NESWANGY

سجل عضوية او سجل الدخول للتصفح من دون إعلانات

فى موضوع الدمج والبلاغات بتبلغ فيه باسم روايتك والجزء الجديد عشان يتم دمج الاجزاء الجديده وتكون روايه موحده زى باقى الروايات المنشوره فى المنتدى
ياريت تتواصل مع حد من الاداره عشان تعرف تفاصيل اكتر
الرواية لسة قيد اللانشاء .. لما تكتمل رح اتواصل معهم يدمجوها
اشكرك على الاهتمام :)
 
  • عجبني
التفاعلات: زهايمر
✰ الجزء السابع ✰
____________________________________________

فقد وصل للمكان ثلة من الحرس الذين توافدوا من كل حدب و صوب الى الفيلا ..
و انطلقت رصاصات ثقيلة صوبهما مما اجبرهما على الاحتماء بالمدخل المتهدم للفيلا ..

و راحا يطلقان النار بكل اتجاه ..

و كانت طائرة تصاب و تتحطم هذه المرة اثر الرصاص المتفجر الذي يطلقه الحرس الوافد من خارج المزرعة ..

و نظر مراد لساعته بقلق ..
لم يبق وقت لتفجير الفيلا .. و لا مجال لتعطيل المتفجرات ..

و نظر لتامر نظرة ذات معنى .. لا بد من المجازفة ..
و اصدر إشارة خاصة للطائرات .. و اندفع كلاهما مطلقين النار بكل اتجاه ..


و قبل ان يبتعدا عن المكان شعر تامر بعمود من النار مختلط بصفير حاد يضرب الجهة اليسرى من رأسه و هيء له انه سمع صوت انفجار مكتوم خلفه و غامت الدنيا امام عينيه وهو يشعر بالم ممض لا يدري اين موقعه ..
وشعر بعجز عن الحركة و انه مستلق على الارض ..

و تبدل المشهد امامه بعد قليل الى غشاوة كاملة و هو يسمع أصواتا مختلطة حوله لا يدري ما تكون ..
ثم لا شيء ..
ثم بدأ صوت يتسلل الى اذنيه كما الحلم الثقيل ..
ثم لا شيء ..
ثم اصوات اخرى لفترة ثم فتح عينيه ليجد انه في غرفة ما و اطرافه ثقيلة كالرصاص و شخص غريب يقف فوق رأسه ..
ثم غاب المنظر ..


ثم استطاع ان يميز صوتا مألوفا يتحدث الى شخص ما بكلام لم يميزه ابدا ..

كان يشعر بصداع جارف و لا يقدر على فتح عينيه ..

و بعد فترة بدا يستوعب ما يحصل حوله نسبيا و بدأ الحديث المتداخل يتوضح تدريجيا .. و ميز الصوت المألوف يقول : .. في المنزل لذا يجب ان ننتظر .

و فتح تامر عينية ليرى مراد بجانبه فقال بتراخ شديد: ماذا حصل؟ اين انا؟ اشعر بالم في رأسي .. اريد ماءً .

قال مراد مبتسما : حمدا لله على سلامتك يا بطل .

نظر اليه تامر بضعف و تهالك على فراشه لكن لم يغب عن الوعي بل اغمض عينيه و قال بصوت ضعيف : ماذا حصل لي؟ اين انا ؟

نظر مراد الى الطبيب بصمت قلق فقال الاخير بهدوء ممسكا نظارته : الضربة على جانب الرأس افقدته جزءا من ذاكرته او هي اضعفته لدرجة شديدة و لن يتذكر تقريبا كل ما مر به منذ عام و حتى الحادث الا بشكل مموه جدا عديم القيمة .

قال مراد : و متى يمكن ان يستعيد ذاكرته؟

مسح الطبيب نظارته و لبسها قائلا :سيستغرق ذلك زمنا .. ربما سنوات او اشهر .. لكن ليس بسرعة .. يجب ان تلتئم الخلايا المصابة و الادوية ستساعد جدا في تحسن حاله على ان يتناولها بانتظام و ان يعطيه من حوله الجو المناسب المريح .

و سمع مراد يقول و قد بدا تامر يحس بثقل رأسه : هل من امل بسرعة الشفاء؟

قال الطبيب باهتمام : ربما اذا استطعتم ان ..

و هنا ثقل سمع تامر و غاص في نوم عميق افاق منه و لا احد حوله الا ممرضة تقوم بعمل ما في زاوية الغرفة و الظلام النسبي يحيط به ..

فعاد يغلق عينيه بارهاق .. ماذا حدث؟ ماذا اصابه؟ لماذا هو هنا؟ لا يدري .. حقا لا يدري ..

لم يكن يذكر شيرين التي ابعدت اصلا عن نظره ...

لم يكن يذكر حبه الكبير و العميق ..

لم يكن يذكر الحرب التي اشعلها بيديه من اجل كرامة شيرين ..

لم يكن ذكر كم قتل و كم دمر للعائلة المنافسة ..

لم يكن يذكر الضربة القاصمة التي دمر بها مع مراد و رجالهما مقر العائلة الاخرى و قضى بها على اغلب القادة و الرجال و كاد يلقى بها مصرعه ..

كان هناك فراغ غريب في ذهنه مليء بصور و كلمات و مشاهد مشوشة ..

وهو الان لا يقدر ان يستخلص منها شيئا ..

سمع الطبيب يتحدث عن فقدان جزئي للذاكرة ..

سيحاول ان يلملم شظايا الذكرى ..

سيحاول ان يعرف ماذا حصل ..

الطبيب قال انه .. ماذا قال؟ ..

مراد ايضا قال ..

مراد لا يعمل مع الطبيب ..

و الذاكرة ستساعد الادوية على السنين ..

و الممرضة ستشفى لاحقا من الضربة على رأس الحادث .. و ..

و غاب عن الوعي .

استمر هذيان تامر كما عرف لاحقا نحو شهر كامل ..

كانت الضربة قد اثرت بشكل سيء على دماغه رغم انها لم تتلفه ..

المواد الناتجة من الطلقة الحارقة دخل جزء منها في رأسه عبر الاصابة مما اثر على مخزون ذكرياته و عمل الخلايا العصبية لديه ..

و كانت حالته تتحسن مع مرور الايام حتى جاء يوم كان تامر فيه يرتدي ملابسه استعدادا للمغادرة ..

ستة اشهر و نصف قضاها ما بين الصحوة و الهذيان ..

ستة اشهر لم ير خلالها الا الاطباء و مراد و ميساء و والديه و شقيقاته الثلاث ..

لم يكن يُسمح لمخلوق اخر بالوصول اليه تحسبا للمفاجئات و كان يتم نقله بشكل شبه يومي من غرفة لأخرى عشوائيا و يتم افراغ الغرفة الجديدة من قاطنيها فورا باشراف الاطباء ..

انتهت الحرب العائلية تقريبا ..

و لم يبق الا قلاقل بسيطة هنا و هناك من فلول الاسرة المنكوبة ..

لكن الحذر واجب ..

و سار تامر بين اهله و رجاله عبر ممرات المستشفى مغادرا ..

كان يشعر بالغربة ..

ستة اشهر تغير بها الكثير من حوله في مدينة تجري بسرعة الريح ..

كان كمن يولد مرة اخرى ..

و جلس تامر قرب مراد في السيارة و معهما رجال و الاب و الام بسيارة اخرى و معهم رجال و الشقيقات بسيارة لوحدهن مع وصيفة و مربية ..

هكذا تعلموا ..لا تضع كل البيض في سلة واحدة ..

و انطلق الركب عبر الشوارع و تامر يتأمل المدينة بصمت ..

و في الشارع الموصل لمنطقتهم كان مراد ينطلق بهدوء ..

و نظر تامر الى مدخل شارع جانبي .. و سأل مراد فجأة: اليس من المفروض ان نمر من هذا المدخل يا مراد؟

التفت مراد بسرعة نحو المدخل .. كان الشارع الذي يمر من امام منزل شيرين..

و صمت مراد ثم قال باقتضاب : لا.

قال تامر : لكني اشعر اننا يجب ان نمر من هناك.

قال مراد : دعك من المشاعر هذه .. ها قد وصلنا .. حمدا لله على السلامة .

و اتجه مراد بالسيارة الى منزل تامر ثم اوقف مراد السيارة في باحة المنزل الواسعة الفخمة و نزل مشيرا لرجاله اشارات يعرفونها جيدا ..

نزل تامر بهدوء ناظرا للمنزل .. لقد اشتاق له كثيرا ..

و اتجه الى المنزل برفقة اسرته التي احاطت به ..

ثم دخل المنزل ليجد الخدم بانتظاره مرحبين و قد زينوا المنزل ..

هناك وجد كبار العائلة و عشرات الضيوف ايضا في الصالة الكبيرة ..

كانت حفلة استقبال رائعة ..

كلهم يعرفهم .. لكن .. متى تزوج ميساء؟

لا يذكر .. لكنه لم يرفض امر زواجه منها فهي جميلة جدا و يعرفها منذ صغره ..

ذات يوم سيعرف .. لن يكذب كل الناس عليه .. اذن لا بد انه تزوجها حقا ..

لكن لماذا لا تبدو سعيدة جدا به؟ هل تكرهه؟ هل تزوجها رغما عنها ؟ لا يدري ..

و في وقت متأخر صعد تامر الى غرفته و جلس هناك ..

اه لذاك الصداع .. و نظر الى ركن ما من الغرفة ..

لم يكن يدرك ان اهله ازالوا كل شيء يمكن ان يذكره بشيرين من غرفته ..

لكنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عن ذكريات تامر ..

و نهض تامر الى ذلك الركن و ازاح الستار عن لعبة اتاري لها سرجا حصان ..

جميلة هذه اللعبة .. ترى من اتى بها ؟ لا بد انها هدية من احد اقاربه ..

و جلس على احد السرجين .. و شغل اللعبة و راح يدير اللعبة و يلعب المراحل .. كانت ذات خمسة مراحل صعبة و يجب اصطياد زعيم العصابة في اخر مرحلة ..

لا يدري لماذا يحس انه يرى عينان زرقاوان رائعتان و شعرا اشقر يطلان من وراء كل مرحلة .؟ ذهنه مشوش جدا .. ما قصة العيون الزرق و الشعر الاشقر؟ لا بد انها فتاة ما من اللعبة .. في طفولته لعب هذه اللعبة لكن بطريقة اخرى ولم تكن بها فتاة شقراء و عيونها زرق .. لا يدري ..
لا يرى وجها بل عيونا زرقا و شعرا اشقر بشكل باهت جدا ..

و ترك اللعبة و اتجه الى سريره و نام ..

و كان نومه هادئا لكنه يرى خلف الافق دوما من بعيد شعرا اشقر و عيونا زرقاء ..!!

في الايام التالية كان تامر يقوم بجولات مع رجال العائلة و مراد لا يفارقه بغية حمايته ..

كان يريد استعادة صفاء ذهنه قدر الامكان ..

كان يدهشه انه في كثير من الاماكن يحس بالفة و اطمئنان عجيبان ..

لماذا هذه الامكان تثير شيئا ما كامن في اعماق مكان مظلم في عقله ؟

ماهو هذا الشيء؟

هل حدثت هنا صراعات ؟ لا .. ليس الامر هكذا..

هل كانت اماكن مفضلة لديه مؤخر؟ لا .. طوال عمره يفضل نمطا لا يتغير من الاماكن ..

اذن ما قصتها ؟ ..

لقد تزوج ميساء كما علم من اهله ..
اذن ربما كانت هذه اماكن كان يلتقي معها فيها ..

تفسير منطقي جدا لولا امور اخرى ..

الشارع الجانبي .. الشعر الاشقر مع العيون الرزق .. تعامل ميساء معه و الذي به نفور من نوع ما لا يدرك له سببا..

لا شك ان هناك امور كثيرة نسيها و سيتذكرها بمساعدة الاهل ..

سيضطر لترك عقله لأهله كدفتر ابيض يكتبون فيه ما يريدون .. ما يريدون فقط ..

لكن لا بد للاسطر الممحية ان يظهر لها اثر ما .. يوما ما ..

لم يكن تامر غبيا ..

كان يدرك ان تعلقه بالاماكن لا يمكن الا ان ينشأ عن حب عنيف قوي راسخ..

ولا يستغرب ابدا ان يكون اخيرا قد وقع في حب ميساء ..

فهي اجمل بنات عائلتها على الاطلاق ..

و يعرفها منذ المراهقة .. و علاقتهما طوال العمر قوية جدا لكن لم تصل لدرجة الحب..

ربما تطور الامر فجأة و صار حبا .. والا فكيف صارت زوجته؟

لا تفسير اخر سوى انه احب ميساء و هذه الاماكن كانت لهما فيها ذكريات ما ..

اذن ميساء حبيبته ولا امر اخر و سيعيش مع هذا الواقع الجميل ..

يحيره اصرار عقله انه يجب ان يمر من ذاك التفرع في الطرق .. و الشعر الاشقر و العيون الزرق و ضيق ميساء العجيب ..

لا شك ان التفرع كانت لهما فيه ذكرى معينة ..و الشعر و العيون ربما رآهما في اللعبه او لعبة مشابهة و ضيق ميساء ربما ناتج عن امر لا يذكره .. لو كانت لا تريده لما تزوجته من الاصل و هو يعرف انها لا ترفضه و تعامله بدون حواجز و بمحبة كبيرة طوال عمرهما .

لكن مكانا ما في عقله بقي متمردا على هذه التفاسير العرجاء ..

على الطرف الاخر كانت شيرين تراقب ما يحدث مع تامر و تتتبع كل جديد عنه ..

لا يزال حب تامر حيا و قويا في قلبها ..

لكنها لا تقبل ان تبني سعادتها على تعاسة اعز صديقاتها ..

كانت تعرف بأمر فقدانه المؤقت للذاكرة .. هذا سيجعله ينساها بالتأكيد ..

و لم تكن العلاقة بينها و بين ميساء منقطعة و ان جفت كثيرا بعد الزواج ..

و رغم قبولها بالامر الواقع الا انها لم ترض بالاقتران بأحد رافضة عشرات الخطاب و اولهم اقرباؤها .. لقد كان حب تامر متأصلا في نفسها ..

لطالما بكت عيونها الرائعة بصمت وقهر و هي تتذكر مشوار حبها القصير الجميل و كيف انتهى بكارثة كانت من صنعها هي ..

هي من اقترحت امر الزواج على تامر .. لكنها مع ذلك لم تطق ان تكون العروس ميساء التي تحبها كاشد ما تحب الصديقة صديقتها المخلصة رغم فارق السن بينهما ..

ولو لم تكن تحب تامر لكان تامر افضل عريس تتمناه لها ..

و كانت تدرك ان ميساء تبادلها نفس المشاعر .. لكن الحب لا يقبل القسمة على اثنين .. فاما ان يكون تامر لميساء او لشيرين .. و هذا لا جدال فيه .. احدهما تعيش و الاخرى تتحطم .

لذا و بما ان ميساء قد تزوجت تامر فعلا لم يبق لشيرين الا ان تختفي في ظلام النسيان .. و فقدان ذاكرة تامر يجبرها اصلا على ذلك لأنه ليس فقط لم يذكرها بل لم يذكر زواجه من ميساء نفسها و لن يتطوع اهله طبعا لتذكيره بشيرين ..

لكن كل هذا لم يمنعها من تسقط اخر اخباره بطرق نسائية خبيثة ..

الحب لا يعرف الذبول ان كان حبا حقيقيا كهذا .. فلا يزال في مكان ما من قلبها امل بان يستعيد تامر ذاكرته و يتذكر شيرين .. و يحبها ..

لم يكن تامر بالطبع يشعر بكل هذا ..

لكنه كان يحس انه يعيش حالة حب قوية ولا يدري من حبيبته ..

و ما دام تزوج ميساء فما المانع ان تكون هي تلك الحبيبة؟

امر منطقي جدا جدا ..

سيطلق كل الحب المنتظر في زوايا قلبه ليكون من نصيب ميساء الجميلة ..
زوجته ..

و حملت الايام التالية تغييرات جذرية في حياة الاسرة ..

فقد عاش تامر قصة حب جميلة مع ميساء التي تقبلت حبه بحذر صنعته حياتها السابقة معه .. تدرك انه فاقد للذاكرة و بالتالي قد لا يدرك ما يفعل ..

و بما انه زوجها اذن ما المانع ان تكسبه الان و للابد؟

و هكذا راحت تتجاوب معه و تعيش معه قصة الحب التي تعتبرها من حقها الشرعي فهي زوجته و هذه المشاعر من حقها لا من حق احد اخر و لو كانت شيرين التي لا زالت اعز صديقة لها على الاطلاق حتى لو كانت تحب زوجها..

و كان تامر يحاول اسعاد ميساء بكل الطرق بعكس حياتهما السابقة التي لا يدري عنها شيئا و كانت هي سعيدة راضية بهذه الحياة الجديدة و لذا لم تحاول تذكير تامر بالماضي ولا باية طريقة من الطرق و هذا ما فعله الكل ايضا ..

و هكذا استقر الوضع و حرص الكل على ان لا يخرج عن مساره هذا لدرجة انهم غيروا طريق مرور تامر ليبتعد عن ذاك المدخل الموصل لمنزل شيرين ..

و تنهد تامر نافضا رأسه متحررا مؤقتا من الذكريات ..

و نظر حوله يتأمل الناس مرة اخرى ..

كم قصة وراء كل بسمة ؟

كم حكاية وراء كل وجه؟

كم منهم سعيد و كم منهم تعيس؟

لا يدري ..

لكنه يدرك كم تناوبت السعادة و التعاسة عليه .. و كم تألم و كم عانى و كم احس بالسعادة .. لم يكن هناك اسعد وقتا عنده من اوقاته مع شيرين و اتعسها عندما ابتعدت عنه ..

اه يا ذاك الشيطان المدعو بالحب ..

و اه يا ذاك الملاك المسمى حبا ..

اذا كان الحب عدوك فستذوق عذابا رهيبا لا يطاق ..

و ان اسعدك الحظ بصداقته كنت من السعداء في الارض ..

و عاد تامر يسرح بالذكريات ..

( الف الف مبروك .. انه صبي كالقمر يا تامر .. كم يشبهك) قالتها امه وهي تحمل المولود الجديد بين ذراعيها بسعادة كبيرة و والده مبتسم بفخر و حنان .. لقد اتى للدنيا من يحمل اسم العائلة اخيرا بعد طفلتان كالقمر انجبتهما ميساء من تامر ..

و قالت اخته الكبرى بسعادة : جميل ان يصادف مولده عيد زواجكما الخامس .. سيكون حفلا مزدوجا رائعا .

سألتها امها : اين يارا و نسرين.؟

قالت : تركتهما عند عمتهما حنان .. فهي اليوم لا عمل لديها .

قالت الام بعتاب: حنان لديها اولادها يا علياء .

قالت علياء : لاجل ذلك هي اقدر .. ستلعبان مع اولادها بحديقة الالعاب بمنزل حنان و لن تكونا عبئا عليها .. لا شك انهما نامتا الان .. ثم ان نرمين ستمر عليها و تساعدها كذلك .

كان تامر صامتا سعيدا بالمولود الجديد .. و بقي منتظرا ان يتحدث والده ليطلق عليه اسما كما جرت العادة ..

طبعا الجد لا يمكن مجادلته بشأن الاسم مهما كان ..

و صمت الكل احتراما و هم ينتظرون الوالد الكبير ان يتحدث ..

و تقدم الجد السعيد و تناول حفيده برفق و بسمل ثم قال : ما اجمله .. لقد اخذ من ميساء و تامر كل شيء .. تبارك الخلاّق فيما خلق ..

و رفع رأسه نحو العائلة و قال : سيكون اسمه فادي باذن **** .. خذه يا تامر .. يتربى بعزك ان شاء **** يا ولدي .

فادي ...

فادي ..

لماذا احب هذا الاسم هكذا رغم ان البقية لم يبد عليهم انهم احبوا الاسم كثيرا؟

لا شك ان كل واحد وضع في ذهنه اسما ما و دعا **** طويلا ان يختارة الجد .. في سرهم طبعا ..

لا يدري سبب شعوره ان اسم فادي دخل قلبه بسلاسة غريبة ..

و بقي محملقا في العيون العسلية الدقيقة للطفل الصغير ..

و شعر انه يغوص في بئر عميقة مظلمة الجوانب ..

و قبل ان يتعمق بالغوص وجد نفسه يقفز خارجها عندما سمع صوت الاب يقول بقوة و قد اقلقه قليلا سرحان تامر: هيا يا تامر .. دع الصغير من يديك ليرتاح .

تنبه تامر و ناول الطفل لجدته بارتباك من استيقظ من نومه على دوي مدفع ..

و رغم الحفل في اليوم التالي و سعادته بالمولود الجديد و كل الصخب الا انه لم يستطع نسيان اسم وليده الجديد فادي .. لماذا يشد هذا الاسم ذهنه بقوة الى المجهول؟

طبعا لم يكن يذكر انه اسم شقيق شيرين الاصغر و الذي تعرف عن طريقه اليها في مدينة الملاهي ..
و كيف له ان يذكر هذا و كل من حوله يعمل على ان لا يتذكر؟

و هكذا بقي تامر صريع حيرة مبهمة تتمثل بعيون زرق و شعر اشقر و الان اضيف لها اسم ..
ذات يوم سيعرف ..
ماذا سيعرف؟
لا يعرف.. !!

و الى ان يأتي ذاك اليوم سيعيش حياته كما هي ..

ولا خيار اخر ..



- يتبع -
 
  • حبيته
  • عجبني
التفاعلات: Ehab Demian و GHOST•
✰ الجزء السابع ✰
____________________________________________

كان كل شيء يسير كما تحب العائلة و اكثر قليلا..

لكن رياح الماضي لم تكن قد ماتت بعد ..

ففي تلك الفترة كان افراد العائلة المنكوبة و التي كانت على عداوة مع عائلة تامر يعيدون لملمة شتاتهم خصوصا بعد خروج عدد من افراد الاسرة مؤخرا من السجن ..

قد يبرد الانتقام لكن لا يموت ..

كانت شيرين تزور منزله بغير وجوده فهو منزل اعز صديقاتها التي تحبها بشدة مثلما تحبها هي..

كانت شيرين تسعد بملاعبة اولاده .. الذين كانت تحس انهم جزء من تامر .. حبها الكبير و تحس انهم كانوا يجب ان يكونوا اولادها هي لا ميساء .. و كانت ميساء تتجاهل مسألة علاقة شيرين بتامر سابقا .. فكل واحدة تكتم عن الاخرى معرفتها بالامر لأنها تحبها ولا تستغني عنها ابدا ..

و كانت ميساء لا تتضايق من حضور شيرين عندها و ملاعبة اولادها .. فهي تريد ان تكون الامور طبيعية جدا .. فقد صار تامر زوجها و ابو اولادها و لن تدع الماضي يعكر حياتها خصوصا ان شيرين صادقة في مشاعرها تجاهها و تجاه اولادها .. و ميساء تسعد للغاية بمجرد رؤيتها لها ..

الزمن كفيل بترميم الجروح خصوصا انه لم يحصل بين شيرين و تامر اكثر من علاقة حب قصيرة الامد اشبه بالصداقة القوية كما تعتقد .. لكنها لم تكن على صواب ..

و الحق يقال ان ******* كانوا سعداء جدا بشيرين و رقتها و معاملتها الرقيقة لهم ..

و الاسرة لم تعترض على وجودها ..

اولا للحفاظ على الحلف مع عائلتها و ثانيا ان امر تامر قد تم حسمه و لم يعد هناك مجال للماضي فكل ذهب في حال سبيله اذن لا مانع من عودة الامور لمجراها ..

و في منزل بعيد في الضواحي كان رجل ضخم الجثة كث اللحية و الشارب غزير الشعر و آخر متوسط الطول اصلع يرتدي نظارات انيقة يسيران بصمت في الطرقة الخلفية .. و كان الضخم يقول باهتمام : اذن لا يزال تامر حيا و لكنه فاقد الذاكرة .

قال الاخر : نعم .. عندما هاجمونا وقتها و نسفوا الفيلا و قتلوا من قتلوا من رجالنا كان هو ينقذ زوجته المختطفة و التي اختطفها عرفان ساعتها و تعرض هو لطلق حارق اصاب طرف رأسه و انقذه مراد رئيس الامن عندهم من الموت و غادروا المكان لتصل بعدها قوات الشرطة و تعتقل الرجال بتهمة حيازة السلاح الثقيل بلا ترخيص و اعتقلوك انت من المطار و انت عائد كما تعرف من فرنسا يومها بتهمة تهريب السلاح .. الانهيار افقدنا اصدقائنا في الشرطة فانقلبوا ضدنا .

قال الاخر بضيق : اعرف هذا الجزء .

