند دخول البيت بأثاثه ومكتبته, في آخره على اليمن مطبخ مفتوح بمصرف رخامي اجتهد أبي أن يتناسق مع ألوان الرخام فيه ... شبابيك بلورية كبيرة تطل منها بعض شجيرات الزينة من حديقتنا الصغيرة ... انعكاسها كلوحة زيتية تفنن رسام مجتهد أن يبرز تفاصيل الروح الساكنة فيها ... بجانب المطبخ حمام كبير يتوسطه مغطس مدور يتسع لثلاث أشخاص بالراحة ...

الطابق العلوي مكوّن من 3 غرف ... غرفت نوم أمي وغرفتي وغرفة ثالثة ... حرم موت أبي جدرانها أن يسكنها أخ أو أخت لي ... تلك الغرفة مغلقة دائما ... أمي ألقت فيها كل متعلقات أبي ... وأغلقت على ذكريات زمن جميل لم أعشه ... يفصل بين الغرف ممر واسع ينتهي ببوابة بلورية تستقبل نور الشمس من شرفة نصف مستديرة ...

طال الوداع بين أمي وخالتي مما يوحي أن أمرا مهما تطلّب نقشا مستفيضا بينهما ... لجأت للحمام أعالج ورم رجلي من اثر المشي بالحذاء الضيق ... الماء البارد يخفف توتر مسام جلد أصابعي الغضّة ... برودة الماء أشعلت رغبتي في الاستحمام ...

نصف جسدي مختفي في المغطس البارد ... برودة علها تعالج التهاب روحي وجسدي ... شعور نفسي بالضيق والاختناق ... لم أجد له مبررا ...

أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل واقعا غير هذا الواقع ... نصف الغرق ونصف الطواف ... نصف البرد ونصف الحر ... نصف الواقع ونصف الخيال ... لا اعلم أين تاه بي خيالي البسيط وكم استغرقت رحلتي في اللامكان واللازمان ... واللافكرة ...

نقر خفيف على الباب سحبني للدنيا ثانية .. صوت أمي تعلمني أن العشاء جاهز ... ملتحفا بمنشفة نصف مهترأة تخفي نصف جسدي السفلي وقطرات ندية تداعب مسام صدري ... ارتديت شورت قصيرا كان يعاني ليجف في حبل معلّق في شباك الحمام الضيق ...

لم اسرّح شعري وعري الصدر حافي القدمين ... لا تزال أصابعي تصارع للعودة لوضعها الطبيعي ... استقبلتني أمي بابتسامة ساخرة ... هي شديدة الاهتمام بصحتي ... لم تعلّق كوني لم استر صدري من نفحات نسيم بداية الصيف الباردة ... على غير عادتها ...

جلست قبالة أمي على طاولة الطعام ... بحكم الخبرة .. كلما وضعت امي صحني مقابلا لعينيها فتلك إشارة أني سأتلقى مجموعة من الأوامر ... حاولت أن انظّم أنفاسي وأخفي ارتباكي الغير مفسّر ...

بضع قضمات من أجنحة الدجاج التي تسبح وسط صحن المرق غمستها بصمت غير مفهوم ... صمت قطعه صوت امي الصارم والحنون في مزيج عجيب كالمزيج الذي أتناوله في صحني ...

  • عجبك الاكل ؟؟؟
  • حلو زي العادة ... مش عوايدك تسالي .. ما انا بآكل كل الي بتطبخيه ... في ايه ؟؟؟
  • لا أبدا اصلك لازم تاكل كويّس اليومين دول يا حضرت الضابط ؟؟؟
  • (تجمدّت يدي التي تمسك قطعة الخبز) ضابط ؟؟؟
  • ماهو هو ده الموضوع الي اتفقت عليه انا وخالتك ؟؟؟
  • إتفقتو ؟؟؟
  • ايوة ... انت جايب نتايج ممتازة في البكالوريا وزوج خالتك هيتوسطلك انك تلتحق بأكادمية عسكرية أو أكادمية الشرطة أو الحماية المدنية .. انا كلمت خالتك وهي هتكلم زوجها
  • يا سلام اتفقتو واتكلمتو وأخذتو القرار وانا آخر من يعلم
  • هو انت شايف حاجة ثانية (بلهجتها الصارمة التي اعتادت ان تقمع بها كل بوادر إحتجاجي)
  • ايوة شايف (محاولا التحكم في ارتجافي وخوفي من ردة فعلها)
  • شايف ايه ؟؟؟ (تزايدت شدة حزمها)
  • (القيت قطعة الخبز من يدي ولاوّل مرّة في تاريخي ارفع عيني مباشرة فيها متحديا) انا عاوز أطلع محاسب زي بابا ... عمري ما إتخيّلت نفسي ضابط ...
انتفاضة عنيفة من أمي التي ضربت بكلتا قبضتيها على الطاولة .... حركة طالما وأدت أي رغبة لي ... مباشرة بعدها أعلن استسلامي لرغباتها ... صمم أصاب أذني عن كلماتها المتراوحة بين الصراخ حينا والحنان حينا ... مؤيدات كثيرة حول صواب رأيها ... الكليات العسكرية ستضمن لي مستقبلا مستقرا بعيدا عن المغامرة ... مجرد الالتحاق بها مع النجاح سيضمن لك وضيفة محترمة يتمناها نصف الشعب ...

وضعية جلوسي ووقوفها توحي بتفوقها عليا ... كنت أتحاشى النظر في عينيها ... وفي نفس الوقت روحي تتوق للتحدي ... فلم تسقط نظرتي للطاولة أو الصحن بل استقرّت في مفرق صدرها الأبيض ... طالت كلمات أمي أمام صمتي ... أحست أني استسلمت وتقبّلت قرارها ...

دون شعور ولأول مرة ثانية ... أتحداها ... وقفت وضربت بكلتا قبضتي على الطاولة ... قلّدت كل حركاتها ... لأول مرة أتكلم وأنا أساميها وجها لوجه ...

  • حسام يروح أكبر الجامعات ... وأنا أروح الجيش ... لو كان الموضوع زي ما حضرتك بتقولي ... مش كان اولا بيه يضمن مستقبل ابنه ... ماهو مش معقول هيكون بيفكّر فيا اكثر من إبنه ...
  • (نظرة الانكسار والدهشة في عين أمي شجعتني على المواصلة مع تلبكها في الكلام) ... ماهو ...
  • ماهو ايه ؟؟؟ ... هو يتعلّم وينبسط و يروح الجامعة وأنا أتخنق في الجيش والحياة الرسمية ... هو أنا مفروض عليا كل حاجة ضيقة عليا ؟؟؟ ... بنطلونات اصغر مني ... جزمة بتاكل صوابعي مع كل خطوة ... عايزين تحشروني في وضيفة أضيق مني طول عمري ... ليه ؟؟؟؟ ... ايه ذنبي ؟؟؟
  • ذنبنا اننا فقراء ... ذنبك انك يتيم ... (أحسست بالغبرة تخنق امي ... كأنها تكتم بكاء دفينا) ...
  • (انا انفلتت الدموع غصبا عني لتغرورق بها حدقتي وتحجب عني وضوح الرؤيا) يعني كله من بابا إلي مات وسبني مش كده ...
  • (تقدّمت مني امي وحضنتني بعنف الي صدرها الطري) ده قدر يا ابني ... يا حبيبي انا عملت كل الي اقدر عليه ... دي فرصة انك تطلع من مستنقع الفقر ده ... كلية محترمة ووظيفة مضمونة ومستقبلها كبير ... وكمان وده الاهم مافيهاش مصاريف ... بالعكس دي بتاخذ فيها منحة ...
  • (أردت الرد لكن حضنها خنق تمردي ... احاطت براسي وسحبتني لصدرها بعنف )
  • يا ابني انا عاوز اشوفك بخير مش كفاية عمري راح هدر بمغامرات ابوك ... با ابني انا عاوزة اشوفك راجل مالي هدومك ... تتزوج وتفتح بيت وتبقى سيد الرجالة ...
أوّل مرة في حياتي استشعر نبرة الاحتجاج من امي على حياتها ... أحسست أنها ندمت على زواجها من أبي ... لأول مرة اشعر انها تخفي سرا ... انا الفخور بانتمائي لأب لم اعرفه ... رسمت له صورا متكاملة ... نحت له في خيالي تماثيل لأنصاف الآلهة الإغريق ... لم أتقبل أن تهتز تلك القداسة حتى ممن هي اشد منه قداسة ... امي ...

انفلت من بين ذراعيها ... والدموع تملأ وجهي ... الم أصابعي وضيق الحذاء وضيق الحال ... كل شيء تقبّلته إلا أن تمس صورة أبي أمامي ...

  • هو أنا قدري اني أكون كيس الزبالة بتاع حسام ... بالبس هدومه القديمة وما اعترضتش ... الجزمة الي بتخليني اعرج واتحملتها ... فضلات اكلهم ... المنة الي بيتكرمو بيها علينا ... هو انا ذنبي ايه ... مش راضيين تخلوني اعيش العيشة الي باختارها ...
  • (كلماتي هزمت مشاعر امي فانفرط الدمع سخيا على وجنتيها الحمراوين) يا ابني الي زيينا ما عندوش رفاهية الاختيار ... اسمع كلامي انا اعرف مصلحتك ...
  • (أحسست دموع امي ستهزمني في النهاية) ... عاوزاني ابقى راجل مال وهدوم بالصدقة ثاني .... كل حياتي سكند هاند ... عاوزاني اتزوج ... تصدقي احيانا باتخيّل اني هاتزوج وحدة كان بينيكها حسام ولما زهق منها رماها لي
اتساع حدقات أمي من هول الكلمة التي قلتها ... امي لم تسمع مني إي حرف خارج عن الأدب ما حييت ... أحسست أني تماديت ... كلمة انفرطت مني ... لو قيلت في غير هذا السياق لتزيّن خدي بآثار أصابعها لأيام ... مشاعر مضطربة وردة فعل غير مفهومة ... ألقيت بمزهرية كانت تزيّن ركنا في الصالون ... صوت تهشيم الزجاج أعطاني الفرصة للهرب ...

فتحت الباب ... حافي القدمين ... عاري الصدر ... اجري دون وجهة ... كنت أهز راسي لاطرد ذكريات الدقائق الأخيرة ... تهت من جديد في اللا فكرة ... فقط أجري بعيدا عن البيت

ربما إحساسي بالتخلّص من ملابس حسام ... ثورتي على أمي ... رفضي لوضع فرض عليا ولم أختره .. كل هذه الأحداث دفعت فيا شعورا بالسعادة ... هي سعادة ممزوجة بالندم ... سألقى عقابيا نضير ذلك لكن لا يهم ...

لا اعلم كم شارعا قطعت وأنا اركض حافيا شبه عاري تحت انوار الفوانيس النصف معطّلة ... فقط اركض هربا من واقع سأعود إليه حتما ...

صراخ صبيتين صادفتاني وانأ أجري ... ارتعبتا ظنا اني أحد المجانين المنتشرين يرعبون المارة في شوارعنا ... رعبهما أصابني بالخجل من نفسي ... أسرعت أكثر فأكثر ... الإسفلت المحدب بدأ يجرح رجليا ... كنت اشعر بلزوجة تحت قدمي .... لا أعلم اهو ددمم أم قيح تقرّح ... لكني لم أتوقف ...

واصلت الركض هربا من البيت في اتجاه البيت ... لقد صدقت أمي من هو مثلنا لا يمتلك رفاهية الاختيار ... مع اقترابي للبيت بدأ نبض قلبي يتزايد بفعل التعب وبفعل الرعب ... امي ستقتلني ... انا متأكّد ...

تسورت حائط الحديقة بخفة وحذر القطط ... شجرة مشمش عقيمة كانت ملجئي للاختباء ... من ردة فعل أمي ومن ردود فعل شارع لن يتفهّم ما يحدث لي ...

النور الخافت في الصالون ينسل متحديا ظلمة الليل ... من خلف بلور جاهدت امي في تنظيفه ... كنت أراقبها تجلس على الكنبة ... تضع رجليها على حافتيها وتسند رأسها بركبتيها ... تكوّر الانكسار الذي لم أعهده فيها ...

بدأ ضميري يؤنبني ... هممت أن أدخل البيت معتذرا ... لكن عما سأعتذر وأنا الضحية ... طال مكوثي في مخبئي ... انتصف الليل ... حيرة أمي لغيابي دفعها للنمطي أحيانا والتكور أحيانا أخرى .. اقسم أني سمعت نبض قلبها الحنون من هنا ...

نظرة تجاه الباب والأخرى تجاه الساعة ... ثم تعود للتكور ... كنت اسمع شهيق بكائها ... طال انتظارها وطال صبري ... لن أعود للبيت الذي لم أغادره ....

رحت أراجع حواري العنيف معها بدقّة ... هي بالتأكيد تريد مصلحتي ... الوظيفة القارة ... فرصة للنجاح في الحياة دون مصاريف ومعانات ... هي بالتأكيد معها حق ... لكني لن البس حذاءا أضيق مني طول العمر فقط لان معها حق .. أنا لي الحق في الاختيار ... ربما فرصة للتحدي فقط ...

كلمة عمرها الذي إضاعته مغامرات أبي هدرا لا تغادر تفكيري ... مالذي فعله ابي قبل موته جعلها تشعر بالندم الآن بعد صبر السنين ... لو خانها او شيء من ذاك القبيل ما صبرت كل هذه السنين وفية لعهدها معه ... امي جميلة وكان يمكن ان تتزوج غيره بسهولة ...

رفعت راسي علي أجد في انعكاس صورتها إجابة على سؤالي فلم أجدها في مجلسها ... قبل ان تبدأ حيرتي ... اهتز صدري رعبا لصوتها يقول ... " إدخل البيت ... الدنيا برد عليك " ...

لم أشأ ان يتأزّم الوضع أكثر ... إحمرار انفها ووجنتيها اللذان تحديا ظلمة الحديقة يعلماني انها ذرفت دموعا كثيرة ... لكني لن استسلم ... كنت اسبقها بخطوتين وتلحقني أصوات تخرج من انفها تودع بها حالة بكاء طويلة ...

أثار الدماء التصقت بجليز الصالون الرمادي ... حاولت ان تقترب مني تستطلع امر جروحي لكني نهرت يدها التي لامست كتفي ... تراجعت قليلا للوراء ...

قبل ان تبدأ بالكلام ... طلبت منها بنبرة جافة وخشنة مفتاح غرفة أخي الذي لم تحمل به ... قبل ان تستفسر عن السبب ... أجبتها سؤالها الذي لم يسأل

  • عاوز اقعد شوية مع بابا ... عاوز اتكلّم معاه
رغم رفضها وحرصها لسنين ان لا يدخل احد تلك الغرفة ويعبث بمحتواياتها ... تحوّلت نحو خزانة الصالون وفتحت درجا ومدّت المفتاح لي ... دون كلمة واحدة ... كنت أخطو الدرج للأعلى وتتبعني نظراتها ... ربما امنيتها ان اراجع عقلي ... وربما خوفها من صدام جديد لم تخفت حرارة رماد الذي سبقه بعد ...

رائحة العتمة تخنق أنفاسي ... الغرفة مغلقة منذ سنين ... غرفة فارغة يتجاوب صدى انفاسي المرهقة مع جدرانها ... القليل من غبار الزمن على بعض الكراتين ... فقط ثلاث صناديق ورقية كبيرة هي كل ما يوجد ... حضنتها كأني أحضن عمري الذي ضاع مع غياب صاحبها ... صوت نقر سقوط دموعي على سطح إحداها وهي تشكل دائرة تحوّل الرمادي إلي البني دفعني لفتحها ...

البوم من الصور القديمة ... مسحت الغبار عنها ... ملامحي تشبه ابي الي حد لا يصدّق ... صوره وهو في مثلي سني ... مسرورا متحديا الدنيا ... ملابسه فخمة حسب طراز زمنها ... وقفته الشامخة ... صوره في الجامعة ... في الرحلات ... في ملهى ليلي مع أترابه ...

المثير في الأمر ان ضحكته وابتسامته لا تفارقه ... اعتقد انه استهلك نصيبي ونصيبه من السعادة في تلك الصور ... انا لا اضحك ولا أتصور ...

صور له ولامي على شاطئ البحر ... بريق عيني امي وهي تنظر له تؤكد عشقها له حد الجنون ... امي جميلة في ملابس البحر ... لم تغيّر فيها السنين شيئا سوى بريق الحزن في عينيها .... وضعت صورة كبيرة مؤطرة في اطار خشبي مذّهب امامي ... وفتحت قلبي لكل ما لم اقل له بعد ... لا اعلم هل سمع مني كلمة بابا قبل رحيله ام لا ...

اقسم اني رأيت التأثّر في عينيه رفقة بحالي ... بكيته وبكيت عليه وبكيت له ... شيء ما في عينيه يدفعني أن افتح الصندوقين ... إخترت أكبرها ... ملابسه كلها هنا ... بنطلونات جينز ... قمصان ... سترات كثيرة ... حالتها تبدو جيدة رغم كل الإهمال .... بدأت انفض الغبار القليل عنها ...

تجرأت ولبستها ... كنت ارغب ان احضن ريحه فيها ... مقاسها يناسبني بعض الشيء ... حذاء رياضي يعانق أصابع رجلي برفق ... رحت أتمشى امام صورته كأني أفاخره اني كبرت وصرت في مقاسه ... لو كان حيا لضربني على قفايا بحنان ... كما يفعل كل الآباء الذين وصل أبناءهم ليضاهوهم في الطول ...

سعادة غمرتني ... روحه وريحه تعانقاني ... إن كانت الأقدار فرضت عليا ان البس القديم فلألبس ملابس ابي ... مقاس حذاء والدي هو إشارة أن شخصيته وطريقه هي التي تناسبني كما ناسبني المقاس ... انا على حق ... فرصة خالتي ضيقة على روحي كمقاس حذاء ابنها ...

جلست على الأرض احدّث ابي متسائلا ... ان كنت مغامرا كما تقول أمي ألا يخفي الصندوق الآخر سرا ... ألم تدخل في تجربة بورصة وخسرت ساعتها ...ربما تغيّر الحال الآن ... لا يمكن الا تترك لي شيئا الا هذا البيت ... حتى الذكريات لم تتركها لي ...

نبض قلبي يتزايد مع كل ورقة اسحبها من الصندوق ... لم افهم شيئا .. فواتير قديمة ... كراسات على رموز بخط اليد ... علامات قاطع ومقطوع ... ارقام واحد واثنان ... قصاصات جرائد تتحدث عن نتائج كرة القدم ساعتها ... ما السر وراء عشق ابي لكرة القدم لم افهم ذلك ...

ظرف كبير بني اللون ... عقد ملكية بيتنا ... وعقد رهنه لشركة إيجار مالي ... مبلغ كبير وضع فيه ... هل رهن ابي البيت قبل موته ... لكن البيت ملكنا الآن ... انتقلت ملكيته لي ولامي بحكم الميراث ... لم اسمع بهذا الأمر من قبل ... هل سدد أبي رهنه قبل موته ... لم أجد في الأوراق ما يثبت ذلك ... أين ذهبت أموال الرهن ومن سدده ...

نصف اجابة خامرتني عن كلام أمي ... هي جاهدت لسداد ديننا في سنواتي الأولى ... بدأ ضميري يدفعني للاعتذار منها ... جهاز لاب توب من طراز قديم هو آخر ما تبقى في الصندوق ...

صندوق صور مليء بالذكريات ... صندوق ملابس تفوح منها رائحة عز لم أعشه ... وصندوق ورق لم افهم منه شيء ... ربما اللاب توب يحتوي على سر ... لكنه لا يعمل ...

قررت ان آخذه معي لرحيم ... رحيم هو شاب في أواخر العشرينات .. يعتبر الشخص الأقرب لي في الدنيا بعد أمي ... يمتلك محل انترنت وبيع وبعض أدوات الإعلامية ... يقدّم خدمات التسجيل عن بعد ... كنت أساعده في إعداد البحوث المدرسية ... معتمدا على معلوماتي وسرعتي في رقن الحروف ....

كان يكافئني بقطع نقدية او بصندويتش اذا تأخرت عنده في المحلّ ... قررت ان أتسلل به للخارج عندما تحين لي الفرصة ... لا اعلم السبب لكن أحسست ان نظرة ابي من صورته تشجعني على ذلك ...

شعاع نور الفجر يتسلل من تحت الشباك ... ليلة طويلة جدا ... هي ليلة بعمري كله ... حضنت صورة أبي وتوسدت سترته وتغطيت برائحته ونمت ... ربما نمت في حضنه وانا رضيع ... ونمت نوم الرضيع ...

صوت طراد الماء من الحمام يعلمني ان أمي استيقظت ... لا أعلم ما افعل ... هل هي جولة ثانية من الحرب بيننا ... أم أعلن استسلامي والبس الفرصة الضيقة ما بقى من العمر ... استعملت الحبال التي كانت تلف الكراتين ... ربطت اللاب توب في احد قمصان ابي والقيته يتدلى من الشباك للحديقة ...

تسللت للحمام ... غسلت وجهي وسرّحت شعري ... انعكاس صورتي في المرآة جعلني اشعر بالفخر ... لم تخطو رجلي في الممر خطوتين ... صورة اتساع حدقتي أمي سبقت صرخة رعب دوّت في المكان تلاها صوت ارتطامها بالأرض ...

تأبطت جسدها بين يدي وأسرعت بها لغرفتها ... لا الماء ولا بقية زجاجة العطر افلحتا في إيقاضها ... لم اجد طريقا سوى الاتصال بخالتي ... مر الزمن عليا دهرا حتى وصلت ... طبيب في أواخر سنين عمره ... يخزها ابرة ... قال انها صدمة عصبية نتيجة الارهاق ...

الفترة التي تلت خروجه ... دروس متتالية من خالتي عن وجوب طاعة امي ... تذكير بتضحيتها في سبيلي ... انا لا انكر ذلك وممتن لها ... وممتن لخالتي ولحسام وللعالم كله ... فقط لا أريد أن افقد أمي كما فقدت أبي ... لم اترك سريرها دقيقة واحدة ... لم افلت يدها الباردة من يدي ...

سأفعل اي شيء ... فقط عودي للحياة ... شكرت السماء أنها حرّكت راسها ... استيقظت مرعوبة ... أول شيء فعلته طردتنني من الغرفة ... لم احزن لفعلها ولم اغضب انا سببت لها الإرهاق ...

احتجزت نفسي في غرفتي ... كنت اسمع صوت خالتي تسند امي للحمام ... صوت الماء يختلط بصوتها تساعد أختها ... وخزني ضميري على مشاعر كرهي لخالتي ... هي لم تفعل شيئا سوا مساعدتنا طول حياتها ... انا الشيطان المتمرد فقط

ابتعد صوتهما وهما ينزلان الدرج بعد أن غيّرت ثيابها ... فجأة تذكّرت جهاز اللاب توب ... لا يجب لامي ان تراه ... ذنب آخر سيسجل في صحيفة أخطائي ... حاولت سحبه من أعلى لكنه علق بحافة الحائط ... تسللت لباب البيت ... الحبل يتدلى بجانب شباك المطبخ ... اقتربت لافكه

صوت خالتي يصلني بوضوح مستفسرة عما حصل ... صورتها وهي تقدّم قهوة وبعض الطعام لامي ... لم الحق بالحوار من أوله لكن أمي تبدو مرتبكة مذعورة ...

  • هو شبه ابوه ... في كل حاجة ... البارح كان بيزعّق بنفس الطريقة ... بيحاججني بنفس سخرية ابوه ... بيحط عينه في عيني يخليني ارتبك زي زمان ... لما كنت حاضناه وهو صدرو عريان حسيتا ني باحضن ابوه ... حتى في ردة فعله وقت الغضب هو شبهه ... والصبح كان لابس هدوم ابوه ... افتكرته صحي من ثاني
لم أتمالك نفسي من الارتباك والبكاء أنا كذلك ... كنت قررت الاستسلام لقرار أمي ... تلك الكلمات كانت إشارة ثانية ... تعليمات امي واضحة وإشارات أبي مبهمة ... غامضة لكنها مثيرة ... حيرة ما بعدها حيرة

عاهدت نفسي اني إذا لم أجد في اللاب توب شيئا أو انه لم يعمل ... سأعود لامي واقبّل رجليها معتذرا ... لو أن الأمر غير ذلك فليكن ما يكون ...










الجزء الثاني

كسجين بين خيارين ... تركت أمي بين يدي خالتي رغم خوفي على صحتها ... تأبطّت اللابتوب وتوجهت نحو متجر رحيم ... استقبلني ببشاشة تشرق في عينيه تحت صلعته اللامعة ... قال أني نزلت له رحمة من السماء ...

المحل مكتظ بالزبائن وهو مشغول في إعداد بعض التطبيقات ... رغم استعجالي لكني قبلت طلبه الملحّ في مساعدته على تلبية طلبات الزبائن حتى يتفرّغ هو لشغله...

كالجالس فوق الجمر... امرر طلب هذا بتسجيل عربته للفحص الفني والآخر يستخرج ورقات مطبوعة ... تفكيري كله فيما حصل وماذا سيحصل ... قلبي يخزني حزنا على أمي ... وكأن الناس تتآمر عليا ... كل ما تخلّصت من أحدهم لحق به الآخر ... ساعات طويلة ضاعت هدرا ... ومرت عليا دهرا ...

ضاق صدري وأنا أنتظر أن يرحمني رحيم ويتفرّغ لي ... بدأت الشمس تسير للزوال ... وخفّت الحركة في المحل معها ...أخيرا ... نظرة فاحصة من رحيم للتحفة الأثرية التي وضعتها بين يديه ... تقطّب حاجباه وهو يصارع زر تشغيل اللاب توب الذي أبى واستعصم ...

مع كل حركة منه يخفق قلبي لبرهة ويتوقّف للحظات ... ترجيت السماء أن تنطق تلك الآلة ... أنا على عهدي ... لكني أترجى فقط فرصة اكتشاف ما فيه ... ليس بعد كل ما حصل مني ستنقطع عني الإشارات ...

قطرات العرق على جبين رحيم وهو الخبير في مجاله تنبئني أن الأمر لن ينجح ... لدقائق خلتها قرونا والصمت يخيم على المكان إلا من صدى نقر أصابعه على الأزرار ... وأخيرا نطق .. نطق كالغريق ... شهق وصمت ثانية ...

أخبرني رحيم أن الأمر يتطلّب وقتا طويلا وهو مشغول ... ترجيته بكل مالي عنده من عواطف أن ينجدني ...يجب أن يعمل هذا الجهاز الآن ... أو في اقرب وقت ...

لم اسمع إجابته بالرفض والقبول حتى قاطعتنا رائحة عطر أنثوي طاغي ... سبقت فتح الباب ... صوت ملائكي يلقي علينا السلام ... خجلي جعل عينيا ترتشقان كسهم على حذاء جلدي يلمع سواده تحت جلد رجلين بيضاوين ... بريق بياضهما أعشى عينيا ونعومة جلدها جعل نظري ينزلق كل ما حاول الصعود للأعلى... لم تستقر نظراتي على ركبتين متناسقتين تحت قماش اسود وصلت إليهما بعد جهد حتى أيقضني صوت رحيم مرحبا ...

صوت قبلتين طبعتهما على وجنيه الناديتين دوى في أذني ... أهملني رحيم وأهمل جهازي وتناسى وجودي ... إن لم يهملني من أجلها فمن أجل من سيفعل ... فلأذهب أنا وجهازي وحزني للجحيم ...

لم ارفع عيني لاكتشف صاحبة الطلّة الطاغية ... كنت أتسلى بتحريك أصابع قدمي على الأرض ... لإخفاء خجلي وغيضي .... ما فهمته أنها افتتحت مشروعا جديدا ورحيم يبارك لها ... حفاوة الترحاب بينهما توحي أنهما معرفة قديمة ... تريد من رحيم أن يصنع لها تطبيقا يردّ على اتصالات الزبائن تلقائيا ... قالت أنها لم تستعن بعد بأحد لمساعدتها ...

نظر رحيم في عيني مستسلما ... ما باليد حيلة يجب تلبية طلبها قبلي ... ربما هي استشعرت حزني وغضبي من وجودها الذي عطّلني ... حاولت أن تنسحب في خجل على أن تعود ثانية ... لكني بصوت خافت تنازلت عن حقي ... وأعطيتها الأولوية ... دهشة علت ملامح رحيم الذي استغرب تراجعي بعد طول إلحاح واستغرب أني نطقت أصلا رغم خجلي ...

ابتسامة منها عرفان لشهامتي أنستني الجهاز والإشارات والقرارات وأمي معهم ... كحل وسط اقترح رحيم أن يضع لها مخطط التطبيق وكل الأمور التقنية ثم اتمم أنا الباقي في رقن الرسائل المراد كتابتها مع إشادة بسرعتي وحذقي لتلك المهمة ...

تلك الكلمات أشعرتني بالفخر والأهمية ... علامات الرضا على وجوه الجميع ... ملامح تردد باهت رسم على ملامح الزائرة ... جلس رحيم وراء جهازه منهمكا في عمله ... وجلست بجانبه أتابع باهتمام حركاته ... أما السيدة فجلست قبالتنا على كرسي ... لا ادري كم استغرق من الوقت لكني بدأت اشعر بالضجر وضلوعي بدأت تخزني ...

حركة لا إرادية مني بتحريك ذراعي للخلف ارتفع معها نظري... خرجت مقلتاي من محجريهما ... السيدة كانت تداعب هاتفها دون اهتمام بنا ... وضعية جلوسها أجبرت قماش تنورتها القصيرة أصلا على الانحسار للخلف ... نصف فخذيها المكتنزين عاريان متلاصقان يشدهما القماش غصبا بعضا ببعض ... لا اعلم من زاد في تلق من ... سواد القماش أم بياض الجلد ...

أشحت بنظري وتظاهرت بالتركيز في حركات رحيم ... كنار تسحب فراشة ... نظري يهزمني ويصرع خجلي وارتباكي ويعود ليغوص في ذاك اللحم الطري ... فجأة ... حركة لا إرادية منها ... تضع رجلا على رجل ... مثلث ظل صنعه قماش تنورتها الأسود على فخذيها سحبني للهاوية ...

دغدغة خفيفة أصابت أسفل بطني صاحبها جفاف في حلقي وتعرّق كاد أن يفضحني ... صوت تنهيدة من رحيم حركة من يده يغيّر وضعية الشاشة تجاهها ... حركته دفعتها للنهوض والتقدّم نحونا ... اقسم أني كنت اسمع صوت موسيقى فيلم الفك المفترس مع كل نقرة من كعب حذائها العالي ...

تظاهرت بالتركيز في الشاشة علي اخرج من مأزقي ... كانت تضع يديها على الطاولة وترشد رحيم لبعض التصليحات ... خاتم زواج يزين إصبعها ... معصمها رقيق وأصابعها نحيفة و طويلة ... رفعت عيني بحذر ناحية وجهها لكني لم أصله ... مفرق صدرها المتدلي من فتح قميصها الأبيض سحبني للهوة ...

انتفاخ وقرص يمسك ما بين فخذي ... رغبة في التبوّل تحرق مثانتي ... هروب سلسل بانسحاب حذر ناحية الباب راجيا أن لا يكشفني انتفاخ بنطلوني ... قطعت الشارع قاصدا المقهى المقابل للتخلّص من حالتي الغريبة ...

عند عودتي وجدت الأماكن تغيّرت ... رحيم يجلس في ركن يسميه المتخبر ... منهمكا في فك براغي جهاز اللاب توب ... والسيدة تجلس في مكاني وكرسي رحيم الدوار فارغ ...

أمر سريع منه بالالتحاق بمكاني " يلى بسرعة مش عاوزين نعطّل الهانم اكثر من كده " ... مررت على حذر من ورائها متحاشيا أن المس ظهرها بأسفل بطني ... رغما عني سقط نظري بين مفرق صدرها لترتفع خيمة بنطلوني في ثانية مرة أخرى ...

جلوسي بجانبها كان أشبه بعملية تعزييب لذيذ ... غرست عيني في الشاشة ألا تهزمني نظراتي وتهرب مني نحو ركبتيها ... رائحة عطرها الأخاذ تدغدغ شعيرات انفي ... مع كل حركة من يديها تشير إلى مكان حرف أخطأت في رسمه على الشاشة ... يلامس نهدها الأيمن مرفقي الأيسر فيزيد صراع قضيبي مع قماش البنطلون ...

لاحظت ارتباكي ... مع عدم انتظام أنفاسي ورعشة أصابعي على لوحة الأرقام ... وتعرقي الغير مبرر ... فرحمتني من عذاب نهدها لي واستبدلته بعذاب أصابعها ... بحركة عفوية أو مفتعلة كانت تقرص على أعلى فخذي بكل أصابعها قصد تنبيهي كلما أخطأت ... وكم كثرت أخطائي ...

حالتي لم تجعلني استوعب الموضوع ... هي صاحبة محل تجميل أو مساج وسونا وبخار ... هي ردود الكترونية عن المواعيد ... العروض ... العنوان ...

تمنيت أن ينتهي تعذيبي وفي نفس الوقت أن يمتد للآبد ... قبل أن انتهي طلبت مني أن اترك خانة الخدمات الأخرى فارغة ... قالت أنها ستتولى تعميرها بعد مدّة ... لم أركز مع ذلك ... كنت مسحوب الإرادة ... خجلا ومستثارا في نفس الوقت ...

صوت حركة كرسي رحيم من خلف مختبره تأمرني أن أفسح له المجال للتثبت في عملي وتسجيله ... وقوفي المرتبك تزامن مع التفاتة منها نحوي ... انفها الدقيق لا تفصله إلا مليمترات قليلة عن الخيمة التي صنعها تعذيبها لي ...

لم افهم سبب اتساع حدقتيها ونصف ابتسامتها ... اختفيت وراء مختبر رحيم أخفي فضيحتي ... كلمات شكر منها لامتناع رحيم عن عدم قبول أي مبلغ منها نظير خدماته ... صوت قبلتين طبعتهما على وجنتيه أصابا حلقي بالجفاف ... لم ارفع عيني نحوهما ... اقتراب وقع قدميها نحوي جعلني ارفع عيني من اللاشيء الذي كنت انظر إليه

يدها الطرية الأنيقة تمتدّ نحوي شاكرة جهدي ... لا اعلم من أين أتتني تلك اللباقة بان أقف لتحيتها قبل المصافحة .. ما إن تلامست أصابعنا حتى سحبتني برفق وطبعت قبلة رقيقة بين انفي وعيني وشفتي ... أصبت بالعمى والزكام وفقدان التذوق بعدها ...

تلبّك في أمعائي وجفاف في حلقي وحرقة أسفل بطني ... لم اشعر بها وهي تسلمني كارت عليه عنوان المحل وأرقامه ... لم أرها وهي تخرج ... فقدت الإحساس بكل شيء ... نقرتان قويتان على صدري من أصابع رحيم أعادتني للحياة أو للموت ... لا أدري ...

بضع دقائق أخرى وصلني صوت رحيم يعلمني أن الجهاز يلزمه قطع غيار قد تكون فقدت من الأسواق حاليا ... عالج بداية دمعتي بإخباري انه يتعيّن عليا تعويضه مبكرا في المحل حتى يتسنى له البحث الدقيق عنها عند بعض التجار وافقت دون تردد .

طوال الطريق وأنا امسك الكارت بين يدي ... أقربه من شفتي ... أشم عطرها فيه ... ثملا بما فعلته تلك اللمسات الخفيفة بوجداني ...

امرأة في مثل سن أمي ... جسدها تفور منه الحياة ... ينبض بالروح والروائح ... مع اقترابي من بيتنا ... طارت عن عقلي سكرته وتكسّرت الموجات الوردية على أزيز الباب الحديدي الصدئ ...

أخفيت الكارت في جيبي الخلفي ... ودخلت البيت مستذكرا كل أدعية السلامة ... لست في حال تسمح لي أن أخوض أي نقاش حتى ولو بسيط ...

أمي التي خاصمتني وضعت طبق أكلي البارد على الطاولة ولم تنتظرني للعشاء وأغلقت باب غرفتها ... فليكن ... عزة نفس مصطنعة منعتني من الأكل ... دخلت غرفتي وتهت في أحلام يقظة أو نوم ...

صوت رنين الهاتف وصوت أمي يليه من وراء الباب بنبرة سجّان غاضب ...

" اصحى رحيم مستنيك في المحل " ...

رحيم هو الشخص الوحيد الذي لا تخشى أمي صحبتي له ... رجل متزوج وسمعته الجيدة تسبقه ... خدوم ويساعد الكل ... بشوش ... أمي تثق به ...

بخطوات أسابق بها الريح مرتديا حذاء والدي المريح ... وجدت رحيم ممتعضا من تأخري عليه ... أوصاني بالقيام ببعض الأعمال البسيطة مع العناية بالمحل ... في الصباح يقتصر الوافدون على بعض الأطفال من أبناء الطبقة الكادحة ... لا يمتلكون رفاهية امتلاك العاب الكترونية أو هواتف ذكية فيلجئون لرحيم ... مقابل قطع نقدية بسيطة يمكنهم من حواسيب يلعبون بها لتوقيت محدد ... كثيرا ما يتجاوزون الوقت المخصص لهم لكنه لا ينهر أحدا ...

كثر صخبهم لكني لم اسمع شيئا ... كنت لازلت أشم ريح عطر تلك السيدة في المكان ... اللون الوردي يغطي أحلام يقظتي المبهمة ... شعور بالتنميل في مسام جلدي لا اعلم سببه لكنها دغدغة ممتعة ...

رحت اسلي نفسي بتقليد حركات رحيم في صنع تلك التطبيقات ... الموضوع ليس معقّدا ... فقط بريد الكتروني وتدفع مبلغا بسيطا لحجز الخدمة ثم لك حرية المحتوى .... أحيانا يسحبني شاب صغير يدفع ثمن استغلاله لأحد الحواسيب ... ثم أعود ... تمرّنت على الأمر كثيرا ... مع تكرار الموضوع أصبح سهلا جدا .. كنت أريد التعويض لرحيم ...

أمر مثير للدهشة ... بعض الشباب والكهول يدخلون فقط للسؤال عن رحيم ...رغم إلحاحي أن ألبي طلباتهم لكنهم يقولون إنهم سيعودن إليه شخصيا ...

قبل منتصف النهار ... دخل رحيم متعرقا ... شتمني ألف مرّة كوني سببت له كل هذا التعب ... أحسست بالذنب نحوه ... لكن قلبي بدأ يخفق بشدّة ... سمعت صوت جهاز والدي ينطق مدويا معلنا للعلن أني ما زلت حيّا ...

مسرعا نحو ركن المختبر ... ألقيت نظرة على شاشته وهي تعود للحياة ... حركات بسيطة من رحيم للتأكد من سلامة عمله ثم انسحب تاركا لي المجال لاحتضان آخر ذكريات والدي ...

إتفظّل ياعم قرفتنا معاك وعرقنا بسببك
(كنت اهم أن أنهال عليه شكرا لكنه سبقني في الكلام)
قلي ؟؟؟ ... مزعّل الست الوالدة ليه ؟؟؟
(أحسست بالإمتعاض ان اسرار بيتنا تخرج للعلن) ...
شوف يا وائل أنا زي أخوك الكبير ... وأمك دي تعتبر أختي ... والمرحوم أبوك جمايله مغرقاني ... فارجوك أنا مش غريب
(مصدوما من إكتشاف علاقة رحيم بابي) طالما قالتلك اني مزعلها أكيد قالتلك عالسبب ؟؟
أيوة قالتلي وبصراحة مش مستوعب ردة فعلك ؟؟
يا سلام ليه بقى ؟؟
أنا شايف اني دي فرصة مش هتكرر ... يا ابني هو حد لاقي ... قيمة وسيمة وسلطة ونفوذ وبدلة ميري .. وممكن تمسك منصب يخلي الكل يترجى رضاك
وكلية من غير مصاريف وهأخذ منحة والنقل ببلاش وووو ... بس انا مش شايف نفسي فيها
يا سلام ... أقرع ونزهي ...
يا عم انت إلي اقرع مش أنا
(صوته يسعل بعد نوبة ضحك تعقيبا على سخريتي) ... آخر خدمة الغز علقة ... كده برضو
(كنت أريد أن اعتذر منه على قلة ادبي لكنه أردف)
طيب أنت عاوز إيه ؟؟ فهمني ممكن نلاقي حل
أنا عاوز أدخل الجامعة ... باحب الحسابات ... عاوز أطلع زي ابويا
والمصاريف واللبس والاكل والسكن
هأدخل الجامعة الي هنا ... الاكل وهآكل في بيتنا ... ومصاريف الكتب هاشوف شغلانة في الصيف توفرلي
(صمت طويل اطبق على جبينه المقطب) ... طيب اسمع كلامي ... إنت تروح تقدّم وتعمل كل الي امك عاوزاها ... إحضر اللجنة ... وإعمل اللازم وما تزعّلش مامتك ... وكده كده مش هتخسر حاجة ... ومن هنا لآخر الصيف لو دبّرت مصاريفك اعمل الي في دماغك ولوما قدرتش اقلها تكون ضمنت حاجة في ايدك
اعتقد أن رحيم على حق ... لن يجبرني احد على الالتحاق بالاكادمية بالغصب ... ودعته بعد أن شكرته واعتذرت منه على تعبه ... تأبطّت الحاسوب وهرولت لبيتنا ... أخفيت الجهاز في الحديقة أن تراه أمي ...

سقوطها المفاجئ صباحا لازال يخز ضميري ... أمي هي كل حياتي ... لا أعرف لي ملجأ غيرها ... دخلت البيت مكسور النظر كعادتي ...

أشاحت بوجهها عني عند دخولي ... توجهت نحوها وقبّلت يديها معتذرا ... حضنها لي أعاد لها الحياة .. أمي لن تستوعب كوني سأخرج من تحت جناحها يوما ... دموعها عمدّت راسي وهي تحضنني إلي صدرها ... صدر أمي اشد صلابة من نهدي تلك السيدة ... ماذا أقول ؟؟؟ ...

عشاء هادئ على شرف نصر أمي المؤقّت ... أنهكني الجوع والصراع النفسي ... وجه أمي عاد للحياة ... غطست في الحمام استرجع أفكاري ... ذكريات بعد ظهر أمس تطاردني ... رائحة العطر تستفز قضيبي ...

كشجرة نخل مقلوبة وسط الماء ... رحت أراقبه وأتخيّل تلك السيدة تستحم معي ... إنتفخت دائرة رأسه ... أردت مداعبته لكن قبل أن تلمسه راحتي ... يأتيني صوت أمي مستعجلا خروجي للسلام على خالتي والاعتذار منها ...

زيارة غير متوقعة في هذا الوقت ... ملابسي في الخارج ولا شيء يسترني سوى تلك المنشفة البالية ... لففت وسطي بها تاركا للوقت مهمة تخفيف انتصابي ومدرات فضيحتي ... وكأن خالتي تستعجل نصيبها من كلمات الاعتذار والعرفان وجدتها أمام الباب ...

إنحنيت لتقبيل يدها طالبا الصفح عن كل ما تسببت به كما فعلت مع أمي ... سحبتني لحضنها ... وجهي المبلل غارق في مفرق صدرها ... صدر خالتي طري كصدر السيدة ... طال عناقها لي ومداعبتها لشعري المبلل مع سيل من النصائح واللوم والعتاب ...

مع لحظة إطلاق سراح راسي ... إتسعت عيناها تعجّبا من مشهد الوتد الذي يشدّ الخيمة المحيطة بوسطي ... حركة شفتيها مزيج بين الدهشة والذهول ... هربت للأعلى مختفيا في غرفتي ...

حاولت طرد كل تلك الأفكار المجنونة من عقلي ... أمي وخالتي يتسامران في الصالون ... يصلني صوت ضحكهما دون أن أفهم محتوى الحوار ...

فتحت جهاز اللاب توب ... لا شيء فيه سوى ملفات حسابات وأرقام ... حسابات شركات كانت زبائن لأبي ... لم افهم شيئا ... بحثت عن ملفات سرية ... لا يوجد ما يشفي غليلي

أعد متابعة الملفات ملفا بملف ... ملفات على تطبيق الاكسيل كلها بأسماء شركات ... ملف اسمه اللعبة ... كنت أعتقد أنه اسم شركة لعب ... فتحته ... لم يكن كسابقيه ... جداول كثيرة عليها رموز ... 1/X/2 تكرر كثيرا في 13 عمود… إحتملات وتتكرر ... لم افهم شيئا ...

ذهبت للغرفة الأخرى صوت أمي وخالتي مزهوتان بنصرهما يصلني بوضوح ... طال سهرهما ... فتحت صندوق الأوراق ... قرأتها ألف مرّة ... زاد الغموض أكثر ... مقتطعات كثيرة عليها نفس الرموز ... تحمل اسم شركة الرهان الرياضي ... لم اسمع بها من قبل ...

بعض صور لشيكات باسم أبي عليها مبالغ مالية صادرة عن نفس الشركة ... الآن توضّح الأمر قليلا ... رجعت لغرفتي وبدأت بالتركيز ...

أبي استعمل ذكائه وخبرته في الرياضيات ... توقعات وحسابات دقيقة لاحتمالات ثلاث ... إما الفريق الأول ينتصر او الثاني او يتعادلان ... فكرة عبقرية ... لكن لماذا مات وتركنا مفلسين ... أين ذهبت مرابيحه ؟؟؟

قبل أن أصل لاجابة وصلني صوت إغلاق الباب الحديدي ... خالتي عادت لبيتها ... أخفيت كل شيء وتظاهرت بالنوم ... دقائق وغمزني انعكاس نور الممر على الحائط ... أمي فتحت الباب ... تقدمت نحوي خطوتين ربما تريد تقبيلي لكنها انسحبت ...

لم يغمض لي جفن وإنا احترق على نار تلك الفكرة ... أبي استعمل ذكائه لكن الأمر مستحيل ... 13 مقابلة ب 3 احتمالات ... 3 * 3 * 3 ... سيصل الامر الي أكثر من نصف مليون إحتمال ...

أحرقتني عينيا وأنا أتابع كل تلك الجداول المرسومة بدقة في الملف ... فهمت نظريته وكيف حاول تطويع الحظ بالمنطق ... لكن يا أبي الحظ والمنطق لا يتقابلان ... المنطق يسير بخطى علمية دقيقة والحظ أعمى في مسيرته ...

خنقني الحزن وأنا أتخيّل تحطم أمال كل مرة ... اللعنة على الحظ الذي حرمني من أبي ... الآن فهمت سبب نوبته القلبية المفاجأة ... حضنت صورته أواسيه نحسه الذي أورثني إياه ...

لا اعلم أنمت أم أغمي عليا كمدا ... نقر خفيف على الباب ... صوت أمي يصلني من خلف الباب ... صحوت من النوم ولم أصحو من الصدمة والغم ... رائحة فطائر شهية تدغدغ أنفي وأنا على مشارف المطبخ ....

غسلت وجهي ألف مرة علي أتخلص من أثر السهاد ... وقفت طويلا أمام المرآة ... أرى انعكاس صورتي في انكسار وجه أبي ... ضممت أصابعي وشددت قبضتي وأردت أن ألكم الحظ الذي حرمني منه وحرمه حلما مجنونا ...

أمي مستبشرة بخير هذا اليوم ... تلبس ملابس الخروج ... بنطلون جينز ازرق فاتح ... وقميص ابيض خفيف يتناسب مع حر بداية الصيف ... إفطار شهي وكرم مبالغ فيه نظير طاعتي لها ... قسمت مهمة إعداد ملف الترشح للالتحاق بأحد الاكادميات بيننا ...

أنا سأستخرج كل بيانات دراستي ونتائجي وهي ستقوم بالإمضاءات القانونية ... أنا في نظر القانون لا أزال قاصرا ... هي قوانين دولة لا تفهم منها شيئا ... في سن الثامنة عشر تستطيع اجتياز امتحان القيادة ... تفتح حسابا بنكيا ... تتزوج و تسافر للخارج دون إذن ... يمكنك البيع والشراء وتسجيل الممتلكات باسمك والتصرّف فيها ... تدفع الضرائب ... حتى السجن تدخله في سن الثامنة عشر ... الأدهى انك تدلي بصوتك في الانتخابات وتقرر مصير شعب وأنت في سن الثامنة عشر ...

لكن سن الرشد القانوني هو عشرون سنة ... التجنيد عشرون سنة والالتحاق بالوظيفة العمومية عشرون سنة ... وان سنحت لك الفرصة لذلك قبل بلوغها يتوجب عليك الحصول على إذن من ولي أمرك ... لا تستغرب صديقي فهي تونس ...

حمير تقود بلدا تصل جذورها في التاريخ إلي ما قبل نشأته ... لا تهتم فكلنا في الهم عرب

قبل خروجي من البيت ... حضنتني أمي ... سحبتني لصدرها طويلا ... ربما تسترجعني بعد أن ظنّت أني تهت منها ... رائحة عطرها الخفيف تملا انفي الذي عصر في صدرها ... بعد إطلاق سراحي لم تنظر في وجهي لم ترفع عينها من الأرض ... الأمر غير معتاد بالنسبة لي ...

رحلة شاقة زادتها أشعة الشمس الحامية مشقّة ... قمت بكل تلك الإجراءات الرتيبة دون رغبة ... فقط أردت الحصول على سلام مؤقت مع أمي ... كعادتي اختبأت في غرفتي ... يبدو إن الأمر قد حسم ... سأسير في درب رسمت خطاه لغيري ... وبيد غيري ...

طال تفكيري في لا شيء ... فقط تهت في تلك الفكرة المجنونة التي وصل إليها أبي ... آخر ما وصلت إليه هو إني فهمت المنهجية التي فكّر بها ... والتي سار عليها ... لكنه فشل ... هو الحظ ... كفرس جامح لا لجام له ...

أغمضت عيني لكن تلك الرموز في ملف " اللعبة " تتراقص في مخيلتي ... هززت راسي ألف مرة لكنها استعصمت أن تسكن ظلمة نظري ... رفضت بخجل مرافقة أمي لبيت خالتي ... رغم شوقي لوليمة تشبع جوعي ... لكن نفسي صارت تقرف لقمة الذل ...

لجأت لمحل رحيم ... مجرّد تذكّر اسم رحيم صار يبعث انتصابا وليدا بين فخذي ... ذكريات تلك السيدة طاغية الأنوثة ... الأمر مثير للسخرية ... لكني تلك اللحظات الوردية أسرت روحي ... المحل شبه خاوي إلا من بعض الشباب ... هذا يتحدّث مع فتاة أجنبية ... والآخر يلعب ... لا عمل لي أضيع فيه بعض الدقائق الثقيلة ...

رحت أنظّف الأرضية من أثار بعض الأقدام ... لفت انتباهي عملية يقوم بها رحيم ... هذا يدفع له أموالا والآخر يأخذ منه بعضها ... كنت اعتقد انها معاملات مالية تخصّ بعض الخدمات عن بعد ... مع تقدّم ساعات النهار... تكاثر طالبو تلك الخدمة ...

رغم أن الأمر استفز فضولي لكني لم أتجرأ على سؤال رحيم ... ربما سيتحرّج من أن يجيبني ... لكن المبالغ المتداولة أكبر أن تكون معلوم خدمة الكترونية كالمعتاد ...

مرّت الأيام الأخيرة من الشهر السادس بسلام ... أمي التي عادت إليها روحها باستسلامي الشبه مموه لقرارها ... طوال اليوم في متجر رحيم أساعده في ما أقدر عليه ... شخصيا بدأت احشر نفسي في فكرة الانضمام للاكادمية ... صدقت أمي فمن هو مثلي لا يملك رفاهية الإختيار ...

بدأت الفكرة تتخمر ببطئ في عقلي ... التضحية بخمس سنوات ثم سيتغيّر الوضع ... راتب محترم ووظيفة مرموقة ... الأهم أني سألبس حذاءا جديدا يناسب مقاسي ... حتى وإن كان البوط العسكري الثقيل ...

آخر يوم في الشهر ... هو يوم حافل بالنسبة لمحل رحيم ... تجديد اشتراكات النت ... فواتير الكترونية ... خدمات لا تحصى ... كنت أجلس بجانبه في مكتبه بالمحل ... من كثرة الزبائن صار يستعملني كعداد للاوراق النقدية التي يخفيها في خزنة صغيرة تحت مكتبه ...

تصادف دخول شاب في مثل سنه للمحل وعلى وجهه علامات السرور... طلب من رحيم سحب مبلغ 5 ألاف دينار من حسابه ... كلمات مبهمة من رحيم يبارك له انجازه ... " أخيرا أمسكتها " ...

مكّنت الرجل من المبلغ ... سعادته وهو يفك مطاط الرزمة من الأوراق النقدية وصل أثرها لروحي ... سحب ورقتين من فئة خمسين دينارا ووضعهما في يد رحيم ... قال إن " طباخ السم يذوقه " ... ثم وضع ورقة نقدية في يدي ... قال بسعادة وشموخ ... " حلال عليك ... ادعيلي الحظ يبتسم ثاني " ...

رعشة أصابت مفاصلي من اثر الصدمة ... أول مرة في التاريخ تكتشف أناملي ملمس تلك الخضراء الساحرة ... بعد إنصرافه لم أتمالك نفسي من التساؤل ...

الأمر غير مبرر ... لا أحد يلقي بالأموال هكذا ببساطة ... أخبرني رحيم أن هذا الشاب عانده الحظ كثيرا واليوم ابتسم له وربح ذلك المبلغ وتلك الأوراق هي حلاوة فوزه ... ربما استبشر بوجهي فأهداني أحدها ...

" رزق وجالك "

غرابة إحساس ملمس تلك الورقة في راحتي اختلط بالكلمات المبهمة من رحيم ... حظ ومكسب وحلاوة ؟؟؟ ... ما دخل رحيم بهذا ؟؟؟ ... تصادف دخول بعض الشباب لإيداع أموال في حسابات لم افهمها ... اختلست النظر لشاشة جهاز رحيم ... ذاكرتي حفظت اسم الموقع الذي زيّن الشاشة ...

قال رحيم انه وسيط فرع رهانات ... مقابل عمولة من عمليات السحب او الإيداع ... مكسب في الحالتين ... الوسطاء كثيرون والمواقع أكثر ... هكذا قال

لا اعلم لما رسمت صورة نظرة أبي المنكسرة أمام عيني طيلة الساعات المتبقية من النهار وبقية الليل ... خضعت للتحقيق في البيت عن مصدر تلك الأموال ... أنا فقط سلمت الورقة لامي علها تستعين بها على مصاريف البيت ... ففتحت على نفسي حنفية أسئلة لا تغلق ... لم تفلت أذني من بين أصابعها حتى تأكّدت شخصيا من رحيم من صدق كلامي ... ورغم ذلك لم تنهي تلك الحفلة من اللوم والتقريع إلا بوعدها أن لا اقبل أي أموال من أي شخص غير رحيم ... ولقاء خدمتي له لا غير ...

كنت امني النفس بابتسامة رقيقة منها جزاء لي ... لأوّل مرة في سنوات عمري أقدم لامي مبلغا اعتبرته مهما جدا ... فقط أردت أن ارسم بسمة على شفتيها فرسمت بقعة حمراء على أعلى أذني ....

اليوم الموالي صادف الفاتح من الشهر السابع ... رحيم تركني لوحدي لقضاء شؤون لا مناص منها ... جالسا وراء شاشة الكمبيوتر الكبيرة ... طال انتظاري لعودته وأصابني السأم .... أحرقني الفضول ... قبل أن أتم رقن اسم ذلك الموقع زينت صورته الشاشة ...