قال الاخر : من يومها لم يقم لنا قائمة .. العائلتان اتحدتا عبر النسب و الثالثة لدى تهديد ابنتهم .. لم تكن تصلك التفاصيل كلها بسبب عزلك في السجن كما تعرف .

قال الرجل و هو يتوقف : لن يذهب كل هذا هدرا .. سننتقم .

قال الرجل : و كيف؟ لا مال ولا رجال ولا شيء لدينا ولا حتى اصدقاء .. كل شيء ضاع .

قال الرجل الضخم : ليس كل شيء .

سأله الاول باهتمام : كيف؟

قال الثاني مبتسما بغموض: لا تشغل بالك .. لكن اريد منك مراقبة تامر بدقة هو و اسرته .. اريد ان اعرف كل شيء عنهم .. حتى نمرة حذائه .. و لا تحاول انت ولا غيرك مهاجمته حتى لو كان وحيدا .. لدي انتقام افضل من الموت له .

قال الرجل بتفكير : انا اثق بك .. لذا سأبذل جهدي لتأمين المعلومات لك .

قال الضخم ملوحا بسبابته : بكل التفاصيل الدقيقة .. وبلا هجوم مهما كان وضع تامر.

ابتسم الاول وهز رأسه موافقا و غادر المكان ..

و بقي الاول ينظر الى ما حوله بشرود نسبي ..

لم يكن حقيقة يحسب حساب نكبة كهذه التي حلت بعائلته ..

لقد كان يخطط سرا لصنع عائلة خاصة به و بالتالي حشد سرا الاموال و عددا من الرجال المخلصين له لهذا الهدف و كاد يحققه لولا امران .. انهيار الاسرة كلها و اعتقاله ..

و ها قد حانت فرصة ماسية لهذا بدمار العائلة الاصلية اذ سيشكل عائلته من انقاض العائلة الاصلية..

سيسود بعائلة جديدة يكون هو زعيمها علنا لا سرا كما كان يخطط ..

و سيعلن انطلاقة العائلة الجديدة بضربة موجعة للاسرة الاخرى يخطط لها من الان ..

لكن عليه ان يخطط للامر جيدا جدا..

عليه ان لا يقع في اخطاء الماضي ..

فهذه المرة لن تكون كالسابق .. فكل الامور تغيرت ..

و راح يراجع في ذهنه الخطة التي اعدها .. جاهل صديقه عندما قال انه لم يكن يعرف بما يحصل .. و قد اجاد و التمثيل عليه .. كان يعرف بكل ما يحصل بكل تفاصيله ..

و على هذا بنى خطته .. فصمت طويلا .. و ادعى الجهل و الانقطاع عن الدنيا حتى نسيه الكل و لم يعد احد يذكره تقريبا .. ثم خرج من السجن ليجد الساحة معدة ..

منافسوه زالوا و العائلات انشغلت بامورها الداخلية و اطمأنت الى زوال الخصوم بعد كل تلك السنين .. و لحسن حظه لم يرافق خروجه أي مظهر ملفت ..

لم يعد هناك من يحتفل بخروج احد او يحزن لسجنه او حتى موته .. كانت ضربة قاصمة .. و هو سيرد الضربة لكن دون ان يناله منها نصيب بشكل او بآخر ..

و تنهد بارتياح .. ان غدا لناظره لقريب ..

عليه ان يصبر حتى تكتمل المعلومات لديه و بعدها سيتحرك .. انه عصر المعلومات قبل كل شيء اخر.. المعلومات اقوى اسلحته الآن ..

و في الجانب الاخر لم يكن احد بالطبع يدرك ما يحاك لهم في الخفاء ..

فكانت اسرة تامر تعيش بسعادة و هناء كأسرة مثالية لا يشغل بالها شاغل ..

المال موجود و الاقارب كثر و الكل يسعى لسعادتهم وهم لا مشاكل لديهم ..

لكن كان للقدر تصريف اخر لم يكن بالحسبان ..

فلم تكن مرحلة الالام قد ولت بعد ..

كان رجال العائلة الاخرى يراقبون كل حركات و سكنات تامر .. و يسجلون بدقة كل ملاحظاتهم و يرسلونها الى الزعيم الجديد الذي يصنف تلك المعلومات و يدرسها و يستخرج منها ما يفيده في خطته الجهنمية ..

و بعد ايام طوال اكتملت المعلومات المطلوبة و بدأ الرجل عمله ..

و في معمل سري صغير ملحق بمنزله بدأ الرجل يخلط المواد ببعضها ..

كان يصنع سما زعافا بطيء العمل لكن تكفي قطرات منه لقتل فيل خمس مرات متتالية ..

في عالم الاجرام يتعلم المجرم الكثير و الكثير من اساليب القتل السرية و المباشرة و كيف يستخدمها بحرفية و بدون اثارة الشك ..

و علم السموم الاجرامي كان يستهويه كثيرا ..

ساعات طوال مضت حتى اكتمل صنع المزيج الشيطاني من عدة سموم ..

لا يريد لتامر اية فرصة للنجاة ..

و بحث في معمله عن قنينة مناسبة فلم يجد فاتجه لمطبخه و افرغ قنينة صغيرة من الصودا و غسلها جيدا و وضع السم بها .. لم يكن لونها يختلف عن لون الصودا مما اوحى له بفكرة ما لكنه نفضها و قرر المضي بالخطة الاصلية فهي اضمن كثيرا ..

و وضع القنينة المدمرة على الطاولة بين ادواته و غادر المكان بعد ان اغلق النوافذ ثم اغلق الباب و تفقد المكان و غادر المنزل كله لأجل الخطوة التالية ..

و اتجه الرجل الى سوق شعبي و ابتاع ملابس غير انيقة لكنها ليست ممزقة ولا رثة ..

و عندما ارتداها ظهر بمظهر رجل مستور الحال لا يظهر فقره الا للمدقق ..

و اتجه الى حلاق فازال لحيته و شاربه و خفف حاجبيه و كل ذلك لأول مرة في حياته .. فلم يحدث ان حلق شاربيه من قبل ولا خفف شعره لهذه الدرجة اطلاقا و لم يعد حاجباه كثان مميزان .. صار رجلا عاديا كالاف يسكنون المدينة ..

و اتجه الى احد النوادي الراقية و طلب مقابلة المدير ..

في غرفته كان تامر يجلس على اريكة في الصالة يسرح باللعبة المنزوية بحزن جامد في الزاوية .. لم يسمح لأحد بلمسها من اطفاله و كان يعتني بها باهتمام رغم انها صارت نادرة في السوق و حل محلها ما هو افضل و احدث ..

شعر اشقر ..

عيون زرقاء ..

فادي ..

لعبة بسرجين ..

مدخل يفضي للمجهول ..

ماذا يربط بين كل هذه الامور التي تقرع فِكرَه بين الحين و الاخر؟ ..

لا يدري ..

حقا لا يدري ..

و كالعادة شعر بالصداع فتنهد و نفض رأسه و نهض من مكانه و اتجه لفراشه و نام ..

في الصباح كان ينطلق كالعادة بسيارته مع ميساء لتوصيل ******* الى روضتهم .. و من ثم قضاء ساعات قليلة في النادي قبل ان يذهب الى عمله الذي يبدأ من ساعات الظهر ..

و جلسا الى طاولتهم المفضلة و اشار تامر للنادل ..

و قالت ميساء معلقة : يبدو ان عبد الواحد قد ترك العمل .. هذا نادل جديد.

لم يعلق تامر .. و لمَ يهتم بتبدل نادل او غيره؟

و اقترب النادل الضخم منهما مرتديا الزي المميز للنادي و قال بأدب جم : صباح الخير .. هل من خدمة اقدمها لكما؟

قال تامر : من فضلك .. عصير المانجا و طبق مكسرات منوع .

انحنى النادل باحترام و انطلق يلبي الطلب ..

دقائق و عاد و معه الطلب ..

و فيما هو يصف الكؤوس و الطبق على الطاولة سأله تامر: جديد انت هنا؟

قال الرجل بارتباك خفيف: نعم .. اليوم هو يومي الاول فقد انتقل زميل الى بلد آخر و رشحني مكانه .. انه عمل جيد و مريح .

هز تامر رأسه و لم يجب .. ليس مستعدا لسماع قصة حياة هذا النادل ..

و لم يكمل النادل كلاما بعدها بل اكتفى بصف ما بقي و هو كوب ماء و مملحة و مناديل ورقية على الطاولة و غادر الى طاولة اخرى يجلس اليها بعض الرواد ..

و لم يول الزوجان اهمية كبرى للامر .. نادل جديد لا اكثر ..

و مضت ايام على هذا الحال ..

و في احد الايام كان الرجل يقرر ان الوقت صار مناسبا للعمل ..

و فتح معمله و استخرج زجاجة السم القاتل و خرج بها من المعمل و اغلقه باحكام و فتح القنينة و نقل قطرات منها الى انبوبة اختبار صغبرة و اغلقها باحكام و وضعها في جيبه و وضع القنينة التي تحوي السائل المتبقي على رف قريب لكي يتخلص منها عند عودته .. يجب ان لا يتخلص منها الان فقد يحتاجها لكرة اخرى فيما لو لم يتمكن من تنفيذ الضربة اليوم .. يجب ان لا يتسرع ..

و اتجه الرجل الى النادي كالعادة .. و انتظم في عمله كأن كل شيء رتيب ممل كالعادة ..

و في وقتهما المحدد حضر تامر و ميساء الى النادي و هما يتحدثان في امر ما ..

و جلسا الى الطاولة كالعادة و طلبا العصير و المكسرات ..

و اتجه الرجل يحضر الطلب .. و استغل انشغال الكل بعمله ليفرغ محتويات الانبوبة في الكأسين معا و يضعها في جيبه .. بصماته عليها لذا يجب عدم تركها هنا والغسيل سيزيل بصماته عن الكؤوس ..

و سار كالعادة ككل يوم و قدم الطلب لهما و انصرف لغيرهما ..

السم بهذه الكمية الصغيرة جدا يبدأ مفعوله بعد ساعات طويلة يكون هو خلالها خارج البلاد او قد تنكر بطريقة جديدة و تخلص من السم و اوراقه الثبوتية المزورة و كل ما يدينه ..

لقد اعد العدة بشعر مستعار و شارب و حواجب تعيده لسيرته الاولى ..

لقد حسب حساب كل شيء ..

و رآهما بطرف عينيه يتحدثان و لمح ميساء ترتشف من كوبها فاشاح بوجهه و اتجه الى المطبخ ليكمل عمله بارتياح شديد ..

و لم يظهر على ملامحة أي تغير و هو يعمل ككل يوم .. كان محترفا بحق ..

و بعد ثلاث ساعات مر على طوالتمها ليأخذ الكؤوس الفارغة و باقيا المكسرات ..

( وداعا تامر و ميساء ... لن تعيشا حتى مساء الغد .. و وقتها سأكون على متن الطائرة في رحلة سياحية احتفالا بموتكما .. و القادم اكبر لبقية عائلاتكم .. كلها .. ) .. و لم يقدر على منع ابتسامة صفراء من التسلل لشفتيه وهو يصفر بلحن شعبي شائع ..

و عاد من عمله كالمعتاد ليجد صديقه ينتظره و لما رآه مبتسما ادرك نجاح العملية فقال له بمرح حقيقي : هيا نتناول عشائنا فقد اعددت لك مائدة تليق بزعيم مثلك .

ضحك الضخم قائلا: احسنت يا صديقي فانا اتضور جوعا .

و جلسا الى المائدة يأكلان بشهية كبيرة ..

و في ذلك الوقت كانت ميساء تعاني من الام مبرحة في البطن مما استدعى نقلها فورا للمستشفى .. و هناك شخصوا حالتها على انها تسمم بمادة خطرة ..

و بدأوا بغسيل للمعدة و اعطائها العقاقير الطبية ..

و كان واضحا من وجوه الاطباء ان وضعها صعب جدا ..

و سأل والد تامر الطبيب عن حالتها ..

فقال الطبيب بعد صمت : تسمم مضاعف من خلطة شديدة السمية و الخطورة بطيئة العمل .. لقد تناولت الخلطة السامة جدا بكمية كبيرة.. لا اريد ان اسأل كيف فهو اختصاص الشرطة .. لكن حدث هذا قبيل ساعات .. و الى ان ظهرت الاعراض كان السم قد سرى بكل دمها .

قال الوالد بقلق: و كيف وضعها الان؟

قال الطبيب بأسف : لا اخفي عليك ان وضعها حرج جدا .. لو تناولت كمية اقل لكان وضعها افضل كثيرا .. لكن .. لندع **** ان تنجو من هذا السم المميت .. نحن نبذل اكبر من جهدنا من اجل ذلك و استعنا بأكبر خبراء السموم .. لكن .. كل شيء بيد ****

و تركه الطبيب و الوالد يقول بقلق ناظرا للارض : و نعم ب**** .. ونعم ب**** .

و جلس تامر ساهما مصدوما لا يدري ما يقول او يفعل و اسرته حوله يأكلها القلق ..

و اقترب مراد منه و قال : تامر .. انفض عنك الحزن و ركز معي قليلا ..

نظر اليه تامر بشرود فتابع باهتمام : لقد تسممت ميساء من شيء اكلته .. ما الذي اكلته اخر مرة ؟ و ماذا اكلت طوال اليوم؟ لقد كنت انت معها .

قال تامر : لقد اكلنها الكثير من الاشياء معا و لم يحدث لي شيء .

قال مراد : اذا تذكر ما الذي اكلته لوحدها منذ خرجتما في الصباح و حتى بداية ظهور الاعراض عليها .. ارجوك ركز و تذكر جيدا .. فقد يساعد هذا على علاجها ..

ونظر تامر بشرود الى ضابط شرطة و عدد من رجاله يقفون بعيدا قليلا ينظرون اليه ..

و صمت قليلا ثم قال بشرود : اولا تناولت صباحا كوبين من العصير في النادي فقد شربت كوبي كوني لم اشربه و كانت عطشة .. و ثانيا تناولت علبة كولا من محل تجاري اثناء تمشينا خارج النادي من ثلاجة كبيرة .. و بعدها تناولت حبة مثلجات من بائع متجول كان حوله عدد من ******* .. و اخر ما تناولته حبة تفاح من مائدة في البيت .. عدا ذلك كل شيء تناولناه معا ..

تركه مراد و اتجه الى ضابط الشرطة و تحدث اليه قليلا و انطلق معه خارج المستشفى ..

و عاد تامر يغرق في دوامات سوداء بلا قرار ..

كان نشيج اولاده يمزق قلبه المحطم بقسوة ..

كانت الدموع تسيل من عينيه بصمت مقهور ..

يا لقسوة هذا العالم ..

و خرج طبيب اخر من غرفة ميساء مكفهر الوجه و ابتعد مسرعا بلا اية كلمة ..

و عاد قلب تامر يسقط بين قدمية برعب ..

دقائق و عاد الطبيب و معه اثنان اخران و ممرضة تدفع اماها عربة عليها اجهزة و ادوية و دخلوا الغرفة و اغلقوا الباب خلفهم باحكام ..

كان القلق يفتك بالاسرة كلها .. حتى فادي الصغير انطلق يبكي بين يدي خالته التي ضمته باكية بحرقة و ذعر ..

و خرج طبيب مسود الوجه و قال : تريد ان تراكم .

صدم كلامه الجميع فهز رأسه بيأس و اشار للغرفة فاندفع الكل يدخلون الغرفة و يتحلقون حول السرير .. و خرج كل الطاقم الطبي بصمت حزين..

كانت ميساء شاحبة الوجه للغاية و قد اتصلت بها الاجهزة و خرطوم الاكسجين ..

- يتبع-
 
  • حبيته
  • عجبني
التفاعلات: Ehab Demian و GHOST•
◀ هام
هذا الجزء ليس لأصحاب القلوب الرقيقة .. ان كنت منهم فلا تقرأه و عدا ذلك يكون على مسؤوليتك الشخصية


✰ الجزء التاسع ✰
____________________________________________

فتحت ميساء عيناها بضعف شديد و العرق يغمر وجهها بغزارة ..
ثم فتحت فمها قليلا و رفعت يدها بضعف كبير مشيرة الى اولادها الذين يبكون وراحت تلمس وجوههم ..
كانت الالام تفتك بها فتكا كسكاكين تمزق كل جسدها ..

و رفعت يدها صوب اختها مشيرة الى فادي فانحنت اختها باكية بالطفل و وضعته على صدر اختها التي ضمته بضعف و الدموع تسيل من عيونها ..


كان ******* يبكون منادين امهم بحرقة متعلقين بالفراش ..

و نظرت اليهم دامعة بضعف لفترة و الالم يشتد كل لحظة ..
ثم نظرت الى تامر و راحت انفاسها تتسارع فترة قبل ان تقول بضعف بالغ اليم : اريد .. ان اطلب .. منك .. امرا .

اقترب تامر يجر قدميه بلوعة و قال : روحي فداك يا حبيبتي .

اغمضت عيناها فسال منهما الدمع و قالت بضعف شديد : اريد .. ان . تـ .. تزوج .. شـ .. يريـ .. ن .. ابـ .. ـنـ..ـة ..أبـ ..و .. فـا ..دي .

طفرت الدموع من عيون الجميع و ميساء تتراخى قليلا قليلا و تغمض عيناها ببطء و انفاسها تخفت ثم تستكين..

و قال تامر بقوة من بين دموعه : لا .. مستحيل .. لن ..

و وقع نظره على وجه ميساء البارد المصفر و تعالى بنفس اللحظة صفير جهاز القياس .. فراح تامر يهز ميساء صارخا بخوف و فزع : ميساء .. ميساااء .. يا **** .. ميسااااااء .

لكنها لم ترد فاندفع نحو الباب الزجاجي محطما اياه دون وعي و تناثر الزجاج ارضا بصوت عال لكنه لم يتوقف وهو يهتف صارخا مندفعا الى الممر بجنون: ايها الطبيب .. اين انت .. ايها الطبيب.. بحق **** أين انت ؟

اندفع الطبيب و الممرضات و راحوا يفحصون ميساء بسرعة ..

ثم راحوا يستخدمون جهاز الصدمات الكهربائي ..

و راح جسد ميساء الضئيل يقفز مع كل صدمة ثم يعود للاستكانة و الجهاز يواصل اطلاق صفيره بلا تغيير و الاسرة تتقلب باكية ما بين اليأس و الرجاء ..

ثم اعتدل الطبيب بيأس حزين و مد يده و اسبل عيون ميساء .

فصرخ تامر : لااااااااااااااااااااااا .. ميسااااااااااااااااااااااااااااااء .. لااااااااااااااااااااااااااااااااا ..

و راح ******* يبكون صارخين متعلقين بالفراش : ماما .. لا تتركينا .. مامااااااااااا ..

و ضمها تامر الى صدره هاتفا بلوعة باكية: ميسااااااااااء .. لااااااااااااا.. يا **** .. لااااااا .

حتى فادي الصغير كان يبكي واضعا اصبعه في فمه ناظر لأمه مرددا : مّا.. مّا ..

و راحت دموع تامر تسيل على وجه ميساء المصفر الساكن وهو يبكي بحرقة ولوعة بلا حدود و اطفاله يمسكون باصابع امهم الباردة يتلمسون حنانها وقد صاروا ايتاما بلا ام..

و اقترب الاب من تامر و امسك بيديه و ابعده عن ميساء باكيا .. و تامر ينشج باكيا بحرقة ناظرا لميساء مرددا : يا **** .. ميسااااااء .. لماذا يارب ؟ ميسااااء .. ردي علي ..

كان بكاء الاولاد يقطع القلب و هم يحتضنون كف امهم مرددين : ماما .. ماما .. اريد ماما ..

و كانت يارا الصغيرة تحاول الوصول الى وجه امها لتلمسه لكن اناملها الصغيرة لا تصل للوجه المستكين و اثار الدموع عليه لم تجف ..

و كانت البنت الاخرى نسرين تضم يد امها تحاول استشعار الدفء بها كما مضى ودموعها لا تتوقف كانها لا تصدق انها صارت بلا ام ..و كانت تبكي بنشيج يدمي القلب ..

كانت شقيقات تامر يبكين بصوت مسموع و تامر يصرخ بجنون : ميسااااء .. دعوني .. لماذا؟ .. يا **** خذني و دعها .. يا **** دعها لي .. لا تحرمني منها .. ميسااااااء .

و تملص من يد والده و رمى نفسه على السرير يبكي بلوعة ..

و اقترب منه والده دامعا يقول: كفى يا تامر .. اطلب لها الرحمة يا بني ..

قبض تامر اصابعه على الغطاء فوق ميساء و هو يدفن وجهه به منتحبا .. كانت نار الحزن المستعرة في قلبه لا تطاق ..

و عاد الوالد يبعده فجن جنونه و راح يضرب وجهه و رأسه بكفيه صارخا باسم ميساء بجنون لا يطاق ..

و شاهد اولاده يحيطون بامهم يحاولون بيأس الحصول على حنانها باكين بحرقة ..

فصرخ بكل قوته : لااااااااااااا.. ميسااااااااااااااااااااااااء.

و هنا دخل عدد من الاطباء و جروا تامر بعيدا و غرس احدهم ابرة في ذراعه فشعر بدوار شديد و سقط ارضا لكنه لم يغب عن الوعي بل بقي ينظر الى السرير و الجسد المسجى باكيا بلوعة شديدة و الم مفرط ..

و اخرجوه للممر و اجلسوه على مقعد هناك و معه بقية الاسرة و الاولاد ..

و شاهد الممرضات من وراء الزجاج يلففن ميساء بغطاء ابيض و يغطين وجهها و يجهزنها فهاج حزنه و نزل دموعه بغزارة و هو يندفع صوب الغرفة ..

لكن دموعه منعته من الرؤية جيدا فاصطدم بالجدار و الباب المحطم قبل ان يعيده الاطباء للخارج .

و قال له الوالد دامع العينان : اطلب لها الرحمة يا بني .. ما تفعله لن ينفعها في اخرتها .. ما تفعله لا يجوز يا بني .. احمد **** انها لم تعان طويلا .. لقد استراحت من الالم يا ولدي .

تهاوى تامر ارضا قائلا : اااه يا **** .. ميساء .. خذني يا رب .. لا تتركني لعذابي ..

ضمت والدته رأسه لصدرها باكية قائلة : لا قدر **** يا بني ..كفى ..ستقتل نفسك.

في تلك اللحظة كان الاطباء يدفعون سرير ميساء خارج الغرفة ..

فاطلق تامر صرخة ملتاعة و هو يتشبث بسريرها و اطفاله يلتفون حول السرير صارخين منادين على امهم و البنت الوسطى تصيح : ماما .. لا تذهبي ماما .. ماما .. لا تتركيني.

جذبه والده برفق قائلا : كفى يا تامر .. اطلب لها الرحمة يا بني .. كفى ارجوك .

و ابعدت شقيقات تامر بناته عن السرير الذي راح يبتعد و روح تامر تنتزع من مكانها خلفه و بكاء اطفاله يمزق قلبه بقسوة شديدة .. و فادي الصغير يردد ( مّا .. مّا ) وهو ينشج باكيا ..

و بقي ينظر من بين دموعه اليها ..

كانت تبعتد و تبتعد ..

لن يراها من جديد ..

قبل ساعات كانت نابضة بالحياة ..

كانت تتحدث اليه ...

يسمع صوتها ..

يضحك معها ..

يمسك يدها ..

يلاعبها ..

تتدلل عليه ..

يمازحها و تمازحه ..

يغرق في عيناها الجميلتان ولا يرغب في الخروج منهما..

لا يصدق انها لن يراها بعد اليوم ..

لا .. هذا لا يمكن ان يحدث له ..
هذا يحدث للغير فقط و ليس له ..

هل حقا لن يمسك كفها من جديد؟

لن يضمها الى صدره مرة اخرى؟

لن يسمع صوتها ابدا؟

كيف؟

لماذا؟

ما اقسى هذا القدر الاسود ..

كان عقله يغلي كمرجل بخاري متفجر ..

كان حزنه يلسعه كنار مستعرة في قلبه لا يطيقها بشر ولا جان ..

يريد ان يصرخ ..

ان يحطم الدنيا ..

ما فائدة الحياة بلا ميساء؟

ما نفع أي شيء بعد ميساء؟

يريد ان يلحق بها الى العالم الاخر ولا يتركها ..

لكن نشيج اطفاله الذي مزق حطام قلبه الدامي اعاده للارض ..

لو مات ماذا سيحل بهم؟

هل تحتمل قلوبهم الصغيرة صدمتان معا؟

و ترك دموعه تسيل انهارا و هو لا يقوى على النهوض من مكانه بسبب الحقنة التي اودعها في عروقه و كان من المفروض ان ينام اثرها ..

لكن شدة انفعاله و حزنه منعا نومه ..