رسم لأوراق لعب ... بوكر ... رولات ... رهانات رياضية ... كرة قدم ... كرة سلة ... بحر واسع من الاختيارات ... صوت ضحكة رحيم المصطنعة ممزوجة بصوت آخر أرعبتني ... كمن فتح عليه الحمام وهو يقضي حاجته أقفلته برعب خشية أن تعبث يدي بشيء يسبب كارثة ...

هو نفس الرجل من يوم أمس ... مبتسما سعيدا يصعد صدره غبطة وسرورا ... انسحبت لأترك المكان لرحيم الذي فتح الشاشة ثم الخزنة وبدأ بوضع رزم النقود أمامه ... قبّلني ذلك الرجل ووضع بضع ورقات في يدي ... قال أني وجه السعد عليه ... ودعنا مسرعا ... أقسم أن خطاه لم تكن تلامس الأرض ... الآن فهمت معنى أن يطير الإنسان فرحا ...

مبلغ مائة دينار وضع في يدي ... نصفه قد تسبب في حملة على أذني يوم أمس ... رفض رحيم قبوله ... قال بتهكم ...

ياعم روح اشربلك عصير في مكان رايق ... اشتري مثلجات ... هي لازم أمك تعرف كل حاجة ...
قررت العمل بنصيحته ... أخفيت المبلغ بحذر في جيب بنطلوني الصغير ... وأخفيت الأمر عن أمي ... طوال الليل وأنا أقارن بين غبطة ذلك الرجل وتخيلاتي لكسرة روح وطموحاتي أبي قبل زمن ... لعنت الحظ ونمت ... حلمت أني عدت لبداية سنيني ... أبي يلاعبني ... يشتري لي الايسكريم ... الحلوى ... يرافقني في مدينة الألعاب ... ملابسي جديدة ... حذاء يناسب رجلي ... وضحكته لا تفارق وجهه ...

صحوت من حلمي على صوت خطوات أمي تستعد للمغادرة ... باكي العينين ضاحك الصدر ... حلم بسيط أرسل لي من لعالم الآخر كتعويض عن واقع لم أعشه ... غبطتي بحلمي دفعتني للعمل بنصيحة رحيم ... إخترت بعضا من ملابس أبي القديمة ... الأقرب من أن تناسب هذا الجو وهذا الزمن ... شكلي أنيق رغم كل شيء ... جسدي يلائمه اي شيء ... ربما لأني رأيت نفسي أشبه أبي ... تأبطت جهاز اللاب توب وخرجت

حديقة أحد المقاهي الفخمة تدعوني للدخول ... بخطى مرتبكة قادني نادل بشوش لركن جميل ... المقهى لم يزدحم بعد ... قررت أن ادلل نفسي لأول مرة ... إفطار صباحي متكامل ... حلويات فرنسية وتونسية وقهوة كبيرة وعصير وبيض مخفوق ومياه باردة وبعض السلطات ... بسيسة وزرير ... عسل وزبدة ... اللعنة على الفقر ...

تهت في فخامة ديكورات المقهى والأطقم الموضوعة أمامي تتأنق فيها تلك المأكولات ... الآن عرفت السر وراء إدمان الناس للصور مع هذه الوجبات ... هذه الوجبات جعلت للذكرى لا للأكل كل يوم

بعض الزبائن يحتلون أماكن غير بعيدة عني ... أجهزت على تلك الوليمة وكنت أهم بالانصراف ... رفعت عيني ورايتها ... نعم هي دون شك ... تلبس بنطلون جينز رمادي يبرز تكوّر مؤخرتها ... لإن حرمني من بياض رجليها لكن فتحت التيشرت الأسود أهدت للناظرين متعة التجوّل في مفرق صدرها النافر...

تبعتها نظراتي حتى استقرّت في مقعد غير بعيد عني ... قررت البقاء حتى حين ... ربما فقط القي عليها السلام ... ستكفيني ابتسامة رقيقة منها ... وان أسعفني حظي ستلامس أصابعي اناملها الرقيقة ثانية ...

نظرة جانبية خلسة لعينيها اللامعتين ... وجه ابيض ناصع كصبيحة يوم مبارك ... شعر اسود قاني تتوه في أمواج ليله بأحلام وردية كوجنتيها ... حرّكت قطع السكر في فنجان قهوتها بحركة خفيفة تطارد معها خيط بخار متصاعد منه ...

قبّلت مبسم سيجارتها قبل أن تلهب صدري بنفس دخان أحرق كل جدران الشوق إليها ... كنت لا زلت اعبث ببقايا الأطباق حين تقدّم مني النادل يسحبها من أمامي متسائلا إن كان لي طلب آخر ... قررت شرب قهوة سوداء لأول مرة ... ربما ستلاحظ أني كبير بما يكفي لشرب القهوة مثلها ...

كجهاز ردار أراقب حركتها علّها تلتفت نحوي ... كنت أتمرن على الابتسامة خوفا أن يهزمني خجلي ... ما إن وضع النادل فنجان القهوة أمامي ... حتى تقدّم منها رجل أنيق ... قبل أن يلامس أصابعها قامت وعانقته عناقا حارا ... أنا فقط أردت ابتسامة فجاء هذا الشيء وخطف حضنا لم أحلم حتى به ...

انكسر قلبي وعدت لواقعي ... هي لا تعرفني أصلا ... ربما نسيت من أكون ... أين سرحت بيا مشاعري ؟؟؟ ... الفرق شاسع بين الكل ... رحت أقارن بيني وبين رفيقها ... شعره الرمادي الناعم ... ملابسه الشبابية الفاخرة لا تتعارض مع تناسق جسمه ... أين أنا منه ؟؟؟ ... ربما سأصبح مثله عندما أصبح في مثل سنه ...

إن كان سبب بقائي هو انتظارها أن تراني فالآن تغيّر الحال ... يجب أن لا تراني ... سحبت جهاز اللاب توب عله يشكّل ساترا لي ... تقدّم مني النادل ووضع ورقة عليها كود الوايفاي ... فرصة لتخفيف ثقل دقائق الانتظار ... دخلت النت ... أنا لست مغرما به ... لا تستهويني مواقعه ...

بعض صور الطبيعة ثم سئمت بسرعة ... تذكّرت موقع رحيم ... دخلت دون خشية ... بدأت أتابع باهتمام مكوناته ... الفرضيات المطروحة ... كيف تسجّل وكيف تلعب ... كيف تربح وكيف تخسر ... الموضوع كغيره فقط توقّع النتيجة ... هذا العالم الذي هزم أبي يوما ...

فتحت الملف الذي ورثته عن أبي ... اللعبة ... تابعت خطوات والدي بعين مختلفة ... عين من فهم العملية ... خرجت باستنتاج ... أبي لم يسعفه العمر أن تخترع هذه المواقع في سنين حياته ... قديما كانت المراهنة على مقابلات محددة ... توقعاتها بسيطة .. ما النتيجة ... ربح ام هزيمة او تعادل ...

هنا الامر مختلف ... انت تختار المتنافسين ... الف اختيار تراهن عليه ... أهداف .. نتيجة ... ركنيات ... ألف لعبة في كل الرياضات ... فقط الفرق هنا انك تحدد المبلغ الذي تريد أن تكسبه ...

يمكنك المراهنة على مقابلة واحدة إن أردت ... المكسب يكون حسب ضارب يحدده الموقع ... وكلما أضفت إختيارا آخر .. يتضاعف ضارب الأول في ضارب الثاني في المبلغ الذي ستراهن به ... وهكذا

سحبني هذا العالم حتى غصت فيه ... شخص مثلي لن تستعصي عليه هذه المعلومات أن يسبر أغوارها بسرعة ... قارنت بين فكرة أبي والاختيارات المطروحة أمامي ... تجارب بيضاء للعملية ... الأرقام المتوقع ربحها تزوغ معها العيون ... تنهيدة حارقة خرجت من صدري ... لو كان أبي حيا لما استطاع أحد عد أمواله الآن ....

رفعت عيني متأسفا عليه ... تلك الطاولة احتلتها عائلة كبيرة تتناول إفطارها ... السيدة ومرافقها غادرا منذ مدة تبدو طويلة ... أين كنت ... أين سحبني هذا العالم ... قبل أن استوعب ما حدث أحسست أن يدا ثقيلة تهز كتفي ... صوت أبي الذي لا أذكره يهزني بشدّة ...

" إن كان العمر لم يسعفني أنا ... فالعمر كله أمامك ... غامر لا تخشى شيئا "

هربت من المقهى ... طوال الطريق وذلك الصوت يدوي في مخيلتي ... لجأت لحضن أمي كرضيع مرتعش ... أمي لم تفهم ما أصابني ... فقط حضنتني بعنف ...

سريري تحوّل لحقل شوك ... سهاد ما بعده سهاد ... شيء خفي يدفعني للتفكير ... ليس التفكير فقط ... سرك من الخيالات ... مزيج من المشاعر بين الرغبة والإثارة والانفعال والخوف والطموح والحلم ...

كلما أغمضت عيني تتراقص تلك الاحتمالات أمامي ... متاهة لم أجد منها مخرجا ... هل اجرّب ... فقط سأضع الخريطة المؤدية لمفتاح الكنز ... فتحت جهاز اللاب توب ...

أنشأت ملفا جديدا " اللعبة 2 " ...
هايل بجد وسرد ممتع للأحداث
استمر
 
أولا لنكن متفقين ... نحن هنا في منتدى جنسي ... وجميع المواضيع المطروحة تقع تحت حماية إدارة المنتدى ... الحرية في الميول والأفكار والشبق والخيالات الجنسية مكفولة حسب قوانين المنتدى ... أي تعليق من مدعي الأخلاق غير مقبول بالنسبة لي ... أتقبّل النقد الأدبي للقصة ... نقد العمل القصصي لا غير ...

الفكرة وليدة فكر صاحبها وهو الوحيد المسئول عنها ... القصة مبوبة تحت باب جنس المحارم ... وأنت الآن دخلت بمحض إرادتك للاطلاع على محتويات هذا الباب ... فان كانت الفكرة تزعجك وتسبب إليك أي نوع من أنواع الحساسية فلما أنت هنا ؟؟؟

ثانيا ... تواجدك في منتدى يخلع عنك بصفة آلية جلباب الأخلاق ... فلا تحدثني عنها ولا تشر إليها لأنك لا تمتلكها ...

ثالثا هي مجرّد توطئة... بعد كتابة فصلين مختصرين من المذكرات وجدت انه لزوما عليا ومن باب المصداقية قبل إنهاء الفصل الثالث دخول تجربة هنا ... ولأسباب أخرى عديدة قررت خوض غمار قصة جنسية للمرة الأخيرة ... ان كانت نتيجة المحاولة الأولى مع أولائك إصابتي بمرض فقدان التوازن فأرجو أن لا تسبب لي تجربتي معكم شللا رباعيا ...

الجزء الأوّل

اللعنة على هذا الحذاء ... كلما تقدمت به خطوة للأمام إلا وازداد الألم في رجلي ... الم رجلي يذكرني بألم نفسي ... حذاء حسام ابن خالتي القديم ... كل ملابسي وكتبي وأدباشي هي ما تخلّص منه حسام ... أو أمه إن صح التعبير ...

مذ وعيت على الدنيا وأنا البس ما ضاق عنه ... ادرس بكتبه القديمة ... حتى بطني لا تشبع إلا عند زيارتنا لبيت خالتي ... لم احتج يوما على وضعي ... في بداية سنين الطفولة لم يشكل الأمر عائقا لي ... بل بالعكس ... لكن الطبيعة لم تشأ إلا التضييق عليا في كل تفاصيل حياتي ... طبيعة لم تستوعب أن أمي براتبها البسيط لا تستطيع توفير ملابس جديدة لي ... فلماذا ينمو جسمي لأسبق في المقاسات جسم حسام ...

حذاء ضيق وبنطلون يجاهد في وسطي أن تنفلت احد أزراره ... وقميص يضيق على صدري أكثر مما يضيق صدري بهمومي ... مع ضيق الحذاء يزيد ضيق الحال من معاناتي ... ديون أمي عند صاحب الدكان القريب من بيتنا تجبرني أن اسلك مسافة كيلومترات يوميا بين المسالك الفرعية لاقتني حاجياتنا من مغازة وسط البلد ... وأعود متبعا متاهة من الأنهج الضيقة المتعرجة بخطايا العرجاء من الألم ...

الكيس البلاستيكي بدأ يجرح أصابعي ... أحد المقاعد الخشبية على ناصية الطريق ... كان ملجئي من الألم المضاعف ... وضعت الكيس بجانبي وأخفيت راسي بين راحتي علي ارتاح ولو مؤقتا من عذابي الدائم ...

وضعية جلوسي فرضت عليا النظر غصبا عني لحذائي ... ماركة عالمية معروفة ... كان غالي الثمن حال شرائه ... في بلدنا نعرف القيمة الاجتماعية للشخص من حذائه ... إشارة تقطع كل أمل لي في المستقبل ... لن أكون الا مستودع قمامة لما يتخلّص منه ابن خالتي ...

خالتي أكبر من أمي بسنوات قليلة ... متزوجة من موظف كبير في الحكومة ... مرتب مرتفع ... منصب مهيب ... سيارة إدارية ... مسكن وظيفي ومساكن أخرى فرعية للتصييف ... الموظفون السامون هم من يتخذون القرارات المصيرية للدولة ... يتحكمون بالميزانية ... بتقسيمها ... اغلبها تصرف لتوفير ظروف عيش مريحة للموظفين ورغم ذلك يرتشون ...

أمي تزوجت بعد خالتي بسنتين ... تزوجت أبي عن حب ... أبي لم يسعفه الحظ في الانتساب للوظيفة العمومية ... كان صاحب مكتب حسابات ... أنا لم اعرف أبي إلا من الصور ... توفي وأنا لازلت أتعلم المشي ... تركني أتعثّر في خطواتي ...

مقارنة بين صورة خطواتي الأولى المتعثّرة ... حذاء صغير جميل عليه رسوم ميكي ماوس و يد والدي القوية الحنونة تسندني عن بعد ... الآن وأنا تجاوزت الثامنة عشر ... خطواتي لا تزال تتعثّر في حذاء قديم يقضم أصابعي ... والسبب فقدان يديه لتسندني ...

طعم مالح انسل لشفتي من دمعة سكبتها عيني ... طالما بكيت خلسة ... لا أعلم هل ابكيه أم ابكي نفسي ... لكني اشتاق إليه ...

نسمة باردة تدغدغ ضلوعي تعلمني أني تأخّرت في العودة ... الم مضاعف مع إسراعي في المشي خوفا أن أتأخر عن أمي ... أمي التي لعبت دور الأب والأم في نفس الوقت ... صارمة وذكية ولا تفوتها النسمة المتسلّلة من تحت الباب ... تراقب كل حركاتي تخشى عليا من كل شيء ومن أي شيء ...

تقول دائما أني ثروتها التي استثمرت فيها عمرها ... هي ستبلغ الأربعين قريبا ... أرملة منذ ما يزيد عن ستة عشرة سنة ... تحمّلت الوحدة والفقر والغم لأجلي ... دين آخر يزيد في ضيق صدري ...

انا عن نفسي لم أكلفها شيئا سوى مصاريف الأكل ... نسكن في بيت تركه لنا والدي ... البس ما ترميه خالتي لي بسرور بصدق أحيانا وأتظاهر به أحيانا... اجتهدت في دراستي فلم أكلفها مليما في دروس خصوصية بل كنت اكسب مصاريفي من إعداد بحوث الدراسة لزملائي المرفهين...

نجحت في البكالوريا بتفوّق ... انتظر التوجيه ... أريد الالتحاق بإحدى كليات المحاسبات ...

كنت أحلم أن أصبح محاسبا كأبي ... أن أحقق حلمه وانجح في عمل هو يحبه ... هدف لم ينصفه عمره أن يصل إليه ... استقبلني مشهد سيارة خالتي تقف أمام بابنا ... زادت نفسي ضيقا ... دفعة أخرى من ملابس ستحشر فيها كرامتي قبل جسمي ... ومشاعر مصطنعة مني بالعرفان بالجميل ...

دفعت الباب الحديدي الصدأ بعنف ... صوت قرقعته هو حمايتنا من زائر غير متوقع ... نظرة لليمين والشمال للحديقة الصغيرة ... حركة لا إرادية أهيئ بها صدري و عضلات وجهي للابتسام لمصدر الذل في حياتي ... مع وصولي للباب الخشبي ... صمت يوحي أن قدومي قطع موضعا مهما بين الأختين ...

سلام حار مصطنع مني وبارد حقيقي من خالتي ... وضعت كيس المقتنيات في المطبخ ... وجلست بعيدا عند باب الصالون ... أثاث بيتنا لا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ... لم أكن استمع لما يدور بينهما ... لكني متأكّد أن وجودي تسبب في تغير الموضوع ... لا اعلم لماذا لكني كنت مستمتعا بتأثيري السلبي عليهما ...

طال وجودي الغير مرغوب فيه مما اضطر خالتي للانصراف ... تابعت خطواتهما وأمي توصلها للباب ... أمي أجمل منها بكثير ... فقط الملابس الفخمة هي التي تمنح خالتي تألقها .. وربما تسريحة الشعر والحذاء العالي الذي يرفع مؤخرتها ... كذلك الماكياج ....

أمي في بيجامتها المترهلة تبدو أجمل منها ... لا توجد امرأة أجمل من أمي ... حكمة لا أعلم أين سمعتها .... طالت وشوشتهما عند الباب فانسحبت لغرفتي ...

منزلنا مكون من طابقين ... على الطراز الأمريكي ... غرفة معيشة او الصالون يستقبلك عند دخول البيت بأثاثه ومكتبته, في آخره على اليمن مطبخ مفتوح بمصرف رخامي اجتهد أبي أن يتناسق مع ألوان الرخام فيه ... شبابيك بلورية كبيرة تطل منها بعض شجيرات الزينة من حديقتنا الصغيرة ... انعكاسها كلوحة زيتية تفنن رسام مجتهد أن يبرز تفاصيل الروح الساكنة فيها ... بجانب المطبخ حمام كبير يتوسطه مغطس مدور يتسع لثلاث أشخاص بالراحة ...

الطابق العلوي مكوّن من 3 غرف ... غرفت نوم أمي وغرفتي وغرفة ثالثة ... حرم موت أبي جدرانها أن يسكنها أخ أو أخت لي ... تلك الغرفة مغلقة دائما ... أمي ألقت فيها كل متعلقات أبي ... وأغلقت على ذكريات زمن جميل لم أعشه ... يفصل بين الغرف ممر واسع ينتهي ببوابة بلورية تستقبل نور الشمس من شرفة نصف مستديرة ...

طال الوداع بين أمي وخالتي مما يوحي أن أمرا مهما تطلّب نقشا مستفيضا بينهما ... لجأت للحمام أعالج ورم رجلي من اثر المشي بالحذاء الضيق ... الماء البارد يخفف توتر مسام جلد أصابعي الغضّة ... برودة الماء أشعلت رغبتي في الاستحمام ...

نصف جسدي مختفي في المغطس البارد ... برودة علها تعالج التهاب روحي وجسدي ... شعور نفسي بالضيق والاختناق ... لم أجد له مبررا ...

أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل واقعا غير هذا الواقع ... نصف الغرق ونصف الطواف ... نصف البرد ونصف الحر ... نصف الواقع ونصف الخيال ... لا اعلم أين تاه بي خيالي البسيط وكم استغرقت رحلتي في اللامكان واللازمان ... واللافكرة ...

نقر خفيف على الباب سحبني للدنيا ثانية .. صوت أمي تعلمني أن العشاء جاهز ... ملتحفا بمنشفة نصف مهترأة تخفي نصف جسدي السفلي وقطرات ندية تداعب مسام صدري ... ارتديت شورت قصيرا كان يعاني ليجف في حبل معلّق في شباك الحمام الضيق ...

لم اسرّح شعري وعري الصدر حافي القدمين ... لا تزال أصابعي تصارع للعودة لوضعها الطبيعي ... استقبلتني أمي بابتسامة ساخرة ... هي شديدة الاهتمام بصحتي ... لم تعلّق كوني لم استر صدري من نفحات نسيم بداية الصيف الباردة ... على غير عادتها ...

جلست قبالة أمي على طاولة الطعام ... بحكم الخبرة .. كلما وضعت امي صحني مقابلا لعينيها فتلك إشارة أني سأتلقى مجموعة من الأوامر ... حاولت أن انظّم أنفاسي وأخفي ارتباكي الغير مفسّر ...

بضع قضمات من أجنحة الدجاج التي تسبح وسط صحن المرق غمستها بصمت غير مفهوم ... صمت قطعه صوت امي الصارم والحنون في مزيج عجيب كالمزيج الذي أتناوله في صحني ...

  • عجبك الاكل ؟؟؟
  • حلو زي العادة ... مش عوايدك تسالي .. ما انا بآكل كل الي بتطبخيه ... في ايه ؟؟؟
  • لا أبدا اصلك لازم تاكل كويّس اليومين دول يا حضرت الضابط ؟؟؟
  • (تجمدّت يدي التي تمسك قطعة الخبز) ضابط ؟؟؟
  • ماهو هو ده الموضوع الي اتفقت عليه انا وخالتك ؟؟؟
  • إتفقتو ؟؟؟
  • ايوة ... انت جايب نتايج ممتازة في البكالوريا وزوج خالتك هيتوسطلك انك تلتحق بأكادمية عسكرية أو أكادمية الشرطة أو الحماية المدنية .. انا كلمت خالتك وهي هتكلم زوجها
  • يا سلام اتفقتو واتكلمتو وأخذتو القرار وانا آخر من يعلم
  • هو انت شايف حاجة ثانية (بلهجتها الصارمة التي اعتادت ان تقمع بها كل بوادر إحتجاجي)
  • ايوة شايف (محاولا التحكم في ارتجافي وخوفي من ردة فعلها)
  • شايف ايه ؟؟؟ (تزايدت شدة حزمها)
  • (القيت قطعة الخبز من يدي ولاوّل مرّة في تاريخي ارفع عيني مباشرة فيها متحديا) انا عاوز أطلع محاسب زي بابا ... عمري ما إتخيّلت نفسي ضابط ...
انتفاضة عنيفة من أمي التي ضربت بكلتا قبضتيها على الطاولة .... حركة طالما وأدت أي رغبة لي ... مباشرة بعدها أعلن استسلامي لرغباتها ... صمم أصاب أذني عن كلماتها المتراوحة بين الصراخ حينا والحنان حينا ... مؤيدات كثيرة حول صواب رأيها ... الكليات العسكرية ستضمن لي مستقبلا مستقرا بعيدا عن المغامرة ... مجرد الالتحاق بها مع النجاح سيضمن لك وضيفة محترمة يتمناها نصف الشعب ...

وضعية جلوسي ووقوفها توحي بتفوقها عليا ... كنت أتحاشى النظر في عينيها ... وفي نفس الوقت روحي تتوق للتحدي ... فلم تسقط نظرتي للطاولة أو الصحن بل استقرّت في مفرق صدرها الأبيض ... طالت كلمات أمي أمام صمتي ... أحست أني استسلمت وتقبّلت قرارها ...

دون شعور ولأول مرة ثانية ... أتحداها ... وقفت وضربت بكلتا قبضتي على الطاولة ... قلّدت كل حركاتها ... لأول مرة أتكلم وأنا أساميها وجها لوجه ...

  • حسام يروح أكبر الجامعات ... وأنا أروح الجيش ... لو كان الموضوع زي ما حضرتك بتقولي ... مش كان اولا بيه يضمن مستقبل ابنه ... ماهو مش معقول هيكون بيفكّر فيا اكثر من إبنه ...
  • (نظرة الانكسار والدهشة في عين أمي شجعتني على المواصلة مع تلبكها في الكلام) ... ماهو ...
  • ماهو ايه ؟؟؟ ... هو يتعلّم وينبسط و يروح الجامعة وأنا أتخنق في الجيش والحياة الرسمية ... هو أنا مفروض عليا كل حاجة ضيقة عليا ؟؟؟ ... بنطلونات اصغر مني ... جزمة بتاكل صوابعي مع كل خطوة ... عايزين تحشروني في وضيفة أضيق مني طول عمري ... ليه ؟؟؟؟ ... ايه ذنبي ؟؟؟
  • ذنبنا اننا فقراء ... ذنبك انك يتيم ... (أحسست بالغبرة تخنق امي ... كأنها تكتم بكاء دفينا) ...
  • (انا انفلتت الدموع غصبا عني لتغرورق بها حدقتي وتحجب عني وضوح الرؤيا) يعني كله من بابا إلي مات وسبني مش كده ...
  • (تقدّمت مني امي وحضنتني بعنف الي صدرها الطري) ده قدر يا ابني ... يا حبيبي انا عملت كل الي اقدر عليه ... دي فرصة انك تطلع من مستنقع الفقر ده ... كلية محترمة ووظيفة مضمونة ومستقبلها كبير ... وكمان وده الاهم مافيهاش مصاريف ... بالعكس دي بتاخذ فيها منحة ...
  • (أردت الرد لكن حضنها خنق تمردي ... احاطت براسي وسحبتني لصدرها بعنف )
  • يا ابني انا عاوز اشوفك بخير مش كفاية عمري راح هدر بمغامرات ابوك ... با ابني انا عاوزة اشوفك راجل مالي هدومك ... تتزوج وتفتح بيت وتبقى سيد الرجالة ...
أوّل مرة في حياتي استشعر نبرة الاحتجاج من امي على حياتها ... أحسست أنها ندمت على زواجها من أبي ... لأول مرة اشعر انها تخفي سرا ... انا الفخور بانتمائي لأب لم اعرفه ... رسمت له صورا متكاملة ... نحت له في خيالي تماثيل لأنصاف الآلهة الإغريق ... لم أتقبل أن تهتز تلك القداسة حتى ممن هي اشد منه قداسة ... امي ...

انفلت من بين ذراعيها ... والدموع تملأ وجهي ... الم أصابعي وضيق الحذاء وضيق الحال ... كل شيء تقبّلته إلا أن تمس صورة أبي أمامي ...

  • هو أنا قدري اني أكون كيس الزبالة بتاع حسام ... بالبس هدومه القديمة وما اعترضتش ... الجزمة الي بتخليني اعرج واتحملتها ... فضلات اكلهم ... المنة الي بيتكرمو بيها علينا ... هو انا ذنبي ايه ... مش راضيين تخلوني اعيش العيشة الي باختارها ...
  • (كلماتي هزمت مشاعر امي فانفرط الدمع سخيا على وجنتيها الحمراوين) يا ابني الي زيينا ما عندوش رفاهية الاختيار ... اسمع كلامي انا اعرف مصلحتك ...
  • (أحسست دموع امي ستهزمني في النهاية) ... عاوزاني ابقى راجل مال وهدوم بالصدقة ثاني .... كل حياتي سكند هاند ... عاوزاني اتزوج ... تصدقي احيانا باتخيّل اني هاتزوج وحدة كان بينيكها حسام ولما زهق منها رماها لي
اتساع حدقات أمي من هول الكلمة التي قلتها ... امي لم تسمع مني إي حرف خارج عن الأدب ما حييت ... أحسست أني تماديت ... كلمة انفرطت مني ... لو قيلت في غير هذا السياق لتزيّن خدي بآثار أصابعها لأيام ... مشاعر مضطربة وردة فعل غير مفهومة ... ألقيت بمزهرية كانت تزيّن ركنا في الصالون ... صوت تهشيم الزجاج أعطاني الفرصة للهرب ...

فتحت الباب ... حافي القدمين ... عاري الصدر ... اجري دون وجهة ... كنت أهز راسي لاطرد ذكريات الدقائق الأخيرة ... تهت من جديد في اللا فكرة ... فقط أجري بعيدا عن البيت

ربما إحساسي بالتخلّص من ملابس حسام ... ثورتي على أمي ... رفضي لوضع فرض عليا ولم أختره .. كل هذه الأحداث دفعت فيا شعورا بالسعادة ... هي سعادة ممزوجة بالندم ... سألقى عقابيا نضير ذلك لكن لا يهم ...

لا اعلم كم شارعا قطعت وأنا اركض حافيا شبه عاري تحت انوار الفوانيس النصف معطّلة ... فقط اركض هربا من واقع سأعود إليه حتما ...

صراخ صبيتين صادفتاني وانأ أجري ... ارتعبتا ظنا اني أحد المجانين المنتشرين يرعبون المارة في شوارعنا ... رعبهما أصابني بالخجل من نفسي ... أسرعت أكثر فأكثر ... الإسفلت المحدب بدأ يجرح رجليا ... كنت اشعر بلزوجة تحت قدمي .... لا أعلم اهو ددمم أم قيح تقرّح ... لكني لم أتوقف ...

واصلت الركض هربا من البيت في اتجاه البيت ... لقد صدقت أمي من هو مثلنا لا يمتلك رفاهية الاختيار ... مع اقترابي للبيت بدأ نبض قلبي يتزايد بفعل التعب وبفعل الرعب ... امي ستقتلني ... انا متأكّد ...

تسورت حائط الحديقة بخفة وحذر القطط ... شجرة مشمش عقيمة كانت ملجئي للاختباء ... من ردة فعل أمي ومن ردود فعل شارع لن يتفهّم ما يحدث لي ...

النور الخافت في الصالون ينسل متحديا ظلمة الليل ... من خلف بلور جاهدت امي في تنظيفه ... كنت أراقبها تجلس على الكنبة ... تضع رجليها على حافتيها وتسند رأسها بركبتيها ... تكوّر الانكسار الذي لم أعهده فيها ...

بدأ ضميري يؤنبني ... هممت أن أدخل البيت معتذرا ... لكن عما سأعتذر وأنا الضحية ... طال مكوثي في مخبئي ... انتصف الليل ... حيرة أمي لغيابي دفعها للنمطي أحيانا والتكور أحيانا أخرى .. اقسم أني سمعت نبض قلبها الحنون من هنا ...

نظرة تجاه الباب والأخرى تجاه الساعة ... ثم تعود للتكور ... كنت اسمع شهيق بكائها ... طال انتظارها وطال صبري ... لن أعود للبيت الذي لم أغادره ....

رحت أراجع حواري العنيف معها بدقّة ... هي بالتأكيد تريد مصلحتي ... الوظيفة القارة ... فرصة للنجاح في الحياة دون مصاريف ومعانات ... هي بالتأكيد معها حق ... لكني لن البس حذاءا أضيق مني طول العمر فقط لان معها حق .. أنا لي الحق في الاختيار ... ربما فرصة للتحدي فقط ...

كلمة عمرها الذي إضاعته مغامرات أبي هدرا لا تغادر تفكيري ... مالذي فعله ابي قبل موته جعلها تشعر بالندم الآن بعد صبر السنين ... لو خانها او شيء من ذاك القبيل ما صبرت كل هذه السنين وفية لعهدها معه ... امي جميلة وكان يمكن ان تتزوج غيره بسهولة ...

رفعت راسي علي أجد في انعكاس صورتها إجابة على سؤالي فلم أجدها في مجلسها ... قبل ان تبدأ حيرتي ... اهتز صدري رعبا لصوتها يقول ... " إدخل البيت ... الدنيا برد عليك " ...

لم أشأ ان يتأزّم الوضع أكثر ... إحمرار انفها ووجنتيها اللذان تحديا ظلمة الحديقة يعلماني انها ذرفت دموعا كثيرة ... لكني لن استسلم ... كنت اسبقها بخطوتين وتلحقني أصوات تخرج من انفها تودع بها حالة بكاء طويلة ...

أثار الدماء التصقت بجليز الصالون الرمادي ... حاولت ان تقترب مني تستطلع امر جروحي لكني نهرت يدها التي لامست كتفي ... تراجعت قليلا للوراء ...

قبل ان تبدأ بالكلام ... طلبت منها بنبرة جافة وخشنة مفتاح غرفة أخي الذي لم تحمل به ... قبل ان تستفسر عن السبب ... أجبتها سؤالها الذي لم يسأل

  • عاوز اقعد شوية مع بابا ... عاوز اتكلّم معاه
رغم رفضها وحرصها لسنين ان لا يدخل احد تلك الغرفة ويعبث بمحتواياتها ... تحوّلت نحو خزانة الصالون وفتحت درجا ومدّت المفتاح لي ... دون كلمة واحدة ... كنت أخطو الدرج للأعلى وتتبعني نظراتها ... ربما امنيتها ان اراجع عقلي ... وربما خوفها من صدام جديد لم تخفت حرارة رماد الذي سبقه بعد ...

رائحة العتمة تخنق أنفاسي ... الغرفة مغلقة منذ سنين ... غرفة فارغة يتجاوب صدى انفاسي المرهقة مع جدرانها ... القليل من غبار الزمن على بعض الكراتين ... فقط ثلاث صناديق ورقية كبيرة هي كل ما يوجد ... حضنتها كأني أحضن عمري الذي ضاع مع غياب صاحبها ... صوت نقر سقوط دموعي على سطح إحداها وهي تشكل دائرة تحوّل الرمادي إلي البني دفعني لفتحها ...

البوم من الصور القديمة ... مسحت الغبار عنها ... ملامحي تشبه ابي الي حد لا يصدّق ... صوره وهو في مثلي سني ... مسرورا متحديا الدنيا ... ملابسه فخمة حسب طراز زمنها ... وقفته الشامخة ... صوره في الجامعة ... في الرحلات ... في ملهى ليلي مع أترابه ...

المثير في الأمر ان ضحكته وابتسامته لا تفارقه ... اعتقد انه استهلك نصيبي ونصيبه من السعادة في تلك الصور ... انا لا اضحك ولا أتصور ...

صور له ولامي على شاطئ البحر ... بريق عيني امي وهي تنظر له تؤكد عشقها له حد الجنون ... امي جميلة في ملابس البحر ... لم تغيّر فيها السنين شيئا سوى بريق الحزن في عينيها .... وضعت صورة كبيرة مؤطرة في اطار خشبي مذّهب امامي ... وفتحت قلبي لكل ما لم اقل له بعد ... لا اعلم هل سمع مني كلمة بابا قبل رحيله ام لا ...

اقسم اني رأيت التأثّر في عينيه رفقة بحالي ... بكيته وبكيت عليه وبكيت له ... شيء ما في عينيه يدفعني أن افتح الصندوقين ... إخترت أكبرها ... ملابسه كلها هنا ... بنطلونات جينز ... قمصان ... سترات كثيرة ... حالتها تبدو جيدة رغم كل الإهمال .... بدأت انفض الغبار القليل عنها ...

تجرأت ولبستها ... كنت ارغب ان احضن ريحه فيها ... مقاسها يناسبني بعض الشيء ... حذاء رياضي يعانق أصابع رجلي برفق ... رحت أتمشى امام صورته كأني أفاخره اني كبرت وصرت في مقاسه ... لو كان حيا لضربني على قفايا بحنان ... كما يفعل كل الآباء الذين وصل أبناءهم ليضاهوهم في الطول ...

سعادة غمرتني ... روحه وريحه تعانقاني ... إن كانت الأقدار فرضت عليا ان البس القديم فلألبس ملابس ابي ... مقاس حذاء والدي هو إشارة أن شخصيته وطريقه هي التي تناسبني كما ناسبني المقاس ... انا على حق ... فرصة خالتي ضيقة على روحي كمقاس حذاء ابنها ...

جلست على الأرض احدّث ابي متسائلا ... ان كنت مغامرا كما تقول أمي ألا يخفي الصندوق الآخر سرا ... ألم تدخل في تجربة بورصة وخسرت ساعتها ...ربما تغيّر الحال الآن ... لا يمكن الا تترك لي شيئا الا هذا البيت ... حتى الذكريات لم تتركها لي ...

نبض قلبي يتزايد مع كل ورقة اسحبها من الصندوق ... لم افهم شيئا .. فواتير قديمة ... كراسات على رموز بخط اليد ... علامات قاطع ومقطوع ... ارقام واحد واثنان ... قصاصات جرائد تتحدث عن نتائج كرة القدم ساعتها ... ما السر وراء عشق ابي لكرة القدم لم افهم ذلك ...

ظرف كبير بني اللون ... عقد ملكية بيتنا ... وعقد رهنه لشركة إيجار مالي ... مبلغ كبير وضع فيه ... هل رهن ابي البيت قبل موته ... لكن البيت ملكنا الآن ... انتقلت ملكيته لي ولامي بحكم الميراث ... لم اسمع بهذا الأمر من قبل ... هل سدد أبي رهنه قبل موته ... لم أجد في الأوراق ما يثبت ذلك ... أين ذهبت أموال الرهن ومن سدده ...

نصف اجابة خامرتني عن كلام أمي ... هي جاهدت لسداد ديننا في سنواتي الأولى ... بدأ ضميري يدفعني للاعتذار منها ... جهاز لاب توب من طراز قديم هو آخر ما تبقى في الصندوق ...

صندوق صور مليء بالذكريات ... صندوق ملابس تفوح منها رائحة عز لم أعشه ... وصندوق ورق لم افهم منه شيء ... ربما اللاب توب يحتوي على سر ... لكنه لا يعمل ...

قررت ان آخذه معي لرحيم ... رحيم هو شاب في أواخر العشرينات .. يعتبر الشخص الأقرب لي في الدنيا بعد أمي ... يمتلك محل انترنت وبيع وبعض أدوات الإعلامية ... يقدّم خدمات التسجيل عن بعد ... كنت أساعده في إعداد البحوث المدرسية ... معتمدا على معلوماتي وسرعتي في رقن الحروف ....

كان يكافئني بقطع نقدية او بصندويتش اذا تأخرت عنده في المحلّ ... قررت ان أتسلل به للخارج عندما تحين لي الفرصة ... لا اعلم السبب لكن أحسست ان نظرة ابي من صورته تشجعني على ذلك ...

شعاع نور الفجر يتسلل من تحت الشباك ... ليلة طويلة جدا ... هي ليلة بعمري كله ... حضنت صورة أبي وتوسدت سترته وتغطيت برائحته ونمت ... ربما نمت في حضنه وانا رضيع ... ونمت نوم الرضيع ...

صوت طراد الماء من الحمام يعلمني ان أمي استيقظت ... لا أعلم ما افعل ... هل هي جولة ثانية من الحرب بيننا ... أم أعلن استسلامي والبس الفرصة الضيقة ما بقى من العمر ... استعملت الحبال التي كانت تلف الكراتين ... ربطت اللاب توب في احد قمصان ابي والقيته يتدلى من الشباك للحديقة ...

تسللت للحمام ... غسلت وجهي وسرّحت شعري ... انعكاس صورتي في المرآة جعلني اشعر بالفخر ... لم تخطو رجلي في الممر خطوتين ... صورة اتساع حدقتي أمي سبقت صرخة رعب دوّت في المكان تلاها صوت ارتطامها بالأرض ...

تأبطت جسدها بين يدي وأسرعت بها لغرفتها ... لا الماء ولا بقية زجاجة العطر افلحتا في إيقاضها ... لم اجد طريقا سوى الاتصال بخالتي ... مر الزمن عليا دهرا حتى وصلت ... طبيب في أواخر سنين عمره ... يخزها ابرة ... قال انها صدمة عصبية نتيجة الارهاق ...

الفترة التي تلت خروجه ... دروس متتالية من خالتي عن وجوب طاعة امي ... تذكير بتضحيتها في سبيلي ... انا لا انكر ذلك وممتن لها ... وممتن لخالتي ولحسام وللعالم كله ... فقط لا أريد أن افقد أمي كما فقدت أبي ... لم اترك سريرها دقيقة واحدة ... لم افلت يدها الباردة من يدي ...

سأفعل اي شيء ... فقط عودي للحياة ... شكرت السماء أنها حرّكت راسها ... استيقظت مرعوبة ... أول شيء فعلته طردتنني من الغرفة ... لم احزن لفعلها ولم اغضب انا سببت لها الإرهاق ...

احتجزت نفسي في غرفتي ... كنت اسمع صوت خالتي تسند امي للحمام ... صوت الماء يختلط بصوتها تساعد أختها ... وخزني ضميري على مشاعر كرهي لخالتي ... هي لم تفعل شيئا سوا مساعدتنا طول حياتها ... انا الشيطان المتمرد فقط

ابتعد صوتهما وهما ينزلان الدرج بعد أن غيّرت ثيابها ... فجأة تذكّرت جهاز اللاب توب ... لا يجب لامي ان تراه ... ذنب آخر سيسجل في صحيفة أخطائي ... حاولت سحبه من أعلى لكنه علق بحافة الحائط ... تسللت لباب البيت ... الحبل يتدلى بجانب شباك المطبخ ... اقتربت لافكه

صوت خالتي يصلني بوضوح مستفسرة عما حصل ... صورتها وهي تقدّم قهوة وبعض الطعام لامي ... لم الحق بالحوار من أوله لكن أمي تبدو مرتبكة مذعورة ...

  • هو شبه ابوه ... في كل حاجة ... البارح كان بيزعّق بنفس الطريقة ... بيحاججني بنفس سخرية ابوه ... بيحط عينه في عيني يخليني ارتبك زي زمان ... لما كنت حاضناه وهو صدرو عريان حسيتا ني باحضن ابوه ... حتى في ردة فعله وقت الغضب هو شبهه ... والصبح كان لابس هدوم ابوه ... افتكرته صحي من ثاني
لم أتمالك نفسي من الارتباك والبكاء أنا كذلك ... كنت قررت الاستسلام لقرار أمي ... تلك الكلمات كانت إشارة ثانية ... تعليمات امي واضحة وإشارات أبي مبهمة ... غامضة لكنها مثيرة ... حيرة ما بعدها حيرة

عاهدت نفسي اني إذا لم أجد في اللاب توب شيئا أو انه لم يعمل ... سأعود لامي واقبّل رجليها معتذرا ... لو أن الأمر غير ذلك فليكن ما يكون ...










الجزء الثاني

كسجين بين خيارين ... تركت أمي بين يدي خالتي رغم خوفي على صحتها ... تأبطّت اللابتوب وتوجهت نحو متجر رحيم ... استقبلني ببشاشة تشرق في عينيه تحت صلعته اللامعة ... قال أني نزلت له رحمة من السماء ...

المحل مكتظ بالزبائن وهو مشغول في إعداد بعض التطبيقات ... رغم استعجالي لكني قبلت طلبه الملحّ في مساعدته على تلبية طلبات الزبائن حتى يتفرّغ هو لشغله...

كالجالس فوق الجمر... امرر طلب هذا بتسجيل عربته للفحص الفني والآخر يستخرج ورقات مطبوعة ... تفكيري كله فيما حصل وماذا سيحصل ... قلبي يخزني حزنا على أمي ... وكأن الناس تتآمر عليا ... كل ما تخلّصت من أحدهم لحق به الآخر ... ساعات طويلة ضاعت هدرا ... ومرت عليا دهرا ...

ضاق صدري وأنا أنتظر أن يرحمني رحيم ويتفرّغ لي ... بدأت الشمس تسير للزوال ... وخفّت الحركة في المحل معها ...أخيرا ... نظرة فاحصة من رحيم للتحفة الأثرية التي وضعتها بين يديه ... تقطّب حاجباه وهو يصارع زر تشغيل اللاب توب الذي أبى واستعصم ...

مع كل حركة منه يخفق قلبي لبرهة ويتوقّف للحظات ... ترجيت السماء أن تنطق تلك الآلة ... أنا على عهدي ... لكني أترجى فقط فرصة اكتشاف ما فيه ... ليس بعد كل ما حصل مني ستنقطع عني الإشارات ...

قطرات العرق على جبين رحيم وهو الخبير في مجاله تنبئني أن الأمر لن ينجح ... لدقائق خلتها قرونا والصمت يخيم على المكان إلا من صدى نقر أصابعه على الأزرار ... وأخيرا نطق .. نطق كالغريق ... شهق وصمت ثانية ...

أخبرني رحيم أن الأمر يتطلّب وقتا طويلا وهو مشغول ... ترجيته بكل مالي عنده من عواطف أن ينجدني ...يجب أن يعمل هذا الجهاز الآن ... أو في اقرب وقت ...

لم اسمع إجابته بالرفض والقبول حتى قاطعتنا رائحة عطر أنثوي طاغي ... سبقت فتح الباب ... صوت ملائكي يلقي علينا السلام ... خجلي جعل عينيا ترتشقان كسهم على حذاء جلدي يلمع سواده تحت جلد رجلين بيضاوين ... بريق بياضهما أعشى عينيا ونعومة جلدها جعل نظري ينزلق كل ما حاول الصعود للأعلى... لم تستقر نظراتي على ركبتين متناسقتين تحت قماش اسود وصلت إليهما بعد جهد حتى أيقضني صوت رحيم مرحبا ...

صوت قبلتين طبعتهما على وجنيه الناديتين دوى في أذني ... أهملني رحيم وأهمل جهازي وتناسى وجودي ... إن لم يهملني من أجلها فمن أجل من سيفعل ... فلأذهب أنا وجهازي وحزني للجحيم ...

لم ارفع عيني لاكتشف صاحبة الطلّة الطاغية ... كنت أتسلى بتحريك أصابع قدمي على الأرض ... لإخفاء خجلي وغيضي .... ما فهمته أنها افتتحت مشروعا جديدا ورحيم يبارك لها ... حفاوة الترحاب بينهما توحي أنهما معرفة قديمة ... تريد من رحيم أن يصنع لها تطبيقا يردّ على اتصالات الزبائن تلقائيا ... قالت أنها لم تستعن بعد بأحد لمساعدتها ...

نظر رحيم في عيني مستسلما ... ما باليد حيلة يجب تلبية طلبها قبلي ... ربما هي استشعرت حزني وغضبي من وجودها الذي عطّلني ... حاولت أن تنسحب في خجل على أن تعود ثانية ... لكني بصوت خافت تنازلت عن حقي ... وأعطيتها الأولوية ... دهشة علت ملامح رحيم الذي استغرب تراجعي بعد طول إلحاح واستغرب أني نطقت أصلا رغم خجلي ...

ابتسامة منها عرفان لشهامتي أنستني الجهاز والإشارات والقرارات وأمي معهم ... كحل وسط اقترح رحيم أن يضع لها مخطط التطبيق وكل الأمور التقنية ثم اتمم أنا الباقي في رقن الرسائل المراد كتابتها مع إشادة بسرعتي وحذقي لتلك المهمة ...

تلك الكلمات أشعرتني بالفخر والأهمية ... علامات الرضا على وجوه الجميع ... ملامح تردد باهت رسم على ملامح الزائرة ... جلس رحيم وراء جهازه منهمكا في عمله ... وجلست بجانبه أتابع باهتمام حركاته ... أما السيدة فجلست قبالتنا على كرسي ... لا ادري كم استغرق من الوقت لكني بدأت اشعر بالضجر وضلوعي بدأت تخزني ...

حركة لا إرادية مني بتحريك ذراعي للخلف ارتفع معها نظري... خرجت مقلتاي من محجريهما ... السيدة كانت تداعب هاتفها دون اهتمام بنا ... وضعية جلوسها أجبرت قماش تنورتها القصيرة أصلا على الانحسار للخلف ... نصف فخذيها المكتنزين عاريان متلاصقان يشدهما القماش غصبا بعضا ببعض ... لا اعلم من زاد في تلق من ... سواد القماش أم بياض الجلد ...

أشحت بنظري وتظاهرت بالتركيز في حركات رحيم ... كنار تسحب فراشة ... نظري يهزمني ويصرع خجلي وارتباكي ويعود ليغوص في ذاك اللحم الطري ... فجأة ... حركة لا إرادية منها ... تضع رجلا على رجل ... مثلث ظل صنعه قماش تنورتها الأسود على فخذيها سحبني للهاوية ...

دغدغة خفيفة أصابت أسفل بطني صاحبها جفاف في حلقي وتعرّق كاد أن يفضحني ... صوت تنهيدة من رحيم حركة من يده يغيّر وضعية الشاشة تجاهها ... حركته دفعتها للنهوض والتقدّم نحونا ... اقسم أني كنت اسمع صوت موسيقى فيلم الفك المفترس مع كل نقرة من كعب حذائها العالي ...

تظاهرت بالتركيز في الشاشة علي اخرج من مأزقي ... كانت تضع يديها على الطاولة وترشد رحيم لبعض التصليحات ... خاتم زواج يزين إصبعها ... معصمها رقيق وأصابعها نحيفة و طويلة ... رفعت عيني بحذر ناحية وجهها لكني لم أصله ... مفرق صدرها المتدلي من فتح قميصها الأبيض سحبني للهوة ...

انتفاخ وقرص يمسك ما بين فخذي ... رغبة في التبوّل تحرق مثانتي ... هروب سلسل بانسحاب حذر ناحية الباب راجيا أن لا يكشفني انتفاخ بنطلوني ... قطعت الشارع قاصدا المقهى المقابل للتخلّص من حالتي الغريبة ...

عند عودتي وجدت الأماكن تغيّرت ... رحيم يجلس في ركن يسميه المتخبر ... منهمكا في فك براغي جهاز اللاب توب ... والسيدة تجلس في مكاني وكرسي رحيم الدوار فارغ ...

أمر سريع منه بالالتحاق بمكاني " يلى بسرعة مش عاوزين نعطّل الهانم اكثر من كده " ... مررت على حذر من ورائها متحاشيا أن المس ظهرها بأسفل بطني ... رغما عني سقط نظري بين مفرق صدرها لترتفع خيمة بنطلوني في ثانية مرة أخرى ...

جلوسي بجانبها كان أشبه بعملية تعزييب لذيذ ... غرست عيني في الشاشة ألا تهزمني نظراتي وتهرب مني نحو ركبتيها ... رائحة عطرها الأخاذ تدغدغ شعيرات انفي ... مع كل حركة من يديها تشير إلى مكان حرف أخطأت في رسمه على الشاشة ... يلامس نهدها الأيمن مرفقي الأيسر فيزيد صراع قضيبي مع قماش البنطلون ...

لاحظت ارتباكي ... مع عدم انتظام أنفاسي ورعشة أصابعي على لوحة الأرقام ... وتعرقي الغير مبرر ... فرحمتني من عذاب نهدها لي واستبدلته بعذاب أصابعها ... بحركة عفوية أو مفتعلة كانت تقرص على أعلى فخذي بكل أصابعها قصد تنبيهي كلما أخطأت ... وكم كثرت أخطائي ...

حالتي لم تجعلني استوعب الموضوع ... هي صاحبة محل تجميل أو مساج وسونا وبخار ... هي ردود الكترونية عن المواعيد ... العروض ... العنوان ...

تمنيت أن ينتهي تعذيبي وفي نفس الوقت أن يمتد للآبد ... قبل أن انتهي طلبت مني أن اترك خانة الخدمات الأخرى فارغة ... قالت أنها ستتولى تعميرها بعد مدّة ... لم أركز مع ذلك ... كنت مسحوب الإرادة ... خجلا ومستثارا في نفس الوقت ...

صوت حركة كرسي رحيم من خلف مختبره تأمرني أن أفسح له المجال للتثبت في عملي وتسجيله ... وقوفي المرتبك تزامن مع التفاتة منها نحوي ... انفها الدقيق لا تفصله إلا مليمترات قليلة عن الخيمة التي صنعها تعذيبها لي ...

لم افهم سبب اتساع حدقتيها ونصف ابتسامتها ... اختفيت وراء مختبر رحيم أخفي فضيحتي ... كلمات شكر منها لامتناع رحيم عن عدم قبول أي مبلغ منها نظير خدماته ... صوت قبلتين طبعتهما على وجنتيه أصابا حلقي بالجفاف ... لم ارفع عيني نحوهما ... اقتراب وقع قدميها نحوي جعلني ارفع عيني من اللاشيء الذي كنت انظر إليه

يدها الطرية الأنيقة تمتدّ نحوي شاكرة جهدي ... لا اعلم من أين أتتني تلك اللباقة بان أقف لتحيتها قبل المصافحة .. ما إن تلامست أصابعنا حتى سحبتني برفق وطبعت قبلة رقيقة بين انفي وعيني وشفتي ... أصبت بالعمى والزكام وفقدان التذوق بعدها ...

تلبّك في أمعائي وجفاف في حلقي وحرقة أسفل بطني ... لم اشعر بها وهي تسلمني كارت عليه عنوان المحل وأرقامه ... لم أرها وهي تخرج ... فقدت الإحساس بكل شيء ... نقرتان قويتان على صدري من أصابع رحيم أعادتني للحياة أو للموت ... لا أدري ...

بضع دقائق أخرى وصلني صوت رحيم يعلمني أن الجهاز يلزمه قطع غيار قد تكون فقدت من الأسواق حاليا ... عالج بداية دمعتي بإخباري انه يتعيّن عليا تعويضه مبكرا في المحل حتى يتسنى له البحث الدقيق عنها عند بعض التجار وافقت دون تردد .

طوال الطريق وأنا امسك الكارت بين يدي ... أقربه من شفتي ... أشم عطرها فيه ... ثملا بما فعلته تلك اللمسات الخفيفة بوجداني ...

امرأة في مثل سن أمي ... جسدها تفور منه الحياة ... ينبض بالروح والروائح ... مع اقترابي من بيتنا ... طارت عن عقلي سكرته وتكسّرت الموجات الوردية على أزيز الباب الحديدي الصدئ ...

أخفيت الكارت في جيبي الخلفي ... ودخلت البيت مستذكرا كل أدعية السلامة ... لست في حال تسمح لي أن أخوض أي نقاش حتى ولو بسيط ...

أمي التي خاصمتني وضعت طبق أكلي البارد على الطاولة ولم تنتظرني للعشاء وأغلقت باب غرفتها ... فليكن ... عزة نفس مصطنعة منعتني من الأكل ... دخلت غرفتي وتهت في أحلام يقظة أو نوم ...

صوت رنين الهاتف وصوت أمي يليه من وراء الباب بنبرة سجّان غاضب ...

" اصحى رحيم مستنيك في المحل " ...

رحيم هو الشخص الوحيد الذي لا تخشى أمي صحبتي له ... رجل متزوج وسمعته الجيدة تسبقه ... خدوم ويساعد الكل ... بشوش ... أمي تثق به ...

بخطوات أسابق بها الريح مرتديا حذاء والدي المريح ... وجدت رحيم ممتعضا من تأخري عليه ... أوصاني بالقيام ببعض الأعمال البسيطة مع العناية بالمحل ... في الصباح يقتصر الوافدون على بعض الأطفال من أبناء الطبقة الكادحة ... لا يمتلكون رفاهية امتلاك العاب الكترونية أو هواتف ذكية فيلجئون لرحيم ... مقابل قطع نقدية بسيطة يمكنهم من حواسيب يلعبون بها لتوقيت محدد ... كثيرا ما يتجاوزون الوقت المخصص لهم لكنه لا ينهر أحدا ...

كثر صخبهم لكني لم اسمع شيئا ... كنت لازلت أشم ريح عطر تلك السيدة في المكان ... اللون الوردي يغطي أحلام يقظتي المبهمة ... شعور بالتنميل في مسام جلدي لا اعلم سببه لكنها دغدغة ممتعة ...

رحت اسلي نفسي بتقليد حركات رحيم في صنع تلك التطبيقات ... الموضوع ليس معقّدا ... فقط بريد الكتروني وتدفع مبلغا بسيطا لحجز الخدمة ثم لك حرية المحتوى .... أحيانا يسحبني شاب صغير يدفع ثمن استغلاله لأحد الحواسيب ... ثم أعود ... تمرّنت على الأمر كثيرا ... مع تكرار الموضوع أصبح سهلا جدا .. كنت أريد التعويض لرحيم ...

أمر مثير للدهشة ... بعض الشباب والكهول يدخلون فقط للسؤال عن رحيم ...رغم إلحاحي أن ألبي طلباتهم لكنهم يقولون إنهم سيعودن إليه شخصيا ...