و كيف ينام و ميساء ستنام تحت الارض بعيدا عنه؟

بعد ان كانت تنام في فراش ناعم وثير ستنام تحت التراب ..

قلبه و حبه و ملاكه ستدفن بعيدا عنه ..

سينزل فوقها المطر في الشتاء ..

و ستكون وحدها ..

(لا .. لا تبعدوها عني .. ايها الناس .. انها تخاف الوحدة .. ستبرد في المطر .. اعيدوها لي ... اعيدوها ب**** عليكم .. اتوسل اليكم اعيدها .. خذوني انا و اعيدوها ..)

و انهار باكيا على الارض و امه تحتضن رأسة باكية بحرقة ..


بقي ينظر الى الممر الذي اخذوا ميساء منه على امل ان يراها قادمة مبتسمة و تقول له انها بخير و تمسح دموعه باناملها الرقيقة ..

لا يمكن ان تموت ميساء ..

لا يمكن ان تتركه يحزن ..

ستعود .. بلا شك ستعود ..هي ذهبت لتستريح فقط .. متعبة هي لا اكثر ..

سيأتي الطبيب و يقول له انها نائمة فقط ..

و سيقول له انها كانت متعبة و ستصحو و تعود للبيت ..

تعود لأطفالها تلاعبهم ..

ستحضن فادي الصغير و يضحك بين اناملها التي تداعب خواصره الطرية ..

و سيمد يده الى شعرها يمسكه كي ينام كعادته كل يوم ..

و سيغفو فادي و هي تغني له اغنية جميلة بين يديها ..

و ستمشي على رؤوس اصابعها لتضعه في السرير ..

ستغطيه و تقبله ثم تسدل الناموسية على سريره و تبتعد بهدوء كي ينام ..

لا..لا ابدا ..

لن يسمح لأحد ان يقول له ان ميساء ماتت ..

من سيعلم يارا دروس الحساب؟

و من سيساعد نسرين على تسريح شعرها في الصباح؟

من سيخفف عنه عناء العمل في المساء بسهرة جميلة في حديقة المنزل كل يوم؟

من سيعلم فادي الصغير اول خطوات المشي ؟

اه يا ميساء .. اه يا حطام قلبي الحزين ..

عودي ب**** عليك .. عودي و لا تتركينا ..

لا تموتي .. فأنت لم تشبعي من الحياة ..

جديدة انت على الموت ..

ذاك الدرب الاسود البعيد ..
ايها الموت ترفق بها .. رحماك ..

كان تامر يفكر و يتكلم و يبكي في ان معا ..

و كان مراد يقول للاب وهو ينظر الى تامر بحزن : لقد عرفنا الفاعل .. انه غالب الونش و معه صابر المفك .. لقد لقيا ربهما بعد ان تناولا العشاء .. يبدو حسب ظروف المكان انهما تناولا عين السم بالخطأ بكمية كبيرة جدا و كان موجودا في قنينة صودا وجدوها فارغة بالكامل و هما صريعان في غرفة الجلوس و عثرت الشرطة على معمل سري اكدوا ان السم صنع داخله .. و قد تحفظوا على المكان لحين اكمال التحقيق .

اغمض الاب المفجوع عينيه قائلا : لقد لقي عدالة **** .. لكنه ترك لنا مصيبة كبيرة .

هز مراد رأسه بصمت ثم غادر ..

سيقع على عاتقه امر الجنازة و ترتيبات ما بعدها فالاسرة لن تكون بحالة تسمح لها بالقيام بكل تلك الامور .. وهو يعرف ما سيفعل ..

كان حزينا جدا على ما اصاب ميساء ..

و غاضب اكثر على من فعل هذا ..

لكنه قلق اكثر و اكثر على تامر ..

لن يسمح لصديق عمره ان يجن او يموت حزنا على ميساء ..

تكفي خسارة واحدة بحجم خسارة ميساء لهذه العائلة لتعيش حزينة سنين طوال ..

و تنهد بسخط شديد ..

كيف فعلوها ؟

كيف ؟

لقد حرص بنفسه على بتر اطرافهم كلهم ..

لكن رأسا كان لا يزال في السجن و نسيه الكل حتى هو ..

و ها هو يطل و يلدغهم في مقتل ..

و مات و مات سره معه ..

و نفض مراد رأسه ..

لا وقت لهذا الان . فالجرح العميق لا يزال ينزف ..

يجب ان يقوم بواجبه ..

و راح يجري اتصالات شتى بجهات عديدة ..

و بعد نحو نصف ساعة او اكثر عاد للمشفى ليجد الاسرة لا زالت غارقة بدموعها ..

لا يلومهم ابدا ..

حتى هو يكاد يبكي مثلهم لولا ان واجبه يقهر مشاعره ..

و اقترب من الاسرة الثكلى المصدومة و طلب منهم بأدب العودة معه للمنزل ..

و كما توقع كان الرفض بالاجماع ..

لكنه قال : لقد طلبت نقل ميساء الى المشفى الوطني لأنه قريب من منزلكم لكي يتم اخراجها الى المنزل باقرب وقت غدا من اجل اجراءات الدفن ..

و عندما اتى مراد على ذكر الدفن انخرط الكل في البكاء من جديد خصوصا تامر الذي حقا فقد السيطرة على نفسه مما اجبر الاطباء على تخديرة بجرعة قوية انهار على اثرها ارضا ..

و اقبل عدد من رجال مراد كان قد اتصل بهم فاشار لهم فاتجهوا الى تامر و الاسرة و راحوا ينقلونهم خارج المستشفى الى سيارات خاصة بالعائلة ..

و غادر الركب التعيس مبنى المشفى دون ان يدرك ان ميساء لم تغادر ثلاجة الموتى القريبة من مكانهم ..

لكن لم يرد مراد لهم ان يتعذبوا اكثر من هذا ..

لا بد لهم ان يرجعوا للمنزل ليستعدوا لمراسم الدفن العائلية ..

لقد رتب كل شيء .. الصحف .. المعزون .. مكان العزاء .. استقبال الوفود .. مكان الدفن و ساعته و خط سير الركب .. كل شيء ..

فقد اتصل اتصالات شتى برجاله و غيرهم و الكل الان خلية نحل يعملون على ان يكون الامر جاهزا في الصباح ..

بقي امر واحد ان تجهز العائلة نفسها للامر ..

وهو اصعب الامور و اكثرها حساسية ..

كانت الساعة تدق العاشرة مساء عندما وصلت السيارات للمنزل ..

و كان رجال مراد قد ازالوا كل صور ميساء و قامت الخادمات باخفاء ملابسها و ادواتها كلها بناء على تعليمات مراد ..

يجب ان تهدأ النفوس ولو قليلا حتى يمكنه العمل في ظل هذا الظرف التعيس..

ولا حاجة لوصف تلك الليلة ..

فقد باتت العائلة اسوأ ليلة لها على الاطلاق ..

و في تمام العاشرة صباحا كان موكب جنائزي مهيب يغادر المشفى تتقدمه سيارة فاخرة سوداء مكللة بالزهور تحمل نعش ميساء منطلقة في الشارع الخالي الذي تم تحويل السير عنه بالتنسيق مع شرطة المرور لمنع الزحام فقد كان عدد السيارات المشاركة كبيرا جدا ..

و في المنزل كان رجال مراد يرتدون حللا و نظارات سوداء حدادا على الفقيدة ..

و في المنزل القت الاسرة والضيوف النظرة الاخيرة على ميساء التي كانت تبدو كانها نائمة لا ميتة و منهم شيرين التي انتحبت بقوة لدرجة ابعاد النساء لها عن ميساء رغما عنها ..

ومنع الحزن و الدموع تامر من ملاحظتها هي او غيرها فقد بكى تامر حتى كاد يفقد الوعي و قد ابعدوه هو ايضا عنها بالقوة ..

لاحقا حمل ستة رجال النعش و غادروا به المنزل بمشية متمهلة حتى وصلوا السيارة المعدة لنقل النعش لمثواه الاخير..

و ركبت الاسرة المنكوبة سياراتها التي يقودها سائقون من رجالهم و انطلق الركب الى مقبرة العائلة حيث كان القبر معدا و ثلة من الرجال و رجال الدين و الصحافة و العمال ينتظرون هناك وصول الركب الحزين ..

و وصلت قافلة السيارات الى المكان ..

ثم انزل الرجال النعش بصمت لا يقطعه الا عويل العائلة و بكاء الاقرباء و الاصدقاء..

و قام رجال الدين بالمراسم ثم انزل العمال النعش الى القبر ..

و اكتمل الدفن بصعوبة لكثرة ما حاول تامر ان يرمي نفسه داخل القبر ..

لم يكن يحتمل فكرة دفن ميساء ..

لم يكن يطيق ان يرى قلبة يغوص في التراب ..

كان يتمزق بقوة و هو يرى ميساء تغيب تحت الثرى ..

و عندما ردموا القبر ساعتها ادرك انه لن يرى وجهها مرة اخرى ..

حتى وهي في النعش كان يراها .. يملأ عيناه من وجهها الملائكي ..

لكن الان لن يراها و الى الابد ..

و جن جنونه عند هذه النقطة حتى اضطروا لتخديره مرة اخرى و ارساله للمنزل قبل انتهاء مراسم الدفن الحزينة..

و افاق تامر في غرفته و قد اشرق الصباح .. صباح اليوم التالي .. لقد نام اكثر من اربع و عشرين ساعة .. و شعر بالم في يده فنظر ليجد انهم قد وضعوا له محلولا كما المرضى في المشافي .. فنزعه بعنف غير مكترث للدم الذي تدفق من يده ..

و نهض مسرعا الى الباب و فتحه بلا وعي و اندفع الى الصالة لا يلوي على شيء ..

لكن رجال تامر اوقفوه و اعادوه رغما عنه لغرفته و قام ممرض وضعوه للعناية به بحقنه بابرة مهدئة و اعاد تركيب المحقن و السائل المغذي في اليد الاخرى ..

و كان مراد يقول لوالد تامر بقلق : يجب ان نتصرف بسرعة قبل ان يموت او يجن .

قال الوالد بحزن قلق : ماذا تقترح يا مراد؟

صمت مراد فترة ثم قال بحزم : ان يتزوج .

هز الوالد راسه بيأس و قال: اتمزح؟ هل يمكن ان يقبل حتى بفينوس بديلا عن ميساء؟

قال مراد بحزم : اجل .. سيقبل واحدة فقط .. شيرين .

نظر اليه الوالد متفاجئا فتابع : لا تنس ان حبه الحقيقي لشيرين و لكن فقدان الذاكرة جعله يمنحه لميساء .. و اذا عملنا على احياء ذاكرته و اعادة شيرين لقلبه فسيعود لوضعه الطبيعي.. لا تنس ايضا انها وصية ميساء رحمها **** وان اولادهما متعلقين بشيرين كثيرا و هي الانسب كبديلة لميساء.

قال الوالد بحزم : لا يا مراد .. لن يتزوج من خارج العائلة .. و ميساء لم تكن تدري ما تقول وهي تحت تأثير المخدر و السم في ان معا .

قال مراد بقوة : بل كانت تدرك .. وصدقني .. لا مفر من الامر .

قال الوالد : لننتظر قليلا قبل ان نقوم باية خطة فقد يتحسن حال تامر .

هز مراد رأسه بعدم اقتناع لكنه صمت ..
سيترك للزمن مهمة اقناع الاب بوجهة نظره ..

و لم يخب ظنه ..

فقد كان تامر في حالة نفسية منهارة و كانت الفوضى تجتاح حياته و حياة اولاده فهو لا يمكنه القيام باعمال المنزل و العناية بالاطفال ..

شقيقاته يساعدن .. لكن هن ايضا لديهن مشاغل كبرى تمنعهن من القيام بكامل العناية باولاد تامر ..
و الخدم لا يمكنهم القيام بكل ما تقوم به ام ملازمة للبيت دوما ..

هناك من الامور ما لا يمكن لأحد عدا الام ان تقوم به ..

و زاد الطين بلة ان تامر حبس نفسه في غرفته لا يغادرها ..

و عندما غادرها وجدوه فوق قبر ميساء يحفر التراب باظافره يريد اخراجها !!

و عندما جاءوا به لوالده زائغ النظرات و التراب يملأ كفيه ادرك ان مراد على حق ..

ان لم يقم بالتصرف و سريعا فحقا سيفقد تامر لا محالة ..

و تركهم يُدخلون تامر الى الحمام لاصلاح شأنه بمساعدة الخدم واشار لمراد ان يتبعه الى المكتب هو و ذراعه الايمن ..

هناك في مكتبه جلس الاب صامتا مهموما لا يدري ما يقول ..

و ساد الصمت دقائق قبل ان يقول مراد : علينا ان نبدأ حالا باصلاح علاقتنا مع اسرة شيرين .. و ان نقوم باصطحاب تامر الى الاماكن التي كان يزورها مع شيرين لعل هذا ينشّط ذاكرته.

هز الاب رأسه بصمت ..
فتابع مراد باهتمام : علينا ان نقنع شيرين ايضا بالتقرب من تامر .. وانا واثق انها لا زالت تحبه فقد رفضت و بشدة كل الخطاب الذين تقدموا لها في السنوات السابقة كلها .. لن تجد صعوبة في التأقلم مع اولاد تامر فهي تحبهم و قد اعتادوا عليها منذ مولدهم حيث لم تنقطع عنهم كونها صديقة ميساء الاعز على الاطلاق ..

قال الوالد بخفوت حزين : افعل ما تراه مناسبا يا مراد .. ولكن افعل شيئا .. بربك لا تترك تامر يضيع .

قال مراد بعزم : لن اترك تامر يضيع ولو حرقت المدينة حرقا .. دع الامر لي و انا سأتصرف .. لكن سأحتاج عونكم في بعض الامور المتعلقة بتامر .

قال الاب : لن ندخر جهدا ولا مالا ولا أي شيء .. فقط نريد لتامر ان يعود لنا .


-يتبع-
 
  • حبيته
  • عجبني
التفاعلات: Ehab Demian و GHOST•
FB IMG 1641431323134

لا توجد كلمات ممكنه للتعبير عما اشعر به .
قصه لا يمكن وصف محاسنها ولا جمالها
اجدت فأبدعت عملا فنيا رائعا مكتمل العناصر
لا يوجد تعليق الا جمله واحده
إستمر فى الابداع
 
  • عجبني
التفاعلات: ♥العقرب♥
مشاهدة المرفق 339396
لا توجد كلمات ممكنه للتعبير عما اشعر به .
قصه لا يمكن وصف محاسنها ولا جمالها
اجدت فأبدعت عملا فنيا رائعا مكتمل العناصر
لا يوجد تعليق الا جمله واحده
إستمر فى الابداع
اشكرك من كل قلبي على كلماتك الرقيقة
أتمنى ان تنال بقية الأجزاء اعجابك صديقي
احترامي البالغ لك
 
  • حبيته
التفاعلات: Ehab Demian
✰ الجزء العاشر✰
____________________________________________

في غرفته كان تامر يمسك رأسه بين كفيه و دموعه تسيل بلا وعي ..

شهران مرا منذ وفاة ميساء ..

شهران من عذاب لا يطاق ..

شهران من شوق لا يبرد ..

كم يشتاق لمجرد سماع صوتها ..

لمسة يدها ..

بسمتها ..

مستعد لان يتقطع الف الف مرة مقابل ان تعود له ميساء دقيقة واحدة..

دقيقة فقط ..

بل نصف دقيقة ..

ثوان تطفئ النار المتأججة في فواده الكسير ..

اه ما اقسى الحياة ..

لماذا تتركه وحيدا يتعذب؟

لماذا تحرمه من ميساء؟

كانت الدنيا تغيم امام عينيه ..

و رفع بصره الى الغرفة يتأملها ..

لقد حرموه من مجرد صورتها .. ملابسها .. ادواتها .. فيدويهاتا .. كل شيء ..

كل اثر لميساء اختفى ..

و عبثا حاول العثور على شيء لها ..

لقد اتقنوا الامر تماما ..

حتى الخدم يرفضون الافصاح عن شيء بامر من الاب و الام ..

و وقع بصره على اللعبة المركونة في الزاوية ..

و برز له من خلفها شعر اشقر و عيون زرقاء .. و مفترق طرق مرسومة كضباب هلامي .. رسومات ما و فتى ما جميل كملاك بلا ملامح ..

و فادي ..
اسم يقرع اجراسا في ذاكرته المحطمة لا يدري ما تكون ..

و عاد يطرق الما و حزنا ..

و سمع صوت نقرات على الباب ..

و سمع صوت الباب يفتح و اقدام تخطو نحوه ..

لم يكن يكترث لمن يخرج او يدخل عنده ..

شيء ما جعله يرفع رأسه قليلا ليرى شقيقته الاصغر منه تقترب منه دون ملامح حزن كما العادة .. لم يكن قد فقد ذكاءه لذلك ادرك انها تكتم حزنها بقوة تحسد عليها ..

و جلست قربه صامتة قليلا ثم قالت : اليس ما تفعله جريمة بحق اولادك؟ اليس من حقهم ان تعوضهم عن امهم ام انك تريد ان يفقدوا الام و الاب معا؟ اليس في قلبك رحمة؟.. الى متى ستتعذب و تعذبهم ؟..

قال متهدج الصوت : ليس بيدي يا حنان .. اقسم لك انه ليس بيدي .

قال : بل بيدك .. بيدك لا بيد غيرك .

قال : انا ادرى بنفسي يا حنان .

قالت : بل لا تعرف عن نفسك شيئا ..

و نهضت قائلة : لن يكون خيارك بعد اليوم .. بل خيار اولادك ..

و في تلك اللحظة دخلت امه تحمل فادي الصغير و تلحق بها يارا و نسرين متعلقتان بثوبها و اقتربت من تامر و وضعت فادي الصغير بين ذراعيه و بناته يحطن به باكيات .. و راح الصغير يحاول الامساك بوجه ابيه و احس تامر بالكف الدقيقة الناعمة تلامس وجههة بلطف و الطفل يناغي والده بصوت رقيق اخاذ رغم ان شعر لحية تامر النامي اذى بشرته الناعمة .. و احتضن تامر طفله غامرا وجهه بالقبلات و دموعه تتساقط على وجهه .. و ضم اليه بناته الصغيرات بحنان كبير و حزن اكبر ..و وقفت الام و الاخت تراقبان بحزن صامت ما يجري .. سيكون المشوار طويلا في سبيل عودة تامر لهم ..
لكن سيمضون به حتى النهاية ..

و في منزل شيرين كان مراد يجلس الى والدها يتحدث بهمس معه .. كانا يرتبان كثيرا من الامور ..
كانت شيرين هي من رفضت تامر وقتها رغم حبه الشديد لها و ذلك لأنه تزوج صديقتها لا واحدة اخرى ..
كانت فكرة الزواج فكرتها لكنها لم تحسب حساب العروس ..

و بعد فترة اشار والد شيرين لاحدى الخادمات فانطلقت الى جناح شيرين ..

دقائق طويلة مرت قبل ان تنزل شيرين الدرج مرتدية فستانا بسيطا جميلا تألقت به كألف نجمة ..
و هز مراد رأسه بصمت ..
لا يلوم تامر على عشقها .. لا يلومه ابدا ..

و اقبلت شيرين متفتحة الجمال .. لم تنل السنين من جمالها الذي كان يزداد ولا ينقص ..

كانت مثال الفاتنة بعمرها الذي يخطو خطواته الاولى في عقده الثاني ..

حورية من الجنة تفتن اشراف الرجال ..

لكن مراد كان من صنف من الرجال الذين بلا قلب حتى لقد تسائل البعض عما يدق في صدره .. هل هو حجر مكان القلب ام كتلة فولاذ ام ماذا؟

و جلست شيرين على مقعد قريب من والدها بصمت ..

تعرف مراد بلا شك .. و لكنها لا تعرف سببا لزيارته التي كانت الاولى كما تذكر منذ زمن طويل ..

و لم تنطق شيرين بحرف و بقيت تنظر الى الفراغ ..

و قطع مراد الصمت بقوله : حسنا .. اعرف انك بلا شك لديك كبريائك و انك ذات قلب جريح .. لكنك يا شيرين لا زلت تحبين تامر .. لا تنكري .. و الا ما منعك ان تتزوجي ( كونه تزوج غيرك منذ سنين ) من اشراف الرجال و اجمل الفتيان و اغناهم و افضلهم؟

قالت و هي تلتفت اليه بحدة : و ماذا تعرف انت عن الحب يا مراد؟

لوح مراد بكفه قائلا : اعترف انني لم يسبق لي ان احببت .. لكنني اعرف الكثير عن حماقات المحبين .. و اعرف ما هو الحب الحقيقي و ما الحب العابر و ما الزائف و ما التجاري منه و ما الاصفر و الاخضر و الابيض .. اعرف كل الانواع ولا احد يمكنه ان ينكر هذا اطلاقا .

قالت بحدة : كيف تعرفه و لم تجربه ؟

قال بنصف ابتسامة : صانع السم لا يشربه .. و كوني لم احب لا يعني انني لا اعرف الحب يا فتاة .

و نظر في عينيها متابعا بسخرية : فأنا اعرف عدوي جيدا يا صغيرتي .

قالت بحنق : حسنا .. لا اريد جدالك .. ماذا تريد مني .؟

قال ببساطة : اريد ان تعودي لتامر .. وان تتزوجيه ايضا .

ضحكت شيرين كانها سمعت طرفة عجيبة ثم قالت : هكذا؟ بكل بساطة؟

قال مراد: نعم .. هكذا و بكل بساطة ..و قبل ان تسألي .. لم يرسلني تامر ..

قالت : اه .. لقد ماتت حبيبة القلب ولا بد من ملء الفراغ بحبيبته السابقة .

قال مراد بحدة : لا .. لم تمت حبيبة القلب فهي تجلس امامي كاغبى ما يكون .

قالت بغضب : انتبه لكلامك يا سيد مراد فانت تجلس في بيتي .

قال مراد بغضب : بل انت اغبى مما ظننت .. انت تعرفين انه فقد الذاكرة و هو يحاول انقاذ ميساء و انه لم يتذكر امرا واحدا مما حصل له حتى الامور التي جرت قبل ان يعرفك بفترة .

قالت صائحة به و هي تنهض من مكانها : ها قد قلتها .. اصيب وهو يجازف بحياته من اجلها .. اليس هذا قمة الحب؟ لماذا لم يكتف بارسال رجاله ؟

قال و هو يقف ايضا : لم اقل انه كان يحبها لكني ايضا لم اقل انه نذل يترك زوجته بين يدي وغد حقير و يكتفي بارسال رجاله لجلبها ربما بعد ان يشبع منها اوغاد الشوارع .

قالت بتوتر : لقد كان يحبها و انجب منها اطفالا .

صاح بها بحنق : يا حمقاء .. كان يظنها انت .. كان لا يعرف من يحب .. فانت ابتعدت عنه و نحن ابعدنا عنه كل ما يذكره بك .. فكيف له ان يدري انها ليست انت؟ كان الحب بحرا في قلبه يحمل اسمك .. و عندما زال اسمك لم يجد الا ميساء .. لم يكن مقتنعا بحبها لكن الزمن جعله ييأس من ايجاد الحب الحقيقي .. انت .. اتسمعين ؟ ..انت فقط .

جلست ببطء دامعة العينين بصمت..

فتابع مراد بلهجة اقل حدة وهو يعاود الجلوس : قد لا تدرين انه لا زال يحتفظ للان بتلك اللعبة التي كانت سبب تعارفكما الاول و انني لم ادرك هذا الا قبل عامين و بالصدفة البحتة .. و لم اشأ التخلص منها لكي لا اثير شكوك تامر .. لا يزال يعتني بها بحرص حتى الان لأن جزءا من عقله لا يزال مرتبطا بها لانها ارتبطت بك وان لم يكن يذكر ذلك .

قال بخفوت دامع : و ما المطلوب مني؟

قال وهو يزفر منفسا توتره ليكون صوته هادئا : ان تعيدي له ذاكرته .

قال بسخرية حزينة : انا ؟ و كيف؟

قال بهدوء اكثر : دعي لي هذا الامر .. المهم موافقتك المبدئية على العودة لتامر و المساعدة في شفاءه و اعادة ذاكرته ..

و صمت قليلا ثم تابع : الوقت يمر بسرعة و قد يلحق تامر بميساء قبل ان نتدارك الامر وهو يظن انه يحبها دون ان يدرك ان هذا الحب هو لك .. لك فقط .

ثم نهض تامر و نظر اليها بصمت و غادر دون كلمة اخرى تاركا شيرين تطرق برأسها بحزن حائر مما منعها من ملاحظة اشارة خافتة تبادلها مراد مع والدها الذي بقي صامتا يتابع الحوار باهتمام ..

كان يدرك بحكمته و ذكائه ان شيرين ستعود لتامر لكنها بحاجة لبعض الوقت لكي تنفض غبار السنين عن حبها ليعود متألقا بقوة كما السابق ..