قبل منتصف النهار ... دخل رحيم متعرقا ... شتمني ألف مرّة كوني سببت له كل هذا التعب ... أحسست بالذنب نحوه ... لكن قلبي بدأ يخفق بشدّة ... سمعت صوت جهاز والدي ينطق مدويا معلنا للعلن أني ما زلت حيّا ...

مسرعا نحو ركن المختبر ... ألقيت نظرة على شاشته وهي تعود للحياة ... حركات بسيطة من رحيم للتأكد من سلامة عمله ثم انسحب تاركا لي المجال لاحتضان آخر ذكريات والدي ...

إتفظّل ياعم قرفتنا معاك وعرقنا بسببك
(كنت اهم أن أنهال عليه شكرا لكنه سبقني في الكلام)
قلي ؟؟؟ ... مزعّل الست الوالدة ليه ؟؟؟
(أحسست بالإمتعاض ان اسرار بيتنا تخرج للعلن) ...
شوف يا وائل أنا زي أخوك الكبير ... وأمك دي تعتبر أختي ... والمرحوم أبوك جمايله مغرقاني ... فارجوك أنا مش غريب
(مصدوما من إكتشاف علاقة رحيم بابي) طالما قالتلك اني مزعلها أكيد قالتلك عالسبب ؟؟
أيوة قالتلي وبصراحة مش مستوعب ردة فعلك ؟؟
يا سلام ليه بقى ؟؟
أنا شايف اني دي فرصة مش هتكرر ... يا ابني هو حد لاقي ... قيمة وسيمة وسلطة ونفوذ وبدلة ميري .. وممكن تمسك منصب يخلي الكل يترجى رضاك
وكلية من غير مصاريف وهأخذ منحة والنقل ببلاش وووو ... بس انا مش شايف نفسي فيها
يا سلام ... أقرع ونزهي ...
يا عم انت إلي اقرع مش أنا
(صوته يسعل بعد نوبة ضحك تعقيبا على سخريتي) ... آخر خدمة الغز علقة ... كده برضو
(كنت أريد أن اعتذر منه على قلة ادبي لكنه أردف)
طيب أنت عاوز إيه ؟؟ فهمني ممكن نلاقي حل
أنا عاوز أدخل الجامعة ... باحب الحسابات ... عاوز أطلع زي ابويا
والمصاريف واللبس والاكل والسكن
هأدخل الجامعة الي هنا ... الاكل وهآكل في بيتنا ... ومصاريف الكتب هاشوف شغلانة في الصيف توفرلي
(صمت طويل اطبق على جبينه المقطب) ... طيب اسمع كلامي ... إنت تروح تقدّم وتعمل كل الي امك عاوزاها ... إحضر اللجنة ... وإعمل اللازم وما تزعّلش مامتك ... وكده كده مش هتخسر حاجة ... ومن هنا لآخر الصيف لو دبّرت مصاريفك اعمل الي في دماغك ولوما قدرتش اقلها تكون ضمنت حاجة في ايدك
اعتقد أن رحيم على حق ... لن يجبرني احد على الالتحاق بالاكادمية بالغصب ... ودعته بعد أن شكرته واعتذرت منه على تعبه ... تأبطّت الحاسوب وهرولت لبيتنا ... أخفيت الجهاز في الحديقة أن تراه أمي ...

سقوطها المفاجئ صباحا لازال يخز ضميري ... أمي هي كل حياتي ... لا أعرف لي ملجأ غيرها ... دخلت البيت مكسور النظر كعادتي ...

أشاحت بوجهها عني عند دخولي ... توجهت نحوها وقبّلت يديها معتذرا ... حضنها لي أعاد لها الحياة .. أمي لن تستوعب كوني سأخرج من تحت جناحها يوما ... دموعها عمدّت راسي وهي تحضنني إلي صدرها ... صدر أمي اشد صلابة من نهدي تلك السيدة ... ماذا أقول ؟؟؟ ...

عشاء هادئ على شرف نصر أمي المؤقّت ... أنهكني الجوع والصراع النفسي ... وجه أمي عاد للحياة ... غطست في الحمام استرجع أفكاري ... ذكريات بعد ظهر أمس تطاردني ... رائحة العطر تستفز قضيبي ...

كشجرة نخل مقلوبة وسط الماء ... رحت أراقبه وأتخيّل تلك السيدة تستحم معي ... إنتفخت دائرة رأسه ... أردت مداعبته لكن قبل أن تلمسه راحتي ... يأتيني صوت أمي مستعجلا خروجي للسلام على خالتي والاعتذار منها ...

زيارة غير متوقعة في هذا الوقت ... ملابسي في الخارج ولا شيء يسترني سوى تلك المنشفة البالية ... لففت وسطي بها تاركا للوقت مهمة تخفيف انتصابي ومدرات فضيحتي ... وكأن خالتي تستعجل نصيبها من كلمات الاعتذار والعرفان وجدتها أمام الباب ...

إنحنيت لتقبيل يدها طالبا الصفح عن كل ما تسببت به كما فعلت مع أمي ... سحبتني لحضنها ... وجهي المبلل غارق في مفرق صدرها ... صدر خالتي طري كصدر السيدة ... طال عناقها لي ومداعبتها لشعري المبلل مع سيل من النصائح واللوم والعتاب ...

مع لحظة إطلاق سراح راسي ... إتسعت عيناها تعجّبا من مشهد الوتد الذي يشدّ الخيمة المحيطة بوسطي ... حركة شفتيها مزيج بين الدهشة والذهول ... هربت للأعلى مختفيا في غرفتي ...

حاولت طرد كل تلك الأفكار المجنونة من عقلي ... أمي وخالتي يتسامران في الصالون ... يصلني صوت ضحكهما دون أن أفهم محتوى الحوار ...

فتحت جهاز اللاب توب ... لا شيء فيه سوى ملفات حسابات وأرقام ... حسابات شركات كانت زبائن لأبي ... لم افهم شيئا ... بحثت عن ملفات سرية ... لا يوجد ما يشفي غليلي

أعد متابعة الملفات ملفا بملف ... ملفات على تطبيق الاكسيل كلها بأسماء شركات ... ملف اسمه اللعبة ... كنت أعتقد أنه اسم شركة لعب ... فتحته ... لم يكن كسابقيه ... جداول كثيرة عليها رموز ... 1/X/2 تكرر كثيرا في 13 عمود… إحتملات وتتكرر ... لم افهم شيئا ...

ذهبت للغرفة الأخرى صوت أمي وخالتي مزهوتان بنصرهما يصلني بوضوح ... طال سهرهما ... فتحت صندوق الأوراق ... قرأتها ألف مرّة ... زاد الغموض أكثر ... مقتطعات كثيرة عليها نفس الرموز ... تحمل اسم شركة الرهان الرياضي ... لم اسمع بها من قبل ...

بعض صور لشيكات باسم أبي عليها مبالغ مالية صادرة عن نفس الشركة ... الآن توضّح الأمر قليلا ... رجعت لغرفتي وبدأت بالتركيز ...

أبي استعمل ذكائه وخبرته في الرياضيات ... توقعات وحسابات دقيقة لاحتمالات ثلاث ... إما الفريق الأول ينتصر او الثاني او يتعادلان ... فكرة عبقرية ... لكن لماذا مات وتركنا مفلسين ... أين ذهبت مرابيحه ؟؟؟

قبل أن أصل لاجابة وصلني صوت إغلاق الباب الحديدي ... خالتي عادت لبيتها ... أخفيت كل شيء وتظاهرت بالنوم ... دقائق وغمزني انعكاس نور الممر على الحائط ... أمي فتحت الباب ... تقدمت نحوي خطوتين ربما تريد تقبيلي لكنها انسحبت ...

لم يغمض لي جفن وإنا احترق على نار تلك الفكرة ... أبي استعمل ذكائه لكن الأمر مستحيل ... 13 مقابلة ب 3 احتمالات ... 3 * 3 * 3 ... سيصل الامر الي أكثر من نصف مليون إحتمال ...

أحرقتني عينيا وأنا أتابع كل تلك الجداول المرسومة بدقة في الملف ... فهمت نظريته وكيف حاول تطويع الحظ بالمنطق ... لكن يا أبي الحظ والمنطق لا يتقابلان ... المنطق يسير بخطى علمية دقيقة والحظ أعمى في مسيرته ...

خنقني الحزن وأنا أتخيّل تحطم أمال كل مرة ... اللعنة على الحظ الذي حرمني من أبي ... الآن فهمت سبب نوبته القلبية المفاجأة ... حضنت صورته أواسيه نحسه الذي أورثني إياه ...

لا اعلم أنمت أم أغمي عليا كمدا ... نقر خفيف على الباب ... صوت أمي يصلني من خلف الباب ... صحوت من النوم ولم أصحو من الصدمة والغم ... رائحة فطائر شهية تدغدغ أنفي وأنا على مشارف المطبخ ....

غسلت وجهي ألف مرة علي أتخلص من أثر السهاد ... وقفت طويلا أمام المرآة ... أرى انعكاس صورتي في انكسار وجه أبي ... ضممت أصابعي وشددت قبضتي وأردت أن ألكم الحظ الذي حرمني منه وحرمه حلما مجنونا ...

أمي مستبشرة بخير هذا اليوم ... تلبس ملابس الخروج ... بنطلون جينز ازرق فاتح ... وقميص ابيض خفيف يتناسب مع حر بداية الصيف ... إفطار شهي وكرم مبالغ فيه نظير طاعتي لها ... قسمت مهمة إعداد ملف الترشح للالتحاق بأحد الاكادميات بيننا ...

أنا سأستخرج كل بيانات دراستي ونتائجي وهي ستقوم بالإمضاءات القانونية ... أنا في نظر القانون لا أزال قاصرا ... هي قوانين دولة لا تفهم منها شيئا ... في سن الثامنة عشر تستطيع اجتياز امتحان القيادة ... تفتح حسابا بنكيا ... تتزوج و تسافر للخارج دون إذن ... يمكنك البيع والشراء وتسجيل الممتلكات باسمك والتصرّف فيها ... تدفع الضرائب ... حتى السجن تدخله في سن الثامنة عشر ... الأدهى انك تدلي بصوتك في الانتخابات وتقرر مصير شعب وأنت في سن الثامنة عشر ...

لكن سن الرشد القانوني هو عشرون سنة ... التجنيد عشرون سنة والالتحاق بالوظيفة العمومية عشرون سنة ... وان سنحت لك الفرصة لذلك قبل بلوغها يتوجب عليك الحصول على إذن من ولي أمرك ... لا تستغرب صديقي فهي تونس ...

حمير تقود بلدا تصل جذورها في التاريخ إلي ما قبل نشأته ... لا تهتم فكلنا في الهم عرب

قبل خروجي من البيت ... حضنتني أمي ... سحبتني لصدرها طويلا ... ربما تسترجعني بعد أن ظنّت أني تهت منها ... رائحة عطرها الخفيف تملا انفي الذي عصر في صدرها ... بعد إطلاق سراحي لم تنظر في وجهي لم ترفع عينها من الأرض ... الأمر غير معتاد بالنسبة لي ...

رحلة شاقة زادتها أشعة الشمس الحامية مشقّة ... قمت بكل تلك الإجراءات الرتيبة دون رغبة ... فقط أردت الحصول على سلام مؤقت مع أمي ... كعادتي اختبأت في غرفتي ... يبدو إن الأمر قد حسم ... سأسير في درب رسمت خطاه لغيري ... وبيد غيري ...

طال تفكيري في لا شيء ... فقط تهت في تلك الفكرة المجنونة التي وصل إليها أبي ... آخر ما وصلت إليه هو إني فهمت المنهجية التي فكّر بها ... والتي سار عليها ... لكنه فشل ... هو الحظ ... كفرس جامح لا لجام له ...

أغمضت عيني لكن تلك الرموز في ملف " اللعبة " تتراقص في مخيلتي ... هززت راسي ألف مرة لكنها استعصمت أن تسكن ظلمة نظري ... رفضت بخجل مرافقة أمي لبيت خالتي ... رغم شوقي لوليمة تشبع جوعي ... لكن نفسي صارت تقرف لقمة الذل ...

لجأت لمحل رحيم ... مجرّد تذكّر اسم رحيم صار يبعث انتصابا وليدا بين فخذي ... ذكريات تلك السيدة طاغية الأنوثة ... الأمر مثير للسخرية ... لكني تلك اللحظات الوردية أسرت روحي ... المحل شبه خاوي إلا من بعض الشباب ... هذا يتحدّث مع فتاة أجنبية ... والآخر يلعب ... لا عمل لي أضيع فيه بعض الدقائق الثقيلة ...

رحت أنظّف الأرضية من أثار بعض الأقدام ... لفت انتباهي عملية يقوم بها رحيم ... هذا يدفع له أموالا والآخر يأخذ منه بعضها ... كنت اعتقد انها معاملات مالية تخصّ بعض الخدمات عن بعد ... مع تقدّم ساعات النهار... تكاثر طالبو تلك الخدمة ...

رغم أن الأمر استفز فضولي لكني لم أتجرأ على سؤال رحيم ... ربما سيتحرّج من أن يجيبني ... لكن المبالغ المتداولة أكبر أن تكون معلوم خدمة الكترونية كالمعتاد ...

مرّت الأيام الأخيرة من الشهر السادس بسلام ... أمي التي عادت إليها روحها باستسلامي الشبه مموه لقرارها ... طوال اليوم في متجر رحيم أساعده في ما أقدر عليه ... شخصيا بدأت احشر نفسي في فكرة الانضمام للاكادمية ... صدقت أمي فمن هو مثلي لا يملك رفاهية الإختيار ...

بدأت الفكرة تتخمر ببطئ في عقلي ... التضحية بخمس سنوات ثم سيتغيّر الوضع ... راتب محترم ووظيفة مرموقة ... الأهم أني سألبس حذاءا جديدا يناسب مقاسي ... حتى وإن كان البوط العسكري الثقيل ...

آخر يوم في الشهر ... هو يوم حافل بالنسبة لمحل رحيم ... تجديد اشتراكات النت ... فواتير الكترونية ... خدمات لا تحصى ... كنت أجلس بجانبه في مكتبه بالمحل ... من كثرة الزبائن صار يستعملني كعداد للاوراق النقدية التي يخفيها في خزنة صغيرة تحت مكتبه ...

تصادف دخول شاب في مثل سنه للمحل وعلى وجهه علامات السرور... طلب من رحيم سحب مبلغ 5 ألاف دينار من حسابه ... كلمات مبهمة من رحيم يبارك له انجازه ... " أخيرا أمسكتها " ...

مكّنت الرجل من المبلغ ... سعادته وهو يفك مطاط الرزمة من الأوراق النقدية وصل أثرها لروحي ... سحب ورقتين من فئة خمسين دينارا ووضعهما في يد رحيم ... قال إن " طباخ السم يذوقه " ... ثم وضع ورقة نقدية في يدي ... قال بسعادة وشموخ ... " حلال عليك ... ادعيلي الحظ يبتسم ثاني " ...

رعشة أصابت مفاصلي من اثر الصدمة ... أول مرة في التاريخ تكتشف أناملي ملمس تلك الخضراء الساحرة ... بعد إنصرافه لم أتمالك نفسي من التساؤل ...

الأمر غير مبرر ... لا أحد يلقي بالأموال هكذا ببساطة ... أخبرني رحيم أن هذا الشاب عانده الحظ كثيرا واليوم ابتسم له وربح ذلك المبلغ وتلك الأوراق هي حلاوة فوزه ... ربما استبشر بوجهي فأهداني أحدها ...

" رزق وجالك "

غرابة إحساس ملمس تلك الورقة في راحتي اختلط بالكلمات المبهمة من رحيم ... حظ ومكسب وحلاوة ؟؟؟ ... ما دخل رحيم بهذا ؟؟؟ ... تصادف دخول بعض الشباب لإيداع أموال في حسابات لم افهمها ... اختلست النظر لشاشة جهاز رحيم ... ذاكرتي حفظت اسم الموقع الذي زيّن الشاشة ...

قال رحيم انه وسيط فرع رهانات ... مقابل عمولة من عمليات السحب او الإيداع ... مكسب في الحالتين ... الوسطاء كثيرون والمواقع أكثر ... هكذا قال

لا اعلم لما رسمت صورة نظرة أبي المنكسرة أمام عيني طيلة الساعات المتبقية من النهار وبقية الليل ... خضعت للتحقيق في البيت عن مصدر تلك الأموال ... أنا فقط سلمت الورقة لامي علها تستعين بها على مصاريف البيت ... ففتحت على نفسي حنفية أسئلة لا تغلق ... لم تفلت أذني من بين أصابعها حتى تأكّدت شخصيا من رحيم من صدق كلامي ... ورغم ذلك لم تنهي تلك الحفلة من اللوم والتقريع إلا بوعدها أن لا اقبل أي أموال من أي شخص غير رحيم ... ولقاء خدمتي له لا غير ...

كنت امني النفس بابتسامة رقيقة منها جزاء لي ... لأوّل مرة في سنوات عمري أقدم لامي مبلغا اعتبرته مهما جدا ... فقط أردت أن ارسم بسمة على شفتيها فرسمت بقعة حمراء على أعلى أذني ....

اليوم الموالي صادف الفاتح من الشهر السابع ... رحيم تركني لوحدي لقضاء شؤون لا مناص منها ... جالسا وراء شاشة الكمبيوتر الكبيرة ... طال انتظاري لعودته وأصابني السأم .... أحرقني الفضول ... قبل أن أتم رقن اسم ذلك الموقع زينت صورته الشاشة ...

رسم لأوراق لعب ... بوكر ... رولات ... رهانات رياضية ... كرة قدم ... كرة سلة ... بحر واسع من الاختيارات ... صوت ضحكة رحيم المصطنعة ممزوجة بصوت آخر أرعبتني ... كمن فتح عليه الحمام وهو يقضي حاجته أقفلته برعب خشية أن تعبث يدي بشيء يسبب كارثة ...

هو نفس الرجل من يوم أمس ... مبتسما سعيدا يصعد صدره غبطة وسرورا ... انسحبت لأترك المكان لرحيم الذي فتح الشاشة ثم الخزنة وبدأ بوضع رزم النقود أمامه ... قبّلني ذلك الرجل ووضع بضع ورقات في يدي ... قال أني وجه السعد عليه ... ودعنا مسرعا ... أقسم أن خطاه لم تكن تلامس الأرض ... الآن فهمت معنى أن يطير الإنسان فرحا ...

مبلغ مائة دينار وضع في يدي ... نصفه قد تسبب في حملة على أذني يوم أمس ... رفض رحيم قبوله ... قال بتهكم ...

ياعم روح اشربلك عصير في مكان رايق ... اشتري مثلجات ... هي لازم أمك تعرف كل حاجة ...
قررت العمل بنصيحته ... أخفيت المبلغ بحذر في جيب بنطلوني الصغير ... وأخفيت الأمر عن أمي ... طوال الليل وأنا أقارن بين غبطة ذلك الرجل وتخيلاتي لكسرة روح وطموحاتي أبي قبل زمن ... لعنت الحظ ونمت ... حلمت أني عدت لبداية سنيني ... أبي يلاعبني ... يشتري لي الايسكريم ... الحلوى ... يرافقني في مدينة الألعاب ... ملابسي جديدة ... حذاء يناسب رجلي ... وضحكته لا تفارق وجهه ...

صحوت من حلمي على صوت خطوات أمي تستعد للمغادرة ... باكي العينين ضاحك الصدر ... حلم بسيط أرسل لي من لعالم الآخر كتعويض عن واقع لم أعشه ... غبطتي بحلمي دفعتني للعمل بنصيحة رحيم ... إخترت بعضا من ملابس أبي القديمة ... الأقرب من أن تناسب هذا الجو وهذا الزمن ... شكلي أنيق رغم كل شيء ... جسدي يلائمه اي شيء ... ربما لأني رأيت نفسي أشبه أبي ... تأبطت جهاز اللاب توب وخرجت

حديقة أحد المقاهي الفخمة تدعوني للدخول ... بخطى مرتبكة قادني نادل بشوش لركن جميل ... المقهى لم يزدحم بعد ... قررت أن ادلل نفسي لأول مرة ... إفطار صباحي متكامل ... حلويات فرنسية وتونسية وقهوة كبيرة وعصير وبيض مخفوق ومياه باردة وبعض السلطات ... بسيسة وزرير ... عسل وزبدة ... اللعنة على الفقر ...

تهت في فخامة ديكورات المقهى والأطقم الموضوعة أمامي تتأنق فيها تلك المأكولات ... الآن عرفت السر وراء إدمان الناس للصور مع هذه الوجبات ... هذه الوجبات جعلت للذكرى لا للأكل كل يوم

بعض الزبائن يحتلون أماكن غير بعيدة عني ... أجهزت على تلك الوليمة وكنت أهم بالانصراف ... رفعت عيني ورايتها ... نعم هي دون شك ... تلبس بنطلون جينز رمادي يبرز تكوّر مؤخرتها ... لإن حرمني من بياض رجليها لكن فتحت التيشرت الأسود أهدت للناظرين متعة التجوّل في مفرق صدرها النافر...

تبعتها نظراتي حتى استقرّت في مقعد غير بعيد عني ... قررت البقاء حتى حين ... ربما فقط القي عليها السلام ... ستكفيني ابتسامة رقيقة منها ... وان أسعفني حظي ستلامس أصابعي اناملها الرقيقة ثانية ...

نظرة جانبية خلسة لعينيها اللامعتين ... وجه ابيض ناصع كصبيحة يوم مبارك ... شعر اسود قاني تتوه في أمواج ليله بأحلام وردية كوجنتيها ... حرّكت قطع السكر في فنجان قهوتها بحركة خفيفة تطارد معها خيط بخار متصاعد منه ...

قبّلت مبسم سيجارتها قبل أن تلهب صدري بنفس دخان أحرق كل جدران الشوق إليها ... كنت لا زلت اعبث ببقايا الأطباق حين تقدّم مني النادل يسحبها من أمامي متسائلا إن كان لي طلب آخر ... قررت شرب قهوة سوداء لأول مرة ... ربما ستلاحظ أني كبير بما يكفي لشرب القهوة مثلها ...

كجهاز ردار أراقب حركتها علّها تلتفت نحوي ... كنت أتمرن على الابتسامة خوفا أن يهزمني خجلي ... ما إن وضع النادل فنجان القهوة أمامي ... حتى تقدّم منها رجل أنيق ... قبل أن يلامس أصابعها قامت وعانقته عناقا حارا ... أنا فقط أردت ابتسامة فجاء هذا الشيء وخطف حضنا لم أحلم حتى به ...

انكسر قلبي وعدت لواقعي ... هي لا تعرفني أصلا ... ربما نسيت من أكون ... أين سرحت بيا مشاعري ؟؟؟ ... الفرق شاسع بين الكل ... رحت أقارن بيني وبين رفيقها ... شعره الرمادي الناعم ... ملابسه الشبابية الفاخرة لا تتعارض مع تناسق جسمه ... أين أنا منه ؟؟؟ ... ربما سأصبح مثله عندما أصبح في مثل سنه ...

إن كان سبب بقائي هو انتظارها أن تراني فالآن تغيّر الحال ... يجب أن لا تراني ... سحبت جهاز اللاب توب عله يشكّل ساترا لي ... تقدّم مني النادل ووضع ورقة عليها كود الوايفاي ... فرصة لتخفيف ثقل دقائق الانتظار ... دخلت النت ... أنا لست مغرما به ... لا تستهويني مواقعه ...

بعض صور الطبيعة ثم سئمت بسرعة ... تذكّرت موقع رحيم ... دخلت دون خشية ... بدأت أتابع باهتمام مكوناته ... الفرضيات المطروحة ... كيف تسجّل وكيف تلعب ... كيف تربح وكيف تخسر ... الموضوع كغيره فقط توقّع النتيجة ... هذا العالم الذي هزم أبي يوما ...

فتحت الملف الذي ورثته عن أبي ... اللعبة ... تابعت خطوات والدي بعين مختلفة ... عين من فهم العملية ... خرجت باستنتاج ... أبي لم يسعفه العمر أن تخترع هذه المواقع في سنين حياته ... قديما كانت المراهنة على مقابلات محددة ... توقعاتها بسيطة .. ما النتيجة ... ربح ام هزيمة او تعادل ...

هنا الامر مختلف ... انت تختار المتنافسين ... الف اختيار تراهن عليه ... أهداف .. نتيجة ... ركنيات ... ألف لعبة في كل الرياضات ... فقط الفرق هنا انك تحدد المبلغ الذي تريد أن تكسبه ...

يمكنك المراهنة على مقابلة واحدة إن أردت ... المكسب يكون حسب ضارب يحدده الموقع ... وكلما أضفت إختيارا آخر .. يتضاعف ضارب الأول في ضارب الثاني في المبلغ الذي ستراهن به ... وهكذا

سحبني هذا العالم حتى غصت فيه ... شخص مثلي لن تستعصي عليه هذه المعلومات أن يسبر أغوارها بسرعة ... قارنت بين فكرة أبي والاختيارات المطروحة أمامي ... تجارب بيضاء للعملية ... الأرقام المتوقع ربحها تزوغ معها العيون ... تنهيدة حارقة خرجت من صدري ... لو كان أبي حيا لما استطاع أحد عد أمواله الآن ....

رفعت عيني متأسفا عليه ... تلك الطاولة احتلتها عائلة كبيرة تتناول إفطارها ... السيدة ومرافقها غادرا منذ مدة تبدو طويلة ... أين كنت ... أين سحبني هذا العالم ... قبل أن استوعب ما حدث أحسست أن يدا ثقيلة تهز كتفي ... صوت أبي الذي لا أذكره يهزني بشدّة ...

" إن كان العمر لم يسعفني أنا ... فالعمر كله أمامك ... غامر لا تخشى شيئا "

هربت من المقهى ... طوال الطريق وذلك الصوت يدوي في مخيلتي ... لجأت لحضن أمي كرضيع مرتعش ... أمي لم تفهم ما أصابني ... فقط حضنتني بعنف ...

سريري تحوّل لحقل شوك ... سهاد ما بعده سهاد ... شيء خفي يدفعني للتفكير ... ليس التفكير فقط ... سرك من الخيالات ... مزيج من المشاعر بين الرغبة والإثارة والانفعال والخوف والطموح والحلم ...

كلما أغمضت عيني تتراقص تلك الاحتمالات أمامي ... متاهة لم أجد منها مخرجا ... هل اجرّب ... فقط سأضع الخريطة المؤدية لمفتاح الكنز ... فتحت جهاز اللاب توب ...

أنشأت ملفا جديدا " اللعبة 2 " ...
كمل يا برنس وما تتاخر
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
عودة حميد على فكرة أنا من متابعينك من الموقع القديم ومعجب جدا بأسلوبك فى الكتابة إلى مختلف عن اى حد وال. بيروت. الابعاد النفسية للشخصيات وفقا لترتيب الأحداث بل ان ترتيب الحكايات. دائما متوافق مع الابعاد النفسي والاجتماعية للشخصيات وسعيد برجوعك للكتابة مره اخرى وارجو الاستمرار فى ابداعاتك
 
  • عجبني
  • حبيته
التفاعلات: wael115 و saadhussam
أولا لنكن متفقين ... نحن هنا في منتدى جنسي ... وجميع المواضيع المطروحة تقع تحت حماية إدارة المنتدى ... الحرية في الميول والأفكار والشبق والخيالات الجنسية مكفولة حسب قوانين المنتدى ... أي تعليق من مدعي الأخلاق غير مقبول بالنسبة لي ... أتقبّل النقد الأدبي للقصة ... نقد العمل القصصي لا غير ...

الفكرة وليدة فكر صاحبها وهو الوحيد المسئول عنها ... القصة مبوبة تحت باب جنس المحارم ... وأنت الآن دخلت بمحض إرادتك للاطلاع على محتويات هذا الباب ... فان كانت الفكرة تزعجك وتسبب إليك أي نوع من أنواع الحساسية فلما أنت هنا ؟؟؟

ثانيا ... تواجدك في منتدى يخلع عنك بصفة آلية جلباب الأخلاق ... فلا تحدثني عنها ولا تشر إليها لأنك لا تمتلكها ...

ثالثا هي مجرّد توطئة... بعد كتابة فصلين مختصرين من المذكرات وجدت انه لزوما عليا ومن باب المصداقية قبل إنهاء الفصل الثالث دخول تجربة هنا ... ولأسباب أخرى عديدة قررت خوض غمار قصة جنسية للمرة الأخيرة ... ان كانت نتيجة المحاولة الأولى مع أولائك إصابتي بمرض فقدان التوازن فأرجو أن لا تسبب لي تجربتي معكم شللا رباعيا ...

الجزء الأوّل

اللعنة على هذا الحذاء ... كلما تقدمت به خطوة للأمام إلا وازداد الألم في رجلي ... الم رجلي يذكرني بألم نفسي ... حذاء حسام ابن خالتي القديم ... كل ملابسي وكتبي وأدباشي هي ما تخلّص منه حسام ... أو أمه إن صح التعبير ...

مذ وعيت على الدنيا وأنا البس ما ضاق عنه ... ادرس بكتبه القديمة ... حتى بطني لا تشبع إلا عند زيارتنا لبيت خالتي ... لم احتج يوما على وضعي ... في بداية سنين الطفولة لم يشكل الأمر عائقا لي ... بل بالعكس ... لكن الطبيعة لم تشأ إلا التضييق عليا في كل تفاصيل حياتي ... طبيعة لم تستوعب أن أمي براتبها البسيط لا تستطيع توفير ملابس جديدة لي ... فلماذا ينمو جسمي لأسبق في المقاسات جسم حسام ...

حذاء ضيق وبنطلون يجاهد في وسطي أن تنفلت احد أزراره ... وقميص يضيق على صدري أكثر مما يضيق صدري بهمومي ... مع ضيق الحذاء يزيد ضيق الحال من معاناتي ... ديون أمي عند صاحب الدكان القريب من بيتنا تجبرني أن اسلك مسافة كيلومترات يوميا بين المسالك الفرعية لاقتني حاجياتنا من مغازة وسط البلد ... وأعود متبعا متاهة من الأنهج الضيقة المتعرجة بخطايا العرجاء من الألم ...

الكيس البلاستيكي بدأ يجرح أصابعي ... أحد المقاعد الخشبية على ناصية الطريق ... كان ملجئي من الألم المضاعف ... وضعت الكيس بجانبي وأخفيت راسي بين راحتي علي ارتاح ولو مؤقتا من عذابي الدائم ...

وضعية جلوسي فرضت عليا النظر غصبا عني لحذائي ... ماركة عالمية معروفة ... كان غالي الثمن حال شرائه ... في بلدنا نعرف القيمة الاجتماعية للشخص من حذائه ... إشارة تقطع كل أمل لي في المستقبل ... لن أكون الا مستودع قمامة لما يتخلّص منه ابن خالتي ...

خالتي أكبر من أمي بسنوات قليلة ... متزوجة من موظف كبير في الحكومة ... مرتب مرتفع ... منصب مهيب ... سيارة إدارية ... مسكن وظيفي ومساكن أخرى فرعية للتصييف ... الموظفون السامون هم من يتخذون القرارات المصيرية للدولة ... يتحكمون بالميزانية ... بتقسيمها ... اغلبها تصرف لتوفير ظروف عيش مريحة للموظفين ورغم ذلك يرتشون ...

أمي تزوجت بعد خالتي بسنتين ... تزوجت أبي عن حب ... أبي لم يسعفه الحظ في الانتساب للوظيفة العمومية ... كان صاحب مكتب حسابات ... أنا لم اعرف أبي إلا من الصور ... توفي وأنا لازلت أتعلم المشي ... تركني أتعثّر في خطواتي ...

مقارنة بين صورة خطواتي الأولى المتعثّرة ... حذاء صغير جميل عليه رسوم ميكي ماوس و يد والدي القوية الحنونة تسندني عن بعد ... الآن وأنا تجاوزت الثامنة عشر ... خطواتي لا تزال تتعثّر في حذاء قديم يقضم أصابعي ... والسبب فقدان يديه لتسندني ...

طعم مالح انسل لشفتي من دمعة سكبتها عيني ... طالما بكيت خلسة ... لا أعلم هل ابكيه أم ابكي نفسي ... لكني اشتاق إليه ...

نسمة باردة تدغدغ ضلوعي تعلمني أني تأخّرت في العودة ... الم مضاعف مع إسراعي في المشي خوفا أن أتأخر عن أمي ... أمي التي لعبت دور الأب والأم في نفس الوقت ... صارمة وذكية ولا تفوتها النسمة المتسلّلة من تحت الباب ... تراقب كل حركاتي تخشى عليا من كل شيء ومن أي شيء ...

تقول دائما أني ثروتها التي استثمرت فيها عمرها ... هي ستبلغ الأربعين قريبا ... أرملة منذ ما يزيد عن ستة عشرة سنة ... تحمّلت الوحدة والفقر والغم لأجلي ... دين آخر يزيد في ضيق صدري ...

انا عن نفسي لم أكلفها شيئا سوى مصاريف الأكل ... نسكن في بيت تركه لنا والدي ... البس ما ترميه خالتي لي بسرور بصدق أحيانا وأتظاهر به أحيانا... اجتهدت في دراستي فلم أكلفها مليما في دروس خصوصية بل كنت اكسب مصاريفي من إعداد بحوث الدراسة لزملائي المرفهين...

نجحت في البكالوريا بتفوّق ... انتظر التوجيه ... أريد الالتحاق بإحدى كليات المحاسبات ...

كنت أحلم أن أصبح محاسبا كأبي ... أن أحقق حلمه وانجح في عمل هو يحبه ... هدف لم ينصفه عمره أن يصل إليه ... استقبلني مشهد سيارة خالتي تقف أمام بابنا ... زادت نفسي ضيقا ... دفعة أخرى من ملابس ستحشر فيها كرامتي قبل جسمي ... ومشاعر مصطنعة مني بالعرفان بالجميل ...

دفعت الباب الحديدي الصدأ بعنف ... صوت قرقعته هو حمايتنا من زائر غير متوقع ... نظرة لليمين والشمال للحديقة الصغيرة ... حركة لا إرادية أهيئ بها صدري و عضلات وجهي للابتسام لمصدر الذل في حياتي ... مع وصولي للباب الخشبي ... صمت يوحي أن قدومي قطع موضعا مهما بين الأختين ...

سلام حار مصطنع مني وبارد حقيقي من خالتي ... وضعت كيس المقتنيات في المطبخ ... وجلست بعيدا عند باب الصالون ... أثاث بيتنا لا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ... لم أكن استمع لما يدور بينهما ... لكني متأكّد أن وجودي تسبب في تغير الموضوع ... لا اعلم لماذا لكني كنت مستمتعا بتأثيري السلبي عليهما ...

طال وجودي الغير مرغوب فيه مما اضطر خالتي للانصراف ... تابعت خطواتهما وأمي توصلها للباب ... أمي أجمل منها بكثير ... فقط الملابس الفخمة هي التي تمنح خالتي تألقها .. وربما تسريحة الشعر والحذاء العالي الذي يرفع مؤخرتها ... كذلك الماكياج ....

أمي في بيجامتها المترهلة تبدو أجمل منها ... لا توجد امرأة أجمل من أمي ... حكمة لا أعلم أين سمعتها .... طالت وشوشتهما عند الباب فانسحبت لغرفتي ...

منزلنا مكون من طابقين ... على الطراز الأمريكي ... غرفة معيشة او الصالون يستقبلك عند دخول البيت بأثاثه ومكتبته, في آخره على اليمن مطبخ مفتوح بمصرف رخامي اجتهد أبي أن يتناسق مع ألوان الرخام فيه ... شبابيك بلورية كبيرة تطل منها بعض شجيرات الزينة من حديقتنا الصغيرة ... انعكاسها كلوحة زيتية تفنن رسام مجتهد أن يبرز تفاصيل الروح الساكنة فيها ... بجانب المطبخ حمام كبير يتوسطه مغطس مدور يتسع لثلاث أشخاص بالراحة ...

الطابق العلوي مكوّن من 3 غرف ... غرفت نوم أمي وغرفتي وغرفة ثالثة ... حرم موت أبي جدرانها أن يسكنها أخ أو أخت لي ... تلك الغرفة مغلقة دائما ... أمي ألقت فيها كل متعلقات أبي ... وأغلقت على ذكريات زمن جميل لم أعشه ... يفصل بين الغرف ممر واسع ينتهي ببوابة بلورية تستقبل نور الشمس من شرفة نصف مستديرة ...

طال الوداع بين أمي وخالتي مما يوحي أن أمرا مهما تطلّب نقشا مستفيضا بينهما ... لجأت للحمام أعالج ورم رجلي من اثر المشي بالحذاء الضيق ... الماء البارد يخفف توتر مسام جلد أصابعي الغضّة ... برودة الماء أشعلت رغبتي في الاستحمام ...

نصف جسدي مختفي في المغطس البارد ... برودة علها تعالج التهاب روحي وجسدي ... شعور نفسي بالضيق والاختناق ... لم أجد له مبررا ...

أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل واقعا غير هذا الواقع ... نصف الغرق ونصف الطواف ... نصف البرد ونصف الحر ... نصف الواقع ونصف الخيال ... لا اعلم أين تاه بي خيالي البسيط وكم استغرقت رحلتي في اللامكان واللازمان ... واللافكرة ...

نقر خفيف على الباب سحبني للدنيا ثانية .. صوت أمي تعلمني أن العشاء جاهز ... ملتحفا بمنشفة نصف مهترأة تخفي نصف جسدي السفلي وقطرات ندية تداعب مسام صدري ... ارتديت شورت قصيرا كان يعاني ليجف في حبل معلّق في شباك الحمام الضيق ...

لم اسرّح شعري وعري الصدر حافي القدمين ... لا تزال أصابعي تصارع للعودة لوضعها الطبيعي ... استقبلتني أمي بابتسامة ساخرة ... هي شديدة الاهتمام بصحتي ... لم تعلّق كوني لم استر صدري من نفحات نسيم بداية الصيف الباردة ... على غير عادتها ...

جلست قبالة أمي على طاولة الطعام ... بحكم الخبرة .. كلما وضعت امي صحني مقابلا لعينيها فتلك إشارة أني سأتلقى مجموعة من الأوامر ... حاولت أن انظّم أنفاسي وأخفي ارتباكي الغير مفسّر ...

بضع قضمات من أجنحة الدجاج التي تسبح وسط صحن المرق غمستها بصمت غير مفهوم ... صمت قطعه صوت امي الصارم والحنون في مزيج عجيب كالمزيج الذي أتناوله في صحني ...

  • عجبك الاكل ؟؟؟
  • حلو زي العادة ... مش عوايدك تسالي .. ما انا بآكل كل الي بتطبخيه ... في ايه ؟؟؟
  • لا أبدا اصلك لازم تاكل كويّس اليومين دول يا حضرت الضابط ؟؟؟
  • (تجمدّت يدي التي تمسك قطعة الخبز) ضابط ؟؟؟
  • ماهو هو ده الموضوع الي اتفقت عليه انا وخالتك ؟؟؟
  • إتفقتو ؟؟؟
  • ايوة ... انت جايب نتايج ممتازة في البكالوريا وزوج خالتك هيتوسطلك انك تلتحق بأكادمية عسكرية أو أكادمية الشرطة أو الحماية المدنية .. انا كلمت خالتك وهي هتكلم زوجها
  • يا سلام اتفقتو واتكلمتو وأخذتو القرار وانا آخر من يعلم
  • هو انت شايف حاجة ثانية (بلهجتها الصارمة التي اعتادت ان تقمع بها كل بوادر إحتجاجي)
  • ايوة شايف (محاولا التحكم في ارتجافي وخوفي من ردة فعلها)
  • شايف ايه ؟؟؟ (تزايدت شدة حزمها)
  • (القيت قطعة الخبز من يدي ولاوّل مرّة في تاريخي ارفع عيني مباشرة فيها متحديا) انا عاوز أطلع محاسب زي بابا ... عمري ما إتخيّلت نفسي ضابط ...
انتفاضة عنيفة من أمي التي ضربت بكلتا قبضتيها على الطاولة .... حركة طالما وأدت أي رغبة لي ... مباشرة بعدها أعلن استسلامي لرغباتها ... صمم أصاب أذني عن كلماتها المتراوحة بين الصراخ حينا والحنان حينا ... مؤيدات كثيرة حول صواب رأيها ... الكليات العسكرية ستضمن لي مستقبلا مستقرا بعيدا عن المغامرة ... مجرد الالتحاق بها مع النجاح سيضمن لك وضيفة محترمة يتمناها نصف الشعب ...

وضعية جلوسي ووقوفها توحي بتفوقها عليا ... كنت أتحاشى النظر في عينيها ... وفي نفس الوقت روحي تتوق للتحدي ... فلم تسقط نظرتي للطاولة أو الصحن بل استقرّت في مفرق صدرها الأبيض ... طالت كلمات أمي أمام صمتي ... أحست أني استسلمت وتقبّلت قرارها ...

دون شعور ولأول مرة ثانية ... أتحداها ... وقفت وضربت بكلتا قبضتي على الطاولة ... قلّدت كل حركاتها ... لأول مرة أتكلم وأنا أساميها وجها لوجه ...

  • حسام يروح أكبر الجامعات ... وأنا أروح الجيش ... لو كان الموضوع زي ما حضرتك بتقولي ... مش كان اولا بيه يضمن مستقبل ابنه ... ماهو مش معقول هيكون بيفكّر فيا اكثر من إبنه ...
  • (نظرة الانكسار والدهشة في عين أمي شجعتني على المواصلة مع تلبكها في الكلام) ... ماهو ...
  • ماهو ايه ؟؟؟ ... هو يتعلّم وينبسط و يروح الجامعة وأنا أتخنق في الجيش والحياة الرسمية ... هو أنا مفروض عليا كل حاجة ضيقة عليا ؟؟؟ ... بنطلونات اصغر مني ... جزمة بتاكل صوابعي مع كل خطوة ... عايزين تحشروني في وضيفة أضيق مني طول عمري ... ليه ؟؟؟؟ ... ايه ذنبي ؟؟؟
  • ذنبنا اننا فقراء ... ذنبك انك يتيم ... (أحسست بالغبرة تخنق امي ... كأنها تكتم بكاء دفينا) ...
  • (انا انفلتت الدموع غصبا عني لتغرورق بها حدقتي وتحجب عني وضوح الرؤيا) يعني كله من بابا إلي مات وسبني مش كده ...
  • (تقدّمت مني امي وحضنتني بعنف الي صدرها الطري) ده قدر يا ابني ... يا حبيبي انا عملت كل الي اقدر عليه ... دي فرصة انك تطلع من مستنقع الفقر ده ... كلية محترمة ووظيفة مضمونة ومستقبلها كبير ... وكمان وده الاهم مافيهاش مصاريف ... بالعكس دي بتاخذ فيها منحة ...
  • (أردت الرد لكن حضنها خنق تمردي ... احاطت براسي وسحبتني لصدرها بعنف )
  • يا ابني انا عاوز اشوفك بخير مش كفاية عمري راح هدر بمغامرات ابوك ... با ابني انا عاوزة اشوفك راجل مالي هدومك ... تتزوج وتفتح بيت وتبقى سيد الرجالة ...
أوّل مرة في حياتي استشعر نبرة الاحتجاج من امي على حياتها ... أحسست أنها ندمت على زواجها من أبي ... لأول مرة اشعر انها تخفي سرا ... انا الفخور بانتمائي لأب لم اعرفه ... رسمت له صورا متكاملة ... نحت له في خيالي تماثيل لأنصاف الآلهة الإغريق ... لم أتقبل أن تهتز تلك القداسة حتى ممن هي اشد منه قداسة ... امي ...

انفلت من بين ذراعيها ... والدموع تملأ وجهي ... الم أصابعي وضيق الحذاء وضيق الحال ... كل شيء تقبّلته إلا أن تمس صورة أبي أمامي ...

  • هو أنا قدري اني أكون كيس الزبالة بتاع حسام ... بالبس هدومه القديمة وما اعترضتش ... الجزمة الي بتخليني اعرج واتحملتها ... فضلات اكلهم ... المنة الي بيتكرمو بيها علينا ... هو انا ذنبي ايه ... مش راضيين تخلوني اعيش العيشة الي باختارها ...
  • (كلماتي هزمت مشاعر امي فانفرط الدمع سخيا على وجنتيها الحمراوين) يا ابني الي زيينا ما عندوش رفاهية الاختيار ... اسمع كلامي انا اعرف مصلحتك ...
  • (أحسست دموع امي ستهزمني في النهاية) ... عاوزاني ابقى راجل مال وهدوم بالصدقة ثاني .... كل حياتي سكند هاند ... عاوزاني اتزوج ... تصدقي احيانا باتخيّل اني هاتزوج وحدة كان بينيكها حسام ولما زهق منها رماها لي
اتساع حدقات أمي من هول الكلمة التي قلتها ... امي لم تسمع مني إي حرف خارج عن الأدب ما حييت ... أحسست أني تماديت ... كلمة انفرطت مني ... لو قيلت في غير هذا السياق لتزيّن خدي بآثار أصابعها لأيام ... مشاعر مضطربة وردة فعل غير مفهومة ... ألقيت بمزهرية كانت تزيّن ركنا في الصالون ... صوت تهشيم الزجاج أعطاني الفرصة للهرب ...

فتحت الباب ... حافي القدمين ... عاري الصدر ... اجري دون وجهة ... كنت أهز راسي لاطرد ذكريات الدقائق الأخيرة ... تهت من جديد في اللا فكرة ... فقط أجري بعيدا عن البيت

ربما إحساسي بالتخلّص من ملابس حسام ... ثورتي على أمي ... رفضي لوضع فرض عليا ولم أختره .. كل هذه الأحداث دفعت فيا شعورا بالسعادة ... هي سعادة ممزوجة بالندم ... سألقى عقابيا نضير ذلك لكن لا يهم ...

لا اعلم كم شارعا قطعت وأنا اركض حافيا شبه عاري تحت انوار الفوانيس النصف معطّلة ... فقط اركض هربا من واقع سأعود إليه حتما ...

صراخ صبيتين صادفتاني وانأ أجري ... ارتعبتا ظنا اني أحد المجانين المنتشرين يرعبون المارة في شوارعنا ... رعبهما أصابني بالخجل من نفسي ... أسرعت أكثر فأكثر ... الإسفلت المحدب بدأ يجرح رجليا ... كنت اشعر بلزوجة تحت قدمي .... لا أعلم اهو ددمم أم قيح تقرّح ... لكني لم أتوقف ...

واصلت الركض هربا من البيت في اتجاه البيت ... لقد صدقت أمي من هو مثلنا لا يمتلك رفاهية الاختيار ... مع اقترابي للبيت بدأ نبض قلبي يتزايد بفعل التعب وبفعل الرعب ... امي ستقتلني ... انا متأكّد ...

تسورت حائط الحديقة بخفة وحذر القطط ... شجرة مشمش عقيمة كانت ملجئي للاختباء ... من ردة فعل أمي ومن ردود فعل شارع لن يتفهّم ما يحدث لي ...

النور الخافت في الصالون ينسل متحديا ظلمة الليل ... من خلف بلور جاهدت امي في تنظيفه ... كنت أراقبها تجلس على الكنبة ... تضع رجليها على حافتيها وتسند رأسها بركبتيها ... تكوّر الانكسار الذي لم أعهده فيها ...

بدأ ضميري يؤنبني ... هممت أن أدخل البيت معتذرا ... لكن عما سأعتذر وأنا الضحية ... طال مكوثي في مخبئي ... انتصف الليل ... حيرة أمي لغيابي دفعها للنمطي أحيانا والتكور أحيانا أخرى .. اقسم أني سمعت نبض قلبها الحنون من هنا ...

نظرة تجاه الباب والأخرى تجاه الساعة ... ثم تعود للتكور ... كنت اسمع شهيق بكائها ... طال انتظارها وطال صبري ... لن أعود للبيت الذي لم أغادره ....

رحت أراجع حواري العنيف معها بدقّة ... هي بالتأكيد تريد مصلحتي ... الوظيفة القارة ... فرصة للنجاح في الحياة دون مصاريف ومعانات ... هي بالتأكيد معها حق ... لكني لن البس حذاءا أضيق مني طول العمر فقط لان معها حق .. أنا لي الحق في الاختيار ... ربما فرصة للتحدي فقط ...

كلمة عمرها الذي إضاعته مغامرات أبي هدرا لا تغادر تفكيري ... مالذي فعله ابي قبل موته جعلها تشعر بالندم الآن بعد صبر السنين ... لو خانها او شيء من ذاك القبيل ما صبرت كل هذه السنين وفية لعهدها معه ... امي جميلة وكان يمكن ان تتزوج غيره بسهولة ...

رفعت راسي علي أجد في انعكاس صورتها إجابة على سؤالي فلم أجدها في مجلسها ... قبل ان تبدأ حيرتي ... اهتز صدري رعبا لصوتها يقول ... " إدخل البيت ... الدنيا برد عليك " ...

لم أشأ ان يتأزّم الوضع أكثر ... إحمرار انفها ووجنتيها اللذان تحديا ظلمة الحديقة يعلماني انها ذرفت دموعا كثيرة ... لكني لن استسلم ... كنت اسبقها بخطوتين وتلحقني أصوات تخرج من انفها تودع بها حالة بكاء طويلة ...

أثار الدماء التصقت بجليز الصالون الرمادي ... حاولت ان تقترب مني تستطلع امر جروحي لكني نهرت يدها التي لامست كتفي ... تراجعت قليلا للوراء ...

قبل ان تبدأ بالكلام ... طلبت منها بنبرة جافة وخشنة مفتاح غرفة أخي الذي لم تحمل به ... قبل ان تستفسر عن السبب ... أجبتها سؤالها الذي لم يسأل

  • عاوز اقعد شوية مع بابا ... عاوز اتكلّم معاه
رغم رفضها وحرصها لسنين ان لا يدخل احد تلك الغرفة ويعبث بمحتواياتها ... تحوّلت نحو خزانة الصالون وفتحت درجا ومدّت المفتاح لي ... دون كلمة واحدة ... كنت أخطو الدرج للأعلى وتتبعني نظراتها ... ربما امنيتها ان اراجع عقلي ... وربما خوفها من صدام جديد لم تخفت حرارة رماد الذي سبقه بعد ...

رائحة العتمة تخنق أنفاسي ... الغرفة مغلقة منذ سنين ... غرفة فارغة يتجاوب صدى انفاسي المرهقة مع جدرانها ... القليل من غبار الزمن على بعض الكراتين ... فقط ثلاث صناديق ورقية كبيرة هي كل ما يوجد ... حضنتها كأني أحضن عمري الذي ضاع مع غياب صاحبها ... صوت نقر سقوط دموعي على سطح إحداها وهي تشكل دائرة تحوّل الرمادي إلي البني دفعني لفتحها ...

البوم من الصور القديمة ... مسحت الغبار عنها ... ملامحي تشبه ابي الي حد لا يصدّق ... صوره وهو في مثلي سني ... مسرورا متحديا الدنيا ... ملابسه فخمة حسب طراز زمنها ... وقفته الشامخة ... صوره في الجامعة ... في الرحلات ... في ملهى ليلي مع أترابه ...

المثير في الأمر ان ضحكته وابتسامته لا تفارقه ... اعتقد انه استهلك نصيبي ونصيبه من السعادة في تلك الصور ... انا لا اضحك ولا أتصور ...

صور له ولامي على شاطئ البحر ... بريق عيني امي وهي تنظر له تؤكد عشقها له حد الجنون ... امي جميلة في ملابس البحر ... لم تغيّر فيها السنين شيئا سوى بريق الحزن في عينيها .... وضعت صورة كبيرة مؤطرة في اطار خشبي مذّهب امامي ... وفتحت قلبي لكل ما لم اقل له بعد ... لا اعلم هل سمع مني كلمة بابا قبل رحيله ام لا ...

اقسم اني رأيت التأثّر في عينيه رفقة بحالي ... بكيته وبكيت عليه وبكيت له ... شيء ما في عينيه يدفعني أن افتح الصندوقين ... إخترت أكبرها ... ملابسه كلها هنا ... بنطلونات جينز ... قمصان ... سترات كثيرة ... حالتها تبدو جيدة رغم كل الإهمال .... بدأت انفض الغبار القليل عنها ...

تجرأت ولبستها ... كنت ارغب ان احضن ريحه فيها ... مقاسها يناسبني بعض الشيء ... حذاء رياضي يعانق أصابع رجلي برفق ... رحت أتمشى امام صورته كأني أفاخره اني كبرت وصرت في مقاسه ... لو كان حيا لضربني على قفايا بحنان ... كما يفعل كل الآباء الذين وصل أبناءهم ليضاهوهم في الطول ...

سعادة غمرتني ... روحه وريحه تعانقاني ... إن كانت الأقدار فرضت عليا ان البس القديم فلألبس ملابس ابي ... مقاس حذاء والدي هو إشارة أن شخصيته وطريقه هي التي تناسبني كما ناسبني المقاس ... انا على حق ... فرصة خالتي ضيقة على روحي كمقاس حذاء ابنها ...

جلست على الأرض احدّث ابي متسائلا ... ان كنت مغامرا كما تقول أمي ألا يخفي الصندوق الآخر سرا ... ألم تدخل في تجربة بورصة وخسرت ساعتها ...ربما تغيّر الحال الآن ... لا يمكن الا تترك لي شيئا الا هذا البيت ... حتى الذكريات لم تتركها لي ...

نبض قلبي يتزايد مع كل ورقة اسحبها من الصندوق ... لم افهم شيئا .. فواتير قديمة ... كراسات على رموز بخط اليد ... علامات قاطع ومقطوع ... ارقام واحد واثنان ... قصاصات جرائد تتحدث عن نتائج كرة القدم ساعتها ... ما السر وراء عشق ابي لكرة القدم لم افهم ذلك ...

ظرف كبير بني اللون ... عقد ملكية بيتنا ... وعقد رهنه لشركة إيجار مالي ... مبلغ كبير وضع فيه ... هل رهن ابي البيت قبل موته ... لكن البيت ملكنا الآن ... انتقلت ملكيته لي ولامي بحكم الميراث ... لم اسمع بهذا الأمر من قبل ... هل سدد أبي رهنه قبل موته ... لم أجد في الأوراق ما يثبت ذلك ... أين ذهبت أموال الرهن ومن سدده ...

نصف اجابة خامرتني عن كلام أمي ... هي جاهدت لسداد ديننا في سنواتي الأولى ... بدأ ضميري يدفعني للاعتذار منها ... جهاز لاب توب من طراز قديم هو آخر ما تبقى في الصندوق ...

صندوق صور مليء بالذكريات ... صندوق ملابس تفوح منها رائحة عز لم أعشه ... وصندوق ورق لم افهم منه شيء ... ربما اللاب توب يحتوي على سر ... لكنه لا يعمل ...

قررت ان آخذه معي لرحيم ... رحيم هو شاب في أواخر العشرينات .. يعتبر الشخص الأقرب لي في الدنيا بعد أمي ... يمتلك محل انترنت وبيع وبعض أدوات الإعلامية ... يقدّم خدمات التسجيل عن بعد ... كنت أساعده في إعداد البحوث المدرسية ... معتمدا على معلوماتي وسرعتي في رقن الحروف ....

كان يكافئني بقطع نقدية او بصندويتش اذا تأخرت عنده في المحلّ ... قررت ان أتسلل به للخارج عندما تحين لي الفرصة ... لا اعلم السبب لكن أحسست ان نظرة ابي من صورته تشجعني على ذلك ...

شعاع نور الفجر يتسلل من تحت الشباك ... ليلة طويلة جدا ... هي ليلة بعمري كله ... حضنت صورة أبي وتوسدت سترته وتغطيت برائحته ونمت ... ربما نمت في حضنه وانا رضيع ... ونمت نوم الرضيع ...