و عاد يجلس بجوار شيرين التي قالت بحزن دون ان ترفع رأسها : ماذا افعل يا ابي؟

قال والدها و هو يضع يده على كتفها بحنان : دعي قلبك يجيب السؤال يا بنيتي .

قالت باكية: لكنه محطم عاجز يا ابي .

قال : محطم نعم .. عاجز لا ..والا لغزاه فرسان كثر منذ سنين .

قالت دامعة العينين : ربما هو اليأس من صنف ادم .

قال برقة: بل هو الامل الذي لا يزال حيا تحت تراب اليأس .

قالت و هي ترفع اليه عيناها الدامعتان : اتظن هذا ؟.

ابتسم لها قائلا :اجل .. اظن هذا .

ابتسمت وهي تركن رأسها الى كتفه و قالت دامعة : اتظنه سيحبني يا ابي من جديد ؟.. هل حقا سيتذكرني مجددا ؟..

قال الاب وهو يخلل شعرها الناعم بحنان : نعم ..سيفعل .. سيحبك يا بنيتي كما احبك دوما ..فانت وحدك من يسكن قلبه ولو لم يكن يدري .

قالت مغمضة عيناها : احبك يا ابي .

قال مقبلا رأسها : وانا احبك يا احلى ابنة بالدنيا .

و في خارج المنزل كان تامر يسير مرتاحا تجاه سيارته ..

لن تتخلى شيرين عن تامر كما توقع .. و ستعود له .. لكن ليس الان .. هناك الكثير و الكثير مما يجب فعله قبل جمعهما معا ..

اولا يجب تهيئة تامر نفسيا للامر ..

و ثانيا ان تُلقَّن شيرين ما تفعل لأن تامر سيأخذ منها موقفا عدائيا كونه يراها امرأة تحاول اخذ مكان حبيبته المتوفاة و زوجته الغالية ..

و ثالثا يجب تأمين الامر دون تسربات خارجية منعا لأية مفاجئات غير مرغوب بها ..

و هناك غيرها و غيرها في ذهنه ..

الامور كثيرة و الوقت قليل .. و المخاطر محتملة ...

و كان اول ما اقنع به مراد تامر هو الخروج لرحلة عائلية و بعد صراخ متبادل و رفض كبير وافق تامر على الخروج عندما اصر الكل عليه ان هذا من حق بناته و ان لم يكن هو راغب في ذلك فمن اجل البنات فلا ذنب لهن ليحرمن من حياتهن ولو على حساب اعصاب الاب ..

و في نفس الوقت كانت اسرة شيرين تذهب في رحلة مرتبة الى نفس المكان ..

و لم يكن اختيار المكان صدفة ..
مدينة الملاهي التي التقى بها شيرين اول مرة ..

و تجولت العائلة مع اطفالها وسط الضجيج السائد في مدينة الملاهي ..

ان عالما من الاضواء لكفيل بشد انتباه أي انسان حتى لو كان تامر الكسير القلب ..

و في اعماق عقل تامر كان هناك ركن يتململ لكن قدم السنين الثقيلة كانت تكتم انفاسه باصرار دون ان تقوى على خنقه ..

و جلست العائلة حول طاولة كبيرة في حديقة الملاهي ..

لم يكن تامر قد اخبر احدا عن كيفية لقاءه بشيرين لا اين ولا كيف و لا متى ..

لكن تحريات مراد اثبتت انه عشق شيرين و تعلق بها بعد زيارته لهذه المدينة للملاهي بالذات و اختلفت حاله من وقتها حتى انه نسي وقتها انه كان برفقة ثلة من اصحابه و تركهم ينتظرونه و يشتمونه بسخط لأنه لم يعد اليهم حتى انتصف الليل و غادروا مستغربين دون ان يخطر ببالهم انه كان ساعتها يغط في النوم في منزله ..!!

و بعد قليل من جلوس العائلة وصلت عائلة شيرين الى نفس المكان و اختارت طاولة غير بعيدة عن طاولة العائلة و التفت حولها و كانت شيرين تجلس مقابل تامر الشارد الذهن ..

لكن كان يحجبها عنه التفاف العائلتان حول الطاولات ..

و بعد وقت قليل تنبه الطرفان للامر فراحوا يغادرون الطاولات واحدا تلو الاخر بحجج مختلفة حتى بقي اخر الامر تامر لوحده على الطاولة و قبالته شيرين ..

و كان طوال الوقت مطرقا كأنه يشعر انه من العار عليه التنزه و زوجته ميتة ..!!

لا يدري وقتها ما الذي دفعه لرفع رأسه بغتة و النظر الى الطاولة المقابلة ..

هل احس بوقع نظرات تلهب رأسه؟

هل نادته روح ملاك؟

هل .. وهل؟..

لا يدري ..

لكنه عندما رفع رأسه فوجئ بنفس العيون الزرقاء التي لطالما الحت على ذاكرته السنين السابقة تنظر اليه بتمعن ..

و حال التقاء عيونهما اشاحت شيرين بنظرها مرتبكة رغما عنها ..

و مع انحراف وجهها الفاتن تطاير شعرها الاشقر الناعم بتناغم رائع للغاية ليعود محيطا بوجهها الملائكي الفاتن ..

و اعطت حمرة الارتباك خدودها رونقا كان ليحطم قلب تامر لو كان مالكا لذاكرته ..

( من هذه الحورية التي هبطت من السماء و جلست قبالتي؟.. )

و جالت الافكار في رأسه كزوبعة قطبية ..
(لماذا اشعر كأنني اعرفها .. لا .. لا اعرفها .. بلى اعرفها .. اللعنة .. انا محتار..)

(لكن .. مهلا .. الشعر الاشقر .. العيون الزرق .. انها تطابق شعرها و عيناها ..)

(و هذا الوجه الملائكي .. اين رأيته؟..)


(ربما كانت احد صديقات ميساء و رأيتها .. و اختلاط ذاكرتي جعلني اتذكر شيئا منها لا اكثر .. ربما .. )

و عند مرور ميساء على فكره شعر بدوار يجتاحه و صدمة مفاجئة ..

و حاول النهوض لكن كان كل شيء غائم حوله .. و شعر انه يهوي ارضا ..

ثم شعر بيد دقيقة رقيقة ناعمة ترفعه و صوت انثوي ملائكي يخاطبه بلوعة ..

و لوهلة ظن انها ميساء .. و قبل ان ينطق باسمها زالت الغشاوة نسبيا من عقله و رأى عين الفتاة التي كانت مقابله تساعده على النهوض ..

و اعتدل جالسا و قال لها مرتبكا : شكرا لك .. انا بخير .

قالت شيرين متحكمة بأعصابها مدعية انها لا تعرفه : اعتذر للتدخل .. لكني حاصلة على دورة اسعاف و رأيت من واجبي مساعدتك .. هل تسمح لي بالجلوس للاطمئنان عليك؟..

لم يستطع الرفض فهز رأسه موافقا بغير قناعة كبيرة رغم ان جزءا منه طار فرحا ..

و جلست مقابله و سألته باهتمام مسرحي : هل تعاني من مرض ما؟ ..

و اضافت مستدركة : لا اريد ان اتطفل عليك .. لكن قد اكون عارفة بما يفيدك .

قال بخفوت : لا تقلقي بشأني فما بي لا يخطر على بالك .

قالت : و ما يدريك ؟

نظر اليها قائلا : كل ادرى بنفسه .

قال بحدة خفيفة دون وعي منها لما تقول : نعم كل ادرى بنفسه .. قد تظن انك صاحب اكبر كمية حزن في الدنيا .. لكنك قد لا تدري ان هناك ممن يضحكون حولك قد شربوا كأس الحزن الاف الاضعاف عما تذوقته انت ..

و تنبهت لاندفاعها فقالت مرتبكة : اعتذر عن اندفاعي .. كنت فقط احاول التخفيف عنك.. اكرر اعتذاري ..

قال : اسمعي يا صغيرتي .. لا تحاولي تطبيق ما تعلمته علي .. فلست فأر تجارب .

نظرت اليه بدهشة فتابع :هذه المثاليات التي تتشدقين بها لا تنفع الا لمسلسل رومنسي سخيف او فلم هندي ممل .. هاللو ..!! استيقظي ..هنا الحياة .. غابة من شوك و انياب و عفاريت .. لا زهور بها .

قالت : نعم .. هنا الحياة .. بسمة عمرها ملايين السنين لا تغرقها الدموع .

كان تامر يناقشها و هو يشعر انها يعرف هذا الصوت .. هذه الحدة الشقية .. هذه الملامح .. و رجح انها احدى صديقات ميساء قد التقاها يوما ما ..

و رغم انه تفسير غير مريح له الا انه قبل به ..

دار هذا في ذهنه قبل ان يقول لها بهدوء نسبي: فلسفة جميلة .

قالت و هي تتراجع بمقعدها : فلسفة؟ لست اوافقك الرأي.

قال : انت لا زلت اصغر من الحياة .. ترى كم سنة رأيت منها ؟

صمتت قليلا ثم قالت : لا تعد الحياة بالسنين الزمنية بل بالتجربة العملية .. وانا املك تجربة تجعلني بعمر نوح او اكبر ببضع سنوات .

قال : حسنا يا آنسة " نوح " .. ماذا كانت تجربتك ؟

قالت : تجربتي قد تكون اكبر من تجربتك يا سيد " فأر ليس للتجارب " ..

لم يدر لماذا لم يغضب بل ابتسم .. اول ابتسامة له منذ وفاة ميساء.. ابتسامة انعشت الامل المحطم في نفوس الاسرتين التين تراقبانهما من بعيد ..

و لم يفطن تامر رغم ذكاءه الى طول الغياب العجيب للكل وهو مندمج بالحديث مع شيرين التي اندمجت ايضا وراحت تحدثه كما السنين الخوالي ..

لكنها لاحظت انه ليس رقيق التعامل معها وربما يراها متطفلة عليه او مجرد فتاة جميلة خالية اشغال ترى انها بدورة اسعاف قد صار لها الحق بالتدخل بحياة كل من يعطس امامها ..

كانت تحاول انعاش ذاكرته دون ان تجعله يحس بان الامر مرتب مسبقا والا لفشل الامر كله .

لم تكن غبية و ان بقيت لديها نزعات الشقاوة ..

لكن حزنها المزدوج على ميساء و تامر افقدها الكثير من رونقها السابق ..

كانت تنفذ ما قالوه لها بيأس و آلية كأنها روبوت مبرمج لهدف ما رغم انها اضافت لمساتها على الخطة و كان اول ثمرة هي ابتسامة تامر ..

كل هذا مر في ذهنها قبل ان تتابع قائلة : مررت بتجربة عاطفية قاسية جدا لا احب ذكرها فهي جرح اليم بحق .

كان هذا مخالفا لهدف جمعهما لكنها كانت ساعتها تشعر انها على وشك البكاء ففضلت ان تعطي نفسها فرصة اخرى .. ربما ليوم اخر ..

لكن تامر قال باستخفاف: عاطفية؟ اه .. حبيب القلب تركك .. بكيت .. كرهته .. تريدين الانتقام منه و من حبيبته .. يا لها من تجربة .

قالت بغضب محمرة الوجه : اتظن الدنيا كلها افلام سخيفة كالتي تطالعها انت؟

قال بحدة : بل اسخف .

قالت: و هل عرفتها حتى تحكم عليها ؟ ام انك تظن نفسك روميو زمانك؟

قال: لست روميو .. كوني انت جولييت و هاتي اسمعيني ما تظنين انه اقسى من محنتي.

و رغم غضبها راحت تحكي له قصتها دون ان تذكر اسم حبيبها او أي شيء يشير الى عائلته
حكت له عن حبيب احبها و طار عقله بها ..

و تواعدا على الزواج رغم صغر سنها ..

لكن عواصف الاقارب حالت بينهما و اجبرته على غيرها ..

و طلبت منه ان يتزوج ثم يتزوجها فيما بعد كزوجة ثانية بالسر ..

لا يهمها ان تنزل على ضرة بل المهم ان تكون بجانبه ..

لكنه تزوج افضل صديقاتها دون علم احدهما ..

و عندها قررت تركه رغم جراح قلبها ..

و توقفت عند هذه النقطة دون ان تذكر موت زوجة حبيبها و فقدانه الذاكرة او أي شيء يذكره بها

لا تدري لماذا رغم ان هدف اللقاء كان انعاش ذاكرة تامر بكل السبل ..

لكنها كانت في اعماق نفسها مترددة خائفة من انتعاش ذاكرته كمن لا يحب ان ينكأ جرحه بيده ولو كان في ذلك زوال المه ..

و بعد ان انتهت من سرد قصتها باختصار شديد كان تامر ينصت بهدوء غامض ثم قال لها بنفس الهدوء : وهل تسمين ما ذكرت قصة حزينة؟

قالت : اجل .. و ماذا اسوأ من ذلك؟

قال تامر منقلب السحنة بصوت اجش : اسوأ من ذلك ان يموت من تحبين .. ان يتمزق قلبك حزنا دون ان تتمكني من منح روحك له ليعيش .. ان تنظري حولك فلا تجديه .. لا تسمعي صوته .. أن تتمزقي شوقا للمسة منه بلا جدوى .. ان تنامي على القماش و ينام هو تحت التراب .. ان تصرخي الما و حرقة وهو يموت بين يديك ببطء قاتل تطلع معه روحك انت الف الف مرة ..ان يصرخ اطفالك بين يديك راجين منك ان تعيديه اليهم فلا تقدري الا على الجنون .. ان تخنقك الدموع شهورا طويلة شوقا الى مجرد همسة او بسمة منه .. هذا يسمى امرا سيئا يا فتاة .


-يتبع-
 
  • عجبني
التفاعلات: GHOST•
سيتم ادراج الجزء التالي قريبا .. اعتذر عن التأخر لاسباب خاصة
 
✰ الجزء الحادي عشر✰
____________________________________________

كانت شيرين تنصت لتامر مصدومة وهو مندفع بكلامه الجريح ..

و قالت دامعة العينين : وما ادراك؟ قد يكون الامر عندي كما ذكرت و اسوأ لكني لم اعتد طلب الشفقة من احد لذا لا احدث الكل بتفاصيل ما لدي ..

قال وقد هدأ قليلا : اذن لماذا اخبرتني ما قد قلت؟

قالت بسخط : نوع من الدعم المعنوي لك .. فالانسان تهون مصائبه ان علم مصائب غيره .. اعتقد ان هذا معروف .

قال ببطء : فهمت .

و ساد الصمت بينهما .. و كل منهما تجري في عقله افكار شتى ..


شعر تامر انه لم يتصرف بذوق مع الفتاة خصوصا انها كانت تحاول مساعدته ..

و نظر اليها بصمت و هي منكسة رأسها كتلميذ فشل في اول اختبار له ..

لا شك انها ترى العالم مثاليا كما علموها في دورة الاسعاف ..

المبادئ الانسانية ..

حب الخير ..

تقديم المساعدة للجميع ..

تخفيف الالام ..

عشرات المثاليات التي حشوا بها رأسها الجميل الصغير ..

ولا شك انه حطم كل هذا بقسوة لا مبرر لها ..

ما يضيره لو عاشت بمثالياتها بعيدا عن الواقع المرير ؟..

لا شك انها ابنة عائلة ثرية و تعيش عيشة رغيدة فلا داعي لافساد حياتها بواقعيته .

ترى لماذا يصر جزء خفي في عقله انها ليست غريبة ؟

لماذا يباسطها بالكلام كانه يحدثها كل يوم؟

لا يدري ..

حتى شقيقته المدللة عالية لم يباسطها بالكلام هكذا..

لكنه تجاهل الامر مؤقتا و هو يقول برقة : اعتذر لك عن اسلوبي الفظ يا .. ..؟

قال بلا وعي : شيرين .

ردد بلا وعي هو ايضا : شيرين .. شيرين ..

كان يحس انه اسم محبب مألوف .. تماما مثل اسم رامي .

و انتبه لنفسه فقال : اسم جميل .

قالت بلهجة اشتم منها رائحة العتاب لكنه كذب نفسه : اه ... اشكرك .

و علل الامر انها مرارة تحطم الصورة الوردية التي رسمتها للعالم و هي تحاول تطبيق دروس الاسعاف على ارض الواقع ..
و فكر انها لا تدرك انها ارض ليست من الحرير ولا مرصوفة باجمل الحجارة كما في قصرها بل غابات و اشواك و حفر و الام ..

قال بلهجة حاول ترقيقها ففشل : ترى هل تتقنين الاسعاف ام انها هواية؟

قالت : اتقنه جدا .. فانا عندما اهوى امرا اتقنه .

قال : جميل .

و ساد الصمت بينهما ثم تلفتت هي حولها باحثة عن اهلها ..

و ادرك ان امرا ما يضايقها و خمن انه كلامه ..

لكنها الحقيقة كانت توشك على الانفجار باكية ..
كان التمثيل على حبيبها يورثها ضغطا نفسيا شديدا لم تعتد عليه ..

و اشار مراد خفية للجميع فبدأوا يتوافدون صوب الطاولات ..

و نهضت شيرين من مكانها دون كلمة اضافية و اتجهت الى موقف السيارات و دخلت سيارة والدها و اجهشت بالبكاء ..

مضت فترة قبل ان يلحق والدها بها و يجلس مع والدتها و شقيها داخل السيارة و ينطلق و خلفة عدد من رجاله و اقاربه ..

و بقي الكل صامتا عدا صوت نشيج شيرين .. و كان رامي يراقبها مقطب الحاجبين .. لقد بلغ سن المراهقة و يدرك عددا من الامور لكنه تذكر توصيات والديه المشددة بالتزام الصمت المطبق .. لا مجال للمخالفة و ان لم يكتم ضيقه ..

من هذا الذي يجرؤ على مضايقة شقيقته ؟

بالكاد يذكر فادي تامر و علاقة الحب بينه و بين شقيقته قديما و الدروس الخصوصية في منزلهم هنا و الرسومات التي رسمها لها و مشاوريهم العديدة .. ولكن تامر اختفى بعد فترة و لم يعد يظهر الا من بعيد و دون ان يتصل بشيرين التي اختلفت حياتها من بعد ذلك و صارت كثيرة الانزواء كثيرة البكاء بصمت ..

كان يؤلمه هذا و يثير حيرته ايضا ..

لقد شاهدهما يجلسان معا و يتحدثان اليوم ..

و ها هي شيرين تعود باكية ..

لكنه ممنوع من التدخل .. لماذا يعامله الكل على انه *** صغير ؟

هو ليس طفلا ..

سيثبت للكل انه كبير بما يكفي لحماية شيرين ..

وفي منزلهم تسلل فادي الى مكتب والده مستغلا انشغال الكل بشيرين و فتح درج مكتبه الرئيسي و اخرج منه مسدس والده المطلي بالكروم و حفن عددا من الرصاصات من علبة ورقية بجانبه و دسها في جيبه و دس المسدس في ثيابه و عدل هندامه و انطلق متسللا للخارج ..


نظر مرة اخرى الى شيرين و امه و ابيه و هما يتحدثان معها حديثا لم يسمع فحواه من تلك المسافة و كانت هي تتحدث دافنة وجهها بين يديها مستديرة جانبا على الاريكة بحزن عميق ..

و حسم فادي امره و خرج من المنزل دون ان يلاحظ احد الامر و اتجه الى مدينة الملاهي مجددا بواسطة تكسي عمومي ..

لن يصعب عليه الوصول لهدفه ..

و في النادي كان تامر يجلس على الطاولة تحيط به اسرته و الصمت يلف الكل ..

هل فشلت الخطوة ؟..

هل نجحت؟ ..

عشرات الاسئلة تدور في اذهان الكل بلا اجابة ..

و قطع مراد الصمت قائلا : ما رأيك بهذه الفتاة التي كنت تجلس معها ؟

نظر الكل الى تامر بتلقائية مترقيبن رده ..

فصمت قليلا ثم قال : من اية ناحية ؟ الشكل ام الجوهر؟

قال مراد بهدوء : كلاهما .

قال تامر : من ناحية الشكل فاعترف انها شديدة الجمال بطريقة اسطورية .. و من ناحية الجوهر فهي متعلقة بالمثاليات جدا .. خدومة .. جريحة القلب ..ذكية .. لديها لمحة سخرية لاذعة .. حساسة .. بل ذات حساسية مفرطة .. اجمالا لا تثير الغضب في النفس .

قال مراد : هل تراها انسانة جيدة ام سيئة ام متوسطة ؟ كم من مئة تعطيها بنظرك؟..

قال تامر بلا مبالاة : جيدة جدا .. بل ممتازة و بين النساء تأخذ تسع و تسعون فلا احد كامل طبعا ..
ثم تنهد مضيفا : لكنها ليست كميساء .

نطق العبارة الاخيرة بحزن شديد ..

فاسرع مراد يقول : ترى لو اردت انت تزويجها فلأي شخص تزوجها ؟

قال تامر ناظرا اليه : لشخص مميز جدا .. ربما لرئيس الوزراء مثلا . . هل هذا ما تسعى اليه؟

صمت مراد و تبادل نظرة سريعة مع والد تامر الذي هز رأسه بطريقة خفية ..

و عاد مراد ينظر لتامر و يقول : و ماذا لو تزوجتها انت؟

قال تامر مستنكرا : انا؟ مستحيل ..

قال مراد : لماذا ؟ لأجل ميساء ؟

قال تامر بعصبية : اجل .. لأجل ميساء .

قال مراد بحدة : ميساء ماتت يا تامر .. ماتت .. كفى هراءً .. انت تقتل اولادك هكذا .

صاح تامر بغضب : لا شأن لك يا مراد بهذا .. اهتم برجالك و سلاحك و اترك قلبي بحاله .. لست وصيا علي .

قال مراد : انها وصية ميساء و ستنفذها رغما عنك .. لست وحدك من يهتم لميساء .

قال تامر بدهشة شديدة : وصيتها ؟ ماذا تعني بقولك ؟ هل هذه الفتاة ..

قاطعة مراد قائلا بغضب: اجل .. هذه الفتاة هي شيرين التي اوصتك ميساء بالزواج منها ان كنت قد نسيت.. و كانت اصدق صديقاته ميساء و اولادك يحبونها كأمهم .. انت لم تكن تراها لظروف كثيرة .. لكنها ستكون زوجتك و راعية اولادك .

هب تامر من مكانه صارخا بطريقة جذبت انظار الناس : مستحيل .. لن يحدث هذا .

قال الاب بغضب شديد : هل تجرؤ على مخالفة وصية ميساء ايها الولد العاق؟..

و تدخلت الام قائلة له برجاء: لا تدع روح زوجتك قلقة يا بني .. الوصية لا بد ان تنفذ .

عاد تامر يجلس كمن يجلس فوق فوهة بركان و كرر : مستحيل .. لن اخون ميساء .

قال مراد : لن ماذا ؟.. و هل تنفيذ وصيتها خيانة؟ هل منع تشرد اولادك خيانة؟ ان ما تفعله الان هو الخيانة بحد ذاتها فانت لست فقط لم تنفذ وصيتها بل تطعنها في اولادها .. انظر اليهم .. اليس في قلبك رحمة تجاههم يا تامر؟ ..

قال تامر بحنق : هل جننت؟ كيف لا ارحم اولادي؟ ..

قال مراد بقوة : بأن تتركهم ايتاما بلا ام ..

صمت تامر بسخط غير مقتنع ..

و قالت الام : لدي اقتراح سيعجبك .. ما رأيك ان تتزوجها لفترة تجريبية .. اذا رأيت انها مناسبة تستمران زوجان سعيدان و الا فيمكنك طلاقها اذا لم تعيشا بسلام معا .. و هكذا تكون قد نفذت الوصية و في نفس الوقت حاولت على الاقل تنشئة اولادك بشكل صحيح و لتكن تلك المدة ستة اشهر او سنة مثلا .

قال تامر بعناد : مستحيل ان احتمل الامر ولو ليوم واحد .

قال الاب بحزم : ان لم توافق على اقتراح امك فيمكنك مغادرة البيت بسلام ولا تدخل ايا من املاكي .. و لن تأخذ طفلا من اطفالك و لن تراهم بعينيك ابدا .. فانت اب سيء لا تصلح حتى لحمل *** صغير بين يديك .

و نهض بقوة و غضب فنهض الكل عدا تامر المصدوم من كلام والده ..

يمكنه الموت الف مرة دون ان يوافق على زواجه حتى ممن هي اجمل و افضل من شيرين .. لكن مسألة حرمانه من اولاده امر اخر تماما لا يطيقه ولو للحظة ..

و بعفوية ضم اليه بناته بلوعة و تعلقت عيناه بجزع بفادي الصغير بين ذراعي عمته القريبة منه ..

و ترك الاب الامر يتفاعل في نفسه و يستقر في فكره فترة قبل ان يقول بحزم شديد دفع خلاله اكبر قدر من الغضب : فكر بالامر جيدا .. لديك يومان فحسب .. فاما ان نذهب لخطبة شيرين او تغادر المنزل بملابسك التي عليك لا اكثر .. وهذا كلام نهائي .. وانت تعرف انني اعني ما اقول .

و لم ينتظر تامر ولا مراد بل اصطحب اولاد تامر يارا و نسرين و الصغير فادي الى مكان سيارته تتبعه ابنتاه و زوجته ..
يدرك الكل انه يفعل ما فيه صالح تامر ..

لذا سار الكل بصمت قلق متظاهرين بالغضب من تامر الذي لم يبارح مكانه ..

و غادر متجها الى مكان السيارات ..

و فيما هو متجه الى السيارات لاحظ وجود تجمع و ارتباك في مكان قريب و رجال الشرطة يركضون الى هناك و بعض الصرخات المذعورة فلم يول الامر اهتماما ..

و دخل الكل السيارات ..

و فيما الركب ينطلق لاحظ ان الكل بدأ يركض لداخل المكان و هيء له انه سمع طلقا ناريا او اثنين من بعيد .. لكنه علل الامر انها العاب نارية او ربما صوت اخر ..

و في منتصف الطريق التقى الركب بسيارة اسعاف تندفع مسرعة مطلقة ابواقها و خلفها سيارة شرطة مسرعة ايضا تطلق ابواقها ..

كثيرة هي الحوادث في هذه المدينة ..

و وصل الكل الى منزل العائلة ..

و دخلوا الى الصالة و الجد يصطحب احفاده الى الاريكة الواسعة حيث جلس بينهم و راح يلاعبهم كعادته بحنان كبير ..

و من ثم سألهم : ما رأيكم بالعمة شيرين ؟

صاحت يارا : احبها يا جدي .. اريدها ان تاتي .. انا مشتاقة لها كثيرا .

و قالت نسرين : ليتها لا تبتعد عنا .. نحن نحبها يا جدي .. هل يمكن ان تطلب منها ان تاتي و تلعب معنا كالسابق؟

تنهد الجد بارتياح و قال : سأفعل يا طفلتي .. سأفعل .

تصايحت الطفلتان بفرح حقيقي وراحتا تغمران وجه الجد بالقبلات و تحتضنانه و الجد يضحك لهما و يلاعبهما بسعادة حقيقية ..

لم يبق امامه الا اقناع تامر و الامر يبدو انه لن يكون مستحيلا ..

و مضى الوقت و اظلمت الدنيا و حل المساء و تامر لم يعد ..

و تساءلت الام بقلق عن سبب تأخره فقال الاب : دعيه يفكر .. يحتاج للخلوة بنفسه كثيرا ليخرج من جو الصدمة الذي يعيش به منذ وفاة ميساء .. لا تقلقي عليه .. ليس طفلا .. آن الاوان ليتحمل بعض المسؤولية .

قالت بقلق : لكنه يتصرف بجنون .

قال : قلت لك لا تقلقي .. لقد تركت معه مراد و بعض الرجال .

تنهدت بقلق و صمت ..

وفي منزل عائلة شيرين كانت احداث اخرى تجري ..

ففي ذلك الوقت كانت سيارة شرطة تتوقف امام المنزل و يهبط منها ضابط شرطة و معه اثنان من مساعدية و يتجه ممسكا بيد فادي الصغير الذي كان يبكي بحالة يرثى لها و يتجه الى باب الفيلا و يخاطب الحرس قائلا بحزم : اريد مقابلة ولي امر هذا الولد حالا .

اسرع الحرس يتصلون بوالد فادي و اقترب رئيسهم من الشرطة و سأل : ماذا هناك يا سيادة الضابط ؟..

قال الضابط : هل انت والد هذا الصبي؟..

قال الرجل : لا .. لكني مسؤول الامن هنا .. ماذا حدث ؟..

قال الضابط وهو لا يزال ممسكا بفادي: الكثير .

قال الرجل : هل يمكن ان نناقش الامر في الداخل يا حضرة الضابط ؟..

قال الضابط : لا بأس .

اشار الرجل للحرس فافسحوا الطريق و فتح هو الباب بمفتاح خاص معه و دخل يتبعه الضابط و رجلاه و اغلق ورائهم الباب و اشار نحو الصالة الفاخرة الواسعة قائلا وهو يتقدمهم : تفضلوا بالجلوس يا سادة.

و استقر الكل على المقاعد فقال مسؤول الامن بلطف : سيدي .. هل يمكن ان تترك ذراع السيد الصغير ؟ انت ترى انه متألم و خائف .

افلت الضابط يد فادي قائلا بحزم : لكنه سيبقى بجانبي .

قال الرجل : لك ذلك .

في هذه اللحظة كان والد فادي ينزل الدرج بسرعة لكن بوقار متجها للصالة بعد ان ابلغه رجاله بالوضع ..

و وصل مرحبا بالضيوف بقلق و سأل عما حدث ..

اخرج الضابط كيسا شفافا يحوي مسدسا و عددا من الرصاصات رفعه باصبعين قائلا لوالد فادي : هل هذا المسدس لك يا سيدي؟..

تناول والد فادي الكيس مقطب الحاجبين و تأمل المسدس ثم قال: نعم .. هو لي.

قال الضابط :و هل هذا ولدك ؟..

قال الرجل بقلق : طبعا ولدي .. ماذا فعل هذا الشقي؟

قال الضابط : كاد يصنع مصيبة .. لقد لاحظ احد حرس مدينة الملاهي هذا الصبي وهو يخرج المسدس من تحت ثيابه و ظنه بداية مسدس العاب .. لكنه بدا له اثقل بيد الصبي و اكثر حقيقية من الالعاب .. و تأكد عندما اخرج الصبي رصاصات من جيبه راح يحشو بها خزانة المسدس بارتباك يدل على انه لم يعتد حمل السلاح .. و هرع الحارس نحو الصبي لكن الاخير اشهر المسدس بوجهه فذعر الاخير و فر صائحا فهرع الناس و بعض رجال الشرطة لرؤية ما حدث .. و لكن الصبي رواغهم و انطلق الى داخل الملاهي .. طبعا لا مجال لشرح خطورة حيازة صبي لسلاح وسط مئات الناس .. المهم انه كان يبدو كأنه يبحث عن شخص ما .. و قبل ان يقطع مسافة طويلة ادركه الشرطة و اثناء محاولة استخلاص السلاح منه انطلقت رصاصتان لحسن الحظ اصابتا الارض الترابية و اثارتا فزع الناس و اضطررنا لالقاء القبض عليه و التحفظ على السلاح و اخذه للاستجواب و اعترف انه كان ينوي قتل شخص هناك رفض ذكر اسمه و لكنه قال انه اساء لأهله .

و نظر الضابط لرجاله نظرة خاصة فنهضوا و غادروا المكان الى سيارتهم و اغلق الحرس الباب خلفهم باحكام ..

و قال الضابط وهو يميل نحو والد فادي : لحسن الحظ انه لم تحدث اصابات و تداركنا الامر و لم اسجل محضرا رسميا بالواقعة و سجلنا الامر على انه عبث بالعاب نارية لا اكثر و لكن يبدو ان اكثر من بلاغ صدر لأكثر من دائرة فقد ارسلت دائرة وسط المدينة ضابطا و سيارة اسعاف و لا اكتمك انني وجدت صعوبة كبيرة في لملمة اطراف الحادث خاصة بوجود عشرات الشهود و اضطررت لالقاء القبض على فادي .. هناك ضباط جدد و رجال جدد لا يعرفون علاقتي بعائلتكم الكريمة .. لذلك اضطررت لعمل بعض الاجراءات القانونية و التظاهر بعدم معرفتي لابنك او لك.

قال الوالد بامتنان و اهتمام : اشكرك يا صديقي .. و الان ماذا نفعل؟..

قال الضابط : غدا صباحا ارسل محامي العائلة عندي و سأخرج فادي بكفالة فورا و سيعالج المحامون الامر .. لم يشتك ضده مباشرة احد لكن من اجل الحق العام .. هم يعرفون عملهم .

قال الوالد بقلق : هل سيبيت فادي بالسجن ؟ .

قال الضابط : ليس تماما .. سآخذه الى مكتبي و لكنه سينام في سكن الضباط تحت حمايتي الشخصية حتى يصل المحامي صباحا و يتسلمه و يدفع الكفالة .

اشار الوالد لأحد رجاله فغاب قليلا و عاد يحمل مظروفا منتفخا مغلقا ناوله له فناوله بدوره للضابط قائلا بلهجة خاصة : انت افضل صديق للعائلة .. و لن انسى لك معروفك هذا ما حييت.

تناول الضابط الكيس و دسه في جيبه و نهض قائلا : ثق بي يا سيدي .. لن اخذلك .

ناوله الاب الكيس الذي يحوي المسدس بصمت ..

فقال الضابط : سأعيدهما لك غدا ان شاء **** .

و امسك بيد فادي الذي قال بذعر باكٍ : ابي.. لا اريد الذهاب .. ارجوك .

صرخ به ابوه مفرغا توتره به : انقلع من هنا قبل ان امزقك بيدي.

تراجع فادي بذعر امام حدة والده التي لم يعتدها طوال عمره و سار باكيا كسير الخاطر مع الضابط و غابا وراء الباب ..
و بقي الاب واقفا مكانه تتصارعه مشاعر شتى ..

مشاعر اب يرى فلذة كبده ذليلا بين يدي الشرطة مرعوبا كسير الجناح ..

و مشاعر قائد عائلة يدير الامور كما يراها لصالح الكل لا الفرد ..

و في تلك اللحظة وصلت شيرين و سألت والدها بذعر عما يحصل لفادي .

فقال الاب بحزم حزين : لا تقلقي .. درس صغير له لكي يدرك ان الحياة ليست لعبة كمبيوتر مسلية .

و في منزل عائلة تامر كان الاخير يصل للمنزل برفقة الرجال و مراد دون ان يعرف ما حدث .. سمع اطلاق النار ورأى ما حدث و اكتفى بارسال رجل ليستطلع الامر و اهمل ان يسأله عن الخبر عندما عاد و همس بكلمات في اذن مراد الذي تظاهر بعدم الاهتمام و لم يخبره بالامر ..

لدى تامر ما يشغله عن مشاكل العالم..
حتى لو حدثت جريمة قتل في المكان فهذا لا يهمه ..

و لا يهمه ولو حدث طوفان اخلى الارض من سكانها ..

فكل ما يشغله الان هو هذه المصيبة التي ستحل عليه ..

سيزوجونه تلك الفتاة الجميلة ..

لا شك انهم كلهم تآمروا عليه .. هذه النزهة .. و وجودها قربه .. انفضاضهم من حوله و من حولها .. تركهم لها تعالجه عندما وقع دون ان يهرع احد لفحصه كالعادة .. يا له من غبي .. كيف لم يفطن للامر ؟ .. يا له من مغفل كبير ..

لكن لا ..
لن يكون لعبة بايديهم و لن يرضى عن ميساء بديلا و لو كانت من حور الجنة ..!!

لكن .. ماذا عن ابناءه؟..

يمكنه احتمال سلخ جلده حيا لكن ابدا لن يحتمل بعدهم عنه ..

ماذا يفعل؟..

لكن ..
مهلا ..
لقد اعطته امه الحل ..
يتزوجها و من ثم يطلقها .. باي سبب تافه يطلقها ..

و خلال فترة زواجه لن يقربها و سيعاملها كخادمة سارقة لمال سيدها ..

سيريهم ان تامر ليس غبيا ولا دمية بايديهم ..

و استقر رأيه على تلك الفكرة فانشرح لها صدره و عاد لمنزله برفقة رجال والده ..

و لكي لا يشكوا بنيته لم يخبرهم بموافقته و ترك لهم الامر ..

لا شك ان والده سيفاتحه بالامر و سيتظاهر هو بالتردد و من ثم الموافقة كمن هو مغلوب على امره و يطلب التعرف اليها اكثر لكي يوحي انه يريد كسب الوقت كما كان سيحدث لو سارت الامور بطبيعتها و بعد فترة سيوافق كانه لم يجد مناصا من الموافقة لأجل اولاده.

و دخل تامر المنزل متجهما ..

و اتجه الى غرفته مباشرة دون ان يستقر في الصالة كعادته ..

و تركه الكل دون اعتراض ..

يجب مراعاة الضغط الشديد عليه و تحمل كل شيء حتى تمر الازمة بسلام ..

و في غرفته كانت الفكرة تختمر في ذهن تامر حتى انه ابتسم ابتسامة جذلة لا يدري كيف تسللت الى وجهه الحزين ..

سيلقنهم درسا كبيرا ..

و وقع بصره على اللعبة المنزوية في غرفته ..

و سرح ببصره بها ..

يجد الان التفسير الذي حيره سنوات ..

الشعر الاشقر و العيون الزرق و اسم شيرين .. كلها لصديقة زوجته ..و لا بد ان اسم فادي ايضا له صلة ما بها ..

لكن ما صلة اللعبة بشيرين ؟..

و لماذا هو متعلق بهذه اللعبة ؟ ..

كثير من الامور لا تزال غامضة بالنسبة له و كلما احس بالصداع منها تناساها و تركها للزمن..

لكن ..

اكثر ما يحيره انه كيف توافق شيرين على الزواج من زوج صديقتها السابق؟..

كيف يتفق هذا مع شخصيتها المتعلقة بالمثاليات؟ ..

لا يدري .. ولا يريد ان يدري ..

ستكون اياما عصيبة لتلك العروس الطامعة بميراث ميساء ..

عندما سيوافق سيعلن ذلك بامتعاض و عدم رضى ..

و عندما سيزورون العروس لن يبتسم لها ولو ابتسامة واحدة..

سيذهب دون ان يحلق ذقنه و دون ان يغير ملابسه ..

سيبدو كمشردي الشوارع ..

و سيكون صامتا كأبي الهول ..

لن ينظر الى وجهها ولو نظرة واحدة ..

سيكرهها من اول يوم و يجعل حياتها جحيما لا يطاق حتى تطلب الطلاق ..!!

و لن يطلقها بسرعة ..

يجب ان تدفع الثمن عذابا اخر قبل ان يلقيها لاهلها مرة اخرى ..

سيكون الدرس شديد القسوة .. للجميع ..


- يتبع -
 
  • عجبني
التفاعلات: GHOST•
الرواية لسة قيد اللانشاء .. لما تكتمل رح اتواصل معهم يدمجوها
اشكرك على الاهتمام :)
حتى لو قيد الكتابه والنشر بيتم الابلاغ مع الفصول الجديده للدمج لكن النشر بين الردود يفقد الروايه ترابط احداثها ويصعب الوصول للفصل الجديد
 
حتى لو قيد الكتابه والنشر بيتم الابلاغ مع الفصول الجديده للدمج لكن النشر بين الردود يفقد الروايه ترابط احداثها ويصعب الوصول للفصل الجديد
هذا كان شرط الادارة .. الاجزاء الجديدة تكون فقط كردود في نفس الموضوع ..اما الدمج فهو من اختصاص مشرف القسم .. احترامي
 
✰ الجزء الثاني عشر✰
____________________________________________

في صباح اليوم التالي لم يخب ظنه ..
استدعاه والده الى الصالة ..
و وجد هناك كل الاسرة صامتة بقلق و ترقب ..

و سأله والده باقتضاب : ها ؟ ماذا قررت ؟ ..

فوجىء تامر بنفسه يقول بهدوء : انا موافق ..

و انتبه لنفسه فتابع محاولا عبثا ان يبدو ممتعضا : من اجل الاولاد .

لم تكن لهجته كما اراد ..
لقد خسر اول جولة بجدارة ..
لكنه علل لنفسه انه سيكون هناك الكثير من الفرص لتنفيذ ما قرره ليلة امس ..

و قال الوالد قاطعا افكاره : على بركة **** .. جهز نفسك فسنذهب اليوم مساء للتحدث الى والدها ..

اراد تامر ان يعترض لكنه وجد نفسه قد بقي صامتا كابي الهول ..

ما الذي يجري له؟ ..

ليس ضعيف شخصية ولا هو جبان و لا خائف ..
لكن كأن قوة خفية تسيره رغما عنه ..

و مرة اخرى قرر انه لم يلتقط انفاسه و ان هذه المسائل تطول و لديه عشرات الفرص لينفذ ما يريد ..

و تركهم و اتجه الى الحديقة .. كيف ستجري الامور؟ لا يدري؟ ..

و في المساء كان يجلس بصمت كامل غير معترض على امه و شقيقاته اللواتي قمن بتزيينه و الاشراف على اناقته ..

و نظر الى المرآة .. عريس لا غبار عليه .. و شعر بالضيق كانه يخون ميساء ..

و لم يمنعه ضيقه من مسايرة اهله .. في النهاية هو ابن عائلة محترمة ولا يجب ان يكون مظهره سيئا كعامل في مصنع للزيوت ..

و غمرته اخته حنان بسيل من عطر فواح غالي الثمن و علياء تحكم رباط عنقه ..

ليفعلوا ما يريدون ..

لكن لن يكون لهم ما يخططون ..

ابدا لن يكون ..

و نزل الكل الى القاعة و منها الى السيارات الخاصة بالعائلة ..

كان الامر قد تم ترتيبه مع العائلة الاخرى .. كان الاب يدرك ان تامر سيوافق على الخطبة لذا قام بترتيب الامر مع عائلة شيرين ..

و سار الركب بمهابة تتبعه سيارات الحرس و المرافقين حسب الاصول المتبعة في الخطبة حيث يحضر الخطوبة وجهاء العائلة الخاطبة لطلب يد العروس من ولي امرها لابنهم و كلما كبر عدد الوفد و مكانته الاجتماعية كلما كان ذلك شرفا و فخرا لأهل العروس ..

يمكنك طبعا عزيزي القارئ تخيل حجم الوفد و شخصياته ..

و وصل الركب ليجد عددا من وجهاء العائلة الاخرى ينتظرونهم ..

لشدة انشغال تامر لم يلحظ الطريق الذي سلكوه و انه نفس الطريق الذي طالما سلكه من قبل ان يفقد ذاكرته ..

ثم توقفت السيارات و راح الكل يهبط منها الى حيث مكان الاستقبال في الصالة الكبيرة في منزل شيرين الضخم و الفخم ..

و امتلأ المكان بالمشاركين من كلا العائلتين و اتخذ الامر طابعا احتفاليا ..

و جلس والد تامر و والد شيرين على الاريكة الكبيرة يتحدثان مبتسمين و حولهما رجالهما و الكل مبتسم فرح ..
في حين جلس تامر مع مراد على حدة نسبيا بانتظار العروس ..

لم يطل الامر ..
نصف ساعة على وصول المدعوين بعدها كانت شيرين تهبط الدرج بثوب بسيط انيق جدا تألقت فيه كالف الف نجمة معا ..

ولا نبالغ لو قلنا ان الكل كان منبهر بجمالها الشديد .. حتى تامر نفسه ..

تهادت شيرين مطرقة و هي تهبط الدرج كأميرة خرجت للتو من كتاب اساطير يونانية او حورية جنان تاهت و وصلت الارض ..

سارت حتى وصلت الى قرب امها و جلست بجانبها صامتة مطرقة ..

لكن الكل علل الامر بأنه صمت الخجل ..

و راحت النساء يمازحنها ضاحكات و هي صامتة ..

لم ينتبه احد تقريبا الى انه ليس صمت خجل بل توتر و حزن ..

بعد فترة نهض والد تامر و اتجه الى كبار مرافقيه و تحدث اليهم فتجمعوا و اتجهوا الى الاريكة الكبيرة الي اخلاها كل من كان جالسا عليها من كلا الطرفين و احتل طرفها الشمالي كبار عائلة شيرين و جلس القادمون على الطرف المقابل و معهم تامر الصامت بانتظار ما سيحدث ..

ثم تحدث والد تامر قائلا بوقار : يشرفنا يا صديقنا ابو فادي ان نتقدم بطلب يد كريمتكم شيرين لولدنا تامر .. فما جوابكم دام فضلكم ؟

قال والد شيرين بنفس الوقار : لا مانع لدينا بالطبع .. و يشرفنا ان نرتبط بعائلتكم الكريمة برباط النسب .. و لكن لا يمكننا اجبار البنت على ما لا تريد لذا نود ان نسألها فهي صاحبة الشأن .. هل تأذنون لنا بذلك ؟.

قال والد تامر : بالطبع .. تفضل .. خذ راحتك .

نهض والد شيرين و اتجه الى مكان شيرين الغير بعيد و الجالسة و سط نساء العائلة المبتهجات و همس في اذنها بكلام اطول من اللازم ..

و ابتعد قليلا ناظرا اليها ..

لحظات مرت و شيرين صامتة ثم هزت رأسها بالموافقة ..

هنا انطلقت الزغاريد من النساء الموجودات من كلا العائلتين ..

كما علت همهمات الفرح من افواه الرجال ..

و عاد والد شيرين الى مكانه و قال مبتسما : الف مبروك .

قال والد تامر : مبروك لنا جميعا .. لنقرأ الفاتحة .

و امسك كلا الرجلين بيدي بعضهما و راحا يقرآن الفاتحة بمشاركة الرجال الحضور بصوت خافت .. ثم قالا معا : امين .

مرة اخرى تعالت الزغاريد .. و انفتحت الابواب و خرجت صفوف الخدم يوزعون المشروبات و الحلويات على الحضور .. و ساد جو احتفالي ابهج من السابق ..

ثم نادى والد شيرين ابنته قائلا : تعالي و اجلسي بجانب عريسك يا بنيتي .

نهضت شيرين و سارت بتمهل و جلست قرب تامر الذي بقي نصف مطرق تتصارعه الافكار ..
فمن جهة عليه القيام بواجبه ..
و من جهة اخرى طيف ميساء يتمثل اما عينيه حزينة كسيرة الخاطر كانها تلومه على نسيانها و القبول بغيرها ..
كان هذا بالذات يورثه جنونا يكاد يدفعه لقتل احد ..

لكن لا يمكن لاحد مقاومة سحر شيرين .. و عندما جلست الى جانبه كان كالمنوم مغناطيسيا .. فاقد الارادة تتجاذبه قوتان عظميان .. ميساء و شيرين ..

حاول حسم امره عبثا فترك للقدر ان يوجهه لصالح احدهما .. لكنهما كانتا تحركانه بتعادل قاتل لا يميل لصالح أي منهما ..

و كونه لا يريد احراج عائلته رفع رأسه و نظر الى شيرين ..

كانت صامتة هادئة كمن يراقب امرا لا يعنيه من قريب او بعيد ..

لا تردد .. لا خجل .. لا ارتباك .. لا اهتمام بالمرة ..

كانت بلا شك اجمل جميلات الكون من بنات حواء ..

و ربما فقط حواء نفسها هي من تكون اجمل منها ..

بل لقد اعترف في اعمق اعماقه انها اجمل بكثير من ميساء ..

يا لسحر عيونها ..
يا لجمال شعرها و فتنة وجهها ..
من أي شيء خلقت هذه الفتاة ؟..

و تنحنح فنظرت اليه نظرة كفيلة بنسف الصخر ..

نظرة صامته خاوية من أي شيء كانها تقول: ماذا تريد؟..

فسألها مرتبكا : كيف حالك ؟..

صمتت كانها تقيس عمق غباء السؤال قبل ان تقول و هي تغمض عيونها و تفتحها بلا سبب قائلة : بخير .

قال محاولا فتح حديث معها : هل تسمحين لي ان اعرفك على نفسي ؟..

كانت تعرف الكثير فعلا لكنها قالت : لا بأس .

راح يتحدث عن نفسه و عن عمله و طموحاته و ما الى ذلك دون ان يتطرق الى سيرة ميساء او اصابته السابقة .

و عندما انتهى صمت منتظرا ان تبدأ حديثها ..

ولم ينتظر طويلا فقد قالت له بهدوء : لا تتحاشى ذكر ميساء .. فقد كانت اعز صديقاتي و اولادها يعرفونني جيدا و اعرفهم ربما اكثر منك .. و انا اعرف عنك شخصيا اكثر مما تظن يا تامر .. اكثر بكثير .

خمن تامر ان اهلها و اهله قد حدثوها عنه قبل ان يخطبها .. و شعر بالخجل كونه لا يعرف عن خطيبته شيئا حتى لو لم يحبها .. فهذه الفتاة ستشاركه حياته الى ان يحدث ما يغير الواقع وكان يجب ان يعرف عنها كل شيء ولو من باب " اعرف عدوك " .. لكنه لم يفعل مما وضعه الان في موقف محرج سخيف..

ادركت هي بذكائها موقفه .. و لذا راحت تحدثه عن نفسها حديثا عاديا دون ان تتطرق لأمور حساسة فهذا ليس وقتها ..