صوت طراد الماء من الحمام يعلمني ان أمي استيقظت ... لا أعلم ما افعل ... هل هي جولة ثانية من الحرب بيننا ... أم أعلن استسلامي والبس الفرصة الضيقة ما بقى من العمر ... استعملت الحبال التي كانت تلف الكراتين ... ربطت اللاب توب في احد قمصان ابي والقيته يتدلى من الشباك للحديقة ...

تسللت للحمام ... غسلت وجهي وسرّحت شعري ... انعكاس صورتي في المرآة جعلني اشعر بالفخر ... لم تخطو رجلي في الممر خطوتين ... صورة اتساع حدقتي أمي سبقت صرخة رعب دوّت في المكان تلاها صوت ارتطامها بالأرض ...

تأبطت جسدها بين يدي وأسرعت بها لغرفتها ... لا الماء ولا بقية زجاجة العطر افلحتا في إيقاضها ... لم اجد طريقا سوى الاتصال بخالتي ... مر الزمن عليا دهرا حتى وصلت ... طبيب في أواخر سنين عمره ... يخزها ابرة ... قال انها صدمة عصبية نتيجة الارهاق ...

الفترة التي تلت خروجه ... دروس متتالية من خالتي عن وجوب طاعة امي ... تذكير بتضحيتها في سبيلي ... انا لا انكر ذلك وممتن لها ... وممتن لخالتي ولحسام وللعالم كله ... فقط لا أريد أن افقد أمي كما فقدت أبي ... لم اترك سريرها دقيقة واحدة ... لم افلت يدها الباردة من يدي ...

سأفعل اي شيء ... فقط عودي للحياة ... شكرت السماء أنها حرّكت راسها ... استيقظت مرعوبة ... أول شيء فعلته طردتنني من الغرفة ... لم احزن لفعلها ولم اغضب انا سببت لها الإرهاق ...

احتجزت نفسي في غرفتي ... كنت اسمع صوت خالتي تسند امي للحمام ... صوت الماء يختلط بصوتها تساعد أختها ... وخزني ضميري على مشاعر كرهي لخالتي ... هي لم تفعل شيئا سوا مساعدتنا طول حياتها ... انا الشيطان المتمرد فقط

ابتعد صوتهما وهما ينزلان الدرج بعد أن غيّرت ثيابها ... فجأة تذكّرت جهاز اللاب توب ... لا يجب لامي ان تراه ... ذنب آخر سيسجل في صحيفة أخطائي ... حاولت سحبه من أعلى لكنه علق بحافة الحائط ... تسللت لباب البيت ... الحبل يتدلى بجانب شباك المطبخ ... اقتربت لافكه

صوت خالتي يصلني بوضوح مستفسرة عما حصل ... صورتها وهي تقدّم قهوة وبعض الطعام لامي ... لم الحق بالحوار من أوله لكن أمي تبدو مرتبكة مذعورة ...

  • هو شبه ابوه ... في كل حاجة ... البارح كان بيزعّق بنفس الطريقة ... بيحاججني بنفس سخرية ابوه ... بيحط عينه في عيني يخليني ارتبك زي زمان ... لما كنت حاضناه وهو صدرو عريان حسيتا ني باحضن ابوه ... حتى في ردة فعله وقت الغضب هو شبهه ... والصبح كان لابس هدوم ابوه ... افتكرته صحي من ثاني
لم أتمالك نفسي من الارتباك والبكاء أنا كذلك ... كنت قررت الاستسلام لقرار أمي ... تلك الكلمات كانت إشارة ثانية ... تعليمات امي واضحة وإشارات أبي مبهمة ... غامضة لكنها مثيرة ... حيرة ما بعدها حيرة

عاهدت نفسي اني إذا لم أجد في اللاب توب شيئا أو انه لم يعمل ... سأعود لامي واقبّل رجليها معتذرا ... لو أن الأمر غير ذلك فليكن ما يكون ...










الجزء الثاني

كسجين بين خيارين ... تركت أمي بين يدي خالتي رغم خوفي على صحتها ... تأبطّت اللابتوب وتوجهت نحو متجر رحيم ... استقبلني ببشاشة تشرق في عينيه تحت صلعته اللامعة ... قال أني نزلت له رحمة من السماء ...

المحل مكتظ بالزبائن وهو مشغول في إعداد بعض التطبيقات ... رغم استعجالي لكني قبلت طلبه الملحّ في مساعدته على تلبية طلبات الزبائن حتى يتفرّغ هو لشغله...

كالجالس فوق الجمر... امرر طلب هذا بتسجيل عربته للفحص الفني والآخر يستخرج ورقات مطبوعة ... تفكيري كله فيما حصل وماذا سيحصل ... قلبي يخزني حزنا على أمي ... وكأن الناس تتآمر عليا ... كل ما تخلّصت من أحدهم لحق به الآخر ... ساعات طويلة ضاعت هدرا ... ومرت عليا دهرا ...

ضاق صدري وأنا أنتظر أن يرحمني رحيم ويتفرّغ لي ... بدأت الشمس تسير للزوال ... وخفّت الحركة في المحل معها ...أخيرا ... نظرة فاحصة من رحيم للتحفة الأثرية التي وضعتها بين يديه ... تقطّب حاجباه وهو يصارع زر تشغيل اللاب توب الذي أبى واستعصم ...

مع كل حركة منه يخفق قلبي لبرهة ويتوقّف للحظات ... ترجيت السماء أن تنطق تلك الآلة ... أنا على عهدي ... لكني أترجى فقط فرصة اكتشاف ما فيه ... ليس بعد كل ما حصل مني ستنقطع عني الإشارات ...

قطرات العرق على جبين رحيم وهو الخبير في مجاله تنبئني أن الأمر لن ينجح ... لدقائق خلتها قرونا والصمت يخيم على المكان إلا من صدى نقر أصابعه على الأزرار ... وأخيرا نطق .. نطق كالغريق ... شهق وصمت ثانية ...

أخبرني رحيم أن الأمر يتطلّب وقتا طويلا وهو مشغول ... ترجيته بكل مالي عنده من عواطف أن ينجدني ...يجب أن يعمل هذا الجهاز الآن ... أو في اقرب وقت ...

لم اسمع إجابته بالرفض والقبول حتى قاطعتنا رائحة عطر أنثوي طاغي ... سبقت فتح الباب ... صوت ملائكي يلقي علينا السلام ... خجلي جعل عينيا ترتشقان كسهم على حذاء جلدي يلمع سواده تحت جلد رجلين بيضاوين ... بريق بياضهما أعشى عينيا ونعومة جلدها جعل نظري ينزلق كل ما حاول الصعود للأعلى... لم تستقر نظراتي على ركبتين متناسقتين تحت قماش اسود وصلت إليهما بعد جهد حتى أيقضني صوت رحيم مرحبا ...

صوت قبلتين طبعتهما على وجنيه الناديتين دوى في أذني ... أهملني رحيم وأهمل جهازي وتناسى وجودي ... إن لم يهملني من أجلها فمن أجل من سيفعل ... فلأذهب أنا وجهازي وحزني للجحيم ...

لم ارفع عيني لاكتشف صاحبة الطلّة الطاغية ... كنت أتسلى بتحريك أصابع قدمي على الأرض ... لإخفاء خجلي وغيضي .... ما فهمته أنها افتتحت مشروعا جديدا ورحيم يبارك لها ... حفاوة الترحاب بينهما توحي أنهما معرفة قديمة ... تريد من رحيم أن يصنع لها تطبيقا يردّ على اتصالات الزبائن تلقائيا ... قالت أنها لم تستعن بعد بأحد لمساعدتها ...

نظر رحيم في عيني مستسلما ... ما باليد حيلة يجب تلبية طلبها قبلي ... ربما هي استشعرت حزني وغضبي من وجودها الذي عطّلني ... حاولت أن تنسحب في خجل على أن تعود ثانية ... لكني بصوت خافت تنازلت عن حقي ... وأعطيتها الأولوية ... دهشة علت ملامح رحيم الذي استغرب تراجعي بعد طول إلحاح واستغرب أني نطقت أصلا رغم خجلي ...

ابتسامة منها عرفان لشهامتي أنستني الجهاز والإشارات والقرارات وأمي معهم ... كحل وسط اقترح رحيم أن يضع لها مخطط التطبيق وكل الأمور التقنية ثم اتمم أنا الباقي في رقن الرسائل المراد كتابتها مع إشادة بسرعتي وحذقي لتلك المهمة ...

تلك الكلمات أشعرتني بالفخر والأهمية ... علامات الرضا على وجوه الجميع ... ملامح تردد باهت رسم على ملامح الزائرة ... جلس رحيم وراء جهازه منهمكا في عمله ... وجلست بجانبه أتابع باهتمام حركاته ... أما السيدة فجلست قبالتنا على كرسي ... لا ادري كم استغرق من الوقت لكني بدأت اشعر بالضجر وضلوعي بدأت تخزني ...

حركة لا إرادية مني بتحريك ذراعي للخلف ارتفع معها نظري... خرجت مقلتاي من محجريهما ... السيدة كانت تداعب هاتفها دون اهتمام بنا ... وضعية جلوسها أجبرت قماش تنورتها القصيرة أصلا على الانحسار للخلف ... نصف فخذيها المكتنزين عاريان متلاصقان يشدهما القماش غصبا بعضا ببعض ... لا اعلم من زاد في تلق من ... سواد القماش أم بياض الجلد ...

أشحت بنظري وتظاهرت بالتركيز في حركات رحيم ... كنار تسحب فراشة ... نظري يهزمني ويصرع خجلي وارتباكي ويعود ليغوص في ذاك اللحم الطري ... فجأة ... حركة لا إرادية منها ... تضع رجلا على رجل ... مثلث ظل صنعه قماش تنورتها الأسود على فخذيها سحبني للهاوية ...

دغدغة خفيفة أصابت أسفل بطني صاحبها جفاف في حلقي وتعرّق كاد أن يفضحني ... صوت تنهيدة من رحيم حركة من يده يغيّر وضعية الشاشة تجاهها ... حركته دفعتها للنهوض والتقدّم نحونا ... اقسم أني كنت اسمع صوت موسيقى فيلم الفك المفترس مع كل نقرة من كعب حذائها العالي ...

تظاهرت بالتركيز في الشاشة علي اخرج من مأزقي ... كانت تضع يديها على الطاولة وترشد رحيم لبعض التصليحات ... خاتم زواج يزين إصبعها ... معصمها رقيق وأصابعها نحيفة و طويلة ... رفعت عيني بحذر ناحية وجهها لكني لم أصله ... مفرق صدرها المتدلي من فتح قميصها الأبيض سحبني للهوة ...

انتفاخ وقرص يمسك ما بين فخذي ... رغبة في التبوّل تحرق مثانتي ... هروب سلسل بانسحاب حذر ناحية الباب راجيا أن لا يكشفني انتفاخ بنطلوني ... قطعت الشارع قاصدا المقهى المقابل للتخلّص من حالتي الغريبة ...

عند عودتي وجدت الأماكن تغيّرت ... رحيم يجلس في ركن يسميه المتخبر ... منهمكا في فك براغي جهاز اللاب توب ... والسيدة تجلس في مكاني وكرسي رحيم الدوار فارغ ...

أمر سريع منه بالالتحاق بمكاني " يلى بسرعة مش عاوزين نعطّل الهانم اكثر من كده " ... مررت على حذر من ورائها متحاشيا أن المس ظهرها بأسفل بطني ... رغما عني سقط نظري بين مفرق صدرها لترتفع خيمة بنطلوني في ثانية مرة أخرى ...

جلوسي بجانبها كان أشبه بعملية تعزييب لذيذ ... غرست عيني في الشاشة ألا تهزمني نظراتي وتهرب مني نحو ركبتيها ... رائحة عطرها الأخاذ تدغدغ شعيرات انفي ... مع كل حركة من يديها تشير إلى مكان حرف أخطأت في رسمه على الشاشة ... يلامس نهدها الأيمن مرفقي الأيسر فيزيد صراع قضيبي مع قماش البنطلون ...

لاحظت ارتباكي ... مع عدم انتظام أنفاسي ورعشة أصابعي على لوحة الأرقام ... وتعرقي الغير مبرر ... فرحمتني من عذاب نهدها لي واستبدلته بعذاب أصابعها ... بحركة عفوية أو مفتعلة كانت تقرص على أعلى فخذي بكل أصابعها قصد تنبيهي كلما أخطأت ... وكم كثرت أخطائي ...

حالتي لم تجعلني استوعب الموضوع ... هي صاحبة محل تجميل أو مساج وسونا وبخار ... هي ردود الكترونية عن المواعيد ... العروض ... العنوان ...

تمنيت أن ينتهي تعذيبي وفي نفس الوقت أن يمتد للآبد ... قبل أن انتهي طلبت مني أن اترك خانة الخدمات الأخرى فارغة ... قالت أنها ستتولى تعميرها بعد مدّة ... لم أركز مع ذلك ... كنت مسحوب الإرادة ... خجلا ومستثارا في نفس الوقت ...

صوت حركة كرسي رحيم من خلف مختبره تأمرني أن أفسح له المجال للتثبت في عملي وتسجيله ... وقوفي المرتبك تزامن مع التفاتة منها نحوي ... انفها الدقيق لا تفصله إلا مليمترات قليلة عن الخيمة التي صنعها تعذيبها لي ...

لم افهم سبب اتساع حدقتيها ونصف ابتسامتها ... اختفيت وراء مختبر رحيم أخفي فضيحتي ... كلمات شكر منها لامتناع رحيم عن عدم قبول أي مبلغ منها نظير خدماته ... صوت قبلتين طبعتهما على وجنتيه أصابا حلقي بالجفاف ... لم ارفع عيني نحوهما ... اقتراب وقع قدميها نحوي جعلني ارفع عيني من اللاشيء الذي كنت انظر إليه

يدها الطرية الأنيقة تمتدّ نحوي شاكرة جهدي ... لا اعلم من أين أتتني تلك اللباقة بان أقف لتحيتها قبل المصافحة .. ما إن تلامست أصابعنا حتى سحبتني برفق وطبعت قبلة رقيقة بين انفي وعيني وشفتي ... أصبت بالعمى والزكام وفقدان التذوق بعدها ...

تلبّك في أمعائي وجفاف في حلقي وحرقة أسفل بطني ... لم اشعر بها وهي تسلمني كارت عليه عنوان المحل وأرقامه ... لم أرها وهي تخرج ... فقدت الإحساس بكل شيء ... نقرتان قويتان على صدري من أصابع رحيم أعادتني للحياة أو للموت ... لا أدري ...

بضع دقائق أخرى وصلني صوت رحيم يعلمني أن الجهاز يلزمه قطع غيار قد تكون فقدت من الأسواق حاليا ... عالج بداية دمعتي بإخباري انه يتعيّن عليا تعويضه مبكرا في المحل حتى يتسنى له البحث الدقيق عنها عند بعض التجار وافقت دون تردد .

طوال الطريق وأنا امسك الكارت بين يدي ... أقربه من شفتي ... أشم عطرها فيه ... ثملا بما فعلته تلك اللمسات الخفيفة بوجداني ...

امرأة في مثل سن أمي ... جسدها تفور منه الحياة ... ينبض بالروح والروائح ... مع اقترابي من بيتنا ... طارت عن عقلي سكرته وتكسّرت الموجات الوردية على أزيز الباب الحديدي الصدئ ...

أخفيت الكارت في جيبي الخلفي ... ودخلت البيت مستذكرا كل أدعية السلامة ... لست في حال تسمح لي أن أخوض أي نقاش حتى ولو بسيط ...

أمي التي خاصمتني وضعت طبق أكلي البارد على الطاولة ولم تنتظرني للعشاء وأغلقت باب غرفتها ... فليكن ... عزة نفس مصطنعة منعتني من الأكل ... دخلت غرفتي وتهت في أحلام يقظة أو نوم ...

صوت رنين الهاتف وصوت أمي يليه من وراء الباب بنبرة سجّان غاضب ...

" اصحى رحيم مستنيك في المحل " ...

رحيم هو الشخص الوحيد الذي لا تخشى أمي صحبتي له ... رجل متزوج وسمعته الجيدة تسبقه ... خدوم ويساعد الكل ... بشوش ... أمي تثق به ...

بخطوات أسابق بها الريح مرتديا حذاء والدي المريح ... وجدت رحيم ممتعضا من تأخري عليه ... أوصاني بالقيام ببعض الأعمال البسيطة مع العناية بالمحل ... في الصباح يقتصر الوافدون على بعض الأطفال من أبناء الطبقة الكادحة ... لا يمتلكون رفاهية امتلاك العاب الكترونية أو هواتف ذكية فيلجئون لرحيم ... مقابل قطع نقدية بسيطة يمكنهم من حواسيب يلعبون بها لتوقيت محدد ... كثيرا ما يتجاوزون الوقت المخصص لهم لكنه لا ينهر أحدا ...

كثر صخبهم لكني لم اسمع شيئا ... كنت لازلت أشم ريح عطر تلك السيدة في المكان ... اللون الوردي يغطي أحلام يقظتي المبهمة ... شعور بالتنميل في مسام جلدي لا اعلم سببه لكنها دغدغة ممتعة ...

رحت اسلي نفسي بتقليد حركات رحيم في صنع تلك التطبيقات ... الموضوع ليس معقّدا ... فقط بريد الكتروني وتدفع مبلغا بسيطا لحجز الخدمة ثم لك حرية المحتوى .... أحيانا يسحبني شاب صغير يدفع ثمن استغلاله لأحد الحواسيب ... ثم أعود ... تمرّنت على الأمر كثيرا ... مع تكرار الموضوع أصبح سهلا جدا .. كنت أريد التعويض لرحيم ...

أمر مثير للدهشة ... بعض الشباب والكهول يدخلون فقط للسؤال عن رحيم ...رغم إلحاحي أن ألبي طلباتهم لكنهم يقولون إنهم سيعودن إليه شخصيا ...

قبل منتصف النهار ... دخل رحيم متعرقا ... شتمني ألف مرّة كوني سببت له كل هذا التعب ... أحسست بالذنب نحوه ... لكن قلبي بدأ يخفق بشدّة ... سمعت صوت جهاز والدي ينطق مدويا معلنا للعلن أني ما زلت حيّا ...

مسرعا نحو ركن المختبر ... ألقيت نظرة على شاشته وهي تعود للحياة ... حركات بسيطة من رحيم للتأكد من سلامة عمله ثم انسحب تاركا لي المجال لاحتضان آخر ذكريات والدي ...

إتفظّل ياعم قرفتنا معاك وعرقنا بسببك
(كنت اهم أن أنهال عليه شكرا لكنه سبقني في الكلام)
قلي ؟؟؟ ... مزعّل الست الوالدة ليه ؟؟؟
(أحسست بالإمتعاض ان اسرار بيتنا تخرج للعلن) ...
شوف يا وائل أنا زي أخوك الكبير ... وأمك دي تعتبر أختي ... والمرحوم أبوك جمايله مغرقاني ... فارجوك أنا مش غريب
(مصدوما من إكتشاف علاقة رحيم بابي) طالما قالتلك اني مزعلها أكيد قالتلك عالسبب ؟؟
أيوة قالتلي وبصراحة مش مستوعب ردة فعلك ؟؟
يا سلام ليه بقى ؟؟
أنا شايف اني دي فرصة مش هتكرر ... يا ابني هو حد لاقي ... قيمة وسيمة وسلطة ونفوذ وبدلة ميري .. وممكن تمسك منصب يخلي الكل يترجى رضاك
وكلية من غير مصاريف وهأخذ منحة والنقل ببلاش وووو ... بس انا مش شايف نفسي فيها
يا سلام ... أقرع ونزهي ...
يا عم انت إلي اقرع مش أنا
(صوته يسعل بعد نوبة ضحك تعقيبا على سخريتي) ... آخر خدمة الغز علقة ... كده برضو
(كنت أريد أن اعتذر منه على قلة ادبي لكنه أردف)
طيب أنت عاوز إيه ؟؟ فهمني ممكن نلاقي حل
أنا عاوز أدخل الجامعة ... باحب الحسابات ... عاوز أطلع زي ابويا
والمصاريف واللبس والاكل والسكن
هأدخل الجامعة الي هنا ... الاكل وهآكل في بيتنا ... ومصاريف الكتب هاشوف شغلانة في الصيف توفرلي
(صمت طويل اطبق على جبينه المقطب) ... طيب اسمع كلامي ... إنت تروح تقدّم وتعمل كل الي امك عاوزاها ... إحضر اللجنة ... وإعمل اللازم وما تزعّلش مامتك ... وكده كده مش هتخسر حاجة ... ومن هنا لآخر الصيف لو دبّرت مصاريفك اعمل الي في دماغك ولوما قدرتش اقلها تكون ضمنت حاجة في ايدك
اعتقد أن رحيم على حق ... لن يجبرني احد على الالتحاق بالاكادمية بالغصب ... ودعته بعد أن شكرته واعتذرت منه على تعبه ... تأبطّت الحاسوب وهرولت لبيتنا ... أخفيت الجهاز في الحديقة أن تراه أمي ...

سقوطها المفاجئ صباحا لازال يخز ضميري ... أمي هي كل حياتي ... لا أعرف لي ملجأ غيرها ... دخلت البيت مكسور النظر كعادتي ...

أشاحت بوجهها عني عند دخولي ... توجهت نحوها وقبّلت يديها معتذرا ... حضنها لي أعاد لها الحياة .. أمي لن تستوعب كوني سأخرج من تحت جناحها يوما ... دموعها عمدّت راسي وهي تحضنني إلي صدرها ... صدر أمي اشد صلابة من نهدي تلك السيدة ... ماذا أقول ؟؟؟ ...

عشاء هادئ على شرف نصر أمي المؤقّت ... أنهكني الجوع والصراع النفسي ... وجه أمي عاد للحياة ... غطست في الحمام استرجع أفكاري ... ذكريات بعد ظهر أمس تطاردني ... رائحة العطر تستفز قضيبي ...

كشجرة نخل مقلوبة وسط الماء ... رحت أراقبه وأتخيّل تلك السيدة تستحم معي ... إنتفخت دائرة رأسه ... أردت مداعبته لكن قبل أن تلمسه راحتي ... يأتيني صوت أمي مستعجلا خروجي للسلام على خالتي والاعتذار منها ...

زيارة غير متوقعة في هذا الوقت ... ملابسي في الخارج ولا شيء يسترني سوى تلك المنشفة البالية ... لففت وسطي بها تاركا للوقت مهمة تخفيف انتصابي ومدرات فضيحتي ... وكأن خالتي تستعجل نصيبها من كلمات الاعتذار والعرفان وجدتها أمام الباب ...

إنحنيت لتقبيل يدها طالبا الصفح عن كل ما تسببت به كما فعلت مع أمي ... سحبتني لحضنها ... وجهي المبلل غارق في مفرق صدرها ... صدر خالتي طري كصدر السيدة ... طال عناقها لي ومداعبتها لشعري المبلل مع سيل من النصائح واللوم والعتاب ...

مع لحظة إطلاق سراح راسي ... إتسعت عيناها تعجّبا من مشهد الوتد الذي يشدّ الخيمة المحيطة بوسطي ... حركة شفتيها مزيج بين الدهشة والذهول ... هربت للأعلى مختفيا في غرفتي ...

حاولت طرد كل تلك الأفكار المجنونة من عقلي ... أمي وخالتي يتسامران في الصالون ... يصلني صوت ضحكهما دون أن أفهم محتوى الحوار ...

فتحت جهاز اللاب توب ... لا شيء فيه سوى ملفات حسابات وأرقام ... حسابات شركات كانت زبائن لأبي ... لم افهم شيئا ... بحثت عن ملفات سرية ... لا يوجد ما يشفي غليلي

أعد متابعة الملفات ملفا بملف ... ملفات على تطبيق الاكسيل كلها بأسماء شركات ... ملف اسمه اللعبة ... كنت أعتقد أنه اسم شركة لعب ... فتحته ... لم يكن كسابقيه ... جداول كثيرة عليها رموز ... 1/X/2 تكرر كثيرا في 13 عمود… إحتملات وتتكرر ... لم افهم شيئا ...

ذهبت للغرفة الأخرى صوت أمي وخالتي مزهوتان بنصرهما يصلني بوضوح ... طال سهرهما ... فتحت صندوق الأوراق ... قرأتها ألف مرّة ... زاد الغموض أكثر ... مقتطعات كثيرة عليها نفس الرموز ... تحمل اسم شركة الرهان الرياضي ... لم اسمع بها من قبل ...

بعض صور لشيكات باسم أبي عليها مبالغ مالية صادرة عن نفس الشركة ... الآن توضّح الأمر قليلا ... رجعت لغرفتي وبدأت بالتركيز ...

أبي استعمل ذكائه وخبرته في الرياضيات ... توقعات وحسابات دقيقة لاحتمالات ثلاث ... إما الفريق الأول ينتصر او الثاني او يتعادلان ... فكرة عبقرية ... لكن لماذا مات وتركنا مفلسين ... أين ذهبت مرابيحه ؟؟؟

قبل أن أصل لاجابة وصلني صوت إغلاق الباب الحديدي ... خالتي عادت لبيتها ... أخفيت كل شيء وتظاهرت بالنوم ... دقائق وغمزني انعكاس نور الممر على الحائط ... أمي فتحت الباب ... تقدمت نحوي خطوتين ربما تريد تقبيلي لكنها انسحبت ...

لم يغمض لي جفن وإنا احترق على نار تلك الفكرة ... أبي استعمل ذكائه لكن الأمر مستحيل ... 13 مقابلة ب 3 احتمالات ... 3 * 3 * 3 ... سيصل الامر الي أكثر من نصف مليون إحتمال ...

أحرقتني عينيا وأنا أتابع كل تلك الجداول المرسومة بدقة في الملف ... فهمت نظريته وكيف حاول تطويع الحظ بالمنطق ... لكن يا أبي الحظ والمنطق لا يتقابلان ... المنطق يسير بخطى علمية دقيقة والحظ أعمى في مسيرته ...

خنقني الحزن وأنا أتخيّل تحطم أمال كل مرة ... اللعنة على الحظ الذي حرمني من أبي ... الآن فهمت سبب نوبته القلبية المفاجأة ... حضنت صورته أواسيه نحسه الذي أورثني إياه ...

لا اعلم أنمت أم أغمي عليا كمدا ... نقر خفيف على الباب ... صوت أمي يصلني من خلف الباب ... صحوت من النوم ولم أصحو من الصدمة والغم ... رائحة فطائر شهية تدغدغ أنفي وأنا على مشارف المطبخ ....

غسلت وجهي ألف مرة علي أتخلص من أثر السهاد ... وقفت طويلا أمام المرآة ... أرى انعكاس صورتي في انكسار وجه أبي ... ضممت أصابعي وشددت قبضتي وأردت أن ألكم الحظ الذي حرمني منه وحرمه حلما مجنونا ...

أمي مستبشرة بخير هذا اليوم ... تلبس ملابس الخروج ... بنطلون جينز ازرق فاتح ... وقميص ابيض خفيف يتناسب مع حر بداية الصيف ... إفطار شهي وكرم مبالغ فيه نظير طاعتي لها ... قسمت مهمة إعداد ملف الترشح للالتحاق بأحد الاكادميات بيننا ...

أنا سأستخرج كل بيانات دراستي ونتائجي وهي ستقوم بالإمضاءات القانونية ... أنا في نظر القانون لا أزال قاصرا ... هي قوانين دولة لا تفهم منها شيئا ... في سن الثامنة عشر تستطيع اجتياز امتحان القيادة ... تفتح حسابا بنكيا ... تتزوج و تسافر للخارج دون إذن ... يمكنك البيع والشراء وتسجيل الممتلكات باسمك والتصرّف فيها ... تدفع الضرائب ... حتى السجن تدخله في سن الثامنة عشر ... الأدهى انك تدلي بصوتك في الانتخابات وتقرر مصير شعب وأنت في سن الثامنة عشر ...

لكن سن الرشد القانوني هو عشرون سنة ... التجنيد عشرون سنة والالتحاق بالوظيفة العمومية عشرون سنة ... وان سنحت لك الفرصة لذلك قبل بلوغها يتوجب عليك الحصول على إذن من ولي أمرك ... لا تستغرب صديقي فهي تونس ...

حمير تقود بلدا تصل جذورها في التاريخ إلي ما قبل نشأته ... لا تهتم فكلنا في الهم عرب

قبل خروجي من البيت ... حضنتني أمي ... سحبتني لصدرها طويلا ... ربما تسترجعني بعد أن ظنّت أني تهت منها ... رائحة عطرها الخفيف تملا انفي الذي عصر في صدرها ... بعد إطلاق سراحي لم تنظر في وجهي لم ترفع عينها من الأرض ... الأمر غير معتاد بالنسبة لي ...

رحلة شاقة زادتها أشعة الشمس الحامية مشقّة ... قمت بكل تلك الإجراءات الرتيبة دون رغبة ... فقط أردت الحصول على سلام مؤقت مع أمي ... كعادتي اختبأت في غرفتي ... يبدو إن الأمر قد حسم ... سأسير في درب رسمت خطاه لغيري ... وبيد غيري ...

طال تفكيري في لا شيء ... فقط تهت في تلك الفكرة المجنونة التي وصل إليها أبي ... آخر ما وصلت إليه هو إني فهمت المنهجية التي فكّر بها ... والتي سار عليها ... لكنه فشل ... هو الحظ ... كفرس جامح لا لجام له ...

أغمضت عيني لكن تلك الرموز في ملف " اللعبة " تتراقص في مخيلتي ... هززت راسي ألف مرة لكنها استعصمت أن تسكن ظلمة نظري ... رفضت بخجل مرافقة أمي لبيت خالتي ... رغم شوقي لوليمة تشبع جوعي ... لكن نفسي صارت تقرف لقمة الذل ...

لجأت لمحل رحيم ... مجرّد تذكّر اسم رحيم صار يبعث انتصابا وليدا بين فخذي ... ذكريات تلك السيدة طاغية الأنوثة ... الأمر مثير للسخرية ... لكني تلك اللحظات الوردية أسرت روحي ... المحل شبه خاوي إلا من بعض الشباب ... هذا يتحدّث مع فتاة أجنبية ... والآخر يلعب ... لا عمل لي أضيع فيه بعض الدقائق الثقيلة ...

رحت أنظّف الأرضية من أثار بعض الأقدام ... لفت انتباهي عملية يقوم بها رحيم ... هذا يدفع له أموالا والآخر يأخذ منه بعضها ... كنت اعتقد انها معاملات مالية تخصّ بعض الخدمات عن بعد ... مع تقدّم ساعات النهار... تكاثر طالبو تلك الخدمة ...

رغم أن الأمر استفز فضولي لكني لم أتجرأ على سؤال رحيم ... ربما سيتحرّج من أن يجيبني ... لكن المبالغ المتداولة أكبر أن تكون معلوم خدمة الكترونية كالمعتاد ...

مرّت الأيام الأخيرة من الشهر السادس بسلام ... أمي التي عادت إليها روحها باستسلامي الشبه مموه لقرارها ... طوال اليوم في متجر رحيم أساعده في ما أقدر عليه ... شخصيا بدأت احشر نفسي في فكرة الانضمام للاكادمية ... صدقت أمي فمن هو مثلي لا يملك رفاهية الإختيار ...

بدأت الفكرة تتخمر ببطئ في عقلي ... التضحية بخمس سنوات ثم سيتغيّر الوضع ... راتب محترم ووظيفة مرموقة ... الأهم أني سألبس حذاءا جديدا يناسب مقاسي ... حتى وإن كان البوط العسكري الثقيل ...

آخر يوم في الشهر ... هو يوم حافل بالنسبة لمحل رحيم ... تجديد اشتراكات النت ... فواتير الكترونية ... خدمات لا تحصى ... كنت أجلس بجانبه في مكتبه بالمحل ... من كثرة الزبائن صار يستعملني كعداد للاوراق النقدية التي يخفيها في خزنة صغيرة تحت مكتبه ...

تصادف دخول شاب في مثل سنه للمحل وعلى وجهه علامات السرور... طلب من رحيم سحب مبلغ 5 ألاف دينار من حسابه ... كلمات مبهمة من رحيم يبارك له انجازه ... " أخيرا أمسكتها " ...

مكّنت الرجل من المبلغ ... سعادته وهو يفك مطاط الرزمة من الأوراق النقدية وصل أثرها لروحي ... سحب ورقتين من فئة خمسين دينارا ووضعهما في يد رحيم ... قال إن " طباخ السم يذوقه " ... ثم وضع ورقة نقدية في يدي ... قال بسعادة وشموخ ... " حلال عليك ... ادعيلي الحظ يبتسم ثاني " ...

رعشة أصابت مفاصلي من اثر الصدمة ... أول مرة في التاريخ تكتشف أناملي ملمس تلك الخضراء الساحرة ... بعد إنصرافه لم أتمالك نفسي من التساؤل ...

الأمر غير مبرر ... لا أحد يلقي بالأموال هكذا ببساطة ... أخبرني رحيم أن هذا الشاب عانده الحظ كثيرا واليوم ابتسم له وربح ذلك المبلغ وتلك الأوراق هي حلاوة فوزه ... ربما استبشر بوجهي فأهداني أحدها ...

" رزق وجالك "

غرابة إحساس ملمس تلك الورقة في راحتي اختلط بالكلمات المبهمة من رحيم ... حظ ومكسب وحلاوة ؟؟؟ ... ما دخل رحيم بهذا ؟؟؟ ... تصادف دخول بعض الشباب لإيداع أموال في حسابات لم افهمها ... اختلست النظر لشاشة جهاز رحيم ... ذاكرتي حفظت اسم الموقع الذي زيّن الشاشة ...

قال رحيم انه وسيط فرع رهانات ... مقابل عمولة من عمليات السحب او الإيداع ... مكسب في الحالتين ... الوسطاء كثيرون والمواقع أكثر ... هكذا قال

لا اعلم لما رسمت صورة نظرة أبي المنكسرة أمام عيني طيلة الساعات المتبقية من النهار وبقية الليل ... خضعت للتحقيق في البيت عن مصدر تلك الأموال ... أنا فقط سلمت الورقة لامي علها تستعين بها على مصاريف البيت ... ففتحت على نفسي حنفية أسئلة لا تغلق ... لم تفلت أذني من بين أصابعها حتى تأكّدت شخصيا من رحيم من صدق كلامي ... ورغم ذلك لم تنهي تلك الحفلة من اللوم والتقريع إلا بوعدها أن لا اقبل أي أموال من أي شخص غير رحيم ... ولقاء خدمتي له لا غير ...

كنت امني النفس بابتسامة رقيقة منها جزاء لي ... لأوّل مرة في سنوات عمري أقدم لامي مبلغا اعتبرته مهما جدا ... فقط أردت أن ارسم بسمة على شفتيها فرسمت بقعة حمراء على أعلى أذني ....

اليوم الموالي صادف الفاتح من الشهر السابع ... رحيم تركني لوحدي لقضاء شؤون لا مناص منها ... جالسا وراء شاشة الكمبيوتر الكبيرة ... طال انتظاري لعودته وأصابني السأم .... أحرقني الفضول ... قبل أن أتم رقن اسم ذلك الموقع زينت صورته الشاشة ...

رسم لأوراق لعب ... بوكر ... رولات ... رهانات رياضية ... كرة قدم ... كرة سلة ... بحر واسع من الاختيارات ... صوت ضحكة رحيم المصطنعة ممزوجة بصوت آخر أرعبتني ... كمن فتح عليه الحمام وهو يقضي حاجته أقفلته برعب خشية أن تعبث يدي بشيء يسبب كارثة ...

هو نفس الرجل من يوم أمس ... مبتسما سعيدا يصعد صدره غبطة وسرورا ... انسحبت لأترك المكان لرحيم الذي فتح الشاشة ثم الخزنة وبدأ بوضع رزم النقود أمامه ... قبّلني ذلك الرجل ووضع بضع ورقات في يدي ... قال أني وجه السعد عليه ... ودعنا مسرعا ... أقسم أن خطاه لم تكن تلامس الأرض ... الآن فهمت معنى أن يطير الإنسان فرحا ...

مبلغ مائة دينار وضع في يدي ... نصفه قد تسبب في حملة على أذني يوم أمس ... رفض رحيم قبوله ... قال بتهكم ...

ياعم روح اشربلك عصير في مكان رايق ... اشتري مثلجات ... هي لازم أمك تعرف كل حاجة ...
قررت العمل بنصيحته ... أخفيت المبلغ بحذر في جيب بنطلوني الصغير ... وأخفيت الأمر عن أمي ... طوال الليل وأنا أقارن بين غبطة ذلك الرجل وتخيلاتي لكسرة روح وطموحاتي أبي قبل زمن ... لعنت الحظ ونمت ... حلمت أني عدت لبداية سنيني ... أبي يلاعبني ... يشتري لي الايسكريم ... الحلوى ... يرافقني في مدينة الألعاب ... ملابسي جديدة ... حذاء يناسب رجلي ... وضحكته لا تفارق وجهه ...

صحوت من حلمي على صوت خطوات أمي تستعد للمغادرة ... باكي العينين ضاحك الصدر ... حلم بسيط أرسل لي من لعالم الآخر كتعويض عن واقع لم أعشه ... غبطتي بحلمي دفعتني للعمل بنصيحة رحيم ... إخترت بعضا من ملابس أبي القديمة ... الأقرب من أن تناسب هذا الجو وهذا الزمن ... شكلي أنيق رغم كل شيء ... جسدي يلائمه اي شيء ... ربما لأني رأيت نفسي أشبه أبي ... تأبطت جهاز اللاب توب وخرجت

حديقة أحد المقاهي الفخمة تدعوني للدخول ... بخطى مرتبكة قادني نادل بشوش لركن جميل ... المقهى لم يزدحم بعد ... قررت أن ادلل نفسي لأول مرة ... إفطار صباحي متكامل ... حلويات فرنسية وتونسية وقهوة كبيرة وعصير وبيض مخفوق ومياه باردة وبعض السلطات ... بسيسة وزرير ... عسل وزبدة ... اللعنة على الفقر ...

تهت في فخامة ديكورات المقهى والأطقم الموضوعة أمامي تتأنق فيها تلك المأكولات ... الآن عرفت السر وراء إدمان الناس للصور مع هذه الوجبات ... هذه الوجبات جعلت للذكرى لا للأكل كل يوم

بعض الزبائن يحتلون أماكن غير بعيدة عني ... أجهزت على تلك الوليمة وكنت أهم بالانصراف ... رفعت عيني ورايتها ... نعم هي دون شك ... تلبس بنطلون جينز رمادي يبرز تكوّر مؤخرتها ... لإن حرمني من بياض رجليها لكن فتحت التيشرت الأسود أهدت للناظرين متعة التجوّل في مفرق صدرها النافر...

تبعتها نظراتي حتى استقرّت في مقعد غير بعيد عني ... قررت البقاء حتى حين ... ربما فقط القي عليها السلام ... ستكفيني ابتسامة رقيقة منها ... وان أسعفني حظي ستلامس أصابعي اناملها الرقيقة ثانية ...

نظرة جانبية خلسة لعينيها اللامعتين ... وجه ابيض ناصع كصبيحة يوم مبارك ... شعر اسود قاني تتوه في أمواج ليله بأحلام وردية كوجنتيها ... حرّكت قطع السكر في فنجان قهوتها بحركة خفيفة تطارد معها خيط بخار متصاعد منه ...

قبّلت مبسم سيجارتها قبل أن تلهب صدري بنفس دخان أحرق كل جدران الشوق إليها ... كنت لا زلت اعبث ببقايا الأطباق حين تقدّم مني النادل يسحبها من أمامي متسائلا إن كان لي طلب آخر ... قررت شرب قهوة سوداء لأول مرة ... ربما ستلاحظ أني كبير بما يكفي لشرب القهوة مثلها ...

كجهاز ردار أراقب حركتها علّها تلتفت نحوي ... كنت أتمرن على الابتسامة خوفا أن يهزمني خجلي ... ما إن وضع النادل فنجان القهوة أمامي ... حتى تقدّم منها رجل أنيق ... قبل أن يلامس أصابعها قامت وعانقته عناقا حارا ... أنا فقط أردت ابتسامة فجاء هذا الشيء وخطف حضنا لم أحلم حتى به ...

انكسر قلبي وعدت لواقعي ... هي لا تعرفني أصلا ... ربما نسيت من أكون ... أين سرحت بيا مشاعري ؟؟؟ ... الفرق شاسع بين الكل ... رحت أقارن بيني وبين رفيقها ... شعره الرمادي الناعم ... ملابسه الشبابية الفاخرة لا تتعارض مع تناسق جسمه ... أين أنا منه ؟؟؟ ... ربما سأصبح مثله عندما أصبح في مثل سنه ...

إن كان سبب بقائي هو انتظارها أن تراني فالآن تغيّر الحال ... يجب أن لا تراني ... سحبت جهاز اللاب توب عله يشكّل ساترا لي ... تقدّم مني النادل ووضع ورقة عليها كود الوايفاي ... فرصة لتخفيف ثقل دقائق الانتظار ... دخلت النت ... أنا لست مغرما به ... لا تستهويني مواقعه ...

بعض صور الطبيعة ثم سئمت بسرعة ... تذكّرت موقع رحيم ... دخلت دون خشية ... بدأت أتابع باهتمام مكوناته ... الفرضيات المطروحة ... كيف تسجّل وكيف تلعب ... كيف تربح وكيف تخسر ... الموضوع كغيره فقط توقّع النتيجة ... هذا العالم الذي هزم أبي يوما ...

فتحت الملف الذي ورثته عن أبي ... اللعبة ... تابعت خطوات والدي بعين مختلفة ... عين من فهم العملية ... خرجت باستنتاج ... أبي لم يسعفه العمر أن تخترع هذه المواقع في سنين حياته ... قديما كانت المراهنة على مقابلات محددة ... توقعاتها بسيطة .. ما النتيجة ... ربح ام هزيمة او تعادل ...

هنا الامر مختلف ... انت تختار المتنافسين ... الف اختيار تراهن عليه ... أهداف .. نتيجة ... ركنيات ... ألف لعبة في كل الرياضات ... فقط الفرق هنا انك تحدد المبلغ الذي تريد أن تكسبه ...

يمكنك المراهنة على مقابلة واحدة إن أردت ... المكسب يكون حسب ضارب يحدده الموقع ... وكلما أضفت إختيارا آخر .. يتضاعف ضارب الأول في ضارب الثاني في المبلغ الذي ستراهن به ... وهكذا

سحبني هذا العالم حتى غصت فيه ... شخص مثلي لن تستعصي عليه هذه المعلومات أن يسبر أغوارها بسرعة ... قارنت بين فكرة أبي والاختيارات المطروحة أمامي ... تجارب بيضاء للعملية ... الأرقام المتوقع ربحها تزوغ معها العيون ... تنهيدة حارقة خرجت من صدري ... لو كان أبي حيا لما استطاع أحد عد أمواله الآن ....

رفعت عيني متأسفا عليه ... تلك الطاولة احتلتها عائلة كبيرة تتناول إفطارها ... السيدة ومرافقها غادرا منذ مدة تبدو طويلة ... أين كنت ... أين سحبني هذا العالم ... قبل أن استوعب ما حدث أحسست أن يدا ثقيلة تهز كتفي ... صوت أبي الذي لا أذكره يهزني بشدّة ...

" إن كان العمر لم يسعفني أنا ... فالعمر كله أمامك ... غامر لا تخشى شيئا "

هربت من المقهى ... طوال الطريق وذلك الصوت يدوي في مخيلتي ... لجأت لحضن أمي كرضيع مرتعش ... أمي لم تفهم ما أصابني ... فقط حضنتني بعنف ...

سريري تحوّل لحقل شوك ... سهاد ما بعده سهاد ... شيء خفي يدفعني للتفكير ... ليس التفكير فقط ... سرك من الخيالات ... مزيج من المشاعر بين الرغبة والإثارة والانفعال والخوف والطموح والحلم ...

كلما أغمضت عيني تتراقص تلك الاحتمالات أمامي ... متاهة لم أجد منها مخرجا ... هل اجرّب ... فقط سأضع الخريطة المؤدية لمفتاح الكنز ... فتحت جهاز اللاب توب ...

أنشأت ملفا جديدا " اللعبة 2 " ...
أتابع باهتمام ردود فعل القراء عن عودتك الميمونة. اشد على يدك وأنا سعيد بما تلقاه القصة من قبول. ادعي لي عشان ميصبنيش إحباط يبعدني عن المنتدى. هنيئا بمزيد من التوفيق
 
  • عجبني
  • حبيته
التفاعلات: wael115 و saadhussam
بص يسطا هي القصه رايقه وطريقة كتابتك والسرد حلوين جدا وبجد يعني روعه بس يا ريت تكتبها بالعاميه عشان نفهم احسن😂🤍🤍
 
  • جامد
التفاعلات: wael115
بص يسطا هي القصه رايقه وطريقة كتابتك والسرد حلوين جدا وبجد يعني روعه بس يا ريت تكتبها بالعاميه عشان نفهم احسن😂🤍🤍
من افضل مميزات الكبيرة لغتة القوية و هي سهلة الا بعض المفردات البسيطة التي لا تعيق الفهم ابدا
 
  • أتفق
التفاعلات: wael115
استمر في انتظار جديدك الأروع والمميز
 
تم أضافة الجزء الثالث
 
  • حبيته
التفاعلات: wael115
أولا لنكن متفقين ... نحن هنا في منتدى جنسي ... وجميع المواضيع المطروحة تقع تحت حماية إدارة المنتدى ... الحرية في الميول والأفكار والشبق والخيالات الجنسية مكفولة حسب قوانين المنتدى ... أي تعليق من مدعي الأخلاق غير مقبول بالنسبة لي ... أتقبّل النقد الأدبي للقصة ... نقد العمل القصصي لا غير ...

الفكرة وليدة فكر صاحبها وهو الوحيد المسئول عنها ... القصة مبوبة تحت باب جنس المحارم ... وأنت الآن دخلت بمحض إرادتك للاطلاع على محتويات هذا الباب ... فان كانت الفكرة تزعجك وتسبب إليك أي نوع من أنواع الحساسية فلما أنت هنا ؟؟؟

ثانيا ... تواجدك في منتدى يخلع عنك بصفة آلية جلباب الأخلاق ... فلا تحدثني عنها ولا تشر إليها لأنك لا تمتلكها ...

ثالثا هي مجرّد توطئة... بعد كتابة فصلين مختصرين من المذكرات وجدت انه لزوما عليا ومن باب المصداقية قبل إنهاء الفصل الثالث دخول تجربة هنا ... ولأسباب أخرى عديدة قررت خوض غمار قصة جنسية للمرة الأخيرة ... ان كانت نتيجة المحاولة الأولى مع أولائك إصابتي بمرض فقدان التوازن فأرجو أن لا تسبب لي تجربتي معكم شللا رباعيا ...

الجزء الأوّل

اللعنة على هذا الحذاء ... كلما تقدمت به خطوة للأمام إلا وازداد الألم في رجلي ... الم رجلي يذكرني بألم نفسي ... حذاء حسام ابن خالتي القديم ... كل ملابسي وكتبي وأدباشي هي ما تخلّص منه حسام ... أو أمه إن صح التعبير ...

مذ وعيت على الدنيا وأنا البس ما ضاق عنه ... ادرس بكتبه القديمة ... حتى بطني لا تشبع إلا عند زيارتنا لبيت خالتي ... لم احتج يوما على وضعي ... في بداية سنين الطفولة لم يشكل الأمر عائقا لي ... بل بالعكس ... لكن الطبيعة لم تشأ إلا التضييق عليا في كل تفاصيل حياتي ... طبيعة لم تستوعب أن أمي براتبها البسيط لا تستطيع توفير ملابس جديدة لي ... فلماذا ينمو جسمي لأسبق في المقاسات جسم حسام ...

حذاء ضيق وبنطلون يجاهد في وسطي أن تنفلت احد أزراره ... وقميص يضيق على صدري أكثر مما يضيق صدري بهمومي ... مع ضيق الحذاء يزيد ضيق الحال من معاناتي ... ديون أمي عند صاحب الدكان القريب من بيتنا تجبرني أن اسلك مسافة كيلومترات يوميا بين المسالك الفرعية لاقتني حاجياتنا من مغازة وسط البلد ... وأعود متبعا متاهة من الأنهج الضيقة المتعرجة بخطايا العرجاء من الألم ...

الكيس البلاستيكي بدأ يجرح أصابعي ... أحد المقاعد الخشبية على ناصية الطريق ... كان ملجئي من الألم المضاعف ... وضعت الكيس بجانبي وأخفيت راسي بين راحتي علي ارتاح ولو مؤقتا من عذابي الدائم ...

وضعية جلوسي فرضت عليا النظر غصبا عني لحذائي ... ماركة عالمية معروفة ... كان غالي الثمن حال شرائه ... في بلدنا نعرف القيمة الاجتماعية للشخص من حذائه ... إشارة تقطع كل أمل لي في المستقبل ... لن أكون الا مستودع قمامة لما يتخلّص منه ابن خالتي ...

خالتي أكبر من أمي بسنوات قليلة ... متزوجة من موظف كبير في الحكومة ... مرتب مرتفع ... منصب مهيب ... سيارة إدارية ... مسكن وظيفي ومساكن أخرى فرعية للتصييف ... الموظفون السامون هم من يتخذون القرارات المصيرية للدولة ... يتحكمون بالميزانية ... بتقسيمها ... اغلبها تصرف لتوفير ظروف عيش مريحة للموظفين ورغم ذلك يرتشون ...

أمي تزوجت بعد خالتي بسنتين ... تزوجت أبي عن حب ... أبي لم يسعفه الحظ في الانتساب للوظيفة العمومية ... كان صاحب مكتب حسابات ... أنا لم اعرف أبي إلا من الصور ... توفي وأنا لازلت أتعلم المشي ... تركني أتعثّر في خطواتي ...

مقارنة بين صورة خطواتي الأولى المتعثّرة ... حذاء صغير جميل عليه رسوم ميكي ماوس و يد والدي القوية الحنونة تسندني عن بعد ... الآن وأنا تجاوزت الثامنة عشر ... خطواتي لا تزال تتعثّر في حذاء قديم يقضم أصابعي ... والسبب فقدان يديه لتسندني ...

طعم مالح انسل لشفتي من دمعة سكبتها عيني ... طالما بكيت خلسة ... لا أعلم هل ابكيه أم ابكي نفسي ... لكني اشتاق إليه ...

نسمة باردة تدغدغ ضلوعي تعلمني أني تأخّرت في العودة ... الم مضاعف مع إسراعي في المشي خوفا أن أتأخر عن أمي ... أمي التي لعبت دور الأب والأم في نفس الوقت ... صارمة وذكية ولا تفوتها النسمة المتسلّلة من تحت الباب ... تراقب كل حركاتي تخشى عليا من كل شيء ومن أي شيء ...

تقول دائما أني ثروتها التي استثمرت فيها عمرها ... هي ستبلغ الأربعين قريبا ... أرملة منذ ما يزيد عن ستة عشرة سنة ... تحمّلت الوحدة والفقر والغم لأجلي ... دين آخر يزيد في ضيق صدري ...

انا عن نفسي لم أكلفها شيئا سوى مصاريف الأكل ... نسكن في بيت تركه لنا والدي ... البس ما ترميه خالتي لي بسرور بصدق أحيانا وأتظاهر به أحيانا... اجتهدت في دراستي فلم أكلفها مليما في دروس خصوصية بل كنت اكسب مصاريفي من إعداد بحوث الدراسة لزملائي المرفهين...

نجحت في البكالوريا بتفوّق ... انتظر التوجيه ... أريد الالتحاق بإحدى كليات المحاسبات ...

كنت أحلم أن أصبح محاسبا كأبي ... أن أحقق حلمه وانجح في عمل هو يحبه ... هدف لم ينصفه عمره أن يصل إليه ... استقبلني مشهد سيارة خالتي تقف أمام بابنا ... زادت نفسي ضيقا ... دفعة أخرى من ملابس ستحشر فيها كرامتي قبل جسمي ... ومشاعر مصطنعة مني بالعرفان بالجميل ...

دفعت الباب الحديدي الصدأ بعنف ... صوت قرقعته هو حمايتنا من زائر غير متوقع ... نظرة لليمين والشمال للحديقة الصغيرة ... حركة لا إرادية أهيئ بها صدري و عضلات وجهي للابتسام لمصدر الذل في حياتي ... مع وصولي للباب الخشبي ... صمت يوحي أن قدومي قطع موضعا مهما بين الأختين ...

سلام حار مصطنع مني وبارد حقيقي من خالتي ... وضعت كيس المقتنيات في المطبخ ... وجلست بعيدا عند باب الصالون ... أثاث بيتنا لا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ... لم أكن استمع لما يدور بينهما ... لكني متأكّد أن وجودي تسبب في تغير الموضوع ... لا اعلم لماذا لكني كنت مستمتعا بتأثيري السلبي عليهما ...

طال وجودي الغير مرغوب فيه مما اضطر خالتي للانصراف ... تابعت خطواتهما وأمي توصلها للباب ... أمي أجمل منها بكثير ... فقط الملابس الفخمة هي التي تمنح خالتي تألقها .. وربما تسريحة الشعر والحذاء العالي الذي يرفع مؤخرتها ... كذلك الماكياج ....

أمي في بيجامتها المترهلة تبدو أجمل منها ... لا توجد امرأة أجمل من أمي ... حكمة لا أعلم أين سمعتها .... طالت وشوشتهما عند الباب فانسحبت لغرفتي ...

منزلنا مكون من طابقين ... على الطراز الأمريكي ... غرفة معيشة او الصالون يستقبلك عند دخول البيت بأثاثه ومكتبته, في آخره على اليمن مطبخ مفتوح بمصرف رخامي اجتهد أبي أن يتناسق مع ألوان الرخام فيه ... شبابيك بلورية كبيرة تطل منها بعض شجيرات الزينة من حديقتنا الصغيرة ... انعكاسها كلوحة زيتية تفنن رسام مجتهد أن يبرز تفاصيل الروح الساكنة فيها ... بجانب المطبخ حمام كبير يتوسطه مغطس مدور يتسع لثلاث أشخاص بالراحة ...

الطابق العلوي مكوّن من 3 غرف ... غرفت نوم أمي وغرفتي وغرفة ثالثة ... حرم موت أبي جدرانها أن يسكنها أخ أو أخت لي ... تلك الغرفة مغلقة دائما ... أمي ألقت فيها كل متعلقات أبي ... وأغلقت على ذكريات زمن جميل لم أعشه ... يفصل بين الغرف ممر واسع ينتهي ببوابة بلورية تستقبل نور الشمس من شرفة نصف مستديرة ...

طال الوداع بين أمي وخالتي مما يوحي أن أمرا مهما تطلّب نقشا مستفيضا بينهما ... لجأت للحمام أعالج ورم رجلي من اثر المشي بالحذاء الضيق ... الماء البارد يخفف توتر مسام جلد أصابعي الغضّة ... برودة الماء أشعلت رغبتي في الاستحمام ...

نصف جسدي مختفي في المغطس البارد ... برودة علها تعالج التهاب روحي وجسدي ... شعور نفسي بالضيق والاختناق ... لم أجد له مبررا ...

أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل واقعا غير هذا الواقع ... نصف الغرق ونصف الطواف ... نصف البرد ونصف الحر ... نصف الواقع ونصف الخيال ... لا اعلم أين تاه بي خيالي البسيط وكم استغرقت رحلتي في اللامكان واللازمان ... واللافكرة ...