ثم تشعب الحديث بينهما ..

الحقيقة ان كل منهما كان يستطلع الاخر بطريقته الخاصة ..

و عندما ان اوان المغادرة للضيوف و نهض تامر لوداع شيرين كان كل منهما قد كون رأيا ما في ذهنه عن الاخر ..

و مد تامر يده لمصافحة شيرين كما يقتضي الواجب و العادات ..

هنا شعر برجفة خفيفة ..

يا لنعومة و رقة يدها .. لكأنها اسطورة تمشي على الارض ..

من أي جنة جئت يا فتاة ؟ من أي كتاب اساطير خرجت؟..

لو لم يكن قلبه معلقا بميساء لعشقها حتى النخاع من اول نظرة ..

و سحبت يدها من يده برفق فقد المها ضغطه غير المقصود على يدها الرقيقة ..

انتبه لنفسه فافلت يدها معتذرا بهمس خفيف فابتسمت له مجاملة ..

اطارت البسمة بقايا عقله ..

و طوال الطريق لم يستطع ابعاد شيرين عن ذهنه ..

هل احبها؟

لا يدري .. حقا لا يدري ..

لكن مهما حدث لن يخون ميساء .. و سينفذ ما قرره و بكل الطرق ..

ترك اهله يجلسون في الصالة حيث لم تزل بعد فرحتهم و راحوا يناقشون تفاصيل العرس و الحفلات و ما الى ذلك و اتجه هو الى غرفته و لم يعترض احد على ذلك ..

و في غرفته راح يراجع نتائج المواجهة الاولى ..

هزيمة منكرة لا يختلف عليها حماران ..

لم يكن حقيقة حزينا او غاضبا لهزيمته .. لكنه في نفس الوقت كان حانقا على نفسه لهزيمته و كذلك يشعر انه خذل ميساء ..

و ضغط على اسنانه مغتاظا ..

لا .. لن يتكرر الامر ابدا .. لن يكون تابعا بل سيظل متبوعا حتى اخر عمره ..

و هكذا بقي يحوم في غرفته كالاسد الجريح حتى غلبه التعب فالقى نفسه على الفراش و نام فورا دون ان يبدل ملابسه او حتى يخلع حذائه ..

في منزل شيرين و بعد انصراف الضيوف تهاوت شيرين على اقرب مقعد و دفنت وجهها في كفيها و راحت تبكي بصمت ..

وجلس والداها حولها و قال والدها : هوني عليك يا ابنتي .. لا شيء يستحق البكاء .

و قالت امها : الم تكوني تحبينه؟ بل لا زلت تعشقينه؟ اذن ما سبب حزنك؟..

قالت شيرين : لم اكن اتصور ما سيحصل .. انا السبب .. لو لم اقترح عليه اقتراحي الغبي بالزواج لما حصل ما حصل ..

قال والدها : لو لم تفعلي لكان الان قد خسر اهله و خسرك و خسر ربما حياته نفسها .. ان **** يفعل دوما ما فيه صالح الناس يا بنيتي .

قالت : اعرف .. لا اريد ان تشرحوا لي كل هذا .. لكني لا احتمل .. حقا لا احتمل .. بعد كل هذه السنوات اكون كالغريبة .. بل غريبة تحل كزوجة بديلة لمن كان يجب ان يكون زوجي و والد اطفالي.

ثم اجهشت بالبكاء ..
و صمت الكل و الوالد يربت على كتفها محاولا تهدئتها ..

كان اكثر سبب لما هي فيه هو ما فعله فادي و كيف ان **** حال دون وقوع كارثة مزدوجة بالنسبة لها .. شقيقها و حبيبها واحد بالسجن و الاخر تحت التراب..

كانت تفرغ توترها بالدموع ..

لم تكن حقيقة سعيدة بالزواج بهذه الطريقة من تامر لكنها لم تكن حزينة لذلك ايضا فهي تحبه بحق ..

تدرك ان امامها مشوار طويل و صعب و شائك من اجل استعادة تامر ..

اخيرا تنهدت و مسحت دموعها ثم نهضت مغادرة الى غرفتها ..

و هناك كانت تفكر جديا في كيفية استعادة تامر ..

لا بد انه سيكون امرا صعبا كالموت ..

و خلال الاسبوع التالي تكررت الزيارات المتبادلة بين الطرفين ..

كانت هناك ذكريات في عقل تامر تتلمس طريقها للنور لكنها لا تقدر على المرور عبر الطريق الصحيح .. لماذا لم يشعر بالغربة من منزل شيرين؟ ..

لا شك انه زارهم ايام كانت صديقة زوجته..

لماذا لم يرفض شيرين رفضا قاطعا ؟ ..

لانها كانت صديقة زوجته ..

و هكذا كان كلما برز تساؤل في ذهنه اجاب انه من عهد صداقة ميساء و شيرين و ان كانت اجاباته غير مقنعة له الا انه لم يجد امامه غيرها ..

كان يرى ان شيرين مثال الفتاة الكاملة و التي يتمناها أي شاب و لكن حبه و اخلاصه لميساء جعل من شيرين بنظره لصة تريد سرقة ميراث قلبه الخاص بميساء و لذا كان يفكر جديا بكيفية التخلص من ارتباطه الوشيك بشيرين ..

لن يكون ذلك صعبا اذا ما سارت الامور كما يخطط لها ..
و حاول طوال الوقت ان يختصر علاقته مع شيرين الى الحد الادنى الممكن بحيث يبقى ممسكا العصى من المنتصف فلا يخسر عائلته و اولاده و لا يجعل شيرين مكان ميساء .

و جرى الامر باسرع مما تصور تامر..

فذات يوم وجد نفسه جالسا على منصة فخمة يرتدي حلة سوداء فاخرة و الاحتفال يموج كبحر من الناس و الاضواء و الالوان و الموسيقى و شيرين تجلس بجانبه كملاك بشري ربما لم تر الارض عروسا اجمل منها وجها ولا زيا و لا حضورا ..

كان يدرك انه لا خيار لديه في امر زيجته من شيرين ..

كان يمكن ان يقبل بشيرين صديقة عزيزة كونها كانت صديقة زوجته ..

لكن ان تحل محل ميساء فهذا ما لا يطيقه ..

و رغم الافكار التي كانت تجتاح مخه الا انه حافظ جيدا على قناعه الباسم كعريس سعيد بزوجته الخارقة الجمال ..

اما شيرين فقد كانت ايضا ترتدي قناعا سعيد الشكل يجعل جمالها يتألق افضل من اضواء الحفل كلها ..
لكن داخلها كان يجري نهر من دموع مصدره القلب الكسير ..

كانت شيرين تريد بشدة ان تكون قرب تامر و لكنها لا تريد ان تكون في حياته مجرد طرف محايد اتى فقط لرعاية ******* .. لا تريد ان تكون مجرد خادمة تنام في سرير زوجة سابقة و ربما في غرفة لوحدها .. نصف زوجة و نصف جليسة ***** ..

كانت ترفض بشدة ذلك ..

لكن حبها اقنعها ان تقبل .. كذلك احساسها بالذنب كونها هي من اشار على تامر بالزواج من ميساء و لم تكن نادمة في نفس الوقت .. لم يكن ثمة خيار اخر ..

هكذا استمرت حفلة العرس حتى ساعات متأخرة من المساء ..

و كما لكل شيء بداية فلكل شيء نهاية فقد انتهت الحفلة و آن أوان ارسال العروسين لمنزل العائلة ..
كانت تلك اللحظة التي تقلق كلاهما ..

و سار كل شيء كما هو مراد له ان يسير حتى انغلق الباب على العروسين ..

و جلس كل منهما صماتا يقلب افكاره يبحث عن حجة ليبقى بمنأى عن الاخر ..

تامر لا يريد " خيانة " ذكرى ميساء ولو مع فينوس نفسها ..

و شيرين لا تريد ان تكون " جارية " و مربية ***** لا اكثر ..

لكن كلاهما اراد ان لا يجعل الاخر يحس انه يخفي في دخيلة نفسه امرا ..

و طال الصمت اكثر من اللازم ..

و رغم ما مر بها لم تكن شيرين قد نسيت شقاوتها فقالت لتامر و هي تنظر اليه نظرة ثابتة لا يعرف لها اسما : حسنا .. قل لي .. من منا سينام على اريكة الصالة اليوم و من غدا ؟..

اما في صالة الاستقبال في منزل والد تامر كان الاهل يجلسون فرحين بهذه المناسبة السعيدة ..

و كانت بنات تامر يرفلن بالملابس الجديدة ..

كانت يارا تقول لنسرين بطفولة برئية : لقد اتت العمة شيرين لتكون ماما لنا .

قالت يارا بفرح : ياي .. انا احب عمتي شيرين .. لكن الى متى ستبقى؟.

قالت نسرين ببراءة : حتى تعود ماما ميساء من السفر .

كاد حديث الطفلتين يحرق قلوب من حولهما الما ..

لكن حنان و علياء و نرمين شقيقات تامر تدخلن فاخذت كل واحدة منهن طفلة و طبعا كان فادي الصغبر ضمن المعادلة و توجهن الى خارج المكان .. يجب عدم ازعاج العروسين طوال شهر العسل و بالتالي سيكون ***** تامر في عهدة عماتهم و جداهم و هذا لم يكن يضايق الصغار ابدا بل يسعدهم لكثرة دلالهم لهم ..

و فيما كانت الاسرة تسهر في الصالة كان العروسان يغطان في نوم عميق كل في جهة مختلفة ..!!

و لم تكن الايام التالية تحمل أي جديد ..

فامام الاسرة كانا كعصفورين حالمين من قصة خيالية .. و لكن ما ان يغلق الباب حتى يبدأ كل منهما يمارس سحره على الاخر ..
تامر يريد " تطفيش " شيرين و شيرين تريد تذكير تامر بالماضي السعيد لهما و كل منهما يعمل في صمت و سرية كما يظن .

كان تامر يعامل شيرين بجفاف وان لم يعاملها بقسوة فهو يراها دخيلة تريد احتلال مكانة زوجته في حياته و حياة اسرته دون ان يدرك ان حبه لميساء كان من حق شيرين اصلا ..
و شيرين كانت تحاول ان تذكره بماضيهما بالتدريج عبر ذكر اماكن كانا يذهبان اليها معا ..او مواقف مرا بها معا ..
لكن بلا فائدة فذاكرته لم تكن قد عادت بعد و ان كانت كلماتها تثير استغرابه كونها تعرف الكثير عنه ..
لكنه يعاند و يقول انها تعرف كل هذه المعلومات عنه كونها صديقة زوجته و انها ربما تستغل هذه المعرفة و فقدانه لذاكرته لتمثل عليه دورا مستهلكا ربما شاهدته في فلم فاشل و ارادت خداعه به .. و ربما كانت تعرف ايضا معلومات شخصية عنه من ميساء ..
فالنساء عندما يتحدثن لا يتركن اسرارا دون اذاعة و يقضين الساعات في القيل و القال و الحديث عن الرجال و حياتهم و ما فعلوا و ما قالوا و هذا طبع نسائي اصيل حتى العجائز منهن..

اطمان لهذا التفسير رغم انه يحس في مكان ما في عقله برفض غريب لكل التفسيرات مما يورثه حيرة تجعله يجبر نفسه على القبول بالتفسير الظاهر ما دام لا يمكنه تذكر صحة او عدم صحة ما تلمح به شيرين ..

ثم قررت شيرين ان تقوم بحركة اوسع من اجل تذكير تامر بماضيه .. جولات مخصصة للاماكن التي شهدت حبهما ..

ليس سهلا ان يسير تامر معها كالطفل الصغير و تقول له مبتسمة : انظر يا تموري.. هنا كنا نجلس .. و هناك كنا نمرح .. و هنا ملأت وجهك حلوى .. و هناك ملأت رأسك بالتراب ..هل تذكر؟ ..

اجل ليس هذا سهلا لكنه ليس مستحيلا ..

و قررت البدء بعد الاسبوع الاول حيث ان التقاليد تمنع العرسان الجدد من مغادرة المنزل قبل ايام سبع كاملة ..

و كانت تلك الايام السبع ربما من اصعب ايام حياتهما معا ..

كان تامر يتحاشى شيرين و تتحاشاه كما لو كان احدهما يرى الآخر مصابا بالطاعون ..

لكن لم يجرح احد مشاعر الاخر .. فقط اقاما سدا من الكلفة و الغربة بينهما و كل يحاول تنفيذ ما بذهنه ..
حتى بالكاد كانا يتكلمان مع بعضهما الا امام الاهل طبعا .

كان هذا يؤلم شيرين جدا ..
ولولا ادراكها ان تامر فاقد لذاكرته و ان حبها ذهب لميساء بالخطأ لما عاشت مع تامر ولو لربع دقيقة ..

كانت تريد استعادة حقها في قلب تامر ..

و استعادة الاقصى ربما اسهل من استعادة قلب رجل لا يريد لقلبه ان يعود..

في اليوم الثامن كانت شيرين تقترح على الاسرة نزهة مشتركة مع اسرتها ..

و لاقى الاقتراح استحسان الكل عدا تامر طبعا لكنه لم يظهر رفضه بل ابدى حماسة مصطنعة اقنعتهم بانه سعيد جدا بالنزهة تلك ..

اقترحت شيرين عمدا بالطبع احد تلك الأماكن التي كان تامر يذهب اليها بصحبتها عادة ابان كانا حبيبين ..

و لم تلاحظ اية تعبيرات على وجه تامر .. مجرد مكان لا يعرف عنه خبرا ..

و بضجة كبيرة غادرت العائلة المنزل متجهة الى الحدائق التي حددتها شيرين على ان يلتقوا باهلها هناك ..

ثم وصلت السيارات الى المكان في نفس الوقت الذي وصلت به اسرة شيرين .. و تبادل الكل التحيات الحارة ثم اقتحموا المكان كجيش التتار داخلا بغداد ..

- يتبع-
 
  • عجبني
التفاعلات: GHOST•
✰ الجزء الثالث عشر✰
____________________________________________

سرعان ما انتشرت العائلتان كيفما اتفق في المكان الواسع ..

طبعا كان واجبا ان يذهب العروسان وحدهما ليتمتعا بجمال الطبيعة كما العشاق حتى يحين موعد الغداء ..


و سارت شيرين بتمهل فسار تامر بجانبها بتلقائية ..

حقيقة لم تكن شيرين تسير عشوائيا بل كانت تتجه الى ركن كانت لها فيه اجمل الاوقات مع تامر ..

و وصلا الى خميلة جميلة تحوي طاولة و مقعدين ..

كانت قد حجزتهما مقدما صباح امس لهذا اليوم ..

و اشارت اليهما قائلة : تعال نجلس هناك .

نظر تامر الى الطاولة و هز رأسه بصمت و جلس الى مقعد منهما و ترك الاخر لشيرين ..


جلست شيرين بهدوء مريب ..

ثم اشارت للنادل و طلبت منه عصيرا و سألت تامر بنصف ابتسامة عما يحب ان يشرب فطلب عصيرا اخر ..

و انصرف النادل يحضر الطلب ..

تنهدت شيرين و نظرت الى يمينها تتأمل المساحات الخضراء من حولها و الناس يمرحون و ******* يلعبون .. و هبت نسمة رقيقة حركت شعرها الذهبي الناعم حول وجهها الفاتن .. و كانت نظراتها السارحة تسحق الصخر ..

لن يقدر تامر ان ينكر يوما ان ذاك المنظر كان من اجمل المناظر التي هزت كيانه هزا و اطارت ثلاثة ارباع صوابه ..

لكنه مع ذلك ( كما قالت شيرين لاحقا وهي تضحك ) بقي كحمار عنيد يقف وسط الشارع لا يهتم بجرٍ او بوخز ولا ضرب ..!!

و افاقت شيرن من سرحانها على صوت تامر يقول : فيم تفكرين؟

ابتسمت نصف ابتسامة مريرة و قالت : كنت احسد هؤلاء على عيشتهم.

و عادت تنظر الى الناس متابعة : قد لا يملكون المال ولا الجمال .. قد يكونوا اتوا الى هنا مشيا من بعيد .. قد لا يملك احدهم ثمن بلونة صغيرة لولده .. لكنهم يضحكون .. سعداء .. كل همهم ان ينالوا اكبر قدر من السعادة و ينصرفوا للمنزل ضاحكين متنشين رغم ان يومهم قد يكون صعبا و غدهم اصعب من امسهم .

قال تامر ببرود : وما الذي يمنعك من الضحك مثلهم و المرح و الى اخر هذا الموشح السامي؟..

التفتت اليه قائلة بحدة : انت .

رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة و قال: اه ..انا؟.. و كيف ذلك؟ ..لا اذكر انني منعتك او حرمتك من شيء .

زمت شفتيها و اشاحت بوجهها قائلة : ادرك انك فاقد للذاكرة .. لكنك لا تريد استعادتها .. اتدري لماذا ؟.. لأنك تخشى ان تكتشف انك لم تكن يوما تحب ميساء .. بل لانك كنت تحب غيرها .

اربد وجه تامر و قال ضاغطا اسنانه : اياك ان تذكري ميساء بسوء .

قالت بحدة وهي ترميه بنظرة نارية : لا تنس انها كانت اعز صديقاتي .

قال : كانت .

قالت : و انت " كانت" زوجتك.

قال : وما زلت وفيا لذكراها .

قالت: لست الوحيد في ذلك .

اجاب: لو كنت كذلك لما تزوجت زوجها.

قالت: لو كنت انت كذلك لما تزوجت بعدها .

قال بمرارة : كنت مجبرا.

قالت بسخرية مريرة : اذا كنت رجلا و اجبروك فما تقول فتاة مثلي؟ .

صمت تامر بوجه محمر .

فتابعت: اعترف لك انني كان يمكنني الرفض و لا يهمني لو القوني للكلاب لتأكلني بعدها .. لكني اقدر فقدانك لذاكرتك و انك لا تدري ما اكون انا في حياتك .. لذا قبلت على امل اعادة الذاكرة لك يوما ما .

قال بحنق: عم تتحدثين؟

قالت : اتحدث عن حبنا يا تامر ... كنت تحبني انا لا ميساء .

قال بحدة : هل جننت؟ لم و لن احب يوما غير ميساء .. هل سمعت؟ .. ميساء فقط .

ضحكت بمرارة و قالت: ميساء؟ ..

و عادت تضحك ثم تابعت : الا تذكر حقا ماذا كنت تقول عنها ؟ ..

و قامت بتقليده بحركة مسرحية ساخرة : هه.. ميساء؟ انها مجرد فتاة تظن انها يوما ستصير من كبار الشخصيات .

و تابعت قائلة له بتحد : لم تكن تراها اكثر من مجرد قريبة لك .

قال : مستحيل .. انت تهذين .. او انك تحاولين لعبة غبية تريدين بها ان تأخذي مكان ميساء .. و انا اقول لك وفري على نفسك العناء .. هذا لن ينجح معي ابدا .

و نهض قائلا : لو عشت الف عام معي فلن احبك كميساء .. هل هذا واضح ؟

نظرت اليه بغضب صامت ثم قالت بهدوء : اجلس و لا تتصرف بحماقة كما ******* .. الكل ينظر الينا .

جلس زافرا بحنق ..

و ساد الصمت بينهما فترة ثم قالت شيرين : لماذا ترفض ان نساعدك على التذكر؟

قال: و من انتم؟ انت و اسرتك؟

قالت : و اسرتك أيضا ..و اصدقائك .. الكل .

قال بسخرية : هكذا؟ يا للزمن .. تامر صانع المؤامرات يتآمر عليه اهله و اصدقاؤه.

قالت : يا للسخافة.. عن أي مؤامرة تتحدث؟ الكل يحاول اعادة ذاكرتك فتقول مؤامرة؟ ..

قال بحدة: لست بحاجة لمساعدة احد .

قالت بحدة مماثلة : بل انت ترفض المساعدة لكي لا تصحو من حلم زائف اسمه ميساء .

قال بثورة : شيرين .. احذري .. لا اريد اذاك .. لا تنطقي اسم ميساء على لسانك او ..

قالت بتحد : او ماذا؟ هل ستضربني؟ هل ستقطع لساني؟ لا بأس .. لكني اتحداك ان تثبت ولو لنفسك انني على خطأ .

نظر اليها بصمت لم تستشف منه ما يفكر فيه ..

ثم قال : هيا نعد للعائلتين السعيدتين .

و في تلك اللحظة اتى فادي لكي يدعوهما لتناول الغداء ..

لم يكن تامر طبعا ولا اهله يعرفون بما حصل من محاولة فادي قتل تامر ..
لقد تمكن الكبار من كتمان الامر تماما ..

ثم نهضت شيرين و سارت مع تامر و هي تبذل جهدا كبيرا لكي تخفي توترها وراء ابتسامة من نوع ما و هي تسير على مهلها لكي تكسب بعض الوقت ..

و وصل تامر و ميساء الى مكان الاسرتين و جلسا معهم يتناولون الطعام ..

لم يكن حالهما خافيا على اغلب الكبار و ان خدع الجيل الشاب و الصغير ..

كان الكبار يدركون ان الامور ليست على ما يرام بينهما ..

لكن احدا لم يحاول التدخل ..

ما زال امام التجربة شهر كامل يخلق **** به مالا يعلمون ..

و راحت شيرين تسكب الطعام لزوجها بصمت محاولة التشاغل بالعمل عن نظرات المحيطين او أي شيء قد يفجر توترها من جديد ..

ما الذي دفعها للموافقة على امر كهذا ؟..

الحب؟..

الامل؟..

التحدي؟..

الاهل؟..

انى كان السبب و مهما كانت الدوافع ما كان عليها ان تضع نفسها في موقف كهذا .. نصف زوجة و نصف ممرضة ..

و تشاغلت بالاكل مفكرة فيما ال اليه حالها ..

ان بقيت الامور هكذا فستعاني حتى النخاع و اخر الامر سيطلقها تامر ..

ماذا لو عرف الكل انها لا زالت عذراء؟..

لا شك ان الامر سيكون محرجا للعروسين و خصوصا تامر ..

لكن من ناحية اخرى الامر في صالح شيرين لو تطلقت .. ستبقى بنتا ..

و عندما وصلت الى هذه النقطة شعرت بالغيظ لتفكيرها هذا ..

هل ستتراجع ؟..

هل ستسلم بالامر الواقع؟..

هل ستترك حبها الاول و الاخير للضياع؟..

لا .. لن تفعل حتى تيأس فعلا ..

و ستبقى تحاول بكل الطرق حتى يقضي **** امرا كان مفعولا .

و لكن ..

عليها ان تبتكر اسلوبا جديدا..

و ربما اكثر من اسلوب..

لكن في النهاية يجب ان تخرج بنتيجة ما ..

كانت شيرين و الحق يقال لا زالت صغيرة على سنن الحياة و لم تعرف مكر النساء لذا لم تأت محاولاتها بنتيجة تذكر ..

عشرات المرات حدثت عن ماضيهما ..

ذكرته بمواقف .. ذكرت له مناسبات..

لكن بلا فائدة..

كانت ذاكرة تامر اشد عنادا من أي شيء عرفته ..

و كان ما يزيد الامر سوءا انه متيقن ان كل محاولات شيرين تهدف لميراث ميساء العاطفي و الاجتماعي ..

و هذا بالذات جعله غير متعاون ابدا بشأن محاولات شيرين لتذكيره بها ..

و كاد اليأس يعصف بها ..

كانت متعبة الفكر مجهدة العواطف ..

و قررت في نفسها ترك تامر حتى يتذكر لوحده او تحصل معجزة تكسر الجليد من حول عقله او الى حين ان تجد طريقة جديدة ..

فقد استنفذت كل حيلها لتذكيره ..

ابتسم تامر و هو يغوص في ذكرياته اكثر و اكثر حتى لم يعد يحس بمن حوله و هو يتأمل حركة الاسماك و تدحرج بعض الحصى عبر الجدول الرقراق ..

كانت شيرين ذكية و تتصرف بذكاء ..

لكن اعادة ذاكرة تامر له كانت تحتاج الى ما هو اكثر من الذكاء وحده ..
تحتاج لمعجزة ..

و المعجزات لا تباع في الاسواق للاسف ..

لكنها كانت من النوع العنيد من النساء الاتي يكرهن الهزيمة خصوصا امام رجل ..

استمرت محاولات شيرين اشهرا

و كانت و الحق يقال لا تترك فرصة دون محاولة ..

و لكن مع ذلك لم تحصل على نتيجة تذكر ..

كان تامر يبتعد كلما اقتربت .

و فكرت انه ربما كان لمحاولاتها اثر عكسي .. القطط تهرب من يطلبها .. لكن من لا يطلبها تطارده و لا تنفك عنه .. ربما كان هذا حال ذاكرة تامر .. و تامر نفسه ..

و قررت ترك الامر للايام ..

يوما ما ستعود المياة لمجراها و يستعيد ذاكرته ..

و توقفت شيرين عن المحاولات ..

كان قد مضى على زواجهما عندما توقفت عام كامل ..

عام كان تامر يقف فيه موقف المدافع الحذر عن حلم جميل اسمه ميساء ..

و لم يحاول انهاء ( تجربة الزواج ) كما كان مقررا ..

فقد نسي او تناسى امر الزواج المؤقت كما كان يردد لنفسه دوما ...

ربما كان لا يريد في مكان ما من عقله ان يترك هذه الغادة تذهب لغيره ..

و في المكان المقابل كانت ميساء تقف متحفزة متنمرة ..

و هكذا عاش حالة وسطية ما بين شيرين و ميساء ..

فلا هو قادر على نسيان ميساء ولا على ترك شيرين ..

و حين سالت طبيب تامر الذي عالجه سابقا من اصاباته قال : من المفروض ان يكون تامر قد استعاد الجزء الاعظم من ذاكرته .. هناك نوعان من هذه الحالة .. النوع الاول يستعيد ذاكرته تدريجيا بحيث يتذكر الامور تراكميا حتى يصل الى الحالة الاصلية و نوع اخر تتراكم الذكريات تحت مانع نفسي او بيولوجي و تحت ضغط العقل ينهار المانع دفعة واحدة فتعود الذاكرة بغتة .. و انا اؤكد لك انه لا مانع بيولوجي لدى تامر .

سألته باهتمام : اذن ؟ ..

قال ببساطة : لا شيء ..

قالت : لقد طال الامر ..

قال : ليس كثيرا ..

قالت بنفاد صبر : ماذا افعل ؟

قال متعاطفا : اصبري فقط .

لكن صبر شيرين كان قد ذاب حتى اخر قطرة فنفضت الامر من يدها و قبلت عيشتها .. يكفي انها تعيش في ظل من احبت حتى لو كرهها .. و ان ضاق الامر بها ستعود محطمة الفؤاد لبيت والدها و تعزل نفسها عن جنس ادم عدا اهلها فقط .

لكن ستكون تلك الخطوة فقط في حال اليأس التام و بقاء حياتها عذابا مع تامر ..

سألت الطبيب قبل ان تغادر : كيف سيكون اذا ما تذكر يوما؟.

قال مبتسما : سيكون كمن استيقظ من النوم فجأة .

في تلك الاونة كان عقل تامر كمحيط يعاني من سلسلة اعاصير تجعل مياهه تفور و تضطرب بلا رحمة ..

كانت الافكار تلح بقوة على ذهنه الكثير من الامور ..

الشعر الاشقر ..

العيون الزرقاء ..

اسم فادي ..

التفرع المتصل بالشارع ..

اللعبة في غرفته ..

الاماكن التي زارها ..

و ما يربك عقله انها كلها تنطبق على شيرين ..
كلها ..
عدا اللعبة فهو لا يذكر عنها امرا ..

علل الامر بان التطابق متعلق بكونها صديقة ميساء ..

لكن لماذا يرفض جزء من عقله التفسير ؟ ..

يرفض الرفض هذا لأنه لم يجد له بديلا ..

و شيرين تقدم نفسها كبديل و تقول انه احبها هي لا ميساء ..

يذكر انه لا يذكر كيف تزوج ميساء و كيف كانت ميساء متضايقة منه ..

ولا يذكر عن فترة ما قبل زواجه من ميساء .

و انه علل زواجه منها انه احبها فجأة بعد ان كانا صديقين عزيزن لا محبين ..

أي انه هو من علل الامور و اقنع نفسه بالقوة بها ..

هل شيرين صادقة فيما قالت؟ ..

لماذا اذن لم يخبره اهله بالامر وقتها؟..

لماذا منعوا عنه المرور في التفرع و لم يحدثوه عن شيرين ؟ ..

لا يدري ..
حقا لا يدري ..

ربما هي تشابكات المصالح بين العائلات ..

لكن حتى هذا يبقى كله احتمالات ..

ترى لو كان يحب ميساء حبا عميقا كالذي وجده في قلبه بلا اسم هل كان يرضى للحظة لن يبتسم لواحدة غيرها؟ ..

لماذا اذن قبل الزواج من شيرين ؟ ..

عشرات الاسئلة يزدحم بها عقله ولا يجد لها جوابا..

اذن ليترك للزمن البت في هذه القضية ..

و الى ذاك الحين سيبقى الحال على ما هو ..

رغم ان شيرين يئست من اعادة ذاكرة تامر الا انها بقيت وفية للماضي فكانت تذهب الى الاماكن التي كانا يرتادانها قديما كلما سنحت الفرصة ..

كانت تجد المواساة في اشباح الماضي ..

كان تامر يرقبها عن قرب .. جمالها آسر رهيب ..

شعرها المصنوع من الذهب و عيونها المأخوذة من جُمان الجان لا يمكن ان يتكررا في نسل حواء مرة اخرى .. وجهها الفاتن تحفة من ابداع الخالق .. يعترف انها اجمل من ميساء كثيرا .. اجمل من اجمل جميلات الكون ..

لكنه متمسك بوفائه لميساء ..

ترى لماذا اوصت ميساء ان يتزوجها هي بالذات؟ ..

لاجل اطفاله؟..

هناك كثيرات من اقاربه من يمكن ان يقمن بالواجب و اكثر تجاه اولاده ..

ابنه و بناته سعيدات جدا بشيرين .. حتى والداه كذلك ..

لماذا لا يريد هو ان يسعد بها؟ ..

الى متى سيقتله الحزن على ميساء ؟..

هل سيدمر حياة اسرته الصغيرة من اجل الذكرى؟..

و ضبط نفسه متلبسا بافكاره هذه فقطب حاجبيه محاولا ان يغضب لكنه فشل و ان شعر بنوع من الخزي كمن يخون عزيزا على قلبه ..

و تنهد تاركا الحيرة تجثم على انفاسه ..

كان ذاك اليوم يبدو كأي يوم اخر من ايام الصيف عندما كان تامر و شيرين يجلسان الى طاولة انيقة قرب جدول رقراق تحت ظل سنديانة وارفة الظلال و نسمة رائعة تداعب شعر شيرين السارحة في عالم اخر لا يدري عنه تامر شيئا ..

كان هو صامتا يتأمل جمالها الخارق و عيونها السارحة و شعرها الذي يداعبه الهواء العليل برقة تضفي عليها رونقا لا يضاهى ..

و طال الصمت بينهما اكثر من اللازم ..

و شعر تامر انه مقصر بحقها ..

مهما كان الامر فهي زوجته و لها حقوق عليه حتى لو كان مخلصا لغيرها ..

ما ذنبها لكي يجافيها هكذا؟ ..

ربما كانت تدعي انه كان يحبها هي من قبل لكي يهتم بها عوضا عن اهتمامه بغيرها .. غيرة الزوجات .. لا توجد زوجة في الدنيا تحب ان يهتم زوجها بغيرها و ستحاول جذب اهتمامه بكل السبل مهما كانت ..

و هذا حقها الشرعي و الطبيعي ..

و اراد التخفيف عنها فاشار للنادل ..

و اقترب الاخير مرتبكا ..

من ذا الذي لا يرتبك امام فاتنة كشيرين ؟ ..


طلب طعاما و عصيرا و سأل شيرين عما تحب فقالت بشرود : عصير الاناناس .

و نظرت منتبهة الى تامر و قالت بخجل : انه المفضل لدي بين العصائر.


انصرف النادل متعثرا فقالت باستغراب : يبدو انه مستجد هنا .

ابتسم تامر و لم يجب .. فالنادل المسكين اصابته عيون شيرين بالدوار .. فكيف له ان يحتمل سحر نظراتها ؟.. لن يستغرب تامر ان يحضر النادل بدل طبق شيرين شيئا اخر لا علاقة له بالطعام .. كأن يضع في صينية الطعام هاتف المدير او اسطوانة الغاز و يملحها لها ..

و ...

مهلا ..

اين تكرر هذا الموقف؟..

اين ..؟ ..

يشعر بدوامة تدور في رأسه تشعره بخدر و ضغط ما في عقله دون صداع ..

و راح يعتصر ذهنه بقوة ..

اين رأى هذا الموقف ..؟

اين سمع هذا الكلام ..؟

اين ؟..
اين ؟..

مهلا .. ها هي الذكرى تتماثل اما عينيه ..

لقد كان الموقف مع شيرين .. اجل شيرين .. و كان قد اخذها من محل تجاري بسيارته و ضحكا كثيرا على الطريق و حصل على مخالفة بسبب شقاوتها ثم جاءا الى هنا و ..

يا لله ..

اهذا معقول ؟ ..

هل يمكن هذا؟ ..

شيرين .. يا حشاشة القلب ..

اذن فقد كنت انت .. انت فقط ..

لكم ظلمتك و ظلمت نفسي و ظلمت ميساء ..

و تمالك تامر نفسه و هو يسترجع الذكريات التي تنهال على عقله كشلال متدفق نتج عن سد كبير انهار فجاة مطلقا كل ما يحجزه من ماء ..

و شعر برجفة تجتاحه ..

احقا ما يحدث ..؟ ..

احقا ما حدث؟ ..

كان شريط الاحداث يمر عبر ذهنه بسرعة لا ترحم حتى شعر انه لو وقف فسيسقط على الارض .. لذا تشبث بمقعده كمن يركب قطارا مجنونا بلا حزام امان ..

و تمالك نفسه قبل ان تلاحظ شيرين شيئا ..

و في تلك اللحظة وصل النادل محضرا ما طلباه .. ثم انصرف متعثرا ..

و تناولت شيرين كوبها و راحت ترتشف منه بشرود ..

اه لحورية ترتشف من رحيق الارض ..

عينان كبحرين من ضياع ..

شفتان رقيقتان كسحر بلاد الجان ..

شعر كحقول ذهب في بلاد ليست على وجه الارض ..

وجه تركع امامه فينوس و كليوباترا ..

برائة تضيع امامها طفولة التاريخ كلها ..

اه .. لقد عاد النبض يزلزل قلبه الحزين ..

لا يزال طيف ميساء يدك جدران قلبه فينزف انهارا من الم ..

لا يزال قادرا على البكاء عليها الاف السنين ..

اجل قد تذكر ..

عادت شيرين الى قلبه..

لكن لم تزل ميساء من وجدانه ..

و هذا ما منعه من ان يشعر شيرين انه تذكرها .. كذلك لكي يلملم اطراف عقله و يعرف ما سيفعل فقد يكون للامر ردة فعل عكسية على شيرين ..

لقد تذكر الان قصة اللعبة المركونة في غرفته..

و الشعر الاشقر ..

العيون الزرقاء ..

فادي ..

التفرع ..

كل شيء ..

لكن .. هل تذكر بعد فوات الاوان ..؟ ..

و عندما شعر بالاضطراب من فيض افكاره و ذكرياته نهض من مكانه و قال لشيرين برقة لم تعهدها منذ زواجهما : هل يمكن ان نعود للمنزل ؟ اشعر ببعض التعب المفاجئ .

نهضت بصمت دون ان تكمل كأسها و ترك تامر ورقة نقدية كبيرة الفئة كالعادة على الطاولة و سار صامتا الى سيارته و احتل مقعد القيادة و شيرين تجلس بجواره شاردة النظرات حزينة الملامح ..

و انطلق تامر في الشوارع صامتا يحاول جهده ان يكون طبيعيا ..
أي كما كان بعد فقدانه الذاكرة و زواجه من شيرين ..

كان و الحق يقال يموج بالفرحة لأن حب حياته صارت زوجته ..

لكنه في نفس الوقت لا يريد لها ان تصاب بصدمة ما فيما لو عرفت انه عاد لذاكرته و بالتالي تصاب بصدمة ما ..

او ربما كان يخشى ان تحدث ردة فعل كأن تتركه لقاء ما عاملها به سابقا ..

و هذا كثر ما يخيفه ..

ان تحمّله مسؤولية تصرفاته السابقة تجاهها لو عرفت انه تذكر كل شيء ..

كل شيء وارد ..

كان حائرا لا يدري ماذا يفعل..

و ليست شيرين وحدها ..

اسرته كذلك يجب ان لا تدري حاليا ..

يجب ان يرتب للامر جيدا قبل الاعلان عن شفاءه ..

و كان طوال الطريق يفكر في طريقة ليفعل هذا به .. لكنه لم يجد ..

اجل لم يجد ..

كان يدرك انها و من حوله سيدركون الامر عاجلا ام اجلا لأن تصرفاته ستختلف .. لن يطاوعه قلبه من الان فصاعدا عى جفاء شيرين ولو اجتهد ..

و وصلا الى المنزل بصمت كالمعتاد ..

ثم دخلا الى الحديقة حيث وجدا الاسرة تجلس هناك فشاركاهما الجلسة ..

كانت شيرين تفكر دوما في طرق جديدة لمساعدة تامر على التذكر ..

لكنها كانت حقا قد استنفذت صبرها و حيلها ..

و بدأت فكرة تجد طريقها الى عقلها ..

ان لم يفلح الامر فلن يبقى الا سبيل واحد تتمنى ان لا تضطر اليه ..

لن تترك نفسها هكذا ابدا .. ابدا ..

و مضت ايام طويلة اخرى و شيرين تبذل جهدها ..
حتى اتى يوم استنفذت فيه اخر ما لديها بحق ..

و وجدت انها امام الخيار الصعب ..


- يتبع-
 
  • عجبني
التفاعلات: GHOST•
✰ الجزء الرابع عشر ✰
____________________________________________

ذات صباح جميل كانت شيرين تجلس مع تامر في عين المنتزه الذي كان قد شهد اجمل لحظات حبهما ..
و كانت تتخذ قرارها ..

كانت حزينة العينين و هي تقول لتامر : الى متى يا تامر ؟

تظاهر بانه لا يعرف ما تقصد فقال : ماذا تعنين؟

قالت : الى متى ستبقى معلقا بطيف ميساء و تتجاهلني؟

قال: و بماذا يضيرك طيف ميساء؟

قالت : يضيرني انني اعيش كظل كريه في حياتك .

قال : الم تحصلي على كل حقوقك؟

قالت بألم : و ماذا عن قلبك ؟

قال: قلبي ليس ملكي و ليس بيدي ان احركه .

قالت بحزن اكبر : اذن لا مناص .

قال: ماذا يعني كلامك؟

قالت : الطلاق .. طلقني يا تامر .

صمت مبهوتا ثم قال : اطلقك؟ لماذا؟

قالت بنصف ابتسامة شاحبة: لقد فشلت التجربة يا تامر .

قال مبهوتا : اي تجربة؟

قالت : وصية ميساء .. اعرف انك تزوجتني تنفيذا لوصيتها .. و انك قررت وقتها ان تتركني اذا لم تنجح الامور .. وانا اقول لك طلقني فالامور لم و لن تنجح .. لقد اثبت وجه نظرك .. اهنئك .. انت زوج مخلص جدا .. لها .

صمت متفاجئا ..

لم يكن الامر بحسابه ..

الطلاق؟

كيف له ان يطيق البعد عنها مجددا ؟

كيف له ان يبتعد عن روحه ؟

يجب ان يجد حلا ..

يجب ان يكسب الوقت لكي يفكر في حل ما ..


قال لها : دعك من هذا الكلام الان .. هذا ليس وقته؟

قالت بسخرية مريرة : وقت ماذا اذن ؟ وقت العشاء؟

قال : الامر مبكر جدا على اتخاذ قرار كهذا .

قالت : بل هو وقته يا تامر .. فقد مللت هذه الحياة .. لا تدفعني للفرار منك او فعل ما هو اسوأ يا تامر.

قال تامر بقلق : الفرار؟

قالت بتحد: او ما هو اسوأ.

قال : و ما هو الاسوأ؟

قالت : ان اقتل نفسي ..

صمت مبهوتا فتابعت : الموت صار يشبه حياتي هذه .. لكن صدقني سيكون اكثر راحة لي بعد فترة وجيزة .

قال تامر بالم : الن تمنحينني بعض الوقت ؟

قالت بحزم : ثلاثة ايام لا اكثر يا تامر .. الطلاق او نسيان ميساء .

قال بمرارة : اكذب لو قلت انني سأنسى ميساء .

قالت : و انا اكذب لو قلت لك انني سأتراجع عن قراري .

هز رأسه و قال: لا بأس .. في ثلاثة ايام يخلق **** ما لا نعلم .

قالت حزينة : انت وشأنك يا تامر ..انا لم اعد احتمل .. حقا لم اعد احتمل .

و نظر تامر في عيون شيرين .

كان يحس انها تعني ما تقول .. بل و مصرة عليه ..

ولا يلومها ..

اجل لا يلومها ..

لا يوجد على حد علمه فتاة بمثل جمال و عمر و غنى شيرين ترضى ان تعيش وضعا شبه مذل كهذا الا اذا كانت تحب .. بقوة تحب ..

و هذا الحب هو من دفعها لطلب الطلاق لكي لا تكره تامر يوما ..

يفعل تامر المستحيل لكي لا يخسرها ..

يدفع عمره كله تحت انامل قدميها ..

لكن يحز في نفسه ان يتنكر لذكرى ميساء التي لم يجد منها الا كل وفاء و رقة و حب ..

يحز في نفسه ان ينبذها كخادمة استغنى عنها لمجرد انه اكتشف انها لم تكن هي حبيبته التي فقد ذكراها مع الحادث ..

كان ممزقا ما بين قلبه و واجبه و انسانيته ..

قد تمضي ثلاثة الاف عام لا ثلاثة ايام ولا يجد للمشكلة حلا ..

لكنه لن يخسر شيرين ..

و لن ينسى ميساء ..

لكن ما العمل ؟

يحتاج للمشورة .. و المشكلة انه لا يمكنه الان طلب المشورة قبل ان يرتب الامور في ذهنه الذي لا يزال مشوشا جدا ..

و تنهد باستسلام ..

سيفكر في هذه الايام الثلاث في حل ..

كانت تدرك انه يعاني صراعا داخليا ..

لكنها لم تعد تحتمل اكثر ..

يجب ان تعيش حياة مستقرة لا كظل لزوجة متوفاة حتى لو كانت تلك الزوجة ميساء اعز صديقة لها في كل عمرها و التي طعنها موتها في صميم قلبها ..

و لما طال صمت تامر قالت له : فكر جيدا يا تامر .. فالفرصة تأتي مرة واحدة فقط .. و اقسم لك انني جادة فيما قلت .

و نظرت حولها و تابعت : هذه الايام الثلاث لك .. و ما بعدها لي .

قال : اذن عليك خلال هذه الايام الثلاث ان لا ترفضي لي طلبا مهما كان .. من يدري؟ فربما كان اخر عهدنا معا .

قالت: لك هذا .

ابتسم و قال: اذن لا تحدثيني في الموضوع حتى اخر دقيقة من الايام الثلاث .. أي حتى ثلاثة ايام في مثل هذه الساعة ..

نظرت الى ساعتها بنظرة خاطفة و هي تقول : لا بأس .. لن افعل .

قال : اذن لنتمتع بالساعات تلك حتى يحكم **** ما يريد .

صمتت ناظرة اليه .. تامر يقول هذا؟ ما الذي جرى؟ كانه لا يريد فراقها .. ربما احبها من جديد .. من يدري؟

لكن لن يغير هذا في الامر شيئا ..

ستبتعد عنه حتى يعود لذاكرته ..

حتى لو اقتضى الامر سنوات طوال ..

كان كمن ينتظر حكما بالاعدام و لا يجد مفرا من سيف الجلاد ..

الطلاق..

هل يمكن ان ينطقها؟

هل يمكن ان يتخلى عن شيرين بعد كل ذلك الحب ؟

مستحيل..

سيبحث عن حل مهما كلف الامر ..

و مضى اليوم سريعا لا يدري كيف لكنه وجد نفسه يعود مساء بالسيارة مع شيرين و يناما ككل يوم ..

و في اليوم التالي خرج وحده يجتر ذكرياته محاولا ايجاد حل ما لمعضلته ..

و ها هو يقف امام الجدول الرقراق يسرح في ذكرياته منذ تعرف الى شيرين و حتى هذه اللحظة ..

و ها هو النهار الثاني يبدأ مشوار الرحيل دون ان يتوصل الى حل .. لكنه على الاقل استعاد ذاكرته عبر تذكر ما حصل .. وهو امر جيد ..

ولكن ..

لم يعد لديه الكثير من الوقت ..

ماذا يفعل لكي يحتفظ بشيرين دون ان يخون ذكرى ميساء؟

لا يدري ..

ان الحيرة لأشد من وقع الحسام على ذهنه ..

يخاف من الغد كانه مقبل على الموت او امر جلل يهز اركان نفسه ..

حقا ان وقوع البلاء اشد من انتظاره الف مرة ..

إذا سيكون عليه ان يختار ما بين شيرين و ميساء ..

كان يظن يوما ان الخيار سهل يوم ان وافق على زواجه من ميساء ..
لكنه كان مخطئا ..

اه لقلب انشق على نفسه لا يدري ما يصنع ..

ما اصعب الخيار ولا خيار امامه ..

انه كمن خيروه بين احد ذراعيه او احدى عينيه ايهما يريد و ايهما ينبذ؟

لم يخبر احدا حتى الان بما حصل..

كان صراع العائلات قد تجدد بعد وفاة ميساء .. و راحت عائلتها و عائلته يطاردون رجال الونش و المفك و هؤلاء يطاردونهم بدورهم و كل يريد الانتقام لموت قريبه .. و اخر ما حصل هجوم الشاطئ الذي نجى منه باعجوبة بعد استعادة ذاكرته التي لم يعلم احد من اهله بعد بها ..

شيرين لا يكاد يراها اغلب الاحيان الا عندما يخرجان او يمثلان حياة زوجية هانئة لا وجود لها تقريبا الا في خيال الاهل ..

و ها هو الان يوضع في موقف لا يحسد عليه ابدا ..

و رفع نظره الى الشمس التي تكاد تبدأ مرحلة الوداع ليوم من ايام الدنيا و تستقبل ليلا من ليالي المدن الذي لا يفترق عن نهارها ..

لكن الليل اجمل من النهار في اغلب الاحيان ..

لا عمل ..

سهر ..

احتفالات ..

اضواء رومنسية و صاخبة ..

سهرات هادئة ..

خلوة بالنفس ..

انه الليل ..
للعاشقين يكون جميلا و للخائفين يكون مرعبا ..

و مضت الساعات و هو يتقلب ما بين الذكريات و التفكير بلا نتيجة ترجى حتى اعلنت الساعة انتصاف الليل ..

و وجد سيارة من سيارات رجال مراد تقف غير بعيد عن مكانه و حولها اربعة رجال متحفزين ينظرون في كل جهة و ينظرون نحوه بصمت ..

لا شك ان مراد ارسلهم خلفه للحراسة و ارجاعه للبيت ..


تنهد بيأس و سار نحوهم بصمت و ركب السيارة دون كلمة واحدة ..

و اسرع الرجال يركبون السيارة و ينطلقون بها عائدين للمنزل ..

ليس آمنا التجول في الليل في مدينة يدميها الثأر ..

و وصل تامر لمنزل الاسرة واجما صامتا غارقا في بحر اسود كبير من اليأس المفرط ..

طبعا من فضول القول ان نقول انه لم يستطع النوم تلك الليلة ..

و في الصباح كان في حال لا تسر صديقا ولا عدوا ..

كان يجلس وحده على الاريكة الكبيرة في الصالة الشاسعة ساهما يتأمل باقة ورد كبيرة على الطاولة الكبيرة امامه ..

و وقعت عيناه على بيوت الكللابب المنتشرة في ارجاء الحديقة و داخل الفيلا بغية الحراسة و هي كلاب مدربة جيدا لا يمكن ان تهاجم فردا من الاسرة كبيرا او صغيرا بعكس أي غريب لا يرافقه احد افراد الاسرة او الحرس ..

هذه الكللابب منها الجديد و منها القديم ..


الكللابب القديمة تتجول بحرية في الفيلا بدون قيود فهي تعرف كل فرد في الاسرة حتى ******* و الجديدة تربط احتياطيا لحين ان تندمج جيدا مع الوضع و عادة لا يطول بها الامر حتى تنضم للفئة الخاصة من كلاب الحراسة العتيدة ..

يبلغ ثمن الكلب الواحد منها ثمن سيارة صغيرة ..

و بعضها يفوق ثمنه ثمن سيارة متوسطة ..

و نفض رأسه ..

ما هذا؟

ماله و لكلاب الحراسة ليفكر بها؟

لماذا لا يفكر في ما هو مقبل عليه ؟

هذا يومه الثالث و الاخير و بعدها ربما فقد شيرين للابد ..

اه ما اقسى العجز للانسان ..

ما اسوأ ان تحكمك ظروف انت ساهمت بها ..

لكن ..

لا مجال للبكاء على ماض مسكوب ..