نقر خفيف على الباب سحبني للدنيا ثانية .. صوت أمي تعلمني أن العشاء جاهز ... ملتحفا بمنشفة نصف مهترأة تخفي نصف جسدي السفلي وقطرات ندية تداعب مسام صدري ... ارتديت شورت قصيرا كان يعاني ليجف في حبل معلّق في شباك الحمام الضيق ...

لم اسرّح شعري وعري الصدر حافي القدمين ... لا تزال أصابعي تصارع للعودة لوضعها الطبيعي ... استقبلتني أمي بابتسامة ساخرة ... هي شديدة الاهتمام بصحتي ... لم تعلّق كوني لم استر صدري من نفحات نسيم بداية الصيف الباردة ... على غير عادتها ...

جلست قبالة أمي على طاولة الطعام ... بحكم الخبرة .. كلما وضعت امي صحني مقابلا لعينيها فتلك إشارة أني سأتلقى مجموعة من الأوامر ... حاولت أن انظّم أنفاسي وأخفي ارتباكي الغير مفسّر ...

بضع قضمات من أجنحة الدجاج التي تسبح وسط صحن المرق غمستها بصمت غير مفهوم ... صمت قطعه صوت امي الصارم والحنون في مزيج عجيب كالمزيج الذي أتناوله في صحني ...

  • عجبك الاكل ؟؟؟
  • حلو زي العادة ... مش عوايدك تسالي .. ما انا بآكل كل الي بتطبخيه ... في ايه ؟؟؟
  • لا أبدا اصلك لازم تاكل كويّس اليومين دول يا حضرت الضابط ؟؟؟
  • (تجمدّت يدي التي تمسك قطعة الخبز) ضابط ؟؟؟
  • ماهو هو ده الموضوع الي اتفقت عليه انا وخالتك ؟؟؟
  • إتفقتو ؟؟؟
  • ايوة ... انت جايب نتايج ممتازة في البكالوريا وزوج خالتك هيتوسطلك انك تلتحق بأكادمية عسكرية أو أكادمية الشرطة أو الحماية المدنية .. انا كلمت خالتك وهي هتكلم زوجها
  • يا سلام اتفقتو واتكلمتو وأخذتو القرار وانا آخر من يعلم
  • هو انت شايف حاجة ثانية (بلهجتها الصارمة التي اعتادت ان تقمع بها كل بوادر إحتجاجي)
  • ايوة شايف (محاولا التحكم في ارتجافي وخوفي من ردة فعلها)
  • شايف ايه ؟؟؟ (تزايدت شدة حزمها)
  • (القيت قطعة الخبز من يدي ولاوّل مرّة في تاريخي ارفع عيني مباشرة فيها متحديا) انا عاوز أطلع محاسب زي بابا ... عمري ما إتخيّلت نفسي ضابط ...
انتفاضة عنيفة من أمي التي ضربت بكلتا قبضتيها على الطاولة .... حركة طالما وأدت أي رغبة لي ... مباشرة بعدها أعلن استسلامي لرغباتها ... صمم أصاب أذني عن كلماتها المتراوحة بين الصراخ حينا والحنان حينا ... مؤيدات كثيرة حول صواب رأيها ... الكليات العسكرية ستضمن لي مستقبلا مستقرا بعيدا عن المغامرة ... مجرد الالتحاق بها مع النجاح سيضمن لك وضيفة محترمة يتمناها نصف الشعب ...

وضعية جلوسي ووقوفها توحي بتفوقها عليا ... كنت أتحاشى النظر في عينيها ... وفي نفس الوقت روحي تتوق للتحدي ... فلم تسقط نظرتي للطاولة أو الصحن بل استقرّت في مفرق صدرها الأبيض ... طالت كلمات أمي أمام صمتي ... أحست أني استسلمت وتقبّلت قرارها ...

دون شعور ولأول مرة ثانية ... أتحداها ... وقفت وضربت بكلتا قبضتي على الطاولة ... قلّدت كل حركاتها ... لأول مرة أتكلم وأنا أساميها وجها لوجه ...

  • حسام يروح أكبر الجامعات ... وأنا أروح الجيش ... لو كان الموضوع زي ما حضرتك بتقولي ... مش كان اولا بيه يضمن مستقبل ابنه ... ماهو مش معقول هيكون بيفكّر فيا اكثر من إبنه ...
  • (نظرة الانكسار والدهشة في عين أمي شجعتني على المواصلة مع تلبكها في الكلام) ... ماهو ...
  • ماهو ايه ؟؟؟ ... هو يتعلّم وينبسط و يروح الجامعة وأنا أتخنق في الجيش والحياة الرسمية ... هو أنا مفروض عليا كل حاجة ضيقة عليا ؟؟؟ ... بنطلونات اصغر مني ... جزمة بتاكل صوابعي مع كل خطوة ... عايزين تحشروني في وضيفة أضيق مني طول عمري ... ليه ؟؟؟؟ ... ايه ذنبي ؟؟؟
  • ذنبنا اننا فقراء ... ذنبك انك يتيم ... (أحسست بالغبرة تخنق امي ... كأنها تكتم بكاء دفينا) ...
  • (انا انفلتت الدموع غصبا عني لتغرورق بها حدقتي وتحجب عني وضوح الرؤيا) يعني كله من بابا إلي مات وسبني مش كده ...
  • (تقدّمت مني امي وحضنتني بعنف الي صدرها الطري) ده قدر يا ابني ... يا حبيبي انا عملت كل الي اقدر عليه ... دي فرصة انك تطلع من مستنقع الفقر ده ... كلية محترمة ووظيفة مضمونة ومستقبلها كبير ... وكمان وده الاهم مافيهاش مصاريف ... بالعكس دي بتاخذ فيها منحة ...
  • (أردت الرد لكن حضنها خنق تمردي ... احاطت براسي وسحبتني لصدرها بعنف )
  • يا ابني انا عاوز اشوفك بخير مش كفاية عمري راح هدر بمغامرات ابوك ... با ابني انا عاوزة اشوفك راجل مالي هدومك ... تتزوج وتفتح بيت وتبقى سيد الرجالة ...
أوّل مرة في حياتي استشعر نبرة الاحتجاج من امي على حياتها ... أحسست أنها ندمت على زواجها من أبي ... لأول مرة اشعر انها تخفي سرا ... انا الفخور بانتمائي لأب لم اعرفه ... رسمت له صورا متكاملة ... نحت له في خيالي تماثيل لأنصاف الآلهة الإغريق ... لم أتقبل أن تهتز تلك القداسة حتى ممن هي اشد منه قداسة ... امي ...

انفلت من بين ذراعيها ... والدموع تملأ وجهي ... الم أصابعي وضيق الحذاء وضيق الحال ... كل شيء تقبّلته إلا أن تمس صورة أبي أمامي ...

  • هو أنا قدري اني أكون كيس الزبالة بتاع حسام ... بالبس هدومه القديمة وما اعترضتش ... الجزمة الي بتخليني اعرج واتحملتها ... فضلات اكلهم ... المنة الي بيتكرمو بيها علينا ... هو انا ذنبي ايه ... مش راضيين تخلوني اعيش العيشة الي باختارها ...
  • (كلماتي هزمت مشاعر امي فانفرط الدمع سخيا على وجنتيها الحمراوين) يا ابني الي زيينا ما عندوش رفاهية الاختيار ... اسمع كلامي انا اعرف مصلحتك ...
  • (أحسست دموع امي ستهزمني في النهاية) ... عاوزاني ابقى راجل مال وهدوم بالصدقة ثاني .... كل حياتي سكند هاند ... عاوزاني اتزوج ... تصدقي احيانا باتخيّل اني هاتزوج وحدة كان بينيكها حسام ولما زهق منها رماها لي
اتساع حدقات أمي من هول الكلمة التي قلتها ... امي لم تسمع مني إي حرف خارج عن الأدب ما حييت ... أحسست أني تماديت ... كلمة انفرطت مني ... لو قيلت في غير هذا السياق لتزيّن خدي بآثار أصابعها لأيام ... مشاعر مضطربة وردة فعل غير مفهومة ... ألقيت بمزهرية كانت تزيّن ركنا في الصالون ... صوت تهشيم الزجاج أعطاني الفرصة للهرب ...

فتحت الباب ... حافي القدمين ... عاري الصدر ... اجري دون وجهة ... كنت أهز راسي لاطرد ذكريات الدقائق الأخيرة ... تهت من جديد في اللا فكرة ... فقط أجري بعيدا عن البيت

ربما إحساسي بالتخلّص من ملابس حسام ... ثورتي على أمي ... رفضي لوضع فرض عليا ولم أختره .. كل هذه الأحداث دفعت فيا شعورا بالسعادة ... هي سعادة ممزوجة بالندم ... سألقى عقابيا نضير ذلك لكن لا يهم ...

لا اعلم كم شارعا قطعت وأنا اركض حافيا شبه عاري تحت انوار الفوانيس النصف معطّلة ... فقط اركض هربا من واقع سأعود إليه حتما ...

صراخ صبيتين صادفتاني وانأ أجري ... ارتعبتا ظنا اني أحد المجانين المنتشرين يرعبون المارة في شوارعنا ... رعبهما أصابني بالخجل من نفسي ... أسرعت أكثر فأكثر ... الإسفلت المحدب بدأ يجرح رجليا ... كنت اشعر بلزوجة تحت قدمي .... لا أعلم اهو ددمم أم قيح تقرّح ... لكني لم أتوقف ...

واصلت الركض هربا من البيت في اتجاه البيت ... لقد صدقت أمي من هو مثلنا لا يمتلك رفاهية الاختيار ... مع اقترابي للبيت بدأ نبض قلبي يتزايد بفعل التعب وبفعل الرعب ... امي ستقتلني ... انا متأكّد ...

تسورت حائط الحديقة بخفة وحذر القطط ... شجرة مشمش عقيمة كانت ملجئي للاختباء ... من ردة فعل أمي ومن ردود فعل شارع لن يتفهّم ما يحدث لي ...

النور الخافت في الصالون ينسل متحديا ظلمة الليل ... من خلف بلور جاهدت امي في تنظيفه ... كنت أراقبها تجلس على الكنبة ... تضع رجليها على حافتيها وتسند رأسها بركبتيها ... تكوّر الانكسار الذي لم أعهده فيها ...

بدأ ضميري يؤنبني ... هممت أن أدخل البيت معتذرا ... لكن عما سأعتذر وأنا الضحية ... طال مكوثي في مخبئي ... انتصف الليل ... حيرة أمي لغيابي دفعها للنمطي أحيانا والتكور أحيانا أخرى .. اقسم أني سمعت نبض قلبها الحنون من هنا ...

نظرة تجاه الباب والأخرى تجاه الساعة ... ثم تعود للتكور ... كنت اسمع شهيق بكائها ... طال انتظارها وطال صبري ... لن أعود للبيت الذي لم أغادره ....

رحت أراجع حواري العنيف معها بدقّة ... هي بالتأكيد تريد مصلحتي ... الوظيفة القارة ... فرصة للنجاح في الحياة دون مصاريف ومعانات ... هي بالتأكيد معها حق ... لكني لن البس حذاءا أضيق مني طول العمر فقط لان معها حق .. أنا لي الحق في الاختيار ... ربما فرصة للتحدي فقط ...

كلمة عمرها الذي إضاعته مغامرات أبي هدرا لا تغادر تفكيري ... مالذي فعله ابي قبل موته جعلها تشعر بالندم الآن بعد صبر السنين ... لو خانها او شيء من ذاك القبيل ما صبرت كل هذه السنين وفية لعهدها معه ... امي جميلة وكان يمكن ان تتزوج غيره بسهولة ...

رفعت راسي علي أجد في انعكاس صورتها إجابة على سؤالي فلم أجدها في مجلسها ... قبل ان تبدأ حيرتي ... اهتز صدري رعبا لصوتها يقول ... " إدخل البيت ... الدنيا برد عليك " ...

لم أشأ ان يتأزّم الوضع أكثر ... إحمرار انفها ووجنتيها اللذان تحديا ظلمة الحديقة يعلماني انها ذرفت دموعا كثيرة ... لكني لن استسلم ... كنت اسبقها بخطوتين وتلحقني أصوات تخرج من انفها تودع بها حالة بكاء طويلة ...

أثار الدماء التصقت بجليز الصالون الرمادي ... حاولت ان تقترب مني تستطلع امر جروحي لكني نهرت يدها التي لامست كتفي ... تراجعت قليلا للوراء ...

قبل ان تبدأ بالكلام ... طلبت منها بنبرة جافة وخشنة مفتاح غرفة أخي الذي لم تحمل به ... قبل ان تستفسر عن السبب ... أجبتها سؤالها الذي لم يسأل

  • عاوز اقعد شوية مع بابا ... عاوز اتكلّم معاه
رغم رفضها وحرصها لسنين ان لا يدخل احد تلك الغرفة ويعبث بمحتواياتها ... تحوّلت نحو خزانة الصالون وفتحت درجا ومدّت المفتاح لي ... دون كلمة واحدة ... كنت أخطو الدرج للأعلى وتتبعني نظراتها ... ربما امنيتها ان اراجع عقلي ... وربما خوفها من صدام جديد لم تخفت حرارة رماد الذي سبقه بعد ...

رائحة العتمة تخنق أنفاسي ... الغرفة مغلقة منذ سنين ... غرفة فارغة يتجاوب صدى انفاسي المرهقة مع جدرانها ... القليل من غبار الزمن على بعض الكراتين ... فقط ثلاث صناديق ورقية كبيرة هي كل ما يوجد ... حضنتها كأني أحضن عمري الذي ضاع مع غياب صاحبها ... صوت نقر سقوط دموعي على سطح إحداها وهي تشكل دائرة تحوّل الرمادي إلي البني دفعني لفتحها ...

البوم من الصور القديمة ... مسحت الغبار عنها ... ملامحي تشبه ابي الي حد لا يصدّق ... صوره وهو في مثلي سني ... مسرورا متحديا الدنيا ... ملابسه فخمة حسب طراز زمنها ... وقفته الشامخة ... صوره في الجامعة ... في الرحلات ... في ملهى ليلي مع أترابه ...

المثير في الأمر ان ضحكته وابتسامته لا تفارقه ... اعتقد انه استهلك نصيبي ونصيبه من السعادة في تلك الصور ... انا لا اضحك ولا أتصور ...

صور له ولامي على شاطئ البحر ... بريق عيني امي وهي تنظر له تؤكد عشقها له حد الجنون ... امي جميلة في ملابس البحر ... لم تغيّر فيها السنين شيئا سوى بريق الحزن في عينيها .... وضعت صورة كبيرة مؤطرة في اطار خشبي مذّهب امامي ... وفتحت قلبي لكل ما لم اقل له بعد ... لا اعلم هل سمع مني كلمة بابا قبل رحيله ام لا ...

اقسم اني رأيت التأثّر في عينيه رفقة بحالي ... بكيته وبكيت عليه وبكيت له ... شيء ما في عينيه يدفعني أن افتح الصندوقين ... إخترت أكبرها ... ملابسه كلها هنا ... بنطلونات جينز ... قمصان ... سترات كثيرة ... حالتها تبدو جيدة رغم كل الإهمال .... بدأت انفض الغبار القليل عنها ...

تجرأت ولبستها ... كنت ارغب ان احضن ريحه فيها ... مقاسها يناسبني بعض الشيء ... حذاء رياضي يعانق أصابع رجلي برفق ... رحت أتمشى امام صورته كأني أفاخره اني كبرت وصرت في مقاسه ... لو كان حيا لضربني على قفايا بحنان ... كما يفعل كل الآباء الذين وصل أبناءهم ليضاهوهم في الطول ...

سعادة غمرتني ... روحه وريحه تعانقاني ... إن كانت الأقدار فرضت عليا ان البس القديم فلألبس ملابس ابي ... مقاس حذاء والدي هو إشارة أن شخصيته وطريقه هي التي تناسبني كما ناسبني المقاس ... انا على حق ... فرصة خالتي ضيقة على روحي كمقاس حذاء ابنها ...

جلست على الأرض احدّث ابي متسائلا ... ان كنت مغامرا كما تقول أمي ألا يخفي الصندوق الآخر سرا ... ألم تدخل في تجربة بورصة وخسرت ساعتها ...ربما تغيّر الحال الآن ... لا يمكن الا تترك لي شيئا الا هذا البيت ... حتى الذكريات لم تتركها لي ...

نبض قلبي يتزايد مع كل ورقة اسحبها من الصندوق ... لم افهم شيئا .. فواتير قديمة ... كراسات على رموز بخط اليد ... علامات قاطع ومقطوع ... ارقام واحد واثنان ... قصاصات جرائد تتحدث عن نتائج كرة القدم ساعتها ... ما السر وراء عشق ابي لكرة القدم لم افهم ذلك ...

ظرف كبير بني اللون ... عقد ملكية بيتنا ... وعقد رهنه لشركة إيجار مالي ... مبلغ كبير وضع فيه ... هل رهن ابي البيت قبل موته ... لكن البيت ملكنا الآن ... انتقلت ملكيته لي ولامي بحكم الميراث ... لم اسمع بهذا الأمر من قبل ... هل سدد أبي رهنه قبل موته ... لم أجد في الأوراق ما يثبت ذلك ... أين ذهبت أموال الرهن ومن سدده ...

نصف اجابة خامرتني عن كلام أمي ... هي جاهدت لسداد ديننا في سنواتي الأولى ... بدأ ضميري يدفعني للاعتذار منها ... جهاز لاب توب من طراز قديم هو آخر ما تبقى في الصندوق ...

صندوق صور مليء بالذكريات ... صندوق ملابس تفوح منها رائحة عز لم أعشه ... وصندوق ورق لم افهم منه شيء ... ربما اللاب توب يحتوي على سر ... لكنه لا يعمل ...

قررت ان آخذه معي لرحيم ... رحيم هو شاب في أواخر العشرينات .. يعتبر الشخص الأقرب لي في الدنيا بعد أمي ... يمتلك محل انترنت وبيع وبعض أدوات الإعلامية ... يقدّم خدمات التسجيل عن بعد ... كنت أساعده في إعداد البحوث المدرسية ... معتمدا على معلوماتي وسرعتي في رقن الحروف ....

كان يكافئني بقطع نقدية او بصندويتش اذا تأخرت عنده في المحلّ ... قررت ان أتسلل به للخارج عندما تحين لي الفرصة ... لا اعلم السبب لكن أحسست ان نظرة ابي من صورته تشجعني على ذلك ...

شعاع نور الفجر يتسلل من تحت الشباك ... ليلة طويلة جدا ... هي ليلة بعمري كله ... حضنت صورة أبي وتوسدت سترته وتغطيت برائحته ونمت ... ربما نمت في حضنه وانا رضيع ... ونمت نوم الرضيع ...

صوت طراد الماء من الحمام يعلمني ان أمي استيقظت ... لا أعلم ما افعل ... هل هي جولة ثانية من الحرب بيننا ... أم أعلن استسلامي والبس الفرصة الضيقة ما بقى من العمر ... استعملت الحبال التي كانت تلف الكراتين ... ربطت اللاب توب في احد قمصان ابي والقيته يتدلى من الشباك للحديقة ...

تسللت للحمام ... غسلت وجهي وسرّحت شعري ... انعكاس صورتي في المرآة جعلني اشعر بالفخر ... لم تخطو رجلي في الممر خطوتين ... صورة اتساع حدقتي أمي سبقت صرخة رعب دوّت في المكان تلاها صوت ارتطامها بالأرض ...

تأبطت جسدها بين يدي وأسرعت بها لغرفتها ... لا الماء ولا بقية زجاجة العطر افلحتا في إيقاضها ... لم اجد طريقا سوى الاتصال بخالتي ... مر الزمن عليا دهرا حتى وصلت ... طبيب في أواخر سنين عمره ... يخزها ابرة ... قال انها صدمة عصبية نتيجة الارهاق ...

الفترة التي تلت خروجه ... دروس متتالية من خالتي عن وجوب طاعة امي ... تذكير بتضحيتها في سبيلي ... انا لا انكر ذلك وممتن لها ... وممتن لخالتي ولحسام وللعالم كله ... فقط لا أريد أن افقد أمي كما فقدت أبي ... لم اترك سريرها دقيقة واحدة ... لم افلت يدها الباردة من يدي ...

سأفعل اي شيء ... فقط عودي للحياة ... شكرت السماء أنها حرّكت راسها ... استيقظت مرعوبة ... أول شيء فعلته طردتنني من الغرفة ... لم احزن لفعلها ولم اغضب انا سببت لها الإرهاق ...

احتجزت نفسي في غرفتي ... كنت اسمع صوت خالتي تسند امي للحمام ... صوت الماء يختلط بصوتها تساعد أختها ... وخزني ضميري على مشاعر كرهي لخالتي ... هي لم تفعل شيئا سوا مساعدتنا طول حياتها ... انا الشيطان المتمرد فقط

ابتعد صوتهما وهما ينزلان الدرج بعد أن غيّرت ثيابها ... فجأة تذكّرت جهاز اللاب توب ... لا يجب لامي ان تراه ... ذنب آخر سيسجل في صحيفة أخطائي ... حاولت سحبه من أعلى لكنه علق بحافة الحائط ... تسللت لباب البيت ... الحبل يتدلى بجانب شباك المطبخ ... اقتربت لافكه

صوت خالتي يصلني بوضوح مستفسرة عما حصل ... صورتها وهي تقدّم قهوة وبعض الطعام لامي ... لم الحق بالحوار من أوله لكن أمي تبدو مرتبكة مذعورة ...

  • هو شبه ابوه ... في كل حاجة ... البارح كان بيزعّق بنفس الطريقة ... بيحاججني بنفس سخرية ابوه ... بيحط عينه في عيني يخليني ارتبك زي زمان ... لما كنت حاضناه وهو صدرو عريان حسيتا ني باحضن ابوه ... حتى في ردة فعله وقت الغضب هو شبهه ... والصبح كان لابس هدوم ابوه ... افتكرته صحي من ثاني
لم أتمالك نفسي من الارتباك والبكاء أنا كذلك ... كنت قررت الاستسلام لقرار أمي ... تلك الكلمات كانت إشارة ثانية ... تعليمات امي واضحة وإشارات أبي مبهمة ... غامضة لكنها مثيرة ... حيرة ما بعدها حيرة

عاهدت نفسي اني إذا لم أجد في اللاب توب شيئا أو انه لم يعمل ... سأعود لامي واقبّل رجليها معتذرا ... لو أن الأمر غير ذلك فليكن ما يكون ...










الجزء الثاني

كسجين بين خيارين ... تركت أمي بين يدي خالتي رغم خوفي على صحتها ... تأبطّت اللابتوب وتوجهت نحو متجر رحيم ... استقبلني ببشاشة تشرق في عينيه تحت صلعته اللامعة ... قال أني نزلت له رحمة من السماء ...

المحل مكتظ بالزبائن وهو مشغول في إعداد بعض التطبيقات ... رغم استعجالي لكني قبلت طلبه الملحّ في مساعدته على تلبية طلبات الزبائن حتى يتفرّغ هو لشغله...

كالجالس فوق الجمر... امرر طلب هذا بتسجيل عربته للفحص الفني والآخر يستخرج ورقات مطبوعة ... تفكيري كله فيما حصل وماذا سيحصل ... قلبي يخزني حزنا على أمي ... وكأن الناس تتآمر عليا ... كل ما تخلّصت من أحدهم لحق به الآخر ... ساعات طويلة ضاعت هدرا ... ومرت عليا دهرا ...

ضاق صدري وأنا أنتظر أن يرحمني رحيم ويتفرّغ لي ... بدأت الشمس تسير للزوال ... وخفّت الحركة في المحل معها ...أخيرا ... نظرة فاحصة من رحيم للتحفة الأثرية التي وضعتها بين يديه ... تقطّب حاجباه وهو يصارع زر تشغيل اللاب توب الذي أبى واستعصم ...

مع كل حركة منه يخفق قلبي لبرهة ويتوقّف للحظات ... ترجيت السماء أن تنطق تلك الآلة ... أنا على عهدي ... لكني أترجى فقط فرصة اكتشاف ما فيه ... ليس بعد كل ما حصل مني ستنقطع عني الإشارات ...

قطرات العرق على جبين رحيم وهو الخبير في مجاله تنبئني أن الأمر لن ينجح ... لدقائق خلتها قرونا والصمت يخيم على المكان إلا من صدى نقر أصابعه على الأزرار ... وأخيرا نطق .. نطق كالغريق ... شهق وصمت ثانية ...

أخبرني رحيم أن الأمر يتطلّب وقتا طويلا وهو مشغول ... ترجيته بكل مالي عنده من عواطف أن ينجدني ...يجب أن يعمل هذا الجهاز الآن ... أو في اقرب وقت ...

لم اسمع إجابته بالرفض والقبول حتى قاطعتنا رائحة عطر أنثوي طاغي ... سبقت فتح الباب ... صوت ملائكي يلقي علينا السلام ... خجلي جعل عينيا ترتشقان كسهم على حذاء جلدي يلمع سواده تحت جلد رجلين بيضاوين ... بريق بياضهما أعشى عينيا ونعومة جلدها جعل نظري ينزلق كل ما حاول الصعود للأعلى... لم تستقر نظراتي على ركبتين متناسقتين تحت قماش اسود وصلت إليهما بعد جهد حتى أيقضني صوت رحيم مرحبا ...

صوت قبلتين طبعتهما على وجنيه الناديتين دوى في أذني ... أهملني رحيم وأهمل جهازي وتناسى وجودي ... إن لم يهملني من أجلها فمن أجل من سيفعل ... فلأذهب أنا وجهازي وحزني للجحيم ...

لم ارفع عيني لاكتشف صاحبة الطلّة الطاغية ... كنت أتسلى بتحريك أصابع قدمي على الأرض ... لإخفاء خجلي وغيضي .... ما فهمته أنها افتتحت مشروعا جديدا ورحيم يبارك لها ... حفاوة الترحاب بينهما توحي أنهما معرفة قديمة ... تريد من رحيم أن يصنع لها تطبيقا يردّ على اتصالات الزبائن تلقائيا ... قالت أنها لم تستعن بعد بأحد لمساعدتها ...

نظر رحيم في عيني مستسلما ... ما باليد حيلة يجب تلبية طلبها قبلي ... ربما هي استشعرت حزني وغضبي من وجودها الذي عطّلني ... حاولت أن تنسحب في خجل على أن تعود ثانية ... لكني بصوت خافت تنازلت عن حقي ... وأعطيتها الأولوية ... دهشة علت ملامح رحيم الذي استغرب تراجعي بعد طول إلحاح واستغرب أني نطقت أصلا رغم خجلي ...

ابتسامة منها عرفان لشهامتي أنستني الجهاز والإشارات والقرارات وأمي معهم ... كحل وسط اقترح رحيم أن يضع لها مخطط التطبيق وكل الأمور التقنية ثم اتمم أنا الباقي في رقن الرسائل المراد كتابتها مع إشادة بسرعتي وحذقي لتلك المهمة ...

تلك الكلمات أشعرتني بالفخر والأهمية ... علامات الرضا على وجوه الجميع ... ملامح تردد باهت رسم على ملامح الزائرة ... جلس رحيم وراء جهازه منهمكا في عمله ... وجلست بجانبه أتابع باهتمام حركاته ... أما السيدة فجلست قبالتنا على كرسي ... لا ادري كم استغرق من الوقت لكني بدأت اشعر بالضجر وضلوعي بدأت تخزني ...

حركة لا إرادية مني بتحريك ذراعي للخلف ارتفع معها نظري... خرجت مقلتاي من محجريهما ... السيدة كانت تداعب هاتفها دون اهتمام بنا ... وضعية جلوسها أجبرت قماش تنورتها القصيرة أصلا على الانحسار للخلف ... نصف فخذيها المكتنزين عاريان متلاصقان يشدهما القماش غصبا بعضا ببعض ... لا اعلم من زاد في تلق من ... سواد القماش أم بياض الجلد ...

أشحت بنظري وتظاهرت بالتركيز في حركات رحيم ... كنار تسحب فراشة ... نظري يهزمني ويصرع خجلي وارتباكي ويعود ليغوص في ذاك اللحم الطري ... فجأة ... حركة لا إرادية منها ... تضع رجلا على رجل ... مثلث ظل صنعه قماش تنورتها الأسود على فخذيها سحبني للهاوية ...

دغدغة خفيفة أصابت أسفل بطني صاحبها جفاف في حلقي وتعرّق كاد أن يفضحني ... صوت تنهيدة من رحيم حركة من يده يغيّر وضعية الشاشة تجاهها ... حركته دفعتها للنهوض والتقدّم نحونا ... اقسم أني كنت اسمع صوت موسيقى فيلم الفك المفترس مع كل نقرة من كعب حذائها العالي ...

تظاهرت بالتركيز في الشاشة علي اخرج من مأزقي ... كانت تضع يديها على الطاولة وترشد رحيم لبعض التصليحات ... خاتم زواج يزين إصبعها ... معصمها رقيق وأصابعها نحيفة و طويلة ... رفعت عيني بحذر ناحية وجهها لكني لم أصله ... مفرق صدرها المتدلي من فتح قميصها الأبيض سحبني للهوة ...

انتفاخ وقرص يمسك ما بين فخذي ... رغبة في التبوّل تحرق مثانتي ... هروب سلسل بانسحاب حذر ناحية الباب راجيا أن لا يكشفني انتفاخ بنطلوني ... قطعت الشارع قاصدا المقهى المقابل للتخلّص من حالتي الغريبة ...

عند عودتي وجدت الأماكن تغيّرت ... رحيم يجلس في ركن يسميه المتخبر ... منهمكا في فك براغي جهاز اللاب توب ... والسيدة تجلس في مكاني وكرسي رحيم الدوار فارغ ...

أمر سريع منه بالالتحاق بمكاني " يلى بسرعة مش عاوزين نعطّل الهانم اكثر من كده " ... مررت على حذر من ورائها متحاشيا أن المس ظهرها بأسفل بطني ... رغما عني سقط نظري بين مفرق صدرها لترتفع خيمة بنطلوني في ثانية مرة أخرى ...

جلوسي بجانبها كان أشبه بعملية تعزييب لذيذ ... غرست عيني في الشاشة ألا تهزمني نظراتي وتهرب مني نحو ركبتيها ... رائحة عطرها الأخاذ تدغدغ شعيرات انفي ... مع كل حركة من يديها تشير إلى مكان حرف أخطأت في رسمه على الشاشة ... يلامس نهدها الأيمن مرفقي الأيسر فيزيد صراع قضيبي مع قماش البنطلون ...

لاحظت ارتباكي ... مع عدم انتظام أنفاسي ورعشة أصابعي على لوحة الأرقام ... وتعرقي الغير مبرر ... فرحمتني من عذاب نهدها لي واستبدلته بعذاب أصابعها ... بحركة عفوية أو مفتعلة كانت تقرص على أعلى فخذي بكل أصابعها قصد تنبيهي كلما أخطأت ... وكم كثرت أخطائي ...

حالتي لم تجعلني استوعب الموضوع ... هي صاحبة محل تجميل أو مساج وسونا وبخار ... هي ردود الكترونية عن المواعيد ... العروض ... العنوان ...

تمنيت أن ينتهي تعذيبي وفي نفس الوقت أن يمتد للآبد ... قبل أن انتهي طلبت مني أن اترك خانة الخدمات الأخرى فارغة ... قالت أنها ستتولى تعميرها بعد مدّة ... لم أركز مع ذلك ... كنت مسحوب الإرادة ... خجلا ومستثارا في نفس الوقت ...

صوت حركة كرسي رحيم من خلف مختبره تأمرني أن أفسح له المجال للتثبت في عملي وتسجيله ... وقوفي المرتبك تزامن مع التفاتة منها نحوي ... انفها الدقيق لا تفصله إلا مليمترات قليلة عن الخيمة التي صنعها تعذيبها لي ...

لم افهم سبب اتساع حدقتيها ونصف ابتسامتها ... اختفيت وراء مختبر رحيم أخفي فضيحتي ... كلمات شكر منها لامتناع رحيم عن عدم قبول أي مبلغ منها نظير خدماته ... صوت قبلتين طبعتهما على وجنتيه أصابا حلقي بالجفاف ... لم ارفع عيني نحوهما ... اقتراب وقع قدميها نحوي جعلني ارفع عيني من اللاشيء الذي كنت انظر إليه

يدها الطرية الأنيقة تمتدّ نحوي شاكرة جهدي ... لا اعلم من أين أتتني تلك اللباقة بان أقف لتحيتها قبل المصافحة .. ما إن تلامست أصابعنا حتى سحبتني برفق وطبعت قبلة رقيقة بين انفي وعيني وشفتي ... أصبت بالعمى والزكام وفقدان التذوق بعدها ...

تلبّك في أمعائي وجفاف في حلقي وحرقة أسفل بطني ... لم اشعر بها وهي تسلمني كارت عليه عنوان المحل وأرقامه ... لم أرها وهي تخرج ... فقدت الإحساس بكل شيء ... نقرتان قويتان على صدري من أصابع رحيم أعادتني للحياة أو للموت ... لا أدري ...

بضع دقائق أخرى وصلني صوت رحيم يعلمني أن الجهاز يلزمه قطع غيار قد تكون فقدت من الأسواق حاليا ... عالج بداية دمعتي بإخباري انه يتعيّن عليا تعويضه مبكرا في المحل حتى يتسنى له البحث الدقيق عنها عند بعض التجار وافقت دون تردد .

طوال الطريق وأنا امسك الكارت بين يدي ... أقربه من شفتي ... أشم عطرها فيه ... ثملا بما فعلته تلك اللمسات الخفيفة بوجداني ...

امرأة في مثل سن أمي ... جسدها تفور منه الحياة ... ينبض بالروح والروائح ... مع اقترابي من بيتنا ... طارت عن عقلي سكرته وتكسّرت الموجات الوردية على أزيز الباب الحديدي الصدئ ...

أخفيت الكارت في جيبي الخلفي ... ودخلت البيت مستذكرا كل أدعية السلامة ... لست في حال تسمح لي أن أخوض أي نقاش حتى ولو بسيط ...

أمي التي خاصمتني وضعت طبق أكلي البارد على الطاولة ولم تنتظرني للعشاء وأغلقت باب غرفتها ... فليكن ... عزة نفس مصطنعة منعتني من الأكل ... دخلت غرفتي وتهت في أحلام يقظة أو نوم ...

صوت رنين الهاتف وصوت أمي يليه من وراء الباب بنبرة سجّان غاضب ...

" اصحى رحيم مستنيك في المحل " ...

رحيم هو الشخص الوحيد الذي لا تخشى أمي صحبتي له ... رجل متزوج وسمعته الجيدة تسبقه ... خدوم ويساعد الكل ... بشوش ... أمي تثق به ...

بخطوات أسابق بها الريح مرتديا حذاء والدي المريح ... وجدت رحيم ممتعضا من تأخري عليه ... أوصاني بالقيام ببعض الأعمال البسيطة مع العناية بالمحل ... في الصباح يقتصر الوافدون على بعض الأطفال من أبناء الطبقة الكادحة ... لا يمتلكون رفاهية امتلاك العاب الكترونية أو هواتف ذكية فيلجئون لرحيم ... مقابل قطع نقدية بسيطة يمكنهم من حواسيب يلعبون بها لتوقيت محدد ... كثيرا ما يتجاوزون الوقت المخصص لهم لكنه لا ينهر أحدا ...

كثر صخبهم لكني لم اسمع شيئا ... كنت لازلت أشم ريح عطر تلك السيدة في المكان ... اللون الوردي يغطي أحلام يقظتي المبهمة ... شعور بالتنميل في مسام جلدي لا اعلم سببه لكنها دغدغة ممتعة ...

رحت اسلي نفسي بتقليد حركات رحيم في صنع تلك التطبيقات ... الموضوع ليس معقّدا ... فقط بريد الكتروني وتدفع مبلغا بسيطا لحجز الخدمة ثم لك حرية المحتوى .... أحيانا يسحبني شاب صغير يدفع ثمن استغلاله لأحد الحواسيب ... ثم أعود ... تمرّنت على الأمر كثيرا ... مع تكرار الموضوع أصبح سهلا جدا .. كنت أريد التعويض لرحيم ...

أمر مثير للدهشة ... بعض الشباب والكهول يدخلون فقط للسؤال عن رحيم ...رغم إلحاحي أن ألبي طلباتهم لكنهم يقولون إنهم سيعودن إليه شخصيا ...

قبل منتصف النهار ... دخل رحيم متعرقا ... شتمني ألف مرّة كوني سببت له كل هذا التعب ... أحسست بالذنب نحوه ... لكن قلبي بدأ يخفق بشدّة ... سمعت صوت جهاز والدي ينطق مدويا معلنا للعلن أني ما زلت حيّا ...

مسرعا نحو ركن المختبر ... ألقيت نظرة على شاشته وهي تعود للحياة ... حركات بسيطة من رحيم للتأكد من سلامة عمله ثم انسحب تاركا لي المجال لاحتضان آخر ذكريات والدي ...

إتفظّل ياعم قرفتنا معاك وعرقنا بسببك
(كنت اهم أن أنهال عليه شكرا لكنه سبقني في الكلام)
قلي ؟؟؟ ... مزعّل الست الوالدة ليه ؟؟؟
(أحسست بالإمتعاض ان اسرار بيتنا تخرج للعلن) ...
شوف يا وائل أنا زي أخوك الكبير ... وأمك دي تعتبر أختي ... والمرحوم أبوك جمايله مغرقاني ... فارجوك أنا مش غريب
(مصدوما من إكتشاف علاقة رحيم بابي) طالما قالتلك اني مزعلها أكيد قالتلك عالسبب ؟؟
أيوة قالتلي وبصراحة مش مستوعب ردة فعلك ؟؟
يا سلام ليه بقى ؟؟
أنا شايف اني دي فرصة مش هتكرر ... يا ابني هو حد لاقي ... قيمة وسيمة وسلطة ونفوذ وبدلة ميري .. وممكن تمسك منصب يخلي الكل يترجى رضاك
وكلية من غير مصاريف وهأخذ منحة والنقل ببلاش وووو ... بس انا مش شايف نفسي فيها
يا سلام ... أقرع ونزهي ...
يا عم انت إلي اقرع مش أنا
(صوته يسعل بعد نوبة ضحك تعقيبا على سخريتي) ... آخر خدمة الغز علقة ... كده برضو
(كنت أريد أن اعتذر منه على قلة ادبي لكنه أردف)
طيب أنت عاوز إيه ؟؟ فهمني ممكن نلاقي حل
أنا عاوز أدخل الجامعة ... باحب الحسابات ... عاوز أطلع زي ابويا
والمصاريف واللبس والاكل والسكن
هأدخل الجامعة الي هنا ... الاكل وهآكل في بيتنا ... ومصاريف الكتب هاشوف شغلانة في الصيف توفرلي
(صمت طويل اطبق على جبينه المقطب) ... طيب اسمع كلامي ... إنت تروح تقدّم وتعمل كل الي امك عاوزاها ... إحضر اللجنة ... وإعمل اللازم وما تزعّلش مامتك ... وكده كده مش هتخسر حاجة ... ومن هنا لآخر الصيف لو دبّرت مصاريفك اعمل الي في دماغك ولوما قدرتش اقلها تكون ضمنت حاجة في ايدك
اعتقد أن رحيم على حق ... لن يجبرني احد على الالتحاق بالاكادمية بالغصب ... ودعته بعد أن شكرته واعتذرت منه على تعبه ... تأبطّت الحاسوب وهرولت لبيتنا ... أخفيت الجهاز في الحديقة أن تراه أمي ...

سقوطها المفاجئ صباحا لازال يخز ضميري ... أمي هي كل حياتي ... لا أعرف لي ملجأ غيرها ... دخلت البيت مكسور النظر كعادتي ...

أشاحت بوجهها عني عند دخولي ... توجهت نحوها وقبّلت يديها معتذرا ... حضنها لي أعاد لها الحياة .. أمي لن تستوعب كوني سأخرج من تحت جناحها يوما ... دموعها عمدّت راسي وهي تحضنني إلي صدرها ... صدر أمي اشد صلابة من نهدي تلك السيدة ... ماذا أقول ؟؟؟ ...

عشاء هادئ على شرف نصر أمي المؤقّت ... أنهكني الجوع والصراع النفسي ... وجه أمي عاد للحياة ... غطست في الحمام استرجع أفكاري ... ذكريات بعد ظهر أمس تطاردني ... رائحة العطر تستفز قضيبي ...

كشجرة نخل مقلوبة وسط الماء ... رحت أراقبه وأتخيّل تلك السيدة تستحم معي ... إنتفخت دائرة رأسه ... أردت مداعبته لكن قبل أن تلمسه راحتي ... يأتيني صوت أمي مستعجلا خروجي للسلام على خالتي والاعتذار منها ...

زيارة غير متوقعة في هذا الوقت ... ملابسي في الخارج ولا شيء يسترني سوى تلك المنشفة البالية ... لففت وسطي بها تاركا للوقت مهمة تخفيف انتصابي ومدرات فضيحتي ... وكأن خالتي تستعجل نصيبها من كلمات الاعتذار والعرفان وجدتها أمام الباب ...

إنحنيت لتقبيل يدها طالبا الصفح عن كل ما تسببت به كما فعلت مع أمي ... سحبتني لحضنها ... وجهي المبلل غارق في مفرق صدرها ... صدر خالتي طري كصدر السيدة ... طال عناقها لي ومداعبتها لشعري المبلل مع سيل من النصائح واللوم والعتاب ...

مع لحظة إطلاق سراح راسي ... إتسعت عيناها تعجّبا من مشهد الوتد الذي يشدّ الخيمة المحيطة بوسطي ... حركة شفتيها مزيج بين الدهشة والذهول ... هربت للأعلى مختفيا في غرفتي ...

حاولت طرد كل تلك الأفكار المجنونة من عقلي ... أمي وخالتي يتسامران في الصالون ... يصلني صوت ضحكهما دون أن أفهم محتوى الحوار ...

فتحت جهاز اللاب توب ... لا شيء فيه سوى ملفات حسابات وأرقام ... حسابات شركات كانت زبائن لأبي ... لم افهم شيئا ... بحثت عن ملفات سرية ... لا يوجد ما يشفي غليلي

أعد متابعة الملفات ملفا بملف ... ملفات على تطبيق الاكسيل كلها بأسماء شركات ... ملف اسمه اللعبة ... كنت أعتقد أنه اسم شركة لعب ... فتحته ... لم يكن كسابقيه ... جداول كثيرة عليها رموز ... 1/X/2 تكرر كثيرا في 13 عمود… إحتملات وتتكرر ... لم افهم شيئا ...

ذهبت للغرفة الأخرى صوت أمي وخالتي مزهوتان بنصرهما يصلني بوضوح ... طال سهرهما ... فتحت صندوق الأوراق ... قرأتها ألف مرّة ... زاد الغموض أكثر ... مقتطعات كثيرة عليها نفس الرموز ... تحمل اسم شركة الرهان الرياضي ... لم اسمع بها من قبل ...

بعض صور لشيكات باسم أبي عليها مبالغ مالية صادرة عن نفس الشركة ... الآن توضّح الأمر قليلا ... رجعت لغرفتي وبدأت بالتركيز ...

أبي استعمل ذكائه وخبرته في الرياضيات ... توقعات وحسابات دقيقة لاحتمالات ثلاث ... إما الفريق الأول ينتصر او الثاني او يتعادلان ... فكرة عبقرية ... لكن لماذا مات وتركنا مفلسين ... أين ذهبت مرابيحه ؟؟؟

قبل أن أصل لاجابة وصلني صوت إغلاق الباب الحديدي ... خالتي عادت لبيتها ... أخفيت كل شيء وتظاهرت بالنوم ... دقائق وغمزني انعكاس نور الممر على الحائط ... أمي فتحت الباب ... تقدمت نحوي خطوتين ربما تريد تقبيلي لكنها انسحبت ...

لم يغمض لي جفن وإنا احترق على نار تلك الفكرة ... أبي استعمل ذكائه لكن الأمر مستحيل ... 13 مقابلة ب 3 احتمالات ... 3 * 3 * 3 ... سيصل الامر الي أكثر من نصف مليون إحتمال ...

أحرقتني عينيا وأنا أتابع كل تلك الجداول المرسومة بدقة في الملف ... فهمت نظريته وكيف حاول تطويع الحظ بالمنطق ... لكن يا أبي الحظ والمنطق لا يتقابلان ... المنطق يسير بخطى علمية دقيقة والحظ أعمى في مسيرته ...

خنقني الحزن وأنا أتخيّل تحطم أمال كل مرة ... اللعنة على الحظ الذي حرمني من أبي ... الآن فهمت سبب نوبته القلبية المفاجأة ... حضنت صورته أواسيه نحسه الذي أورثني إياه ...

لا اعلم أنمت أم أغمي عليا كمدا ... نقر خفيف على الباب ... صوت أمي يصلني من خلف الباب ... صحوت من النوم ولم أصحو من الصدمة والغم ... رائحة فطائر شهية تدغدغ أنفي وأنا على مشارف المطبخ ....

غسلت وجهي ألف مرة علي أتخلص من أثر السهاد ... وقفت طويلا أمام المرآة ... أرى انعكاس صورتي في انكسار وجه أبي ... ضممت أصابعي وشددت قبضتي وأردت أن ألكم الحظ الذي حرمني منه وحرمه حلما مجنونا ...

أمي مستبشرة بخير هذا اليوم ... تلبس ملابس الخروج ... بنطلون جينز ازرق فاتح ... وقميص ابيض خفيف يتناسب مع حر بداية الصيف ... إفطار شهي وكرم مبالغ فيه نظير طاعتي لها ... قسمت مهمة إعداد ملف الترشح للالتحاق بأحد الاكادميات بيننا ...

أنا سأستخرج كل بيانات دراستي ونتائجي وهي ستقوم بالإمضاءات القانونية ... أنا في نظر القانون لا أزال قاصرا ... هي قوانين دولة لا تفهم منها شيئا ... في سن الثامنة عشر تستطيع اجتياز امتحان القيادة ... تفتح حسابا بنكيا ... تتزوج و تسافر للخارج دون إذن ... يمكنك البيع والشراء وتسجيل الممتلكات باسمك والتصرّف فيها ... تدفع الضرائب ... حتى السجن تدخله في سن الثامنة عشر ... الأدهى انك تدلي بصوتك في الانتخابات وتقرر مصير شعب وأنت في سن الثامنة عشر ...

لكن سن الرشد القانوني هو عشرون سنة ... التجنيد عشرون سنة والالتحاق بالوظيفة العمومية عشرون سنة ... وان سنحت لك الفرصة لذلك قبل بلوغها يتوجب عليك الحصول على إذن من ولي أمرك ... لا تستغرب صديقي فهي تونس ...

حمير تقود بلدا تصل جذورها في التاريخ إلي ما قبل نشأته ... لا تهتم فكلنا في الهم عرب

قبل خروجي من البيت ... حضنتني أمي ... سحبتني لصدرها طويلا ... ربما تسترجعني بعد أن ظنّت أني تهت منها ... رائحة عطرها الخفيف تملا انفي الذي عصر في صدرها ... بعد إطلاق سراحي لم تنظر في وجهي لم ترفع عينها من الأرض ... الأمر غير معتاد بالنسبة لي ...

رحلة شاقة زادتها أشعة الشمس الحامية مشقّة ... قمت بكل تلك الإجراءات الرتيبة دون رغبة ... فقط أردت الحصول على سلام مؤقت مع أمي ... كعادتي اختبأت في غرفتي ... يبدو إن الأمر قد حسم ... سأسير في درب رسمت خطاه لغيري ... وبيد غيري ...

طال تفكيري في لا شيء ... فقط تهت في تلك الفكرة المجنونة التي وصل إليها أبي ... آخر ما وصلت إليه هو إني فهمت المنهجية التي فكّر بها ... والتي سار عليها ... لكنه فشل ... هو الحظ ... كفرس جامح لا لجام له ...

أغمضت عيني لكن تلك الرموز في ملف " اللعبة " تتراقص في مخيلتي ... هززت راسي ألف مرة لكنها استعصمت أن تسكن ظلمة نظري ... رفضت بخجل مرافقة أمي لبيت خالتي ... رغم شوقي لوليمة تشبع جوعي ... لكن نفسي صارت تقرف لقمة الذل ...

لجأت لمحل رحيم ... مجرّد تذكّر اسم رحيم صار يبعث انتصابا وليدا بين فخذي ... ذكريات تلك السيدة طاغية الأنوثة ... الأمر مثير للسخرية ... لكني تلك اللحظات الوردية أسرت روحي ... المحل شبه خاوي إلا من بعض الشباب ... هذا يتحدّث مع فتاة أجنبية ... والآخر يلعب ... لا عمل لي أضيع فيه بعض الدقائق الثقيلة ...

رحت أنظّف الأرضية من أثار بعض الأقدام ... لفت انتباهي عملية يقوم بها رحيم ... هذا يدفع له أموالا والآخر يأخذ منه بعضها ... كنت اعتقد انها معاملات مالية تخصّ بعض الخدمات عن بعد ... مع تقدّم ساعات النهار... تكاثر طالبو تلك الخدمة ...

رغم أن الأمر استفز فضولي لكني لم أتجرأ على سؤال رحيم ... ربما سيتحرّج من أن يجيبني ... لكن المبالغ المتداولة أكبر أن تكون معلوم خدمة الكترونية كالمعتاد ...

مرّت الأيام الأخيرة من الشهر السادس بسلام ... أمي التي عادت إليها روحها باستسلامي الشبه مموه لقرارها ... طوال اليوم في متجر رحيم أساعده في ما أقدر عليه ... شخصيا بدأت احشر نفسي في فكرة الانضمام للاكادمية ... صدقت أمي فمن هو مثلي لا يملك رفاهية الإختيار ...

بدأت الفكرة تتخمر ببطئ في عقلي ... التضحية بخمس سنوات ثم سيتغيّر الوضع ... راتب محترم ووظيفة مرموقة ... الأهم أني سألبس حذاءا جديدا يناسب مقاسي ... حتى وإن كان البوط العسكري الثقيل ...

آخر يوم في الشهر ... هو يوم حافل بالنسبة لمحل رحيم ... تجديد اشتراكات النت ... فواتير الكترونية ... خدمات لا تحصى ... كنت أجلس بجانبه في مكتبه بالمحل ... من كثرة الزبائن صار يستعملني كعداد للاوراق النقدية التي يخفيها في خزنة صغيرة تحت مكتبه ...

تصادف دخول شاب في مثل سنه للمحل وعلى وجهه علامات السرور... طلب من رحيم سحب مبلغ 5 ألاف دينار من حسابه ... كلمات مبهمة من رحيم يبارك له انجازه ... " أخيرا أمسكتها " ...

مكّنت الرجل من المبلغ ... سعادته وهو يفك مطاط الرزمة من الأوراق النقدية وصل أثرها لروحي ... سحب ورقتين من فئة خمسين دينارا ووضعهما في يد رحيم ... قال إن " طباخ السم يذوقه " ... ثم وضع ورقة نقدية في يدي ... قال بسعادة وشموخ ... " حلال عليك ... ادعيلي الحظ يبتسم ثاني " ...

رعشة أصابت مفاصلي من اثر الصدمة ... أول مرة في التاريخ تكتشف أناملي ملمس تلك الخضراء الساحرة ... بعد إنصرافه لم أتمالك نفسي من التساؤل ...

الأمر غير مبرر ... لا أحد يلقي بالأموال هكذا ببساطة ... أخبرني رحيم أن هذا الشاب عانده الحظ كثيرا واليوم ابتسم له وربح ذلك المبلغ وتلك الأوراق هي حلاوة فوزه ... ربما استبشر بوجهي فأهداني أحدها ...

" رزق وجالك "

غرابة إحساس ملمس تلك الورقة في راحتي اختلط بالكلمات المبهمة من رحيم ... حظ ومكسب وحلاوة ؟؟؟ ... ما دخل رحيم بهذا ؟؟؟ ... تصادف دخول بعض الشباب لإيداع أموال في حسابات لم افهمها ... اختلست النظر لشاشة جهاز رحيم ... ذاكرتي حفظت اسم الموقع الذي زيّن الشاشة ...

قال رحيم انه وسيط فرع رهانات ... مقابل عمولة من عمليات السحب او الإيداع ... مكسب في الحالتين ... الوسطاء كثيرون والمواقع أكثر ... هكذا قال

لا اعلم لما رسمت صورة نظرة أبي المنكسرة أمام عيني طيلة الساعات المتبقية من النهار وبقية الليل ... خضعت للتحقيق في البيت عن مصدر تلك الأموال ... أنا فقط سلمت الورقة لامي علها تستعين بها على مصاريف البيت ... ففتحت على نفسي حنفية أسئلة لا تغلق ... لم تفلت أذني من بين أصابعها حتى تأكّدت شخصيا من رحيم من صدق كلامي ... ورغم ذلك لم تنهي تلك الحفلة من اللوم والتقريع إلا بوعدها أن لا اقبل أي أموال من أي شخص غير رحيم ... ولقاء خدمتي له لا غير ...

كنت امني النفس بابتسامة رقيقة منها جزاء لي ... لأوّل مرة في سنوات عمري أقدم لامي مبلغا اعتبرته مهما جدا ... فقط أردت أن ارسم بسمة على شفتيها فرسمت بقعة حمراء على أعلى أذني ....

اليوم الموالي صادف الفاتح من الشهر السابع ... رحيم تركني لوحدي لقضاء شؤون لا مناص منها ... جالسا وراء شاشة الكمبيوتر الكبيرة ... طال انتظاري لعودته وأصابني السأم .... أحرقني الفضول ... قبل أن أتم رقن اسم ذلك الموقع زينت صورته الشاشة ...

رسم لأوراق لعب ... بوكر ... رولات ... رهانات رياضية ... كرة قدم ... كرة سلة ... بحر واسع من الاختيارات ... صوت ضحكة رحيم المصطنعة ممزوجة بصوت آخر أرعبتني ... كمن فتح عليه الحمام وهو يقضي حاجته أقفلته برعب خشية أن تعبث يدي بشيء يسبب كارثة ...

هو نفس الرجل من يوم أمس ... مبتسما سعيدا يصعد صدره غبطة وسرورا ... انسحبت لأترك المكان لرحيم الذي فتح الشاشة ثم الخزنة وبدأ بوضع رزم النقود أمامه ... قبّلني ذلك الرجل ووضع بضع ورقات في يدي ... قال أني وجه السعد عليه ... ودعنا مسرعا ... أقسم أن خطاه لم تكن تلامس الأرض ... الآن فهمت معنى أن يطير الإنسان فرحا ...

مبلغ مائة دينار وضع في يدي ... نصفه قد تسبب في حملة على أذني يوم أمس ... رفض رحيم قبوله ... قال بتهكم ...

ياعم روح اشربلك عصير في مكان رايق ... اشتري مثلجات ... هي لازم أمك تعرف كل حاجة ...
قررت العمل بنصيحته ... أخفيت المبلغ بحذر في جيب بنطلوني الصغير ... وأخفيت الأمر عن أمي ... طوال الليل وأنا أقارن بين غبطة ذلك الرجل وتخيلاتي لكسرة روح وطموحاتي أبي قبل زمن ... لعنت الحظ ونمت ... حلمت أني عدت لبداية سنيني ... أبي يلاعبني ... يشتري لي الايسكريم ... الحلوى ... يرافقني في مدينة الألعاب ... ملابسي جديدة ... حذاء يناسب رجلي ... وضحكته لا تفارق وجهه ...