عليه ان يتصرف ولو بجنون ..

و قطع افكاره خروج شيرين من المنزل الى الحديقة ..

لم تنتبه الى تامر فقد كانت ساهمة تنظر الى الارض كمن يتربع على كتفيها جبل صوان يمنعها من مجرد القدرة على رفع بصرها ..

اه يا حبيبة القلب ..

روحي فداك ..

موتي دون حزنك ..


نهض تامر من مكانه و اتجه الى حيث وقفت شيرين تنظر بشرود عجيب الى مياه بركة دائرية انيقة جدا تتوسطها نافورة ذهبية مزخرفة عالية و يسبح بها سمك ملون جميل ..

و عندما وصلها قالت دون ان ترفع نظرها : مسكين هذا السمك .. اسير دائرة قاسية الجدران .. ان بقي فهو فاقد لمصيره و ان قفز خارجا مات .

قال : لكنه هنا امن من مخاطر البحر الواسع المتوحش .

قالت : لكنه ليس امنا من مخاطر المنزل الانيق اللطيف.

قال : هذا لو لم نكن نحميه .

قالت: لن تكون عنده كل الاوقات .. ما يهمك هو جمال منظره و ان نفق تستبدله بغيره غير ماسوف عليه .

قال : ليس تماما .. فنحن نهتم جدا بما نحب .

قالت : حتى حين .

قال: بل كل حين .

صمتت ثم قالت : كل يرى العالم من عيونه هو لا من عيون غيره .

قال : يمكن ان نرى العالم بعيون الغير اذا ما تشابهت افكارنا.

قالت : لا يمكن ان تتشابه الافكار تماما .. بل الى حد معين .

قال: وهو حد يكاد يصل الكمال .

قالت : هذا هو المحال.

صمت تامر .. النقاش هكذا لا طائل من وراءه ..

قال : ما رأيك ان نخرج في نزهة ..؟

قالت : لست راغبة في التنزه .

قال: ارجوك .. قد يكون هذا يومنا الاخير وانا لا اريد ان امضيه حبيس المنزل .. فانا لم اجد حلا للان لمسألة ميساء .

قالت: اعرف هذا .. و انا لا زلت عند كلمتي .. سأكون تحت امرك حتى الغد .

قال : اذن ..؟

قالت متنهدة : حسنا .. سأبدل ثيابي و انزل اليك .

و نظرت من اعلى لاسفل اليه قائلة : اقترح ان تبدل ثيابك فانت تبدو كمن خرج للتو من منجم فحم .

و تركته و دخلت الفيلا ..

لا تزال شقية رغم كل شيء .. هكذا فكر تامر و هو يبحث في ثيابه عن شيء غير لائق دون ان يجد ما يريب ..

و بعد نحو نصف ساعة كان كلاهما يخرج من الفيلا كأجمل ما يكون منظرا و قد امسك هو بيدها ..

كانت تعتقد ان كل هذا كنوع من الاعتذار عن الايام التي عاشتها مشتتة معه او كوداع يفترض ان يكون به لطيفا ..

و اتجها الى سيارة تامر و انطلقا بها الى الطرقات ..

و بقيت شيرين صامتة ..

اليوم تودع اجمل احلام حياتها ..

حلم بدأ جميلا و انتهى بكابوس .. لكنها لم تشأ أن تستيقظ منه ..

لكن الحلم طال عذابه و لم يبق فيه مكان لها لذا قررت ان تستيقظ منه ولو بقيت تبكيه بعدها كل عمرها حتى الممات ..

و قال تامر : سنذهب الى اين يا شيرين اليوم؟

اشاحت بوجهها لكي لا يرى اثر الدموع بعينيها و قالت: منتزه ( .....) .

صمت تاركا اياها تتمالك نفسها ..

كان يفكر جديا فيما عساه ان يفعل ..

لكن ذهنه كان مضطربا فارغا من الافكار ..

كان قد استسلم للامر الواقع و ترك الامور للقدر يصرفها كيف شاء خالقه ..
فقد تحدث معجزة ما ..

لكنه يدرك انه ليس زمن المعجزات ..

ثم وصلا الى المنتزه المطلوب فاركن تامر سيارته في موقف السيارات و تركها في عهدة موظف خاص يثق به جيدا وضعها في مكان ظاهر لعيون حرس تامر..

بعد حادثة اغتيال ميساء تبدلت امور كثيرة جدا تختص بالامن و تم سد ثغرات كثيرة لمنع تكرار تلك المأساة ولو بطريقة مختلفة ..

ثم سار الزوجان عبر المساحات الخضراء صوب طاولتهما المفضلة ..

و جلسا بصمت مترقب ..

لا جديد ..

كل شيء كما اعتادا عليه ..

و تامر لا جديد لديه ..

اذن هو مجرد لقاء روتيني اخر بفارق انه الاخير ..

هكذا فكرت شيرين بعقلها ..

لذا تركت الامور تجري بلا تدخل منها ..
لا تزال عند وعدها انها ستطيع تامر حتى اخر لحظة ..
رغم ان الوقت يَنفد من تامر ..

و هي جادة بمسألة الانفصال ..

عندما يستعصي مرض ما على الاباء لا يبقى الا الجراحة لعلاجه ..

او كما قال المثل " اخر العلاج الكيّ "..

و الكي مؤلم جدا ..

لكن لا مناص .. فقد بقي هو اخر حل ..

و في تلك اللحظة وصل مراد بعجلة الى حيث يجلسان ..


التفت اليه الزوجان بتساؤل فقال بقلق خفيف : سنترك المكان خلال دقائق .. هناك شكوك بوضع امني غير سليم هنا في المكان ..

قالت شيرين باحتجاج : لكني لم اتناول شيئا بعد.

قال بعجلة : اعدك ان ادعوك الى وليمة كاملة على حسابي انت و تامر اذا خرجنا من هنا بسلام خلال الثلث ساعة القادمة .

قال تامر : لدينا وقت اذن .

قال مراد : ليس طويلا .

قال تامر : حسنا .. خذ شيرين الى سيارة الحرس و انا ساطلب وجبة سريعة تأخذها معها الى المنزل و ساتابع انا معك الوضع الطاريء .

نظر اليه مراد ثم قال بعد صمت غير مبرر : لا بأس .. لكن لا تتأخر .

نهض تامر بحماسة و انطلق صوب الكافتيريا و مراد يتابعه زاويا ما بين حاجبيه بصمت دفع شيرين لسؤاله : ماذا هناك يا مراد؟

تنبه مراد قائلا: ماذا ؟ لا شيء.. لا تشغلي بالك .. هيا للمنزل .

ثم اشار لأحد رجاله فاقترب مسرعا منهما و وقف ينتظر شيرين التي نهضت من مكانها و سارت صامتة الى السيارة ..

تدرك ان الوضع لا يحتمل أي نوع من العناد السخيف ..

فقد يكون هناك خطر ماحق هنا يحتم هذا الاخلاء الاضطراري و العودة الى المنطقة الامنة .. ولا آمن عليها من الفيلا التي تسكنها مع زوجها او فيلا اهلها حيث يتكاثف الحرس و وسائل الامن المتطورة جدا ..

و دخلت شيرين السيارة التي انطلقت بها تتبعها سيارة ثانية ..

قليل من الوقت مضى قبل ان يظهر تامر و بيده علبة طعام مغلقة ملفوفة بورق ملون جميل اعطاها لسيارة اخرى كانت تهم باللحاق بالسيارات التي انطلقت و طلب ايصالها لشيرين يدا بيد ..

و مع انطلاق السيارة كان تامر يركب بجوار مراد في سيارة اخرى تتبعها سيارتان اخريان و مراد ينطلق صوب شرق المدينة ..

و سأل تامر مراد باهتمام : ما الجديد ؟

قال مراد بلهجة غامضة : لقد عثرنا على وكر جديد لدبابير الونش .

قال تامر ببطء غاضب : الونش ؟ و هل بقي احد من حثالته ؟

نظر اليه تامر بطرف عينه ثم ابتسم ابتسامة غامضة و قال: هؤلاء فقط حسب معلوماتنا .. وهم يخططون لأمر ما .. سنقتنصهم قبل ان يتحرك احد .

قال تامر : لا احمل سلاحا .

اشار مراد اشارة مبهمة و قال : خذ ما تشاء .. تحت مقعدك خزانة سلاح سرية صممناها حديثا .. ادفع ظهر المقعد للخلف و في نفس الوقت اسحب قاعدته بسرعة لتفتح خزانة السلاح .

مد تامر يده و جذب القاعدة بقوة و هو يدفع ظهر المقعد للخلف فانفتحت الخزانة و كان بها رشاش صغير و مسدسان و كمية رصاص و قنابل .

و انتقى تامر مسدسا و عدة امشاط رصاص وضعها في جيوبه و هو يدس المسدس في حزامة تحت قميصه ثم التقط الرشاش و عمره و وضعه في التابلو مع عدة خزانات احتياطية ..

مرة اخرى ابتسم مراد بصمت و لم يعلق ..

و وصلت السيارات الى مكان بعيد في حي مهجور من الضواحي ..

عين الحي الذي بدأت به المشكلة يوم تعرض الشبان لشيرين و قتل احدهم و اصاب اخر .. لكنهم كانوا في الطرف البعيد منه ..

و تناول تامر الرشاش و حمل خزانات الرصاص بيده و ترجل بحذر متلفتا حوله و انتشر رجال الحرس متخذين مواقع لاطلاق النار ..

ولاحظ ان مراد لم ينزل فنظر اليه بتساؤل فاشار له ليعود للسيارة .. و صعد تامر متسائلا فقال له مراد : ليسوا هنا .. لم نصل بعد .

سأله تامر وهو يرى الحرس يصعدون للسيارة : لماذا توقفت اذن؟

قال مراد بسخرية : لفحص الطريق ايها الذكي و تلقي اشارة عميلنا هناك.. ام تريد ان تصل لهم بطبل و زمر و حفلة موسيقية ؟

قال تامر بشرود بسيط : بل على شكل قذيفة كالعادة.

قال مراد : من حسن حظك ان الحرس مدرب .. و فور نزولك نزلوا ليؤمنوا لك الحماية فيما لو حدث طارئ.

مع اخر كلمة نطقها كان صبي صغير يقطع نهاية الشارع على دراجته مطلقا بوقها بشكل عابث و اختفى في ركن بعيد .. ثم مرت سيارة مثلجات مطلقة موسيقى هادئة .. بعدها مرت ثلاث سيارات اطلقت احدها نفيرا ..

ساعة كاملة مرة على تامر وهو يلتقط كل حركة في الشارع و مراد لا يحرك ساكنا تامر يظن كل حركة هي الاشارة التي اشار لها مراد..


كان مراد ينظر بتشفٍ الى تامر الذي كان كمن يجلس على كومة نار ..

و مضى الوقت حتى استكان تامر ..

ثم فجأة اعتدل مراد و انطلق بالسيارة و خلفه سيارة الحرس ..

هنا تنبهت حواس تامر وهو يهيء رشاشه للقتال ..

و تقافز الحرس كالشياطين و معهم تامر و مراد و من معهما ايضا و اتخذ كل واحد منهم موقعا و استكانوا بانتظار اشارة مراد الذي تأمل المكان الذي يطلّون عليه ثم اشار عدة اشارات لرجاله .. و قام الكل بتركيب كواتم الصوت على اسلحتهم ..


بسلاسة تسرب الرجال متجهين الى مبنى كبير متهدم مبني من الخشب و القرميد و الحجارة و نوافذه متهالكة و العشب يملأ ساحته الصغيرة ..

و قال مراد لتامر : انهم سبعة مرتزقة من قدامى المقاتلين و لديهم قناص ..

هز تامر رأسه متفهما ..

و تسلل الكل محيطين بالمكان بخفة ..


- يتبع -
 
✰ الجزء الخامس عشر و الأخير ✰
____________________________________________

كان هناك صوت حديث داخل المكان و ميز تامر صوت سلاح يعد للعمل ..

و تسلل الكل و استعدوا للقتال ..

يجب اولا التخلص من القناص ..

و القناص يتخذ مكانا حصينا في اعلى مكان على سطح البناء بحيث يمكنه مراقبة الاتجاهات .. و كان رجال تامر على مسافة معقوله من المكان ..

كانت الاشارة تهدف لاخبار مراد و رجاله بان القناص قد نزل من مكانه وهو عادة ينزل لدقائق لقضاء حاجة او لأمر ما ..

و لكي لا تضيع المفاجأة و لكي لا يقتنص عددا منهم و يحذر من في الداخل كان لا بد من التسلل للمكان قبل عودة القناص ..

و ها هم يحيطون بالمكان بعيدا عن نظر القناص الذي لا يمكنه من مكانه مشاهدة ما قرب المخزن الكبير بل يمكنه مشاهدة ما هو ابعد عنه لأن السقف يحجب عنه رؤية الاجسام القريبة جدا من المكان ..

و هو يعتمد على ان من في الداخل يمكنهم التعامل مع أي شخص يصل لهناك و اذا ما ابتعد اصطاده هو ..

اذن لا بد من اقصاء القناص ..


من مكانه كان احد الرجال ينظر عبر منظار مقرب متصل برشاش معدل الى السدة التي يتربع بها القناص الذي لا يظهر منه الا طرف صغير من اعلى رأسه .. و كان يتحرك و على ما يبدو اما يحدث شخاص ما او يعدل من جلسته ..

لحسن حظ الجميع ان القناص وقف و اطل على شيء في طرف السقف و حالا انطلقت الرصاصة الصامتة تخترق جانب رأسه و ترجعه جثة الى كرسيه و اشار الرجل للبقية فانطلقوا بخفة متسللين الى المخزن عبر النوافذ و الشقوق ..

فجأة انطلقت الرصاصات الصامتة تحصد اثنان قبل ان ينتبه البقية و قتل اخر منهم قبل ان يبدأوا بفتح النار ..

و تحول المكان الى جحيم تدوي به الطلقات التي لن تصل الى مسامع احد حتى لو وصلت الى اذنيه فالكل يعرف بصراع الكبار ولا يريد ان يكون طرفا فيه ..

و راحت الرصاصات تتطاير و الكل يقاتل بشراسة من يدافع عن حياته ولا خيار لديه الا ان يموت او يقتل خصمه .. و هذا كان الواقع حقا ..

في تلك الاثناء كانت شيرين تجلس في غرفتها ساهمة تضع خديها بين كفيها مرتكنة الى طاولة صغيرة و الحزن يجتاح كيانها ..

ساعات قليلة و ستعد حقائبها و ترحل ..

ساعات فقط ..

لا تدري ما قد يحدث في تلك الساعات لكنها لا تتوقع الكثير ..

ربما نصائح او توسلات او غير ذلك من اجل ان تبقى ..

لكن هيهات ..

لا مجال للبقاء ..

و قطع افكارها صوت طرقات على الباب فنهضت و فتحت الباب لتجد خادمة رقيقة معها علبة مغلفة و تقول بادب : هذه اشتراها لك سيدي تامر .

صمتت قليلا و تناولت الطرد ..

لا شأن للخادمة الا ان توصل الطرد ولا يجدي رفض شيرين له ..

و وضعت الطرد على الطاولة و عادت تجلس مكانها مفكرة بحالها ..

لكن الفضول الانثوي كان يجبر ذهنها على التفكير بالطرد ..

و تدريجيا كان كل فكرها فيه ..

ترى ماذا يحوي؟

كعكه بالكريمة؟

ثوبا جميلا؟

دمية ظريفة ؟

لا بد انه هدية استرضاء من تامر .. لكن هذا لن ينجح ..

و غلبها الفضول .. ما الضرر ان فتحتها ؟

الم تعد انها له حتى الغد؟

ولا يزال الغد لم يأت .. اذن .. لتفتح الهدية و تكون كما يريد حتى الغد ..

و فتحت الهدية ..

و القت نظرة على ما بداخلها ..

لم تستوعب ما تراه فورا ..

و اتسعت عيناها و هي تمد يدها المرتجفة لتفحص ما بداخل الطرد ..

لم تصدق ما تراه بعيناها ..

و تراجعت عن الطاوله بحدة .. ثم سالت دموعها و ارتمت على اقرب مقعد باكية بحرقة و هي تدفن وجهها بكفيها ..

في تلك الاثناء كان تامر يطلق ثلاث رصاصات على رأس رجل يطلق النار من رشاش ثقيل صوب رجل من الرجال يستتر وراء قالب اسمنتي بعد ان تسلق تامر عمودا خشبيا اوصله الى سدة متهالكة تصلح كنقطة اطلاق نار .. و حال اطلاقه للنار قفز فوق كومة من الصناديق و ترك السدة تتلقى سيلا من الرصاصات من اخر كان يبادل مراد النار ..

و بجرأة قفز مراد جانبا و اطلق عدة رصاصات من رشاشه قتلت الرجل و كان اخرهم بعد ان تكفل رجاله و تامر بالبقية ..

كان المساء يرخي سدوله عندما انتهت المعركة و كان الدخان يملأ المكان و بعض شعلات صغيرة هنا و هناك و رجال تامر يطوفون بين الجثث و يفتشون المكان بحرفية .. لم يبق احد حيا عداهم ..

و نظر مراد لساعته ثم اشار لرجاله بالتحرك .. فاخذوا معهم جثتان و مصاب منهم و قام البقية بسكب النفط في ارجاء المكان و قام اخر بنصب قنبلة حارقة في ركن خفي و انطلق الكل الى السيارات و اتخذوا طريقا خلفيا لا يلفت النظر .. لقد درسوا المنطقة جيدا قبل العملية و رسموا خط الرجعة و البدائل لكل خطوة ..

ثم بكبسة زر اشعل احد الرجال القنبلة فاطلقت لهيبا طويلا اشعل النار بالمكان .. و خلال دقائق كان المكان عبارة عن اتون ملتهب يلتهم كل شيء داخله خصوصا ان هناك العديد من المواد القابلة للاشتعال في مخزن كهذا ..

و انطلقت السيارات المطفئة الاضواء على بصيص ضوء القمر المتسلل من بين المباني حتى وصلت الى تخوم المدينة ثم انطلقت مسافة طويلة عبرت خلالها الشوارع الالتفافية الخارجية ثم عادت للمدينة عبر طرق ملتوية لمنع مطاردتها من قبل الشرطة و لكي تضيع الاثار ..

و قد نجح الامر ..

بعدها تكفلوا كالعادة بأمر الجثث و الجريح و اختفت الاثار و عادت الابتسامات ترتسم على الوجوه ككل يوم دون اثر لما حدث ..

لقد انتهي عهد طويل من الصراعات حتى زمن معين..

و عندما تعود المشاكل سيكون لكل حادث حديث ..

ثم اخفى تامر سلاحه في المكان السري بالسيارة و ان احتفظ بالمسدس تحت ثيابه و بعض الذخيرة في جيبه ..

اخيرا وصل الركب الى المنزل ..

كانت الاضواء مطفأة على غير العادة عدا عن ضوء خافت في الصالة الكبيرة و كانت الكللابب وحدها تطوف في الحديقة ..

و ترجل الركب و وقفوا يتأملون الوضع ..

ماذا حصل؟

هل هوجمت الفيلا دون علمهم ؟

مستحيل والا لعرفوا فورا ..

الكللابب غير متوترة .. اذن لا غرباء دخلوا امامها على الاقل ..

لا حرس حول الفيلا ..

اين ذهب الكل ..؟

استل تامر مسدسه و اندفع بشكل انتحاري كالصاروخ صوب الفيلا فلم يملك البقية الا اللحاق به خوفا من ان تقتله اول رصاصة من كمين ما ..

لا يمكن ..

لا .. ليس مرة اخرى .. لن يفقد احدا هذه المرة ..

كان قلبه يدق بعنف و هلع شديدان..
لا..
ليس شيرين ..

لن يخوض هذا العذاب مرة اخرى ولو احرق العالم كله ..
يا رب السماء .. ماذا حصل لها ؟؟

و فتح الباب و اندفع و الرجال خلفه بتوتر و قلق..

و فورا اضيئت كل انوار الفيلا باضواء ملونة مبهرة و تعالى هتاف العشرات من الموجودين و تطايرت القصاصات الملونة و انطلقت الموسيقى و الكل يندفع صوب تامر معانقين و قبلات شقيقاته و والديه و حتى شيرين تغمره ..

و حضنته شيرين باكية بحرقة ..

و نظر اليهم بتساؤل ..

فقال الوالد مبتسما : مرحبا بك مرة اخرى يا تامر .. مبارك شفاؤك يا ولدي .

قال تامر بدهشة : و .. ولكن كيف؟.. كيف عرفتم ؟ انا لم اخبر احدا .

قالت شيرين باسمة و هي تمسح دموعها : غباؤك اخبرنا .

سألها بدهشة باسمة : و كيف يا ذكية؟

قالت و هي تخرج علبة طعام من تحت الطاولة : كيف يمكنك معرفة الطبق الذي افضله دون ان تكون متذكرا لكل شيء؟ انه طبق لا يقدّم في أي مطعم في الدنيا على حد علمي .. وتناولناه قبل ان تفقد ذاكرتك مباشرة و انا لم اخبر احدا عنه اطلاقا حتى امي لا تعرفه .. ارأيت انك وقعت بسهولة؟

ابتسم تامر و قال: و ما ادراك انني وقعت؟ و ما ادراك انني تعمدت ذلك و انني اردت ان تحسّي بالامر قبل ان اخسرك؟

قالت بدلال: ربما .

قال ضاحكا وهو يعيد مسدسه الى حزامه : ربما ؟ .. يا للنساء .

و ابتسم الرجال المتوترين وزفروا بارتياح خافضين اسلحتهم وعلت اصوات الفرح في المكان و الكل يحتفل بطريقته ..


استمر الحفل ساعات طوال ثم طلب الضيوف الخروج للحديقة حيث اصطفت الموائد متفرقة من اجل العشاء الفاخر للجميع..

و اختار تامر و شيرين طاولة قرب النافورة حيث كانت شيرين تحمل طبقها معها تأكل منه دون ان تسمح لتامر بنيل شيء منه ..

و وجد تامر على الطاولة معلبات و اطباقا .. و على طاولة قريبة موالح و بهارات و لحم مفروم مقلي و غيرها الكثير ..

و قال تامر لشيرين : لست وحدك من تصنع طعاما خاصا .. انظري و تعلمي.

نظرت اليه بطرف عينها و هي تأكل من طبقها وهو يتناول علبا عن الطاولة و فتح اثنتان منها و راح يخلطها بطريقة سريعة مع الموالح و غيرها و شيرين تنظر اليه بصمت دون ان تتدخل ..

و انهى الخليط و رش عليه الملح و البهار و تناول ملعقة فضية عن الطاولة ناظرا لشيرين بتشفٍ و تكبر ..

منظر طبقه اشهى من منظر طبقها الذي تأكله بروية ..

ثم جلسا حول الطاولة و راحت هي تأكل من طبقها المفضل و هو يأكل مما صنع بتلذذ دون ان يحاول تقريبه منها..
كان فخورا بما صنع و كانت تأكل طبقها بتمهل و تراقبه بصمت عجيب يلتهم طبقه التهاما بشراهة جائع ..

ثم سمع همهمة خافتة بجواره فنظر جانبا حيث رأى كلب حراسة كبير يحملق به و يلعق شفتيه و يطلق انينا خافتا ثم عوى مرتان و زام مكانه ثم اقعى و عوى مجددا لاهثا بلسانه محملقا بتامر ..

فقال تامر مستغربا : غريب امر هذا الكلب .. يكاد يهاجمني رغم انه مدرب جيدا .. ماذا اصابه يا ترى؟.

قالت باسمة بشماتة وهي تمسك احد المعلبات الفارغة التي استعملها و تديرها نحوه : لأنك تأكل طعامه ايها الذكي .



- انتهت القصة -



 
القصة قيد الدراسة فقد تتم طباعتها على شكل كتاب قريبا ان نجح الامر
 
اتمنى من الادارة تعديل العنوان الى ( انياب الملائكة - كاملة ) و دمج الاجزاء ان امكن
 
🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌹 🌹 🌹 🌹🌺
 
نسوانجي كام أول موقع عربي يتيح لايف كام مع شراميط من أنحاء الوطن العربي
مرحبا بكم عزيزي الكاتب عزيزتي الكاتبة طالما قصتك في هذا القسم فيعني أنها متسلسلة فعليه حينما تريد تضيف جزء جديد عليك باتباع الخطوات التالية وهي اولا تضع الجزء الجديد في مربع الكتابة بالاسفل ثانيا تدخل على هذا الرابط
وتطلب دمج الجزء الجديد من قصتك وتكتب اسم قصتك وتكتب رقم المشاركة التي فيها الجزء أو تنسخ رابط قصتك
وسيستجيب لك أحد مشرفي القصص
لو كان متاح مباشرة
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى أسفل
0%