صحوت من حلمي على صوت خطوات أمي تستعد للمغادرة ... باكي العينين ضاحك الصدر ... حلم بسيط أرسل لي من لعالم الآخر كتعويض عن واقع لم أعشه ... غبطتي بحلمي دفعتني للعمل بنصيحة رحيم ... إخترت بعضا من ملابس أبي القديمة ... الأقرب من أن تناسب هذا الجو وهذا الزمن ... شكلي أنيق رغم كل شيء ... جسدي يلائمه اي شيء ... ربما لأني رأيت نفسي أشبه أبي ... تأبطت جهاز اللاب توب وخرجت

حديقة أحد المقاهي الفخمة تدعوني للدخول ... بخطى مرتبكة قادني نادل بشوش لركن جميل ... المقهى لم يزدحم بعد ... قررت أن ادلل نفسي لأول مرة ... إفطار صباحي متكامل ... حلويات فرنسية وتونسية وقهوة كبيرة وعصير وبيض مخفوق ومياه باردة وبعض السلطات ... بسيسة وزرير ... عسل وزبدة ... اللعنة على الفقر ...

تهت في فخامة ديكورات المقهى والأطقم الموضوعة أمامي تتأنق فيها تلك المأكولات ... الآن عرفت السر وراء إدمان الناس للصور مع هذه الوجبات ... هذه الوجبات جعلت للذكرى لا للأكل كل يوم

بعض الزبائن يحتلون أماكن غير بعيدة عني ... أجهزت على تلك الوليمة وكنت أهم بالانصراف ... رفعت عيني ورايتها ... نعم هي دون شك ... تلبس بنطلون جينز رمادي يبرز تكوّر مؤخرتها ... لإن حرمني من بياض رجليها لكن فتحت التيشرت الأسود أهدت للناظرين متعة التجوّل في مفرق صدرها النافر...

تبعتها نظراتي حتى استقرّت في مقعد غير بعيد عني ... قررت البقاء حتى حين ... ربما فقط القي عليها السلام ... ستكفيني ابتسامة رقيقة منها ... وان أسعفني حظي ستلامس أصابعي اناملها الرقيقة ثانية ...

نظرة جانبية خلسة لعينيها اللامعتين ... وجه ابيض ناصع كصبيحة يوم مبارك ... شعر اسود قاني تتوه في أمواج ليله بأحلام وردية كوجنتيها ... حرّكت قطع السكر في فنجان قهوتها بحركة خفيفة تطارد معها خيط بخار متصاعد منه ...

قبّلت مبسم سيجارتها قبل أن تلهب صدري بنفس دخان أحرق كل جدران الشوق إليها ... كنت لا زلت اعبث ببقايا الأطباق حين تقدّم مني النادل يسحبها من أمامي متسائلا إن كان لي طلب آخر ... قررت شرب قهوة سوداء لأول مرة ... ربما ستلاحظ أني كبير بما يكفي لشرب القهوة مثلها ...

كجهاز ردار أراقب حركتها علّها تلتفت نحوي ... كنت أتمرن على الابتسامة خوفا أن يهزمني خجلي ... ما إن وضع النادل فنجان القهوة أمامي ... حتى تقدّم منها رجل أنيق ... قبل أن يلامس أصابعها قامت وعانقته عناقا حارا ... أنا فقط أردت ابتسامة فجاء هذا الشيء وخطف حضنا لم أحلم حتى به ...

انكسر قلبي وعدت لواقعي ... هي لا تعرفني أصلا ... ربما نسيت من أكون ... أين سرحت بيا مشاعري ؟؟؟ ... الفرق شاسع بين الكل ... رحت أقارن بيني وبين رفيقها ... شعره الرمادي الناعم ... ملابسه الشبابية الفاخرة لا تتعارض مع تناسق جسمه ... أين أنا منه ؟؟؟ ... ربما سأصبح مثله عندما أصبح في مثل سنه ...

إن كان سبب بقائي هو انتظارها أن تراني فالآن تغيّر الحال ... يجب أن لا تراني ... سحبت جهاز اللاب توب عله يشكّل ساترا لي ... تقدّم مني النادل ووضع ورقة عليها كود الوايفاي ... فرصة لتخفيف ثقل دقائق الانتظار ... دخلت النت ... أنا لست مغرما به ... لا تستهويني مواقعه ...

بعض صور الطبيعة ثم سئمت بسرعة ... تذكّرت موقع رحيم ... دخلت دون خشية ... بدأت أتابع باهتمام مكوناته ... الفرضيات المطروحة ... كيف تسجّل وكيف تلعب ... كيف تربح وكيف تخسر ... الموضوع كغيره فقط توقّع النتيجة ... هذا العالم الذي هزم أبي يوما ...

فتحت الملف الذي ورثته عن أبي ... اللعبة ... تابعت خطوات والدي بعين مختلفة ... عين من فهم العملية ... خرجت باستنتاج ... أبي لم يسعفه العمر أن تخترع هذه المواقع في سنين حياته ... قديما كانت المراهنة على مقابلات محددة ... توقعاتها بسيطة .. ما النتيجة ... ربح ام هزيمة او تعادل ...

هنا الامر مختلف ... انت تختار المتنافسين ... الف اختيار تراهن عليه ... أهداف .. نتيجة ... ركنيات ... ألف لعبة في كل الرياضات ... فقط الفرق هنا انك تحدد المبلغ الذي تريد أن تكسبه ...

يمكنك المراهنة على مقابلة واحدة إن أردت ... المكسب يكون حسب ضارب يحدده الموقع ... وكلما أضفت إختيارا آخر .. يتضاعف ضارب الأول في ضارب الثاني في المبلغ الذي ستراهن به ... وهكذا

سحبني هذا العالم حتى غصت فيه ... شخص مثلي لن تستعصي عليه هذه المعلومات أن يسبر أغوارها بسرعة ... قارنت بين فكرة أبي والاختيارات المطروحة أمامي ... تجارب بيضاء للعملية ... الأرقام المتوقع ربحها تزوغ معها العيون ... تنهيدة حارقة خرجت من صدري ... لو كان أبي حيا لما استطاع أحد عد أمواله الآن ....

رفعت عيني متأسفا عليه ... تلك الطاولة احتلتها عائلة كبيرة تتناول إفطارها ... السيدة ومرافقها غادرا منذ مدة تبدو طويلة ... أين كنت ... أين سحبني هذا العالم ... قبل أن استوعب ما حدث أحسست أن يدا ثقيلة تهز كتفي ... صوت أبي الذي لا أذكره يهزني بشدّة ...

" إن كان العمر لم يسعفني أنا ... فالعمر كله أمامك ... غامر لا تخشى شيئا "

هربت من المقهى ... طوال الطريق وذلك الصوت يدوي في مخيلتي ... لجأت لحضن أمي كرضيع مرتعش ... أمي لم تفهم ما أصابني ... فقط حضنتني بعنف ...

سريري تحوّل لحقل شوك ... سهاد ما بعده سهاد ... شيء خفي يدفعني للتفكير ... ليس التفكير فقط ... سرك من الخيالات ... مزيج من المشاعر بين الرغبة والإثارة والانفعال والخوف والطموح والحلم ...

كلما أغمضت عيني تتراقص تلك الاحتمالات أمامي ... متاهة لم أجد منها مخرجا ... هل اجرّب ... فقط سأضع الخريطة المؤدية لمفتاح الكنز ... فتحت جهاز اللاب توب ...

أنشأت ملفا جديدا " اللعبة 2 " ...

الجزء الثالث

على نفس خطى منهجية والدي ... الفرضيات في الفرضيات ... جداول ومربعات ... استنفرت كل حواسي وقدراتي لرسم ذلك المخطط ... طبّقت الإحتملات على عمليات بيضاء متكررة ... الموضوع ينجح ... أكرره ... فينجح

لا يمكن ان تفلت أي نتيجة مهما كانت من شبكتي المعقدة ... الأمر لم يتطلّب سوى سويعات قليلة ... صرخت كأرخميدس ... وجدتها .. وجدتها .... مزهوا بانجازي ... فخورا بعبقريتي

وانطلق سرك من الأحلام يتراقص أمام عيني ... سيارة فاخرة من أغلى طراز ... ملابس راقية ... فيلا كبيرة بمسبح ... سأزور كل دول العالم ... مهرجان أغاني راقصة انطلق في راسي ... الليل لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد ... عددت المبلغ المتبقي في جيبي يكفي ... لتغطية بضع عمليات ...

لا يهم فهو سيتضاعف بصفة آلية ... خريطة مستقبل مشرق لا اتعب فيه ولا أشقى ... فقط أجني الأرباح ... استثمار في الذكاء ... بدأت أضع خططا دقيقة لتبرير ثروتي أمام أمي ... مهما يكن لا بد من أن أعوض عنها سنين شقائها ... هي تستحق ذلك ...

خطط بسيطة كتفكيري ... أول نقطة انطلاق في خطتي هي وجوب أن أتحاشى رحيم ... هو سيخبر أمي بكل شيء بالطبع والاهم انه سيكتشف طريقتي ويقلّدها ... قال إن فروع ووسطاء مواقع الرهانات كثيرون ... سأبحث عنهم ...

مع بزوغ أول سهام الضوء تخترق ظلمة الليل ... فجر يوم جديد في حياة جديدة ... مفعم بالحيوية رغم عدم نومي ... سكون البيت يؤكّد أن أمي لا تزال نائمة ... حضّرت ملابسي ... تأكدت من الأوراق النقدية وأخفيتها جيّدا في جيبي... رأس مالي البسيط ...

دخلت الحمام بحذر ... ملأت البانيو ببطء ... وغطست فيه أتخلص من كل الفقر التاريخي الذي التصق بي ... الماء البارد زاد في نشاطي ... وقفت أمام مرآة الحمام الكبيرة عاري ... قلبت شعري للخلف ... شعري الناعم بلونه البني المائل للأشقر ... تمليت في انعكاس صورتي ... ورحت أتخيّل نفسي ... في عالمي الجديد الذي وجدت مفتاح النعمة فيه أخيرا ... طال مكوثي أمام المرآة ... صوت رنين الهاتف يتلوه وقع خطوات سريعة على الدرج ثم قرقعة الباب الخارجي تصم الآذان ...

صوت أمي وخالتي يكسر السكون في الخارج ... قرع عنيف على باب الحمام تستعجلان خروجي ... كالعادة لا شيء يسترني سوى تلك الفوطة البالية ... التحفت بها وخرجت عاري الصدر ... أمي تلكزني بمرفقها في جنبي بعنف خفيف إحتجاجا على تعطيلي لها ... وخالتي خلفها تستقبلني فاتحة يديها لاحتضاني ...

لا اعلم السر في ذلك لكن رغم ان جسمي نما وصرت أطول منها لكنها تتعمّد أن تغرس رأسي في صدرها كل ما حضنتني ...ربما هو إحتجاج على مفعول الطبيعة ..تريدني أن تثبت لنفسها قصرا أني لا زلت صغيرا ... ربما ...

رائحة عطر خالتي الغالي يداعب أنفاسي المتطلعة للحرية من مخنقها ... ملمس مفرق صدرها الناعم يدغدغ مسامي خدي الندي ... طال عناقها لي على غير العادة ... انسحبت من بين ذراعيها بهدوء ... أردت تقبيل وجنتيها كالعادة... عيناها لم ترتفع من الأرض كأنها تبحث عن شيء أضاعته ...

لثواني وهي تركز في الأسفل ... ثم كمن استيقظ من غفلته ... نظرت في عيني مباشرة ... حدقتاها تتساعن لترسما دهشة وشفتاها تصوران شعورا خفيا بالرضا ...

التحقت بغرفتي ألتمس فيها الستر... لبست ثيابي والتحقت بهما في الأسفل أمي تسرّح شعرها أما مرآة قرب باب المنزل ... نفس البنطلون ونفس القميص ونفس التسريحة ... فقط انعكاس وجهها الجميل يغمرني بابتسامة حب من عينيها ... تناولت معهما الإفطار الذي أعدته خالتي بسخاء ... لم أفهم فحوى حديثهما ... الموضوع يتعلّق بزيارة محامي ... أمي وخالتي أعلنتا الحرب على خالي بسبب الميراث منذ زمن ...

أمي فقط تساند أختها ... خالي وخالتي أغنياء لا يحتاجان ميراث والدهما البسيط في شيء ... فقط هو العند بينهما وأمي وقفت في صف أختها ... كنت استعجل مرور ساعات الزمن حتى أنطلق لحياتي الجديدة ... المكاسب الكبيرة ... الأموال وما تصنعه بصاحبها ...

إنطلقت هائما في شوارع مدينتنا ... بحثا عن فرع إحدى شركات الرهانات .... وجدت الكثير من علامات الإشهار على بوابات محلات عديدة ... محلات إنترنت عمومي ... مقاهي ... أكشاك سجائر ... لكن كلها مغلقة ... من سيقامر في الساعات الأولى للنهار ...

إستوقفتني إحدى العلامات على محل حلاقة للرجال ... ولو أن الموضوع غير عادي لكن لا يهم ... دخلت فاستقبلني رجل في بداية الأربعينات ... بشوش مستبشر بقدوم زبونه الأول ... أخبرته عن طلبي فلبى ذلك بسرعة وبساطة ... بضع نقرات على هاتفه ... أخذ مني مبلغ 50 دينار للحساب وخمسة له عمولة ... هكذا هو قانون هذي العمليات ... وضع في يدي ورقة عليها اسم عجيب للحساب ورقم سري لفتحه ...

كمن حقق نصرا في حرب خرجت مرفوع الرأس ... أصبح عندي حساب وفيه أموال ... المشكلة الآن أني لا أمتلك منفذا للانترنت ... لجأت لأحد المقاهي ووضعت اللاب توب أمامي ... الساعة العاشرة صباحا ... مقابلات كرة قدم في الصين ستفي بالغرض ...

فتحت ملف خريطتي السحرية للثروة ... وبدأت أتبع الخطوات ... أتممت عمليتي بتركيز شديد وانتظرت النتيجة ... هنا تحطّمت أحلامي ... راهنت بمبلغ جملي قدره 27 دينار لأكسب في أقصى الحالات 26 ؟؟؟

لم أستوعب ما يحدث ... ثم بتحليل بسيط إكتشفت أن من صنع تلك المواقع فكّر في ما فكّرت فيه قبل إنشائها أصلا ... ضارب المقابلات بثلاث إحتمالات لا تتجاوز الثلاثة أبدا .. وذات الاحتمالين لا تتجاوز ضارب إثنين ...

كمن صدمه تيار كهربائي تجمّدت أحاسيسي ... انتظرت نهاية المقابلات كالصنم ... نعم لقد صدقت إحدى إحتمالاتي وهو المتوقع ... لكني لم اكسب شيئا ... سوى سهاد الليلة وحرق الدماغ في التفكير ... والكثير من الخيبة

إنسحبت من المقهى أجر أذيال الانكسار ورائي ... كلما تذكّرت أحلامي التي قبرت إلا وإنتفض صدري بتنهيدة تحرق رماد أحلامي التي وئدت قبل أن تبصر النور ...

سخرت من نفسي كثيرا ... لست أذكى البشر والدليل أن من برمج تلك المواقع تفادى تلك الثغرة قبل أن يبدأ في العمل بها .... عدت للبيت خاوي القلب والفكر ... لجأت لغرفتي أصارع نوما أبى أن يرحمني ... صوت عقلي يسخر مني مدويا ... رانج روفر ؟؟؟ ... سفر ورحلات ..ثم يعقبه دوي ضحكات سخرية قوية ...

أحسست أن مفاصلي ترتعش ... جسدي يتعرّق ... لساني تخشّب وحلقي يجف ... كأني أقع في هاوية ... أردت الصراخ طلبا للنجدة فلم يخرج مني صدى ... أردت النهوض فلم أقدر ... ثم أظلمت الدنيا في عيني ...

طنين خفيف مسترسل بنغمة رتيبة متوازنة يصلني ... ألم وخز في ذراعي اليسرى ... أردت فتح عيني فلم استطع ورحت في النوم ثانية ....

فانوس ابيض طويل معلّق على السقف ... رأيت الرعب في دموع أمي التي تتمسك بذراع خالتي من خلف بلور شباك كبير ... أردت النهوض فلم اقدر ... ونمت ثانية ...

ثلاث أيام على تلك الحالة ... فهمت بعدها أني أصبت بنوبة عصبية وإنهيار نسبة السكري في الدم ... وسط ألف سؤال من أمي عن السبب ... لم اقدر على الإجابة ... لو علمت آمي أني اسبر على خطى أبي ستلحقه ... أنا كنت سألحقه ...

مع عودتي للبيت ..أمي تحصّلت على إجازة من عملها وخالتي رابطت عندنا في البيت وأنا نمت في غرفة النوم ... سرير كبير مريح ... صورة كبيرة لامي تحضن والدي تزيّن الحائط ... مع كل حركة منهما تبديان الاهتمام بي كان قلبي ينفطر حزنا ... ندم شديد على صنيعي ... وأشده الندم على مشاعر الكره تجاه خالتي ...

أسبوع على هذه الحالة مع سخاء في الاكل والراحة استرجعت أنفاسي وبعض شظايا نفسي ... اللحم والسمك والبيض أعادا لي بياض وجهي الشاحب ... أمي تنام على الكنبة في الصالون ... وخالتي تنام في غرفتي ... على أطراف أصابعي تسللت للحمام فرائحة عرق تغشى منها الأبصار تسبقني ... المغطس البارد يعاند الماء فيه حوافه تحضيرا لابتلاعي ....

غسلت عرقي ونتيجة تجربتي الفاشلة ... صوت الماء أيقظ الجميع ... وجهان مستبشران يطلان من وراء الباب ... كفرقة مقاومة الإجرام اقتحمتا عليا الحمام ... غطست حتى أخفي عري خجلا منهما ... كلمات بسيطة مني تطمئنهما أني بخير ... لا شيء يدعو للقلق ...

اشراقة وجه أمي أضائت المكان ثم انسحبتا لإعداد فطور ملكي على شرف سلامتي .... لم أتمتع بعد بثواني من الخلوة .. حتى فتح الباب ثانية ... خالتي التي شمّرت قميصها ليكشف نصف بطنها تمسك بيدها قطعة قماش وزجاجة صابون تبدو جديدة ...

لم تعطني فرصة للاحتجاج على اقتحامها خلوتي ... أمر صارم منها بالجلوس على حافة الحوض ...

" ما أنا ياما حميتك وإنت صغيّر "

كأسير ينتظر دوره أن يباع في سوق الرقيق جلست ملصقا فخذي ببعضهما البعض اخفي منبت قضيبي الذي غزاه الشعر ... حركة دؤوبة من يدي خالتي التي إمتلأت برغوة الصابون تدلك عضلات ظهري ... ضغط شديد من أصابعها على كتفي أشعرني بالألم ... قالت انه يساعد على تخفيف التوتر ...

عبثا حاولت إقناعها أني بخير واستطيع الاستحمام بنفسي ... بدأت تراودني بصوتها الناعم أن اعترف بسبب مرضي ... أحسست بلهفتها عليا وعلى صحتي ووخزني ضميري من سابق شعوري بالمقت تجاهها ... أفلت من قبضتها وغطست في الحوض يغطيني الماء حتى رقبتي ...

  • أزمة عاطفية ؟؟؟ ...
  • (تخيّلت أن تلك الفكرة قد تكون مخرجا ونهاية لفضولهما قد تعفيني مرارة الاعتراف بالحقيقة)
  • تقدري تقولي كده
  • كنت متأكدة بس أمك إلي مش مقتنعة
  • بس ارجوكي إوعي تقولي لماما .. هي مش ناقصة
  • ولو إن الأمر بالنسبة ليا طبيعي إنها تعرف بس اتطمّن
  • طيب ممكن تقلي هي مين وإزاي وحصل ايه عشان كل ده
  • (هنا شعرت أني وقعت في مأزق أكبر من الإعتراف بالحقيقة ) ...
  • لو مش حاب تتحكي انت حر بس ..
  • (هنا إختلطت مشاعري بين ضرورة تخز ضميري بالتقرّب من خالتي و بين الحقيقة) مش عارف أقلّك ايه
  • لو حاب تتكلم أنا سامعاك ... هي مين ؟؟
هنا تيقنت من وقوعي فخ نصبته لنفسي .. أنا لا تجارب لي أصلا ولم أفكّر يوما في مثل هذا الموضوع ... ماذا ساقول ؟؟؟ فجأة خطرت ببالي فكرة مجنونة ...

الكذب كحبات عقد ... كل ما سحبت حبّة تلحقها الأخرى ... إستذكرت تلك السيدة ... الأنوثة الطاغية ومشاعر الانكسار لما رئتها في المقهى مع رفيقها ... فاقتبست تلك الحكاية والفت منها خرافة لا أساس لها من الصحة ... إن أردت إقناع أحد بكذب عليك تغليف كلامك ببعض الحقائق لاثراء روايتك ...

حقيقة الانجذاب والإعجاب والإحساس بالقهر والغيرة ممزوجة ببعض الأحداث التي لم تحدث أخرجت رواية حب حزينة متكاملة الأركان من صدري ... اعتقد أن خالتي صدّقتني

رغم أني توقعت صدمة وردة فعل عنيفة منها الا أنها جلست على حافة المغطس وبدأت تداعب شعري المبلل بأناملها قصد التخفيف عني ... تلك المداعبة التي تسري في مسام الجلد فتشعر أن روحك تحلّق في سحب الفردوس ... وبدأت اسرد ما حدث ثانية مجيب على كل تساؤل يطرح عليا ... استرجاعي لحدث المقابلة الأولى أيقظ تلك الرغبة التي اشتعلت بين فخذي كأوّل مرة ...

كلما استرسلت في الكلام انتظمت حركات أصابع خالتي بين خصلات شعري الناعم ... كحركات منوم مغنطيسي خبير كانت تحسبني للاعتراف الشبه كاذب أكثر فأكثر .... انتهت الحكاية التي صنعا مخيلتي أحداثها ... كنت انتظر ردا من خالتي ... أي رد فعل لكنها كانت صامتة ... وضعية جلوسها بجانبي وخجلي وانسجامي مع حالة التقمّص التي استلهمتها لم تكن تسمح لي برؤية وجهها ...

كانت تائهة أكثر مني وعيناها تغوصان وسط الماء ... سطح الماء الساكن مع طول سكون حركتي يشقه نتوء من النصف العلوي لرأس قضيبي الذي تحدى برودة الماء وعاد للحياة مع حرارة تلك الذكريات ....

لم تستجب عضلات جسمي الشبه مخدّرة بعد حتى فتح علينا باب الحمام و رأس أمي يطل منه بعلمنا أن الإفطار جاهز ... دخولها أفاق خالتي من شبه غفوتها ثم خرجت مسرعة دون نظرة واحدة نحوي ...

الطاولة تعج بما توفّر من خيرات في ثلاجتنا الشبه خاوية دوما ... فقط صوت أمي يدوي في المكان ضاحكا مستبشرا ... عينا خالتي كانت تتحاشى النظر لي ... قضمت أصابعي ندما على ما حدث غصبا ... أنا أصلا اشعر بالخجل منها لذنب هي لا تعرفه .. الم يكفي ثقل ذلك على قلبي حتى أشوه صورة ابن أختها الذي تحبه بان اجعله عاشقا لسيدة في مثل سن أمه .. وسن خالته ...

لكني لم أجد مخرجا من مأزقي غير ذلك ... وماذا جنيت ... إن أفشت خالتي السر الشبه مكذوب لامي فتلك الطامة الكبرى ... وإن لم تفعل فهي لن تهدا حتى تعرف ما الذي أدى إلي ما حصل لي ...

محاولا زرع الثقة في نفسي بابتسامة حمقاء رسمتها على وجهي ... كنت مركزا نظري على خالتي التي تغرس عينها في الأطباق هربا من صورتي التي شوهتها بحكايتي ... فقط أردت الاطمئنان أنها لن تخبر أمي ...

ما إن نظرت مباشرة نحوي حتى غمزتها مبتسما ... ابتسامة مفادها أننا على عهدنا ... رعشة أصابت يديها جعلت شوكة الأكل تنفلت منها ...

بما أن حالتي الصحية تحسّنت فلم يعد هناك من سبب وجيه لبقائها في بيتنا المتواضع ... قبل مغادرتها أردت فقط التأكيد عليها للمحافظة على السر ... تمشيت ورائهما نحو الباب ... فتحت لها حقيبة سيارتها ووضعت فيها حقيبتها الصغيرة ...

توقّف قلبي وأمي توشوش لخالتي كلمات في أذنها ... تلتها نظرة من كلتيهما نحوي لأصاب بالصمم فجأة ... عند وداعها إقتربت منها لتقبيلها ... فطبعت قبلة بطرف شفتها بين انفي وعيني وشفتي ... هي نفس القبلة ونفس مفعولها ...

لم افهم ما سبب ذلك لكني لم أنتبه ...

قرار صارم من أمي ألا أترك البيت هذه الأيام ... الإختبار الطبي واللجنة في الاكادمية العسكرية بعد أيام ... قالت أنها حماية لي من أي طارئ أن يطرأ ...

استسلمت لقرار السجن دون القدرة على الاحتجاج ... أصلا نفسي لم تعد تطيق الاحتجاج ... كورقة خريف تعبث بي نسمات الهواء عدت مستسلما لأمي ... اغتنمت تلك الأيام للقيام ببعض الأعمال المفيدة ... هي أعمال تافهة في حديقتنا الصغيرة ...

التخلّص من الأعشاب ... تهذيب بعض الشجيرات ... سد بعض الشقوق في حائط السور ألا تسكنه بعض الحشرات ... أشغال شغلتني ليومين ... أمي التي تمتعت بالراحة الجسدية والنفسية بعد الإنهاك الذي سببته لها ... ومع ارتفاع درجة الجرارة في صيفنا القاتل هذا ... خيّرت ملازمة البيت ومتابعة حركاتي من وراء النافذة ...

في بعض الأحيان تشجعني بكوب شاي أو عصير ليمون وقطعة بسكويت ... ورغم تعرقي وتوسخ ملابسي إلا أنها كانت تصر على عناقي ... ذلك العناق الذي لم تستوعب فيه لا هي ولا أختها أني صرت أطول منهما ... تحشرني في صدرها وتمرر يديها على ظهري ...

كنت أتخلّص من كيس جمعت فيه بعض القش والأوراق الميتة في مكب نفايات آخر الشارع ... أرعبني صوت منبه سيارة تلاه صوت ضحكة خالتي التي لا تخطئها أذني ... دعتني للركوب معاها لكني اعتذرت بسبب حالتي الرثة ... تحدتني للسباق من يصل البيت أولا ...

ككلب يطارد سيارة صاحبه كنت اركض خلفها وهي تضحك ... استقبلت أمي ضحكنا معانقة أختها ... لاهثا من أثر الركض حملت أكياس كثيرة وحقيبتان أثقلتا يدي ...

حسام ووالده سافرا لقضاء عطلة الصيف عند عمّه في أوروبا ... الخبر مزعج بالنسبة لي لكني لم انزعج ... لم اشعر بالغيرة نحوه كعادتي ... هي الحياة هكذا كل وما علق في شبكة رزقه ... أعتقد أن صدمة مرضي القصيرة أكسبتني بعض النضج في التفكير ...

خالتي وأمي تستعدان ليوم الغد اليوم الموعود ... لجنة القبول ... رغم طمأنة زوج خالتي للكل إن الأمر قد قضي ... لكن حالة من التوتر تسود الجو ... الكل متوتر ما عداي ... حالة الاستسلام و خيبة أملي في لعبة أبي جعلتني ادخل في حالة من الفتور النفسي ... إن لم أكن أنا سعيدا فلن أعكّر صفو أحد ...

أمر صارم من أمي بالاستحمام صحبه أمر مبطّن خفي بالتخلّص من الشعر الزائد في جسدي ...لم افهم السبب لكن خالتي أرسلت إشارة خجلة انه من ضروريات الكشف الطبي ...

كيس قماشي صغير مشبّك فيه أمواس حلاقة فخمة وصابون وكريم تنعيم وضعته خالتي في يدي ... ذبذبات كهرومغناطسية وهي تقرّب شفتيها من أذني وتقول

" حاسب لا تعوّر نفسك "

دفعني خجلي من بداية إنتصاب غير مبرر للهروب داخل الحمام ... القيام بمهمة دقيقة كتلك لأول مرة دفعني للتركيز ... شعيرات خفيفة تحت إبطي لم تعاند كثيرا حتى استسلمت للجز تحت وطأة الموس الجديد ... الجهد الذي تطلبته عملية التخلّص من شعر ما بين فخذي جعلني أفكّر في الثورة على الفكرة كلّها ... إن كان التحضير لامتحان القبول هكذا فكيف بالتدريبات والحياة هناك ... اللعنة على هذا العذاب

عملية التنعيم والتخلّص من شعيرات أبت واستعصمت أن تلتصق بجلدي استوجب عملية مسك و تحريك كثيرة لقضيبي الذي زاد تضاعف انتصابه ... واقفا أما المرآة الكبيرة في الحمام فخورا بشكلي الجديد ... التخلّص من شعر العانة زاد في حجم قضيبي أو هكذا تخيّلت ...

صوت نقر خفيف على الباب ... خالتي تطلب مني فتحه ... إحتجاجا مني على أني عاري تماما مددت يدي لالتقط بوكسرا جديدا مدته لي ... لأول مرة في سألبس ملابس داخلية جديدة ... قماشه الرمادي يمسك على منبت عضلات فخذي و حزام عليه اسم رجل بالانجليزية يزين وسطي وما بينهما ارتسم قضيبي كثعبان يختفي تحت أوراق شجرة ...

إصرار خالتي على خروجي لا مناص من الانصياع له ... وضعت المنشفة على كتفي تتدلى حتى وسطي ... نصفي الأعلى مستور والاسفل لا يغطيه سوى البوكسر ... رأس أمي يطلّ من وراء مصرف المطبخ ويصلني معها رائحة وصوت نقانق تونسية أصيلة تصرخ في المقلات ... نسميها المرقاز "

خالتي تمسك بيدي لتسحبني لكنبة الصالون ... بنطلون جديد اسود اللون وجوارب سوداء .. قميص قماشي يلمع لونه الأبيض تحت ضوء الفانوس وعلبة لحذاء تنتظر أن تكشف عن محتواها ...

أصرّت على تنشيف ظهري وصدري بيديها خشية أن تفلت قطرة ماء تفسد بياض القماش ... لا أدرى لما طال فركها لجسدي ... تخيّلته حرصا منها ... طلبت مني الوقوف ... وجهي ناحية أمي في المطبخ وظهر خالتي لها ... حركات حريصة من خالتي على الحفاظ على القميص خشية تجعّد يصيبه...

... طلبت مني أن ارفع راسي للأعلى .... مع كل حركة تنازلية من أناملها تغلق أزراره تلامس أظافرها اللينة صدري ... وصلت لبطني المسطحة ثم ثقلت حركتها وتباطأت ... كان نظري معلّق في السقف حسب أوامرها ... استغرق إغلاقها للزرين الأخيرين وقتا أكثر من الأربع الذين سبقوهما ... مع بداية الم في رقبتي خالفت أمرها ...

نظرت للأسفل ... خالتي تجلس على ركبة وتثني الأخرى ... تهت في مفرق صدرها الأبيض المطل من فتحة قميصها الأزرق ... كتناسق بياض رمال شواطئ بحرنا مع زرقة أمواجه ...

أصابعها تتحرك ببطئ كأنها لا تريد أن تنتهي ... وعيناها لا تفارقان التمثال الذي نحته انتصاب قضيبي تحت قماش البوكسر ... نظرة فاحصة طويلة من عينيها اللتان لا يفصلهما عن أسفل بطني سوى نصف شبر .... صوت طبق كبير وضع فوق الطاولة تلاه سؤال أمي

  • هاه ... ماقسو كويّس
  • كبير قوي
خطوتان سريعة من أمي التي أرعبها أن تكونا قط أخطئتا مقاس الثياب ... وقفت خلفي تزامنا مع وقوف خالتي التي إحمرّ وجهها وغارت عيناها ... لفتني بحذر ناحيتها أن تلطخ بقعة ماء قماشه

  • لا كبير ولا حاجة ده مقاسو بالضبط
  • (خالتي مستدركة بصوت مبحوح كمن صحي من نومه للتو) مش عارف اتهيئلي انه كبير
سيطرت أمي على الموقف وسط سخرية من تقييم خالتي وأنها لا يمكن أن تخطئ في مقاس ابنها ... لبست البنطلون والجوارب ... سعادتي بحذائي الجلدي الأسود الخفيف لا يوصف مع السعادة التي تشع من عيني أمي ... أما خالتي فقد التحقت بالمطبخ لا أدري ما تفعل ...

عشاء لذيذ ودسم لم تعهده بطني ... أمي التحقت بغرفتها وهي تؤكّد عليا بالنوم باكرا ... سنصحو عند الفجر ... وخالتي توسدّت مخدة على أريكة الصالون ...

غير متعوّد على حلاقة شعر أسفل بطني أمسكتني حكة عنيفة حرمت عيني النوم ... الحكة المتواصلة أرغمتني على النزول للحمام بحثا عن علبة الكريم المرطّب ... على أطراف أصابعي محاذرا إحداث أي ضجيج من شانه إزعاج خالتي التي تكوّرت في الأريكة ملتحفة غطاءا خفيف تستنجد به من لدغات البعوض الذي استنفر هذه الليلة ...

تلامس أصابعي المغمسة بالسائل اللزج مع منبت قضيبي ... منحني شعورا بالراحة ودفع الدم في شرايينه لينطلق متطلعا للأعلى ... كلما دعكت مكان الحلاقة زادت رغبتي في المواصلة... نعومة الكريم ورائحته الزكية مع ملمس جلدي الناعم زادت في لمعان مسامه تحت أشعة الفانوس الخفيفة ...

جلبة خفيفة مصدرها المطبخ دفعتني لستر نفسي بالبوكسر والخروج بحذر ... عاري الصدر وحافي القدمين ... إطلالة جسد خالتي التي أفزعها صوت فتح باب الحمام تقف وراء مصرف المطبخ الرخامي ممسكة كأس ملأته بالمشروبات الغازية ....

هو مفعول أكل النقانق التونسية أو المرقاز ليلا بالتأكيد ... اللحم والملح والبهارات تشعل نار العطش في البطن مع لهيب هذه الأيام ... لن تجد مفرا من شرب كل ما هو متوفّر لديك ... ظلّ شعر خالتي المنكوش يتراقص على جليز الصالون يصلني قبل أن يصلني صوتها

  • ماجالكش نوم ؟؟؟
  • لا أبدا كنت نايم وصحيت رحت الحمام ...
  • تحب تشرب ؟؟؟ (مدت يدها تمسك القارورة المنتصفة)
  • أحب طبعا
دخلت من الفتحة النصف ضيقة التي تفصل الصالون عن المطبخ ... سكبت كأس كبيرا ... خالتي انسحبت قليلا للخلف ... تلبس قميصا قطنيا خفيفا يصل لنصف فخذيها ... صورة إمرأة صهباء على مقدمته إتسعت عيناها بفعل انتفاخ صدرها ... جعلني أتبسّم من مشهدها ... قفزة صغيرة منها بخفة القط رفعت مؤخرتها لتضع نصفها على رخام المصرف وتطوي رجليها إحداهما فوق الأخرى ...

النور الخافت يلمع في عينيها ... خالتي تشبه أمي لدرجة لا تصدّق ... وكلتاهما تشبهان الفنانة داليا البحيري ... غير أن طولهما اقصر منها بقليل ... وإختلاف بسيط في لون العينين ... أمي عيناها تميل قليل للزرقة وخالتي تميل للرمادي ... لا تستغرب فنحن هكذا ... غير ذلك فهما نسختان متطابقتان ...

إستندت على رخام حوض الغسيل في المطبخ محاولا التمتع بالمشروب البارد بينما عينا خالتي انغرستا في كأسها ... شعور مضطرب الم بي ... خالتي التي كانت سندا لامي طول سنين عمري والتي لم تبخل عليا بأي شيء ... هي لم تفعل شيئا سوى أنها تهاديني بثياب ابنها القديمة ... لهفتها عليا وخوفها ووقوفها بجانب أمي دوما وخصوصا عندما أكرمتني بثيابي الجديدة مساء اليوم جعلني أشعر بالإمتنان وتأنيب الضمير نحوها .... ذلك الشعور بالامتنان تزامنا مع كمية الحنان التي أغدقتها عليا فجأة ... جعلني اسعد بالبقاء بجانبها

ربما جرعة الحنان التي افتقدتها من أم فرضت عليها الظروف تلك القسوة والشدة ... حنان يحتاجه كل من هو في مثل سني وظروفي ...

تهت في تفكيري لدقائق طويلة من الصمت ... صمت قطعه صوت خالتي الهادئ ... كأنها تستجمع موضوعا تريد طرحه عليا ...

  • قلي بقى إيه الي طيّر النوم من عينك ...
  • (منعني خجلي من الاعتراف بالحقيقة) لا ابدا بافكّر في اللجنة بكرى ...
  • (حركة تقطيب حاجب ورفع الآخر توحي أنها لا تصدقني) بتفكّر في اللجنة وإلا بتفكّر فيها ...
  • هي مين ؟؟؟
  • (غمزة بنصف عين منها) اهاه ... عليا الكلام ده يا واد .. الست الي كانت هتجيب أجلك قبل ما تطلع مالبيضة ...
  • (هنا جف الريق واحترق الحلق... هذه الكذبة لن تنتهي أبدا ؟؟؟ ... كنت سأقسم لكنها قاطعتني)
  • طالما سكتت يبقى كلامي صح ... قولي بقى إنت لسة بتحبها ...
  • بأحبها ؟؟؟ إنت وصلت لغاية هناك بسرعة ليه ؟؟؟
  • أمال ؟؟؟
  • ابد اده كان مجرّد إعجاب ... فيها حاجة شدتني ليها ... بس
  • يعني عاوز تقنعني إن مجرّد إعجاب يوصلك ترقد في المستشفى وتطلع عيننا معاك ؟؟ مش مصدّقة
  • اقسملك هي الحكاية كده
  • طيّب إقنعني ...
  • مش عارف أقلّك ايه ...
  • قول من غير كسوف ... انا سامعاك
  • هو مش إعجاب هي حالة ثانية أوّل مرة أحسها ...
ورحت أعيد على مسمعها كل ما حصل في محلّ رحيم مع تفنن هذه المرة في وصف تأثيرها في نفسي وجسدي باستحياء ... خالتي كانت تمسك كاس مشروبها الفارغ بأطراف أصابعها ... وتصغي بتركيز شديد لكل حرف أقوله ... قاطعت كلامي مستنكرة وبشدة أن إحدى زميلات الدراسة أو أترابي لم تشد إنتباهي او تجذبني إليها ...

هنا وقفت الطريق بالهارب ... سؤال في شكل مأزق يصعب الخروج منه ... على غير عادتي وجدت طريقا للكذب ثانية باعتماد بعض الحقائق ... بما اني سحبت حبة عقد الكذب الأولى كان وجوبا عليا أن استرسل ... مستخدما مخزونا من القهر وحقدي على ظروفي ... بدأ صدري يهتز مع كل حجة عن استحالة أن تنظر لي إحداهن بسبب مظهري الرث وحلة فقري ... لا أستطيع المنافسة على إحداهن ...

استحضار ذلك الشعور النابع من قهر حقيقي أنتج زفرات وحشرجة أشبه بالنحيب ... أحسست بالنصر والنجاة وأنا أرى خالتي تفتح ذراعيها تدعوني لحضن تواسيني به .... إقتربت منها وكعاتها سحبتني لصدرها تحشر رأسي به ... وضعية جلوسها على حافة المصرف الرخامي مع وضع رجليها جعلت راسي يتوسد مفرق صدرها وركبتها المثنية تلامس طرف رأس قضيبي الذي لم يتخلّص من انتصابه بسبب الدعك بالكريمات ...

تزامنت حركة أناملها الرقيقة على شعري الناعم مع حركة خفيفة من ركبتها على رأس قضيبي الذي لا يمكن أن لا تكون أحست به ... رعشة من لم يتعوّد ممزوجة بخجل ورعب وارتباك إنتهت بانطلاق دموع لا أعلم سببها ... هل هي حالة التقمّص التي كنت فيها أم هو إنفعال طبيعي لتلامس محرم لم أتعمده أم خوف من ردة فعل قد تحطّم علاقة امتنان وليدة بعد نكران طويل ...

دموعي الحارة سالت على مفرق صدر خالتي ... تفاعلها مع حالتي جعل نبض قلبها يتسارع تحت خدي ... لهيب العاطفة المتأججة جعلها تريد سحبي أكثر نحوها ... ركبتها تمنع التصاق جسدي الفتي بجسدها الحنون الخبير ...

دفعتني بركبتها من بطني للخلف وهي لا تزال تحيط راسي بذراعيها وفتحت رجليها لتسحبني بينهما لها ... ذراعان يحيطان برقبتي ساحبين راسي لصدرها ورجل تضغط على مؤخرتي ليلتصق وسطي بما بين فخذيها ...

حرارة تلك المودة الغريبة استعرت بتلامس قماش البوكسر بقماش ناعم بين فخذيها ... نعومته فرضت عليا الحركة غصبا عني ... قضيبي يتجوّل محبوسا في البوكسر بين فخذيها دون قصد مني أو منها ... توقعت ارتباك أو رفضا أو صدا لكن مشاعر التعاطف معي هزمتها فطال عناقها لي وازدادت دموعي ...

توقفت عقارب الزمن عن الدوران وأنا بين أحضانها ... لا اعلم كم لبثنا وأصابعها تتجول في خلفية راسي وأعلى رقبتي مانعة عني التفكير وردة الفعل ... شعرت بارتفاع رائحة جلدها وشممت ريح جسدها الناعم لأول مرة هكذا ... ثم أمسكت راسي ورفعته ناحية وجهها ... صارت المسافة بين عينينا اقل من إصبع ... تهت في لونهما قليلا ... رعشة خفيفة من شفتيها ... ثم كم إستيقظ من كابوس مرعب ...

دفعتني برفق وهي تهرب بنظرها نحو ساعة قديمة معلّقة على جدار الصالون ... الساعة تشير للثالثة صباحا ... الزمن يتطاير عندما يهتم بك أحدهم ... بصوت تخنقه حشرجة قالت أن الوقت تأخّر كثير وأمامنا يوم طويل غدا ....

انسحبت كالمصعوق من أمامها أداري قطرات داكنة ابتدأت تتوسع في قماش البوكسر ... ما إن خطوت نصف درجة في اتجاه الأعلى حتى سبقني صوت الفجر ممتزجا بصوت هاتف أمي ونصف كحة تخرج من حلقها معلنة بداية اليوم الموعود

لم تتطلّب التحضيرات وقتا كثيرا ... أمي تولّت مهمة الاعتناء بقيافتي معوضة غياب خالتي التي طال إختفاءها في الحمام ... الساعة تشير للخامسة صباحا ... خالتي تتولى قيادة سيارتها تجانبها آمي وأنا في المقعد الخلفي ... طوال الطريق وأمي فقط تتحدث وسط إجابات مقتضبة من أختها خلت من الروح والابتسامة ...

ساعتان ونصف أكلت عجلات السيارة فيهما المسافة بين مدينتنا والاكادمية العسكرية ... أمي نزلت من السيارة تتأكد باهتمام من مظهري و تتفقد بحرص الوثائق في الظرف الذي بين يدي ... بينما خالتي ترشق نظرها في بلور سيارتها كأنها تهرب من شيء ما ...

تائها وسط حشد من أترابي ... مجموعة كبيرة من الفتيان والفتيات يتأنقون بمختلف درجاتهم الاجتماعية أمام الباب الكبير ... قوس كبير يحمل اسم المنشأة ... تطل من خلفه بنايات كبيرة مسقّفة بالقرميد الأحمر ... يتوسطها صاري طويل يرفرف فوقه العلم الأحمر بنجمته وهلاله ...

مجموعة من الشباب بزي موحد يحملون علامة آلفا بيضاء فوق أكتافهم يتولون تنظيم صفوفنا وتقسيمنا إلى مجموعات حسب الشعبة العلمية ثم حسب العمر والاسم ... كل المترشحين هم من المتفوقين في إختبار البكالوريا ... الأعلى معدلات والأكثر جدارة ... كنت فخورا بأني أحدهم ... لأول مرة اشعر بالفخر

أمر صارم بالتقدم .. ما إن خطت يسراي تحت القوس العالي حتى أحسست بنفسي تغيّرت ... الحدائق الخضراء والأشجار المنمقة تتناسق مع مشهد الضباط بملابسهم الموحدة متمازجة مع الأحذية اللامعة ... الذقون الحليقة في وجوه صارمة واثقة تحت قبعات مزينة بنقوش مختلفة حسب الرتب تتشارك فقط في دائرة عليها العلم ... وقفت شامخة وحركات حريصة من جميعهم على نمط واحد ...

سقطت كل جدران مقاومتي فجأة ... لا أعلم السبب لكن ذلك العالم سحرني ... لم يكن الموضوع صعبا ... زيارة لمصحة يتولى فيها كل عنصر مهمة معينة كقياس الطول والوزن والنظر والسمع ... التأكد من سلامة الجسم من أي أثر لجرح يمنع نشاطه ... طبيب ملامحه جادة تزيّن وجهه الأحمر بشارب أشقر محفف ... يتولى معاينة كل جسدي ...كل الجسد لا يسترني عنه شيء ... من أسفل رجلي حتى أعلى راسي ... ثم اشّر على ورقتي بالقبول ...

بعد المرور في الكشف الطبي ... بدأ قلبي يخفق بشدة ... نصف من دخلوا معي وقع الاستغناء عنه لأسباب عديدة ... الفتيان الذين فهمت أنهم تلامذة ضباط سبقونا بالالتحاق قبل سنة أو سنتين أعادوا تنظيمنا حسب قائمات جديدة ...

اقتربت من قاعة كبيرة ... طاولة بسيطة وطويلة جدا يجلس عليها 12 عشر ضابط برتب مختلفة بتوسطهم رجل وسيم وبشوش يضع على كتفه شعار الجمهورية وثلاث نجمات صفراء لامعة ... هو الأعلى رتبة فيهم ...

مع نصف حركة من شفتيه معناه ان لا تخشى شيئا .... تمالكت ارتباكي ووقفت شامخا متحديا نظراتهم الفاحصة لي ... تحدّثت بطلاقة استغربتها من نفسي ... أجبت عن كل الأسئلة البسيطة ...

إنتهى الأمر ... وقع إكرامنا بغذاء محترم ... جلوسي في المطعم الكبير ... مشهد الحركة والانضباط .... الملابس الموحدة تعطي أصحابها رونقا جميلا جدا ... نسميه في تونس " الوهرة " ... السحر يزداد في عيني ...

قبل انصراف من تبقى منا ولم يتبقى الكثير ... وقفنا في صف متناسقين حسب الطول استعدادا لأمر هام ... هكذا فهمت من الحركية الشديدة وتجمّع الكل في صف واحد

فجأة دوت صرخة شديدة من الرجل البشوش الذي استجوبني يأمر الجميع بالاستعداد ... العيون كلها تتطلّع لباب مكتب في بناية عالية فخمة تزينها مقولة نقشت أعلاها " الحياة عقيدة وجهاد " ... فتح الباب ليخرج علينا رجل عليها علامة المهابة ... يلبس نفس الزي العسكري ... كتفاه مزينان بشعار للجمهورية وسيفين متقاطعين ... قبعته مزركشة برسوم جريد نخل يحيط بها من كل جانب ...

ألقى علينا خطاب ترحيب مقتضب ثم ودعنا بقوله .... " الي كاتبتله خبزة معانا تو ياكلها " ...

كلمة لا زال صداها يتردد في أذني لليوم... معناها من كتب له لقمة عيش هنا سيأكلها ... الموضوع ليس لقمة عيش هي شخصية تتملك بك وتسرق منك شخصيتك الأصلية ... شيء كالسحر أصابني ... دخلت ممتعضا رافضا مجرّد الاقتراب من هذا العالم وخرجت أرى نفسي أنتمي اليه ولا انتمي لغيره ...

مررت من تحت قوس الباب ... منتصب القامة مرفوع الرأس ... أمي وخالتي تحتميان بالسيارة تحت ظل شجرة في مرآب أمام الباب لم تنتبها لخروجي ... سعيدا مزهوا باني كنت أحد المرشحين الباقين للاتلحاق ... سيقع إختيار الافظل منا حسب قولهم ... الأفضل أو من يملك واسطة تساعده ... لا أعلم طرقت باب النافذة منبها اياهما بوصولي ...

نزلت أمي مستفسرة ... نصف ابتسامة ونصف انشراح على وجنتيها بعد علمها بنجاحي في الاختبارات ... ثم ركبنا في طريق العودة ... الصمت يطبق على المكان ... تخيّلت أن الإجهاد تمكّن منهما بسبب السهر والحرارة ... لا خالتي تتكلم ولا أمي تفتح موضوعا ... أرخيت راسي على مقعد السيارة ورحت في شبه حلم ...

حلم كنت بطله ... تخيّلت نفسي بعد سنين طويلة وكتفي تزينها السيوف والكل يرتعد لوقع خطواتي ... بدأت نفسي تتحضّر لعالمها الجديد ...

سرقتني أحلام اليقظة ... فلم اشعر بنفسي إلا والسيارة تتوقف أمام باب بيتنا ... رغم إلحاح أمي على خالتي بالدخول إلا أنها تمسكت بقرار رحيلها متعللة أن الأريكة آلمت ظهرها ...

ما إن خطوت خطوة واحدة داخل البيت مع هدير محرّك سيارة خالتي ... حتى لحقني صوت أمي مدويا في البيت ...

" إيه الي إنت عملته مع خالتك ده ؟؟؟ ... إنت إتجننت ؟؟؟ "
رااااااائع
 
  • نار ياحبيبي نار
التفاعلات: Simon3
بجد القصه جميله اوي وطريقتك في سرد المشاعر تحفه بجد .. والمشاعر اللي في المواقف بين الأشخاص بتحس انك واحد منهم .. ااستمر وياريت متتاخرش في باقي الاجزاء ..برافو بجد 🤩👏👏
 
  • أتفق
التفاعلات: saadhussam
سابدأ من نهاية الجزء حيث التشويق الاثارة مع بعض الخوف و الترقب من من مواجهة وائل و امه
فهل اخبرت الخاله ما دار بينها و بين وائل؟
كالعادة جزء رائع من كاتبنا المبدع
و كلنا شوق للجزء القادم
 
  • عجبني
التفاعلات: الباحـــث
الجزء الثالث رائع بأمتياز..
اعجبني التعرف على بعض الكلمات التونسية.. شعب تونس الراقي.. الجميل.
بانتظار القادم.. كل التوفيق
 
  • عجبني
التفاعلات: saadhussam
كالعاده الجزء الثالث رائع
والاحداث جميله ودايما كده بتحب تشوقنا في اخر كل جزء
تحياتي للكاتب
ولولا ان الجزء نزل اليوم كنت قلتلك ياريت تنزل جزء كمان النهارده 😅
ننظر بلهفة الحداث القادمة
 
  • عجبني
التفاعلات: saadhussam
أولا لنكن متفقين ... نحن هنا في منتدى جنسي ... وجميع المواضيع المطروحة تقع تحت حماية إدارة المنتدى ... الحرية في الميول والأفكار والشبق والخيالات الجنسية مكفولة حسب قوانين المنتدى ... أي تعليق من مدعي الأخلاق غير مقبول بالنسبة لي ... أتقبّل النقد الأدبي للقصة ... نقد العمل القصصي لا غير ...

الفكرة وليدة فكر صاحبها وهو الوحيد المسئول عنها ... القصة مبوبة تحت باب جنس المحارم ... وأنت الآن دخلت بمحض إرادتك للاطلاع على محتويات هذا الباب ... فان كانت الفكرة تزعجك وتسبب إليك أي نوع من أنواع الحساسية فلما أنت هنا ؟؟؟

ثانيا ... تواجدك في منتدى يخلع عنك بصفة آلية جلباب الأخلاق ... فلا تحدثني عنها ولا تشر إليها لأنك لا تمتلكها ...

ثالثا هي مجرّد توطئة... بعد كتابة فصلين مختصرين من المذكرات وجدت انه لزوما عليا ومن باب المصداقية قبل إنهاء الفصل الثالث دخول تجربة هنا ... ولأسباب أخرى عديدة قررت خوض غمار قصة جنسية للمرة الأخيرة ... ان كانت نتيجة المحاولة الأولى مع أولائك إصابتي بمرض فقدان التوازن فأرجو أن لا تسبب لي تجربتي معكم شللا رباعيا ...

الجزء الأوّل

اللعنة على هذا الحذاء ... كلما تقدمت به خطوة للأمام إلا وازداد الألم في رجلي ... الم رجلي يذكرني بألم نفسي ... حذاء حسام ابن خالتي القديم ... كل ملابسي وكتبي وأدباشي هي ما تخلّص منه حسام ... أو أمه إن صح التعبير ...

مذ وعيت على الدنيا وأنا البس ما ضاق عنه ... ادرس بكتبه القديمة ... حتى بطني لا تشبع إلا عند زيارتنا لبيت خالتي ... لم احتج يوما على وضعي ... في بداية سنين الطفولة لم يشكل الأمر عائقا لي ... بل بالعكس ... لكن الطبيعة لم تشأ إلا التضييق عليا في كل تفاصيل حياتي ... طبيعة لم تستوعب أن أمي براتبها البسيط لا تستطيع توفير ملابس جديدة لي ... فلماذا ينمو جسمي لأسبق في المقاسات جسم حسام ...

حذاء ضيق وبنطلون يجاهد في وسطي أن تنفلت احد أزراره ... وقميص يضيق على صدري أكثر مما يضيق صدري بهمومي ... مع ضيق الحذاء يزيد ضيق الحال من معاناتي ... ديون أمي عند صاحب الدكان القريب من بيتنا تجبرني أن اسلك مسافة كيلومترات يوميا بين المسالك الفرعية لاقتني حاجياتنا من مغازة وسط البلد ... وأعود متبعا متاهة من الأنهج الضيقة المتعرجة بخطايا العرجاء من الألم ...

الكيس البلاستيكي بدأ يجرح أصابعي ... أحد المقاعد الخشبية على ناصية الطريق ... كان ملجئي من الألم المضاعف ... وضعت الكيس بجانبي وأخفيت راسي بين راحتي علي ارتاح ولو مؤقتا من عذابي الدائم ...

وضعية جلوسي فرضت عليا النظر غصبا عني لحذائي ... ماركة عالمية معروفة ... كان غالي الثمن حال شرائه ... في بلدنا نعرف القيمة الاجتماعية للشخص من حذائه ... إشارة تقطع كل أمل لي في المستقبل ... لن أكون الا مستودع قمامة لما يتخلّص منه ابن خالتي ...

خالتي أكبر من أمي بسنوات قليلة ... متزوجة من موظف كبير في الحكومة ... مرتب مرتفع ... منصب مهيب ... سيارة إدارية ... مسكن وظيفي ومساكن أخرى فرعية للتصييف ... الموظفون السامون هم من يتخذون القرارات المصيرية للدولة ... يتحكمون بالميزانية ... بتقسيمها ... اغلبها تصرف لتوفير ظروف عيش مريحة للموظفين ورغم ذلك يرتشون ...

أمي تزوجت بعد خالتي بسنتين ... تزوجت أبي عن حب ... أبي لم يسعفه الحظ في الانتساب للوظيفة العمومية ... كان صاحب مكتب حسابات ... أنا لم اعرف أبي إلا من الصور ... توفي وأنا لازلت أتعلم المشي ... تركني أتعثّر في خطواتي ...

مقارنة بين صورة خطواتي الأولى المتعثّرة ... حذاء صغير جميل عليه رسوم ميكي ماوس و يد والدي القوية الحنونة تسندني عن بعد ... الآن وأنا تجاوزت الثامنة عشر ... خطواتي لا تزال تتعثّر في حذاء قديم يقضم أصابعي ... والسبب فقدان يديه لتسندني ...

طعم مالح انسل لشفتي من دمعة سكبتها عيني ... طالما بكيت خلسة ... لا أعلم هل ابكيه أم ابكي نفسي ... لكني اشتاق إليه ...

نسمة باردة تدغدغ ضلوعي تعلمني أني تأخّرت في العودة ... الم مضاعف مع إسراعي في المشي خوفا أن أتأخر عن أمي ... أمي التي لعبت دور الأب والأم في نفس الوقت ... صارمة وذكية ولا تفوتها النسمة المتسلّلة من تحت الباب ... تراقب كل حركاتي تخشى عليا من كل شيء ومن أي شيء ...

تقول دائما أني ثروتها التي استثمرت فيها عمرها ... هي ستبلغ الأربعين قريبا ... أرملة منذ ما يزيد عن ستة عشرة سنة ... تحمّلت الوحدة والفقر والغم لأجلي ... دين آخر يزيد في ضيق صدري ...

انا عن نفسي لم أكلفها شيئا سوى مصاريف الأكل ... نسكن في بيت تركه لنا والدي ... البس ما ترميه خالتي لي بسرور بصدق أحيانا وأتظاهر به أحيانا... اجتهدت في دراستي فلم أكلفها مليما في دروس خصوصية بل كنت اكسب مصاريفي من إعداد بحوث الدراسة لزملائي المرفهين...

نجحت في البكالوريا بتفوّق ... انتظر التوجيه ... أريد الالتحاق بإحدى كليات المحاسبات ...

كنت أحلم أن أصبح محاسبا كأبي ... أن أحقق حلمه وانجح في عمل هو يحبه ... هدف لم ينصفه عمره أن يصل إليه ... استقبلني مشهد سيارة خالتي تقف أمام بابنا ... زادت نفسي ضيقا ... دفعة أخرى من ملابس ستحشر فيها كرامتي قبل جسمي ... ومشاعر مصطنعة مني بالعرفان بالجميل ...

دفعت الباب الحديدي الصدأ بعنف ... صوت قرقعته هو حمايتنا من زائر غير متوقع ... نظرة لليمين والشمال للحديقة الصغيرة ... حركة لا إرادية أهيئ بها صدري و عضلات وجهي للابتسام لمصدر الذل في حياتي ... مع وصولي للباب الخشبي ... صمت يوحي أن قدومي قطع موضعا مهما بين الأختين ...

سلام حار مصطنع مني وبارد حقيقي من خالتي ... وضعت كيس المقتنيات في المطبخ ... وجلست بعيدا عند باب الصالون ... أثاث بيتنا لا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ... لم أكن استمع لما يدور بينهما ... لكني متأكّد أن وجودي تسبب في تغير الموضوع ... لا اعلم لماذا لكني كنت مستمتعا بتأثيري السلبي عليهما ...

طال وجودي الغير مرغوب فيه مما اضطر خالتي للانصراف ... تابعت خطواتهما وأمي توصلها للباب ... أمي أجمل منها بكثير ... فقط الملابس الفخمة هي التي تمنح خالتي تألقها .. وربما تسريحة الشعر والحذاء العالي الذي يرفع مؤخرتها ... كذلك الماكياج ....

أمي في بيجامتها المترهلة تبدو أجمل منها ... لا توجد امرأة أجمل من أمي ... حكمة لا أعلم أين سمعتها .... طالت وشوشتهما عند الباب فانسحبت لغرفتي ...

منزلنا مكون من طابقين ... على الطراز الأمريكي ... غرفة معيشة او الصالون يستقبلك عند دخول البيت بأثاثه ومكتبته, في آخره على اليمن مطبخ مفتوح بمصرف رخامي اجتهد أبي أن يتناسق مع ألوان الرخام فيه ... شبابيك بلورية كبيرة تطل منها بعض شجيرات الزينة من حديقتنا الصغيرة ... انعكاسها كلوحة زيتية تفنن رسام مجتهد أن يبرز تفاصيل الروح الساكنة فيها ... بجانب المطبخ حمام كبير يتوسطه مغطس مدور يتسع لثلاث أشخاص بالراحة ...

الطابق العلوي مكوّن من 3 غرف ... غرفت نوم أمي وغرفتي وغرفة ثالثة ... حرم موت أبي جدرانها أن يسكنها أخ أو أخت لي ... تلك الغرفة مغلقة دائما ... أمي ألقت فيها كل متعلقات أبي ... وأغلقت على ذكريات زمن جميل لم أعشه ... يفصل بين الغرف ممر واسع ينتهي ببوابة بلورية تستقبل نور الشمس من شرفة نصف مستديرة ...

طال الوداع بين أمي وخالتي مما يوحي أن أمرا مهما تطلّب نقشا مستفيضا بينهما ... لجأت للحمام أعالج ورم رجلي من اثر المشي بالحذاء الضيق ... الماء البارد يخفف توتر مسام جلد أصابعي الغضّة ... برودة الماء أشعلت رغبتي في الاستحمام ...

نصف جسدي مختفي في المغطس البارد ... برودة علها تعالج التهاب روحي وجسدي ... شعور نفسي بالضيق والاختناق ... لم أجد له مبررا ...

أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل واقعا غير هذا الواقع ... نصف الغرق ونصف الطواف ... نصف البرد ونصف الحر ... نصف الواقع ونصف الخيال ... لا اعلم أين تاه بي خيالي البسيط وكم استغرقت رحلتي في اللامكان واللازمان ... واللافكرة ...

نقر خفيف على الباب سحبني للدنيا ثانية .. صوت أمي تعلمني أن العشاء جاهز ... ملتحفا بمنشفة نصف مهترأة تخفي نصف جسدي السفلي وقطرات ندية تداعب مسام صدري ... ارتديت شورت قصيرا كان يعاني ليجف في حبل معلّق في شباك الحمام الضيق ...

لم اسرّح شعري وعري الصدر حافي القدمين ... لا تزال أصابعي تصارع للعودة لوضعها الطبيعي ... استقبلتني أمي بابتسامة ساخرة ... هي شديدة الاهتمام بصحتي ... لم تعلّق كوني لم استر صدري من نفحات نسيم بداية الصيف الباردة ... على غير عادتها ...

جلست قبالة أمي على طاولة الطعام ... بحكم الخبرة .. كلما وضعت امي صحني مقابلا لعينيها فتلك إشارة أني سأتلقى مجموعة من الأوامر ... حاولت أن انظّم أنفاسي وأخفي ارتباكي الغير مفسّر ...

بضع قضمات من أجنحة الدجاج التي تسبح وسط صحن المرق غمستها بصمت غير مفهوم ... صمت قطعه صوت امي الصارم والحنون في مزيج عجيب كالمزيج الذي أتناوله في صحني ...

  • عجبك الاكل ؟؟؟
  • حلو زي العادة ... مش عوايدك تسالي .. ما انا بآكل كل الي بتطبخيه ... في ايه ؟؟؟
  • لا أبدا اصلك لازم تاكل كويّس اليومين دول يا حضرت الضابط ؟؟؟
  • (تجمدّت يدي التي تمسك قطعة الخبز) ضابط ؟؟؟
  • ماهو هو ده الموضوع الي اتفقت عليه انا وخالتك ؟؟؟
  • إتفقتو ؟؟؟
  • ايوة ... انت جايب نتايج ممتازة في البكالوريا وزوج خالتك هيتوسطلك انك تلتحق بأكادمية عسكرية أو أكادمية الشرطة أو الحماية المدنية .. انا كلمت خالتك وهي هتكلم زوجها
  • يا سلام اتفقتو واتكلمتو وأخذتو القرار وانا آخر من يعلم
  • هو انت شايف حاجة ثانية (بلهجتها الصارمة التي اعتادت ان تقمع بها كل بوادر إحتجاجي)
  • ايوة شايف (محاولا التحكم في ارتجافي وخوفي من ردة فعلها)
  • شايف ايه ؟؟؟ (تزايدت شدة حزمها)
  • (القيت قطعة الخبز من يدي ولاوّل مرّة في تاريخي ارفع عيني مباشرة فيها متحديا) انا عاوز أطلع محاسب زي بابا ... عمري ما إتخيّلت نفسي ضابط ...
انتفاضة عنيفة من أمي التي ضربت بكلتا قبضتيها على الطاولة .... حركة طالما وأدت أي رغبة لي ... مباشرة بعدها أعلن استسلامي لرغباتها ... صمم أصاب أذني عن كلماتها المتراوحة بين الصراخ حينا والحنان حينا ... مؤيدات كثيرة حول صواب رأيها ... الكليات العسكرية ستضمن لي مستقبلا مستقرا بعيدا عن المغامرة ... مجرد الالتحاق بها مع النجاح سيضمن لك وضيفة محترمة يتمناها نصف الشعب ...

وضعية جلوسي ووقوفها توحي بتفوقها عليا ... كنت أتحاشى النظر في عينيها ... وفي نفس الوقت روحي تتوق للتحدي ... فلم تسقط نظرتي للطاولة أو الصحن بل استقرّت في مفرق صدرها الأبيض ... طالت كلمات أمي أمام صمتي ... أحست أني استسلمت وتقبّلت قرارها ...

دون شعور ولأول مرة ثانية ... أتحداها ... وقفت وضربت بكلتا قبضتي على الطاولة ... قلّدت كل حركاتها ... لأول مرة أتكلم وأنا أساميها وجها لوجه ...

  • حسام يروح أكبر الجامعات ... وأنا أروح الجيش ... لو كان الموضوع زي ما حضرتك بتقولي ... مش كان اولا بيه يضمن مستقبل ابنه ... ماهو مش معقول هيكون بيفكّر فيا اكثر من إبنه ...
  • (نظرة الانكسار والدهشة في عين أمي شجعتني على المواصلة مع تلبكها في الكلام) ... ماهو ...
  • ماهو ايه ؟؟؟ ... هو يتعلّم وينبسط و يروح الجامعة وأنا أتخنق في الجيش والحياة الرسمية ... هو أنا مفروض عليا كل حاجة ضيقة عليا ؟؟؟ ... بنطلونات اصغر مني ... جزمة بتاكل صوابعي مع كل خطوة ... عايزين تحشروني في وضيفة أضيق مني طول عمري ... ليه ؟؟؟؟ ... ايه ذنبي ؟؟؟
  • ذنبنا اننا فقراء ... ذنبك انك يتيم ... (أحسست بالغبرة تخنق امي ... كأنها تكتم بكاء دفينا) ...
  • (انا انفلتت الدموع غصبا عني لتغرورق بها حدقتي وتحجب عني وضوح الرؤيا) يعني كله من بابا إلي مات وسبني مش كده ...
  • (تقدّمت مني امي وحضنتني بعنف الي صدرها الطري) ده قدر يا ابني ... يا حبيبي انا عملت كل الي اقدر عليه ... دي فرصة انك تطلع من مستنقع الفقر ده ... كلية محترمة ووظيفة مضمونة ومستقبلها كبير ... وكمان وده الاهم مافيهاش مصاريف ... بالعكس دي بتاخذ فيها منحة ...
  • (أردت الرد لكن حضنها خنق تمردي ... احاطت براسي وسحبتني لصدرها بعنف )
  • يا ابني انا عاوز اشوفك بخير مش كفاية عمري راح هدر بمغامرات ابوك ... با ابني انا عاوزة اشوفك راجل مالي هدومك ... تتزوج وتفتح بيت وتبقى سيد الرجالة ...
أوّل مرة في حياتي استشعر نبرة الاحتجاج من امي على حياتها ... أحسست أنها ندمت على زواجها من أبي ... لأول مرة اشعر انها تخفي سرا ... انا الفخور بانتمائي لأب لم اعرفه ... رسمت له صورا متكاملة ... نحت له في خيالي تماثيل لأنصاف الآلهة الإغريق ... لم أتقبل أن تهتز تلك القداسة حتى ممن هي اشد منه قداسة ... امي ...

انفلت من بين ذراعيها ... والدموع تملأ وجهي ... الم أصابعي وضيق الحذاء وضيق الحال ... كل شيء تقبّلته إلا أن تمس صورة أبي أمامي ...

  • هو أنا قدري اني أكون كيس الزبالة بتاع حسام ... بالبس هدومه القديمة وما اعترضتش ... الجزمة الي بتخليني اعرج واتحملتها ... فضلات اكلهم ... المنة الي بيتكرمو بيها علينا ... هو انا ذنبي ايه ... مش راضيين تخلوني اعيش العيشة الي باختارها ...
  • (كلماتي هزمت مشاعر امي فانفرط الدمع سخيا على وجنتيها الحمراوين) يا ابني الي زيينا ما عندوش رفاهية الاختيار ... اسمع كلامي انا اعرف مصلحتك ...
  • (أحسست دموع امي ستهزمني في النهاية) ... عاوزاني ابقى راجل مال وهدوم بالصدقة ثاني .... كل حياتي سكند هاند ... عاوزاني اتزوج ... تصدقي احيانا باتخيّل اني هاتزوج وحدة كان بينيكها حسام ولما زهق منها رماها لي
اتساع حدقات أمي من هول الكلمة التي قلتها ... امي لم تسمع مني إي حرف خارج عن الأدب ما حييت ... أحسست أني تماديت ... كلمة انفرطت مني ... لو قيلت في غير هذا السياق لتزيّن خدي بآثار أصابعها لأيام ... مشاعر مضطربة وردة فعل غير مفهومة ... ألقيت بمزهرية كانت تزيّن ركنا في الصالون ... صوت تهشيم الزجاج أعطاني الفرصة للهرب ...

فتحت الباب ... حافي القدمين ... عاري الصدر ... اجري دون وجهة ... كنت أهز راسي لاطرد ذكريات الدقائق الأخيرة ... تهت من جديد في اللا فكرة ... فقط أجري بعيدا عن البيت

ربما إحساسي بالتخلّص من ملابس حسام ... ثورتي على أمي ... رفضي لوضع فرض عليا ولم أختره .. كل هذه الأحداث دفعت فيا شعورا بالسعادة ... هي سعادة ممزوجة بالندم ... سألقى عقابيا نضير ذلك لكن لا يهم ...

لا اعلم كم شارعا قطعت وأنا اركض حافيا شبه عاري تحت انوار الفوانيس النصف معطّلة ... فقط اركض هربا من واقع سأعود إليه حتما ...

صراخ صبيتين صادفتاني وانأ أجري ... ارتعبتا ظنا اني أحد المجانين المنتشرين يرعبون المارة في شوارعنا ... رعبهما أصابني بالخجل من نفسي ... أسرعت أكثر فأكثر ... الإسفلت المحدب بدأ يجرح رجليا ... كنت اشعر بلزوجة تحت قدمي .... لا أعلم اهو ددمم أم قيح تقرّح ... لكني لم أتوقف ...

واصلت الركض هربا من البيت في اتجاه البيت ... لقد صدقت أمي من هو مثلنا لا يمتلك رفاهية الاختيار ... مع اقترابي للبيت بدأ نبض قلبي يتزايد بفعل التعب وبفعل الرعب ... امي ستقتلني ... انا متأكّد ...

تسورت حائط الحديقة بخفة وحذر القطط ... شجرة مشمش عقيمة كانت ملجئي للاختباء ... من ردة فعل أمي ومن ردود فعل شارع لن يتفهّم ما يحدث لي ...

النور الخافت في الصالون ينسل متحديا ظلمة الليل ... من خلف بلور جاهدت امي في تنظيفه ... كنت أراقبها تجلس على الكنبة ... تضع رجليها على حافتيها وتسند رأسها بركبتيها ... تكوّر الانكسار الذي لم أعهده فيها ...

بدأ ضميري يؤنبني ... هممت أن أدخل البيت معتذرا ... لكن عما سأعتذر وأنا الضحية ... طال مكوثي في مخبئي ... انتصف الليل ... حيرة أمي لغيابي دفعها للنمطي أحيانا والتكور أحيانا أخرى .. اقسم أني سمعت نبض قلبها الحنون من هنا ...

نظرة تجاه الباب والأخرى تجاه الساعة ... ثم تعود للتكور ... كنت اسمع شهيق بكائها ... طال انتظارها وطال صبري ... لن أعود للبيت الذي لم أغادره ....

رحت أراجع حواري العنيف معها بدقّة ... هي بالتأكيد تريد مصلحتي ... الوظيفة القارة ... فرصة للنجاح في الحياة دون مصاريف ومعانات ... هي بالتأكيد معها حق ... لكني لن البس حذاءا أضيق مني طول العمر فقط لان معها حق .. أنا لي الحق في الاختيار ... ربما فرصة للتحدي فقط ...

كلمة عمرها الذي إضاعته مغامرات أبي هدرا لا تغادر تفكيري ... مالذي فعله ابي قبل موته جعلها تشعر بالندم الآن بعد صبر السنين ... لو خانها او شيء من ذاك القبيل ما صبرت كل هذه السنين وفية لعهدها معه ... امي جميلة وكان يمكن ان تتزوج غيره بسهولة ...

رفعت راسي علي أجد في انعكاس صورتها إجابة على سؤالي فلم أجدها في مجلسها ... قبل ان تبدأ حيرتي ... اهتز صدري رعبا لصوتها يقول ... " إدخل البيت ... الدنيا برد عليك " ...

لم أشأ ان يتأزّم الوضع أكثر ... إحمرار انفها ووجنتيها اللذان تحديا ظلمة الحديقة يعلماني انها ذرفت دموعا كثيرة ... لكني لن استسلم ... كنت اسبقها بخطوتين وتلحقني أصوات تخرج من انفها تودع بها حالة بكاء طويلة ...

أثار الدماء التصقت بجليز الصالون الرمادي ... حاولت ان تقترب مني تستطلع امر جروحي لكني نهرت يدها التي لامست كتفي ... تراجعت قليلا للوراء ...

قبل ان تبدأ بالكلام ... طلبت منها بنبرة جافة وخشنة مفتاح غرفة أخي الذي لم تحمل به ... قبل ان تستفسر عن السبب ... أجبتها سؤالها الذي لم يسأل

  • عاوز اقعد شوية مع بابا ... عاوز اتكلّم معاه
رغم رفضها وحرصها لسنين ان لا يدخل احد تلك الغرفة ويعبث بمحتواياتها ... تحوّلت نحو خزانة الصالون وفتحت درجا ومدّت المفتاح لي ... دون كلمة واحدة ... كنت أخطو الدرج للأعلى وتتبعني نظراتها ... ربما امنيتها ان اراجع عقلي ... وربما خوفها من صدام جديد لم تخفت حرارة رماد الذي سبقه بعد ...

رائحة العتمة تخنق أنفاسي ... الغرفة مغلقة منذ سنين ... غرفة فارغة يتجاوب صدى انفاسي المرهقة مع جدرانها ... القليل من غبار الزمن على بعض الكراتين ... فقط ثلاث صناديق ورقية كبيرة هي كل ما يوجد ... حضنتها كأني أحضن عمري الذي ضاع مع غياب صاحبها ... صوت نقر سقوط دموعي على سطح إحداها وهي تشكل دائرة تحوّل الرمادي إلي البني دفعني لفتحها ...

البوم من الصور القديمة ... مسحت الغبار عنها ... ملامحي تشبه ابي الي حد لا يصدّق ... صوره وهو في مثلي سني ... مسرورا متحديا الدنيا ... ملابسه فخمة حسب طراز زمنها ... وقفته الشامخة ... صوره في الجامعة ... في الرحلات ... في ملهى ليلي مع أترابه ...

المثير في الأمر ان ضحكته وابتسامته لا تفارقه ... اعتقد انه استهلك نصيبي ونصيبه من السعادة في تلك الصور ... انا لا اضحك ولا أتصور ...

صور له ولامي على شاطئ البحر ... بريق عيني امي وهي تنظر له تؤكد عشقها له حد الجنون ... امي جميلة في ملابس البحر ... لم تغيّر فيها السنين شيئا سوى بريق الحزن في عينيها .... وضعت صورة كبيرة مؤطرة في اطار خشبي مذّهب امامي ... وفتحت قلبي لكل ما لم اقل له بعد ... لا اعلم هل سمع مني كلمة بابا قبل رحيله ام لا ...

اقسم اني رأيت التأثّر في عينيه رفقة بحالي ... بكيته وبكيت عليه وبكيت له ... شيء ما في عينيه يدفعني أن افتح الصندوقين ... إخترت أكبرها ... ملابسه كلها هنا ... بنطلونات جينز ... قمصان ... سترات كثيرة ... حالتها تبدو جيدة رغم كل الإهمال .... بدأت انفض الغبار القليل عنها ...

تجرأت ولبستها ... كنت ارغب ان احضن ريحه فيها ... مقاسها يناسبني بعض الشيء ... حذاء رياضي يعانق أصابع رجلي برفق ... رحت أتمشى امام صورته كأني أفاخره اني كبرت وصرت في مقاسه ... لو كان حيا لضربني على قفايا بحنان ... كما يفعل كل الآباء الذين وصل أبناءهم ليضاهوهم في الطول ...

سعادة غمرتني ... روحه وريحه تعانقاني ... إن كانت الأقدار فرضت عليا ان البس القديم فلألبس ملابس ابي ... مقاس حذاء والدي هو إشارة أن شخصيته وطريقه هي التي تناسبني كما ناسبني المقاس ... انا على حق ... فرصة خالتي ضيقة على روحي كمقاس حذاء ابنها ...

جلست على الأرض احدّث ابي متسائلا ... ان كنت مغامرا كما تقول أمي ألا يخفي الصندوق الآخر سرا ... ألم تدخل في تجربة بورصة وخسرت ساعتها ...ربما تغيّر الحال الآن ... لا يمكن الا تترك لي شيئا الا هذا البيت ... حتى الذكريات لم تتركها لي ...

نبض قلبي يتزايد مع كل ورقة اسحبها من الصندوق ... لم افهم شيئا .. فواتير قديمة ... كراسات على رموز بخط اليد ... علامات قاطع ومقطوع ... ارقام واحد واثنان ... قصاصات جرائد تتحدث عن نتائج كرة القدم ساعتها ... ما السر وراء عشق ابي لكرة القدم لم افهم ذلك ...

ظرف كبير بني اللون ... عقد ملكية بيتنا ... وعقد رهنه لشركة إيجار مالي ... مبلغ كبير وضع فيه ... هل رهن ابي البيت قبل موته ... لكن البيت ملكنا الآن ... انتقلت ملكيته لي ولامي بحكم الميراث ... لم اسمع بهذا الأمر من قبل ... هل سدد أبي رهنه قبل موته ... لم أجد في الأوراق ما يثبت ذلك ... أين ذهبت أموال الرهن ومن سدده ...

نصف اجابة خامرتني عن كلام أمي ... هي جاهدت لسداد ديننا في سنواتي الأولى ... بدأ ضميري يدفعني للاعتذار منها ... جهاز لاب توب من طراز قديم هو آخر ما تبقى في الصندوق ...

صندوق صور مليء بالذكريات ... صندوق ملابس تفوح منها رائحة عز لم أعشه ... وصندوق ورق لم افهم منه شيء ... ربما اللاب توب يحتوي على سر ... لكنه لا يعمل ...

قررت ان آخذه معي لرحيم ... رحيم هو شاب في أواخر العشرينات .. يعتبر الشخص الأقرب لي في الدنيا بعد أمي ... يمتلك محل انترنت وبيع وبعض أدوات الإعلامية ... يقدّم خدمات التسجيل عن بعد ... كنت أساعده في إعداد البحوث المدرسية ... معتمدا على معلوماتي وسرعتي في رقن الحروف ....

كان يكافئني بقطع نقدية او بصندويتش اذا تأخرت عنده في المحلّ ... قررت ان أتسلل به للخارج عندما تحين لي الفرصة ... لا اعلم السبب لكن أحسست ان نظرة ابي من صورته تشجعني على ذلك ...

شعاع نور الفجر يتسلل من تحت الشباك ... ليلة طويلة جدا ... هي ليلة بعمري كله ... حضنت صورة أبي وتوسدت سترته وتغطيت برائحته ونمت ... ربما نمت في حضنه وانا رضيع ... ونمت نوم الرضيع ...

صوت طراد الماء من الحمام يعلمني ان أمي استيقظت ... لا أعلم ما افعل ... هل هي جولة ثانية من الحرب بيننا ... أم أعلن استسلامي والبس الفرصة الضيقة ما بقى من العمر ... استعملت الحبال التي كانت تلف الكراتين ... ربطت اللاب توب في احد قمصان ابي والقيته يتدلى من الشباك للحديقة ...

تسللت للحمام ... غسلت وجهي وسرّحت شعري ... انعكاس صورتي في المرآة جعلني اشعر بالفخر ... لم تخطو رجلي في الممر خطوتين ... صورة اتساع حدقتي أمي سبقت صرخة رعب دوّت في المكان تلاها صوت ارتطامها بالأرض ...

تأبطت جسدها بين يدي وأسرعت بها لغرفتها ... لا الماء ولا بقية زجاجة العطر افلحتا في إيقاضها ... لم اجد طريقا سوى الاتصال بخالتي ... مر الزمن عليا دهرا حتى وصلت ... طبيب في أواخر سنين عمره ... يخزها ابرة ... قال انها صدمة عصبية نتيجة الارهاق ...

الفترة التي تلت خروجه ... دروس متتالية من خالتي عن وجوب طاعة امي ... تذكير بتضحيتها في سبيلي ... انا لا انكر ذلك وممتن لها ... وممتن لخالتي ولحسام وللعالم كله ... فقط لا أريد أن افقد أمي كما فقدت أبي ... لم اترك سريرها دقيقة واحدة ... لم افلت يدها الباردة من يدي ...

سأفعل اي شيء ... فقط عودي للحياة ... شكرت السماء أنها حرّكت راسها ... استيقظت مرعوبة ... أول شيء فعلته طردتنني من الغرفة ... لم احزن لفعلها ولم اغضب انا سببت لها الإرهاق ...

احتجزت نفسي في غرفتي ... كنت اسمع صوت خالتي تسند امي للحمام ... صوت الماء يختلط بصوتها تساعد أختها ... وخزني ضميري على مشاعر كرهي لخالتي ... هي لم تفعل شيئا سوا مساعدتنا طول حياتها ... انا الشيطان المتمرد فقط

ابتعد صوتهما وهما ينزلان الدرج بعد أن غيّرت ثيابها ... فجأة تذكّرت جهاز اللاب توب ... لا يجب لامي ان تراه ... ذنب آخر سيسجل في صحيفة أخطائي ... حاولت سحبه من أعلى لكنه علق بحافة الحائط ... تسللت لباب البيت ... الحبل يتدلى بجانب شباك المطبخ ... اقتربت لافكه

صوت خالتي يصلني بوضوح مستفسرة عما حصل ... صورتها وهي تقدّم قهوة وبعض الطعام لامي ... لم الحق بالحوار من أوله لكن أمي تبدو مرتبكة مذعورة ...

  • هو شبه ابوه ... في كل حاجة ... البارح كان بيزعّق بنفس الطريقة ... بيحاججني بنفس سخرية ابوه ... بيحط عينه في عيني يخليني ارتبك زي زمان ... لما كنت حاضناه وهو صدرو عريان حسيتا ني باحضن ابوه ... حتى في ردة فعله وقت الغضب هو شبهه ... والصبح كان لابس هدوم ابوه ... افتكرته صحي من ثاني
لم أتمالك نفسي من الارتباك والبكاء أنا كذلك ... كنت قررت الاستسلام لقرار أمي ... تلك الكلمات كانت إشارة ثانية ... تعليمات امي واضحة وإشارات أبي مبهمة ... غامضة لكنها مثيرة ... حيرة ما بعدها حيرة

عاهدت نفسي اني إذا لم أجد في اللاب توب شيئا أو انه لم يعمل ... سأعود لامي واقبّل رجليها معتذرا ... لو أن الأمر غير ذلك فليكن ما يكون ...










الجزء الثاني

كسجين بين خيارين ... تركت أمي بين يدي خالتي رغم خوفي على صحتها ... تأبطّت اللابتوب وتوجهت نحو متجر رحيم ... استقبلني ببشاشة تشرق في عينيه تحت صلعته اللامعة ... قال أني نزلت له رحمة من السماء ...

المحل مكتظ بالزبائن وهو مشغول في إعداد بعض التطبيقات ... رغم استعجالي لكني قبلت طلبه الملحّ في مساعدته على تلبية طلبات الزبائن حتى يتفرّغ هو لشغله...

كالجالس فوق الجمر... امرر طلب هذا بتسجيل عربته للفحص الفني والآخر يستخرج ورقات مطبوعة ... تفكيري كله فيما حصل وماذا سيحصل ... قلبي يخزني حزنا على أمي ... وكأن الناس تتآمر عليا ... كل ما تخلّصت من أحدهم لحق به الآخر ... ساعات طويلة ضاعت هدرا ... ومرت عليا دهرا ...

ضاق صدري وأنا أنتظر أن يرحمني رحيم ويتفرّغ لي ... بدأت الشمس تسير للزوال ... وخفّت الحركة في المحل معها ...أخيرا ... نظرة فاحصة من رحيم للتحفة الأثرية التي وضعتها بين يديه ... تقطّب حاجباه وهو يصارع زر تشغيل اللاب توب الذي أبى واستعصم ...

مع كل حركة منه يخفق قلبي لبرهة ويتوقّف للحظات ... ترجيت السماء أن تنطق تلك الآلة ... أنا على عهدي ... لكني أترجى فقط فرصة اكتشاف ما فيه ... ليس بعد كل ما حصل مني ستنقطع عني الإشارات ...

قطرات العرق على جبين رحيم وهو الخبير في مجاله تنبئني أن الأمر لن ينجح ... لدقائق خلتها قرونا والصمت يخيم على المكان إلا من صدى نقر أصابعه على الأزرار ... وأخيرا نطق .. نطق كالغريق ... شهق وصمت ثانية ...

أخبرني رحيم أن الأمر يتطلّب وقتا طويلا وهو مشغول ... ترجيته بكل مالي عنده من عواطف أن ينجدني ...يجب أن يعمل هذا الجهاز الآن ... أو في اقرب وقت ...

لم اسمع إجابته بالرفض والقبول حتى قاطعتنا رائحة عطر أنثوي طاغي ... سبقت فتح الباب ... صوت ملائكي يلقي علينا السلام ... خجلي جعل عينيا ترتشقان كسهم على حذاء جلدي يلمع سواده تحت جلد رجلين بيضاوين ... بريق بياضهما أعشى عينيا ونعومة جلدها جعل نظري ينزلق كل ما حاول الصعود للأعلى... لم تستقر نظراتي على ركبتين متناسقتين تحت قماش اسود وصلت إليهما بعد جهد حتى أيقضني صوت رحيم مرحبا ...

صوت قبلتين طبعتهما على وجنيه الناديتين دوى في أذني ... أهملني رحيم وأهمل جهازي وتناسى وجودي ... إن لم يهملني من أجلها فمن أجل من سيفعل ... فلأذهب أنا وجهازي وحزني للجحيم ...

لم ارفع عيني لاكتشف صاحبة الطلّة الطاغية ... كنت أتسلى بتحريك أصابع قدمي على الأرض ... لإخفاء خجلي وغيضي .... ما فهمته أنها افتتحت مشروعا جديدا ورحيم يبارك لها ... حفاوة الترحاب بينهما توحي أنهما معرفة قديمة ... تريد من رحيم أن يصنع لها تطبيقا يردّ على اتصالات الزبائن تلقائيا ... قالت أنها لم تستعن بعد بأحد لمساعدتها ...

نظر رحيم في عيني مستسلما ... ما باليد حيلة يجب تلبية طلبها قبلي ... ربما هي استشعرت حزني وغضبي من وجودها الذي عطّلني ... حاولت أن تنسحب في خجل على أن تعود ثانية ... لكني بصوت خافت تنازلت عن حقي ... وأعطيتها الأولوية ... دهشة علت ملامح رحيم الذي استغرب تراجعي بعد طول إلحاح واستغرب أني نطقت أصلا رغم خجلي ...

ابتسامة منها عرفان لشهامتي أنستني الجهاز والإشارات والقرارات وأمي معهم ... كحل وسط اقترح رحيم أن يضع لها مخطط التطبيق وكل الأمور التقنية ثم اتمم أنا الباقي في رقن الرسائل المراد كتابتها مع إشادة بسرعتي وحذقي لتلك المهمة ...

تلك الكلمات أشعرتني بالفخر والأهمية ... علامات الرضا على وجوه الجميع ... ملامح تردد باهت رسم على ملامح الزائرة ... جلس رحيم وراء جهازه منهمكا في عمله ... وجلست بجانبه أتابع باهتمام حركاته ... أما السيدة فجلست قبالتنا على كرسي ... لا ادري كم استغرق من الوقت لكني بدأت اشعر بالضجر وضلوعي بدأت تخزني ...

حركة لا إرادية مني بتحريك ذراعي للخلف ارتفع معها نظري... خرجت مقلتاي من محجريهما ... السيدة كانت تداعب هاتفها دون اهتمام بنا ... وضعية جلوسها أجبرت قماش تنورتها القصيرة أصلا على الانحسار للخلف ... نصف فخذيها المكتنزين عاريان متلاصقان يشدهما القماش غصبا بعضا ببعض ... لا اعلم من زاد في تلق من ... سواد القماش أم بياض الجلد ...

أشحت بنظري وتظاهرت بالتركيز في حركات رحيم ... كنار تسحب فراشة ... نظري يهزمني ويصرع خجلي وارتباكي ويعود ليغوص في ذاك اللحم الطري ... فجأة ... حركة لا إرادية منها ... تضع رجلا على رجل ... مثلث ظل صنعه قماش تنورتها الأسود على فخذيها سحبني للهاوية ...

دغدغة خفيفة أصابت أسفل بطني صاحبها جفاف في حلقي وتعرّق كاد أن يفضحني ... صوت تنهيدة من رحيم حركة من يده يغيّر وضعية الشاشة تجاهها ... حركته دفعتها للنهوض والتقدّم نحونا ... اقسم أني كنت اسمع صوت موسيقى فيلم الفك المفترس مع كل نقرة من كعب حذائها العالي ...

تظاهرت بالتركيز في الشاشة علي اخرج من مأزقي ... كانت تضع يديها على الطاولة وترشد رحيم لبعض التصليحات ... خاتم زواج يزين إصبعها ... معصمها رقيق وأصابعها نحيفة و طويلة ... رفعت عيني بحذر ناحية وجهها لكني لم أصله ... مفرق صدرها المتدلي من فتح قميصها الأبيض سحبني للهوة ...

انتفاخ وقرص يمسك ما بين فخذي ... رغبة في التبوّل تحرق مثانتي ... هروب سلسل بانسحاب حذر ناحية الباب راجيا أن لا يكشفني انتفاخ بنطلوني ... قطعت الشارع قاصدا المقهى المقابل للتخلّص من حالتي الغريبة ...

عند عودتي وجدت الأماكن تغيّرت ... رحيم يجلس في ركن يسميه المتخبر ... منهمكا في فك براغي جهاز اللاب توب ... والسيدة تجلس في مكاني وكرسي رحيم الدوار فارغ ...

أمر سريع منه بالالتحاق بمكاني " يلى بسرعة مش عاوزين نعطّل الهانم اكثر من كده " ... مررت على حذر من ورائها متحاشيا أن المس ظهرها بأسفل بطني ... رغما عني سقط نظري بين مفرق صدرها لترتفع خيمة بنطلوني في ثانية مرة أخرى ...

جلوسي بجانبها كان أشبه بعملية تعزييب لذيذ ... غرست عيني في الشاشة ألا تهزمني نظراتي وتهرب مني نحو ركبتيها ... رائحة عطرها الأخاذ تدغدغ شعيرات انفي ... مع كل حركة من يديها تشير إلى مكان حرف أخطأت في رسمه على الشاشة ... يلامس نهدها الأيمن مرفقي الأيسر فيزيد صراع قضيبي مع قماش البنطلون ...

لاحظت ارتباكي ... مع عدم انتظام أنفاسي ورعشة أصابعي على لوحة الأرقام ... وتعرقي الغير مبرر ... فرحمتني من عذاب نهدها لي واستبدلته بعذاب أصابعها ... بحركة عفوية أو مفتعلة كانت تقرص على أعلى فخذي بكل أصابعها قصد تنبيهي كلما أخطأت ... وكم كثرت أخطائي ...

حالتي لم تجعلني استوعب الموضوع ... هي صاحبة محل تجميل أو مساج وسونا وبخار ... هي ردود الكترونية عن المواعيد ... العروض ... العنوان ...

تمنيت أن ينتهي تعذيبي وفي نفس الوقت أن يمتد للآبد ... قبل أن انتهي طلبت مني أن اترك خانة الخدمات الأخرى فارغة ... قالت أنها ستتولى تعميرها بعد مدّة ... لم أركز مع ذلك ... كنت مسحوب الإرادة ... خجلا ومستثارا في نفس الوقت ...

صوت حركة كرسي رحيم من خلف مختبره تأمرني أن أفسح له المجال للتثبت في عملي وتسجيله ... وقوفي المرتبك تزامن مع التفاتة منها نحوي ... انفها الدقيق لا تفصله إلا مليمترات قليلة عن الخيمة التي صنعها تعذيبها لي ...

لم افهم سبب اتساع حدقتيها ونصف ابتسامتها ... اختفيت وراء مختبر رحيم أخفي فضيحتي ... كلمات شكر منها لامتناع رحيم عن عدم قبول أي مبلغ منها نظير خدماته ... صوت قبلتين طبعتهما على وجنتيه أصابا حلقي بالجفاف ... لم ارفع عيني نحوهما ... اقتراب وقع قدميها نحوي جعلني ارفع عيني من اللاشيء الذي كنت انظر إليه

يدها الطرية الأنيقة تمتدّ نحوي شاكرة جهدي ... لا اعلم من أين أتتني تلك اللباقة بان أقف لتحيتها قبل المصافحة .. ما إن تلامست أصابعنا حتى سحبتني برفق وطبعت قبلة رقيقة بين انفي وعيني وشفتي ... أصبت بالعمى والزكام وفقدان التذوق بعدها ...

تلبّك في أمعائي وجفاف في حلقي وحرقة أسفل بطني ... لم اشعر بها وهي تسلمني كارت عليه عنوان المحل وأرقامه ... لم أرها وهي تخرج ... فقدت الإحساس بكل شيء ... نقرتان قويتان على صدري من أصابع رحيم أعادتني للحياة أو للموت ... لا أدري ...

بضع دقائق أخرى وصلني صوت رحيم يعلمني أن الجهاز يلزمه قطع غيار قد تكون فقدت من الأسواق حاليا ... عالج بداية دمعتي بإخباري انه يتعيّن عليا تعويضه مبكرا في المحل حتى يتسنى له البحث الدقيق عنها عند بعض التجار وافقت دون تردد .

طوال الطريق وأنا امسك الكارت بين يدي ... أقربه من شفتي ... أشم عطرها فيه ... ثملا بما فعلته تلك اللمسات الخفيفة بوجداني ...

امرأة في مثل سن أمي ... جسدها تفور منه الحياة ... ينبض بالروح والروائح ... مع اقترابي من بيتنا ... طارت عن عقلي سكرته وتكسّرت الموجات الوردية على أزيز الباب الحديدي الصدئ ...

أخفيت الكارت في جيبي الخلفي ... ودخلت البيت مستذكرا كل أدعية السلامة ... لست في حال تسمح لي أن أخوض أي نقاش حتى ولو بسيط ...

أمي التي خاصمتني وضعت طبق أكلي البارد على الطاولة ولم تنتظرني للعشاء وأغلقت باب غرفتها ... فليكن ... عزة نفس مصطنعة منعتني من الأكل ... دخلت غرفتي وتهت في أحلام يقظة أو نوم ...

صوت رنين الهاتف وصوت أمي يليه من وراء الباب بنبرة سجّان غاضب ...

" اصحى رحيم مستنيك في المحل " ...

رحيم هو الشخص الوحيد الذي لا تخشى أمي صحبتي له ... رجل متزوج وسمعته الجيدة تسبقه ... خدوم ويساعد الكل ... بشوش ... أمي تثق به ...

بخطوات أسابق بها الريح مرتديا حذاء والدي المريح ... وجدت رحيم ممتعضا من تأخري عليه ... أوصاني بالقيام ببعض الأعمال البسيطة مع العناية بالمحل ... في الصباح يقتصر الوافدون على بعض الأطفال من أبناء الطبقة الكادحة ... لا يمتلكون رفاهية امتلاك العاب الكترونية أو هواتف ذكية فيلجئون لرحيم ... مقابل قطع نقدية بسيطة يمكنهم من حواسيب يلعبون بها لتوقيت محدد ... كثيرا ما يتجاوزون الوقت المخصص لهم لكنه لا ينهر أحدا ...

كثر صخبهم لكني لم اسمع شيئا ... كنت لازلت أشم ريح عطر تلك السيدة في المكان ... اللون الوردي يغطي أحلام يقظتي المبهمة ... شعور بالتنميل في مسام جلدي لا اعلم سببه لكنها دغدغة ممتعة ...

رحت اسلي نفسي بتقليد حركات رحيم في صنع تلك التطبيقات ... الموضوع ليس معقّدا ... فقط بريد الكتروني وتدفع مبلغا بسيطا لحجز الخدمة ثم لك حرية المحتوى .... أحيانا يسحبني شاب صغير يدفع ثمن استغلاله لأحد الحواسيب ... ثم أعود ... تمرّنت على الأمر كثيرا ... مع تكرار الموضوع أصبح سهلا جدا .. كنت أريد التعويض لرحيم ...

أمر مثير للدهشة ... بعض الشباب والكهول يدخلون فقط للسؤال عن رحيم ...رغم إلحاحي أن ألبي طلباتهم لكنهم يقولون إنهم سيعودن إليه شخصيا ...

قبل منتصف النهار ... دخل رحيم متعرقا ... شتمني ألف مرّة كوني سببت له كل هذا التعب ... أحسست بالذنب نحوه ... لكن قلبي بدأ يخفق بشدّة ... سمعت صوت جهاز والدي ينطق مدويا معلنا للعلن أني ما زلت حيّا ...

مسرعا نحو ركن المختبر ... ألقيت نظرة على شاشته وهي تعود للحياة ... حركات بسيطة من رحيم للتأكد من سلامة عمله ثم انسحب تاركا لي المجال لاحتضان آخر ذكريات والدي ...

إتفظّل ياعم قرفتنا معاك وعرقنا بسببك
(كنت اهم أن أنهال عليه شكرا لكنه سبقني في الكلام)
قلي ؟؟؟ ... مزعّل الست الوالدة ليه ؟؟؟
(أحسست بالإمتعاض ان اسرار بيتنا تخرج للعلن) ...
شوف يا وائل أنا زي أخوك الكبير ... وأمك دي تعتبر أختي ... والمرحوم أبوك جمايله مغرقاني ... فارجوك أنا مش غريب
(مصدوما من إكتشاف علاقة رحيم بابي) طالما قالتلك اني مزعلها أكيد قالتلك عالسبب ؟؟
أيوة قالتلي وبصراحة مش مستوعب ردة فعلك ؟؟
يا سلام ليه بقى ؟؟
أنا شايف اني دي فرصة مش هتكرر ... يا ابني هو حد لاقي ... قيمة وسيمة وسلطة ونفوذ وبدلة ميري .. وممكن تمسك منصب يخلي الكل يترجى رضاك
وكلية من غير مصاريف وهأخذ منحة والنقل ببلاش وووو ... بس انا مش شايف نفسي فيها
يا سلام ... أقرع ونزهي ...
يا عم انت إلي اقرع مش أنا
(صوته يسعل بعد نوبة ضحك تعقيبا على سخريتي) ... آخر خدمة الغز علقة ... كده برضو
(كنت أريد أن اعتذر منه على قلة ادبي لكنه أردف)
طيب أنت عاوز إيه ؟؟ فهمني ممكن نلاقي حل
أنا عاوز أدخل الجامعة ... باحب الحسابات ... عاوز أطلع زي ابويا
والمصاريف واللبس والاكل والسكن
هأدخل الجامعة الي هنا ... الاكل وهآكل في بيتنا ... ومصاريف الكتب هاشوف شغلانة في الصيف توفرلي
(صمت طويل اطبق على جبينه المقطب) ... طيب اسمع كلامي ... إنت تروح تقدّم وتعمل كل الي امك عاوزاها ... إحضر اللجنة ... وإعمل اللازم وما تزعّلش مامتك ... وكده كده مش هتخسر حاجة ... ومن هنا لآخر الصيف لو دبّرت مصاريفك اعمل الي في دماغك ولوما قدرتش اقلها تكون ضمنت حاجة في ايدك
اعتقد أن رحيم على حق ... لن يجبرني احد على الالتحاق بالاكادمية بالغصب ... ودعته بعد أن شكرته واعتذرت منه على تعبه ... تأبطّت الحاسوب وهرولت لبيتنا ... أخفيت الجهاز في الحديقة أن تراه أمي ...

سقوطها المفاجئ صباحا لازال يخز ضميري ... أمي هي كل حياتي ... لا أعرف لي ملجأ غيرها ... دخلت البيت مكسور النظر كعادتي ...

أشاحت بوجهها عني عند دخولي ... توجهت نحوها وقبّلت يديها معتذرا ... حضنها لي أعاد لها الحياة .. أمي لن تستوعب كوني سأخرج من تحت جناحها يوما ... دموعها عمدّت راسي وهي تحضنني إلي صدرها ... صدر أمي اشد صلابة من نهدي تلك السيدة ... ماذا أقول ؟؟؟ ...

عشاء هادئ على شرف نصر أمي المؤقّت ... أنهكني الجوع والصراع النفسي ... وجه أمي عاد للحياة ... غطست في الحمام استرجع أفكاري ... ذكريات بعد ظهر أمس تطاردني ... رائحة العطر تستفز قضيبي ...

كشجرة نخل مقلوبة وسط الماء ... رحت أراقبه وأتخيّل تلك السيدة تستحم معي ... إنتفخت دائرة رأسه ... أردت مداعبته لكن قبل أن تلمسه راحتي ... يأتيني صوت أمي مستعجلا خروجي للسلام على خالتي والاعتذار منها ...

زيارة غير متوقعة في هذا الوقت ... ملابسي في الخارج ولا شيء يسترني سوى تلك المنشفة البالية ... لففت وسطي بها تاركا للوقت مهمة تخفيف انتصابي ومدرات فضيحتي ... وكأن خالتي تستعجل نصيبها من كلمات الاعتذار والعرفان وجدتها أمام الباب ...

إنحنيت لتقبيل يدها طالبا الصفح عن كل ما تسببت به كما فعلت مع أمي ... سحبتني لحضنها ... وجهي المبلل غارق في مفرق صدرها ... صدر خالتي طري كصدر السيدة ... طال عناقها لي ومداعبتها لشعري المبلل مع سيل من النصائح واللوم والعتاب ...

مع لحظة إطلاق سراح راسي ... إتسعت عيناها تعجّبا من مشهد الوتد الذي يشدّ الخيمة المحيطة بوسطي ... حركة شفتيها مزيج بين الدهشة والذهول ... هربت للأعلى مختفيا في غرفتي ...

حاولت طرد كل تلك الأفكار المجنونة من عقلي ... أمي وخالتي يتسامران في الصالون ... يصلني صوت ضحكهما دون أن أفهم محتوى الحوار ...

فتحت جهاز اللاب توب ... لا شيء فيه سوى ملفات حسابات وأرقام ... حسابات شركات كانت زبائن لأبي ... لم افهم شيئا ... بحثت عن ملفات سرية ... لا يوجد ما يشفي غليلي

أعد متابعة الملفات ملفا بملف ... ملفات على تطبيق الاكسيل كلها بأسماء شركات ... ملف اسمه اللعبة ... كنت أعتقد أنه اسم شركة لعب ... فتحته ... لم يكن كسابقيه ... جداول كثيرة عليها رموز ... 1/X/2 تكرر كثيرا في 13 عمود… إحتملات وتتكرر ... لم افهم شيئا ...

ذهبت للغرفة الأخرى صوت أمي وخالتي مزهوتان بنصرهما يصلني بوضوح ... طال سهرهما ... فتحت صندوق الأوراق ... قرأتها ألف مرّة ... زاد الغموض أكثر ... مقتطعات كثيرة عليها نفس الرموز ... تحمل اسم شركة الرهان الرياضي ... لم اسمع بها من قبل ...

بعض صور لشيكات باسم أبي عليها مبالغ مالية صادرة عن نفس الشركة ... الآن توضّح الأمر قليلا ... رجعت لغرفتي وبدأت بالتركيز ...

أبي استعمل ذكائه وخبرته في الرياضيات ... توقعات وحسابات دقيقة لاحتمالات ثلاث ... إما الفريق الأول ينتصر او الثاني او يتعادلان ... فكرة عبقرية ... لكن لماذا مات وتركنا مفلسين ... أين ذهبت مرابيحه ؟؟؟

قبل أن أصل لاجابة وصلني صوت إغلاق الباب الحديدي ... خالتي عادت لبيتها ... أخفيت كل شيء وتظاهرت بالنوم ... دقائق وغمزني انعكاس نور الممر على الحائط ... أمي فتحت الباب ... تقدمت نحوي خطوتين ربما تريد تقبيلي لكنها انسحبت ...

لم يغمض لي جفن وإنا احترق على نار تلك الفكرة ... أبي استعمل ذكائه لكن الأمر مستحيل ... 13 مقابلة ب 3 احتمالات ... 3 * 3 * 3 ... سيصل الامر الي أكثر من نصف مليون إحتمال ...

أحرقتني عينيا وأنا أتابع كل تلك الجداول المرسومة بدقة في الملف ... فهمت نظريته وكيف حاول تطويع الحظ بالمنطق ... لكن يا أبي الحظ والمنطق لا يتقابلان ... المنطق يسير بخطى علمية دقيقة والحظ أعمى في مسيرته ...

خنقني الحزن وأنا أتخيّل تحطم أمال كل مرة ... اللعنة على الحظ الذي حرمني من أبي ... الآن فهمت سبب نوبته القلبية المفاجأة ... حضنت صورته أواسيه نحسه الذي أورثني إياه ...

لا اعلم أنمت أم أغمي عليا كمدا ... نقر خفيف على الباب ... صوت أمي يصلني من خلف الباب ... صحوت من النوم ولم أصحو من الصدمة والغم ... رائحة فطائر شهية تدغدغ أنفي وأنا على مشارف المطبخ ....

غسلت وجهي ألف مرة علي أتخلص من أثر السهاد ... وقفت طويلا أمام المرآة ... أرى انعكاس صورتي في انكسار وجه أبي ... ضممت أصابعي وشددت قبضتي وأردت أن ألكم الحظ الذي حرمني منه وحرمه حلما مجنونا ...

أمي مستبشرة بخير هذا اليوم ... تلبس ملابس الخروج ... بنطلون جينز ازرق فاتح ... وقميص ابيض خفيف يتناسب مع حر بداية الصيف ... إفطار شهي وكرم مبالغ فيه نظير طاعتي لها ... قسمت مهمة إعداد ملف الترشح للالتحاق بأحد الاكادميات بيننا ...

أنا سأستخرج كل بيانات دراستي ونتائجي وهي ستقوم بالإمضاءات القانونية ... أنا في نظر القانون لا أزال قاصرا ... هي قوانين دولة لا تفهم منها شيئا ... في سن الثامنة عشر تستطيع اجتياز امتحان القيادة ... تفتح حسابا بنكيا ... تتزوج و تسافر للخارج دون إذن ... يمكنك البيع والشراء وتسجيل الممتلكات باسمك والتصرّف فيها ... تدفع الضرائب ... حتى السجن تدخله في سن الثامنة عشر ... الأدهى انك تدلي بصوتك في الانتخابات وتقرر مصير شعب وأنت في سن الثامنة عشر ...

لكن سن الرشد القانوني هو عشرون سنة ... التجنيد عشرون سنة والالتحاق بالوظيفة العمومية عشرون سنة ... وان سنحت لك الفرصة لذلك قبل بلوغها يتوجب عليك الحصول على إذن من ولي أمرك ... لا تستغرب صديقي فهي تونس ...

حمير تقود بلدا تصل جذورها في التاريخ إلي ما قبل نشأته ... لا تهتم فكلنا في الهم عرب

قبل خروجي من البيت ... حضنتني أمي ... سحبتني لصدرها طويلا ... ربما تسترجعني بعد أن ظنّت أني تهت منها ... رائحة عطرها الخفيف تملا انفي الذي عصر في صدرها ... بعد إطلاق سراحي لم تنظر في وجهي لم ترفع عينها من الأرض ... الأمر غير معتاد بالنسبة لي ...

رحلة شاقة زادتها أشعة الشمس الحامية مشقّة ... قمت بكل تلك الإجراءات الرتيبة دون رغبة ... فقط أردت الحصول على سلام مؤقت مع أمي ... كعادتي اختبأت في غرفتي ... يبدو إن الأمر قد حسم ... سأسير في درب رسمت خطاه لغيري ... وبيد غيري ...

طال تفكيري في لا شيء ... فقط تهت في تلك الفكرة المجنونة التي وصل إليها أبي ... آخر ما وصلت إليه هو إني فهمت المنهجية التي فكّر بها ... والتي سار عليها ... لكنه فشل ... هو الحظ ... كفرس جامح لا لجام له ...

أغمضت عيني لكن تلك الرموز في ملف " اللعبة " تتراقص في مخيلتي ... هززت راسي ألف مرة لكنها استعصمت أن تسكن ظلمة نظري ... رفضت بخجل مرافقة أمي لبيت خالتي ... رغم شوقي لوليمة تشبع جوعي ... لكن نفسي صارت تقرف لقمة الذل ...

لجأت لمحل رحيم ... مجرّد تذكّر اسم رحيم صار يبعث انتصابا وليدا بين فخذي ... ذكريات تلك السيدة طاغية الأنوثة ... الأمر مثير للسخرية ... لكني تلك اللحظات الوردية أسرت روحي ... المحل شبه خاوي إلا من بعض الشباب ... هذا يتحدّث مع فتاة أجنبية ... والآخر يلعب ... لا عمل لي أضيع فيه بعض الدقائق الثقيلة ...

رحت أنظّف الأرضية من أثار بعض الأقدام ... لفت انتباهي عملية يقوم بها رحيم ... هذا يدفع له أموالا والآخر يأخذ منه بعضها ... كنت اعتقد انها معاملات مالية تخصّ بعض الخدمات عن بعد ... مع تقدّم ساعات النهار... تكاثر طالبو تلك الخدمة ...

رغم أن الأمر استفز فضولي لكني لم أتجرأ على سؤال رحيم ... ربما سيتحرّج من أن يجيبني ... لكن المبالغ المتداولة أكبر أن تكون معلوم خدمة الكترونية كالمعتاد ...

مرّت الأيام الأخيرة من الشهر السادس بسلام ... أمي التي عادت إليها روحها باستسلامي الشبه مموه لقرارها ... طوال اليوم في متجر رحيم أساعده في ما أقدر عليه ... شخصيا بدأت احشر نفسي في فكرة الانضمام للاكادمية ... صدقت أمي فمن هو مثلي لا يملك رفاهية الإختيار ...

بدأت الفكرة تتخمر ببطئ في عقلي ... التضحية بخمس سنوات ثم سيتغيّر الوضع ... راتب محترم ووظيفة مرموقة ... الأهم أني سألبس حذاءا جديدا يناسب مقاسي ... حتى وإن كان البوط العسكري الثقيل ...

آخر يوم في الشهر ... هو يوم حافل بالنسبة لمحل رحيم ... تجديد اشتراكات النت ... فواتير الكترونية ... خدمات لا تحصى ... كنت أجلس بجانبه في مكتبه بالمحل ... من كثرة الزبائن صار يستعملني كعداد للاوراق النقدية التي يخفيها في خزنة صغيرة تحت مكتبه ...

تصادف دخول شاب في مثل سنه للمحل وعلى وجهه علامات السرور... طلب من رحيم سحب مبلغ 5 ألاف دينار من حسابه ... كلمات مبهمة من رحيم يبارك له انجازه ... " أخيرا أمسكتها " ...

مكّنت الرجل من المبلغ ... سعادته وهو يفك مطاط الرزمة من الأوراق النقدية وصل أثرها لروحي ... سحب ورقتين من فئة خمسين دينارا ووضعهما في يد رحيم ... قال إن " طباخ السم يذوقه " ... ثم وضع ورقة نقدية في يدي ... قال بسعادة وشموخ ... " حلال عليك ... ادعيلي الحظ يبتسم ثاني " ...

رعشة أصابت مفاصلي من اثر الصدمة ... أول مرة في التاريخ تكتشف أناملي ملمس تلك الخضراء الساحرة ... بعد إنصرافه لم أتمالك نفسي من التساؤل ...

الأمر غير مبرر ... لا أحد يلقي بالأموال هكذا ببساطة ... أخبرني رحيم أن هذا الشاب عانده الحظ كثيرا واليوم ابتسم له وربح ذلك المبلغ وتلك الأوراق هي حلاوة فوزه ... ربما استبشر بوجهي فأهداني أحدها ...

" رزق وجالك "

غرابة إحساس ملمس تلك الورقة في راحتي اختلط بالكلمات المبهمة من رحيم ... حظ ومكسب وحلاوة ؟؟؟ ... ما دخل رحيم بهذا ؟؟؟ ... تصادف دخول بعض الشباب لإيداع أموال في حسابات لم افهمها ... اختلست النظر لشاشة جهاز رحيم ... ذاكرتي حفظت اسم الموقع الذي زيّن الشاشة ...

قال رحيم انه وسيط فرع رهانات ... مقابل عمولة من عمليات السحب او الإيداع ... مكسب في الحالتين ... الوسطاء كثيرون والمواقع أكثر ... هكذا قال

لا اعلم لما رسمت صورة نظرة أبي المنكسرة أمام عيني طيلة الساعات المتبقية من النهار وبقية الليل ... خضعت للتحقيق في البيت عن مصدر تلك الأموال ... أنا فقط سلمت الورقة لامي علها تستعين بها على مصاريف البيت ... ففتحت على نفسي حنفية أسئلة لا تغلق ... لم تفلت أذني من بين أصابعها حتى تأكّدت شخصيا من رحيم من صدق كلامي ... ورغم ذلك لم تنهي تلك الحفلة من اللوم والتقريع إلا بوعدها أن لا اقبل أي أموال من أي شخص غير رحيم ... ولقاء خدمتي له لا غير ...

كنت امني النفس بابتسامة رقيقة منها جزاء لي ... لأوّل مرة في سنوات عمري أقدم لامي مبلغا اعتبرته مهما جدا ... فقط أردت أن ارسم بسمة على شفتيها فرسمت بقعة حمراء على أعلى أذني ....

اليوم الموالي صادف الفاتح من الشهر السابع ... رحيم تركني لوحدي لقضاء شؤون لا مناص منها ... جالسا وراء شاشة الكمبيوتر الكبيرة ... طال انتظاري لعودته وأصابني السأم .... أحرقني الفضول ... قبل أن أتم رقن اسم ذلك الموقع زينت صورته الشاشة ...

رسم لأوراق لعب ... بوكر ... رولات ... رهانات رياضية ... كرة قدم ... كرة سلة ... بحر واسع من الاختيارات ... صوت ضحكة رحيم المصطنعة ممزوجة بصوت آخر أرعبتني ... كمن فتح عليه الحمام وهو يقضي حاجته أقفلته برعب خشية أن تعبث يدي بشيء يسبب كارثة ...

هو نفس الرجل من يوم أمس ... مبتسما سعيدا يصعد صدره غبطة وسرورا ... انسحبت لأترك المكان لرحيم الذي فتح الشاشة ثم الخزنة وبدأ بوضع رزم النقود أمامه ... قبّلني ذلك الرجل ووضع بضع ورقات في يدي ... قال أني وجه السعد عليه ... ودعنا مسرعا ... أقسم أن خطاه لم تكن تلامس الأرض ... الآن فهمت معنى أن يطير الإنسان فرحا ...

مبلغ مائة دينار وضع في يدي ... نصفه قد تسبب في حملة على أذني يوم أمس ... رفض رحيم قبوله ... قال بتهكم ...

ياعم روح اشربلك عصير في مكان رايق ... اشتري مثلجات ... هي لازم أمك تعرف كل حاجة ...
قررت العمل بنصيحته ... أخفيت المبلغ بحذر في جيب بنطلوني الصغير ... وأخفيت الأمر عن أمي ... طوال الليل وأنا أقارن بين غبطة ذلك الرجل وتخيلاتي لكسرة روح وطموحاتي أبي قبل زمن ... لعنت الحظ ونمت ... حلمت أني عدت لبداية سنيني ... أبي يلاعبني ... يشتري لي الايسكريم ... الحلوى ... يرافقني في مدينة الألعاب ... ملابسي جديدة ... حذاء يناسب رجلي ... وضحكته لا تفارق وجهه ...

صحوت من حلمي على صوت خطوات أمي تستعد للمغادرة ... باكي العينين ضاحك الصدر ... حلم بسيط أرسل لي من لعالم الآخر كتعويض عن واقع لم أعشه ... غبطتي بحلمي دفعتني للعمل بنصيحة رحيم ... إخترت بعضا من ملابس أبي القديمة ... الأقرب من أن تناسب هذا الجو وهذا الزمن ... شكلي أنيق رغم كل شيء ... جسدي يلائمه اي شيء ... ربما لأني رأيت نفسي أشبه أبي ... تأبطت جهاز اللاب توب وخرجت

حديقة أحد المقاهي الفخمة تدعوني للدخول ... بخطى مرتبكة قادني نادل بشوش لركن جميل ... المقهى لم يزدحم بعد ... قررت أن ادلل نفسي لأول مرة ... إفطار صباحي متكامل ... حلويات فرنسية وتونسية وقهوة كبيرة وعصير وبيض مخفوق ومياه باردة وبعض السلطات ... بسيسة وزرير ... عسل وزبدة ... اللعنة على الفقر ...

تهت في فخامة ديكورات المقهى والأطقم الموضوعة أمامي تتأنق فيها تلك المأكولات ... الآن عرفت السر وراء إدمان الناس للصور مع هذه الوجبات ... هذه الوجبات جعلت للذكرى لا للأكل كل يوم

بعض الزبائن يحتلون أماكن غير بعيدة عني ... أجهزت على تلك الوليمة وكنت أهم بالانصراف ... رفعت عيني ورايتها ... نعم هي دون شك ... تلبس بنطلون جينز رمادي يبرز تكوّر مؤخرتها ... لإن حرمني من بياض رجليها لكن فتحت التيشرت الأسود أهدت للناظرين متعة التجوّل في مفرق صدرها النافر...

تبعتها نظراتي حتى استقرّت في مقعد غير بعيد عني ... قررت البقاء حتى حين ... ربما فقط القي عليها السلام ... ستكفيني ابتسامة رقيقة منها ... وان أسعفني حظي ستلامس أصابعي اناملها الرقيقة ثانية ...

نظرة جانبية خلسة لعينيها اللامعتين ... وجه ابيض ناصع كصبيحة يوم مبارك ... شعر اسود قاني تتوه في أمواج ليله بأحلام وردية كوجنتيها ... حرّكت قطع السكر في فنجان قهوتها بحركة خفيفة تطارد معها خيط بخار متصاعد منه ...

قبّلت مبسم سيجارتها قبل أن تلهب صدري بنفس دخان أحرق كل جدران الشوق إليها ... كنت لا زلت اعبث ببقايا الأطباق حين تقدّم مني النادل يسحبها من أمامي متسائلا إن كان لي طلب آخر ... قررت شرب قهوة سوداء لأول مرة ... ربما ستلاحظ أني كبير بما يكفي لشرب القهوة مثلها ...

كجهاز ردار أراقب حركتها علّها تلتفت نحوي ... كنت أتمرن على الابتسامة خوفا أن يهزمني خجلي ... ما إن وضع النادل فنجان القهوة أمامي ... حتى تقدّم منها رجل أنيق ... قبل أن يلامس أصابعها قامت وعانقته عناقا حارا ... أنا فقط أردت ابتسامة فجاء هذا الشيء وخطف حضنا لم أحلم حتى به ...

انكسر قلبي وعدت لواقعي ... هي لا تعرفني أصلا ... ربما نسيت من أكون ... أين سرحت بيا مشاعري ؟؟؟ ... الفرق شاسع بين الكل ... رحت أقارن بيني وبين رفيقها ... شعره الرمادي الناعم ... ملابسه الشبابية الفاخرة لا تتعارض مع تناسق جسمه ... أين أنا منه ؟؟؟ ... ربما سأصبح مثله عندما أصبح في مثل سنه ...

إن كان سبب بقائي هو انتظارها أن تراني فالآن تغيّر الحال ... يجب أن لا تراني ... سحبت جهاز اللاب توب عله يشكّل ساترا لي ... تقدّم مني النادل ووضع ورقة عليها كود الوايفاي ... فرصة لتخفيف ثقل دقائق الانتظار ... دخلت النت ... أنا لست مغرما به ... لا تستهويني مواقعه ...

بعض صور الطبيعة ثم سئمت بسرعة ... تذكّرت موقع رحيم ... دخلت دون خشية ... بدأت أتابع باهتمام مكوناته ... الفرضيات المطروحة ... كيف تسجّل وكيف تلعب ... كيف تربح وكيف تخسر ... الموضوع كغيره فقط توقّع النتيجة ... هذا العالم الذي هزم أبي يوما ...

فتحت الملف الذي ورثته عن أبي ... اللعبة ... تابعت خطوات والدي بعين مختلفة ... عين من فهم العملية ... خرجت باستنتاج ... أبي لم يسعفه العمر أن تخترع هذه المواقع في سنين حياته ... قديما كانت المراهنة على مقابلات محددة ... توقعاتها بسيطة .. ما النتيجة ... ربح ام هزيمة او تعادل ...

هنا الامر مختلف ... انت تختار المتنافسين ... الف اختيار تراهن عليه ... أهداف .. نتيجة ... ركنيات ... ألف لعبة في كل الرياضات ... فقط الفرق هنا انك تحدد المبلغ الذي تريد أن تكسبه ...

يمكنك المراهنة على مقابلة واحدة إن أردت ... المكسب يكون حسب ضارب يحدده الموقع ... وكلما أضفت إختيارا آخر .. يتضاعف ضارب الأول في ضارب الثاني في المبلغ الذي ستراهن به ... وهكذا

سحبني هذا العالم حتى غصت فيه ... شخص مثلي لن تستعصي عليه هذه المعلومات أن يسبر أغوارها بسرعة ... قارنت بين فكرة أبي والاختيارات المطروحة أمامي ... تجارب بيضاء للعملية ... الأرقام المتوقع ربحها تزوغ معها العيون ... تنهيدة حارقة خرجت من صدري ... لو كان أبي حيا لما استطاع أحد عد أمواله الآن ....

رفعت عيني متأسفا عليه ... تلك الطاولة احتلتها عائلة كبيرة تتناول إفطارها ... السيدة ومرافقها غادرا منذ مدة تبدو طويلة ... أين كنت ... أين سحبني هذا العالم ... قبل أن استوعب ما حدث أحسست أن يدا ثقيلة تهز كتفي ... صوت أبي الذي لا أذكره يهزني بشدّة ...

" إن كان العمر لم يسعفني أنا ... فالعمر كله أمامك ... غامر لا تخشى شيئا "

هربت من المقهى ... طوال الطريق وذلك الصوت يدوي في مخيلتي ... لجأت لحضن أمي كرضيع مرتعش ... أمي لم تفهم ما أصابني ... فقط حضنتني بعنف ...

سريري تحوّل لحقل شوك ... سهاد ما بعده سهاد ... شيء خفي يدفعني للتفكير ... ليس التفكير فقط ... سرك من الخيالات ... مزيج من المشاعر بين الرغبة والإثارة والانفعال والخوف والطموح والحلم ...

كلما أغمضت عيني تتراقص تلك الاحتمالات أمامي ... متاهة لم أجد منها مخرجا ... هل اجرّب ... فقط سأضع الخريطة المؤدية لمفتاح الكنز ... فتحت جهاز اللاب توب ...

أنشأت ملفا جديدا " اللعبة 2 " ...

الجزء الثالث

على نفس خطى منهجية والدي ... الفرضيات في الفرضيات ... جداول ومربعات ... استنفرت كل حواسي وقدراتي لرسم ذلك المخطط ... طبّقت الإحتملات على عمليات بيضاء متكررة ... الموضوع ينجح ... أكرره ... فينجح

لا يمكن ان تفلت أي نتيجة مهما كانت من شبكتي المعقدة ... الأمر لم يتطلّب سوى سويعات قليلة ... صرخت كأرخميدس ... وجدتها .. وجدتها .... مزهوا بانجازي ... فخورا بعبقريتي

وانطلق سرك من الأحلام يتراقص أمام عيني ... سيارة فاخرة من أغلى طراز ... ملابس راقية ... فيلا كبيرة بمسبح ... سأزور كل دول العالم ... مهرجان أغاني راقصة انطلق في راسي ... الليل لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد ... عددت المبلغ المتبقي في جيبي يكفي ... لتغطية بضع عمليات ...

لا يهم فهو سيتضاعف بصفة آلية ... خريطة مستقبل مشرق لا اتعب فيه ولا أشقى ... فقط أجني الأرباح ... استثمار في الذكاء ... بدأت أضع خططا دقيقة لتبرير ثروتي أمام أمي ... مهما يكن لا بد من أن أعوض عنها سنين شقائها ... هي تستحق ذلك ...

خطط بسيطة كتفكيري ... أول نقطة انطلاق في خطتي هي وجوب أن أتحاشى رحيم ... هو سيخبر أمي بكل شيء بالطبع والاهم انه سيكتشف طريقتي ويقلّدها ... قال إن فروع ووسطاء مواقع الرهانات كثيرون ... سأبحث عنهم ...

مع بزوغ أول سهام الضوء تخترق ظلمة الليل ... فجر يوم جديد في حياة جديدة ... مفعم بالحيوية رغم عدم نومي ... سكون البيت يؤكّد أن أمي لا تزال نائمة ... حضّرت ملابسي ... تأكدت من الأوراق النقدية وأخفيتها جيّدا في جيبي... رأس مالي البسيط ...

دخلت الحمام بحذر ... ملأت البانيو ببطء ... وغطست فيه أتخلص من كل الفقر التاريخي الذي التصق بي ... الماء البارد زاد في نشاطي ... وقفت أمام مرآة الحمام الكبيرة عاري ... قلبت شعري للخلف ... شعري الناعم بلونه البني المائل للأشقر ... تمليت في انعكاس صورتي ... ورحت أتخيّل نفسي ... في عالمي الجديد الذي وجدت مفتاح النعمة فيه أخيرا ... طال مكوثي أمام المرآة ... صوت رنين الهاتف يتلوه وقع خطوات سريعة على الدرج ثم قرقعة الباب الخارجي تصم الآذان ...

صوت أمي وخالتي يكسر السكون في الخارج ... قرع عنيف على باب الحمام تستعجلان خروجي ... كالعادة لا شيء يسترني سوى تلك الفوطة البالية ... التحفت بها وخرجت عاري الصدر ... أمي تلكزني بمرفقها في جنبي بعنف خفيف إحتجاجا على تعطيلي لها ... وخالتي خلفها تستقبلني فاتحة يديها لاحتضاني ...

لا اعلم السر في ذلك لكن رغم ان جسمي نما وصرت أطول منها لكنها تتعمّد أن تغرس رأسي في صدرها كل ما حضنتني ...ربما هو إحتجاج على مفعول الطبيعة ..تريدني أن تثبت لنفسها قصرا أني لا زلت صغيرا ... ربما ...

رائحة عطر خالتي الغالي يداعب أنفاسي المتطلعة للحرية من مخنقها ... ملمس مفرق صدرها الناعم يدغدغ مسامي خدي الندي ... طال عناقها لي على غير العادة ... انسحبت من بين ذراعيها بهدوء ... أردت تقبيل وجنتيها كالعادة... عيناها لم ترتفع من الأرض كأنها تبحث عن شيء أضاعته ...

لثواني وهي تركز في الأسفل ... ثم كمن استيقظ من غفلته ... نظرت في عيني مباشرة ... حدقتاها تتساعن لترسما دهشة وشفتاها تصوران شعورا خفيا بالرضا ...

التحقت بغرفتي ألتمس فيها الستر... لبست ثيابي والتحقت بهما في الأسفل أمي تسرّح شعرها أما مرآة قرب باب المنزل ... نفس البنطلون ونفس القميص ونفس التسريحة ... فقط انعكاس وجهها الجميل يغمرني بابتسامة حب من عينيها ... تناولت معهما الإفطار الذي أعدته خالتي بسخاء ... لم أفهم فحوى حديثهما ... الموضوع يتعلّق بزيارة محامي ... أمي وخالتي أعلنتا الحرب على خالي بسبب الميراث منذ زمن ...

أمي فقط تساند أختها ... خالي وخالتي أغنياء لا يحتاجان ميراث والدهما البسيط في شيء ... فقط هو العند بينهما وأمي وقفت في صف أختها ... كنت استعجل مرور ساعات الزمن حتى أنطلق لحياتي الجديدة ... المكاسب الكبيرة ... الأموال وما تصنعه بصاحبها ...

إنطلقت هائما في شوارع مدينتنا ... بحثا عن فرع إحدى شركات الرهانات .... وجدت الكثير من علامات الإشهار على بوابات محلات عديدة ... محلات إنترنت عمومي ... مقاهي ... أكشاك سجائر ... لكن كلها مغلقة ... من سيقامر في الساعات الأولى للنهار ...

إستوقفتني إحدى العلامات على محل حلاقة للرجال ... ولو أن الموضوع غير عادي لكن لا يهم ... دخلت فاستقبلني رجل في بداية الأربعينات ... بشوش مستبشر بقدوم زبونه الأول ... أخبرته عن طلبي فلبى ذلك بسرعة وبساطة ... بضع نقرات على هاتفه ... أخذ مني مبلغ 50 دينار للحساب وخمسة له عمولة ... هكذا هو قانون هذي العمليات ... وضع في يدي ورقة عليها اسم عجيب للحساب ورقم سري لفتحه ...

كمن حقق نصرا في حرب خرجت مرفوع الرأس ... أصبح عندي حساب وفيه أموال ... المشكلة الآن أني لا أمتلك منفذا للانترنت ... لجأت لأحد المقاهي ووضعت اللاب توب أمامي ... الساعة العاشرة صباحا ... مقابلات كرة قدم في الصين ستفي بالغرض ...

فتحت ملف خريطتي السحرية للثروة ... وبدأت أتبع الخطوات ... أتممت عمليتي بتركيز شديد وانتظرت النتيجة ... هنا تحطّمت أحلامي ... راهنت بمبلغ جملي قدره 27 دينار لأكسب في أقصى الحالات 26 ؟؟؟

لم أستوعب ما يحدث ... ثم بتحليل بسيط إكتشفت أن من صنع تلك المواقع فكّر في ما فكّرت فيه قبل إنشائها أصلا ... ضارب المقابلات بثلاث إحتمالات لا تتجاوز الثلاثة أبدا .. وذات الاحتمالين لا تتجاوز ضارب إثنين ...

كمن صدمه تيار كهربائي تجمّدت أحاسيسي ... انتظرت نهاية المقابلات كالصنم ... نعم لقد صدقت إحدى إحتمالاتي وهو المتوقع ... لكني لم اكسب شيئا ... سوى سهاد الليلة وحرق الدماغ في التفكير ... والكثير من الخيبة

إنسحبت من المقهى أجر أذيال الانكسار ورائي ... كلما تذكّرت أحلامي التي قبرت إلا وإنتفض صدري بتنهيدة تحرق رماد أحلامي التي وئدت قبل أن تبصر النور ...

سخرت من نفسي كثيرا ... لست أذكى البشر والدليل أن من برمج تلك المواقع تفادى تلك الثغرة قبل أن يبدأ في العمل بها .... عدت للبيت خاوي القلب والفكر ... لجأت لغرفتي أصارع نوما أبى أن يرحمني ... صوت عقلي يسخر مني مدويا ... رانج روفر ؟؟؟ ... سفر ورحلات ..ثم يعقبه دوي ضحكات سخرية قوية ...

أحسست أن مفاصلي ترتعش ... جسدي يتعرّق ... لساني تخشّب وحلقي يجف ... كأني أقع في هاوية ... أردت الصراخ طلبا للنجدة فلم يخرج مني صدى ... أردت النهوض فلم أقدر ... ثم أظلمت الدنيا في عيني ...

طنين خفيف مسترسل بنغمة رتيبة متوازنة يصلني ... ألم وخز في ذراعي اليسرى ... أردت فتح عيني فلم استطع ورحت في النوم ثانية ....

فانوس ابيض طويل معلّق على السقف ... رأيت الرعب في دموع أمي التي تتمسك بذراع خالتي من خلف بلور شباك كبير ... أردت النهوض فلم اقدر ... ونمت ثانية ...

ثلاث أيام على تلك الحالة ... فهمت بعدها أني أصبت بنوبة عصبية وإنهيار نسبة السكري في الدم ... وسط ألف سؤال من أمي عن السبب ... لم اقدر على الإجابة ... لو علمت آمي أني اسبر على خطى أبي ستلحقه ... أنا كنت سألحقه ...

مع عودتي للبيت ..أمي تحصّلت على إجازة من عملها وخالتي رابطت عندنا في البيت وأنا نمت في غرفة النوم ... سرير كبير مريح ... صورة كبيرة لامي تحضن والدي تزيّن الحائط ... مع كل حركة منهما تبديان الاهتمام بي كان قلبي ينفطر حزنا ... ندم شديد على صنيعي ... وأشده الندم على مشاعر الكره تجاه خالتي ...

أسبوع على هذه الحالة مع سخاء في الاكل والراحة استرجعت أنفاسي وبعض شظايا نفسي ... اللحم والسمك والبيض أعادا لي بياض وجهي الشاحب ... أمي تنام على الكنبة في الصالون ... وخالتي تنام في غرفتي ... على أطراف أصابعي تسللت للحمام فرائحة عرق تغشى منها الأبصار تسبقني ... المغطس البارد يعاند الماء فيه حوافه تحضيرا لابتلاعي ....

غسلت عرقي ونتيجة تجربتي الفاشلة ... صوت الماء أيقظ الجميع ... وجهان مستبشران يطلان من وراء الباب ... كفرقة مقاومة الإجرام اقتحمتا عليا الحمام ... غطست حتى أخفي عري خجلا منهما ... كلمات بسيطة مني تطمئنهما أني بخير ... لا شيء يدعو للقلق ...

اشراقة وجه أمي أضائت المكان ثم انسحبتا لإعداد فطور ملكي على شرف سلامتي .... لم أتمتع بعد بثواني من الخلوة .. حتى فتح الباب ثانية ... خالتي التي شمّرت قميصها ليكشف نصف بطنها تمسك بيدها قطعة قماش وزجاجة صابون تبدو جديدة ...

لم تعطني فرصة للاحتجاج على اقتحامها خلوتي ... أمر صارم منها بالجلوس على حافة الحوض ...

" ما أنا ياما حميتك وإنت صغيّر "

كأسير ينتظر دوره أن يباع في سوق الرقيق جلست ملصقا فخذي ببعضهما البعض اخفي منبت قضيبي الذي غزاه الشعر ... حركة دؤوبة من يدي خالتي التي إمتلأت برغوة الصابون تدلك عضلات ظهري ... ضغط شديد من أصابعها على كتفي أشعرني بالألم ... قالت انه يساعد على تخفيف التوتر ...

عبثا حاولت إقناعها أني بخير واستطيع الاستحمام بنفسي ... بدأت تراودني بصوتها الناعم أن اعترف بسبب مرضي ... أحسست بلهفتها عليا وعلى صحتي ووخزني ضميري من سابق شعوري بالمقت تجاهها ... أفلت من قبضتها وغطست في الحوض يغطيني الماء حتى رقبتي ...

  • أزمة عاطفية ؟؟؟ ...
  • (تخيّلت أن تلك الفكرة قد تكون مخرجا ونهاية لفضولهما قد تعفيني مرارة الاعتراف بالحقيقة)
  • تقدري تقولي كده
  • كنت متأكدة بس أمك إلي مش مقتنعة
  • بس ارجوكي إوعي تقولي لماما .. هي مش ناقصة
  • ولو إن الأمر بالنسبة ليا طبيعي إنها تعرف بس اتطمّن
  • طيب ممكن تقلي هي مين وإزاي وحصل ايه عشان كل ده
  • (هنا شعرت أني وقعت في مأزق أكبر من الإعتراف بالحقيقة ) ...
  • لو مش حاب تتحكي انت حر بس ..
  • (هنا إختلطت مشاعري بين ضرورة تخز ضميري بالتقرّب من خالتي و بين الحقيقة) مش عارف أقلّك ايه
  • لو حاب تتكلم أنا سامعاك ... هي مين ؟؟
هنا تيقنت من وقوعي فخ نصبته لنفسي .. أنا لا تجارب لي أصلا ولم أفكّر يوما في مثل هذا الموضوع ... ماذا ساقول ؟؟؟ فجأة خطرت ببالي فكرة مجنونة ...

الكذب كحبات عقد ... كل ما سحبت حبّة تلحقها الأخرى ... إستذكرت تلك السيدة ... الأنوثة الطاغية ومشاعر الانكسار لما رئتها في المقهى مع رفيقها ... فاقتبست تلك الحكاية والفت منها خرافة لا أساس لها من الصحة ... إن أردت إقناع أحد بكذب عليك تغليف كلامك ببعض الحقائق لاثراء روايتك ...

حقيقة الانجذاب والإعجاب والإحساس بالقهر والغيرة ممزوجة ببعض الأحداث التي لم تحدث أخرجت رواية حب حزينة متكاملة الأركان من صدري ... اعتقد أن خالتي صدّقتني

رغم أني توقعت صدمة وردة فعل عنيفة منها الا أنها جلست على حافة المغطس وبدأت تداعب شعري المبلل بأناملها قصد التخفيف عني ... تلك المداعبة التي تسري في مسام الجلد فتشعر أن روحك تحلّق في سحب الفردوس ... وبدأت اسرد ما حدث ثانية مجيب على كل تساؤل يطرح عليا ... استرجاعي لحدث المقابلة الأولى أيقظ تلك الرغبة التي اشتعلت بين فخذي كأوّل مرة ...

كلما استرسلت في الكلام انتظمت حركات أصابع خالتي بين خصلات شعري الناعم ... كحركات منوم مغنطيسي خبير كانت تحسبني للاعتراف الشبه كاذب أكثر فأكثر .... انتهت الحكاية التي صنعا مخيلتي أحداثها ... كنت انتظر ردا من خالتي ... أي رد فعل لكنها كانت صامتة ... وضعية جلوسها بجانبي وخجلي وانسجامي مع حالة التقمّص التي استلهمتها لم تكن تسمح لي برؤية وجهها ...

كانت تائهة أكثر مني وعيناها تغوصان وسط الماء ... سطح الماء الساكن مع طول سكون حركتي يشقه نتوء من النصف العلوي لرأس قضيبي الذي تحدى برودة الماء وعاد للحياة مع حرارة تلك الذكريات ....

لم تستجب عضلات جسمي الشبه مخدّرة بعد حتى فتح علينا باب الحمام و رأس أمي يطل منه بعلمنا أن الإفطار جاهز ... دخولها أفاق خالتي من شبه غفوتها ثم خرجت مسرعة دون نظرة واحدة نحوي ...

الطاولة تعج بما توفّر من خيرات في ثلاجتنا الشبه خاوية دوما ... فقط صوت أمي يدوي في المكان ضاحكا مستبشرا ... عينا خالتي كانت تتحاشى النظر لي ... قضمت أصابعي ندما على ما حدث غصبا ... أنا أصلا اشعر بالخجل منها لذنب هي لا تعرفه .. الم يكفي ثقل ذلك على قلبي حتى أشوه صورة ابن أختها الذي تحبه بان اجعله عاشقا لسيدة في مثل سن أمه .. وسن خالته ...

لكني لم أجد مخرجا من مأزقي غير ذلك ... وماذا جنيت ... إن أفشت خالتي السر الشبه مكذوب لامي فتلك الطامة الكبرى ... وإن لم تفعل فهي لن تهدا حتى تعرف ما الذي أدى إلي ما حصل لي ...

محاولا زرع الثقة في نفسي بابتسامة حمقاء رسمتها على وجهي ... كنت مركزا نظري على خالتي التي تغرس عينها في الأطباق هربا من صورتي التي شوهتها بحكايتي ... فقط أردت الاطمئنان أنها لن تخبر أمي ...

ما إن نظرت مباشرة نحوي حتى غمزتها مبتسما ... ابتسامة مفادها أننا على عهدنا ... رعشة أصابت يديها جعلت شوكة الأكل تنفلت منها ...

بما أن حالتي الصحية تحسّنت فلم يعد هناك من سبب وجيه لبقائها في بيتنا المتواضع ... قبل مغادرتها أردت فقط التأكيد عليها للمحافظة على السر ... تمشيت ورائهما نحو الباب ... فتحت لها حقيبة سيارتها ووضعت فيها حقيبتها الصغيرة ...

توقّف قلبي وأمي توشوش لخالتي كلمات في أذنها ... تلتها نظرة من كلتيهما نحوي لأصاب بالصمم فجأة ... عند وداعها إقتربت منها لتقبيلها ... فطبعت قبلة بطرف شفتها بين انفي وعيني وشفتي ... هي نفس القبلة ونفس مفعولها ...

لم افهم ما سبب ذلك لكني لم أنتبه ...

قرار صارم من أمي ألا أترك البيت هذه الأيام ... الإختبار الطبي واللجنة في الاكادمية العسكرية بعد أيام ... قالت أنها حماية لي من أي طارئ أن يطرأ ...

استسلمت لقرار السجن دون القدرة على الاحتجاج ... أصلا نفسي لم تعد تطيق الاحتجاج ... كورقة خريف تعبث بي نسمات الهواء عدت مستسلما لأمي ... اغتنمت تلك الأيام للقيام ببعض الأعمال المفيدة ... هي أعمال تافهة في حديقتنا الصغيرة ...

التخلّص من الأعشاب ... تهذيب بعض الشجيرات ... سد بعض الشقوق في حائط السور ألا تسكنه بعض الحشرات ... أشغال شغلتني ليومين ... أمي التي تمتعت بالراحة الجسدية والنفسية بعد الإنهاك الذي سببته لها ... ومع ارتفاع درجة الجرارة في صيفنا القاتل هذا ... خيّرت ملازمة البيت ومتابعة حركاتي من وراء النافذة ...

في بعض الأحيان تشجعني بكوب شاي أو عصير ليمون وقطعة بسكويت ... ورغم تعرقي وتوسخ ملابسي إلا أنها كانت تصر على عناقي ... ذلك العناق الذي لم تستوعب فيه لا هي ولا أختها أني صرت أطول منهما ... تحشرني في صدرها وتمرر يديها على ظهري ...

كنت أتخلّص من كيس جمعت فيه بعض القش والأوراق الميتة في مكب نفايات آخر الشارع ... أرعبني صوت منبه سيارة تلاه صوت ضحكة خالتي التي لا تخطئها أذني ... دعتني للركوب معاها لكني اعتذرت بسبب حالتي الرثة ... تحدتني للسباق من يصل البيت أولا ...

ككلب يطارد سيارة صاحبه كنت اركض خلفها وهي تضحك ... استقبلت أمي ضحكنا معانقة أختها ... لاهثا من أثر الركض حملت أكياس كثيرة وحقيبتان أثقلتا يدي ...

حسام ووالده سافرا لقضاء عطلة الصيف عند عمّه في أوروبا ... الخبر مزعج بالنسبة لي لكني لم انزعج ... لم اشعر بالغيرة نحوه كعادتي ... هي الحياة هكذا كل وما علق في شبكة رزقه ... أعتقد أن صدمة مرضي القصيرة أكسبتني بعض النضج في التفكير ...

خالتي وأمي تستعدان ليوم الغد اليوم الموعود ... لجنة القبول ... رغم طمأنة زوج خالتي للكل إن الأمر قد قضي ... لكن حالة من التوتر تسود الجو ... الكل متوتر ما عداي ... حالة الاستسلام و خيبة أملي في لعبة أبي جعلتني ادخل في حالة من الفتور النفسي ... إن لم أكن أنا سعيدا فلن أعكّر صفو أحد ...

أمر صارم من أمي بالاستحمام صحبه أمر مبطّن خفي بالتخلّص من الشعر الزائد في جسدي ...لم افهم السبب لكن خالتي أرسلت إشارة خجلة انه من ضروريات الكشف الطبي ...

كيس قماشي صغير مشبّك فيه أمواس حلاقة فخمة وصابون وكريم تنعيم وضعته خالتي في يدي ... ذبذبات كهرومغناطسية وهي تقرّب شفتيها من أذني وتقول

" حاسب لا تعوّر نفسك "

دفعني خجلي من بداية إنتصاب غير مبرر للهروب داخل الحمام ... القيام بمهمة دقيقة كتلك لأول مرة دفعني للتركيز ... شعيرات خفيفة تحت إبطي لم تعاند كثيرا حتى استسلمت للجز تحت وطأة الموس الجديد ... الجهد الذي تطلبته عملية التخلّص من شعر ما بين فخذي جعلني أفكّر في الثورة على الفكرة كلّها ... إن كان التحضير لامتحان القبول هكذا فكيف بالتدريبات والحياة هناك ... اللعنة على هذا العذاب

عملية التنعيم والتخلّص من شعيرات أبت واستعصمت أن تلتصق بجلدي استوجب عملية مسك و تحريك كثيرة لقضيبي الذي زاد تضاعف انتصابه ... واقفا أما المرآة الكبيرة في الحمام فخورا بشكلي الجديد ... التخلّص من شعر العانة زاد في حجم قضيبي أو هكذا تخيّلت ...

صوت نقر خفيف على الباب ... خالتي تطلب مني فتحه ... إحتجاجا مني على أني عاري تماما مددت يدي لالتقط بوكسرا جديدا مدته لي ... لأول مرة في سألبس ملابس داخلية جديدة ... قماشه الرمادي يمسك على منبت عضلات فخذي و حزام عليه اسم رجل بالانجليزية يزين وسطي وما بينهما ارتسم قضيبي كثعبان يختفي تحت أوراق شجرة ...

إصرار خالتي على خروجي لا مناص من الانصياع له ... وضعت المنشفة على كتفي تتدلى حتى وسطي ... نصفي الأعلى مستور والاسفل لا يغطيه سوى البوكسر ... رأس أمي يطلّ من وراء مصرف المطبخ ويصلني معها رائحة وصوت نقانق تونسية أصيلة تصرخ في المقلات ... نسميها المرقاز "

خالتي تمسك بيدي لتسحبني لكنبة الصالون ... بنطلون جديد اسود اللون وجوارب سوداء .. قميص قماشي يلمع لونه الأبيض تحت ضوء الفانوس وعلبة لحذاء تنتظر أن تكشف عن محتواها ...

أصرّت على تنشيف ظهري وصدري بيديها خشية أن تفلت قطرة ماء تفسد بياض القماش ... لا أدرى لما طال فركها لجسدي ... تخيّلته حرصا منها ... طلبت مني الوقوف ... وجهي ناحية أمي في المطبخ وظهر خالتي لها ... حركات حريصة من خالتي على الحفاظ على القميص خشية تجعّد يصيبه...

... طلبت مني أن ارفع راسي للأعلى .... مع كل حركة تنازلية من أناملها تغلق أزراره تلامس أظافرها اللينة صدري ... وصلت لبطني المسطحة ثم ثقلت حركتها وتباطأت ... كان نظري معلّق في السقف حسب أوامرها ... استغرق إغلاقها للزرين الأخيرين وقتا أكثر من الأربع الذين سبقوهما ... مع بداية الم في رقبتي خالفت أمرها ...

نظرت للأسفل ... خالتي تجلس على ركبة وتثني الأخرى ... تهت في مفرق صدرها الأبيض المطل من فتحة قميصها الأزرق ... كتناسق بياض رمال شواطئ بحرنا مع زرقة أمواجه ...

أصابعها تتحرك ببطئ كأنها لا تريد أن تنتهي ... وعيناها لا تفارقان التمثال الذي نحته انتصاب قضيبي تحت قماش البوكسر ... نظرة فاحصة طويلة من عينيها اللتان لا يفصلهما عن أسفل بطني سوى نصف شبر .... صوت طبق كبير وضع فوق الطاولة تلاه سؤال أمي

  • هاه ... ماقسو كويّس
  • كبير قوي
خطوتان سريعة من أمي التي أرعبها أن تكونا قط أخطئتا مقاس الثياب ... وقفت خلفي تزامنا مع وقوف خالتي التي إحمرّ وجهها وغارت عيناها ... لفتني بحذر ناحيتها أن تلطخ بقعة ماء قماشه

  • لا كبير ولا حاجة ده مقاسو بالضبط
  • (خالتي مستدركة بصوت مبحوح كمن صحي من نومه للتو) مش عارف اتهيئلي انه كبير
سيطرت أمي على الموقف وسط سخرية من تقييم خالتي وأنها لا يمكن أن تخطئ في مقاس ابنها ... لبست البنطلون والجوارب ... سعادتي بحذائي الجلدي الأسود الخفيف لا يوصف مع السعادة التي تشع من عيني أمي ... أما خالتي فقد التحقت بالمطبخ لا أدري ما تفعل ...

عشاء لذيذ ودسم لم تعهده بطني ... أمي التحقت بغرفتها وهي تؤكّد عليا بالنوم باكرا ... سنصحو عند الفجر ... وخالتي توسدّت مخدة على أريكة الصالون ...

غير متعوّد على حلاقة شعر أسفل بطني أمسكتني حكة عنيفة حرمت عيني النوم ... الحكة المتواصلة أرغمتني على النزول للحمام بحثا عن علبة الكريم المرطّب ... على أطراف أصابعي محاذرا إحداث أي ضجيج من شانه إزعاج خالتي التي تكوّرت في الأريكة ملتحفة غطاءا خفيف تستنجد به من لدغات البعوض الذي استنفر هذه الليلة ...

تلامس أصابعي المغمسة بالسائل اللزج مع منبت قضيبي ... منحني شعورا بالراحة ودفع الدم في شرايينه لينطلق متطلعا للأعلى ... كلما دعكت مكان الحلاقة زادت رغبتي في المواصلة... نعومة الكريم ورائحته الزكية مع ملمس جلدي الناعم زادت في لمعان مسامه تحت أشعة الفانوس الخفيفة ...

جلبة خفيفة مصدرها المطبخ دفعتني لستر نفسي بالبوكسر والخروج بحذر ... عاري الصدر وحافي القدمين ... إطلالة جسد خالتي التي أفزعها صوت فتح باب الحمام تقف وراء مصرف المطبخ الرخامي ممسكة كأس ملأته بالمشروبات الغازية ....

هو مفعول أكل النقانق التونسية أو المرقاز ليلا بالتأكيد ... اللحم والملح والبهارات تشعل نار العطش في البطن مع لهيب هذه الأيام ... لن تجد مفرا من شرب كل ما هو متوفّر لديك ... ظلّ شعر خالتي المنكوش يتراقص على جليز الصالون يصلني قبل أن يصلني صوتها

  • ماجالكش نوم ؟؟؟
  • لا أبدا كنت نايم وصحيت رحت الحمام ...
  • تحب تشرب ؟؟؟ (مدت يدها تمسك القارورة المنتصفة)
  • أحب طبعا
دخلت من الفتحة النصف ضيقة التي تفصل الصالون عن المطبخ ... سكبت كأس كبيرا ... خالتي انسحبت قليلا للخلف ... تلبس قميصا قطنيا خفيفا يصل لنصف فخذيها ... صورة إمرأة صهباء على مقدمته إتسعت عيناها بفعل انتفاخ صدرها ... جعلني أتبسّم من مشهدها ... قفزة صغيرة منها بخفة القط رفعت مؤخرتها لتضع نصفها على رخام المصرف وتطوي رجليها إحداهما فوق الأخرى ...

النور الخافت يلمع في عينيها ... خالتي تشبه أمي لدرجة لا تصدّق ... وكلتاهما تشبهان الفنانة داليا البحيري ... غير أن طولهما اقصر منها بقليل ... وإختلاف بسيط في لون العينين ... أمي عيناها تميل قليل للزرقة وخالتي تميل للرمادي ... لا تستغرب فنحن هكذا ... غير ذلك فهما نسختان متطابقتان ...

إستندت على رخام حوض الغسيل في المطبخ محاولا التمتع بالمشروب البارد بينما عينا خالتي انغرستا في كأسها ... شعور مضطرب الم بي ... خالتي التي كانت سندا لامي طول سنين عمري والتي لم تبخل عليا بأي شيء ... هي لم تفعل شيئا سوى أنها تهاديني بثياب ابنها القديمة ... لهفتها عليا وخوفها ووقوفها بجانب أمي دوما وخصوصا عندما أكرمتني بثيابي الجديدة مساء اليوم جعلني أشعر بالإمتنان وتأنيب الضمير نحوها .... ذلك الشعور بالامتنان تزامنا مع كمية الحنان التي أغدقتها عليا فجأة ... جعلني اسعد بالبقاء بجانبها

ربما جرعة الحنان التي افتقدتها من أم فرضت عليها الظروف تلك القسوة والشدة ... حنان يحتاجه كل من هو في مثل سني وظروفي ...

تهت في تفكيري لدقائق طويلة من الصمت ... صمت قطعه صوت خالتي الهادئ ... كأنها تستجمع موضوعا تريد طرحه عليا ...

  • قلي بقى إيه الي طيّر النوم من عينك ...
  • (منعني خجلي من الاعتراف بالحقيقة) لا ابدا بافكّر في اللجنة بكرى ...
  • (حركة تقطيب حاجب ورفع الآخر توحي أنها لا تصدقني) بتفكّر في اللجنة وإلا بتفكّر فيها ...
  • هي مين ؟؟؟
  • (غمزة بنصف عين منها) اهاه ... عليا الكلام ده يا واد .. الست الي كانت هتجيب أجلك قبل ما تطلع مالبيضة ...
  • (هنا جف الريق واحترق الحلق... هذه الكذبة لن تنتهي أبدا ؟؟؟ ... كنت سأقسم لكنها قاطعتني)
  • طالما سكتت يبقى كلامي صح ... قولي بقى إنت لسة بتحبها ...
  • بأحبها ؟؟؟ إنت وصلت لغاية هناك بسرعة ليه ؟؟؟
  • أمال ؟؟؟
  • ابد اده كان مجرّد إعجاب ... فيها حاجة شدتني ليها ... بس
  • يعني عاوز تقنعني إن مجرّد إعجاب يوصلك ترقد في المستشفى وتطلع عيننا معاك ؟؟ مش مصدّقة
  • اقسملك هي الحكاية كده
  • طيّب إقنعني ...
  • مش عارف أقلّك ايه ...
  • قول من غير كسوف ... انا سامعاك
  • هو مش إعجاب هي حالة ثانية أوّل مرة أحسها ...
ورحت أعيد على مسمعها كل ما حصل في محلّ رحيم مع تفنن هذه المرة في وصف تأثيرها في نفسي وجسدي باستحياء ... خالتي كانت تمسك كاس مشروبها الفارغ بأطراف أصابعها ... وتصغي بتركيز شديد لكل حرف أقوله ... قاطعت كلامي مستنكرة وبشدة أن إحدى زميلات الدراسة أو أترابي لم تشد إنتباهي او تجذبني إليها ...

هنا وقفت الطريق بالهارب ... سؤال في شكل مأزق يصعب الخروج منه ... على غير عادتي وجدت طريقا للكذب ثانية باعتماد بعض الحقائق ... بما اني سحبت حبة عقد الكذب الأولى كان وجوبا عليا أن استرسل ... مستخدما مخزونا من القهر وحقدي على ظروفي ... بدأ صدري يهتز مع كل حجة عن استحالة أن تنظر لي إحداهن بسبب مظهري الرث وحلة فقري ... لا أستطيع المنافسة على إحداهن ...

استحضار ذلك الشعور النابع من قهر حقيقي أنتج زفرات وحشرجة أشبه بالنحيب ... أحسست بالنصر والنجاة وأنا أرى خالتي تفتح ذراعيها تدعوني لحضن تواسيني به .... إقتربت منها وكعاتها سحبتني لصدرها تحشر رأسي به ... وضعية جلوسها على حافة المصرف الرخامي مع وضع رجليها جعلت راسي يتوسد مفرق صدرها وركبتها المثنية تلامس طرف رأس قضيبي الذي لم يتخلّص من انتصابه بسبب الدعك بالكريمات ...

تزامنت حركة أناملها الرقيقة على شعري الناعم مع حركة خفيفة من ركبتها على رأس قضيبي الذي لا يمكن أن لا تكون أحست به ... رعشة من لم يتعوّد ممزوجة بخجل ورعب وارتباك إنتهت بانطلاق دموع لا أعلم سببها ... هل هي حالة التقمّص التي كنت فيها أم هو إنفعال طبيعي لتلامس محرم لم أتعمده أم خوف من ردة فعل قد تحطّم علاقة امتنان وليدة بعد نكران طويل ...

دموعي الحارة سالت على مفرق صدر خالتي ... تفاعلها مع حالتي جعل نبض قلبها يتسارع تحت خدي ... لهيب العاطفة المتأججة جعلها تريد سحبي أكثر نحوها ... ركبتها تمنع التصاق جسدي الفتي بجسدها الحنون الخبير ...

دفعتني بركبتها من بطني للخلف وهي لا تزال تحيط راسي بذراعيها وفتحت رجليها لتسحبني بينهما لها ... ذراعان يحيطان برقبتي ساحبين راسي لصدرها ورجل تضغط على مؤخرتي ليلتصق وسطي بما بين فخذيها ...

حرارة تلك المودة الغريبة استعرت بتلامس قماش البوكسر بقماش ناعم بين فخذيها ... نعومته فرضت عليا الحركة غصبا عني ... قضيبي يتجوّل محبوسا في البوكسر بين فخذيها دون قصد مني أو منها ... توقعت ارتباك أو رفضا أو صدا لكن مشاعر التعاطف معي هزمتها فطال عناقها لي وازدادت دموعي ...

توقفت عقارب الزمن عن الدوران وأنا بين أحضانها ... لا اعلم كم لبثنا وأصابعها تتجول في خلفية راسي وأعلى رقبتي مانعة عني التفكير وردة الفعل ... شعرت بارتفاع رائحة جلدها وشممت ريح جسدها الناعم لأول مرة هكذا ... ثم أمسكت راسي ورفعته ناحية وجهها ... صارت المسافة بين عينينا اقل من إصبع ... تهت في لونهما قليلا ... رعشة خفيفة من شفتيها ... ثم كم إستيقظ من كابوس مرعب ...

دفعتني برفق وهي تهرب بنظرها نحو ساعة قديمة معلّقة على جدار الصالون ... الساعة تشير للثالثة صباحا ... الزمن يتطاير عندما يهتم بك أحدهم ... بصوت تخنقه حشرجة قالت أن الوقت تأخّر كثير وأمامنا يوم طويل غدا ....

انسحبت كالمصعوق من أمامها أداري قطرات داكنة ابتدأت تتوسع في قماش البوكسر ... ما إن خطوت نصف درجة في اتجاه الأعلى حتى سبقني صوت الفجر ممتزجا بصوت هاتف أمي ونصف كحة تخرج من حلقها معلنة بداية اليوم الموعود

لم تتطلّب التحضيرات وقتا كثيرا ... أمي تولّت مهمة الاعتناء بقيافتي معوضة غياب خالتي التي طال إختفاءها في الحمام ... الساعة تشير للخامسة صباحا ... خالتي تتولى قيادة سيارتها تجانبها آمي وأنا في المقعد الخلفي ... طوال الطريق وأمي فقط تتحدث وسط إجابات مقتضبة من أختها خلت من الروح والابتسامة ...

ساعتان ونصف أكلت عجلات السيارة فيهما المسافة بين مدينتنا والاكادمية العسكرية ... أمي نزلت من السيارة تتأكد باهتمام من مظهري و تتفقد بحرص الوثائق في الظرف الذي بين يدي ... بينما خالتي ترشق نظرها في بلور سيارتها كأنها تهرب من شيء ما ...

تائها وسط حشد من أترابي ... مجموعة كبيرة من الفتيان والفتيات يتأنقون بمختلف درجاتهم الاجتماعية أمام الباب الكبير ... قوس كبير يحمل اسم المنشأة ... تطل من خلفه بنايات كبيرة مسقّفة بالقرميد الأحمر ... يتوسطها صاري طويل يرفرف فوقه العلم الأحمر بنجمته وهلاله ...

مجموعة من الشباب بزي موحد يحملون علامة آلفا بيضاء فوق أكتافهم يتولون تنظيم صفوفنا وتقسيمنا إلى مجموعات حسب الشعبة العلمية ثم حسب العمر والاسم ... كل المترشحين هم من المتفوقين في إختبار البكالوريا ... الأعلى معدلات والأكثر جدارة ... كنت فخورا بأني أحدهم ... لأول مرة اشعر بالفخر

أمر صارم بالتقدم .. ما إن خطت يسراي تحت القوس العالي حتى أحسست بنفسي تغيّرت ... الحدائق الخضراء والأشجار المنمقة تتناسق مع مشهد الضباط بملابسهم الموحدة متمازجة مع الأحذية اللامعة ... الذقون الحليقة في وجوه صارمة واثقة تحت قبعات مزينة بنقوش مختلفة حسب الرتب تتشارك فقط في دائرة عليها العلم ... وقفت شامخة وحركات حريصة من جميعهم على نمط واحد ...

سقطت كل جدران مقاومتي فجأة ... لا أعلم السبب لكن ذلك العالم سحرني ... لم يكن الموضوع صعبا ... زيارة لمصحة يتولى فيها كل عنصر مهمة معينة كقياس الطول والوزن والنظر والسمع ... التأكد من سلامة الجسم من أي أثر لجرح يمنع نشاطه ... طبيب ملامحه جادة تزيّن وجهه الأحمر بشارب أشقر محفف ... يتولى معاينة كل جسدي ...كل الجسد لا يسترني عنه شيء ... من أسفل رجلي حتى أعلى راسي ... ثم اشّر على ورقتي بالقبول ...

بعد المرور في الكشف الطبي ... بدأ قلبي يخفق بشدة ... نصف من دخلوا معي وقع الاستغناء عنه لأسباب عديدة ... الفتيان الذين فهمت أنهم تلامذة ضباط سبقونا بالالتحاق قبل سنة أو سنتين أعادوا تنظيمنا حسب قائمات جديدة ...

اقتربت من قاعة كبيرة ... طاولة بسيطة وطويلة جدا يجلس عليها 12 عشر ضابط برتب مختلفة بتوسطهم رجل وسيم وبشوش يضع على كتفه شعار الجمهورية وثلاث نجمات صفراء لامعة ... هو الأعلى رتبة فيهم ...

مع نصف حركة من شفتيه معناه ان لا تخشى شيئا .... تمالكت ارتباكي ووقفت شامخا متحديا نظراتهم الفاحصة لي ... تحدّثت بطلاقة استغربتها من نفسي ... أجبت عن كل الأسئلة البسيطة ...

إنتهى الأمر ... وقع إكرامنا بغذاء محترم ... جلوسي في المطعم الكبير ... مشهد الحركة والانضباط .... الملابس الموحدة تعطي أصحابها رونقا جميلا جدا ... نسميه في تونس " الوهرة " ... السحر يزداد في عيني ...

قبل انصراف من تبقى منا ولم يتبقى الكثير ... وقفنا في صف متناسقين حسب الطول استعدادا لأمر هام ... هكذا فهمت من الحركية الشديدة وتجمّع الكل في صف واحد

فجأة دوت صرخة شديدة من الرجل البشوش الذي استجوبني يأمر الجميع بالاستعداد ... العيون كلها تتطلّع لباب مكتب في بناية عالية فخمة تزينها مقولة نقشت أعلاها " الحياة عقيدة وجهاد " ... فتح الباب ليخرج علينا رجل عليها علامة المهابة ... يلبس نفس الزي العسكري ... كتفاه مزينان بشعار للجمهورية وسيفين متقاطعين ... قبعته مزركشة برسوم جريد نخل يحيط بها من كل جانب ...

ألقى علينا خطاب ترحيب مقتضب ثم ودعنا بقوله .... " الي كاتبتله خبزة معانا تو ياكلها " ...

كلمة لا زال صداها يتردد في أذني لليوم... معناها من كتب له لقمة عيش هنا سيأكلها ... الموضوع ليس لقمة عيش هي شخصية تتملك بك وتسرق منك شخصيتك الأصلية ... شيء كالسحر أصابني ... دخلت ممتعضا رافضا مجرّد الاقتراب من هذا العالم وخرجت أرى نفسي أنتمي اليه ولا انتمي لغيره ...

مررت من تحت قوس الباب ... منتصب القامة مرفوع الرأس ... أمي وخالتي تحتميان بالسيارة تحت ظل شجرة في مرآب أمام الباب لم تنتبها لخروجي ... سعيدا مزهوا باني كنت أحد المرشحين الباقين للاتلحاق ... سيقع إختيار الافظل منا حسب قولهم ... الأفضل أو من يملك واسطة تساعده ... لا أعلم طرقت باب النافذة منبها اياهما بوصولي ...

نزلت أمي مستفسرة ... نصف ابتسامة ونصف انشراح على وجنتيها بعد علمها بنجاحي في الاختبارات ... ثم ركبنا في طريق العودة ... الصمت يطبق على المكان ... تخيّلت أن الإجهاد تمكّن منهما بسبب السهر والحرارة ... لا خالتي تتكلم ولا أمي تفتح موضوعا ... أرخيت راسي على مقعد السيارة ورحت في شبه حلم ...

حلم كنت بطله ... تخيّلت نفسي بعد سنين طويلة وكتفي تزينها السيوف والكل يرتعد لوقع خطواتي ... بدأت نفسي تتحضّر لعالمها الجديد ...

سرقتني أحلام اليقظة ... فلم اشعر بنفسي إلا والسيارة تتوقف أمام باب بيتنا ... رغم إلحاح أمي على خالتي بالدخول إلا أنها تمسكت بقرار رحيلها متعللة أن الأريكة آلمت ظهرها ...

ما إن خطوت خطوة واحدة داخل البيت مع هدير محرّك سيارة خالتي ... حتى لحقني صوت أمي مدويا في البيت ...

" إيه الي إنت عملته مع خالتك ده ؟؟؟ ... إنت إتجننت ؟؟؟ "
القصة في منتهي الروعة وطريقة الحوار طبيعية جدا ومثيرة ومشوقة كمل ومتعنا تسلم ايديك
 
  • عجبني
التفاعلات: saadhussam
حاسس انك بياع كلام
 
  • عجبني
التفاعلات: saadhussam
  • جامد
التفاعلات: شةيتان
اتاخرت علينا
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%